تهذيب اللغة - ج ٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

(بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) فيما رماني به من الزنى ، ثم تقول في الخامسة : وعليها غضب الله (إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ). فإذا فرغَتْ من ذلك بانت منه ولم تحِلّ له أبداً.

وإ كانت حاملاً فجاءت بولد فهو ولدها ولا يلحق بالزوج ؛ لأن السُنَّة نفته عنه ، سمّي ذلك كله لِعَاناً لقول الزوج : عليه لعنة الله (إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ، وقول المرأة : عليها غضب الله (إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

وجائز أن يقال للزوجين إذا فعلا ذلك : قد تلاعنا ولاعنا والْتَعَنا.

وجائز أن يقال للزوج : قد التعن ولم تلتعن المرأة ، وقد التعنت هي ولم يلتعن الرجل.

ورجل لُعَنة إذا كان يكثر لَعْن الناس.

ورجل لُعْنة إذا كان الناس يلعنونه لشرارته.

والأول فاعل وهو اللُّعَنة ، والثاني مفعول وهو اللُّعْنة.

وكانت العرب تحيّي ملوكها في الجاهلية بأن تقول للملك : أبيتَ اللَّعْن ، ومعناه : أبيت أيها الملِك أن تأتي أمراً تُلْعَن عليه. وسمعْتُ العرب تقول : فلان يتلاعن علينا إذا كان يتماجن ولا يرتدع عن سوء ويفعل ما يستحق به اللعن.

وقال الليث : التلاعن كالتشاتم في اللفظ ، غير أن التشاتم يستعمل في وقوع فعل كل واحد منهما بصاحبه. والتلاعن ربما استعمل في فعل أحدهما.

ورجل ملعَّن إذا كان يُلعَن كثيراً.

وقال الليث : الملعَّن : المعذَّب ، وبيت زهير يدلُّ على غير ما قال الليث ، وهو قوله :

ومرهَّق الضِيفان يحمد في الْ

لأْواء غير ملعَّن القِدر

أراد قِدْره لا تلْعن لأنه يُكثر لحمها وشحمها.

وفي الحديث : «اتّقوا الملاعن وأعِدّوا النُبَل». والملاعن : جَوَادّ الطريق وظلال الشجر ينزلها الناس نُهي أن يُتغَوّط تحتها فيتأذَّى السابلةُ بأقذارها ويلعنون مَن جلس للغائط عليها.

وقال شمر : أقرأنا ابن الأعرابي لعنترة :

هل تُبْلغَنِّي دارها شَدنيَّةٌ

لعِنت بمحروم الشراب مصرَّم

وفسّره فقال : سُبَّت بذلك فقيل : أخزاها الله فما لها دَرّ ولا بها لَبَن.

قال : ورواه أبو عدنان عن الأصمعي : لعنت لمحروم الشراب.

وقال يريد بقوله : بمحروم الشراب أي قُذفت بضَرْع لا لبن فيه مصرّم.

وقال الفراء : اللعن : المَسْخ أيضاً ؛ قال الله تعالى : (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) [النِّساء : ٤٧] أي نمسخهم.

قال : واللعين : المُخْزَى المهلَك أيضاً.

وفي الحديث : «لا يكون المؤمن لعَّاناً» أي لا يكون كثير اللعن للناس.

٢٤١

نعل : أبو العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال : النِّعَال : الأرَضون الصِلاب. وأنشد :

قوم إذا اخضرّت نعالهم

يتناهقون تناهُق الحُمُر

قال أبو العباس : ومنه الحديث الذي جاء : «إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال» يقول : إذا مُطرت الأرضون الصِلاب فتزلَّفت بمن يمشي فيها فصَلُّوا في منازلكم ، ولا عليكم ألَّا تشهدوا الصلاة في مساجد الجماعات.

وقال الليث : النَّعْل : ما جعلته وِقَاية من الأرض. قال : ويقال : نَعِل يَنْعَل وانتعل إذا لبِس النعل. قال : والتنعيل : تنعيلك حافر البرذَوْن بطَبَق من حديد يقيه الحجارة. وكذلك تنعيل خُفّ البعير بالجِلْد لئلا يَحْفى. ويوصف حافر حمار الوحش فيقال : ناعل لصلابته. ورجل ناعل : ذو نعْل. فإذا قلت : منتعل فمعناه : لابس نعلاً. وامرأة ناعلة. ومن أمثالهم : أطِرِّي فإنك ناعلة أراد : أدِلّي على المشي فإنك غليظة القدمين غير محتاجة إلى النَّعْلين. وقد ذكرت اختلاف الناس في تفسيره في كتاب الطاء. ويقال : أنعل فلان دابَّته إنعالاً فهو مُنْعَل والنَّعْل من جَفْن السيف الحديدةُ التي في أسفل قِرابه.

أبو عبيدة : من وَضَح الفرس الإنعال ، وهو أن يحيط البياضُ بما فوق الحافر ما دام في موضع الرُسْغ ، يقال : فرس مُنْعَل.

وقال أبو خَيْرة : هو بياض يَمُس حوافرَه دون أشاعره.

وقال أبو عمرو : النَّعْل : حديدة المِكْرَب ، وبعضهم يسمّيه السِنّ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : النَّعْل : العَقَب الذي يُلْبَس ظهر السِّيَة من القوس. قال : وإذا قُطِعت الوَدِيَّة من أمّها بِكَرَبها قيل : ودِيَّة منعَّلة.

أبو زيد يقال : رماه بالمُنْعَلات أي بالدواهي وتركت بينهم المُنعَلات.

ابن السكيت عن الأصمعيّ : النَّعل : الذليل من الرجال وأنشد :

ولم أكن دارِجة ونَعْلا

ويقال : انتعل فلان الرَمْضاء إذا سار فيها حافياً. وانتعلت المطِيُّ ظِلالَها إذا عَقَل الظلُّ نصفَ النهار ؛ ومنه قول الراجز :

وانتَعَل الظلَّ فكان جوربا

ويروى : وانتُعِل الظلُّ. وانتعل الرجلُ إذا ركب صِلَاب الأرض وحِرَارها ومنه قول الشاعر :

في كل إنى قضاه الليل ينتعل

شمر عن ابن الأعرابيّ : النعل من الأرض والخُفُّ والكُرَاعُ والضِلَع كل هذه لا تكون إلا من الحَرَّة فالنعل منها شبيهة بالنعل فيها ارتفاع وصلابة. والخُفّ أطول من النعل ، والكُرَاع أطول من الخُفّ ، والضِلَع أطول من الكُرَاع ، وهي ملتوية كأنها ضِلَع. وأنشدنا :

فِدًى لامرىء والنعل بيني وبينه

شفى غيم نفسي من وجوه الحواثر

٢٤٢

النعل : نعل الجبل ، والغَيْم : الوِتْر والذَحْل ، وأصله العطش. والحواثر من عبد القيس.

[باب العين واللام مع الفاء]

ع ل ف

علف ، عفل ، فلع ، فعل ، لفع ، لعف : مستعملات.

لعف : أمّا لعف فإن الليث قد أهمله.

وقال ابن دريد في «كتابه» ـ ولم أجده لغيره ـ : تلعَّف الأسَد والبعيرُ إذا نظر ثم أغضى ثم نَظَر. وإن وُجد شاهد لما قال فهو صحيح.

علف : قال ابن المظفر : عَلَف الرجل دابَّته يَعْلِفُه عَلْفاً. والعَلَف الاسم. والمِعْلَف : موضع العَلَف والشاءُ المعلَّفة : التي تسمَّن بما يُجمع من العَلَف ولا تُسْرح فترعى.

وقد علَّفتها إذا أكثرت تعهّدها بإلقاء العَلَف لها. والدابَّة يَعْتلِف إذا أكل العَلَف ، ويَستعلِف إذا طلب العَلَف بالحمحمة.

شمر عن ابن الأعرابي : العُلَّفة من ثمر الطلح : ما أخلف بعد البَرَمة ، وهو شِبه اللوبياء وهو الحُبْلة من السَمُر ، وهو السِنْف من المَرْخ كالإصبع. وأنشد قوله :

بجِيد أدماء تنوش العُلَّفا

وقد أعلف الطَلْحُ إذا خرج عُلَّفه.

