تهذيب اللغة - ج ٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

العريض من الصخر ، والواحدة صُلَّاعة. ثعلب عن ابن الأعرابيّ : صَلَّع الرجل إذا أعذر وهو التصليع. وقال الليث : التصليع : السُلَاح. قال : واللأُصيلع من الحيّات : العريض العُنُق كأن رأسه بُنْدقة مُدحرَجة. واللأُصيلع : الذكر يكنى عنه. والصلَع : ذهاب شعر الرأس من مقدَّمه إلى مؤخَّره ، وكذلك إن ذهب وسطه. تقول : صَلِع صَلَعاً. والصلَعة : موضع الصلَعِ من الرأس ، وكذلك النزَعة والكَشَفة والجَلَحة ، جاءت مثقَّلات كلها. والعُرْفُطة إذا سقطت رؤوسُ أغصانها وأكلتها الإبل قيل : قد صَلعت صَلَعاً. وقال الشمَّاخ يصف الإبل :

إن تُمس في عُرْفُط صُلْعٍ جماجمُهُ

من الأسالق عاري الشوك مجرود

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الصَّوْلَع : السِنَان المجلوّ. وفي الحديث : أن معاوية قدِم المدينة فدخل على عائشة ، فذكرت له شيئاً فقال : إن ذلك لا يصلح ، قالت : الذي لا يصلح ادّعاؤك زياداً ، قال : فقال : شهِدت الشهودُ. فقالت : شهدت الشهود ولكن ركِبَتِ الصُّلَيْعاءَ. معنى قولها : ركبت الصليعاء أي شهدوا بزُور قال المعتمر ، قال أبي : الصليعاء : الفخِر. والصلعاء في كلام العرب : الداهية والأمر الشديد. وقال مزرِّد أخو الشماخ :

تأوُّهَ شيخ قاعد وعجوزِه

حريَّين بالصلعاء أو بالأساود

قال أبو زيد : يقال : تصلَّعت السماءُ تصلُّعاً إذا انقطع غيمها وانجردت. والسماء جرداء إذا لم يكن فيها غَيْم. وصِلَاع الشمس : حرّها. ويوم أصلع : شديد الحرّ ، قال :

يا قِردة خشيت على أظفارها

حَرَّ الظَهِيرة تحت يوم أصلع

والصلعاء : الأرض الخالية ، قال :

ترى الضيف بالصلعاء تَغْسِق عينه

من الجوع حتى يُحْسَب الضيف أرمدا

والصَّلِيع : الأملس. وقال عمرو بن معد يكرب :

وسَوْقُ كتيبة دَلَفت لأخرى

كأنّ زُهاءها رأس صَليع

يعني : رأساً أصلع أملس. وفي حديث عمر في صفة التَّمْر قال : وتُحترش به الضِباب من الصلعاء ، يريد الصحراء التي لا تنبت شيئاً ، مثل الرأس الأصلع ، وهي الحصَّاء مثل الرأس الأحصّ.

صعل : في حديث أم مَعْبَد في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم تُزْرِ به صَعْلة» قال أبو عبيد : الصَّعْلة : صِغَر الرأس ، يقال : رجل صَعْل الرأس إذا كان صغير الرأس. ولذلك يقال للظَّلِيم : صَعْل لأنه صغير الرأس. قال الليث : رجل صَعْل إذا صغُر رأسُه. وقد يقال رجل أصعل وامرأة صعلاء. وفي حديث عليّ رضي‌الله‌عنه : «استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحول بينكم وبينه من الحبشة أصعلُ أصمع». قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : قوله : أصعل هكذا يُروى ، فأما كلام العرب فهو صَعْل بغير

٢١

ألف وهو الصغير الرأس ، ولذلك يقال للظليم : صَعْل. قال الليث : وأما قول العَجّاج :

ودَقَلٌ أجرد شَوْذَبيٌ

صَعْل من الساج ورُبَّانيُ

فإنه أراد بالصَّعْل ههنا الطويل. أبو عمرو : الصَّعْلة من النخل : فيها اعوجاج ، وأنشد :

ما لم تكن صعلة صعباً مراقيها

ثعلب عن ابن الأعرابي : الصاعل : النعام الخفيف.

قال شمر : الصَّعْل من الرجال : الصغير الرأس الطويل العُنق الدقيقُهما. قال : وتكون الصَّعْلة الخِفَّة في البدن والدقَّة والنحول. قال الشاعر يصف عَيْراً :

نفى عنها المصيف وصار صَعْلا

يقول : خفَّ جسمُه وضمُر.

وقال آخر :

جارية لاقت غلاماً عَزَبا

أزلَ صَعْلَ النَسَوين أرقبا

قال أبو نصر : الأصعل : الصغير الرأس.

وقال غيره : الصعَل : الدقّة في العُنق والبدن كله. ويقال للنخلة إذا دقَّت : صَعْلة.

باب العين والصاد مع النون

[ع ص ن]

عصن ، عنص ، صنع ، صعن ، نصع ، نعص : مستعملات.

عصن : أهمله الليث. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : أعصن الرجل إذا شدَّد على غريمه وتمكَّكَه وروى عمرو عن أبيه قال : أعْصن الرمل إذا اعوَجَّ وعسُر.

عنص : لم أجد فيه غير عَنَاصِي الشَّعَر. والعُنْصُوة الخُصْلَة من الشَّعَر ، وقال الشاعر :

إن يُمْس رأسي أشمط العناصِي

كأنما فرَّقه مُنَاصي

قال الليث : العُنْصُوة على تقدير فُعْلُوة.

قال : وما لم يكن ثانيه نوناً فإن العرب لا تضم صدره مثل تُنْدُوة.

فأما عَرْقُوة وتَرْقُوة وقَرْنُوة فمفتوحات. عمرو عن أبيه : أعنص إذا بقيتْ على رأسه عَنَاصٍ من ضفائره ، وهي بقايا ، واحدها عُنْصُوة. وقال أبو زيد : العَنَاصِي : الشَّعَر المنتصِب قائماً في تفرُّق.

صعن : أهمله الليث. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : أصْعَن الرجل إذا صغُر رأسُه. أبو عبيد : الصِّعْوَنُ : الظليم الدقيق العُنُق الصغير الرأس ، والأنثى : صِعْوَنَّة.

وقال غيره : الاصعنان : الدِقَّة واللطافة ، ومنه يقال : أُذُنٌ مُصَعَنَّة : مؤلَّلة ، قال عديّ :

وأُذْنٌ مُصَعَّنَةٌ كالقَلَمْ

عمرو عن أبيه : أصْعَن إذا صغر رأسه ونقَصَ عقلُه.

نعص : قال ابن المظفّر : أمَّا نعص فليس بعربيَّة إلّا ما جاء أسَد بن ناعصة المشبِّب بخنساء في شعره ، وكان صَعْب الشعر

٢٢

جدّاً ، وقلَّما يُرْوَى شِعره لصعوبته. قلت : وقرأت في «نوادر الأعراب» : فلان من نُصْرتي وناصرتي ونائصتي وناعِصتي وهي ناصرته. والنواعص : اسم موضع. وقال ابن دريد : النَّعْص : التمايل ، وبه سمِّي ناعِصة. قلت : ولم يصح لي من باب (نعص) شيء أعتمِده من جهة من يُرجَع إلى علمه وروايته عن العرب.

نصع : أبو عُبَيد عن الفرّاء : أنْصَعتِ الناقة للفحل إنصاعاً إذا قَرَّتْ له عند الضِرَاب.

وقال غيره : أنصع لِلْحقّ إنصاعاً إذا أقَرَّ بِه. وقال الليث : يقال للرجل إذا تصدَّى للشرّ : قد أنصع له إنصاعاً. وقال شمر : النِّصْعُ الثوب الأبيض. وأنشد لرؤبة يصف ثوراً :

كأن تحتي ناشطاً مُوَلَّعا

بالشأم حتى خلته مبرقَعا

بَنِيقة من مَرْحَلِيّ أسْفَعا

كأن نِصْعاً فوقه مقطَّعا

مخالط التقليص إذ تَدَرَّعا

قال شمر : قال ابن الأعرابيّ : يقول : كأن عليه نِصْعاً مقلَّصاً عنه ، يقول : تخال أنه أُلْبِس ثوباً أبيض مقلَّصاً عنه لم يبلغ كُروعَه التي ليست على لونه. ابن السكيت عن ابن الأعرابيّ : أبيض ناصع. قال : والناصع في كل لون خَلَص ووَضَح. قال الأصمعيّ : وأكثر ما يقال في البياض أبو عبيد : أبيض ناصع ويَقَق. وقال أبو عبيدة : أصفر ناصع الليث : النَّصِيع : البحر وأنشد :

أدْلَيت دَلْوِي في النَّصِيع الزاخر

قلت : قوله : النَّصِيع : البحر غير معروف ، وأراد بالنصيع : ماء بئر ناصع الماء ليس بكَدِر ؛ لأن ماء البحر لا يُدْلَى فيه الدَلْو. يقال : ماء ناصع وماصع ونصِيع إذا كان صافياً. والمعروف في البحر البَضِيع ، بالباء والضاد : وقد مرّ في بابه وروى أبو عُبَيد عن أبي عمرو : الماصع : البَرّاق ، بالميم ، ويقال : المتغيّر ، قال : ومنه قول ابن مقبِل :

فأفرغت من ماصع لونُه

على قُلُص ينتهِبن السِّجَالا

وقال شمر : ماصع يريد به : ناصع ، فصيَّر النون ميماً. قال : وقد قال ذو الرمَّة : ماصع فجعله ماء قليلاً. أخبرني بذلك كله الإيَاديّ عن شمر ، وقال أبو سعيد : المَنَاصِع : المواضع التي يُتَخلى فيها لبول أو حاجة ، والواحد مَنْصَع. قلت : قرأت في حديث الإفْك : «وكان متبرّز النساء بالمدينة قبل أن سُوّيت الكُنُف في الدور المناصع». وأُرى أن المناصع موضع بعينه خارج المدينة ، وكن النساءُ يتبرّزْن إليه بالليل على مذاهب العرب في الجاهليَّة.

