تهذيب اللغة - ج ٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

ابن الأعرابي : يقال للون الفيل : المُدَعَّر. قال ثعلب والمُدعّر : اللون القبيح من جميع الحيوان. والدّعَّار المُفْسِد.

ردع : أبو عبيد عن الأصْمَعي الرُّدَاع الوجع : في الجسد وأنشدنا :

فواحزَنَا وعاودني رُدَاعِي

وقال الأصمعي : المرتدِع من السهام : الذي إذا أصاب الهَدَف انفضح عودُه.

وقال ابن الأعرابي : رُدِعَ إذا نُكِس في مرضه. وقال كُثَير :

وإني على ذاك التجلّد إنني

مُسِرّ هُيَامٍ يَسْتَبِلّ وَيُرْدَعُ

وقال أبو العيال الهذليّ :

ذكرت أخي فعاودني

رُدَاع السُقْم والوصبُ

الرُّدَاع : النُكْس ، قد ارتدع في مرضه.

وفي حديث عمر بن الخطاب أن رجلاً أتاه فقال له : إني رميت ظبياً محرماً فأصبت خُشَشَاءَهُ فركب رَدْعَه فأسِنَ فمات.

قال أبو عبيد : قوله ركب رَدْعَه يعني أنه سقط على رأسه.

قال وإنما أراد بالرَدْع : الذم ، شبّهه برَدْع الزعفران. وركوبُه إياه : أن الدم سال فخَرّ الظبيُ عليه صريعاً ، فهذا معنى قوله : ركب رَدْعَه.

وقال أبو عبيد : ليس يُعرف ما ذكر أبو عبيد ، ولكنّ الرَّدْع العُنُق ، رُدِعَ بالدم أو لم يُرْدَع. يقال : اضرب رَدْعَهُ كما يقال اضرب كَرْدَهُ. قال وسُمِّي العُنُق رَدْعاً لأنه بها يَرتدع كلُّ ذي عُنُقٍ من الخيل وغيرها. وقال ابن الأعرابي : ركب رَدْعَهُ إذا وقع على وجهه ، وركب كُسْأَه إذا وقع على قفاه.

قال شمر : وقال ابن الأعرابي في قولهم : ركب رَدْعَه أي خرّ صريعاً لوجهه ، غير أنه كلّما همّ بالنهوض ركب مقاديمه. وقال أبو دُوَادٍ :

فعلّ وأنهل مِنْها السنا

نَ يركبُ منها الرَّدِيعُ الظِلَالا

قال : والرَّدِيع : الصريع يركب ظِلّه.

وقال شمر : الرَّدْعُ على أربعة أوجه : الرَّدْعُ : الكَفّ. رَدَعته : كففته. والرَّدْع : اللَطْخ بالزعفران. وركب رَدْعَه : مقاديمه وعلى ما سال من دمه والرَّدْع : رَدع النَصْل في السهم ، وهو تركيبه وضربك إيَّاه بحجر أو غيره حتى يدخل. وقيل : ركب رَدْعَه إن الرَّدْع كلّ ما أصاب الأرض من الصريع حين يَهْوي إليها ، فما مَسّ الأرض منه أولاً فهو الرَّدْع ، أيّ أقطاره كان. قال : ويقال رُدِعَ بفلان أي صُرِع ، وأخذ فلاناً فَرَدَعَ به الأرض إذا ضَرَبَ به الأرض. ويقال : رَدَع الرجل المرأة إذا وطئها.

وقال الليث : الرَّدْعُ : أن تردَعَ ثوباً بطيب أو زعفران ، كما تردَع الجاريةُ صَدْرَ جَيْبها بالزعفران بملء كفّها.

وقال امرؤ القيس :

حُوراً يُعَلّلْنَ العَبِيرَ رَوَادِعاً

كَمَهَا الشقائق أو ظِبَاء سَلَامِ

١٢١

السلَام : الشجر.

وأما قول ابن مقبل :

يجري بديبَا جَتَيْه الرشح مُرْتَدِعُ

ففيه قولان. قال بعضهم : منصبغ بالعَرَق الأسود ، كما يُرْدَع الثوبُ بالزعفران.

وقال خالد : مُرْتدِع قد انتهت سِنّه. يقال قد ارتدع الجمل إذا انتهت سِنّه. وأقرأني المنذري لأبي عبيد ـ فيما قرأ على أبي الهيثم ـ الرديع الأحمق بالعين غير معجمة. وأما الإيادي فإنه أقرأنيه عن شمر : الردِيغ بالغين معجمة. قلت : وكلاهما عندي من نعت الأحمق.

وقال الليث : يقال خَرّ في بئر فركب رَدْعه إذا هَوَى فيها. وركب فلان رَدْع المَنِيَّة.

قال والرَّدْع : مقاديم الإنسان إذا كانت في ذلك منيّته.

وأنشد قول الأعشى في رَدْع الزعفران وهو لَطْخه :

ورَادعَة بالطيب صفراء عندها

لجسّ الندامى في يد الدرع مُفْتَقُ

وقيل ركب رَدْعَه إذا رُدِع فلم يرتدع ، كما يقال : ركب النَّهْيَ. عمرو عن أبيه : المِردَع : الرجل الذي يمضي في حاجته فيرجع خائباً ، والمِرْدَع : السهم الذي يكون في فُوقه ضِيق ، فيُدقّ فُوقُه حتى يتفتَّح. قال : ويقال فيه كله بالغين ، قال والرَّدْع : الدقّ بالحجر. والمِرْدَع الكَسْلان من الملاحين.

رعد : قال الله جلّ وعزّ : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) [الرّعد : ١٣].

قال ابن عباس : الرَّعْد : مَلَك يسوق السحاب ، كما يسوق الحادي الإبل بحُدَائه. وسئل وهب بن منبِّه عن الرعد فقال : الله أعلم.

وقال ابن الأنباري : قال اللغويون : الرعد : صوت السحاب والبَرْق ضوء ونور يكونان مع السحاب. قالوا : وقول الله عزوجل : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) [الرّعد : ١٣] ذِكْره الملائكة بعد الرعد يدل على أن الرعد ليس بمَلَك. وقال : الذين قالوا : الرعد ملك : ذكر الملائكة بعد الرعد وهو من الملائكة كما يذكر الجنس بعد النوع.

وقال عِكْرِمة وطاوس ومجاهد وأبو صالح وأصحاب ابن عباس : الرَّعْد : مَلَكٌ يسوق السحاب ، وسئل عليّ عن الرعد فقال : مَلك ، وعن البرق فقال : مَخَاريق بأيدي الملائكة من حديد.

وقال الليث : الرَّعْد : مَلَك اسمه الرَّعْد يسوق السحاب بالتسبيح ، قال ومِن صَوته اشتُقّ فِعل رَعَدَ يَرعُدُ ، ومنه الرِّعْدَة والارتعاد. قال : ورجلٌ رِعْدِيد : جَبَان. قال وكل شيء يترجرج من نحو القَرِيس فهو يَتَرعدَد كما تترعدَد الأَلْية.

وأنشد للعجَّاج :

فهي كرعديد الكَثِيب الأَهْيَم

وقال الأخفش : أهل البادية يزعمون أن الرَّعد هو صوت السحاب. والفقهاء يزعمون أنه مَلَك.

١٢٢

أبو عبيد عن الأصمعي : يقال : رَعدَت السماء وبرقَتْ ، وَرعد له وبَرَق له إذا أوعده. ولا يجيز أَرْعَد ولا أبرق في الوعيد ولا في السماء. وكان أبو عبيدة يقول : رَعَد وأَرْعدَ وبَرَقَ وأَبْرَقَ بمعنًى واحدٍ ، ويحتجّ بقول الكُمَيت :

أَبْرِق وأرعد يا يزي

د فما وعِيدُك لي بضائرْ

ولم يكن الأصمعي يحتج بشعر الكُمَيت.

وقال الفرَّاء : رَعَدت السماء وبرَقَت ، رَعداً ورُعوداً وبَرْقاً وبُرُوقاً ، بغير ألف. قال : ويقال للمرأة إذا تزيَّنتْ وتهيّأتْ : أبرَقَتْ. قال : ويقال للسماء المنتظَرة إذا كثر الرعد والبرق قبل المطر : قد أرعدت وأبرقت ، ويقال في كله : رَعدَتْ وبَرَقَتْ. قال : وَإذا أوعدَ الرَجل قيل : قد أرْعدَ وَأَبْرَقَ ، وَرَعَدَ وَبَرقَ.

وقال ابن أحمر :

فابْرُقْ بأرضِك ما بدا لك وارْعُدِ

وقال النضر : جارية رِعْدِيدة : تارّة ناعمة ، وجَوَارٍ رَعَادِيد.

