تهذيب اللغة - ج ٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٣

وقال الليث : عَرِي الرجل عِروة شديدة وعِرْية شديدة ، وعُرْيا فهو عُرْيان ، والمرأة عريانة. ورجل عارٍ وامرأة عارية. والعُرْيان من الخيل : الفرس الطويل القوائم المقلِّص. والعريان من الرمل نَقياً ليس عليه شجر.

وفي حديث أنس أن أهل المدينة فزعوا ليلاً فركب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرساً لأبي طلحة عُرْياً.

قلت : والعرب تقول : فرس عُرْى ، وخيل أعراء. ولا يقال رجل عُرْى. وقد اعرورى الفارسُ فرسَه إذا ركبه عرياً وكذلك اعرورى البعيرَ ومنه قوله :

واعرورت العُلُط العُرْضِيَّ تركضه

أُمُّ الفوارس بالدِئِداء والرَبَعهْ

أبو الهيثم : دابّة عُرْي وخيل أعراء ، ورجل عارٍ وامرأة عارية إذا عريا من أثوابه ، ورجل عار إذا خلقت ثيابه. وقال :

أتيتك عارياً خلقاً ثيابي

على عجل تظن بي الظنون

وروي عن زائدة البكريّ أنه قال : نحن نُعاري أي نركب الخيل أعراء ، وذاك أخف في الحرب وأعريت المكان إذا تركت حضوره.

وقال ذو الرمة :

* ومنهلٍ أعرى جَبَاه الحُضَّر*

وقال الليث أعراء الأرض : ما ظهر من متونها وظهورها.

وأنشد :

* وبلدٍ عارية أعراؤه*

قال والعراء كل شيء أعريته مِن سُتْرته تقول استره من العراء. وتقول : ما تعرّى فلان من هذا الأمر أي ما تخلص. قال والنخلة العرِيَّة : التي إذا عَرضت النخل على بيع ثمرها عُرِّيت منها نخلة أي عزلتها من المساومة. والجميع العرايا. قال : والفعل منه الإعراء ، وهو أن يجعل ثمرتها لمحتاجٍ عامها ذلك ، أو لغير محتاج. ومعاري المرأة : ما لا بدّ لها من إظهاره ، واحدها مَعْرًى.

ابن الأعرابي : يقال : نزل بَعْروته وعَقْوته أي بِفنائه.

وقوله جلّ وعزّ : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) [البَقَرَة : ٢٥٦].

قال أبو إسحاق : معناه : فقد عقد لنفسه من الدين عقداً وثيقاً لا تحلّه حُجَّة.

أبو عبيد عن الأصمعي : العروة من الشجر الذي لا يزال باقياً في الأرض لا يذهب وجمعها عُرى ومنه قول مهلهل :

خلع الملوك وسار تحت لوائه

شجر العرى وعَراعِرُ الأقوام

ونحو ذلك قال أبو عبيدة وأبو عمرو في العروة.

قلت والعروة من دِقّ الشجر : ما له أصل باق في الأرض ؛ مثل العَرْفَج والنَصِيّ وأجناس الخُلَّة والحَمْض ، فإذا أمحل الناس عصمت العروةُ الماشية فتبلّغت بها ، ضربها الله مثلاً لما يُعتصم به من الدين في قوله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ

١٠١

الْوُثْقى).

وأنشد ابن السكيت :

ما كان جُرِّب عند مَدّ حبالكم

ضعف يخاف ولا انفصام في العرى

قال قوله : انفصام في العرى أي ضعف فيما يعصم الناس.

وقال الأخفش : العروة الوثقى شُبِّه بالعروة التي يتمسك بها.

وقال الليث : العروة عروة الدلو وعروة الكوز ونحوه.

وفي «النوادر» : أَرض عُرْوة وذِروة وعِصمة إذا كانت خصيبة خصباً يبقى.

وقال ابن السكيت في قولهم : أنا النذير العريان : هو رجل من خثعم حَمَل عليه يوم الخَلَصة عوف بن عامر بن أبي عويف بن مالك بن ذبيان بن ثعلبة بن عمرو بن يشكر ، فقطع يده ويد امرأته ، وكانت من بني عُتْوارة ابن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.

وروى أبو أسامة عن بُريد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل أنذر قومه جيشاً فقال : أنا النذير العريان ، أنذِركم جيشاً».

وقال الليث : جارية حسنة المُعَرَّى أي حسنة عند تجريدها من ثيابها ، والجميع المعاري. وقال ومعاري رؤس العظام حيث يعرى العظم عن اللحم.

وقال الأصمعي المعاري : الوجوه والأطراف والترائب. وقال :

فإن يك ساق من أمية قلَّصت

لقيس بحرب لا تُجنّ المعاريا

أي شمر تشميراً لا يستر معاريه. والمحاسر مثل المعاري من المرأة. وفلاة عارية المحاسر إذا لم يكن فيها كِنّ من شجرها. ومحاسرها متونها التي تنحسر عن النبات.

وقال غيره : العُرْوة : النفيس من المال مثل الفرس الكريم ونحوه. ويقال لطوق القلادة : عروة. ويقال : فلان عُرْيان النجِيّ إذا كان يناجي امرأته ، ويشاورها ويُصْدر عن رأيها. ومنه قوله :

أصاخ لعريان النجيّ وإنه

لأزور عن بعض المقالة جانبه

أي استمع إلى امرأته وأهانني. وعُرا المرجان : قلائد المرجان ، وعرا المزادة : آذانها. والعُرَا سادات الناس الذين يعتِصم بهم الضعفى ، ويعيشون بعُرْفهم ، شبِّهوا بعُرا الشجر العاصمة الماشية في الجدب. شمر عن ابن شميل العَرَاء : ما استوى من ظهر الأرض وجَهَر. والعراء الجهراء مؤنثة غير معروفة.

والعراء مذكر مصروف ، وهما الأرض المستوية المُصْحِرة ليس بها شجر ، ولا جبال ولا آكام ولا رمال وهما فضاء الأرض. والجماعة الأعراء. يقال وطئنا أعراء الأرض والأعرية.

وقال أبو زيد : أتتنا أعراؤهم أي

١٠٢

أفخاذهم. وقال الأصمعي. الأعراء : الذين ينزلون في القبائل من غيرهم ، واحدهم عُرْى. قال الجعدي :

وأمهلت أهل الدار حتى تظاهروا

عليّ وقال العُرْيُ منهم فأهجرَا

وقال أبو عمرو : العَرَى البَرْد. وعَرِيت ليلتنا عَرًى. وقال ابن مقبل :

وكأنما اصطبحت قريح سحابة

بعَرًى تنازعه الرياح زلال

قال : العرى : مكان بارد.

وقال ابن شميل العرى مثل العَقْوة ، ما بعرانا أحد أي ما بعقوتنا أحد.

عمرو عن أبيه أعْرى إذا حُمَّ العُرْوَاء قال : ويقال حم عُرَواء وحم بعرواء وحم العَرَوَاء.

وقول الشاعر ـ وهو الجعدي ـ :

وأزجر الكاشح العدوّ إذا اغتا

بك زجراً مني على أَضَم

زجر أبي عروة السباع إذا

أشفقن أن يلتبسن بالغنم

قال خلف : كان أبو عروة يزجر الذئب فيقع ميتاً من زجره ، ويصيح بالسبع فيموت مكانه ، ويشقّون عنه فيجدون فؤاده قد خرج من غشائه.

رعي : الحراني عن ابن السكيت : الرَّعْي مصدر رعى يرعى رَعْياً الكلأ ونحوه.

والرِّعْي : الكلأ نفسه بكسر الراء. والراعي يرعى الماشية أي يحوطها ويحفظها. والماشية ترْعى أي ترتعُ وتأكل الرعي. وكل شيء حُطْته فقد رعيته. والوالي يرعى رعيته إذا ساسهم وحفظهم. والرِّعاية : حرفة الراعي ، والمسوس مَرْعِيّ. وقال أبو قيس بن الأسلت :

ليس قَطاً مثل قُطَيّ ولا ال

مرعيّ في الأقوام كالراعي

وجمع الراعي رِعَاء. قال الله تعالى : (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القَصَص : ٢٣] ويجمع الراعي رُعَاة ورُعْياناً.