وقال المؤرّج ـ فيما روى له أبو تراب ـ : النِّصَع والنِّطَع لواحد الأنطاع ، وهو ما يتَّخذ من الأدَم. وأنشد لحاجز ابن الجعيد الأزديّ :

فننحرها ونخلطها بأخرى

كأن سَرَاتها نِصَع دَهين

قال : ويقال : نِصْع بسكون الصاد. وقال شمر : قال الأصمعيّ : كل ثوب خالط البياض والصفرة والحمرة فهو نِصْع. وقال

٢٣

أبو عُبَيدة في الشيات : أصفر ناصع ، قال : هو الأصفر السَرَاةِ تعلو متنَه جُدَّة غَبْساء. وقال أبو تراب : قال الأصمعيّ : يقال : شرِب حتى نَصَع وحتى نَقَع ، وذلك إذا شَفَى غليله. قال أبو نصر : المعروف : بضع.

صنع : قال الله جلّ وعزّ : (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) [الشُّعَرَاء : ١٢٩] المصانع في قول بعض المفسّرين : الأبنية.

وقال بعضهم : هي أحباس تُتَّخذ للماء ، واحدها مَصْنَعة ومَصْنَع. قلت : وسمعت العرب تسمّي أحباس الماء : الأصناع والصُّنُوع ، واحدها صِنْع. وروى أبو عبيد عن أبي عمرو قال : الحِبْس مثل المَصْنَعة ، قال : والزَّلَف : المصانع. قلت : وهي مَسَّاكاتٌ لِماء السماء يحتفرها الناس فيملؤها ماءُ السماء يشربونها.

ويقال للقصور أيضاً مصانع. وقال لبيد :

بَلِينا وما تَبْلى النجوم الطوالعُ

وتَبْلى الديارُ بعدنا والمَصَانِع

وقول الله جل وعزَّ : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النَّمل : ٨٨] قال أبو إسحاق : القراءة بالنصب ، ويجوز الرفع. فمن نصب فعلى المصدر ، لأن قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النَّمل : ٨٨] دليل على الصنعة ، كأنه قال : صَنَع الله ذلك صُنْعاً. ومن قرأ : (صُنْعُ الله) فعلى معنى : ذلك صنع الله. وقول الله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] معناه : ولتربَّى بمرأًى منّي. يقال : صَنَع فلان جاريته إذا رباها ، وصَنَع فرسه إذا قام بعلفه وتسمينه. وقال الليث : صنع فرسَه ، بالتخفيف ، وصنَّع جاريته بالتشديد ؛ لأن تصنيع الجارية لا يكون إلا بأشياء كثيرة وعِلَاج. قلت : وغير الليث يجيز صَنَع جاريته بالتخفيف ، ومنه قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي). وفلان صَنِيع فلان إذا ربَّاه وأدَّبه وخرَّجه ، ويجوز : صنيعته. وقال الأصمعيّ : العرب تسمّي القُرَى مصانع ، واحدتها مَصْنعة. وقال ابن مُقْبل :

أصواتُ نسوان أنباطٍ بمَصْنَعة

بَجَّدْن للنَّوْح واجتَبْن التَبَا بينا

والمَصْنعة : الدَّعْوة يتّخذها الرجل ويدعو إخوانه إليها. وقال الراعي :

ومصنعةٍ هُنَيدَ أعنْتُ فيها

قال الأصمعي : يعني مَدْعاة. وفرس مُصَانِع ، وهو الذي لا يعطيك جميع ما عنده من السير ، له صون يصونه فهو يصانعك ببذله سَيْرَه. ويقال : صانعت فلاناً أي رافقته. وصانعت الوالي إذا راشيته ، وصانعته إذا داهنته. وقال الليث : التصنُّع : تكلّف حُسْن السَّمْت وإظهاره والتزيُّن به والباطن مدخول. وقال : الصُنَّاع : الذين يعملون بأيديهم ، والحِرْفة الصِّنَاعة ، والواحد صانع. وقال ابن السكيت : امرأة صَنَاع إذا كانت رقيقة اليدين تسوِّي الأساقي وتَخْرُز الدلاء وتَفْريها. ورجل صَنَع. وقال أبو ذؤيب :

وعليهما مَسرودَتان قضاهما

داود أو صَنَع السوابغ تُبَّعُ

وقال ابن الأنباريّ في «الزاهر» : امرأة صَنَاع إذا كانت حاذقة بالعمل ، ورجل

٢٤

صَنَع. إذا أُفردت فهي مفتوحة متحرّكة. قال : ويقال : رجل صِنْع اليدين ، مكسور الصاد إذا أضيفت. وأنشد :

صِنْعُ اليدين بحيثُ يكوى الأصْيَدُ

وأنشد غيره :

أنبل عَدْوانَ كُلِّها صَنَعا

والصَّنِيعة : ما أعطيته وأسديته من معروف أو يد إلى إنسان تصنعه به ، وجمعها صنائع ، قال الشاعر :

إن الصنيعة لا تكون صنيعة

حتى يصابَ بها طريقُ المَصْنَع

وقول الله عزوجل (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١] أي ربَّيتك لخاصَّة أمري الذي أردته في فرعون وجنوده. وحدّثنا الحسين عن أبي بكر بن أبي شَيْبة عن يحيى بن سعيد القطَّان عن محمد بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخُدْريّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا توقدوا بليل ناراً» ؛ ثم قال : «أوقدوا واصطنعوا فإنه لن يدرك قوم بعدكم مُدَّكم ولا صاعَكم». قوله : اصطنعوا أي اتّخذوا طعاماً تنفقونه في سبيل الله.

عمرو عن أبيه : الصَنِيع : الثوب الجيّد النقيّ. وقال ابن الأعرابي : أصْنع الرجلُ إذا أعان آخر. قال : وكل ما صُنِع فيه فهو صِنْع مثل السُّفْرة. ويكون الصِنْع الشِّوَاء. وقال الليث : الصَّنَّاعة : خشبة تُتّخذ في الماء ليحبس بها الماء وتُمسكه حيناً. ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا لم تَسْتَح فاصنع ما شئت» رواه جَرِير بن عبد الحميد عن منصور عن رِبْعيّ بن حِرَاش عن أبي مسعود الأنصاريّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو عبيد : قال جرير : معناه : أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعَه حياءً من الناس ، كأنه يخاف مذهب الريَاء. يقول : فلا يمنعْك الحياءُ من المضيّ لِمَا أردت. قال أبو عبيد : والذي ذهب إليه جرير معنى صحيح في مذهبه ، ولكن الحديث لا يدلّ سياقه ولا لفظه على هذا التفسير. قال أبو عبيد : ووجهه عندي أنه أراد بقوله : «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» إنما هو : من لم يستح صَنَع ما شاء ، على جهة الذمّ لترك الحياء ، ولم يرد بقوله : فاصنع ما شئت أن يأمره بذلك أمراً ، ولكنّه أمْر معناه الخبر ؛ كقوله عليه‌السلام : «من كذب عليّ متعمِّداً فليتبوّأ مَقْعَده من النار» ، ليس وجهه أنه أمره بذلك ، إنما معناه : مَن كذب عليّ تبوَّأ مقعده من النار. والذي يراد من الحديث أنه حَثَّ على الحياء وأمرَ به وعاب تركه. وقال إبراهيم بن عَرَفة : سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول في قوله : إذا لم تستح فاصنع ما شئت قال : هذا على الوعيد ، فاصنع ما شئت فإن الله يجازيك. وأنشد :

إذا لم تخش عاقبة الليالي

ولم تستَحْيِ فاصنع ما تشاء

وهو كقول الله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩].

الأصناع : الأسواق ، جمع صِنْع. وقال ابن مقبل يصف فرساً :

بتُرْس أعجم لم تُنْجَر مسامره

مما تَخَيَّرُ في أصناعها الروم

لم تُنجز مسامره أي لم تشدّ فيه المسامير.