أبو عبيد عن الفراء : في الطعام رُعَيْدَاء ممدود وهو ما يُرْمَى به إذا نُقِّيَ. وقال ابن الأعرابي : كثيب مُرْعَد أي مُنْهَال وقد أُرعِد إرعَاداً وأنشد :

وكفل يرتجّ تحت المِجْسَدِ

كالدِعْصِ بين المُهُدَات المُرْعَدِ

أي ما تمهّد من الرمل. ورجلٌ رِعديد إذا كان جَبَاناً. ورعشِيش مثله. وجمعهما الرعاديد والرعاشيش. وهو يرتعد ويرتعش.

باب العين والدال مع اللام

[ع د ل]

عدل ، علد ، دلع ، دعل : مستعملة.

عدل : قال الله جلّ وعزّ : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المَائدة : ٩٥].

قال الفراء : العَدْل : ما عَادلَ الشيء من غير جنسِه. والعِدْل : المِثل ، مثل المِحْمَل وذلك أن تقول : عندي عِدْلُ غلامك وعِدْل شاتك إذا كانت شاةٌ تعدِل شاةً أو غلام يَعدل غلاماً. فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت : عَدْل. وربما قال بعض العرب : عِدلُه ، وكأنه منهم غلط ؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل. وقد اجتمعوا على أنّ واحد الأعدال عِدْلٌ. قال ونُصب قوله (صِياماً) على التفسير ، كأنه : عَدلُ ذلك من الصيام ، وكذلك قوله : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) [آل عِمرَان : ٩١] أخبرني بجميع ذلك المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء.

وقال الزجّاج : العَدلُ والعِدْل واحد في معنى المِثْل. قال : والمعنى واحد ، كان المِثلُ من الجنس أو من غير الجنس.

قال أبو إسحاق : ولم يقولوا : إن العرب غلِطت. وليس إذا أخطأ مخطىء وجب أن يقول : إن بعض العرب غلِط.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَدْلُ : الاستقامة. وقال

١٢٣

عَدْلُ الشيء وعِدْلُه سواء أي مثله.

قال وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس قال : العَدْلُ : الفِدء في قوله جلّ وعزّ : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الأنعام : ٧٠].

قال وسمعت أبا الهيثم يقول : العِدْلُ : المِثل : هذا عدله : والعَدْلُ : القِيمة يقال : خذ عَدْله منه كذا وكذا أي قيمته. قال : ويقال لكلّ من لم يكن مستقيماً : حَدْلٌ وضدّه عَدْلٌ. يقال : هذا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ. قال والعِدْلُ : اسم حِمْل مَعدُولٍ بحمل أي مُسَوًّى به. والعَدْل : تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مِثلاً. وقول الله جلّ وعزّ : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢].

قال سعيد بن المسيّب : ذَوَيْ عقل.

وقال إبراهيم : العَدْل الذي لم تظهر منه ريبة.

وكتب عبد الملك إلى سَعيد بن جُبَير يسأله عن العَدْل ، فأجابه : إن العَدْل على أربعة أنحاء : العَدْل في الحكم : قال الله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(١) [النساء : ٥٨] والعَدل في القول ؛ قال الله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [الأنعام : ١٥٢]. والعَدل : الفِدْية ؛ قال الله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) [البَقَرَة : ١٢٣]. والعَدْل في الإشراك قال الله جلّ وعزّ : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعَام : ١]. وأمّا قوله جلّ وعزّ : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النِّساء : ١٢٩]. قال عَبِيدة السَلْماني والضحَّاك : في الحُبّ والجماع. وقوله سبحانه : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الأنعَام : ٧٠] كان أبو عبيدة يقول معناه وإن تُقسط كل أقساطٍ لا يُقبل منها. قلت : وهذا خطأ فاحش وإقدام من أبي عُبِيدة على كتاب الله. والمعنى فيه : لو تفتدي بكل فِداء لا يقبل منها الفداء يومئذ. ومثله قوله : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) [المعَارج : ١١] الآية أي لا يقبل ذلك منه ولا يُنْجيه. وقولهم : رجلٌ عَدْل معناه ذو عدل ألا تراه. قال في موضعين : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، فنُعِتَ بالمصدر. وقيل : رجل عَدْلٌ ، ورجلان عَدْلٌ ورجال عَدلٌ ، وامرأة عَدْلٌ ، ونِسْوة عَدْلٌ ، كل ذلك على معنى : رجال ذوِي عَدلٍ ونسوة ذوات عَدل. والعَدْل : الاستقامة. يقال : فلان يَعدِل فلاناً أي يساويه. ويقال ما يعدِلك عندنا شيء أي ما يقع عندنا شيء مَوْقعك. وإذا مال شيء قلت : عَدلتُه أي أقمتُه فاعَتَدَلَ أي استقام ومن قرأ قول الله جلّ وعزّ : (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) ـ بالتخفيف ـ (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ) [الانفِطار : ٧ ، ٨].

قال الفراء : من خفّف فوجهه ـ والله أعلم ـ فصرفك إلى أيّ صورة شاء إما حَسَن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير. ومن قرأ : (فَعَدَّلك) فشدد ـ وهو أعجب الوجهين إلى

__________________

(١) في المطبوعة (وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل) وهي ليست بآية.

١٢٤

الفراء وأجودهما في العربية ـ ومعناه : جعلك مُعْتَدِلاً مُعْدَّلَ الخَلْق. قال : واخترتُ (عَدّلك) ؛ لأن (في) للتركيب أقوى في العربيِّة من أن تكون (في) للعَدْلِ ؛ لأنك تقول : عَدَلْتُكَ إلى كذا وصَرفتُك إلى كذا. وهذا أجود في العربية من أن تقول : عَدلتك فيه وصرفتك فيه.

قلت : وقد قال غير الفرّاء في قراءة مَن قرأ : فَعَدَلَكَ ـ بالتخفيف ـ : إنه بمعنى : فسوّاك وقوّمك ، من قولك : عَدلتُ الشيء فاعتدل أي سوّيتهُ فاستوى.

ومنه قوله :

وعَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل

أي قوّمناه فاستقام. وقرأ عاصم والأعمش بالتخفيف فَعَدَلَكَ ، وقرأ نافِع وأهل الحجاز. (فَعَدَّلَكَ) بالتشديد. وقوله : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] قرأها الكسائي وأهل المدينة بالفتح ، وقرأها ابن عامر بالكسر : (أو عِدْلُ ذلك صياماً) وقال الليث : العَدْل من الناس : المرضِيّ قولُه وحُكمه. قال : وتقول إنه لعَدْلٌ بيّن العَدْل والعَدَالة. قال : والعَدْلُ : الحُكم بالحقّ. يقال هو يقضي بالحقّ ويعدل وهو حَكَم عَادلٌ : ذو مَعْدَلةٍ في حكمه وقال شمر : قال القُزْملي : سألت عن فلانٍ العُدَلَة أي الذين يُعَدُّلُونَه. وقال أبو زيد : يقال رجل عُدَلَة وقوم عُدَلَة أيضاً وهم الذين يزكّون الشهود. وقال يونس : جائز أن يقال : هما عَدْلَان وهم عُدُول ، وامرأة عَدْلة. وقال الكلابيون : امرأة عَدْلٌ وقومٌ عُدُل. وقال يونس عن أبي عمرو : الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ ، وقومٌ عَدْلٌ ، ورجلٌ عَدْلٌ. وقال الباهليّ : رجلٌ عَدْل وعَادِل : جائز الشهادة. وامرأة عَادِلة : جائزة الشهادة. وقال الأصمعي : يقال عَدَلت الجُوَالق على البعير أعدِله عَدْلاً يُحمل على جَنْب البعير ويُعْدَل بآخر. وفي الحديث : «مَن شرب الخمر لم يقبل الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً أربعين ليلة». قال بعضهم : الصَرْف الحيلة. والعَدل : الفِدْية. قال يونس بن عُبَيد : الصرف الحيلة ، ويقال منه فلان يتصرّف أي يحتال. قال الله عزوجل : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) [الفرقان : ١٩] وقال ابن عباس : الصَرْف : الدِية ، والعَدْلُ : السَّوِيَّة ، وقال شمر : أخبرني ابن الحَرِيش عن النضر بن شميل قال : العَدْلُ : الفريضة. والصرف : التطوّع. وقال مجاهد في قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام : ١] أي يُشركون. وقال الأحمر : عَدَل الكافر بربه عَدْلاً وعُدُولاً إذا سَوَّى به غيره فعَبَدَهُ. وقال الكسائي : عَدَلت الشيء بالشيء أعدِله عُدُولاً إذا ساويته به. وعَدل الحاكِم في الحكم عَدْلاً. وقال شمر : أما قول الشاعر :

أفذَاكَ أم هي في النَجَا

ء لمن يُقَاربُ أو يُعَادِلْ

يعني : يُعَادِل بين ناقته والثَوْر ، قال : وقال ابن الأعرابي المعادلة : الشكّ في الأمرين وأنشد :

وذو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ

إذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِل

١٢٥

يقول يعَادِل بين الأمرين أيُّهما يَركبُ ، تُمَيِّثه : تُذَلِّله المَشُورَات ، وقول الناس : أين تذهب ، وقال المرَّار :

فلما أن صَرَمَتْ وكان أمْرِي

قويماً لا يميل به العُدُولُ

قال عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولاً لا يميل به عن طريقه الميْلُ.