وأكثر ما يقال رُعَاة للولاة ، والرعيان لجمع راعي النعم. ويقال للنعم هي ترعى وترتعي. وقرأ بعض القراء قول الله تعالى : (أرسله معنا غداً نرتِعي ونلعبْ) [يوسف : ١٢] وهو نفتعل من الرعي. وقيل معنى نرتعي أي يَرعى بعضنا بعضاً. وأما قول الله جلّ وعزّ : (لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا) [البَقَرَة : ١٠٤] فإن الفراء قال هو من الإرعاء والمراعاة.

وقال أبو العباس : (راعِنا) أي راعنا سمعك أي اسمع منا ، حتى نُفَهِّمك وتفهم عنا.

قال : وهي قراءة أهل المدينة ، ويصدّقها قراءة أُبَيّ بن كعب : (لا تقولوا راعونا) والعرب تقول : أَرْعِنا سمعَك ، وراعنا سمعك بمعنى واحد. وقد مرّ معنى ما أراد القوم براعنا من باب الرعن والرعونة.

وقال الليث : يقال : فلان يراعي أمر فلان أي ينظر إلى ما يصير أمره ، وراعيت النجوم ، وإبل راعية والجميع الرواعي.

قال : والإرعاء : الإبقاء على أخيك. وقال ذو الإصبع : بغى بعضُهم بعضاً

١٠٣

فلم يُرْعوا على بعض

والرَّعْوى : اسم من الإرعاء ، وهو الإبقاء.

ومنه قول ابن قيس الرقيات :

إن يكن للإله في هذه الأم

ة رَعْوى يعد إليك النعيم.

والبَقْوى والبُقْيا : اسمان يوضعان موضع الإبقاء.

وروى أبو عبيد عن الكسائي : الرَّعْوى والرُّعْيَا من رعاية الْحِفَاظ.

وقال الليث : يقال : ارعوى فلان عن الجهل ارعواء حسناً ، ورَعْوَى حسنة ، وهو نزوعه وحسن رجوعه.

قلت : والرَّعْوى لها ثلاثة معان : أحدها : الرَّعْوى اسم من الإرعاء وهو الإبقاء والرعوى رعاية الحِفَاظ للعهد ، والرَّعْوى حسن المراجعة والنزوع عن الجهل.

وقال شمر : تكون المراعاة من الرَّعْي مع آخر. يقال : هذه إبل تراعي الوحش أي ترعى معها. والمراعاة : المحافظة ، والإبقاء على الشيء.

قال : والإرعاء : الإبقاء. وأرعيت فلاناً سمعي إذا استمعت ما يقول.

والمراعاة : المناظرة والمراقبة ، يقال : راعيت فلاناً مراعاة ورِعَاء إذا راقبته وتأمَّلت فعله.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الرَّعِيَّة : الأمّة بأسرها.

أبو عبيد عن الأحمر : الرَّعَاوى والرُّعَاوى جميعاً : الإبل التي يُعتمل عليها.

وقالت امرأة لزوجها :

تمششتني حتى إذا ما تركتْني

كنِفْو الرُّعاوَى قلت إني ذاهب

قال شمر : لم أسمع الرعاوي بهذا المعنى إلّا هاهنا.

أبو عبيد عن الفراء : إنه لترعِيّة مال إذا كان يَصْلُح المالُ على يده.

سلمة عن الفراء : يقال : تَرْعِيَّة وتِرْعِيَّة وتُرْعاية وتِرْعاية وتُرْعِيَّة بهذا المعنى.

وأنشد الفراء :

ودارِ حفاظ قد نزلنا وغيرِها

أحبّ إلى الترعيَّة الشنآن

أبو عمرو الأُرْعُوه بلغة أَزْد شَنُوءة : نير الفَدَّان يُحْتَرَثُ بها. ويقال أرعى الله المواشي إذا أنبت لها ما ترعاه.

وقال الشاعر :

* تأكل من طيّب والله يُرعيها*

ويقال : فلان لا يُرْعى إلى قول أحد أي لا يلتفت إلى أحد. ورأى فلان راعية الشيب وَرَواعي الشيب : أولُ ما يظهر منه.

وقال أبو سعيد : أمر كذا أرفق بي وأرعى عليّ.

عير ـ عور : أبو العباس عن ابن الأعرابي : العَيْر : الفرس النشيط.

قال : والعرب تمدح بالعيَّار وتَذمّ به. يقال : فلان عَيَّار : نشيط في المعاصي ، وغلام عَيَّار : نشيط في طاعة الله تعالى وفرس عَيَّار وعيَّال : نشيط. ويقال عار

١٠٤

الرجلُ يعير عَيَراناً ، وهو تردده في ذهابه ومجيئه. ومنه قيل : كلب عيَّار وعائر. وهذا من ذوَات الياء.

وأما العاريّة والإعارة والاستعارة فإن العرب تقول فيهما : هم يتعاورون العواريّ ويتعوَّرونها بالواو ، كأنهم أرادوا تفرقة بين ما يتردّد من ذات نفسه وبين ما يُردَّد.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العارية منسوبة إلى العارة ، وهي اسم من الإعارة. يقال : أعرته الشيء أُعيره إعارة وعارة ، كما قالوا : أطعته إطاعة وطاعة ، وأجبته إجابة وجابة. وهذا كثير في ذوات الثلاث ؛ منها العارة ، والدارة ، والطاقة ، وما أشبهها. ويقال : استعرت منه عارِيّة فأعارنيها.

وقال الليث : سمِّيت العارية عاريّة لأنها عارٌ على من طلبها : قال : والعار : كل شيء تلزم به سُبّة أو عيب. والفعل منه التعيير.

قال ومن قال هذا قال : هم يتعيّرون من جيرانهم الماعون والأمتعة.

قلت : وكلام العرب يتعوَّرون بالواو والمعاورة والتعاور : شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين.

ومنه قول ذي الرمة :

وَسِقط كعين الديك عاوَرت صاحبي

أباها وَهيَّأنا لموقعها وَكْرا

يعني الزند وَما يسقط من نارها وَأنشد ابن المظفر :

* إذا رَد المعاوِر ما استعارا*

وَيقال : تعاوَر القوم فلاناً ، واعتوروه ضرباً إذا تعاونوا عليه. فكلما أمسك واحد ضَرب وَاحد ، وَالتعاور عام في كل شيء. وَتَعاوَرت الرياحُ رسم الدار حتى عَفَته أي تواظبت عليه. قال ذلك الليث.

قلت : وَهذا غلط. ومعنى تعاوَرت الرياح رسم الدار : تداوَلته ، فمرة تَهُبّ جَنُوباً ، وَمرة تهبّ شمالاً ، وَمرة قَبُولاً ، وَمرة دَبُوراً.

وَمنه قول الأعشى :

دِمْنة تَفْرة تعاوَرَها الصي

ف بريحين من صَبَا وَشَمالِ

وَقال أبو زيد : تعاوَرنا العواريّ تعاوُراً إذا أعار بعضكم بعضاً ، وتعوَّرنا تعوُّراً إذا كنت أنت المستعير ، وَتَعاوَرنا فلاناً ضرباً إذا ضربته مرة ، ثم صاحبُك ، ثم الآخر أيضاً.

وقال ابن الأعرابي : التعاور والاعتوار : أن يكون هذا مكان هذا وهذا مكان هذا يقال اعتوراه وابتدَّاه ، هذا مرة وهذا مرة ، ولا يقال : ابتدّ زيد عمراً ، ولا اعتور زيد عمراً. ويقال للحمار الأهلي والوحشي : عَيْر ، ويجمع أعياراً. وقد يقال : المَعْيُوراء ممدودة ؛ قال ذلك الأصمعي ؛ مثل المعلوجاء ، والمشيوخاء ، والمأتوناء ، يمدّ ذلك كله ويُقصر. ومن أمثالهم إن ذهب عَيْر فعَيْر في الرباط. ومن أمثالهم أيضاً فلان أذلّ من العَيْر ، فبعضهم يجعله الحمار الأهلي ، وبعضهم يجعله الوتِد.

وقال أبو عبيد : من أمثالهم في الرضا بالحاضر ونسيان الغائب قولهم : إن ذهب

١٠٥

عير فعير في الرباط قال : ولأهل الشام في هذا مثل : عَيْر بعَيْر ، وزيادهَ عشرة. وكان خلفاء بني أمية كلَّما مات واحد زاد الذي يخلُفه في عطائهم عشرة ، فكانوا يقولون هذا عند ذلك.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال في قول العرب : أتيته قبل عَيْر وما جرى ، قال : العير المثال الذي في الْحَدقة يسمى اللُّعبة. قال : والذي جرى الطَرْف ، وجَرْيه حركته. والمعنى : قبل أن يطرِف الإنسان.