أبو عبيد عن ابن الكلبي : أوّل مَن عَمِل الرِحَال من العَرَب عِلَاف ، وهو زَبَّان أبو جَرْم ، ولذلك قيل للرِحال : عِلَافيَّة.

وقال الليث : هي أعظم الرحال آخِرة وواسطاً والجمع عِلَافيَّات ، وشيخ عُلْفُوف جافٍ كثير اللحم والشعر كبير السنّ. ومنه قوله :

مأوى اليتيمِ ومأوَى كلّ نَهْبَلة

تأوي إلى نَهْبَل كالنَسْر عُلْفوفِ

أبو عبيد : العَلُوفة من المواشي : ما يَعْلِفون. أبو العباس عن عمرو عن أبيه : العِلْف : الكثير الأكل. والعَلْف. الشرب الكثير. والغِلْف ـ بالغين ـ : الخصب الواسع.

وقال أبو عبيد : العُلفُوف : الجافي من الرجال والنساء.

عفل : أخبرني المنذريّ عن المفضّل بن سَلَمة أنه قال في قول العرب : رمتني بدائها وانسلَّت : كان سبب ذلك أن سعد بن زيدِ مناة كان تزوّج رُهْمَ بنت الخزرج بن تَيْم الله ، وكانت من أجمل النساء ، فولدت له مالك بن سعد ، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن لها : يا عَفْلاء.

فقالت لها أمها : إذا ساببنك فابدئيهنَ بعَفَالِ سُبِيَتِ فأرسلتها مثلاً فسابَّتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها.

فقالت لها رُهْم : يا عَفلاء ، فقالت ضَرّتها : رمتني بدائها وانسلَّت.

قال : وبنو مالك بن سعد رهط العجَّاج كان يقال لهم : العُفَيلَى.

وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال العَفَلة : بُظَارة المرأة. قال : وإذا مسّ الرجل عَفَل الكبش لينظر سِمَنه يقال : جسَّه وغَبَطه وعَفَله.

٢٤٣

وقال شمر : قال ابن الأعرابي : المَعْفَل : نَبات لحم ينبت في قبُل المرأة ، وهو القَرْن وأنشد :

ما في الدوابر من رجليّ من عَقَل

عند الرهان وما أُكْوى من العَفَل

قال : وقال أبو عمرو الشيباني : القَرْن بالناقة مثل العَفَل بالمرأة ، فيؤخذ الرَضْف فيُحْمَى ثم يُكوى به ذلك القَرَن. قال : والعَفَل شيء مدوّر يخرج بالفرج. والعَفَل لا يكون في الأبكار ، ولا يصيب المرأة إلَّا بعد ما تلد.

وقال ابن دريد : العَفَل في الرجال : غِلَظ يحدث في الدُبُر ، وفي النساء : غِلَظ في الرَحِم. وكذلك هو في الدوابّ.

وقال الليث : عَفِلت المرأة عَفَلاً فهي عَفَلاء. وعَفِلت الناقة. والعَفَلة : الاسم ، وهو شيء يخرج في حيائها شِبه الأُدْرة.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : العَفْل : شحم خُصْيَيْ الكبش وما حوله. ومنه قول بشر :

حديث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَر

قال وقالَ الكسائي : العَفَل : الموضع الذي يُجسّ من الشاة إذا أرادوا أن يعرفوا سِمَنَها من غيره. قال : وهو قول بشر.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العافل : الذي يلبَس ثياباً قصاراً فوق ثياب طوال.

لفع : أبو عبيد عن الأصمعيّ : التلفُّع : أن يشتمِل الإنسان بالثوب حتى يجلِّل جسده. قال : وهو اشتمال الصمَّاء عند العرب. وقال غيره : التفع بالثوب مثله.

وقال أوس بن حَجَر :

وهبَّت الشمألُ البَلِيلِ وإذ

بات كميعُ الفتاة ملتفِعا

وفي الحديث : كُنَّ نساءُ المؤمنين يَشهدن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبح ثم يرجعن متلفّعات بمُرُوطهنّ ما يُعْرَفن من الغَلَس أي متجلِّلات لأكسِيَتهنّ. والمِرْط : كساء أو مِطْرف يُشتَمل به كالمِلْحَفة.

ويقال : لَفَّعْت المرأة إذا ضممتها إليك مشتمِلاً عليها.

ويقال لذلك الثوب : لِفَاع ، ومنه قول أبي كبير :

بُجُف بذلتُ لها خوافيَ ناهضٍ

حَشْر القوادم كاللِّفَاع الأطحل

أراد : كالثوب الأسود.

ويقال : تلفّع الرجلُ بالمشيب إذا شمِله الشيبُ ، وقد لَفَع الشيبُ رأسه يَلْفَعُه إذا شمِله.

وأما قول كعب :

وقد تلفَّع بالقُور العساقيل

فالعساقيل : السراب ههنا ، وهذا من المقلوب ، المعنى : وقد تلفّعت القُور بالسراب ، فقلبه.

وقال الليث : إذا اخضَرّت الأرض وانتفع المال بما يصيب من المرعى.

قيل : قد تلفّعت الإبلُ والغنم.

قال : ولُفِّعت المزادةُ فهي ملفَّعة إذا قُلبت أو نقضت فجعل أطبَّتها في وسطها فذلك تلفيعها.

٢٤٤

وأمّا قول الحطيئة :

ونحن تلفَّعنا على عسكريهم

جهاراً وما طِبي ببغي ولا فَخْرِ

أي اشتملنا عليهم. وأمّا قول الراجز :

وعُلْبة من قادم اللِّفَاع

فاللفاع : اسم ناقة بعينها. وقيل : هو الخِلْف المقدم.

فلع : قال ابن المظفر : فَلَع فلان رأسه بالحجر يَفْلَعه إذا شقَّه ، فانفلع أي انشقّ. والفِلْعة : القِطْعة من السَنَام ، وجمعها فِلَع وتفلَّعت البطّيخة إذا انشقّت ، وتفلّع العَقِب إذا انشقّ.

ويقال للأمة إذا سُبَّت : لعن الله فَلعتها ، يعنون : مَشقّ جَهازها أو ما تشقّق من عقبها.

ويقال : رماه الله بفالعة أي بداهية ، وجمعها الفوالع.

ويقال : فلع رأسه بالسيف إذا فلاه بنصفين.

وقال شمر : يقال : فلخته وقفحته وسلعته وفلعته وفلغته ، كل ذلك إذا أوضحته. قال : ولفخته على رأسه لَفْخاً. وقال : فلع رأسه بالحَجَر إذا شدخه وشَقَّه. وفلع السَنَامَ بالسكّين إذا شقَّه.

وقال طُفَيل الغَنَويّ :

كما شُقّ بالموسى السنامُ المفَلَّع

فعل : قال الليث : فَعَل يفعَل فَعْلاً وفِعْلاً ، فالمصدر مفتوح والاسم مكسور. قال : والفَعَال اسم الفعل الحَسَن ؛ مثل الجود والكرم ونحوه.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : الفَعَال : فعل الواحد خاصَّة في الخير والشرّ ، يقال : فلان كريم الفَعال ، وفلان لئيم الفِعال. قال والفِعال ـ بكسر الفاء ـ إذا كان الفعل بين الاثنين.

قلت : وهذا الذي قاله ابن الأعرابي هو الصواب ، لا ما قاله الليث ؛ وقال : فلان حَسَن الفَعال ، وفلان سيء الفَعال. ولست أدري لم قصر الليث الفعَال على الحَسَن دون القبيح.

وقال المبرد أبو العباس : الفَعال يكون في المدح والذمّ. قال : وهو مُخلَّص لفاعل واحد ، فإذا كان من فاعلين فهو فِعال ، وهذا هو الدُرّ الجيد.

وقال ابن الأعرابي : الفِعَال : العود الذي يجعل في خُرْت الفأس يُعمل به. قال : والنجَّار يقال له فاعل.

وقال الليث : الفَعَلة قوم يعملون عمل الطِين والحَفْر وما أشبه ذلك من العمل.

وقال ابن مقبل في نصاب القَدوم ، سَمَّاه فِعالاً :

وتَهْوِي إذا العِيسُ العِتاقُ تفاضلت

هُوِيّ قَدُوم القَيْن جال فِعالُها

يعني : نصابها.