وقال الآخر :

إذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو داء فأَمضِهِ

ولست بمُمْضيه وأنت تُعَادِله

قال : معناه : وأنت تشكّ فيه.

رَوى أبو عبيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين ذكر المدينة فقال : «من أحدث فيها حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً» ، قال أبو عبيد رُوي عن مكحول أنه قال الصرف التوبة والعدل : القدية. وقال أبو عبيد : قوله «من أحدث فيها حَدَثاً» فإن الحدث كل حَدّ يجب لله تعالى على صاحبه أن يقام عليه.

ثعلب عن ابن الأعرابي العَدَلُ مُحرّك : تسوية الأوْنَين ، وهما العِدْلان.

وقال الليث : العَدْل أن تعدِل الشيء عن وجهه ، تقول ، عَدَلْتُ فلاناً عن طريقه ، وعَدَلْتُ الدابة إلى موضع كذا فإذا أراد الاعوجاج نفسه قال : هو يَنْعَدِل أي يعوجّ. وقال في قوله :

وإني لأنْحِي الطَرْف من نحو أرضها

حياءً ولو طاوعتُهُ لم يُعَادِل

قال : معناه ، لم ينعَدِل قلت معنى قوله لم يعادل أي لم يَعْدِل بنحو أرضها أي بقصدها نحواً ولا يكون يُعَادِل بمعنى ينعدل.

وقال الليث : المعتدِلة من النوق : الحسَنَة المتّفقة الأعضاء بعضُها ببعض. وروى شمر عن محارب : قال : المُعْنَدِلة من النوق وجعله رباعيًّا من باب عَندَل. قلت والصواب المعتدلة بالتاء.

وروى شمر عن أبي عدنان أنّ الكناني أنشده :

وعَدَل الفَحل وإن لم يُعْدلِ

واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل

قال : اعتدال ذات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من السِمَن بعدما كان مائلاً.

قلت : وهذا يدلّ على أن قول محارب : المُعْنَدِلة غير صحيح ، وأن الصواب : المُعْتَدِلة ، لأن الناقة إذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام وغيره. ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وهو الصُلب الرأس وليس هذا الباب له بموضعٍ ، لأن العَنْدل رباعي خالص. شمر العَدِيل : الذي يُعَادِلك في المحمِل والعَدْل : نقيض الجَوْر.

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : الحمد لله الذي جعلني في قومٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السهم في الثِقاف ، أي قَوَّموني. شمر عن أبي عدنان : شرب حتى عَدَّل أي امتلأ. قلت وكذلك عَدَّنَ وأوَّن بمعناه. ويقال أخذ الرجل من مَعْدَل الباطل أي في طريق الباطل ومذهبه ، ويقال انظروا

١٢٦

إلى سُوء مَعَادِلِهِ ، ومذموم مداخله ، أي إلى سوء مذاهبه ومسالكه ، وقال زهير :

وسُدِّدَتْ ... عليه سِوَى

قَصْد الطريق مَعَادِلُهْ

ويقال عَدَّلْتُ أمتعة البيت إذا جعلتها أعدالاً مستوِية للاعتكام يوم الظعْن. وعَدَّل القسَّام الأنصباء للقَسْم بين الشركاء إذا سوّاها على القِيم. وأمّا قول ذي الرمّة :

إلى ابن العامريّ إلى بلالٍ

قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا

فالعرب تقول : قطعْتُ العِدَال في أمري ، ومضيت على عزمي ، وذلك إذا مَيَّلَ بين أمرين أيُّهما يأتي ، ثم استقام به الرأي فعزم على أوْلَاهُما عنده ، ويقال أنَا في عِدَال من هذا الأمر أي في شك منه : أأمضي عليه أم أتركه ، وقد عَادَلت بين أمرين أيَّهما آتي أي ميِّلت وفرسٌ معتدل الغُرّة إذا توسّطَت غُرَّتُه جبهته ، فلم نصب واحدة من العينين ولم تَمل على واحد من الخدّين ، قاله أبو عبيدة.

أبو عبيد عن الأصمعي : العَدَوليّ من السفن منسوب إلى قرية بالبحرين يقال لها : عَدوْلَى.

قال وَالخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.

وَقال شمر : قال ابن الأعرابي قول طرَفة :

عَدَوْليَّة أو من سفين ابن نَبْتَل

قال نسبها إلى ضِخَم وقِدَم ، يقول : هي قديمة أو ضخمة.

وقال الليث : العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إلى موضع كان يسمى عَدَوْلَاة وهو بوزن فَعَوْلَاة.

وذكر عن الكلبي أنه قال : عَدَوْلَى ليسوا من ربيعة ولا مضر ولا ممّن يعرف من اليمن ، إنما هم أمّة على حِدَة ، قلت : والقول في العَدَوْليّ ما قاله الأصمعي.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال لزوايا البيت : المعَدَّلات والدراقيع والمُزَوَّيات والأخصام والثَفنات. وقال في قول الله : (فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ) [الانفطار : ٧ ، ٨] أي فقوّمك. ومن خفّف أراد : عَدَلَك من الكفر إلى الإيمان ، وهما نعمتان. وهذا قول ابن الأعرابي.

وقال ابن السكيت عن ابن الكلبي في قول الناس للشيء الذي يُئِسَ منه : وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قال : هو العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة ، وكان وَلي شُرَط تُبَّع ، فكان تُبَّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فقال الناس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.

علد : قال أبو عمرو والأصمعي : الأعلاد : مضائغ في العُنُق من عَصَب ، واحدها عَلْد. وقال رؤبة يصف فحلاً :

قَسْبَ العَلَابيّ جُرَازَ الأعلاد

وقال ابن الأعرابي : يريد عَصَب عُنُقه.

والقَسْبُ : الشديد اليابس.

وقال الليث : العَلْدُ الصُلْب الشديد ، كأنَّ فيه يُبْساً من صلابته.

أبو عبيد عن الأموي : العِلْوَدُّ : الكبير.

قال : وقال أبو عبيدة : كان مُجَاشع بن دارم عِلْوَدّ العنق.

وقال أبو عمرو : العِلْوَدّ من الرجال :

١٢٧

الغليظ الرقبة.

وقال ابن شميل : العِلْوَدّة من الخيل : التي تنقاد بقوائمها وتجذِب بعنقها القائدَ جَذْباً شديداً ، وقلَّما يقودها حتى يسوقها سائق من ورائها ، وهي غير طَيِّعة القِيَاد ولا سَلِسة. وأما قول الأسود بن يَعْفَرُ :

وغُودِرَ عِلْوَدٌّ لهَا مُتَطَاوِل

نبيل كجُثمان الجُرَادة نَاشِرُ

فإنه أراد بعلْوَدّها : عنقها ، أراد : الناقة والجُرَادة : اسم رملة بعينها.

وقال الراجز :

أيُّ غلامٍ لَشِ عِلْوَدّ العُنُق

ليس بكيَّاسٍ ولا جَدٍّ حَمِقْ

قوله : لشِ أراد : لك لغة لبعض العرب وأنشدني المنذري في صفة الضبّ لبعضهم :

أنهم ضَبَّان ضَبّا عَرَادَةٍ

كبيران عِلْوَدَّانِ صُفْر كُشَاهُمَا

عِلودّان : ضخمان.

وقال أبو عبيدة : اعْلَوَّدَ الرجل بعدي إذا غَلُظ.

وقال أبو زيد : رجل عِلْوَدّ وامرأة عِلْوَدَّة ، وهو الشديد ذو القَسْوة. وبعير عِلْوَدّ وناقة عِلْوَدَّةٌ ، وهي الهَرِمة.

وقال الليث : سَيِّدٌ عِلْوَدٌّ : رَزِين ثخين. وفِعْلُهُ عَلْوَدَ يُعَلْوِدُ إذا لزم الشيء مكانه فلم يُقدر على تحريكه.

دعل : أهمله الليث ولم يذكره شمر في «كتابه» وروى أبو عُمَر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال : الدَّعَل : المخاتلة بالعين. وهو يُدَاعِلُهُ أي يخاتله. وقال في موضع آخر : الداعِل الهارِب.

دلع : أبو عبيد عن أبي زيد : دَلَع لِساني ، ودَلَعْتُه أنا. قال : وبعضهم يقول أدلَعتُهُ.

وقال ابن بُزُرْج : دَلَعْت اللسان وأدلعته. وقاله ابن الأعرابي.

وقال الليث : دَلَع اللسان يَدْلَعُ دُلُوعاً إذا خرج من الفم واسترخى. وأدلع الرجلُ لسانَه. وقد يقال اندلَعَ لسانه قال : وجاء في الأثر عن بَلْعَمَ أن الله لعنه فأدلع لسانه فسقطت أسَلَتُه على صدره ، فبقيت كذلك. ويقال للرجل المندَلِث البطنِ أمامه : مُنْدَلِع البَطْن.