وقال الشماخ :

وتعدو القِبصَّى قبل عَيْر وما جرى

ولم تدر ما بالي ولم تدر بالها

قال والقِبِصّى والقمصى : ضرب من العَدْو فيه نَزْو.

ويقال : فلان ظاهر الأعيار أي ظاهر العيوب وقال الراعي :

ونبتَّ شرَّبني نُمَير منصِبا

دَنِس المروءة ظاهر الأعيار

قال : كأنه مما يعيّر به.

وقال أحمد بن يحيى : أخبرني أبو نصر عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : مات من يحسن تفسير بيت الحارث بن حِلّزة :

زعموا أن كل من ضرب العَيْ

ر مُوَال لنا وأنّا الوَلاء

قال أبو عمرو : العَيْر : هو الناتىء في بؤبؤ العين. ومعناه أن كل من انتبه من نومه حتى يدور عَيْره جنى جناية فهو مولًى لنا ، يقولونه ظلماً وتجنّياً. قال : ومنه قوله أتيتك قبل عَيْر وما جرى ، أي قبل أن ينتبه نائم.

وقال أحمد بن يحيى في قوله : وما جرى : أرادوا جريه ، أرادوا المصدر.

وقيل في قول ابن حِلّزة : إن العير جَبَل بالحجاز. وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرّم ما بين عَيْر إلى ثَوْر ، وهما جبلان. وقيل : العَيْر وادٍ في قوله :

* وواد كجوف العَيْر قفرٍ هبطته*

وقول كجوف العَيْر أي كوادي العير ، وكلّ واد عند العرب جَوْف.

وقال الليث : العَيْر : اسم موضع كان مخصِباً ، فغيَّره الدهر فأقفر ، فكانت العرب تُضرب به المَثَل في البلد الموحش.

وقيل : العَيْر الطبل والعير : العظم الناتىء وسط الكتف.

قال ابن السكيت. قال : والعَيْر : عَيْر النصل ، وهو الناتىء في وسطه وعَيْر القَدَم : الناتىء في ظهرها. وعَيْر الورقة : الناتىء في وسطها. قال : والعِيرُ : الإبل التي تحمل المِيرة.

وروى أبو سلمة عن الفراء أنه أنشده قول ابن حلزة : زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا بكسر العين قال : والعِير : الإبل ، موال لنا أي العرب كلهم موال لنا من أسفل ، لأنا أسرنا فيهم فلنا نعم عليهم.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قول الله جلّ وعزّ : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) [يُوسُف : ٩٤] إنها كانت حُمُراً.

١٠٦

قال : وقول من قال : العير الإبل خاصّة باطل ، كل ما امتِير عليه من الإبل والحمير والبغال فهي عِير.

قال : وأنشدنا نُصَير لأبي عمرو السعدني في صفة حَمِير سمّاها عِيراً ، فقال :

أهكذا لا ثَلَّة ولا لبنْ

ولا يذكين إذا الذين اطمأن

مُفَلطحات الرَوْث يأكن الدِمن

لا بدّ أن يخترن مني بين أن

يُسَقَن عيرا أو يُبَعن بالثمن

قال وقال نصير : الإبل لا تكون عِيرا حتى يُمتار عليها.

وقال المنذري : أخبرني أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : العِير من الإبل : ما كان عليه حِمْله أو لم يكن. قال : والعَيْر جمع عائر ، وهو النشيط وهو مدح وذمّ. قال : وفرس عَيَّار إذا عار ، وفرس عَيَّار إذا نشِط ، فركِب جانباً ثم عدل إلى جانب آخر من نشاطه.

وأنشد أبو عبيد :

ولقد رأيتَ فوارساً من رهطنا

غَنَظوك غَنْظ جرادة العيار

قيل : أراد بجرادة العيّار جرادة وضعها في فيه فأفلتت من فيه. وقيل : جرادة العيار اسم فرس والعيار اسم رجل ، قال ذلك ابن الأعرابي.

أبو عُبيد عن الكسائي والأصمعي وأبي زيد : عايرت المكاييل وعاورتها كقولهم : عيّرتها. وقال أبو الجراح مثله. ذكر ذلك في باب ما خالفت العامة فيه لغة العرب.

وقال الليث : العِيَار : ما عايرْت به المكاييل ؛ فالعِيار صحيح تامّ وافٍ. تقول : عايرت به أي سوّيته وهو العِيَار والمعيار. قال : وعيَّرت الدينار وهو أن تلقي ديناراً ديناراً فتوازن به ديناراً ديناراً. وكذلك عيّرت تعييراً إذا وزنت واحداً واحداً. يقال هذا في الكيل والوزن.

قلت : وفرق الليث بين عايرت وعيّرت فجعلت عايرت في المكيال وعيّرت في الميزان. والصواب ما رويناه لأبي عبيد عن أصحابه في عايرت وعيّرت فلا يكون عيّرت إلّا من العار والتعيير.

وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى قول الشاعر :

وجدنا في كتاب بني تميم

أحقُّ الخيل بالركض المعَار

فقال اختلف الناس في المُعَار. فقال بعضهم : هو المنتوف الذنب وقال قوم : المعار السمين وقال قوم المعار : المُضَمَّر المُقَدَّح.

وقال ابن الأعرابي وحده : هو من العارية. وأنشد غيره :

* أعيروا خيلكم ثم اركبوها*

وقال معنى أعيروها أي ضمّروها بترديدها من عار يعير إذا ذهب وجاء. وقيل للمضمَر : مُعار لأن طريقة متنه نتأت ، فصار لها عَيْر ناتىء. وأنشد الباهلي قول الراجز :

وإن أعارت حافراً معارا

وَأْباً حمت نسورَه الأوقارا

١٠٧

وقال : معنى أعارت : رفعت وحوَّلت. قال : ومنه إعارة الثياب والأدوات. قال : واستعار فلان سهماً من كنانته أي رفعه.

وحوّله منها إلى يده. وأنشد قوله :

هثّافة تخفض من نذيرها

وَفي اليد اليمنى لمستعيرِها

* شهباء تُروِي الريشَ من بصيرها*

شهباء : مِعْبَلَة. والهاء في مستعيرها لها وَالبصير : طريقة الدم.

وقال بشر بن أبي خازم :

كأن خفيف منخره إذا ما

كَتَمن الرَبْو كِير مستعار

قيل في قوله : مستعار قولان : أحدهما : أنه استعير فأُسرع العملُ به مبادرة لارتجاع صاحبه إيّاه.

وَالثاني : أن تجعله من التعاور ، يقال : استعرنا الشيء وَاعتورناه وَتعاوَرناه بمعنى وَاحد عَارَ عَيْنَه وَيقال : عارت عينه تعار ، وعوِرت تَعْوَر ، وَاعورَّت تعورّ ، وَاعوارَّت تعوارّ بمعنى وَاحد. ويقال : يَعُورها إذا عوَّرها.

وَمنه قول الشاعر :

فجاء إليها كاسراً جفن عينه

فقلت له من عار عينك عنترة

يقول : من أصابها بعُوَّار ، وأعارها من العائر.

وقال ابن بزرج : يقال : عار الدمعُ يعير عَيَراناً إذا سال. وأنشد : وربت سائل عني حفِيّ

أعارت عينه أم لم تعارا

أي أدمعت عينه. وقال الليث : عارت عينه في هذا البيت بمعنى عورت وليس بمعنى دمعت ؛ لأنهم يقولون عار يعير بمعنى دمع.

أبو عبيد عن اليزيدي : بعينه ساهِك وعائر وهما من الرَمَد. قال : والعُوَّار مثل القذى بالتشديد : سلمة عن الفراء قال : العُوَّار : الرمد.

العُوَّار الرمَد الذي في الحَدَقة.

أبو عبيد عن الفراء : العَوَار : العيب بفتح العين في الثوب. وقال ذو الرمَّة :

تُبَيِّنُ نسبة المَرَئيّ لو ما

كما بيَّنت في الأدَم العَوارا

وقال الليث : العائر غَمَصة تَمُضّ العين ، كأنما وقع فيها قذًى وهو العُوّار. قال : وعين عائرة : ذات عُوّار. قال : ولا يقال في هذا المعنى عارت ، إنما يقال عارت العين تعار عَوَاراً إذا عوَّرت. وأنشد : أعارت عينه أم لم تعارا قال وأَعْور الله عين فلان ، وعوّرها. وربما قالوا : عُرْت عينه. قال : وعَوِرت عينه واعورَّت إذا ذهب بصرها.