وقال النحويون المفعولات على وجوه في باب النحو. فمفعول به ، كقولك : أكرمت زيداً وأعنت عمراً وما أشبهه. ومفعول له ؛ كقولك : فعلت ذلك حِذارَ غضبك. ويسمى هذا مفعولاً من أَجْلٍ أيضاً.

٢٤٥

ومفعول فيه. وهو على وجهين. أحدهما الحال والآخر في الظروف. فأمّا الظرف فكقولك : نمت البيت وفي البيت. وأمَّا الحال فكقولك : ضُرِب فلان راكباً ، أي في حال ركوبه. ومفعول عليه ؛ كقولك : علوت السّطح ورقِيت الدرجة. ومفعول بلا صلة : وهو المصدر. ويكون ذلك في الفعل اللازم والواقع ؛ كقولك : حفِظت حِفظاً وفهمت فهماً. واللازم كقولك : انكسرت انكساراً. والعرب تَشتقّ من الفعل المُثُل للأبنية التي جاءت عن العرب ؛ مثل فُعاله وفَعولة وأُفعول ومِفعيل وفِعليل وفُعْلول وفُعُّول وفِعَّل وفعْل وفُعَلة ومُفْعلل وفِعَيْل وفِعِيل ويقال : شِعْر مفتعَل إذا ابتدعه قائله ولم يَحذُه على مثال تقدَّمه فيه مَن قبله. وكان يقال : أعذب الأغاني ما افتُعِل ، وأطرف الشعر ما افتُعِل ؛ قال ذو الرُمَّة :

غرائب قد عُرفن بكل أفق

من الآفاق تُفتعل افتعالا

أي يبتدع بها غِناء بديع وصوت محدَث.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : افتعل فلان حديثاً إذا اخترقه. وأنشد :

ذكر شيء يا سُلَيْمى قد مضى

وَوُشاةٍ ينطقون المفتعَلْ

ويقال لكل شيء يسَوَّى على غير مثال تقدَّمه : مفتعَل. ومنه قول لَبيد :

فرميت القوم رَمْياً صائباً

لَسْن بالعُصل ولا بالمفْتَعلْ

ويقال : عذبني وجع أسهرني فجاء بالمفتعَل إذا عانى منه ألمَاً لم يعهد مثله فيما مضى له. وفَعَال قد جاء بمعنى أفعلْ ، وجاء بمعنى فاعلة ، بكسر اللام.

[باب العين واللام مع الباء]

ع ل ب

علب ، عبل ، لعب ، بلع ، بعل : مستعملات.

علب : في الحديث : «لقد فَتَحَ الفُتوحَ قوم ما كانت حِلْية سيوفهم الذهب والفضَّة ، إنما حِلْيتها العَلَابي والآنُك». العلابي جمع العِلْباء ، وهو العَصَب ، وبه سمي الرجل عِلباء. وكانت العرب تشدّ بالعِلباء الرَطْبِ أجفان السيوف فتجِفّ عليها ، وتشُدّ الرماح إذا تصدَّعت بها. ومنه قول الشاعر :

ندعّسها بالسَمْهريّ المعلَّب

وقال القتيبي : بلغني أن العلابيّ : الرَصَاص ، ولست منه على يقين.

قلت : ما علمت أحداً قاله ، وليس بصحيح.

وقال شمر : قال المؤرّج : العِلَاب سمة في العِلباء. قال : والعَلْب تأثير كأثر العِلاب.

وقال شمر : أقرأني ابن الأعرابي لطُفَيل الغنويّ :

نهُوض بأشناق الديات وحَمْلِها

وثِقْل الذي يَجْنِي بمنكبه لَعْب

قال ابن الأعرابي : لَعْب أراد به : عَلْب وهو الأثر.

٢٤٦

وقال أبو نصر : يقول : الأمر الذي يجني عليه وهو بمنكبه خفيف.

وفي حديث ابن عُمَر أنه رأى رجلاً بأنْفه أثرَ السجود فقال : لا تَعْلُب صورتك ، يقول : لا تؤثر فيها أثراً بشدّة انتحائك على أنفك في السجود. والعُلُوب : الآثار واحدها عَلْب يقال ذلك في أثر المِيسم وغيره. وقال ابن الرقاع يصف الركاب :

يتبعْن ناجية كأن بدَفّها

من غَرْض نسْعَتِها علوبَ مواسم

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال : لحم عَلِب وعَلْب وهو الصُلْب. قال : والعِلْب من الناس : الذي لا يُطمع فيما عنده من كلمة ولا غيرها ، قال : والعِلْب من الأرض الغليظ الذي لو مطر دهْراً لم يُنبت خضراء. وكل موضع صُلْب خَشِن من الأرض فهو عِلْب.

أبو عبيد عن أبي عبيدة قال : المعلوب : الطريق الذي يُعْلَب بجنبيه. ومثله الملحوب. والمعلوب : سيف كان للحارث بن ظالم. ويقال : إنه سمَّاه معلوباً لآثار كانت في مَتْنه : ويقال : سُمِّي معلوباً لأنه كان انحنى من كثرة ما ضَرَب به وفيه يقول :

أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب

وقال ابن الأعرابي : العُلَب : جمع عُلْبة وهي الجَنبة والدَسْماء والسمراء. قال : والعِلْبة ـ والجمع عِلَب ـ أُبْنة غليظة من الشجر تتخذ منه المِقطرة. وقال الشاعر :

في رجله عِلبة خشناء من قَرْظ

قد تيَّمته فبالُ المرء متبول

وقال أبو زيد : العُلُوب : منابت السِدر ، الواحد عِلْب. قلت : والعُلْبة : جِلدة تؤخذ من جلد جَنْب البعير إذا سُلخ وهو فَطِير فتسوَّى مستديرة ثم تملأ رملاً سهلاً ، ثم بضمّ أطرافها وتُخلّ بخِلال ويوكَى عليها مقبوضة بحبل وتترك حتى تجِفّ وتيبَس ، ثم يُقطع رأسها وقد قامت قائمة لجفافها تُشبه قَصْعة مدوَّرة كأنها نُحِتت نَحْتاً أو خُرِطت خَرْطاً. ويعلّقها الراعي والراكب فيحلُب فيها ويشرب بها. وتجمع عُلَباً وعِلاباً. وللبدويّ فيها رِفق خفَّنها وأنها لا تنكسر إذا حرّكها البعير أو طاحت إلى الأرض. والعِلاب أيضاً : سِمَة في طول عنق البعير. وقال الليث : عَلِب النبت يَعلَب عَلَباً فهو علِب إذا جَسَأ. وعَلِب اللحم واستعلب إذا غلظ ولم يكن هَشّاً. واستعلبت الماشيةُ البقل ، إذا ذَوَى فأجمَتْه واستغلظته. والعِلْب : الوعِل الضخم المُسِنّ. والعِلْب : عَصَب العنق الغليظ خاصة. وهما عِلْباءان وعلباوان. ورُمْح مُعَلَّب إذا جُلز ولُوي بعَصَب العلب. وعلِب البعير عَلَباً فهو علِب وهو داء يأخذه في ناحيتَيْ عُنُقه فترِم رقبتُه. وقال شمر : يقال هؤلاء عُلبوبة القوم أي خيارهم.

قلت كقولهم : هؤلاء عَصَب القوم أي خيارهم. ورجل عِلْب : جافٍ غليظ.

عبل : في حديث ابن عُمَر أنه قال لرجل : «إذا أتيتَ مِنًى فانتهيت إلى موضع كذا وكذا فإن هناك سَرْحة لم تُعْبَل ولم تُجْرد ولم تُسْرَف ، سُرّ تحتها سبعون نبيّاً فانزِل

٢٤٧

تحتها». قال أبو عبيد : قوله : لم تُعبل ، يقول : لم يسقط ورقها ؛ يقال : عَبَلْت الشجرة عَبْلاً إذا حَتَتَّ عنها ورقها. وأعْبل الشجَرُ إذا طلع ورقه. قال : وقال أبو عبيدة : العَبَل : كلّ ورق مفتول كورق الأَثْل والأرْطَى والطَرْفاء. قال : وقال أبو عمرو : العَبَل : مِثل الورق وليس بورق.

ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء قال : أعبل الشجر إذا رَمَى بورقه. قال : والسَرْو والنخل لا يُعبِلان وكل شجر ثبت ورقهُ شتاء وصيفاً فهو لا يُعْبل. قلت : وقد ذكر أبو عبيد عن أبي عمرو في «المصنَّف» نحواً من قول الفرّاء في أعبلت الشجرةُ إذا سقط ورقُها ، ثم رَوَى عن اليزيديّ القول الأول : أعبلت الشجرة إذا طلع ورقها.

