تهذيب اللغة - ج ٢

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

تركت العِبدّى يَنْقُرون عجانَهَا

وقال اللحياني : عَبَدت الله عِبَادَةً ومَعْبَداً والمُعَبَّدُ : الطريق الموطوء في قوله :

وَظيفاً وظيفاً فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ

وأنشد شمر :

وَبَلد نائي الصُوَى مُعَبَّد

قطعتُه بذاتِ لَوْثٍ جَلْعَدِ

قال : أنشدنيه أبو عدنان وذكر أن الكلابيّة أنشدته وقالت : المُعَبَّد : الذي ليس فيه أثَر ولا عَلم ولا ماء. وقال شمر : المُعَبَّدُ من الإبل : الذي قد عُمَّ جِلدُه كلّه بالقَطران من الجَرَب. ويقال : المُعَبَّدُ : الأجرب الذي قد تساقط وَبَره فأُفرد عن الإبل ليُهْنَأَ. ويقال : هو الذي عَبَّده الجَرَب أي ذَلّلَهُ. وقال ابن مقبل :

وضَمَّنتُ أرسانَ الجياد مُعَبَّداً

إذا ما ضربنا رأسه لا يُرَنَّحُ

قال : والمعَبَّد ههنا الوتِد ويقال أنوم من عَبّود. قال المفضل بن سلمة : كان عبود عبداً أسود حطاباً فَغَبَر في محتطبه أسبوعاً لم ينم ثم انصرف وبقي أسبوعاً نائماً فضرب به المثل وقيل : نام نوم عبّود وقال أبو عدنان : سمعت الكلابيّين يقولون : بعيرٌ مُتَعَبِّدٌ ومُتَأَبِّد إذا امتنع على الناس صعوبةً فصار كآبِدة الوَحْش. قال ويقال : عَبِدَ فلان : إذا ندِم على شيء يفوته ويلوم نفسه على تقصير كان منه. وقال النضر : العَبَدُ طول الغضب. وقال أبو عبيد قال الفرّاء : عَبِدَ عليه وأحِن عليه وأمِد وأبِد أي غضِب. وقال الغَنَوِيّ : العَبَدُ : الحزَنُ والوَجْد. وقيل في قول الفرزدق :

أولئك قوم إن هجوني هجوتهم

وأعْبَدُ أن أهجو كُلَيباً بدَارِمِ

أعْبَدُ : أي آنف. وقال ابن أحمر يصف الغَوّاص :

فأرسَل نفسه عَبَداً عليها

وكان بنفسه أرِباً ضَنِينَا

قيل : معنى قوله : عَبَداً أي أنَفَاً. يقول : أنِفَ أن تفوته الدُرَّة. وقال شمر : قيل للبعير إذا هُنِىءَ بالقَطِران : مُعَبَّدٌ لأنه يتذلَّل لشهوته للقطران وغيره ، فلا يمتنع. والتعبُّد : التذلّل. قال : والمعَبَّد : المذلَّل. يقال : هو الذي يُتركُ ولا يُركبُ. ثعلب عن ابن الأعرابي يقال : ذهب القوم عَبَادِيد وعَبَابِيد إذا ذهبوا متفرّقين ، ولا يقال : أقبلوا عَبَادِيد. قال : والعَبَادِيد : الآكام. وقال الزّجاج في قول الله جلّ وعزّ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذّاريَات : ٥٦] الآية ، المعنى : ما خلقتهم إلّا لأدعوهم إلى عبادتي وأنا مُرِيد العِبَادَة منهم ، وقد علم الله قبل أن يخلقهم من يَعْبُدُه ممّن يكفر به ، ولو كان خلقهم ليُجبرهم على عبادته لكانوا كلهم عُبَّاداً مؤمنين. قلت : وهذا قول أهل السنّة والجماعة. وقال ابن الأعرابي : المعَابد : المسَاحِي والمُرُور ، واحدها مِعْبَدٌ. قال عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ :

إذ يَحْرُثْنَه بالمَعَابِدِ

وقال أبو نصر : المعَابد : العَبيد. أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : العَبْدُ : نبات طيّب الرائحة. وأنشد :

١٤١

حَرَّقها العَبد بعنظوانِ

فاليومُ منها يومُ أَرْوَنانِ

قال : والعَبْد تَكْلَف به الإبلُ ؛ لأنه مَلْبَنَة مَسْمَنة ، وهو حادٌّ المِزَاج ، إذا رعته الإبل عطشت فطلبت الماء ، وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء : يقال صُكّ به في أم عُبَيد ، وهي الفَلَاة وهي الرّقّاصَة. قال : وقلت للقَنَاني : ما عُبَيد؟ فقال : ابن الفلاة. وأنشد قول النابغة :