وقال نُصَير ـ فيما روى له أبو تراب : اندَلَعَ بطن المرأة واندلق إذا عظُم واسترخى وقال غيره : اندلَع السيف من غِمْده واندلق. وناقة دَلُوع : تتقدَّم الإبل.

وقال الربيع : الدَّلِيع : الطريق السهل في مكان حَزْن لا صَعُود فيه ولا هَبُوط.

وروى أبو عُمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الدَّوْلَع : الطريق البَيّن.

وروى شمر عن محارب : طريق دَلَنَّع ـ وجمعه دَلَانِع ـ إذا كان سهلاً.

وقال شمر قال الهُجَيمي : أحمقٌ دالِعٌ ، وهو الذي لا يزال دالِع اللسان ، وهو غاية الحُمْق. قال : وقال أبو عمرو : الدَّوْلَعة : صَدَفة متَحوّيَة إذا أصابها ضَبْح النار خرج منها كهيئة الظفر فيُسْتَلُّ قدر إصبع ، وهو هذا الأظْفار الذي في القُسْط. وأنشد للشَمَرْدَل :

١٢٨

دَوْلَعَة تستلُّها بظفرها

علد (علند): وقال الليث في باب العَلْد : العَلَنْدَى : البَعِير الضخم الطويل. والجميع العَلَانِد والعَلَادِي والعَلَنْدَيَاتُ وأحسنه العَلَانِد على تقدير قلانس.

وقال النضر : العَلَنْدَاة من الإبل : العظيمة الطويلة. ولا يقال : جمل عَلَنْدَى. قال والعَفَرْنَاة مثلها ، ولا يقال : جمل عَفَرْنَى. وقال الليث : العَلَنْدَاة : شجرة طويلة لا شوك ، لها من العضاهِ قلت : لم يُصِبْ الليث في صفة العَلَنْدَاة ؛ لأن العلنداة شجرة صُلْبة العيدان جاسية لا يَجْهَدها المالُ وليست من العضاه وكيف تكون من العِضَاهِ ولا شوك لها والعِضَاهُ من الشجر ما كان له شوك ، صغيراً كان أو كبيراً ، والعَلَنْدَاة ليست بطويلة. وأطولها على قدر قَعْدَة الرجُل. وهي مع قِصَرها كثيفة الأغصان مجتمعة.

باب العين والدال مع النون

[ع د ن]

عند ، عدن ، دعن ، دنع [ندع] : مستعملة.

عدن : قال الله جلّ وعزّ : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) [التّوبَة : ٧٢] رُوى عن ابن مسعود أنه قال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : بُطْنَان الجنّة. قلت وبُطْنَانها : وسطها. وبُطْنان الأودية : المواضع التي يسترِيض فيها ماء السيل. فيَكْرُم نباتُها ، واحدها بَطْنٌ. قلت : والعَدْنُ مأخوذ من قولك : عَدَنَ فلان بالمكان إذا أقام به ، يَعْدِن عُدُوناً ، قاله أبو زيد وابن الأعرابيّ. قال شمر : وقال القُزْمُلِيّ : اسم عَدْنَان مشتق من العَدْن ، وهو أن تلزم الإبلُ المكانَ فتألفَه ولا تبرحه. تقول تركتُ إبل بني فلان عَوَادِن بمكان كذا وكذا. قال : ومنه المَعْدِن ، وهو المكان الذي يثبت فيه الناس ولا يتحوّلون عنه شتاءً ولا صيفاً. قلت : ومَعْدِن الذهب والفضّة سُمِّي مَعْدِناً لإنبات الله جلّ وعزّ فيه جوهرهما وإثباته إيّاه في الأرض حتى عَدَنَ أي ثبت فيها. قال الله جلّ وعزّ : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحِجر : ١٩] ، وفُسِّرَ الموزون على وجهين : أحدهما أن هذه الجواهر كلّها ممّا يوزَن ، مثل الرَصَاص والنُحاس والحديد والثمنين أعني الذهب والفضة ، كأنه قَصَدَ قصْد كل شيء يُوزَن ولا يُكَال. وقيل : معنى قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أنه المقَدّر المعلوم وزنُه وقدرُه عند الله تعالى. وقال أبو مالك : يقال : عَدَنَتْ إبلُ فلان بمكان كذا وكذا أي صَلحَتْ بذلك المكان. وعَدَنَتْ مَعِدَته على كذا وكذا أي صَلحَتْ. وقال الليث : المَعْدِن مكان كل شيء يكون فيه أصله ومُبتدؤه ؛ نحو معدن الذهب والفضة والأشياء. ويقال : فلان مَعدِن للخير والكرم إذا جُبِل عليهما. قال : والعَدْن : إقامة الإبل في الحَمْض خاصَّةً. وقال أبو زيد : عَدَنَت الإبِلُ في الحَمْض تَعْدِن عُدُوناً إذا استمرأت المكانَ ونَمَتْ عليه ، ولا تَعْدِن إلا في الحَمْض.

وقال أبو مالك : يكون في كل شيء. أبو عبيد : العَدَّان : الزمان ، وأنشد بيت الفرزدق :

١٢٩

أتبكي على عِلْجٍ بمَيْسَان كافِرٍ

ككِسْرَى على عِدَّانِهِ أو كقَيْصَرَا

يخاطب مسكيناً الدارميّ لمّا رثى زياداً ، وفيها يقول البيت :

أقول له لمّا أتاني نَعِيُّهُ

به لا بظبي في الصرائم أعْفَرَا

وقال أبو عمرو في قوله :

ولا على عَدَّان مُلك محتَضَر

أي على زمانه وإبّانه. قلت : وسمعت أعرابيًّا من بني سعدٍ بالأحساء يقول : كان أمر كذا وكذا على عِدّان ابن بورٍ ، وابن بور كان والياً بالبحرين قبل استيلاء القرامطة ـ أبادهم الله ـ عليها. يريد : كان ذلك أيام ولايته عليها. وقال الفرّاء : كان ذلك على عِدَّان فِرْعون. قلت : من جعل عِدَّان فِعلَاناً فهو من العَدّ والعِدَاد. ومن جعله فِعلالاً فهو من عَدَن. والأقرب عندي أنه من العَدّ ؛ لأنه جُعِل بمعنى الوقت. والعَيْدان من النخل ما طال وأمَّا العَدَان ـ بفتح العين ـ فإن الفرّاء حكى عن المفضّل أنه قال : العَدَان : سبع سنين. يقال : مكثنا في غلاء السعر عَدَانَيْنِ ، وهما أربع عشرة سنة ، الواحد عَدَانٌ.

وهو سبع سنين. وأمَّا قول لبيد :

ولقد يعلم صحبي كلهم

بعَدَان السِيف صَبري وَنَقَلْ

فإن شمراً رواه بِعَدَان السِيف. وقال : عَدَان : موضع على سِيف البحر. ورواه أبو الهيثم بِعِدان السيف بكسر العين. قال : ويروى بعَدَانِي السيف. وقال : أرادُوا : جمع العَدِينة فقلبوا والأصل بعَدَائن السيف فأخّر الياء ، وقال عَدَانِي. وروى أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : عَدان النهر ـ بفتح العين ـ : ضَفّته ، وكذلك عِبْره ومِعبَره وبِرْغيله. وقال أبو عمرو : العَدَانة : الجماعة من الناس ، وجمعه عَدَانات. وأنشد :

بَني مَالكٍ لدَّ الحُضَينُ وراءكم

رجالاً عَدَاناتٍ وخَيْلاً أكاسِما

وقال ابن الأعرابي : رجال عَدانَات : مقيمون. وقال : روضة أُكْسُوم إذا كانت ملتفّةً بكثرة النبات. أبو عبيد عن الفرّاء : عَدّنتُ به الأرضَ ووَجَنْتُ به الأرض ومَرّنتُ به الأرض إذا ضربْتَ به الأرض. عمرو عن أبيه قال : العَدِين : عُرًى مُنَقَّشة تكون في أطراف عُرَى المزادة ، واحدتها عَدِينة. وقال ابن الأعرابي : العَدِينة : رقعة منقَّشَة تكون في عروة المَزَادة. وقال ابن شميل : الغَرْبُ يُعَدَّن إذا صغُر الأدِيم وأرادوا توفيره زادوا له عَدِينَة أي زادوا في ناحية منه رُقعة ، والخُفُ يُعَدَّن : يزاد في مؤخّر الساق منه زيادة حتى يتّسع. قال : وكل رقعة تزاد في الغَرْب فهي عَدِينَة ، وهي كالبَنِيقة في القميص. وأنشد :

والغَرْبَ ذا العَدِينة الموَعَّبَا

والموعّب : الموسَّعُ الموَفّر. وقال أبو سعيد في قول المخبَّل :

خَوَامِس تنشقّ العصا عن رؤوسها

كما صَدَع الصخر الثِقالَ المُعَدِّنُ

قال : المُعَدِّن : الذي يُخرِج من المعدِن

١٣٠

الصخر ثم يكسِّرها يبتغي فيها الذهب. وعَدَّنَ الشاربُ إذا امتلأ ، مثل أَوَّنَ وعَدَّلَ. وعَدَنُ أبْيَن : بلد على سِيف البحر في أقصى بلاد اليمن.