وقال الليث مثله. قلت أنا : وسمعت غير واحد من العرب يقول : غَضًى مُعْبِل وأرطًى معبل إذا طلع عَبَلُه. وهذا هو الصحيح ومنه قول ذي الرمَّة :

إذا ذابت الشمس اتقى صَقَراتها

بأفنان مربوع الصَرِيمةَ مُعْبِل

وإنما يتَّقي الوحشيّ حَرّ الشمس بأفنان الأرطاة التي طلع ورقها ، وذلك حين يَكنِس في حمراء القيظ. وإنما يسقط ورقها إذا برد الزمان ولا يَكْنس الوحشيّ حينئذٍ ولا يتّقي حَرَّ الشمس. ثعلب عن ابن الأعرابي : العَبْل : الغليظ والضخم ، وأصله في الذراعين. وجارية عَبْلة ، والجمع عَبْلات لأنها نعت. ويقال : عَبَلتْه إذا رددته. وأنشد :

ها إن رَميي عنهم لمعبولْ

فلا صريخ اليوم إلّا المصقول

كان يرمي عدوّه فلا يغني الرمي شيئاً ، فقاتل بالسيف وقال هذا الرجز. والمعبول : المردود. وقال النَضْر : أعبلت الأرطاةُ إذا نبت ورقها : وأعبلَتْ إذا سقط ورقها ، فهي مُعْبل. قلت : جعل ابن شميل أعبلت الشجرة من الأضداد ، ولو لم يحفظه عن العرب ما قاله لأنه ثقة مأمون. أبو عبيد عن الأصمعي : الأعبل والعبلاء : حجارة بيض. وقال الليث : صخرة عبلاء : بيضاء.

وأنشد في صفة ناب الذئب :

يَبْرُق نابُه كالأعبل

أي كحجر أبيض من حجارة المَرْو. ويقال : رجل عَبْل وجارية عَبْلة إذا كانا ضخمين. وقد عَبُل الغلام عَبَالة. وقال أبو عمرو : العبلاء : مَعْدِن الصُفْر في بلاد قَيْس وقال أبو عُبَيْد عن الأحمر : ألقى عليه عَبَالَّته أي ثِقْله. ويقال للرجل إذا مات : قد عَبَلته عَبُول ، مثل شَعَبته شَعُوب. وأصل العَبْل القطع المستأصِل ، وأنشد :

.. عابِلتي عَبول

والمِعْبَلة : النَصْل العريض وجمعها معابل. وقال عنترة :

وفي البَجْلي مِعْبلة وقيع

وقال الأصمعيّ : من النصال المِعْبلة ، وهو أن يعرّض النصل ويطوّل. أبو العباس عن ابن الأعرابي : غلام عابل : سمين.

٢٤٨

وجمعه عُبُل. وامرأة عَبُول : ثَكُول وجمعها عُبُل. ابن شميل عن أبي خَيْرة قال : العبلاء الطَرِيدة في سواء الأرض حجارتها بيض كأنها حجارة القَدَّاح. وربما قدحوا ببعضها ، وليس بالمَرْو ، وكأنها البَلُّور. وقال ابن شُمَيل : الأعبل : حجر أخشن غليظ يكون أحمر ويكون أبيض ويكون أسود كل يكون ، جبل غليظ في السماء.

لعب : الليث : لعِب يلعَب لُعْباً ولَعِباً. ورجل تِلِعَّابة إذا كان يتلعّب. ورجل لُعبَة : كَثير اللعب. قال : واللُّعْبة ـ جَزْم ـ : الذي يُلعِب به ، كالشِطْرَنجة ونحوها. وقال الفرّاء : لعِبت لَعْبة واحدة. ورجل حسن اللِّعْبة ـ بالكسر ـ. واللُّعْبة : ما يُلْعَب به. الحرّانيّ عن ابن السكيت : تقول : لمن اللُّعْبة؟ فتضمّ أولها لأنها اسم. وتقول : الشطرنج لُعْبة ، والنَرْد لُعْبة. وكل ملعوب به فهو لُعْبة. وتقول : اقعد حتى أفرغ من هذه اللُّعْبة ، وهو حسن اللِّعْبة ؛ كما يقول : حسن الجِلسة ، وقد لعِبت لَعْبة واحدة. ثعلب عن ابن الأعرابي : لَعَب الرجل يَلْعَب إذا سال لُعَابه. وقال الليث : لُعَاب الشمس : السَرَاب ، وأنشد :

في قَرْقَر بلعاب الشمس مضروج

قلت لُعَاب الشمس : هو الذي يقال له : مُخَاط الشيطان. وهو السَهَام ـ بفتح السين ـ ، ويقال له : رِيق الشمس ، وهو شِبْه الخيط تراه في الهواء إذا اشتدّ الحرّ ورَكَد الهواءُ. ومن قال : إن لعاب الشمس السراب فقد أبطل ، إنما السراب يُرَى كأنه ماء جارٍ نصفَ النهار. وإنما يعرف هذه الأشياء مَن لزِم الصحاري والفلوات وسار في الهواجر فيها. وقال الليث : مُلَاعب ظلِّه : طائر يكون بالبادية. والإثنان ملاعبا ظلّهما ، والثلاثة ملاعبات أظلالهن. وتقول : رأيت ملاعبات أظلالٍ لهُنّ ، ولا تقل : أظلالهن ؛ لأنه يصير معرفة. وكان عامر بن مالك أبو براء يقال له : مُلَاعِب الأسنَّة ، سمّي بذلك يوم السُوبان. ولُعَاب الحَيَّة : سمّها. واللُّعَاب : فرس من خيل العرب به معروف. ومَلَاعِب الصبيان والجواري في الدار من ديارات العرب : حيث يلعبون ، الواحد مَلْعَب. واللعاب : الرجل الذي يكون له اللعب حِرْفة. ولُعَاب النحل : ما تعسِّله. وقال أبو سعيد : استلعبت النخلةُ إذا أطلعت طَلْعاً وفيها بقيَّة من حَمْلها الأول. وقال الطرماح يصف نخلة :

ألحقتْ ما استلعبتْ بالذي

قد أنى إذ حان وقت الصرام

لَعُوب : اسم امرأة سميت لعوب لكثرة لعبها. ويجوز أن تسمّى لعوب لأنه يلعب بها. واللعباء : سَبَخة معروفة بناحية البحرين بحذاء القَطِيف وسِيف البحر.

بلع : أبو عبيد عن الكسائيّ : بَلِعت الطعام أبلَعه بَلْعاً وسَرِطته سَرْطاً إذا ابتلعته. وقال الليث : يقال : بَلِع الماء بلعاً إذا شرِبه. قال : وابتلاع الطعام : ألّا يَمْضُغه. قال : والبُلَع الواحدة بُلْعة ، وهي من قامة البَكْرَة : سَمّها وثَقْبها. قال : والبالوعة والبَلَّوعة ـ لغتان ـ بئر تُحفر ويضيّق

٢٤٩

رأسها ، يجري فيها ماء المطر. قال : و (بالوعة) لغة أهل البصرة. والمَبْلَع : موضع الابتلاع من الحَلْق. أبو عبيد عن أبي زيد : يقال للإنسان أوَّلَ ما يظهر فيه الشيب : قد بلَّع فيه الشيب تبليعاً. وسَعْد بُلَع : نجمان معترضان خفيّان ما بينهما قريب ، يقال : إنه سمّي بُلَع ؛ لأنه كأنه لقرب صاحبه منه يكاد يَبْلَعه ، يعني الكوكب الذي معه. وبَلْعاء بن قيس : رجل من كبراء العرب. ورجل بُلَع ومِبْلع وَبُلَعة إذا كان كثير الأكل. وقال ابن الأعرابي : البوْلع : الكثير الأكل.