٢٥

والصِنْع : السَفُّود ، قال مَرّار يصف إبلاً :

وجاءت وركبانها كالشُروب

وسائقها مثل صِنْع الشواء

أي هذه الإبل وركبانها يتمايلون من النُّعَاس ، وسائقها ـ يعني نفسه ـ اسودّ من السَّمُوم. ويقال : فلان صَنِيع فلان وصنيعته إذا ربّاه وأدّبه حتى خرّجه.

باب العين والصاد مع الفاء

[ع ص ف]

عصف ، عفص ، صفع ، صعف ، فصع : مستعملات. عصف : قال الله جلّ وعزّ : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) [الرَّحمن : ١٢] وقال في موضع آخر : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥] قال الفرّاء : العَصْف ـ فيما ذكروا ـ : بَقْل الزَرْع ؛ لأن العرب تقول : خرجنا نَعْصِف الزرع إذا قطعوا منه شيئاً قبل إدراكه ، فذلك العَصْف. قال : وقال بعضهم : (ذُو الْعَصْفِ) يريد المأكول من الحَبّ ، (وَالرَّيْحانُ) : الصحيح الذي يؤكل. وقال أبو إسحاق : العَصْف : وَرَق الزرع. ويقال للتبْن : عَصْف وعَصِيفة. وقال النضْر : العَصْف : القَصِيل. قال : وعصفْنا الزرعَ نعصِفه أي جززنا ورقه الذي يميل في أسفله ليكون أخفّ للزرع ، وإن لم يُفعل مال بالزرع. وذكر الله جلّ وعزّ في أوّل هذه السورة ما دلَّ على وحدانيَّته من خَلْقه الإنسان وتعليمه البيان ، ومن خَلْق الشمس والقمر والسماء والأرض وما أَنبت فيها من رِزقِ مَن خلق فيها من إنسيّ وبهيمة ، تبارك (اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). وأمَّا قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥] فله معنيان : أحدهما أنه أراد : أنه جعل أصحاب الفيل كورق أُخِذ ما كان فيه من الحَبّ وبقي هو لا حبّ فيه. والآخر أنه أراد : أنه جعلهم كعصف قد أكله البهائم. وقال الليث : العَصْف : ما على حبّ الحِنْطة ونحوها من قُشور التبْن. قال : والعَصْف أيضاً : ما على ساق الزرع من الورق الذي يبِس فتفتَّت ، كل ذلك من العصف. قال : وقوله : (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) ذُكر عن سعيد بن جُبَير أنه قال : هو الهَبُّور ، وهو الشعير النابت بالنَبَطيَّة. وعن الحسن : كزرع قد أُكل حَبّه وبقي تِبْنُه. وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال في قوله تعالى : (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) : إنه يقال : إن فلاناً يعتصف إذا طلب الرزق ، والعصف : الرزق ، والعَصْف والعَصِيفة : ورق السُنْبُل. وقول الله جلّ وعزّ : فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً [المُرسَلات : ٢] قال المفسّرون : هي الرياح. وقال الفرّاء في قوله : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [إبراهيم : ١٨] قال : فجعل العُصُوف تابعاً لليوم في إعرابه وإنما العُصُوف للرياح. وذلك جائز على جهتين : إحداهما أن العُصُوف وإن كان للريح فإن اليوم قد يوصَف به ؛ لأن الريح تكون فيه ، فجاز أن تقول : يوم عاصف ؛ كما يقال : يوم بارد ويوم حارّ والبرد والحرّ فيهما. والوجه الآخر أن تريد : في يوم عاصِف الريحِ ، فتحذف الريح لأنها قد ذُكِرت في أول الكلمة ، كما قال :

٢٦

إذا جاء يومٌ مظلم الشمس كاسفُ

يريد : كاسف الشمس فحذفه لأنه قدَّم ذكره. وأخبرني المنذريّ عن الحرَّاني عن ابن السكيت قال : يقال : عَصَفت الريحُ وأعصفت فهي ريح عاصف ومُعْصفة إذا اشتدَّت. وقال الليث : وجمع العاصف عواصف. قال : والمُعْصِفات : الرياح التي تُثير التراب والورق وعَصْفَ الزرع. قال : والعُصافة : ما سقط من السُنْبل ، مثل التبن ونحوه. أبو عبيد عن أبي عبيدة قال : الإعصاف : الإهلاك ، وأنشد للأعشى :

في فيلق شهباء ملمومة

تُعْصِف بالدارع والحاسر

أي تُهلكهما. وقال الليث : تُعصف بهما أي تَذهب بهما. قال : والنعامة العَصُوف : السريعة : والعَصْف : السرعة ، وأنشد :

ومن كل مِسْحاج إذا ابتلَّ لِيتُها

تحلَّب منها ثائب متعصّف

يعني العَرَق. أبو عُبَيد عن أبي عمرو قال : العَصُوف : السريعة من الإبل. وقال اللحيانيّ : أعصفت الناقةُ إذا أسرعت ، فهي مُعْصِفة. وقال النضر : إعصاف الإبل : استدارتها حول البئر حرصاً على الماء وهي تطحن التراب حوله وتثيره. وقال المفضّل : إذا رمى الرجل غَرَضاً فصاب نَبْلُه قيل له : إن سهمك لعاصف. قال : وكل ماء عاصف. وقال كثيّر :

فمرّت بليل وهي شدفاء عاصف

بمنخرَق الدوَداة مَرَّ الخَفَيْدَدِ

وقال اللحياني : هو يَعْصِف ويعتصف ويصرف ويصطرف ، أي يكسِب ويطلب ويحتال. وقال ابن الأعرابي ، فيما رَوَى عنه أبو العباس : العَصْفانِ : التِبْنانِ ، قال : والعُصُوف : الأتبان والعَصْف : السنْبُل ، وجمعه عُصوف. والعُصُوف : الرياح. والعُصُوف : الكَدّ. والعصوف الخُمُور.

عفص : قال الليث : العَفْص : حَمْل شجرة البَلُّوط ، يحمل سَنَة بَلُّوطاً وسنة عَفْصاً. وجاء حديث اللُّقَطة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «احفظ عِفَاصَها ووِكاءها»قال أبو عبيد : العِفَاص : هو الوِعاء الذي تكون فيه النفَقة إن كان من جلد أو خرقة أو غير ذلك ، ولهذا سمّي الجلد الذي يُلْبَسَهُ رأس القارورة العِفَاص ، لأنه كالوعاء لها. وليس هذا بالصِّمَام الذي يُدخَل في فم القارورة فيكون سِدَاداً لها. قال : وإنما أمره بحفظه ليكون علامة لصدق مَن يعترفها. وقال الليث : العِفَاص : صمَام القارورة ، ثم قال : وعِفَاص الراعي : وعاؤه الذي تكون فيه النفقة. قلت : والقول ما قاله أبو عبيد في العفاص : أنه الوعاء أو الجلدة التي تُلْبَس رأسَ القارورة حتى تكون كالوعاء لها. ويقال : عَفَصْت القارورة عَفْصاً إذا جعلت العِفَاص على رأسها. فإن أردت أنك جعلت لها عِفَاصاً قلتَ : أعفصتها. وثوب مُعَفَّص : مصبوغ بالعفْص ، كما قالوا : ثوب ممسّك بالمِسْك. ويقال : هذا طعام عَفِص إذا كانت فيه بشاعة ومرارة. ثعلب عن ابن الأعرابي قال : المِعفاص من الجواري : الزَّبَعْبَق النهايةُ في سُوء الخُلُق. قال :

٢٧

والمعقاص ـ بالقاف ـ شرّ منها. العفْص : العَصْر والهَصْر. وعَفَصَت الدابّة : ثَنَت عُنقها. ما زلت أطالِبه بحقّي حتى عفص به واعتفصته منه أي أخذته منه. وعَفَصها : جامعها.

صعف : أهمله الليث. وقال أبو عبيد : أخبرني محمد بن كثير أن لأهل اليمن شراباً يقال له : الصعْف ، وهو أن يُشْدَخ العِنَب ، ثم يُلْقى في الأوعية حتى يَغْلِي. قال : وجُهَّالهم لا يرونه خمراً لمكان اسمها. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : أنه قال : الصعْفَانُ : المولَع بشراب الصفع وهو العَصير.

فصع : أبو العباس عن أبي الأعرابي : فصَّع الرجل يفصّع تفصيعاً إذا خرج منه ريح منتِن وفَسْوة. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه نهى عن فَصْع الرُطَبة» ، قال أبو عبيد : فَصْعها : أن يخرجها من قشرها ، يقال : فصعها فَصْعاً ، وأنا أفْصَعُها. وقال الليث : فصْعها : أن تأخذها بإصبعك فتَعْصِرها حتى تتقشّر. قال : والفَصْعاء : الفأرة. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الفَصْعَانُ : المكشوف الرأس أبداً حرارة والتهاباً. وقال غيره : الفُصْعة : غُلْفة الصبيّ إذا كشفها عن ثُومة ذكره قبل أن يُختن ، وقد فصعها الصبيّ إذا نحّاها عن الحَشَفَة. وروى ابن الفرج عن حَتْرَش الأعرابي قال : فصَّع كذا من كذا وفصّله منه بمعنى واحد إذا أخرجه منه. افتصعت حقّي منه أي أخذته بقهر فلم أترك منه شيئاً.