أبو عبيد عن الأصمعي : من أمثالهم : كلب عائر خير من كلب رابض. فالعائر المتردّد ، وبه سمي العَيْر لأنه يعِير فيتردّد في الفلاة. ويقال : جاءه سهم عائر فقتله وهو الذي لا يُدرى من رماه.

وأنشد أبو عبيد : أخشى على وجهك يا أمير

١٠٨

عوائراً من جندل تعير

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : العُوَّار : الرجل الجبان. وجمعه العواوير.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : العواوير : الخطاطيف. وهي الأقذاء في العين ، والواحد منها عُوَّار.

وقال الليث : العُوَّار : ضرب من الخطاطيف أسود طويل الجناحين. قال : والعُوَّار : الجبان السريع الفرار والجماعة العواوير. ومن أمثال العرب السائرة : أعْوَرُ عَيْنَك والحَجَر.

قال الليث : يسمى الغراب أعور ، ويصاح به فيقال : عُوَير. وأنشد : وصحاحُ العيون يُدعَون عُورا

وإنما سمي الغراب أعور لحدّة بصره ، كما يقولون للأعمى : أبو بصير ، وللحبشي : أبو البيضاء.

وقال أبو الهيثم : يقال للكلمة القبيحة : عوراء ، وللكلمة الحَسَنة عَيْناء. وأنشد قول الشاعر :

وعوراء جاءت من أخ فرددتها

بسالمة العينين طالبةٍ عذراً

أي بكلمة حسنة لم تكن عوراء والعَوَر شين وقبح.

وقال الليث العوراء : الكلمة التي تهوِي في غير عقل ولا رُشْد. قال : ودجلة العوراء بالعراق بمَيْسان ويقال للأعمى بصير ، وللأعور أحول. قلت رأيت بالبادية امرأة عوراء ، كان يقال لها الحولاء ، وقد يقولون للأحول أعور قال والعَوَر : خَرْق أو شَقّ يكون في الثوب. قال : والعَوَر : ترك الحق. وقال العجاج :

وعوّر الرحمنُ من ولّى العَوَر

أراد من ولاه العور.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَوَر : الرداءة في كل شيء. قال : والعرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه : أعور.

وقال أبو عبيد : يقال للرجل إذا كثر ماله : ترِد على فلان عائرةُ عين ، وعائرة عينين أي ترد عليه إبل كثيرة ، كأنها من كثرتها تملأ العينين ، حتى تكاد تَعُورها أي تفقؤها. يقال : عار عينَه وعوَّرها.

وقال أبو العباس : معناه أنها من كثرتها تعِير فيها العين.

وقال الأصمعي : أصل ذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا بلغ أبلُه ألفاً عار عين بعير منها ، فأرادوا بعائرة العين ألفاً من الإبل تعُور عينُ واحد منها.

وقال شمر : عورت عيون المياه إذا دفنتها وسددتها ، وعوَّرت الركية إذا كبستها بالتراب حتى تنسد عيونها.

وقال ابن الأعرابي : العُوَّار : البئر التي لا يُستقى منها. قال : وعوَّرْت الرجل إذا استسقاك فلم تسقه وقال الفرزدق :

متى ما ترد يوماً سفارِ تجد به

أديهم يرمي المستجيز المعوَّرا

سَفَارِ : اسم ماء ، والمستجيز الذي يطلب الماء ؛ والعرب تصغر الأعور عُوَيرا ، ومنه قولهم كُسَير وعوير ، وكل غيرُ خير.

وقال الفراء في قوله جلّ وعزّ : (إِنَّ بُيُوتَنا

١٠٩

عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) [الأحزاب : ١٣] القراء أجمعوا على تسكين الواو من عورة ، وذكر عن بعضهم في شواذّ القراءات أنه قرأ (عَوِرة) على فَعِلة. والعرب تقول : قد أعور منزلُك إذا بدت منه عورة ، وأعور الفارسُ إذا كان فيه موضع خللٍ للضرب. وقال الشاعر يصف الأسد :

له الشَّدَّة الأولى إذا القِرْن أعورا

قال وإنما أرادوا بقولهم (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي ممكِنة للسُرّاق ؛ لخلوتها من الرجال ، فأكذبهم الله جلّ وعزّ وقال : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) ولكن يريدون الفرار.

وقال أبو إسحاق في قوله (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي مُعورة أي بيوتنا ممّا يلي العدوّ ونحن نُسرق منها ، فأعلم الله أن قصدهم الهرب. قال : ومن قرأ (عَوِرة) فمعناها : ذات عورة (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزَاب : ١٣] المعنى : ما يريدون تحرّزاً من سَرَق ، ولكن يريدون الفرار عن نصرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويقال : ليس كل عورة تصاب. وما يُعور لفلان الشيء إلّا أخذه.

وقال أبو زيد : ما يُعْوِز بالزاي.

قال الأصمعي : الزاي تصحيف ، وفسّر يُعور : ليس يرى شيئاً لا حافظ له إلَّا أخذه لا يتحرَّج.

وفي المثل : ليس كل عورة تصاب أي ليس كل خال من الحفاظ يؤخذ.

ابن الأعرابي : المُعْور : الممكن البيّن الواضح. وأنشد لكثيّر :

كذاك أذود النفس يا عَزَّ عنكم

وقد أعورت أسرابُ من لا يذودها

أعورت : أمكنت. ومكان مُعْوِر إذا كان مخوّفاً.

أبو حاتم عن الأصمعي : رجل مُعور وزقاق معور. والعامة تقول : معوز بالزاي ، ولا يجوز ذلك ، ويقال للشيء الضائع البادي العورة : مُعْوِر.

وقال الليث العورة سوءة الإنسان ، وكل أمر يُستحيا منه فهو عورة ، والنساء عورة ، والعورة في الثغور وفي الحروب : خَلَل يُتخوف منه القتلُ. وقوله (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] أي ليست بحريزة ، ومن قرأ عَوِرة ذكّر وأنّث ، ومن قرأ (عَوْرَةٌ) قال في التذكير والتأنيث والجمع (عَوْرة) كالمصدر.

وقوله جلّ وعزّ (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) [النُّور : ٥٨] على معنى ليستأذنكم ثلاث عورات أي في أوقات ثلاث عَوْرات لكم. وقد فسرها الله.

ابن السكيت عن الفراء : يقال ما أدري أي الجراد عاره ، أيْ أيّ الناس أخذه. قال : ولا ينطقون فيه بيفعل ، وقد قال بعضهم : يَعيره. ويقال معنى عاره أي أهلكه.

أبو زيد عوَّرت عن فلان ما قيل له تعويراً أي وكذّبت عنه ما قيل له تكذيباً. وقول العجاج :

* وعوّر الرحمن من ولّى العور*

يقول : أفسد الرحمن من جعله وليا للعَوَر ، وهو قبح الأمر وفساده. ويقال

١١٠

عوَّرت عليه أمره تعويرا أي قبّحته عليه.

ويقال : عورته عن الماء تعويرا أي حَلَّأته. وعوَّرته عن حاجته : منعته.

وقال أبو عبيدة وأبو عمرو : التعوير : الردّ ، عورته عن حاجته : رددته عنها.

أبو عبيد عن الكسائيّ : عورت عن الرجل تعويراً ، وعَوَّيت عنه تعوِية إذا كذَّبت عنه ورددت.

وقال ابن الإعرابي : تعوَّر الكتابُ إذا درس ، وكتاب أعور : دارس. قال : والأعور : الدليل السيّء الدلالة لا يحسن يَدُلّ ولا يَنْدلّ. وأنشد :

مالك يا أعور لا تندلّ

وكيف يندلّ امرؤ عِتْولُ

قال والعُوَّارى : شجر يؤخذ جِراؤها فتُشدخ ثم تُيَبَّس ثم تُذَرَّى ثم تحمل في الأوعية إلى مكة فتباع ويتّخذ منها مخانق. والعرب تقول للأحول العين : أعور ، وللمرأة الحولاء : هي عوراء.

ويقال : فلان عُيَيرِ وحدِه ، وجَحَيش وحده وهما اللذان لا يشاوران الناس ولا يخالطانهم ، وفيهما مع ذلك مهانة وضعف.