عند : قال الله جلّ وعزّ : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٤] قال قتادة : العنيد : المُعرِض عن طاعة الله تعالى. وقال الزجاج : عَنَدَ أي عَنَدَ عن الحقّ. ورُوِي عن ابن عباس أنه سئل عن المستحاضة فقال : إنه عِرْقٌ عانِد أو رَكْضة من الشيطان. قال أبو عبيد : العِرْق العانِد : الذي عَنَدَ وبَغَى ؛ كالإنسان يُعَانِد ، فهذا العِرْق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته ، وأنشد للراعي :

ونحن تركنا بالفُعَالِيِّ طَعنَة

لها عَانِد فوق الذراعين مُسْبِلُ

وقال شمر : العَانِد : الذي لا يَرْقأَ. قال : وأصله من عُنود الإنسان إذا بَغَى وعَنَدَ عن القصد. وأنشد :

ومَجَّ كل عانِدٍ نَعُورِ

أبو عبيد : عَنَدَ العِرْق وأَعْنَدَ إذا سال. وقال الكِسائي : عَنَدَت الطعنةُ تَعْنُدُ وتَعْنِد إذا سال دمها بعيداً من صاحبها ، وهي طعنة عانِدة. قال : وعَنَدَ الدمُ يَعْنِدُ إذا سال في جانب. رواه ثعلب عن سلمة عن الفرّاء أن الكسائي قاله. أبو حاتم عن الأصمعي : عَنَدَ فلان عن الطريق يَعْنِدُ عُنُوداً إذا تباعد. ويقال : فلان يعانِد فلاناً أي يفعل مثل فعله ، وهو يعارضه ويباريه. قال : والعامّة يفسّرُونه : يعانِدُه : يفعل خلاف فعله. قال : ولا أعرف ذلك ولا أُثبته ، وأنشد :

وقد يحبّ كلُّ شيء وَلَدَهْ

حتى الحُبَارَى وتَدِفُ عَنَدَهْ

أي معارضة للولد. قلت : تعارِضه شفقةً عليه. شمر عن أبي عدنان عن الأصمعي : يقال عَانَدَ فلان فلاناً إذا جانَبَه. ودمٌ عَانِد : يسيل جَانِباً. قلت أنا : المُعَانِد هو المعارِض بالخلاف لا بالوفاق. وهذا الذي يعرفه العوامّ. وقد يكون العِنَاد معارضةً بغير الخلاف ؛ كما قال الأصمعي. واستخرجه من عَنَدِ الحُبَارَى جعله اسماً من عانَد الحُبَارَى فَرخَهُ إذا عارضه في الطيران أوَّلَ ما ينهض كأنه يعلّمه الطيران شفَقة عليه. وقال الليث : عَنَدَ الرجل يَعْنِد عُنُوداً وعَاندَ مُعَانَدَةً ، وهو أن يعرف الشيءَ ويأبى أن يقبله ؛ ككفر أبي طالب ، كان كفره مُعَانَدَة ؛ لأنه عرَف وأقرّ وأنِف أن يقال : تبع ابن أخيه ، فصار بذلك كافراً.

وأمَّا العَنِيد فهو من التجبّر ، يقال : جبّار عَنِيد. قال : والعَنُود من الإبل الذي لا يخالطها ، إنما هو في ناحية أبداً. وروى شمر بإسنادٍ له رَفَع الحديث فيه إلى عمر أنه وصف نفسه بالسياسة فقال : إني أَنْهز اللَفُوت وأضُمّ العَنُود وأُلْحِق القَطُوف وأزجُر العرُوض. قال : العَنُود : التي تُعَانِد عن الإبل تطلب خيار المَرْتَع تتأنَّف ، وبعض الإبل يرتع ما وجَد. وقال ابن الأعرابي وأبو نصر : هي التي تكون في طائفة الإبل أي في ناحيتها. وقال القيسيُّ : العَنُود من الإبل : التي تعانِد

١٣١

الإبل فتعارضها. قال : فإذا قادتهن قُدُماً أمامهنّ فتلك السلوف. أبو عُمَر عن ثعلب عن ابن الأعرابي : أعنَدَ الرجل إذا عارض إنساناً بالخِلاف ، وأَعْنَدَ إذا عارض بالاتّفاق. قال : ومنه قوله : حتى الحُبَارَى ويُحبّ عَندَه أي اعتراضه. وقال ابن شميل : عَنَدَ الرجل عن أصحابه يعنِد عُنوداً إذا ما تركهم واجتاز عليهم ، وعَنَدَ عنهم إذا ما تركهم في سَفَرٍ وأخذ في غير طريقهم أو تخلَّف عنهم. والعُنُود كأنه الخلاف والتباعد والتَرك لو رأيت رجلاً بالبصرة من أهل الحجاز لقلت : شَدَّ ما عَنَدْت من قومك أي تباعدت عنهم. وسحابةٌ عَنُود : كثيرة المطر. وجمعه عُنُدٌ وقال الراعي :

دِعْصاً أرذَّ عليه فُرَّقٌ عُنُدٌ

وقدح عَنُود وهو الذي يخرج فائزاً على غير وجهة سائر القِدَاح. ويقال : استعنَدني فلان من بين القوم أي قَصَدَني. وعَانَد ، البعيرُ خِطامه أي عَارَضَه. أبو عبيد عن أبي زيد : ما لي عن ذلك الأمر عُنْدَدٌ ولا مُعْلَنْدَدٌ ، أي ما لي منه بُدّ. وكذلك قال ابن الأعرابي. وقال أبو عمرو : العَنْدُدُ : الحِيلة. أبو عبيد عن أبي زيد : أعنَدَ الرجل في قَيْئه إعناداً إذا أتبع بعضَه بعضاً. وقال الليث : عِنْدَ : حرفُ صفةٍ يكون موضعاً لغيره ، ولفظه نصبٌ ؛ لأنه ظَرْف لغيره وهو في التقريب شِبه اللِزْق.

ولا يكاد يجيء في الكلام إلا منصوباً ؛ لأنه لا يكون إلا صفة معمولاً فيها أو مضمراً فيها فِعلٌ ، إلّا في حرف واحد. وذلك أن يقول القائل لشيء بلا عِلم : هذا عِندي كذا وكذا ، فيقال : أوَلك عِندٌ فيُرفع. وزعموا أنه في هذا الموضع يراد به القلب وما فيه من معقول اللبّ. قلت : وأرجو أن يكون ما قاله الليث في تفسير (عند) قريباً مما قاله النحويون. الفرّاء : العرب تأمر من الصفات بعليك وعندك ودونك وإليك. يقولون : إليك إليك عَنّي يريدون : تأخّر ، كما يقولون : وراءك وراءك. فهذه الحروف كثيرة. وزعم الكسائيّ أنه سمع : البعيرَ بينكما فخذاه ، فنصب البعير. وأجاز ذلك في كل الصفات التي تفرد. ولم يجزه في اللام ولا الباء ولا الكاف. وسمع الكسائي العرب تقول : كما أنْتِني يريد : انتظرني في مكانك. أبو زيد يقال : إنّ تحت طِرِّيقتك لعِنْدَاوَة. والطِّرِّيقة : اللين والسكون. والعِنْدَاوَة : الجفْوة والمكر. وقال الأصمعي : معناه : إن تحت سكونك لنَزْوةً وطِماحاً. وقال غيره : العِنداوة الالتواء والعَسَرُ. وقال : هو من العَدَاء. وهمزه بعضهم فجعل النون والهمزة زائدتين ، على بناء فِنْعَلْوَة. وقال غيره : عِنْدَأْوة فِعْلَلْوَة.

دنع : الليث : رجلٌ دَنيعة من قوم دَنَائع. وهو الفَسْل الذي لا لُبّ له ولا عقل : وأنشد شمر لبعضهم :

فله هنالك لا عليه إذا

دَنِعَتْ أنوفُ القوم للتّعْسِ

يقول له الفضل في هذا الزمان لا عليه إذا دُعِي على القوم. ودَنِعَتْ أي دَقّتْ

١٣٢

ولَؤُمَتْ. ورواه ابن الأعرابي وإن رَغِمَتْ. ابن شميل : دَنِعَ الصبي إذا جُهِدَ وجاع واشتهى. وقال ابن بزرج : دَنِع وَرَثِع إذا طمِعَ.

عمرو عن أبيه قال : الدنيع : الخسيس.

ندع : ثعلب عن ابن الأعرابي : أندَعَ الرجل إذا تبع أخلاق اللئام والأنذال. قال : وأدنع إذا تبع طريقة الصالحين.