صفع : الصَفْع : أن يَبْسُط الرجل كفّه فيضرب بها قفا الإنسانِ أو بدنَه ، فإذا جمع كفّه وقبضها ثم ضرب بها فليس بصَفْع ، ولكن يقال : ضربه بجُمْع كفّه. وقال ابن دريد : الصَوْفَعة : هي أعلى الكُمَّة والعِمامةِ.

يقال : ضربه على صَوْفَعته إذا ضربه هنالك. قال : والصَفْع أصله من الصَوْفَعة ، والصوفعة معروفة. قال الأزهري : السَفْع : اللطح باليد ، فإذا بسط الضارب يده فضرب بها القفا ، فهو الصفع بالصاد.

باب العين والصاد مع الباء

[ع ص ب]

عصب ، صبع ، صعب ، بصع ، بعص : مستعملة.

عصب : قال الله جل وعز : (هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) [هُود : ٧٧] أخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن سَلَمة عن الفرّاء قال : (يَوْمٌ عَصِيبٌ) ، ويوم عَصَبصَب أي شديد. قال : وعَصَب فوه يَعْصِب عَصْباً إذا ذَبّ ويبِس رِيقه ، وفوه عاصب.

وأخبرني الحَرّانيّ عن ابن السكيتِ يقال : عصَب الريقُ بفيه يعصِب عَصْبَاً إذا يبِس. وقال : عَصَب فاه الريق.

وقال ابن أحمر :

... حتى يعصِب الريقُ بالفم

وقال الراجز :

يعصب فاه الرِيقُ أي عَصْب

عَصْب الجُبَاب بشفاه الوطْب

الجُبَاب : شِبْه الزُبْد في ألبان الإبل. وروى بعض المحدِّثين «أن جبريل جاء

٢٨

يوم بدر على فرس أنثى وقد عصم بثنّيتيه الغبارُ» ، فإن لم يكن غلطاً من المحدِّث فهي لغة في عَصَب ، والباء والميم يتعاقبان في حروف كثيرة ، لقرب مخرجيهما ، يقال ضَرْبَةُ لازبٍ ولازم ، وسبّد رأسه وسمَّده. وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال : رجل معصَّب أي فقير قد عصَّبه الجهد ، وهو من قوله جل وعز : (يَوْمٌ عَصِيبٌ) [هُود : ٧٧].

وقال بعضهم : (يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي شديد مأخوذ من قولك : عَصَبَ القومَ أمرٌ يعصِبهم عَصْباً إذا ضمَّهم واشتد عليهم. وقال ابن أحمر :

يا قومِ ما قومي على نأيهم

إذ عَصَب الناس شَمَال وقرّ

وقوله : ما قومي على نأيهم تعجّب من كرمهم ، وقال : نِعم القوم هم في المجاعة إذ عصب الناس شَمال أي أطاف بهم وشملِهم بَرْدَها. ويقال للرجل الجائع يشتدّ عليه سَخْفة الجُوع فيعصِّب بطنه بحجر : مُعَصَّب. ومنه قوله :

ففي هذا فنحن لُيُوث حرب

وفي هذا غيوث مُعَصَّبينَا

وقال الأصمعيّ : العَصْب : غَيْم أحمر يكون في الأفُق الغربيّ يظهر في سِنِي الجَدْب. وقال الفرزدق :

إذا العَصْب أمسى في السماء كأنه

سَدَى أُرْجوان واستقلَّت عَبُورها

أبو عُبيد عن أبي عُبَيدة : المعصَّب : الذي عصَّبته السِنُون أي أكلت ماله. وقال الله جل وعز : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف : ٨]. قال أبو عبيد : قال أبو زيد : العُصْبة من العَشَرة إلى الأربعين. وقال الأخفش : العُصْبة والعِصابة : جماعة ليس لها واحد. وذكر ابن المظفّر في كتابه حديثاً : إنه يكون في آخر الزمان رجل يقال له : أمير العُصَب ، فوجدت تصديقه في حديث حدّثنا به محمد بن إسحاق عن الرماديّ عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عُقْبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك : أبو بكر الصديق أصبتم اسمه. عمر الفاروق قَرْن من حديد أصبتم اسمه. عثمان ذو النورين كِفلَيْن من الرحمة لأنه يُقتل مظلوماً ، أصبتم اسمه. قال : ثم يكون مَلِك الأرض المقدَّسة وابنه. قال عُقبة : قلت لعبد الله سمّهما. قال : معاوية وابنه. ثم يكون سفَّاح ، ثم يكون منصور ، ثم يكون جابر ، ثم مهديّ ، ثم يكون الأمين ، ثم يكون سين وسلام يعني صلاحاً وعافية ، ثم يكون أمير العُصَب ، ستة منهم من ولد كعب بن لؤيّ ورجل من قحطان كلهم صالح لا يُرَى مثله. قال أيوب : فكان ابن سيرين إذا حَدَّث بهذا الحديث قال : يكون على الناس ملوك بأعمالهم.

قلت : وهذا حديث عجيب وإسناده صحيح والله أعلم بالغيوب.

والعَصْب من برود اليمن ، معروف. وقال الليث : سمّي عَصْباً لأن غَزْله يُعصَب ، ثم يُصبغ ثم يحاك ، وليس من برود الرقْم.

٢٩

ولا يجمع ، يقال : بُرْد عَصْب وبرود عَصْب لأنه مضاف إلى الفعل. وربما اكتفَوا بأن يقال : عليه العَصْب لأن البُرْد عُرِف بذلك الاسم. أبو عبيد عن أبي عمرو : العصَّاب : الغزّال. وقال رؤبة :

طيّ القَسَاميّ بُرودَ العَصَّاب

قال : والقَسَاميّ : الذي يَطْوي الثياب في أول طَيّها حتى تُكسّر على طيّها. قلت : وقول أبي عمرو يحقّق ما قاله الليث من عَصْب الغَزْل وصَبْغه. وروي عن الحجّاج بن يوسف أنه خطب الناس بالكوفة فقال : لأَعْصِبَنَّكم عَصْب السَّلَمة.

قلت : والسَّلَمة شجرة من الغَضَى ذات شوك ، وورقها القَرَظ الذي يُدبغ به الأَدَم ، ويعسُر خَرْط ورقها لكثرة شوكها. ويَعْصِب الخابط أغصانها بحَبْل ثم يَهْصِرها إليه ويخبِطها بعصاه فيتناثر ورقها للماشية ولمن أراد جمعه. وعَصْبُها : جمع أغصانها بحبل تُمدّ به وتُشَدّ شدّاً شديداً. وأصل العَصْب اللَيّ ، ومنه عَصْب التَيْس وهو أن يُشدّ خُصْياه شدّاً شديداً حتى تَنْدُرَا من غير أن تنتزعا نزعاً ، أو تُسَلّا سلًّا. يقال : عَصبْتُ التيس أعصِبه فهو معصوب. قال ذلك أبو زيد فيما رَوى عنه أبو عبيد. ومن أمثال العرب : فلان لا تُعْصَب سَلَماته يضرب مثلاً للرجل العزيز الشديد الذي لا يُقهر ولا يُستذَلّ. ومنه قول الشاعر :

ولا سَلَماتي في بَجِيلة تُعْصَبُ

أبو عبيد عن الأصمعيّ : العَصُوب : التي لا تَدِرّ حتى يُعْصَب فخذاها بحبل ، وذلك الحبل يقال له : العِصَاب. وقد عصبها الحالب عَصْباً وعِصَاباً. وقال الشاعر :

فإن صَعُبَتْ عليكم فاعصِبوها

عِصَاباً تَستدرّ به شديدا

وقال أبو زيد : العَصُوب : الناقة التي لا تَدِرّ حتى يُعْصَب أداني مَنْخِرَيها بخَيط ثم تُثَوَّر ولا تُحلّ حتى تُحلب. وأما عَصَبة الرجل فهم أولياؤه الذُكور من ورثته ، سُمُّوا عَصَبة لأنهم عَصَبوا بنسبه أي استكَفُّوا به ، فالأب طَرَف والابن طَرَف والعَمّ جانب والأخ جانب ، والعرب تسمّي قرابات الرجل أطرافه ، ولمّا أحاطت به هذه القرابات وعَصَبتْ بنسبه سُمّوا عَصَبة. وكل شيء استدار بشيء فقد عَصَب به. والعمائم يقال لها : العصائب ، واحدتها عِصَابة ، من هذا. وأمَّا العَصَبة فلم أسمع لهم بواحد. والقياس أن يكون عاصباً ؛ مثل طالب وطَلَبة وظالم وظلَمة. ويقال أيضاً : عَصَبت الإبلُ بِعَطَنها إذا استكفَّت به ؛ قال أبو النجم :

إذ عَصَبت بالعَطَن المغربَل

يعني المدقَّق ترابُه. ويقال : عَصَب الرجلُ بيتَه أي أقام في بيته لا يبرحه ، لازماً له.