بعل : وقال الله جلّ وعزّ : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هُود : ٧٢] قال الزجّاج : نصب (شَيْخاً) على الحال. قال : والحال ههنا نَصْبها من غامض النحو. وذلك إذا قلت : هذا زيد قائماً فإن كنت تقصد أن تخبر من لم يعرف زيداً أنه زيد لم يجز أن تقول : هذا زيد قائماً لأنه يكون زيداً ما دام قائماً ، فإذا زال عن القيام فليس بزيد. وإنما تقول للذي يعرف زيداً : هذا زيد قائماً ، فتُعمِل في الحال التنبيه ، المعنى انتبِه لزيد في حال قيامه ، أو أشير لك إلى زيد في حال قيامه ، لأن (هذا) إشارة إلى من حضر ، فالنصب الوجه كما ذكرنا. ومن قرأ : (هذا بعلي شيخ) ففيه وجوه. أحدها التكرير ، كأنك قلت : هذا بعلي ، هذا شيخ. ويجوز أن تجعل (شيخ) مبنِيّاً عن (هذا). ويجوز أن تجعل (بَعْلِي) و (شيخ) جميعاً خبرين عن (هذا) فترفعهما جميعاً ب (هذا) ؛ كما تقول : هذا حلو حامض. وقوله عزوجل : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) [الصَّافات : ١٢٥] قيل : إن بعلاً كان صَنَماً من ذهب يعبدونه. وقيل : أتدعون بعلاً أي ربّاً ، يقال : أنا بَعْل هذا الشيء أي ربّه ومالكه ، كأنه قال : أتدعون ربّاً سوى الله. وذكر عن ابن عبّاس أن ضالَّة أُنشِدت ، فجاء صاحبها ، فقال : أنا بعلها يريد أنا ربّها ، فقال ابن عباس : هو من قول الله جلّ وعزّ : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) [الصَّافات : ١٢٥] أي ربّاً. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في صَدَقة النخل : «ما سُقِي منه بَعْلاً ففيه العُشر». قلت : هذا ذكره أبو عبيد في كتاب «غريب الحديث» وسمعته في كتاب «الأموال» : «ما شرب منه بَعْلاً ففيه العُشر» وهذا لفظ الحديث ، والأول كتبه أبو عبيد : على المعنى. وقال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : البَعْل : ما شرب بعروقه من الأرض من غير سَقي من سماء ولا غيره. وأنشد لعبد الله بن رَوَاحة :

هنالك لا أبالي نخل سَقْي

ولا بَعْل وإن عَظُم الإناءُ

قال أبو عبيد : وقال الكسائيّ في البعْل : هو العِذْي ، وهو ما سقته السماء. وقال ذلك أبو عبيدة. قلت : وقد ذكر القتيبيّ هذا في الحروف التي ذكر أنه أصلح الغلط الذي وقع فيها. وألفيته يتعجّب من قول الأصمعيّ : البَعْل : ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقْي من السماء ولا غيرها ، وقال : ليت شعري أينما يكون هذا النخل الذي لا يُسقى من سماء

٢٥٠

ولا غيرها ، وتوهَّم أنه يُصلح غَلطاً ، فجاء بأطمّ غلط. وجهل ما قاله الأصمعيّ ، وحمله جهله به على التخبّط فيما لا يعرفه ، فرأيت أن أذكر أصناف النخيل لتقف عليها ، فيصحَّ لك ما حكاه أبو عبيد عن الأصمعيّ. فمن النخيل السَقِيّ. ويقال : المَسْقَوِيّ. وهو الذي يُسقَى بماء الأنهار والعيون الجارية. ومن السقِيّ ما يُسقَى نَضْحاً بالدلاء والنواعير وما أشبهها.

فهذا صنف. ومنها العِذْي. وهو ما نبت منها في الأرض السهلة ، فإذا مُطِرت نشِفت السهولةُ ماءَ المطر ، فعاشت عروقُها بالثرى الباطن تحت الأرض ، ويجيء تمرها قَعقاعاً ؛ لأنه لا يكون ريَّان كالسَّقِيّ. ويسمَّى التمر إذا جاء كذلك قَسْباً وسُحّاً. والضرب الثالث من النخيل : ما نبت ودِيُّه في أرض يقرب ماؤها الذي خلقه الله تحت الأرض في رَقَّات الأرض ذات النَزّ ، فرسخت عروقُها في ذلك الماء الذي تحت الأرض واستغنَتْ عن سَقْي السماء وعن إجراء ماء الأنهار إليها أو سَقْيها نَضْحاً بالدلاء.

وهذا الضرب هو البَعْل الذي فسّره الأصمعيّ. وتَمْر هذا الضرب من التُمْران لا يكون ريّان ولا سُحّاً ولكن يكون بينهما وهكذا فسّر الشافعيّ رَضِي اللهُ عَنه البَعْل في باب القَسْم ، فيما أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي فقال : البَعْل : ما رَسَخ عروقه في الماء فاستغنَى عن أن يُسقى. قلت : وقد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جزيمةِ عبد القيس نخلاً كثيراً عروقها راسخة في الماء وهي مستغنية عن السَقْي وعن ماء السماء تسمَّى بَعْلاً. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر أيام التشريق فقال : «إنها أيام أكل وشُرْب وبِعَال». قال أبو عبيد : البِعَال : النكاح وملاعبة الرجل أهله. يقال للمرأة : هي تباعِل زوجها بِعَالاً ومباعلة إذا فعلت ذلك معه. وقال الحطيئة :

وكم من حَصَان ذات بَعْل تركتَها

إذا الليل أدجى لم تجد من تُبَاعِلُهْ

أراد : أنك قتلْتَ زوجها أو أسرته. ويقال للرجل : هو بعل المرأة. ويقال للمرأة : هي بَعْله وبعلته. ويجمع البعل بُعولة ، قال الله جلّ وعزّ : (وَبُعُولَتُهُنَ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [البَقَرَة : ٢٢٨]. وقال الليث في تفسير البعل من النخل ما هو أطمّ من الغلط الذي ذكرناه عن القتيبيّ. زعم أن البعل : الذكر من النخل ، والناس يسمّونه الفحل. قلت : وهذا غلط فاحش. وكأنه اعتبر هذا التفسير من لفظ البعل الذي معناه الزوج.

قلت : وبعل النخيل : إناثها التي تُلَقَّح فتحمِل. وأما الفُحال فإن ثمره ينتفض ، وإنما يلقَّح بطَلْعه طَلعُ الإناث إذا انشق. وقال الليث أيضاً : البَعْل : الزوج. يقال : بَعَل يَبْعَل بُعولة فهو باعل أي مستعلج قلت : وهذا من أغاليط الليث أيضاً. وإنما سمّي زوج المرأة بعلاً لأنه سيّدها ومالكها ، وليس من باب الاستعلاج في شيء. وروى سَلَمة عن الفرّاء وأبو عبيد عن الأصمعيّ : بعل الرجل يَبْعَل بَعلاً كقولك : دَهِش وخَرِق وعَقِر. وقال ابن الأعرابي : البعل : الضَجَر والتبرُّم بالشيء.

٢٥١

وأنشد :

بعِلت ابن غَزْوان بَعِلت بصاحب

به قبلك الإخوانُ لم تك تَبْعل

قال : والبَعْل : الصَنَم. والبعل : اسم ملِك. والبعل : الزوج ، وقد بَعَل يَبْعل بعلاً إذا صار بعلاً لها.

وقال ابن دريد : أصبح فلان بَعلاً على أهله أي ثِقلاً عليهم. وقال ابن الأعرابي : البَعَل : حسن العشرة من الزوجين. والبِعال : حديث العروسين. والبِعال : الجمال. وأنشد :

يا ربُ بعل ساء ما كان بعل

وامرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوِعة لزوجها محِبَّة له. واستبعل النخلُ إذا صار بَعلاً راسخ العروق في الماء مستغنياً عن السقْي وعن إجراء الماء في نهر أو عاثور إليه.

[باب العين واللام مع الميم]

ع ل م

علم ، عمل ، لمع ، لعم (١) ، ملع ، معل (٢) : مستعملات.

علم : حدّثنا محمد بن إسحاق السعديّ حدثنا سعد بن مَزْيد حدثنا أبو عبد الرحمن المُقْرِى في قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) [يُوسُف : ٦٨]. فقلت : يا أبا عبد الرحمن ممن سمعت هذا؟ قال : من ابن عُيَينة ، قلت : حَسْبي. وروي عن ابن مسعود أنه قال : ليس العلم بكثرة الحديث ولكن العِلم الخَشْية. قلت : ويؤيّد ما قاله قولُ الله جل وعز : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فَاطِر : ٢٨].