وقال ابن شميل فلان عُيَير وحدِه أي يأكل وحده ويكون وحده.

ويقال : لقيت منه ابنة مِعْيَر يريدون الداهية والشدّة.

وقال الكميت : بنى ابنة مِعْور والأَقورينا ويقال : فلان يعاير فلاناً ويكايله ، أي يساميه ويفاخره.

وقال أبو زيد : يقال : هما يتعايبان ويتعايران ، فالتعاير السباب ألف والتعايب دون التعاير إذا عاب بعضهم بعضاً.

وعر : أبو عبيد عن أبي زيد : وعُر الطريق يَوْعُر ، ووعَر يَعِر.

وقال شمر : الوَعْر : المكان الحَزن ذو الوعورة ، رمل وَعِر ، ومكان وَعِر. وقد وعِر يَوْعَر وَعَراً فهو وَعِر وأوعر ووَعُر ، وقد أوعر القومُ إذا وقعوا في مكان وَعْر. وفي حديث أمّ زرع : زوجي لحم جمل غَثّ على جبل وَعْر ، لا سهل فيُرتَقى ، ولا سمين فينتقى.

قلت : والوعورة تكون غِلَظاً في الجبل ، وتكون وُعُوثة في الرمل.

وقال الليث : الوَعْر : المكان الصُلْب ، وفلان وَعْر المعروف : قليلة.

أبو عبيد : قليل شَقْن ووَتْح ووَعْر وهي الشُقُونة والوُتُوحة والوُعُورة بمعنى واحد.

وقال الفرزدق :

* وفَتْ ثم أدّت لا قليلاً ولا وَعْرا*

يصف أم تميم أنها ولدت فأنجبت وأكثرت. واستوعر القومُ طريقَهم وأوعروا : وقعوا في الوعر.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الوعر الموضع المخيف الوَحِش.

وقال الأصمعي : شَعَر مَعِر وَعِر زَمِر بمعنى واحد. اللحياني : وَعِر صدره وَعَراً مثل وَغِر ـ بالغين ـ عقيبان.

ورع : قال أبو حاتم : قال الأصمعي : الرِّعة : الهَدْي وحسن الهيئة ، أو سوء الهيئة.

١١١

يقال : قوم حسنة رِعَتهم أي شأنهم وأمرهم وأدبهم. وأصله من الوَرَع ، وهو الكفّ عن القبيح.

أبو عبيد عن الكسائي قال : الورَع : الجبان. وقد ورُع يَوْرُع. ومن التحرج : وَرع يَرِع رِعَة. وسُمّي الجبان دَرَعاً لإحجامه ونكوصه. ومنه يقال وَرَّعْتُ الإبل عن الحوض إذا رددتها فارتدَّت.

وفي حديث عمر أنه قال : ورِّع اللص ولا تراعِه.

قال أبو عبيد : يقول : إذا رأيته في منزلك فادفعه واكففه بما استطعت ، ولا تنتظر فيه شيئاً. وكل شيء كففته فقد ورّعته.

قال أبو زُبَيد

وورَّعت ما يَكْبي الوجوه رعاية

ليحضُر خير أو ليَقْصُر منْكر

يقول : ورعت عنكم ما يَكبي وجوهكم ، يمتَنّ بذلك عليهم. وقوله : ولا تراعِه يقول : ولا تنتظره ، وكل شيء تنتظره فأنت تراعيه وترعاه. ومنه يقال : هو يرعى الشمس أي ينتظر وجوبها ، والساهر يرعى النجوم.

الحراني عن ابن السكيت : رجل وَرِع إذا كان متحرّجاً. وقد وَرع يرِع وَرَعاً. قال : والوَرَع : الصغير الضعيف. يقال : إنما مال فلان أوراع أي صغار.

وقال أبو يوسف : وأصحابنا يذهبون بالورع إلى الجبان وليس كذلك. ويقال : ما كان وَرَعاً ولقد وَرُع يَوْرُع وُرْعاً ووُروعاً ووَرَاعة ، وما كان وَرِعاً ولقد وَرع يَرِع وَرَعاً وَوَرَاعة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : والموارعة المناطقة. وقال حسّان :

نشدت بني النجار أفعال والدي

إذا العانِ لم يوجد له من يوارعه

وقال ابن الأعرابي مثل ذلك فيما رَوَى عنه ثعلب.

ويقال : أورعت بين الرجلين وورّعت أي حجزت.

وقال شمر : قال الفراء : أورعت بين الرجلين وورّعت أي حجزت. وقال : التوريع : الكفّ والمنع.

وقال أبو دُوَاد :

فبتنا نورّعه باللجامْ

نريد به قَنَصا أو غِوَارا

أي نكفّه ، ومنه الوَرَع في التحرج. يقال : وَرعٌ بين الوَرَع. وقد وَرع يَرِع.

وأنشد المازني في الوريعة :

وردّ خليلَنا بعطاء صدق

وأعقبه الوريعةَ من نصاب

الوريعة اسم فرس ونصاب اسم فرس كان لمالك بن نويرة ، إنما يريد أعقبه الوريعة من نسل نُصاب.

والوريعة : واد معروف فيه شجر كثير.

وقال الراعي يذكر الهوادج :

تخيّرن من أثل الوريعة وانتحى

لها القين يعقوب بفأس ومبرد

روع ـ ريع : الرَّوْع : الفرع. يقال : راعني هذا الأمر يروعني ، وارتعْت منه ، وروَّعته

١١٢

فتروَّع.

وقال الليث : وكذلك كل شيء يَروعك منه جمال وكثرة ، تقول : راعني فهو رائع.

وفرس رائع. والأرْوع من الرجال : من له جسم وجَهَارة وفضل وسؤدد. وهو بيِّن الرَّوَع. قال والقياس في اشتقاق الفعل منه روع يَرْوَع رَوَعاً. قال ورُوع القلب : ذهنه وخَلَده. وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن رُوح القدس نفث في رُوعي وقال : إن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقَها ، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب».

قال أبو عبيد : معناه كقولك : في خَلَدي وفي نفْسي ونحو ذلك.

ومن أمثال العرب : أَفرخَ رَوْعُك أي انكشف فزعك ، هكذا رُوي لنا عن أبي عبيد : أفرخ رَوْعك ، وفسّره لنا : ليذهبْ رُعبك وفزعك ؛ فإن الأمر ليس على ما تحاذِر قال : وهذا المثل لمعاوية ، كتب به إلى زياد. وذلك أنه كان على البصرة ، والمغيرة بن شُعبة على الكوفة فتوفِّي بها ، فخاف زياد أن يولِّي معاويةُ عبدَ الله بن عامر مكانه ، فكتب إلى معاوية يخبره بوفاة المغيرة ، ويشير عليه بتولية الضحاك بن قيس مكانه ففطن له معاوية وكتب إليه : قد فهمت كتابك ، فأمَرِخ رَرْعَك أبا المغيرة ، قد ضممنا إليك الكوفة مع البصرة.

قلت : وكلّ من لقيتُه من اللغويين يقول : أفرخ رَوعُه بفتح الراء من روعه ، إلا ما أخبرني به المنذري عن أبي الهيثم أنه كان يقول : إنما هو أفرخ رُوعه بضم الراء. قال ومعناه : خرج الرَّوْع من قلبه قال وأفرِخْ رُوعَك أي اسكُن وامْن. فالرُوع موضع الرَّوْع وهو القلب. وأنشد قول ذي الرمة :

* جذلان قد أفرخت عن رُوعِه الكُرَب*

قال : ويقال : أفرخت البيضة إذا خرج الولد منها. قال : والرَّوْع الفزع ، والفزع لا يخرج من الفزع ، إنما يخرج من الموضع الذي يكون فيه ، وهو الرُّوع. قال والرَّوع في الروع كالفرخ في البيضة. يقال أفرخت البيضة إذا انفلقَت عن الفرخ فخرج منها. قال : وأفرخ فؤاد الرجل إذا خرج رَوْعه منه. قال وقلبه ذو الرمة على المعرفة بالمعنى فقال :

* جذلان قد أفرخت عن رُوعه الكرب*

قلت : والذي قاله أبو الهيثم بيّن ، غير أني أستوحِش منه ؛ لانفراده بقوله. وقد يَستدرك الخلف على السلف أشياء ربما زلّوا فيها ، فلا ينكَر إصابة أبي الهيثم فيما ذهب إليه ، وقد كان له حظّ من العلم موفور رَحِمه اللهُ. وفي الحديث المرفوع «إن في كل أمة محدَّثين ومروَّعين ، فإن يكن في هذه الأمة منهم أحد فهو عمر». والمروع الذي ألقي في رُوعه الصواب والصدق ، وكذلك المحدَّث ؛ كأنه حُدِّث بالحق الغائب فنطق به.