ويقال : عَصَب القَيْن صَدْع الزجاجة بضبَّة من فضَّة إذا لأمها بها محيطة به. والضبَّة عِصَابة للصَّدْع. والعَصَبيَّة : أن يدعو الرجل إلى نُصْرة عَصَبته والتألُّب معهم على من يناوئهم ، ظالمين كانوا أو مظلومين. وقد تعصَّبوا عليهم إذا تجمّعوا. واعصوصب القومُ إذا اجتمعوا. فإذا تجمّعوا على فريق آخرين قيل : تعصَّبوا.

٣٠

وقرأت بخطّ شمر أن الزبير بن العوّام لمّا أقبل نحو البصرة سئل عن وجهه فقال :

عَلِقتهم إني خلِقتُ عُصْبَهْ

قَتَادةً تعلَّقت بنُشبَهْ

قال شمر : وبلغني أن بعض العرب قال :

غلبتهم إني خُلِقتُ نُشْبَهْ

قتادة ملوِيَّة بعُصْبَهْ

قال : والعُصْبة نبات يتلوّى على الشجر ، وهو اللَّبْلاب. والنُشْبة من الرجال : الذي إذا عبِث بشيء لم يكد يفارقه. وأنشد لكثيّر :

باديَ الربع والمعارف منها

غير رَبْع كعُصْبة الأغيال

وروى غيره عن ابن الأعرابي عن أبي الجرّاح أنه قال : العُصْبة : هَنَة تُلَفّ على القَتَادة لا تُنزع عنها إلّا بعد جَهد ، وأنشد :

تلبَّس حُبُّها بدمي ولحمي

تلبُّسَ عُصْبة بفروع ضَالِ

ويقال للرجل إذا كان شديد أسْرِ الخَلْق غير مسترخِي اللحم : إنه لمعصوب ما حُفْضِج. وقال ابن السكيت : العَصَب عَصَب الإنسان والدابَّة ، قال : وحكى لي الكلابيّ : ذاك رجل من عَصَب القوم أي من خيارهم ، ونحوَ ذلك قال ابن الأعرابي. وقال أبو العباس عنه : العَصُوب المرأة الرسحاء ، وروى أبو نصر عن الأصمعي والأثرمُ عن أبي عبيدة أنهما قالا : هي العَصُوب والرسحاء والمَسْحاء والرصعاء والمصواء والمزلاق والمزلاج والمِنْداص. وقال الليث : العَصَب : أطناب المفاصل التي تلائم بينها وتشدُّها وليس بالعَقَب. ولحم عَصِب : صُلْب شديد. ويقال للرجل الذي سوّده قومه : قد عصَّبوه فهو معصَّب ؛ وقد تعصّب.

ومنه قول المخبَّل في الزبْرِقان :

رأيتك هربَّتِ العِمَامة بعدما

أراك زماناً حاسراً لما تُعَصَّبِ

وهذا مأخوذ من العِصَابة وهي العِمَامة وكانت التيجان للملوك ، والعمائم الحمر للسادة من العرب. ورجل معصَّب ومعمَّم : أي مسوَّد. وقال عمرو بن كُلْثوم :

وسيد معشر قد عصَّبوه

بتاج المُلْك يَحْمى المُحْجَرينا

فجعل الملِك معصَّباً أيضاً لأن التاج أحاط برأسه كالعِصابة التي عَصَبت برأس لابسها. والعِصابة تقع على الجماعة من الناس والطير والخيل. ومنه قول النابغة :

عصائب طير تهتدي بعصائب

ويقال : اعتصب التاجُ على رأسه إذا استكَفَّ به. ومنه قول قيس ذي الرُّقيات :

يعتصب التاجُ فوق مَفْرِقه

على جبين كأنه الذهب

وكلّ ما عُصِب به كَسْر أو قرح من خرقة أو خَبِيبة فهو عِصاب له. ويقال لأمعاء الشاء إذا طُوِيت وجمعت ثم جُعلت في حَوِيَّة من حوايا بطنها : عُصُب واحِدُها عَصِيب.

والعصائب : الرياح التي تعصب الشجر

٣١

فتدرج فيه ؛ قال الأخطل :

مطاعيم تعذُو بالعَبِيط جِفانُهم

إذا القُرّ ألوت بالعِصَاه عصائبُهُ

وعَصِبت الفِصالُ الإبلَ : تقدَّمتها. والمعصوب : الكتاب المطويّ. وقال :

أتاني عن أبي هَرِم وعيد

ومعصوبٌ تخُبّ به الرِّكابُ

صعب : يقال : عَقَبة صَعْبة إذا كانت شاقَّة. وجَمَل مُصْعَب إذا لم يكن منوَّقاً وكان محرَّم الظهر ، وجمال مصاعب ومصاعيب. ويقال : أصعَبْتُ الأمر إذا ألفيته صَعْباً. ومنه قول الشاعر :

لا يُصْعِب الأمر إلا رَيْث يَرْكبه

ولا تَعَرّبُ إلّا حوله العَرَبُ

ويقال : صَعُب الأمر يَصْعُب صُعُوبة فهو صَعْب. ويقال : أخذ فلان بَكْراً من الإبل ليقتضبه فاستصعب عليه استصعاباً. وقد استصعبته أنا إذا وجدته صَعْباً. وقال ابن السكيت : المصعَب : الفَحْل الذي يودَّع من الركوب والعمل ، للفِحْلة. قال : والمصعَب : الذي لم يمسسه حَبْل ولم يُركب. قال : والقَرْم : الفحل الذي يُقْرم أي يودَّع ويُعفى من الركوب ، وهو المُقْرَم والقريع والفَنِيق. وصَعْب من أسماء الرجال. وجمع الصَّعْب صِعَاب.

صبع : أبو عبيد عن أبي عبيدة : صَبَعت بالرجل وصبعت عليه أصْبَع صَبْعاً إذا اغتبْتَه. وصبعت فلاناً على فلان : دللته. وصبعت الإناء إذا كان فيه شراب فقابلتَ بين إصبعيك ثم أرسلت ما فيه في شيء آخر. قلت : وصَبْع الإناء أن يُرسل الشراب الذي فيه من طَرَفي الإبهامين أو السبَّابتين لئلا ينتشر فيندفق. قلت : وهذا كله مأخوذ من الإصبع ؛ لأن الإنسان إذا اغتاب إنساناً أشار إليه بالإصبع. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : رجل مصبوع إذا كان متكبّراً. قال : والصَّبْع : الكِبْر التامّ. والإصبع : واحدة الأصابع. وفيها ثلاث لغات حكاها أبو عبيد عن الكسائيّ قال : هي الإصْبَع وَالإصْبِع والأُصْبُع. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه دمِيتْ إصبعُه في حفر الخندق فقال :

هل أنت إلا إصبِع دَمِيتِ

وفي سبيل الله ما لقِيتِ

وإن ذكَّر مذكِّر الإصبع جاز له ؛ لأنه ليس فيها علامة التأنيث. والإصبع : الأثر الحسَن. يقال : فلان من الله عليه إصبع حَسَنة. وإنما قيل للأثَر الحسن : إصبع لإشارة الناس إليه بالإصبع. وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال : إنه لحسن الإصبع في ماله ، وحَسَن المَسّ في مالِه أي حسن الأثر. وأنشد :

أوردها راع مَرِيء الإصبع

لم تنتشر عنه ولم تَصَدّعِ

وفلان مُغِلّ الإصبع إذا كان خائناً. وقال الشاعر :

حدّثتَ نفسك بالوفاء ولم تكن

للغدر خائنةً مُغِلّ الإصبع

وقيل : إصبع : اسم جبل بعينه.

بعص : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ :

٣٢

البَعْص : نحافة البدن ودِقَّته. قال : أصله دُودة يقال لها : البُعْصُوصة. قال : وسَبٌّ للجواري : يا بُعْصُوصة كُفّي ، ويا وجه الكُبَع : سمك بحري وَحِشُ المَرآة. وقال الليث : البُعصوصة : دوَيْبَّة صغيرة لها بريق من بياضها. ويقال للصبيَّة يا بُعصوصة لصغر جُثَّتها وضعفها. أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال للحيَّة إذا ضُرِبت فلوَتْ ذَنَبها : هي تَبعْصَصُ أي تتلوَّى. وقال ابن الأعرابي أيضاً : يقال للجُويرية الضاويَّة : البُعصوصة والعِنْفِص والبطيّطة الحطِّيطة.