وقال بعضهم : العالِم هو الذي يعمل بما يعلم. قلت : وهذا يقرب من قول ابن عيينة. وقول الله جلّ وعزّ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمِينَ) [الفَاتِحَة : ٢] رَوى عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس في قوله : (رَبِ الْعالَمِينَ) قال : رب الجِنّ والإنس. وقال قتادة : ربّ الخلق كلِّهم. قلت : والدليل على صحَّة قول ابن عباس قول الله جلّ وعزّ : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفُرقان : ١] وليس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نذيراً للبهائم ولا للملائكة ، وهم كلّهم خَلْق الله ، وإنما بُعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نذيراً للجنّ والإنس. وروي عن وهب بن منبّه أنه قال : لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم ، الدنيا منها عالم واحد ؛ وما العُمران في الخراب إلا كفُسْطاط في صحراء. وقال الزجاج : معنى (الْعالَمِينَ) : كلّ ما خلق الله كما قال : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعَام : ١٦٤] وهو

__________________

(١) سقط شرح المادة في المطبوعة ، وجاء في «اللسان» (لعم): «انفرد بها الأزهري وقال : لم أسمع فيها شيئاً غير حرف واحد وجدته لابن الأعرابي ، قال : اللَّعمُ اللُّعاب ، بالعين ، قال ويقال : لم يتلعثم في كذا أي لم يتمكث ولم ينتظر».

(٢) سقط شرح المادة في المطبوعة. وفي العين (٢ / ١٥٤): «معل : معلت الخصية إذا استخرجتها من أرومتها وصفنها». وانظر «اللسان» (معل ـ ١٣ / ١٤٥).

٢٥٢

جمع عالَم. قال : ولا واحد لعالَم من لفظه ؛ لأن عالَماً جَمْع أشياء مختلفة فإن جعل عالم لواحد منها صار جمعاً لأشياء متَّفقة. قلت : فهذه جملة ما قيل في تفسير العالم. وهو اسم بني على مثال فاعَل ؛ كما قالوا : خاتم وطابَع ودانَقَ.

وأمَّا قول الله جلّ وعزّ : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البَقَرَة : ١٠٢] تكلم أهل التفسير في هذه الآية قديماً وحديثاً. وأبين الوجوه التي تأولوا : أن المَلكين كانا يعلّمان الناس وغيرهم ما يُسألان عنه ويأمران باجتناب ما حَرُم عليهم ، وطاعة الله فيما أُمروا به ونهوا عنه. وفي ذلك حكمة ، لأن سائلاً لو سأل : ما الزنى؟ وما اللواط؟ لوجب أن يوقف عليه ويُعلَم أنه حرام. فكذلك مَجَاز إعلام المَلَكين الناس السِحْر وأمْرهما السائل باجتنابه بعد الإعلام. وذكر أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : تَعَلَّمْ بمعنى اعلَمْ. قال : ومنه قوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) [البَقَرَة : ١٠٢] قال ومعناه أن الساحر يأتي الملكين فيقول : أخبراني عما نهى الله عنه حتى أنتهي. فيقولان : نهى عن الزنى ، فيستوصفهما الزنى فيصفانه. فيقول : وعمَّا ذا؟ فيقولان : عن اللواط. ثم يقول : وعماذا؟ فيقولان : عن السحر ، فيقول : وما السحر؟ فيقولان : هو كذا فيحفظه وينصرف ، فيخالف فيكفر. فهذا يعلمان ، إنما هو : يُعْلِمان. ولا يكون تعليم السحر إذا كان إعلاماً كفراً ، ولا تعلُّمه إذا كان على معنى الوقوف عليه ليجتنبه كفراً ؛ كما أن من عرف الربا لم يأثم بأنه عرفه ، إنما يأثم بالعمل. قلت : وليس كتابنا هذا مقصوراً على علم القرآن فنودع موضع المشكل كل ما قيل فيه وإنما نثبت فيه ما نستَصْوبه وما لا يستغني أهلُ اللغة عن معرفته.

ومِنْ صفات الله العليم والعالِم والعلَّام.

قال الله جل وعز : (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس : ٨١]

وقال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الأنعام : ٧٣].

وقال في موضع آخر : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سَبَإ : ٤٨] فهو الله العالِم بما كان وما يكون كَوْنه ، وبما يكون ولمّا يكن بعد قبل أن يكون.

ولم يزل عالماً ، ولا يزال عالِماً بما كان وما يكون ، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

ويجوز أن يقال للإنسان الذي علَّمه الله عِلماً من العلوم : عليم ؛ كما قال يوسُف للمِلك : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٥]. وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فَاطِر : ٢٨] فأخبر ـ جلَّ وعزَّ ـ أن من عباده مَن يخشاه وأنهم هم العلماء.

وكذلك صفة يوسف كان عليماً بأمر ربّه وأنه واحد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ؛ إلى ما عَلَّمه الله (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) الذي كان يقضي به على الغيب ، فكان عليماً بما علَّمه الله.

٢٥٣

ويقال : رجل علَّامة إذا بالغت في وصفه بالعلم. والعِلْم نقيض الجهل. وإنه لعالم ، وقد علِم يعلَم عِلماً.

ويقال : ما علمت بخبر قدومك أي ما شَعَرت.

ويقال : استعلِمْ لي خبرَ فلان وأعْلِمنيه حتى أَعلمه.

وقول الله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ١ ، ٢] قيل في تفسيره : إنه جلّ ذكره يسَّره لأن يُذكَر.

وأما قوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٤] فمعناه : أنه علَّمه القرآن الذي فيه بيان كل شيء.

ويكون معنى قوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) : مميّزاً ـ يعني الإنسان ـ حتى انفصل من جميع الحيوان.

وقال جلّ وعزَّ (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٢٤].

قالوا الأعلام : الجبال ، واحدها عَلَم.

وقال جرير :

إذا قطعنا علماً بدا علم

وقال في صفة عيسى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) [الزخرف : ٦١] وهي قراءة أكثر القرَّاء.

وقرأ بعضهم : (وإنه لَعَلَمٌ للساعة) المعنى أن ظهور عيسى ونزوله إلى الأرض عَلَامة تدلّ على اقتراب الساعة.

ويقال لما يُبنى في جَوَادِّ الطريق من المنار التي يستدلّ بها على الطريق : أعلام ، واحدها عَلَم. والعَلَم : الراية التي إليها يجتمع الجند. والعَلَم : عَلَم الثوب ورَقْمه في أطرافه. والمَعْلَم : ما جعل علامة وعَلَماً للطرق والحدود ؛ مثل أعلَام الحرَم ومعالمه المضروبة عليه.

وفي الحديث : «تكون الأرض يوم القيامة كقُرْصة النَقيّ ليس فيها مَعْلَم لأحد». وذكر سَلَمة عن الفرّاء : العُلام : الصَقْر.

قال : العُلَاميّ : الرجل الخفيف الذكيّ ، مأخوذ من العُلَام.

وقال الليث : العُلَام : الباشِق ، وهو ضرب من الجوارح. وأما العُلّام ـ بتشديد اللام ـ فإن أبا العباس رَوَى عن ابن الأعرابيّ أنه الحِنّاء. قلت : وهو صحيح.

وقال أبو عُبيد : المَعْلَم : الأثر ، وجمعه المعالِم.

ويقال : أعلمت الثوب إذا جعلت فيه علامة أو جعلت له عَلَماً. وأعلمت على موضع كذا من الكتاب علامة.

أبو عبيد عن الأحمر : عالمَني فلان فعلَمتُه أَعْلُمُه ـ بالضمّ ـ وكذلك كل ما كان من هذا الباب بالكسر في يفعِل فإنه في باب المغالبة يرجع إلى الرفع ؛ مثل ضاربته فضربته أضربه. وعلمت يتعدى إلى مفعولين. ولذلك أجازوا علمتُنِي كما قالوا : ظننتُني ورأيتُني وحسِبتُني. تقول : علمت عبدَ الله عاقلاً.

ويجوز أن تقول : علمت الشيء بمعنى عَرَفته وخَبَرته.

وقال اللحياني : عَلَمت الرجل أعْلُمُه عَلْماً إذا شققت شفته العليا ، وهو الأعلم ، وقد

٢٥٤

عَلِمَ يَعْلَم عَلَماً فهو أعلم.