ويقال ما راعني إلّا مجيئك ، معناه : ما شعَرت إلّا بمجيئك ، كأنه قال : ما أصاب رُوعي إلّا ذلك.

وقالوا : راعه أمر كذا أي بلغ الرَّوْع منه رُوعه.

١١٣

قال ابن الأنباري : راعني كذا وأنا مَروع أي وقع في رُوعي ، وهو النفْس. والرَّوْع. الخوف.

ويقال : سقاني فلان شربةً راع بها فؤادي أي بَرَد بها غُلَّة رُوعي بها ومن قول الشاعر :

سقتني شربةً راعت فؤادي

سقاها الله من حوض الرسول

وقيل : الرائع من الجَمَال : الذي يُعجب رُوع من رآه فيسرّه. ونحو ذلك قال يعقوب ابن السكيت.

وفي «النوادر» : راع في يدي كذا وكذا ، وراق مثله ، أي فاد. ورِيع فلان يُراع إذا فزع.

وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركب فرساً لأبي طلحة عُرْياً ليلاً لفزع ناب أهل المدينة فلما رجع قال : لن تراعوا ، لن تراعوا ، إني وجدته بحراً ، معناه : لا فزع ولا رَوْع فاسكُتوا واهدءوا.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الرَّوْعة : المَسْحة من الجمال. والرَدْقة الجمال الرائق. والوَعْرة : البُقعة المخيفة.

ويقال ناقة رُواعة الفؤاد إذا كانت شهمة ذكيّة.

ويقال فرس رُوَاع بغير هاء.

وقال ذو الرمة :

رفعت له رحلي على ظهر عِرْمس

رُواع الفؤاد حرَّة الوجه عيطل

أبو زيد ارتاع للخير وارتاح للخير.

شمر روّع فلان خبزه بالسمن وروّغه إذا روّاه.

أبو عبيد : أراعت الحنطة إذا زكت وأرْبَتْ تُربي بمعناها ، وبعضهم يقول راعت ، وهو قليل. قال : وقال الأموي : أراعت الإبلُ إذا كثر أولادها. وناقة مِرْياع ؛ وهي التي يعاد عليها السفر.

الحراني عن ابن السكيت قال : الرَيْع : الزيادة يقال طعام كثير الرَّيع. والرِّيع : المكان المرتفع.

قال الله جلّ وعزّ : (أَتَبْنُونَ بِكُلِ رِيعٍ آيَةً) [الشُّعَرَاء : ١٢٨] قال وقال عُمارة : الرِيع : الجبل.

وقال أبو يوسف : الرَّيع مصدر راع عليه القيء يَريعُ إذا عاد إلى جوفه. ورُوي عن الحسن البصري أنه سئل عن الصائم يَذْرعه القيءُ هل يفطر؟ فقال : إن راع منه إلى جوفه شيء فقد أفطر.

قال أبو عبيد : معناه : إن عاد. وكذلك كلّ شيء رجع إليك فقد راع يريع. وقال طرفة :

تَرِيع إلى صوت المُهيب وتتّقي

بذي خُصَل روعاتِ أكلف مُلْبِد

وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ : (أَتَبْنُونَ بِكُلِ رِيعٍ آيَةً) قال : يقال رِيع ورَيْع ، ومعناهما الموضع من الأرض المرتفعُ.

ومن ذلك كم رَيْع أرضك أي كم ارتفاع أرضك قال : وجاء في التفسير بكل رِيع : كل فج. قال : والفج الطريق المنفرج في

١١٤

الجبال خاصّة.

وقال الفراء : الرِيع والرَيع لغتان مثل الرِير والرَير.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الرِيع : مَسِيل الوادي من كل مكان مشرف. وجمعه أرياع وريوع.

قال : وأنشد للراعي يصف إبلاً :

لها سَلَف يعوز بكل رِيع

حَمَى الحوزات واشتهر الإفالا

قال : السلف : الفحل. حمى الحوزات أي حمى حَوْزاته ألّا يدنو منهن فحل سواه. واشتهر الإفال : جاء بها تشبهه.

وقال الليث : الرَيْع : فضل كل شيء على أصله ؛ نحو رَيْع الدقيق ، وهو فضله على كَيل البُرّ ، وريع البَذْر : فضل ما يخرج من النُزْل على أصل البَذْر. ورَيْع الدرع فضول كُمَتِها على أطراف الأنامل. قال : ورَيْعان كل شيء أفضله وأوله ، ورَيْعان المطر أوّله. قال والرِّيع : السبيل سُلِك أو لم يسلك.

شمر عن أبي عمرو والأصمعيّ وابن الأعرابي : راع يَرِيع وراه يريه أي رجع. وراع القيء عليه وراه عليه أي رجع. وتَريَّع السرابُ وتريَّه إذا ذهب وجاء. وتريَّعت الإهالةُ في الإناء إذا ترقرقت ، وتريَّعت يده بالجود إذا فاضت. وناقة لها رَيْع إذا جاءت بسير بعد سير ، كقولهم : بئر ذات غَيِّث.

شمر قال ابن شميل : تريَّع السمنُ على الخبزة وتريَّغ وهو خُلوف بعضه بأعقاب بعض. وتريَّعْتُ وتورعْت يعني : تلبَّثْت ، وتوقّفت. وأنا متريِّع عن هذا الأمر ، ومُثْنَوْنٍ ، ومنتقِض ، أي منتشر.

يعر : قال الليث : اليَعْر : الشاة التي تُشدّ عند زُبْية الذئب.

وقال أبو عبيد : اليَعْر : الجدي. وأنشد :

أسائل عنهم كلّما جاء راكب

مقيماً بأملاح كما رُبط اليَعْرُ

قلت ؛ وهكذا قال ابن الأعرابي وَهو الصواب ، رُبط عند زُبْية الذئب أو لم يربط.

وقال الليث : اليُعَار : صوت من أصوات الشاء شديد. يقال يَعَرت تَيْعر يُعَارا.

ونحو ذلك قال غيره.

وقال الليث : اليَعُور : الشاة التي تبول على حالبها وتَبْعَر ، وتفسد اللبن.

قلت : هذا وهْم. شاة يَعُور إذا كانت كثيرة اليُعَار. وكأن الليث رأى في بعض الكتب شاة بعور بالباء فصحّفه وجعله يَعُورا بالياء.

أبو عبيد الأصمعي : اليَعَارة : أن يعارض الفحلُ الناقة فيعارضها معارضة من غير أن يرسل فيها ، وأنشد :

قلائص يَلْقَحْن إلّا يَعَارة

عراضا ولا يُشْرَين إلّا غواليا

وقال أبو عمرو : يَعارة : لا تُضرب مع الإبل ، ولكن يَعار إليها الفحل. وذلك لكرمها.

١١٥

قلت : قوله يعَار إليها الفحل محال. ومعنى بيت الراعي هذا أنه وصف نجائب لا يرسل فيها الفحل ضِنّاً بِطرقها ، وإبقاء لقوَّتها على السير ؛ لأن لقاحها يُذهب مُنَّتها. وإذا كانت عائطاً فهو أبقى لسيرها ، وأقلّ لتعبها. ومعنى قوله إلّا يعارة يقول : لا تَلْقح إلّا أن يُفْلِت فحل من إبل أخرى فيعير ويضربها في عَيْرانه.

وكذلك قال الطرماح في نجيبة حَمَلت يَعَارة :

سوف تدنيك من لميسٍ سبنتا

ة أمارت بالبول ماء الكراض

أنضجته عشرين يوماً ونِيلت

حين نيلت يَعَارة في عراض

أراد أن الفحل ضربها يعارة فلما مضى عليها عشرون ليلة من يوم طرقها الفحل ألقت ذلك الماء الذي كانت عقدت عليه ، فبقيت مُنّتها كما كانت.