دعن : قرأت بخط أبي الهيثم في تفسير شعر ابن مقبل لأبي عمرو : يقال : أُدعِنت الناقةُ وأُدعِن الجمل إذا أطيل ركُوبه حتى يهلك ، رواه بالدال والنون. وقد أهمل اللّيث وشمر دعن.

باب العين والدال مع الفاء

[ع د ف]

عدف ، عفد ، فدع ، دفع : مستعملة.

عدف : أبو عبيد : العَدْف : الأكل. قال : وقال الأحمر : ما ذقت عَدُوفاً ولا عَلُوساً ولا أَلُوساً. وقال أبو حسّان : سمعت أبا عمرو الشيباني يقول : ما ذقت عَدوفاً ولا عَدُوفَة. قال : وكنت عند يزيد بن مَزْيَدْ الشيباني فأنشدته بيت قيس بن زهير :

ومُجَنَّبات ما يَذُقْن عَدُوفة

يَقْذفن المُهُرات والأمهارِ

بالدال ، فقال لي يزيد من مَزْيَد : صحَّفتَ يا أبا عمرو. وإنما هي عَذوفة بالذال. قال : فقلت له : لم أصحِّف أنا ولا أنت. تقول رَبيعة هذا الحرف بالذال ، وسائر العرب بالدال. أبو عبيد عن أبي زيد : العِدْفَة : ما بين العشرة إلى الخمسين وجمعها عِدَفٌ. قال شمر : وقال ابن الأعرابي مثله ، قال : والعَدَف : القَذَى.

وقال الليث : العَدُوف : الذَوَاق اليسير من العَلَف. قال : والعِدْفة كالصَّنِفَة من قطعة ثوبٍ. وعِذْفَة كل شجرة : أصلها الذاهب في الأرض ، وجمعها عِدَفٌ. وأنشد :

حَمَّال أثقالِ دِيَاتِ الثَأَى

عن عِدَف الأصْل وكُرَّامِهَا

قال : ويقال : بل هو عن عَدَف الأصل جمع عَدَفَة أي يلمّ ما تفرّق منه.

ويقال : عَدَفَ له عِدْفَةً من ماله إذا قطع له قِطعة من ماله. ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَدَف والعائر والغُضَابُ : أذى العين. وقال ابن السكيت : العَدْفُ الأَكْل يقال ما ذَاق عَدْفاً. والعَدَفُ القَذَى.

عفد : أهمله الليث. وقال أبو عمرو : الاعتفاد : أن يُغلق الرجل الباب على نفسه ، فلا يَسأل أحداً حتى يموت جوعاً. وأنشد :

وقائلةٍ ذا زمان اعتفادْ

ومَن ذاك يَبْقى على الاعتفَادْ

وقد اعْتَفَدَ يَعْتَفِدُ اعتِفاداً.

وقال شمر : قال محمد بن أنس : كانوا إذا اشتدّ بهم الجوع وخافوا أن يموتوا أغلقوا عليهم باباً ، وجعلوا حَظِيرة من شجرة يدخلون فيها ليموتوا جوعاً. قال : ولقي رجل جارية تبكي فقال لها : ما لك؟ قلت : نريد أن نَعْتَفِد. قال : وقال النظّار بن هاشم الأسَديّ :

١٣٣

صاحَ بهم على اعتِفَادٍ زمانْ

مُعْتَفِدٌ قَطّاع بينِ الأقرانْ

قال شمر : ووجدته في «كتاب ابن بزرج» : اعتقد الرجل ـ بالقاف ـ وآطم وذلك أن يغلق عليه باباً إذا احتاج حتى يموت. قال : ووجدته في «كتاب أبي خَيرة» : عَفَدَ الرجل وهو يَعْفِد. وذلك إذا صفّ رجليه فوثب من غير عَدْوٍ.

دفع : قال الليث : الدَّفْع معروف. يقول : دفع الله عنك المكروه دَفْعاً ، ودافع عنك دِفاعاً. قال والدَّفْعَة : انتهاء جماعة قوم إلى موضع بمرّة. والدُّفْعَة ما دَفَعْتَ من سِقَاء أو إناء فانصبَّ بمرَّةٍ. وقال الأعشى :

وسَافَتْ من دَمٍ دُفَعَا

وكذلك دُفَع المطر ونحوِه. قال : والدُّفَّاع :

طَحْمة الموج والسيل. وأنشد قوله :

جَوَاد يَفيض على المعتَفِين

كما فاضَ يَمٌ بدُفَّاعِهِ

وقال ابن شميل : الدوافع : أسافل المِيث حيث تَدْفَعُ في الأودية ، أسفلُ كل مَيْثاء دافِعَة.

وقال الليث : الدَّافِعَة : التَّلْعَة تَدفَع في تلعَة أخرى من مسايل الماء إذا جرى في صَبب وحدور من حَدَبٍ ، فترى له في مواضع قد انبسط شيئاً أو استدار ثم دفع في أخرى أسفل منه ، فكلّ واحد من ذلك دَافِعَة. والجميع الدَّوَافِع. قال : ومَجْرَى ما بين الدافعتين مِذْنَبٌ. وقال غيره : المَدَافِع : المجاري والمسايل. وأنشد ابن الأعرابي :

شِيبِ المبارك مدروسٌ مَدَافِعُهُ

هَابي المراغِ قليلِ الوَدْق مَوْظُوبِ

قال شمر قال أبو عدنان : المدروس : الذي ليس في مَدْفِعِه آثار السيل من جدوبته. والموظوب : الذي قد وُظِبَ على أكله أي ديم عليه. وقال أبو سعيد : مدروس مَدَافِعُهُ : مأكول ما في أوديته من النبات. هابي المراغِ : ثائرٌ غُبَاره. شِيبٌ : بيضٌ.

وقال الليث : الاندفاع : المضيّ في الأرض كائناً ما كان. وقال في قول الشاعر :

أيها الصُلصُل المُغِذُّ إلى المَدْ

فَعِ من نهر مَعقلٍ فالمذَارِ

أراد بالمَدْفَع اسم موضعٍ. قال : والمُدَفَّع : الرجل المحقور الذي لا يُقْرَى إن ضاف ، ولا يُجْدَى إن اجتدى. ويقال : فلان سيّد قومه غير مُدَافَعٍ أي غير مزاحَمٍ في ذلك ولا مدفوع عنه. ويقال : هذا طريق يدفع إلى مكان كذا أي ينتهي إليه. ودُفِعَ فلان إلى فُلان أي انتهى إليه.

ويقال غشيتْنا سحابة فدفَعْناها إلى بني فلان أي انصرفت عنا إليهم. والدافع : الناقة التي تَدْفع اللبَنَ على رأس ولدها ، إنما يكثر اللبن في ضَرْعها حين تريد أن تصنع. وكذا الشاة المِدفاع. والمصدر الدَّفْعة.

وقال أبو عبيدة : قوم يجعلون المفْكِه والدافع سواءً. يقولون : هي دَافِع بولد ،

١٣٤

وإن شئت قلت : هي دافِع بلبن ، وإن شئت قلت : هي دافِع بضَرْعها ، وإن شئت قلت : هي دافِع وتسكت. وأنشد :

ودافِع قد دَفَعَتْ للنَّتْجِ

قد مَخضَتْ مَخَاض خَيْل نُتْجِ

وقال النضر : يقال دفعت بلبنها وباللبن إذا كان ولدها في بطنها ، فإذا نُتِجت فلا يقال : دَفَعَتْ. وقال أبو عمرو : الدُّفَّاع : الكثير من الناس ومن السير ومن جَرْي الفرس إذا تدافع جَرْيُه. وفرسٌ دَفَّاعٌ. وقال ابن أحمر :

إذا صَلِيتُ بدفَّاع له زَجَلٌ

يُوَاضِخُ الشَدَّ والتقريب والخَبَبَا

ويروى بدُفَّاعٍ يريد الفرس المتدافِع في جريه.

وقال الأصمعي : بعيرٌ مُدَفَّعٌ : كالمُقْرم الذي يودَّع للفِحْلة فلا يُرْكَبُ ولا يُحْمَل عليه.

وقال الأصمعي : هو الذي إذا أُتِي به ليحمل عليه. قيل : ادفع هذا أي دَعْه إبقاء عليه.

وأنشد غيره لذي الرمّة :

وَقَرَّبْنَ للأظعان كل مُدَفَّعِ

قال : ويقال : جاء دُفَّاع من الرجال والنساء إذا ازدحموا فركب بعضهُم بعضاً.

أبو زيد : يقال دَافَع الرجلُ أمرَ كذا وكذا إذا أولع به وانهمك فيه. ويقال دَافَع فلان فلاناً في حاجته إذا ماطله فيها فلم يقضها.

وفي «كتاب شمر» قال أبو عمرو : المَدَافِع : مجاري الماء.

وقال ابن شميل : مَدْفَع الوادي : حيث يدفع السيل وهو أسفله حيث يتفرّق ماؤه. وقال الأصمعي : الدوَافِع : مَدَافِع الماء إلى المِيث ، والميث تدفع إلى الوادي الأعظم.