والبعير يقال له : أعلم لعَلَم في مِشْفره الأعلى. وإذا كان الشَقّ في شفته السُفلى فهو أفلح.

وقال ابن السكيت : العَلْم : مصدر عَلَمت شفته أعلُمها عَلْماً. والعَلَم : الشقّ في الشَفَة العليا.

وقال ابن الأعرابي : يقال للرجل المشقوق الشفة السفلى : أفلح ، وفي العليا : أعلم ، وفي الأنف : أخرم ، وفي الأُذُن : أخرب ، وفي الجَفْن : أشتر. ويقال فيه كله أشرم.

ويقال : عَلَمت عِمَّتي أَعْلِمها عَلْماً. وذلك إذا لُثْتها على رأسك بعلامة تُعرف بها عِمّتك.

وقال الشاعر :

ولُثن السُبُوب خِمْرة قرشيَّة

دُبَيريّة يَعْلِمن في لَوْثها عَلْما

أبو عبيد عن الفرّاء العَيْلام : الضبعان ، وهو ذكر الضِبَاع.

وقال الأمويّ والفرّاء : العَيْلم : البئر الكثيرة الماء. ورجل مُعْلِم إذا عرف مكانه في الحرب بعلامة أعلمها. وأَعْلَم حمزةُ يوم بدر. ومنه قوله :

فتعرّفوني إنني أنا ذاكُمُ

شاكٍ سلاحي في الحوادث مُعْلِم

وقِدْح مُعْلَم : فيه علامة. ومنه قول عنترة :

ولقد شربت من المدامة بعدما

ركد الهوا جربا لمَشُوف المعلَم

وقال شمر فيما قرأت بخطه في كتاب «السلاح» له : العَلْماء من أسماء الدروع.

قال : ولم أسمعه إلا في بيت زهير بن جَناب :

جَلَّح الدهر فانتحى لي وقِدْماً

كان يُنْحي القُوَى على أمثالى

يدرك التِمْسَح المولَّع في اللُجَّ

ة والعُصْمَ في رؤوس الجبال

وتصدَّى ليصرع البطل الأرْ

وَع بين العَلْماء والسربال

وروى غير شمر هذا البيت لعمرو بن قَمِيئة. وقال : بين العلهاء والسربال ، بالهاء. والصواب ما رواه شمر بالميم.

عمل : قال الله تعالى في آية الصدقات : (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) [التّوبَة : ٦٠] وهم السُعاة الذين يأخذون الصدقات من أربابها ، واحدهم عامل وساعٍ. واستُعمل فلان إِذا وَلِي عملاً من أعمال السلطان. ويقال : أعمل فلان ذِهنه في كذا وكذا إذا دبره بفهمه. وعمِل فلان العمل يعمَله عَمَلاً فهو عامل. ولم يجىء فعِلت أفعَل فَعَلاً متعدّياً إلَّا في هذا الحرف.

وفي قولهم : هبلته أمّه هَبَلاً ، وإلّا فسائر الكلام يجيء على فَعْل ساكن العين ؛ كقولك : سرِطت اللُقْمة سَرْطاً وبِلعته بَلْعاً وما أشبهه. والعُمَالة : رِزْق العامل الذي جُعل له على ما قُلِّد من العمل ، وعامل الرمح : صدره دون السنان ، ويجمع عوامل.

وقال الليث : يقال : عاملت الرجل أعامله

٢٥٥

معاملة في المبايعة وغيرها. والعَمَلة : القوم الذين يعملون بأيديهم ضروباً من العمل في طين أو حَفْر أو غيره.

وقال اللحياني : العُمْلة والعُمَالة : أَجْر العمل.

أبو عبيدة : عوامل الدابَّة : قوائمه ، واحدها عاملة.

الكسائيّ : ناقة عَمِلة بيِّنة العَمَالة مثل اليَعْملة إذا كانت فارهة ، وتجمع اليعملة من النوق : يَعْملات.

وقالت امرأة من العرب : ما كان لي عَمِلة إلَّا فسادكم ، أي ما كان لي عمل. ويقال : لا تتعمَّل في أمرك ذا ، كقولك : لا تتعَنَّ ، وقد تعنَّيت للرأي تعنَّيت من أجلك.

وقال مزاحم العُقَيليّ :

تكاد مغانيها تقول من البِلى

لسائلها عن أهلها لا تعَمَّلِ

أي لا تتعَنَّ ، فليس لك في السؤال فرَج.

وقال أبو سعيد : سوف أتعمَّل في حاجتك أي أتعنَّى.

وقال الجعديّ يصف فرساً :

وترقبه بعاملة قَذوف

سريعٍ طَرْفها قلقٍ قَذَاها

أي ترقبه بعين بعيدة النظر. والمسافرون إذا مشَوا عَلَى أرجلهم يسمَّون بني العَمَل. وأنشد الأصمعيّ :

فذكر الله وسمَّى ونزل

بمنزل ينزله بنو عملْ

لا ضَفَف يَشْغَله ولا ثَقَلْ

نزل : أقام بمنًى ، ورجل خبيث العِمْلة إذا كان خبيث الكسب ورجل عمول إذا كان كسُوباً.

وأنشد الفرّاء قول لَبيد :

أو مِسْحَل عمِلٌ عِضَادةَ سَمْحج

بَسَرَاتها نَدَب له وكُلُوم

فقال : أوقع (عمل) على (عصادة سَمْحج) قال : ولو كانت (عامل) كان أبين في العربيّة. قلت : العضادة في بيت لَبيد جمع العَضُد. وإنما وصف عَيْراً وأتانهُ وسَوقه إيّاها ، فجعل (عمل) بمعنى مُعْمِل أو عامل ، ثم جعله عَمِلاً والله أعلم.

وقال الليث : اعتمل الرجلُ ؛ إذا عمِل لنفسه.

قلت : هذا كما يقال : اختدم إذا خدم نفسه ، واقترأ إذا قرأ السلام على نفسه. واستعمل فلان غيره إذا سأله أن يعمل له. وأعمل فلان رأيه. ويقال : استعمل فلان اللبِن إذا ما بنى به بناء. ويقال : عَمَّلت القوم عُمَالتهم إذا أعطيتهم إيَّاها.

وعاملة : قبيلة ، إليها نسب عَدِيّ بن الرِقاع العامليّ. والمعاملة في كلام أهل العراق : هي المساقاة في كلام الحجازيّين.

ورُوِي عن الشعبيّ أنه أُتي بشراب معمول ، قال أبو العباس : المعمول في الشراب : الذي فيه اللبَن والعَسل والثّلج.

لمع : الليث : لَمَع البَرْقُ يَلْمَع إذا أضاء. وألمع الرجل بثوبه للإنذار.

٢٥٦

قال : وألمعت الناقةُ بذَنَبها فهي مُلْمِع.

قال : وهي مُلْمِع : قد لَفِحَتْ. وهي تُلمع إلماعاً إذا حَمَلت ، ولمَع ضَرْعها عند نزول الدِرَّة فيه.

قال : وإذا تحرّك ولدها في بطنها قيل : ألمعت.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا استبان حَمْل الأَتَان وصار في ضَرْعها لُمَع سَوَادٍ فهي مُلْمِع.

وقال في كتاب «الخيل» : إذا أشرق ضَرْع الفرس للحمل قيل : ألمعتْ.

قال : ويقال ذلك لكل حافر وللسباع أيضاً. قلت : لم أسمع الإلماع في الناقة لغير الليث ، إنما يقال للناقة : مُضْرِع ومُرْمِد ومُرِدّ.

وقوله : ألمعت الناقة بذَنبها شاذّ ، وكلام العرب : شالت الناقة بذنبها بعد لَقَاحها ، وشَمَذت واكتارت وعَسَرت. فإن فعلت ذلك من غير حَبَل قيل : أبرقت فهي مُبْرق.

وقال الليث : اللُّمَع : تلميع يكون في الحَجَر أو الثوب أو الشيء يتلوّن ألواناً شتَّى. يقال : حَجَر ملمَّع. وواحدة اللُّمَع لُمْعة. يقال : لُمْعة من سواد أو بياض أو حمرة.

قال : ويقال : للبرق الخُلَّب الذي لا مَطَر فيه : يَلْمَع. ويقال : هو أكذب من يَلْمَع.