وقال أبو الهيثم : معنى اليَعَارة أن الناقة إذا امتنعت على الفحل عارت منه ـ أي نفرت ـ تعار فيعارضها الفحل في عَدْوها حتى ينالها فيستنيخها ويضربها. قال : وقوله : (يَعارة) إنما يريد عائرة فجعل يعارة اسماً لها وزاد فيه الهاء وكان حقه أن يقال : عارت تعير ، فقال : يعار لدخول أحد حروف الحلق فيه. قال والعَيَّار الذي ينفر ، يجيء ويذهب في الأرض وفرس عَيّار : نافر ذاهب في الأرض.

ومِن ، باب عور رَوَى أبو حاتم عن الأصمعي يقال : رجل مُعْور ، وزقاق مُعْور ، والعامة تقول : معوز : ولا يقال ذلك. قال : ويقال للشيء الضائع البادي العورة أيضاً : مُعْوِر. قال أبو حاتم : قال أبو زيد : تقول العرب : ما يُعْوز له شيء بالزاي إلَّا أخذه ؛ كقولهم ما يَطِفّ له شيء ولا يوهِف له شيء إلا أخذه. قال : وقال الأصمعي : صحَّف أبو زيد. قال وتفسيره أنه ليس يرى شيئاً لا حافظ له إلَّا أخذه لا يتحرج. قال : ومثل من أمثالهم : ليست كل عورة تصاب. يقول : ليس كل خال من الحفاظ يؤخذ ، رُبما غُفِل عنه.

وقال أبو حاتم : والذي قاله أبو زيد فيما زعم مشهور عند العرب ما يعوز له شيء إلّا ذهب به مثل ما يوهف.

يرع : قال ابن دريد : اليَرُوع لغة مرغوب عنها لأهل الشِّحر ؛ كان تفسيرها : الرُعْب والفزع.

وقال الليث وغيره : اليَرَاع : القَصَب ، الواحدة يَرَاعة. قال : القصبة التي ينفخ فيها الراعي تسمى اليراعة. وأنشد :

أحِنُّ إلى ليلى وإن شَطّت النَوَى

بليلى كما خَنّ اليراع المثقَّب

ويقال للرجل الجبان : يراع ويراعة. قال : واليَرَاع كالبعوض يَغشى الوجه ، الواحدة يراعة. قال عمرو بن بحر : نار اليراعة قيل هي نار أبي حُباحب ، وهي شبيهة بنار البرق. قال : واليراعة : طائر صغير ، إن طار بالنهار كان كبعض الطير ، وإن طار بالليل فكأنه شهاب قُذف ، أو مصباح يطير. وأنشد :

أو طائر يدعى اليراعة إذ تُرى

١١٦

في حِنْدِس كضياء نار منوِّر

باب العين واللام

[ع ل (وا يء)]

علا (علي) ، عول ، لعا ، لوع ، ولع ، وعل ، عيل. علا ـ (على): قال الحسن البصري ومسلم البَطِين في قول الله جلّ وعزّ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) [القَصَص : ٨٣] قال : العلُوّ : التكبّر في الأرض. وقال الحسن : الفساد : المعاصي. وقال مسلم : الفساد : أخذ المال بغير حقّ ؛ وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) [القَصَص : ٤] جاء في التفسير أن معناه : طغى في الأرض. وقوله جلّ وعزّ : (وَلَتَعْلُنَ عُلُوًّا كَبِيراً) [الإسرَاء : ٤] معناه : لتبْغُنّ ولتتعظمُنّ ، يقال لكل متجبّر : قد علا وتعظّم.

ثعلب عن ابن الأعرابي : تعلّى فلان إذا هجم على قوم بغير إذن ، وكذلك دَمَق وَدمَر.

على : عَلَى لها مَعَان ، والقُراء كلهم يفخّمونها ؛ لأنها حرف أداة.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قول الله تعالى : (ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) [الأعرَاف : ٦٣] جاء في التفسير : مع رجل منكم ؛ كما تقول : جاءني الخير على وجهك ومع وجهك.

وقال ابن السكيت : يقال رميت عن القوس ورميت عليها ، ولا تقل : رميت بها. وأنشد :

* أرمي عليها وهي فَرْع أجمعُ*

وقال ابن شميل : يقولون إذا كان له مال : عليه مال ولا يقولون له مال ويقولون : عليه دين ، ورأيته على أوفاز كأنه يريد النهوض.

ويجيء على بمعنى (عَن) قال الله جلّ وعزّ : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [المطفّفِين : ٢] معناه : إذا اكتالوا عنهم. وتجيء على بمعنى عنه. قال مُزاحم العُقَيليّ :

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمِؤها

تَصِلّ وعن قيض بزبزا مَجْهَل

قال الأصمعي : معناه : غدت من عِنده. قال ابن كيسان : عليك ودونك وعندك إذا جُعلن أخباراً رَفعن الأسماء ، كقولك عليك ثوب ، وعندك مال ، ودونك خير. ويُجعلن إغراء فيُجرين مجرى الفعل فينصبن الأسماء. يقول : عليك زيداً ، ودونك عمراً ، وعندك بكراً أي الزمه وخذه ، وأما الصفات سواهن فيَرفعن إذا جُعلن أخباراً ولا يُغرى بهن.

قال الزجاج في قولهم : عليهم وإليهم : الأصل علاهم وإلاهم ؛ كما تقول : إلى زيد وعلى زيد ، إلَّا أن الألف غُيِّرت مع المضمر ، فأبدلت ياء ليُفصل بين الألف التي في آخر المتمكنة ، وبين الألف في غير المتمكنة التي الإضافة لازمة لها ؛ ألا ترى أن إلى وعلى ولدى لا تنفرد عن الإضافة. وقالت العرب : في كِلَا في حال النصب والجرّ : رأيت كليهما وكليكما ، ومررت بكليهما ، ففصلت بين الإضافة إلى المظهر والمضمر ، لما كانت كِلَا تنفرد ولا تكون كلاماً إلّا بالإضافة.

١١٧

الحراني عن ابن السكيت : يقال : أتيته من عَلُ بضم اللام ، وأتيته من عَلُو بضم اللام وسكون الواو ، وأتيته من عَلِي بياء ساكنة ، وأتيته من عَلْو بسكون اللام وضمّ الواو ، وَمن عَلْوَ وَمَن عَلْوِ وَأنشد : من عَلْوَ لا عَجَب منها ولا سَخَر وَيروى من عَلْوُ وَمن عَلْوِ. قال وَيقال : أتيته من عالٍ وَمن مُعَالٍ. وَأنشد :

* ظمأى النَسَا من تحتُ ، ريّا من عالْ *

وَأنشد في معال : وَنَغَضان الرحل من مُعالِ

وَقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) [الإنسَان : ٢١] قرىء (عالِيَهُمْ) بفتح الياء و (عاليهم) بسكونها.

قال الفراء : من فتح (عالِيَهُمْ) جعلها كالصفة : فوقهم. قال : وَالعرب تقول : قوتك داخل الدار فينصبون داخل لأنه محلّ ، فعاليهم من ذلك.

وقال الزجاج : لا يُعرف (عالَى) في الظروف. قال : ولعلّ الفراء سمع بعالي في الظروف. قال : ولو كان ظرفاً لم يجز إسكان الياء ، ولكن نصبه على الحال من شيئين : أحدهما من الهاء والميم في قوله : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) [الإنسان : ١٩] ثم قال (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) أي في حال علوّ الثياب إياهم. قال : ويجوز أن يكون حالاً من الولدان. قال : فالنصب في هذا بيّن. قال ومن قرأ (عاليهم) فرفْعه بالابتداء والخبر (ثِيابُ سُندُسٍ).

قال وقد قرىء (عاليتَهم) بالنصب ، و (عاليتُهم) بالرفع ، والقراءة بهما لا تجوز ، لخلافهما المصحف. وقرىء (عليهم ثياب سندس) وتفسير نصب (عاليتهم) ورفعِها كتفسير (عالِيَهُمْ) و (عاليهم).

وقال ابن السكيت : سِفْل الدار وعِلْوها وسُفْلها وعُلْوها. ويقال : علا فلان الجبل إذا رَقِيه ، يعلوه عُلُوْاً ، وعلا فلان فلاناً إذا قهره ، وعلا فلان في الأرض إذا تكبّر وطغى. ويقال : فلان تعلو عنه العين بمعنى تنبو عنه ، وإذا نبا الشيءُ عن الشيء ولم يلصَق به فقد علا عنه.