مُنَدَّى عُبَيدان المحلِّىء باقِرَهْ

قال : يعني به الفَلَاة. وقال أبو عمرو : عُبَيْدان : اسم وادي الحَيّة ، وذكر قصَّتها واستشهد عليها بشعر النابغة. والعِبَاد : قوم من أفناء العرب ، نزلوا بالحِيرة وكانوا نصارى ، منهم عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ. وقد سَمَّت العرب عَبَّاداً وعُبَادة وعُبَاداً وعَبِيداً وعَبيدة وعَبَدَة ومَعْبَداً وعُبَيْداً وعابداً وعَبْدان وعُبَيْدان تصغير عَبدان.

عدب : أهمله الليث وهو معروف. روى أبو عبيد عن أبي عبيدة والأصمعي أنهما قالا : العَداب : مُسْتَرق الرمل حيث يذهب مُعْظمها ويبقى شيء منها. وأنشد :

وأقفر المُودِس من عَدَابها

يعني الأرض التي قد أنبتت أول نبت ثم أيسرت.

وقال ابن أحمر :

كثَور العَداب الفَرد يضربه الندَى

تعَلّى الندى في مَتْنه وتحدّرا

ثعلب عن ابن الأعرابي : العَدُوبُ : الرمل الكثير. والعَدابُ : ما استَرَقّ من الرمل. شمر عن ابن الأعرابي قال : العُدَبيّ من الرجال : الكريم الأخلاقِ. وقال كَثير :

سَرَت ما سَرَت من ليلها ثم عَرَّسَتْ

إلى عُدَبيٍ ذي غَناء وذي فَضْلِ

وقال الرياشي في العُدبيّ مثله. وهو حرف صحيح غريب.

بدع : قال الله جلّ وعزّ : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] الآية. أخبرني المنذري عن الحَرّاني عن ابن السكيت قال : البِدْعة : كلّ مُحْدَثة. ويقال : سِقَاء بَدِيع أي جديد. وكذلك زِمام بديع. وأفادني المنذريّ لأبي عُمَر الدُوريّ عن الكسائي أنه قال : البِدْع في الشرّ والخير. وقد بَدُعَ بَدَاعَةً وبُدُوعاً. ورجلٌ بِدْع وامرأة بِدْعَةٌ إذا كان غاية في كل شيء ، كان عالماً أو شريفاً أو شجاعاً. وقد بُدِعَ الأمر بَدْعاً وبَدَعُوهُ وابتَدَعُوه. ورجل بِدْع ورجالٌ أَبْدَاع ونساءٌ بدعٌ وأبْداع شمر عن ابن الأعرابي : البِدْع من الرجال الغُمْر قال أبو عدنان : المبتدع الذي يأتي أمراً على شِبْه لم يكن ابتدأه إيّاه قلت : ومعنى قول الله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) أي ما كنتُ أول مَنْ أرسِل ، قد أرسِل قبلي رُسُلٌ كثير.

وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن تِهامة كبَديع العسَل : حلُوٌ أوّله ، حُلوٌ آخِره». البَديع : السِقَاء الجديد والزِقّ الجديد. وشبّه تهامة بزِقّ العَسَل لأنه لا يتغيّر هواؤها ، فأوله وآخره طيب ، وكذلك العَسَل لا يتغير. وأمّا اللبن فإنه يتغيّر. وتهامة في فصول السنة كلِّها طيِّبة عَذاةٌ ،

١٤٢

ولياليها أطيب الليالي ، لا تؤذِي بحَرٍّ مُفرِط ولا قُرٍّ مؤذٍ. ومنه قول امرأة من العرب وصفتْ زوجها فقال : زوجي كليلِ تهامة ، لا حَرّ ولا قُرّ ولا مخافة ولا سآمة. وقول الله جلّ وعزّ : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البَقَرة : ١١٧] أي خالقهما. وبَديعٌ من أسماء الله وهو البَديع الأوَّل قبل كل شيء. ويجوز أن يكون من بَدَعَ الخَلْقَ أي بدأه. ويجوز أن يكون بمعنى مُبْدع.