بصع : أبو العباس عن ابن الأعرابي : البَصْع : الجَمْع. ومنه قولهم في التأكيد : جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون إنما هو شيء يَجمع الأجزاء. قال : وقال الفرّاء : يقولون : أجمعون أكتعون أبصعون ، ولا يقولون : أبصعون حتى يتقدّمه أكتعون. وسمعت المنذريّ يقول : سمعت أبا الهيثم يقول : الكلمة توَكَّد بثلاثة تواكيد. يقولون : جاء القوم أكتعون أبثعون أبصعون بالصاد ؛ كما قال ابن الأعرابي والفرّاء. وقال : أبثعون بالثاء والصواب : أبتعون بالتاء ، وظننت أن المنذريّ لم يضبِطه عن أبي الهيثم ضبطاً حسناً. وقال ابن هانىء وغيره من النحويين : أخذته أجمع أبتع وأجمع أبصع بالتاء والصاد. وقال الليث : البَصْع : الخَرْق الضيِّق الذي لا يكاد يَنفُذ فيه الماء. تقول : بَصُع يبصُع بَصَاعة. قال : ويقال : تبصّع العَرَق من الجَسَد إذا نبع من أصول الشَّعَر قليلاً قليلاً. قلت : ورَوَى ابن دريد بيت أبي ذؤيب :

إلّا الحَمِيم فإنه يتبصّع

بالصاد أي يسيل قليلاً قليلاً. قلت : ورَوَى الثقات هذا الحرف : يتبضّع الشيء ـ بالضاد ـ إذا سال ، هكذا أقرأنيه الإياديّ عن شمر لأبي عُبيد ، وهكذا رواه الرواة في شعر أبي ذؤيب ، وابن دُريد أخذ هذا من «كتاب ابن المظفّر» فمرّ على التصحيف الذي صحَّفه.

باب العين والصاد مع الميم

[ع ص م]

عصم ، عمص ، معص ، مصع ، صمع : مستعملة.

عصم : قال الله جل وعز : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] قال الفرّاء : (مِنَ) في موضع نصب ، لأن المعصوم خلاف العاصم والمرحوم معصوم ، فكان نصبه بمنزلة قوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧]. قال الفرَّاء : ولو جعلت عاصماً في تأويل معصوم أي لا معصوم اليوم من أمر الله جاز رفع (مِنَ). قال : ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على الفاعل ، ألا ترى إلى قوله جلّ وعزَّ : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] معناه ـ والله أعلم ـ : مدفوق. وأخبرني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال : قال الأخفش في قوله : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] يجوز أن يكون : لا ذا عاصمةٍ أي لا معصوم ، ويكون (إِلَّا مَنْ رَحِمَ)

٣٣

رفعاً بدلاً من (لا عاصِمَ). قال أبو العباس : وهذا خَلْف من الكلام ، لا يكون الفاعل في تأويل المفعول إلا شاذّاً في كلامهم ، والمرحوم معصوم والأول عاصم. و (مِنَ) نَصْب باستثناء المنقطع. وهذا الذي قاله الأخفش يجوز في الشذوذ الذي لا ينقاس. وقال الزجَّاج في قوله تعالى : (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) [هود : ٤٣] أي يمنعني من الماء. والمعنى : من تغريق الماء. قال : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) هذا استثناء ليس من الأول وموضع (مِنَ) نَصْب ، المعنى : لكن من رحم اللهُ فإنه معصوم. قال : وقالوا : يجوز أن يكون عاصم في معنى معصوم ، ويكون معنى (لا عاصِمَ) : لا ذا عصمة ، وتكون (مِنَ) في موضع رفع ، ويكون المعنى : لا معصوم إلا المرحوم. قلت : والحُذَّاق من النحويين اتّفقوا على أن قوله : (لا عاصِمَ) بمعنى لا مانع ، وأنه فاعل لا مفعول ، وأن (مَنْ) نصب على الانقطاع. والعِصْمة في كلام العرب : المَنْع. وعِصْمة الله عبدَه : أن يعصمه ممَّا يُوبِقه. واعتصم فلان بالله إذا امتنع به. واستعصم إذا امتنع وأبى ، قال الله تعالى حكاية عن امرأة العزيز في أمر يوسف حين راودته عن نفسه : فَاسْتَعْصَمَ [يوسف : ٣٢] أي تأبّى عليها ولم يجبها إلى ما طَلَبت. قلت : والعرب تقول : أعصمت بمعنى اعتصمت.

ومنه قول أوْس بن حَجَر :

فأشرط فيها نفسه وهو مُعْصِم

وألقى بأسبابٍ له وتوكّلا

أي وهو معتصم بالحبل الذي دَلّاه. ويقال للراكب إذا تقحَّم به بَعيرٌ صَعْب فامتسَك بواسط رَحْله أو بقَرَبوس سَرْجه لئلا يُصرَع : قد أعْصَم فهو مُعْصِم. وقال الراجز :

أقول والناقةُ بي تَقَحَّمُ

وأنا منها مُكْلئزّ مُعْصِم

وروى أبو عُبيد عن أبي عمرو : أعصم الرجل بصاحبه إعصاماً إذا لزِمه ، وكذلك أخلد به إخلاداً.

وقال ابن المظفر : أعصم إذا لجأ إلى الشيء وأعصم به. وقول الله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) [آل عمران : ١٠٣] أي تمسَّكوا بعهد الله. وكذلك قوله : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) [آل عمران : ١٠١] أي من يتمسَّك بحبله وعهده. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر النساء المختالات المتبرِّجات فقال : «لا يدخل الجنَّة منهن إلّا مِثْلُ الغراب الأعصم». قال أبو عبيد : الغراب الأعصم : هو الأبيض اليدين. ومنه قيل للوُعُول : عُصْم ، والأنثى منهنّ عَصْماء والذكر أعصم ، لبياض في أيديها. قال : وهذا الوصف في الغربان عزيز لا يكاد يوجد ، وإنما أرجلها حُمْر. قال : وأمَّا هذا الأبيض الظهرِ والبطن فهو الأبقع ، وذلك كثير ، قال : فيرى أن معنى الحديث : أن من يدخل الجنَّة من النساء قليل كقِلَّة الغِربان العُصْم عند الغِربان السُود والبُقْع. قلت : وقد ذكر ابن قتيبة

٣٤

هذا الحديث فيما رَدَّ على أبي عُبَيد ، وقال : اضطرب قولُ أبي عبيد ، لأنه زعم أن الأعصم هو الأبيض اليدين ، ثم قال : وهذا الوصف في الغِربان عزيز لا يكاد يوجد وإنما أرجلها حمر ، فذكر مرّة اليدين ومرّة الأرجل. قلت : وقد جاء الحرف مفسَّراً في خبر أظنّ إسناده صالحاً ، حدّثنَا محمد بن إسحاق قال : حدثنا الرماديّ حدَّثنا الأسود ابن عامر حدّثنا حمَّاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطْمِيّ عن عُمَارة بن خُزيمة قال : بينا نحن مع عمرو بن العاص فعدل وعدلنا معه حتى دخلنا شِعْباً ، فإذا نحن بِغربان وفيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين ، فقال عمرو : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يدخل الجنَّة من النساء إلَّا قَدْرُ هذا الغراب في هؤلاء الغربان قلت فقد بان في هذا الحديث أن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلّا مثل الغراب الأعصم» أنه أراد الأحمر الرجلين لقلّته في الغربان ، لأن أكثر الغربان السُود والبُقْع. ورُوي عن ابن شميل أنه قال : الغراب الأعصم : الأبيض الجناحين. والصواب ما جاء في الحديث المفسَّر. والعرب تجعل البياض حمرة فيقولون للمرأة البيضاء اللون : حمراء ، ولذلك قيل للأعاجم : حُمْر لغلبة البياض على ألوانهم. وأمَّا الأعصم من الظباء والوُعُول فهو الذي في ذراعيه بياض ، قاله الأصمعيّ وغيره. وأمَّا العُصْمة في الخيل فإن أبا عُبيدة قال : إذا كان البياض بيديه دون رجليه فهو أعصم ، فإذا كان بإحدى يديه دون الأخرى قيل : أعصم اليمنى أو اليُسرى. وقال ابن شُمَيْل : الأعصم : الذي يصيب البياضُ إحدى يديه فوق الرُسْغ. وقال الأصمعيّ : إذا ابيضَّت اليد فهو أعصم. وقال ابن المظفَّر : العُصْمة : بياض في الرُّسْغ. قال : والأعصم : الوَعِل ، وعُصْمته : بياض شِبْه زَمَعة الشاة في رجل الوَعِل في موضع الزَّمَعة من الشاء. قال : ويقال للغراب : إذا كان ذلك منه أبيض ، وقلَّما وجد في الغربان كذلك. قلت : وهو الذي قاله الليث في نعت الوَعِل أنه شِبْه الزَمَعة تكون في الشاء مُحال ، إنما عُصْمة الأوعال بياض في أذرعها لا في أوظفتها ، والزَمَعة إنما تكون في الأوظفة. والذي يغيّره الليث من تفسير الحروف أكثر مما يغيّره من صُوَرها ، فكن على حذَر من تفسيره ؛ كما تكون على حَذَر من تصحيفه. وقال الليث : أعصام الكلاب : عَذَباتها التي في أعناقها ، الواحدة عَصَمة ، ويقال : عِصَام ، قال لبيد :

خُضْعا دواجنَ قافلاً أعصامُها

وقال أبو عبيد : العِصَام : رِبَاط القِرْبة. قال : وقال الكسائي : أعصمْتُ القربة إذا شددتها بالوِكَاء. قلت : والمحفوظ من العرب في عُصُم المَزَاد أنها الحِبَال التي تُنْشَب في خُرَب الروايا وتُشدّ بها إذا عُكِمت على ظهر البعير ، ثم يُرَوَّى عليها بالرِّوَاء ، والواحد عِصَام. فأمَّا الوِكاء فهو الشَرِيط الدقيق أو السَيْر الوثيق يُوكَى به فمُ القِرْبة والمَزَادة. وهذا كلّه صحيح لا ارتياب فيه. وقال الليث : عِصام الدَلْو :