ويقال : اليَلْمَع : السراب قلت : والعرب تقول : وقعنا في لُمْعة من نَصِيّ وصِلِّيان أي في بُقعة منها ذاتِ وَضَح لِمَا نبت فيها من النَصِيّ. ويجمع لُمَعاً. ولُمعة جَسد الإنسان نَعْمتها وبَرِيق لونها. وقال عَدِيّ بن زيد :

تُكذب النفوسَ لُمعتُها

وتحور بعد آثارا

وقال الليث : اليَلْمَعِيّ والألمعيّ : الكذّاب ، مأخوذ من اليَلْمع وهو الشراب. قلت : ما علمت أحداً قال في تفسير اليلمعي من اللغويين ما قاله الليث.

قال أبو عبيد عن أصحابه : الألْمعيّ : الخفيف الظريف. وأنشد قول أوس بن حَجَر :

الأَلمعيّ الذي يظن لك الظَن

كأن قد رأى وقد سمعا

وقال ابن السكيت : رجل يَلْمعيّ وأَلْمَعيّ للذكيّ المتوقِّد.

ورَوَى شمر عن ابن الأعرابيّ أنه قال : الألمعيّ : الذي إذا لمع له أوّلُ الأمر عرف آخِره ، يُكْتَفَى بظنّه دون يقينه. وهو مأخوذ من اللَّمْع وهو الإشارة الخفيَّة والنظر الخفيّ. قلت : وتفسير هؤلاء الأئمّة اليلمعيّ متقارب يصدّق بعضُه بعضاً. والذي قاله الليث باطل ؛ لأنه على تفسيره ذمّ ، والعرب لا تضع الألمعيّ إلّا في موضع المدح.

وفي حديث عمر رحمه‌الله أنه رأى عمرو بن حُريث فقال : أين تريد؟ قال : الشأم. فقال : أمَا إنها ضَاحية قومك ، وهي اللمَّاعة بالرُكْبان.

قال شمر : سألت السُلَميّ والتميميّ عنه فقالا جميعاً : اللمّاعة بالركبان : تلمع بهم أي تدعوهم

٢٥٧

إليها وتطَّبيهم.

وقال شمر : يقال : لَمَع فلان البابَ أي برز منه. وأنشد :

حتى إذا عَنْ كان في التلمُّس

أفلته الله بشِقّ الأنفس

مُلَمَّعَ البابِ رَثيم المَعْطِس

وقال شمر : يقال : ألمع بالشيء أي ذهب به. وأنشد قوله :

وعَمْراً وجوناً بالمشقَّر ألْمَعا

قال : ويقال : أراد بقوله : ألمعا : اللذين معاً ، فأدخل عليه الألف واللام.

وقال أبو عدنان : قال لي أبو عبيدة : يقال : هو الألمع بمعنى الألمعيّ.

قال : وأراد متممّ بقوله :

وجوناً بالمشقر ألمعا

أراد : أي جونا الألمع فحذف الألف واللام.

قال شمر : وقال ابن بُزُرْج : يقال : لَمَعت بالشيء وألمعت به أي فته.

ويقال : ألمعْتُ بها الطريقَ فلمعت. وأنشد :

ألْمِع بهنّ وضح الطريق

لَمْعَك بالكبساء ذات الحُوق

وقال ابن مقبل في لَمَع بمعنى أشار :

عَيْثي يلُبّ ابنه المكتوم إذا لَمَعت

بالراكبين على نَعْوان أن يقفا

عَيْثي بمعنى عَجَبى ومَرْحَى. ويقال للرجل إذا فزِع من شيء أو غضب وحزِن فتغيّر لذلك لونُه : قد التُمِع لونُه.

وفي حديث ابن مسعود أنه رأى رجلاً شاخصاً بَصَرُه إلى السماء في الصلاة فقال : ما يدري هذا ، لعل بصره سيُلْتَمع قبل أن يرجع إليه.

قال أبو عبيد : معناه : يُخْتَلس ، يقال : التمعنا القوم : ذهبنا بهم. وقال القطامي :

زمان الجاهلية كل حيّ

أبَوْنا من فَصِيلتهم لِمَاعا

قال أبو عبيد : ومن هذا يقال التمع لونُه إذا ذهب. قال : واللُّمْعَة في غير هذا : هو الموضع الذي لا يصيبه الماءُ في الغُسْل والوضوء.

وفي حديث لقمان بن عاد أنه قال : إن أرَ مطمعي فحِدَوّ تَلَمَّع ، وإلَّا أرى مطمعي فوقّاع بصُلَّع. قال أبو عبيد : معنى تلمَّع أي تختطف الشيء في انقضاضها ، وأراد بالحِدَوّ والحدَأَة ، وهي لغة أهل عكة. ويقال لَمَع الطائر بجناحينه إذا خَفَق بهما. ولَمَع الرجل بيديه إذا أشار بهما. ويقال لجناحي الطائر : مِلْمَعاه.

وقال حُميد يذكر قطاي :

لها مِلْمَعاه إذا أوغفا

يحُثّان جوّجزها بالوَحَى

أوغفا : أسرعا. والوَحَى ههنا : الصوت ، وكذلك الوَحَاة ، أراد : حفيف جناحيها.

وقال أبو زيد : يقال ليافوخ الصبيّ ما كانت ليّنة : لامعة. جمعها : اللوامع فإذا اشتدَّت وعادت عظماً فهي اليافوخ.

٢٥٨

ملع : أهمله الليث.

أبو عبيد : المَلْع : سرعة سير الناقة. وناقة مَيْلَع : سريعة. ولا يقال : جمل مَيْلع.

قال : وقال أبو عبيدة : المَلِيع : الأرض التي لا نبات فيها.

وقال ابن الأعرابي : المَلِيع : الفَسِيح الواسع من الأرض البعيد المستوِي. وإنما سمّي مليعاً لمَلْع الإبل فيها وهو ذهابها.

وقال أبو عمرو : المَلِيع : الفضاء الواسع.

وقال ابن شميل : المَليع : كهيئة السِكَّة ذاهب في الأرض ، ضيق قعره أقلّ من قامة ، ثم لا يلبث أن ينقطع ، ثم يضمحلّ إنما يكون فيما استوى من الأرض في الصحاري ومتون الأرض ، يقول الملِيعُ الغلْوتين أو أقلّ والجماعة مُلُع. وقال المرّار الفَقْعَسِيّ فيه :

رأيت ودونهم هَضَبات أفعى

حُمُول الحيّ عالية مليعا

قال : تلِيع : مَدَى البصر أرض مستوية. ومن أمثال العرب : ذهبت به عُقَابٌ تُلَاع قال بعضهم : تُلَاع : أرض أضيف إليها. ويقال : ملاع من نعت العقاب أضيفتْ إلى نعتها. وقال أبو عبيد : من أمثالهم في الهلاك : طارت بهم العنقاء ، وأودَتْ بهم عُقَابٌ تلَاع ويقال ذلك في الواحد والجميع. وقال أبو الهيثم عقاب ملاع هو العُقَيِّب الذي يصيد الجِرْذان ، يقال له بالفارسية : موش خارّه. أخبرني بذلك المنذري عنه. وقال أبو زيد : من أمثالهم : لأنت أخفُّ يداً من عُقَيِّب مَلاع يا فَتًى منصوب وهي عُقَاب تأخذ العصافيرَ والجِرْذان لا تأخذ أكبر منها. قال : ومَلاعُ : أرض. قال : وأصابه خرء بَقَاع يا فتى مصروف ، هو أن يصيبه غبار وعَرَق فتبقى لُمَعُ من ذلك على جَسَده. وبَقَاع يعني بها أرض. وقال ابن الأعرابي : يقال : مَلَع العَضِيل أُمّه وملق أمّه إذا رضعها. وقال أبو تراب : ناقة مَيْلَع مَيْلُق إذا كانت سريعة. وقال شمر : المَيْلَع : الناقة الخفيفة السريعة. وما أسرع مَلْعها في الأرض وهو سرعة عَنَقها. يقال : ما أسرع ما مَلَعت وامتلعت وأملعت وقد امتلع الجمل فسَبق وهو سرعة عَنَقه وأنشد :

جاءت به ميلعة طمرة

وأنشد الفرّاء :

وتهفو بهادٍ لها ملع

كما أقحم القادس الأردمونا

قال : الميلع : المضطرب ههنا وههنا. والميلع : الخفيف. والقادس السفينة. والأرْدم : الملَّاح.

٢٥٩
٢٦٠