وقال الليث : عالى كل شيء أعلاه. وكذلك عاليه كل شيء أعلاه ويقال نزل فلان بعالية الوادي وَسافلته. فعاليته : حيث ينحدر الماء منه ، وَسافلته ، حيث ينصبّ إليه ، وَعالية تميم هم بنو عمرو بن تميم ، وهم بنو الهُجَيم والعنبر ومازِن. وعُليا مضرهم قريش وقيس. قال و (على) صفة من الصفات وَللعرب فيها لغتان : كنت على السطح ، وكنت أعلى السطح.

وقال الليث : الله تبارك وتَعالى هو العلي المتعالي العالي الأعلى ذو العلاء والعُلَا وَالمَعَالي ، تعالى عما يقول الظالمون عُلُوّاً كبيراً. وهو الأعلى سبحانه بمعنى العالي قال : وتفسير تعالى : جلّ عن كل ثناء ، فهو أعظم وأجلّ وأعلى مما يُثنَى عليه ، لا إله إلَّا الله وَحده لا شريك له.

قلت : وتفسير هذه الصفات لله يقرب بعضها من بعض ، فالعليّ الشريف فعلى من علا يعلو ، وهو بمعنى العالي ، وهو الذي ليس فوقه شيء. ويقال : هو الذي علا

١١٨

الخلق فقهرهم بقدرته. وأمّا المتعالي فهو الذي جَلّ عن إفك المفترين ، وتنزّه عن وساوس المتحيّرين. وقد يكون المتعالي بمعنى العالي. والأعلى هو الله الذي هو أعلى من كل عالٍ. واسمه الأعلى أي صفته أعلى الصفات. والعلاء الشرف. وذو العلاء صاحب الصفات العُلَا والعُلَا جمع العُلْيا أي جمع الصفة العليا والكلمة العليا. ويكون العُلَا جمع الاسم الأعلى. وصفة الله العليا : شهادة أن لا إله إلّا الله فهذه أعلى الصفات ولا يوصف بها غير الله وحده لا شريك له. ولم يزل الله عليّاً عالياً متعالياً ، تعالى الله عن إلحاد الملحدين وهو العلي العظيم. ويقال رجل عليّ أي شريف ، وجمعه عِلْية يقال : فلان من عِلْية الناس أي من أشرافهم ومثله صَبِيّ وصِبْية. وفلان عالي الكعب إذا كان ثابت الشرف ، وعالي الذكر.

وقال الليث : العَلْياء ، رأس كل جبل مشرِف. قال : والعالية : القَنَاة المستقيمة ، وجمعها العوالي. قال ويسمّى أعلى القناة العالية وأسفلها السافلة.

قلت : وقال غير الليث : عوالي الرماح : أسِنّتها ، واحدتها عالية. ومنه قول الخنساء حين خطبها دُرَيد بن الصِّمَّة : أتَرونني تاركة بني عمّي كأنهم عوالي الرماح ، وَمُرْتَثَّةً شيخ بني جُشَم. شبَّههتم بعوالي الرماح لطراءة شبابهم ، وبريق سَحَناتهم ، وحسن وجوههم. وعالية الحجاز : أعلاها بلداً وأشرفها موضعاً. وهي بلاد واسعة. وإذا نسبوا إليها قيل : عُلْوِيّ ، والأنثى عُلْوِية. ويقال : عالي الرجلُ وغيره إذا أتى عالية الحجاز. وقال بشر بن أبي خازم :

مُعَالِيةً لا هَمّ إلّا محجَّر

وحَرَّة ليلى السهلُ منها فلُوبها

وحَرَّة ليلى وحرَّة شَوران وحَرَّة بني سُلَيم في عالية الحجاز. وقال الليث : المَعْلاة : مكسب الشرف وجمعها المعالي. قال والعُلِّيّة : الغرفة على بناءَ حُرِّية. قال : وهي في التعريف فُعُّولة.

وقال شمر : قال الأصمعي : العِلِّيّ : الغرف ، واحدتها عِلِّيّة. وقال العجّاج :

* وبِيعة لسورها عِلّيّ *

وقال أبو حاتم : العَلَاليّ من البيوت ، واحدتها عِلّيّة قال ووزن عِلّيّة فِعيلة ، العين شديدة.

قلت : وعِلِّيّة أكثر في كلامهم من عُلِّيَّة.

وقال الليث : عِلِّيّين : جماعة عِلّيّ في السماء السابعة ، إليه يُصعَد بأرواح المؤمنين.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) [المطفّفِين : ١٨ ، ١٩].

يقول القائل كيف جمعت علّيّون بالنون وهذا من جمع الرجال؟ قال : والعرب إذا جمعت جمعاً لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين قالوا في المذكر والمؤنث بالنون من ذلك عِلّيّون. وهو شيء فوق شيء غير معروف واحدُه ولا اثناه. قال : وسمعت العرب تقول : أطعمنا مَرَقة مَرَقِينَ ، تريد اللُحمان إذا طُبخت بماء

١١٩

واحد ، وأنشد :

قد رَوِيت إلّا دُهَيدِ هينا

قليِّصات وأُبيكرينا

فجمع بالنون ؛ لأنه أراد العدد الذي لا يُحَد آخره. وكذلك قول الشاعر :

فأصبحت المذاهِب قد أذاعت

بها الإعصارُ بعد الوابلينا

أراد المطر بعد المطر غير محدود وكذلك علّيّون : ارتفاع بعد ارتفاع.

وقال أبو إسحاق في قوله جلّ وعزّ : (لَفِي عِلِّيِّينَ) [المطففين : ١٨] : أي في أعلى الأمكنة. (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) [المطفّفِين : ١٩] فإعراب هذا الاسم كإعراب الجمع ، لأنه على لفظ الجمع ؛ كما تقول : هذه قِنَّسْرون ورأيت قِنَّسرين.

وقال مجاهد في قوله (لَفِي عِلِّيِّينَ) قال : عليون السماء السابعة.

وقال شمر : قال أبو مُعَاذ : عِلِّيِّينَ السماء السابعة.

قلت : ومنه حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليّين ، كما ترون الكوكب الدُرّيّ في السماء». ويقال للمرأة إذا طَهُرت من نفاسها : تعلّت فلانة من نفاسها.

وفي حديث سُبَيعة أنها لما تعلّت من نفاسها تشرَّفت لخُطَّابها. ومنه قول الشاعر :

* ولا ذات بعل من نفاس تعلّت *

والسموات العُلَا جمع السماء العُلْيَا ، والثنايا العليا ، والثنايا السفلى ، يقال للجماعة : عُلْيا وسُفْلى لتأنيث الجماعة. ومثله قول الله جلّ وعزّ : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه : ٢٣] ولم يقل : الكُبَر. وهو بمنزلة الأسماء الحسنى ، وبمنزلة قوله جلّ وعزّ : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٨] وتقول العرب في النداء للرجل : تعالَهْ ، وللاثنين : تعاليا ، وللرجال : تعالَوْا ، وللمرأة : تعالَيْ ، وللنساء : تعالين. ولا يبالون إن كان المدعوّ في مكان أعلى من مكان الداعي ، أو في مكانٍ دونه. وعَلْوى اسم فرس كانت من سوابق خيل العرب. ويقال : ضربت عِلَاوته أي رأسه وعُنُقه. والعِلاوة : ما يحمل على البعير وغيره بين العِدْلين. ويقال : أعطاه ألفاً وديناراً عِلاوة ، وأعطاه ألفين وخمسمائة عِلَاوة. وجمع العِلَاوة عَلَاوَى ، مثل هِراوة وهَرَاوَى. ويقال : عَلِ عَلَاواك على الأحمال وعالها. وإذا نسب الرجل إلى عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قالوا عَلَوِيّ ، وإذا نسبوا إلى بني علي ـ وهم قبيلة من كنانة ـ قالوا : هؤلاء العِليُّون.

أخبرنا المنذري عن الطوسي عن الخراز عن ابن الأعرابي أنه قال في تفسير قوله :

* بنو علي كلّهم سواء*

قال : بنو علي من بني العَبَلات من بني أميَّة الأصغر ، كان وَلِي من بعد طلحةِ الطلحات ؛ لأن أمهم عَبْلة بنت جازل من البراجم ، وهي أم ولد أميّة الأصغر.

والمعلِّي : أحد قداح المَيْسِر ، وهو القِدْح السابع. وله فوز سبعة أسهم إن فاز. وغُرْم سبعة أسهم إن لم يفز. وكلّ من قهر

١٢٠