٣٥

كلّ حَبْل يعصَم به شيء فهو عِصامه. قال : والعُصُم : طرائق طَرَف المزادة عند الكُلْية ، والواحد عِصام. قلت : وهذا من أغاليط الليث وغُدَده. وقال الليث : العِصام : مُسْتدَقّ طرف الذَنَب والجميع الأَعْصِمة. ووجدت لابن شُمَيل قال : الذَنَب بهُلْبه وعَسِيبه يسمى العِصَام بالصاد. قلت : وقد قال الليث فيما تقدَّم من باب العين والضاد : العضام : عَسِيب البعير وهو ذَنَبه العَظْم لا الهُلْب. قال : والعدد القليل أعضمة والجميع العُضُم. قلت : وقال غيره : فيها لغتان بالضاد والصاد ، والله أعلم. وأما مِعْصما المرأة فهما موضعا السوَارين من ساعديها. ومنه قول الأعشى :

فأرتْك كفّاً في الخِضَا

ب ومِعْصَماً مِلْءَ الجِبارة

ويقال : هذا طعام يَعْصِم أي يمنع من الجوع. وروى أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني قال : العَصِيم : بقيَّة كل شيء وأثره ، من القِطران والخِضاب ونحوه. وأنشد الأصمعيّ :

يصفرّ لليُبْس اصفرار الوَرْسِ

من عَرَق النَضْح عَصِيمُ الدَرْس

قال : وسمعتُ امرأة من العرب تقول لأخرى : أعطيني عُصُم حِنّائك. تعني ما بقي منه بعد ما اختضَبَت به. وقال ابن المظفر : العَصيم : الصَدَأ من العَرَق والهِنَاء والدرَز والوسخ والبول إذا يبس على فخذ الناقة حتى يبقى كالطريق خُثُورة. وأنشد :

وأضحى عن مواسمهم قتيلاً

بلَبَّته سرائحُ كالعَصِيم

وقال أبو عُبيد : قال الأصمعي : العُصْم : أثر كل شيء من وَرْس أو زعفران ونحوه. وقال الليث : عِصَاما المِحْمَل : شِكاله وقَيْده الذي يُشَدّ في طَرَف العارضين في أعلاهما. قلت : عِصَاما المحمل كعِصَامي المزادتين. ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَيْصُوم من النساء : الكثيرة الأكل الطويلة النوم المُدَمدِمة إذا انتبهَت. وقال أبو عمرو : رجل عَيْصوم وعَيْصام إذا كان أكولاً. وأنشد ابن الأعرابي :

أُرجدَ رأسُ شَيْخَةٍ عيصوم

وروى بعضهم عن المؤرّج أنه قال : العِصَام : الكُحْل في بعض اللغات ، وقد اعتصمت الجاريةُ إذا اكتحلتْ. قلت : ولا أعرف روايته عن المؤرّج. فإن صحَّت الرواية عنه فهو ثِقَة مأمون. والعَصِيم : شعر أسود ينبت تحت الوَبَر. والمُعْصَم : الجِلْد الذي يجِفُّ بشعره ولم يُعطن لأنه أُعسم أي أُلزم شعره. يقال : أعصمْنا الإهابَ وإهاب عَصِيم وأُهُب عُصُم ، وذلك من أجود الأساقي. ودفَعته إليه بعُصْمته أي برُمَّته. والعَنْز تسمَّى مِعْصَماً لبياض في كُرَاع يدها.

قال أحمد بن يحيى : العرب تسمي الخُبْز عاصماً وجابراً وأنشد :

فلا تلوميني ولومي جابرا

فجابر كلَّفني الهواجرا

ويسمّونه عامراً. وأنشد :

٣٦

أبو مالك يعتادني في الظهائرِ

يجيء فيُلقِي رحله عند عامر

أبو مالك : الجوع ... وفي الحديث أن جبريل عليه‌السلام جاء على فرس أنثى يوم بَدْر وقد عَصَم بثنِيَّته الغُبارُ. قال القُتَيْبِي : صوابه : عَصَب أي يبِس الغبار عليها. وقال غيره : يقال : عَصَب الريق بفيه وعَصَم ، والباء والميم يتعاقبان في كثير من الحروف.

عمص : قال ابن المظفر : عَمَصْت العامص والآمص وهو الخاميز. وبعضهم يقول : عَاميص. قلت : العامص معرب. وقد روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : العَمِص : المولَع بأكل العامص وهو الهُلَام.

معص : أخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ قال : إذا أكثر الرجل من المشي مَعِص أي اشتكى رجليه من كثرة المَشْي ، وبه مَعَص. وقال النضر : المَعَص : أن يمتلىء العَصَب من باطن فينتفخَ مع وجع شديد. قال : والمَعَص والعَضَد والبَدَل واحد. وقال الليث : المَعَص شِبْه الخَلَج ، وهو داء في الرِجْل.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : المَعَص والمأَص : بِيض الإبل وكرائمها. قال : والمعِص : الذي يقتني المَعَص من الإبل وهي البِيض. وأنشد :

أنت وهبت هَجْمة جُرجُورا

سُوداً وبِيضاً مَعَصاً خُبُورا

قلت : وغير ابن الأعرابي يقول : هي المَغَص ـ بالغين ـ للبيض من الإبل. وهما لغتان. وروى ابن الفرج عن أبي سعيد : في بطن الرجل مَعَص ومَغَص وقد مَعِص ومغِص قال : وتمعَّص بطني وتمغَّص أي أوجعني.

صمع : أبو عُبيد عن الأصمعيّ : الفؤاد الأصمع والرأي الأصمع : العازم الذكيّ. قال : والبُهْمَى أوّلُ ما يبدو منها البارض ، فإذا تحرّك قليلاً فهو جَمِيم ، فإذا ارتفع وتمّ قبل أن يتفقّأ فهو الصَّمْعاء. وأنشد :

رعت بارض البُهْمَى جَمِيماً وبُسْرة

وصَمْعاء حتّى آنفتها نِصالُها

والصَّمَع في الكعوب : لطافتها واستواؤها. وقناة صمعاء الكعوب إذا لطُفت عُقَدها واكتنز جوفُها. وقوائم الثور الوحشيّ تكون صُمْع الكعوب ليس فيها نُتُوء ولا جَفاء. وقال امرؤ القيس :

وساقان كعباهما أصمعا

ن لحمُ حَمَاتَيهما مُنْبَتر

أراد بالأصمع : الضامر الذي ليس بمنتفخ والحَمَاة : عَضَلة الساق. والعرب تستحب انبتارها وتزَيّمها وضمورها. وقوله :

صُمْعُ الكعوب بريئاتٍ من الْحَرَد

عنى بها القوائم والمَفْصِل أنها ضامرة ليست بمنتفخة. ورجل أصمع القلب إذا كان حادّ الفِطْنة. ويقال لنبات البُهْمَى : صمعاء لضموره ، يقال ذلك قبل أن تتفقَّا. والريش الأصمع : اللطيف العَسيبِ ، ويُجمَع صُمْعاناً. ويقال : تصمَّع رِيش السَهْم إذا رُمي به رَمْية فتلطَّخ بالدم وانضمّ. ومنه قول أبي ذؤيب :

٣٧

فرمَى فأنفذ من نَحُوصٍ عائط

سهماً فخرّ وريشُه متصمّع

أي مجتمِع من الدم. ورَوَى أبو حمزة عن ابن عبّاس أنه سئل عن الصمعاء يجوز أن يضحّى بها ، فقال : لا بأس. قلت : والصمعاء : الشاة اللطيفة الأُذُنِ التي لَصِق أذناها بالرأس. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الصَّمع : الصغير الأُذُن المليحها وهو الْحَديد الفؤادِ أيضاً. والصَّوْمعة من البناء سُمّيت صومعة لتلطيف أعلاها. وصَمّع الثَرِيدة إذا رفع رأسها وحَدّده. وكذلك صَعْنبها. وتسمّى الثريدة إذا سوِّيت كذلك صَوْمعة. وأمَّا قول أبي النجم في صفة الظلِيم :

إذا لوى الأحدعَ من صَمْعائه

صاح به عشرون من رِعائه

قالوا : أراد بصمعائه : سالِفته وموضعَ الأُذُن منه. سمّيت صمعاء لأنه لا أُذُن للظليم. وإذا لزِقت الأُذُن بالرأس فصاحبها أصمع.