فدع : ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الأفدع : الذي يمشي على ظهر قدميه.

أبو نصر عن الأصمعي : هو الذي ارتفع أَخْمَص رجله ارتفاعاً لو وطىء صاحبُها على عصفورٍ ما آذاه قال : وفي رجله قَسَطٌ وهو أن تكون الرِجل ملساء الأسفل كأنها مَالَجٌ.

وقال الليث : الفَدَعُ : مَيْل في المفاصل كلّها ، كأن المفاصل قد زالت عن مواضعها ، وأكثر ما يكون في الأرساغ. قال : وكلّ ظلِيم أفدَع ؛ لأن في أصابعه اعوجاجاً.

وقال رؤبة :

عن ضَعفِ أطنابٍ وسمْكٍ أَفْدَعَا

فجعل السّمْك المائل أَفْدَع. وأنشد شمر لأبي زُبَيد :

مُقَابَل الخَطْوِ في أَرْسَاغِهِ فَدَعُ

قال : وأنشدني أبو عدنان :

يومٌ من النَثْرة أو فَدْعَائِهَا

يُخْرِج نَفْسَ العَنْزِ من وَجْعَائِهَا

قال : يعني بفدعائها : الذراع تُخرج نَفْس العَنْز من شدّة القُرِّ.

قال ابن شميل : الفَدَعُ في اليد : أنْ تراه يطأ على أم قِردَانِهِ فيشخص صدر خُفه ،

١٣٥

جملٌ أفَدع وناقةٌ فَدْعاء. ولا يكون الفدع إلا في الرُسْغ جُسْأة فيه.

وقال غيره : الفَدَع : أن يصطك كعباه ويتباعد قدماه يميناً وشِمالاً.

قلت : أصل الفَدَع الميل والعَوَج ، فكيفما مالت الرِجْل فقد فَدِعَتْ.

باب العين والدال مع الباء

[ع د ب]

عبد ، عدب ، دعب ، بعد ، بدع : مستعملة.

عبد : أبو عبيد عن الفرّاء : ما عَبَّد أَن فعل ذاك وما عَتَّم وما كذّب معناه كله : ما لبَّث. قال : ويقال امتَلّ يعدو ، وانكدر يعدُو ، وعَبّدَ يَعدُو إذا أسرع بعض الإسراع.

وقال الله جلّ وعزّ : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١].

قال الليث : العَبَد : الأنفُ والحمِيَّة من قول ليُستحيا منه ويُستنكف. قال : وقوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي الآنفين من هذا القول. قال : ويُقرأ : (فأنا أول العَبدِين) مقصور من عَبِدَ يَعْبَدُ فهو عَبِد. قال : وبعض المفسرين يقول : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي كما أنه ليس للرحمن ولد أنا لست بأول من عبد الله.

قلت : وهذه آية مشكلة. وأنا ذاكر أقاويل السلف فيها ، ثم مُتبعها بالذي قال أهل اللغة وأُخبِر بأصَحِّها عندي والله الموفق.

فأما القول الذي ذكره الليث أوّلاً فهو قول أبي عبيدة ، على أني ما عَلِمتُ أحداً قرأ : (فأنا أول العَبِدين) ولو قرىء مقصوراً كان ما قاله أبو عبيدة محتملاً. وإذْ لم يقرأ به قارىء مشهورٌ لم يُعبَأ به.

والقول الثاني : ما روي عن ابن عُيَيْنَة أنه سئل عن هذه الآية فقال : معناه : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١] ، يقول : فكما أني لستُ أوّل من عَبَدَ الله فكذلك ليس لله ولد. وهذا القول يقارب ما قاله الليث آخِراً ، وأضافه إلى بعض المفسرين.

وقال السُّدي : قال الله تعالى لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ) لهم : (إِنْ كانَ) ـ على الشرط ـ (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) كما تقولون لكنت أوّل من يطيعه ويعبده.

وقال الكلبي : إن كان ما كان.

وقال الحسَنُ وقتادة : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) على معنى ما كان (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : أوّلُ من عَبَدَ الله من هذه الأمّة.

وقال الكسائي : قال بعضهم : (إِنْ كانَ) أي ما كان (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : الآنفين ، رجلٌ عَابِد وعَبِدٌ وآنِف وأنِفٌ.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي في قوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١] أي الغِضاب الآنفين ويقال : فأنا أول الجاحدين لِمَا تقولون. ويقال : أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالَفةً لكم.

وروي عن عليّ أنه قال : عَبِدتُ فصَمَتُ أي أنِفْتُ فسَكَتُّ.

وقال ابن الأنباريّ : معناه : ما كان للرحمن ولد والوقف على الولد ، ثم

١٣٦

يبتدىء : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) له ، على أنه لا ولد له. والوقف على (الْعابِدِينَ) تامّ. قلت : قد ذكرتُ أقاويل مَن قدّمنا ذكرهم ، وفيه قول أحسن من جميع ما قالوا وأَسْوغ في اللغة ، وأبعد من الاستكراه وأسرع إلى الفهم.

رَوَى عبد الرازق عن مَعْمَر عن ابن أبي نَجِيع عن مجاهد في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزّخرُف : ٨١] يقول : إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عَبَدَ الله وحده وكذّبكم بما تقولون.

قلت : وهذا واضح. وممّا يزيده وضوحاً أن الله جلّ وعزّ قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ) يا محمد للكفار (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في زعمكم (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) إلهَ الخلق أجمعين الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ، وأولّ الموحِّدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده ؛ لأن من عَبَدَ الله واعترف بأنه معبوده وحده لا شريك له فقد دَفَعَ أن يكون له ولد. والمعنى : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) في دعواكم فالله جلّ وعزّ واحد لا شريك له ، وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد.

قلت : وإلى هذا ذهب إبراهيم بن السَرِيّ وجماعة من ذوي المعرفة ، وهو القول الذي لا يجوز عندي غيره.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشُّعراء : ٢٢] الآية.

قلت : وهذه الآية تقارِب التي فسّرنا آنفاً في الإشكال ، ونذكر ما قيل فيها ونخبر بالأصحّ الأوضح ممَّا قيل.

أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال : قال الأخفش في قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) قال : يقال : إن هذا استفهامٌ ، كأنه قال : أوَ (تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ)! ثم فَسَّر فقال : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) فجعله بدلاً من النعمة.

قال أبو العبّاس : وهذا غلط ؛ لا يجوز أن يكون الاستفهام يُلْقى وهو يُطْلَبُ ، فيكون الاستفهام كالخبر. وقد استُقبح ومعه (أم) وهي دليل على الاستفهام. استقبحوا قول امرىء القيس :

تروح من الحَيّ أم تَبْتَكِرْ

قال بعضهم : هو أتروح من الحيّ أم تبتكر فحذف الاستفهام أوّلاً واكتفى بأم. وقال أكثرهم : بل الأول خبر والثاني استفهام. فأمَّا وليس معه (أم) لم يقله إنسان.

قال أبو العباس : وقال الفرّاء : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) ، لأنه قال : (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) لنعمتي أي لنعمة تربيتي لك ، فأجابه فقال : نعم هي نعمة (عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ولم تستعبدني. يقال : عَبَّدَتُ العَبِيد وأعبدتهم أي صيّرتُهم عبيداً ، فيكون موضع (أَنْ) رفعاً ويكون نصباً وخفضاً. من رَفَع ردّها على النعمة ، كأنه قال : وتلك نعمة تعبيدك بني إسرائيل ولَمْ تُعَبِّدْني. ومن خفض أو نصب أضمر اللام. قلت : والنصب أحسن الوجوه ، المعنى : أن فرعون لمّا قال لموسى : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء : ١٨] فاعتَدّ فرعونُ على

١٣٧

موسى بأن ربّاه وليداً منذ وُلِد إلى أن كَبِر ، فكان من جواب موسى له : تلك نعمة تَعتدّ بها عليّ لأنك عَبّدتَ بني إسرائيل ولو لم تُعبْدهم لكفَلني أهلي ولم يُلْقوني في اليمّ ، فإنما صارت نعمة لِمَا أقدمت عليه ممَّا حظره الله عليك.

وقال أبو إسحاق الزجّاج : المفسّرون أخرجوا هذه على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة ، كأنه قال : وأيّ نعمة لك عليّ في أن عَبَّدت بني إسرائيل واللفظ لفظ خبر. قال : والمعنى يخرج على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر. وفيه تبكيتٌ للمخاطَب كأنه قال له هذه نعمة أن اتخذتَ بني إسرائيل عَبيداً ، على جهة التهكّم بفرعون. واللفظ يوجب أن موسى قال له : هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيداً ولم تتخذني عَبداً ، وقال الشاعر في أعبَدت الرجل بمعنى عَبَّدته :

علام يُعْبِدُني قومي وقد كثرت

فيهم أباعِر ما شاءوا وعُبْدانُ

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : المُعَبَّد : المُذَلَّل. والمُعَبّد : البعير الجَرِبُ.