ويقال : عنْز صمعاء وتَيْس أصمع إذا كانا صغيري الأذُن. وفي حديث عليّ عليه‌السلام «كأني برجل أصمع أصعل حَمِش الساقين». قال أبو عُبيد : الأصمع : الصغير الأذن. رجل أصمع وامرأة صمعاء ، وكذلك غير الناس. وفي حديث ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يضحّى بالصمعاء يعني : الصغيرة الأذنين. قال : وقلب أصمع إذا كان ذكِيًّا فطِناً. ويقال : عَزمَة صمعاء : أي ماضية. وصمَّع فلان على رأيه إذا صمم عليه. وظَبْي مُصمَّع : مؤلَّل القرنين. ورُوي عن المؤرّج أنه قال : الأصمع : الذي يترقَّى أشرف موضع يكون. قال : والأصمع : السيف القاطع. قال : ويقال : صَمِع فلان في كلامه إذا أخطأ ، وصَمِع إذا ركب رأسه فمضى غير مكترِث له ، والأصمع : السادر. قلت : وكلّ ما جاء عن المؤرّج فهو ممَّا لا يعرَّج عليه إلّا أن تصحّ الرواية عنه. ابن السكيت : الأصمعان : القلب الذكيّ والرأي العازم. صَمَعه بالسيف والعصا صَمْعاً : ضربه. وصَمَعْت القوم : حبسْتهم بالكلام. وقول ابن الرقاع :

ولها مُنَاخ قلَّما بركت به

ومصمَّعات من بِنات مِعَائها

عنى بالمصمَّعات بَعَرات دقيقات ملتزِقات.

والصوامع : البرانس جمع البُرْنُس. وقال بِشْر :

تمشَّى به الثِيران تَتْرَى كأنها

دهاقينُ أنباطٍ عليها الصوامعُ

ويروى : تَرْدِي. والصمعاء : الداهية ؛ قال الباهلي :

وتعرف في عنوانها بعض لحنها

وفي جوفها صمعاء تُبْلى النواصيا

مصع : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : المَصِع : الغلام الذي يلعب بالمِخراق. والمصِع : الشيخ الزحَّار. قلت : ومن هذا قولهم : قَبَحه الله. وأُمًّا مَصَعتْ به ، وهو أن تُلْقِي المرأة ولدها بزَحْرة واحدة. وقال أبو العباس : قال ابن الأعرابي : يقال : أمصعت به بالألف وأزلخت وأخفدت به

٣٨

وحَطَأت به وزَكَبَتْ به.

أبو عبيد عن الفرّاء : يقال : مَصَع في الأرض وامتصع إذا ذهب فيها. ومنه يقال : مَصَع لَبَنُ الناقة إذا ذهب ، وأمصع القومُ إذا ذهبت ألبانُ إبلهم. وقال غيره : مَصَع الحوضُ إذا نشِف ماؤه ، ومصع ماءُ الحوض إذا نَشِفه الحوضُ. وقال الراجز :

أصبح حوضاك لمن يراهما

مُسَمَّلين ماصعاً قِراهما

أبو عبيد عن أبي عمرو : الماصع : البَرّاق ، ويقال : المتغيّر. وأنشد لابن مقبل :

فأفرغن من ماصع لونُه

على قُلُص ينتهِبن السِّجَالا

وقال شمر : ماصع يريد : ناصع ، صيَّر النون ميماً. قلت : وقد قال ابن مقبل في شعر له آخر فجعل الماصع كدراً ، فقال :

عَبَّتْ بمشفرها وفضل زمامها

في فضلة من ماصع متكدِّر

وقال أبو عبيدة : ومَصَعَت الناقةُ هُزَالاً. قال : وكلّ مُوَلٍ ماصع. وقال ابن الأعرابي : يقال : هو أحمر كالمُصْعَة وهي ثمرة العَوْسَج ، حكاه ابن السكيت عنه ، والجميع المُصع. وقال الليث : المُصَع : ثمر العوسج يكون أحمر حُلْواً يؤكل. ومنه ضرب أسود لا يؤكل ، وهو أردأ العوسج وأخبثُه شوكاً. قال : والمَصْع : التحريك ، والدابة تَمْصَع بذَنَبها ، وأنشد لرؤبة :

يمصَعْن بالأذناب من لُوح وبَقّ

قال : والمَصْع : الضرب بالسيف ، ورجل مَصِع. وأنشد :

رُبَ هَيْضَل مَصِعٍ لَفَفْتُ بهيضل

قال : والمماصعة : المجالدة بالسيوف. وأنشد للقطامي :

تراهم يغمزون من استركوا

ويجتنبون من صدق المِصَاعا

وفي «نوادر الأعراب» يقال : أنصعت له بالحقّ وأمصعت وعجَّرت وعنّقت إذا أقر به وأعطاه عَفْواً.

وفي الحديث : «البَرْق مَصْع مَلَك». قال أبو بكر : معناه في الدّقَّة والتحريك والضرب ، فكأن السوط وَقْع به للسحاب وتحريك له.

أبواب العين والسين

ع س ز

أهملت وجوهها ، والزاي والسين لا يأتلفان.

باب العين والسين مع الطاء

عسط ، عطس ، سطع ، سعط ، طسع : مستعملات.

عسط : أمَّا عسط فلم أجد فيه شيئاً غير عَسَطُوس ، وهي شجرة ليّنة الأغصان لا أُبَن لها ولا شوك يقال لها الخيزران ، وهو على بناء قَرَبُوس وقَرَقوس وحَلَكوك للشديد السواد. وقال الشاعر :

عصا عَسَطُوسٍ لينُها واعتدالُها

عطس : وأما عطس فيقال : عَطَس فلان

٣٩

يَعْطِس عَطْساً وعَطْسة ، والاسم العُطَاس ، وقال الليث : يقال : يعطُس بضمّ الطاء أيضاً ، وهي لغة. ومَعْطِس الرجل أنْفه لأن العُطَاس منه يخرج ، وهو بكسر الطاء لا غير ، وهذا يدلّ على أن اللغة الجيّدة يعطِس. وقال الليث : الصبح يسمّى عُطَاساً وقد عَطَس الصبحُ إذا انفلق. وأمَّا قوله

وقد أغتدي قبل العُطَاس بسابح

فإن الأصمعيّ زعم أنه أراد : قبل أن أسمع عُطَاس عاطس فأتطيّر منه ولا أمضي لحاجتي ، وكانت العرب أهل طِيَرة ، وكانوا يتطيّرون من العُطَاس فأبطل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم طِيَرتهم. قلت : وإن صحّ ما قاله الليث : أن الصبح يقال له : العُطَاس فإنه أراد : قبل انفجار الصبح ، ولم أسمع الذي قاله لثقة يُرجَع إلى قوله. وقال أبو زيد : تقول العرب للرجل إذا مات : عَطَستْ به اللُجَمُ. قال : واللُّجَمة : كلّ ما تطيَّرتَ منه. وأنشد غيره :

إنا أُناس لا تزال جَزورُنا

لها لُجَم من المنيّة عاطس

ويقال للموت : لُجَم عَطُوسٌ ، وقال رؤبة :

ولا يخاف اللُجَم العَطُوسا

ويقال : فلان عَطْسة فلان إذا أشبهه في خَلْقه وخُلُقه. ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : العاطوس : دابَّة يُتشاءم بها. وأنشد غيره لطَرَفة بن العبد :

لعمري لقد مرَّت عواطس جَمَّة

ومَرّ قُبيل الصبح ظبي مصمَّعُ

سطع : يقال للصبح إذا سطع ضوؤه في السماء : قد سَطَع يَسْطَع سُطُوعاً ، وكذلك البَرْق يَسْطَع في السماء وذلك إذا كان كذَنَب السرْحان مستطيلاً في السماء قبل أن ينتشر في الأُفُق. ومنه حديث ابن عبّاس حدّثناه ابن هاجَك عن علي بن حُجْر عن يزيد بن هارون عن هشام الدَّسْتَوائيّ عن يحيى بن أبي كَثِير قال : قال ابن عبّاس : «كلوا واشربوا ما دام الضوء ساطعاً حتى تعترض الحمرة في الأُفُق» ، ساطعاً أي مستطيلاً. وسطع السهم إذا رُمِي به فشخص في السماء يلمع. وقال الشمَّاخ :

أرِقت له في القوم والصبح ساطع

كما سَطَع المِرِّيخ شَمَّره الغالي

ويروى : سمّره ، ومعناهما : أرسله.

ويقال : سطعتني رائحةُ المسك إذا طارت إلى أنفك. ثعلب عن ابن الأعرابي : سطعت الرائحة إذا فاحت. والسَّطْع : أن تسطع شيئاً براحتك أو بإصبعك ضرباً. وقال ابن المظفر : يقال : سمعت لضربته سَطَعاً (مثقّلاً) يعني صوت الضربة. قال : وإنما ثُقِّلت لأنه حكاية وليس بنعت ولا مصدر. قال : والحكايات يخالَف بينها وبين النعوت أحياناً. قال : ويقال للظليم إذا رفع رأسه ومَدّ عُنُقه : قد سَطَع. وقال ذو الرمَّة يصف الظليم :

يظلّ مختضِعاً يبدو فتنكره

طوراً ويَسْطَع أحياناً فينتسِبُ

قال : وظليم أسطع إذا كان عنقُه طَويلاً والأنثى سطعاء ، فيقال : سطِع سَطَعاً في

٤٠