وأنشد لَطَرفة :

وأفردت إفراد البعير المعُبَّدِ

قال والمُعَبَّد : المكرَّم في بيت حاتم حيث يقول :

تقول ألا تُبقي عليك فإنني

أرى المال عند الممسكين مُعَبَّدَا

أي مُعَظَّماً مخدُوماً. قال : وأخبرني الحرّاني عن ابن السكيت : يقال اسْتَعْبَده وعَبَّدَه أي أخذه عَبْداً وأنشد قول رؤبة :

يَرْضَوْنَ بالتعبيد والتأمِيّ

قال : ويقال : تَعَبَّدت فلاناً أي اتّخذته عَبداً ، مثل عَبَّدته سَوَاء. وَتَأَمَّيْتُ فلانةَ أي اتخذتها أَمَةً.

وقال الفرّاء : يقال : فلان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة والعُبُودِيَّة والعَبْدِيّة. وتَعَبَّد الله العَبْد بالطاعة أي استعبده.

وقال الله جلّ وعزّ : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] قرأ أبو جعفر وشَيْبَة ونافِع وعاصِم وأبو عمرو والكسائي : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ).

قال الفرّاء : هو معطوف على قوله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) ومن عَبَدَ الطاغوت.

وقال الزجاج : قوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) نَسَقٌ على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) المعنى : من لعنه الله ومن عبد الطاغوت. قال وتأويل (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي أطاعه ـ يعني الشيطان ـ فيما سوّل له وأغواه. قال : والطاغوت هو الشيطان.

قال في قول الله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفَاتِحَة : ٥] : إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها.

قال : ومعنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع. ويقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلاً بكثرة الوطء ، وبعيرٌ مُعَبَّد إذا كان مَطْليًّا بالقَطِران. وقرأ : (وعَبُدَ الطاغوتِ)

١٣٨

يحيى بن وَثّابٍ والأعمش وحمزة.

قال الفرّاء : ولا أعلم له وجهاً إلا أن يكون عَبُدَ بمنزلة حذُر وعَجُل.

وقال نُصَير الرازيّ : (عَبُدٌ) وَهمٌ ممَّن قرأه ، ولسنا نعرف ذلك في العربيَّة.

ورُوي عن النخعي أنه قرأ : (وعُبُدَ الطاغوتِ) وذكر الفرّاء أن أُبَيَّاً وعبد الله قرءا (وعبدوا الطاغوت).

ورُوي عن بعضهم أنه قرأ : (وعُبَّاد الطاغوت) وبعضهم (وعَابِدَ الطاغوت).

ورُوي عن ابن عباس : (وعُبِّدَ الطاغوت).

ورُوي عنه أيضاً : (وعُبَّدَ الطاغوت).

قلت : والقراءة الجيّدة التي لا يجوز عندنا غيرها هي قراءة العامّة التي بها قرأ القُرّاء المشهّرون. (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] على التفسير الذي بيّنته من قول حُذَّاق النحويين.

قلت : وأما قول أوس بن حجر :

أبَنِي لبيني أن أُمَّكُمُ

أَمَةٌ وإن أباكم عَبُدُ

فإنه أراد : وإن أباكم عَبْد فثقَّله للضرورة ، فقال : عَبُدُ.

وقال الليث : العَبد : المملوك. وجماعتهم : العَبِيد ، وهم العِبَاد أيضاً ؛ إلَّا أنّ العامّة اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله والمَماليك ، فقالوا : هذا عَبْد من عباد الله ، وهؤلاء عبيد مماليك.

قال : ولا يقال : عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً إلّا لمن يَعْبُدُ الله. ومن عَبَدَ مِن دونه إلهاً فهو من الخاسرين.

قال : وأما عَبْدٌ خَدَمَ مولاه فلان يقال : عَبَدَه.

قال الليث : ومن قرأ : (وَعَبُدَ الطاغوتُ) فمعناه صار الطاغوتُ يُعْبَد ، كما يقال : فَقُهَ الرجل وظَرُفَ. قلت : غَلِط الليث في القراءة والتفسير. ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار وغيرهم (وَعَبُدَ الطاغوتُ) برفع الطاغوت ، إنما قرأ حمزة : (وَعَبُدَ الطاغوتِ) وهي مهجورة أيضاً.

قال الليث : ويقال للمشركين : هم عَبَدَة الطاغوتِ. ويقال للمسلمين : عِبَاد الله يَعْبُدُون الله. وذكر الليث أيضاً قراءة أخرى ما قرأ بها أحد وهي (وعابدو الطاغوت) جماعة.

وكان رَحِمه اللهُ قليل المعرفة بالقراءات. وكان نَوْلُه ألّا يحكي القراءات الشاذَّة ، وهو لا يحفظها القارىء قرأ بها وهذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح ، لأن الخليل كان أعقل وأورع من أن يسمِّى مثل هذه الحروف قراءات في القرآن ، ولا تكون محفوظة لقارىء مشهور من قُرّاء الأمصار ودليل على أن الليث كان مغفَّلاً ونسأل الله التوفيق للصواب.

وقال الليث : يقال أعبَدني فلان فلاناً أي ملّكني إيّاه.

قلت : والمعروف عند أهل اللغة : أعبَدت فلاناً أي استعبدته. ولست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحَّ لثقة من الأئمة ، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لا تستمرّ

١٣٩

ولا تطّرد.

وقال الليث : العِبِدَّى : جماعة العَبيد الذين وُلِدُوا في العُبُودَة ، تعبيدةً ابنَ تعبيدة ، أي في العُبُودة إلى آبائه.

قلت : هذا غَلَط. يقال : هؤلاء عِبِدَّى الله أي عِبَادُه.

وفي الحديث الذي جاء في الاستسقاء : «وهذه عِبِدّاك بِفناء حَرَمك».

قال الليث : والعبادِيد : الخيل إذا تفرّقتْ في ذهابها ومجيئها ، ولا تقع إلا على جماعة : لا يقال للواحد عِبْدِيد.

قال ويقال في بعض اللغات : عبابيد ، وأنشد :

والقوم آتوك بَهزٌ دون إخوتهم

كالسيل يركب أطراف العبَابِيد

قال : وهي الأطراف البعيدة ، والأشياء المتفرقة. وهم عَباديد أيضاً.

قلت : وقال الأصمعي : العبابيد : الطُرُق المختلفة.

ورَوَى أبو طالب عن أبيه عن الفرّاء أنه قال : العَبَاديد والشماطِيط لا يُفْرد له واحد.

قال : وقال غيره : ولا يُتكلم بهما في الإقبال ، إنما يتكلم بهما في التفرق والذهاب.

قال : وقال الأصمعي : يقال صاروا عَبابِيد وعَبَادِيد أي متفرّقين.

وقول الله جلّ وعزّ : (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) [المؤمنون : ٤٧] أي دائنون ، وكل من دان لملكٍ فهو عَابد له.

وقال ابن الأنباري : فلان عَابِد وهو الخاضع لربّه المستسلم لقضائه المنقاد لأمره. وقوله (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] أي أطيعوا ربّكم. وقيل في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] : إيّاك نوحِّد ، والعابد الموحِّد. والدراهم العَبْديَّة كانت دراهم أفضل من هذه الدراهم وأكثر وزناً. وأما بيت بشر :

مُعَبَّدةُ السقائف ذات دُسْرٍ

مُضَبَّرةٌ جوانبها رَداحُ

فإن أبا عبيدة قال : المعَبَّدة : المطليَّة بالشحم أو الدُهْن أو القار. وقيل مُعَبَّدة : مُقَيرة. وقال شمر : يقال للعبيد مَعْبَدَة.

وأنشد للفرزدق :

وما كانت فُقَيم حيث كانت

بيثرب غيرَ مَعْبَدَة قُعُودِ

قلت : ومثل معبَدة جمع العبْد مشيْخة جمع الشيخ ، ومسْيفة جمع السيف. أبو عبيد عن أبي زيد : أعبَدَ القوم بالرجُل إذا ضربوه ، وقد أُعْبِدَ به إذا ذهبتْ راحلته ، وكذلك أُبْدِعَ به. أبو عبيد عن أبي عمرو : ناقة ذات عَبَدَة أي لها قوّة شديدة. وقال شمر : العَبَدَة البقاء يقال ما لثوبك عَبَدَة أي بقاء سُمِّي عَلْقمة بن عَبَدَة وقال أبو دوادٍ الإياديُ :

إنْ تُبتذل تُبتذل من جندلٍ خِرسٍ

صَلَابةٍ ذات أَسدارٍ لها عَبَدَه

وقيل أراد بالعَبَدَة : الشدّة. وقال شمر : يُجمع العَبْدُ عَبيداً ومَعْبُودَاء وعِبِدَّى ومَعْبَدَة وعُبْدَاناً وعِبْدَاناً وأنشد :

١٤٠