وقال الزجاج : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) منشئهما على غير حِذَاء ولا مثال. وكلّ مَن أنشأ ما لم يسبَق إليه قيل له : أَبْدَعْتَ. ولهذا قيل لمن خالف السّنة : مُبْتَدِع. لأنه أحدث في الإسلام ما لم يسبقه إليه السَّلَف.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسنادٍ صحيح أنه قال : «إيَّاكم ومُحْدَثَات الأمور ، فإن كل مُحْدَثة بِدْعة ، وكل بدعة ضلالة».

قلت : وقول الله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بمعنى مُبْدعهما ؛ إلا أن (بديع) مِن بَدَع لا مِن أَبْدَعَ. وَأَبْدَعَ أكثر في الكلام من بَدَعَ ولو استُعمل بَدَعَ لم يكن خطأ ، فبَدِيع فَعِيل بمعنى فَاعِل مثل قدير بمعنى قادر. وهو صفة من صفات الله ؛ لأنه بدأ الخلق على ما أراد على غير مثالٍ تَقَدّمه.

والبَديع من الحِبال : الذي ابتدىء فَتْله ، ولم يكن حبْلاً فنكِث ثم غُزِلَ وأعيد فتله.

ومنه قول الشماخ :

وأُدْمج دَمْج ذي شَطَنٍ بَدِيعِ

وأنشد الأعرابيّ في السّقاء :

نَضْحَ البَدِيعِ الصَفَق المُصَفَّرا

يعني المزاد الجديد الذي يسرّب أول ما يسقَى فيه فيخرج ماؤه أصفر ، وهو الصَّفَق.

قلت : والبَديع بمعنى السِّقاء أو الحبْل فعِيل بمعنى مفعول.

ورَوَى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلاً أتاه فقال : يا رسول الله إنّي قد أُبْدِعَ بي فاحملني.

قال أبو عبيد : قال أبو عبيدة يقال للرجل إذا كَلَّتْ رِكَابه أو عَطِبتْ وبقي منقطعاً به : قد أُبدِع به.

قال : وقال الكسائي مثله ، وزاد فيه : أبدَعَتِ الركابُ إذا كَلَّتْ وعَطِبَتْ.

وقال بعض الأعراب : لا يكون الإبداع إلّا بظَلْعٍ ، يقال أبدَعَتْ به راحلته إذا ظَلَعتْ.

قال أبو عبيد : وليس هذا باختلاف ، وبعضه شبيه ببعضٍ.

وقال اللحياني : يقال أَبْدَعَ فلان بفلان إذا قَطَعَ به وخَذَله ولم يقم بحاجته ولم يكن عند ظنّه به.

وقال أبو سعيد : أُبْدِعَتْ حُجَّة فلان أي أُبْطِلَتْ ، وَأَبْدَعَتْ حجّته أي بَطَلَتْ.

وقال غيره : أَبْدَعَ بِرُّ فلان بشكري وأبدَع فضله وإيجابه بوصفي إذا شكره على إحسانه إليه ، واعترف بأن شكره لا يفي بإحسانه.

وقال الأصمعي : بَدِعَ يَبْدَعُ فهو بَدِيعٌ إذا سَمِنَ.

١٤٣

وأنشد لبَشِير بن النِكْث أحد الرُجَّاز :

فبَدِعَتْ أَرْنَبُهُ وخِرْنُقُهْ

أي سمِنتْ وَقال الليث : قرىء : (بديعَ السماوات والأرض) [البقرة : ١١٧] بالنصب على وجه التعجب لِمَا قال المشركون ، على معنى بدْعاً ما قلتم وبديعاً اخترقتم ، فنصبه على التعجّب والله أعلم أهو كذلك أم لا. فأمّا قراءة العامة فالرفع ، ويقولون : هو اسم من أسماء الله.

قلت ما علمت أحداً من القرّاء قرأ : (بديعَ) بالنصب ، والتعجُّبُ فيه غير جائز. وإن جاء مثله في الكلام فنصبه على المدح كأنه قال اذكر بديع السماوات شمر عن ابن الأعرابي : البِدْع من الرجال الغُمْرُ.

بعد : قال الليث : بَعْدُ كلمة دالّة على الشيء الأخير. تقول : بعدَ هذا ، منصوبٌ. فإذا قلت : أمَّا بعدُ فإنك لا تضيفه إلى شيء ، ولكنك تجعله غاية نقيضاً لقَبْل.

قال الله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الرُّوم : ٤] فرفعهما لأنهما غايةٌ مقصودٌ إليها ، فإذا لم يكونا غاية فهما نَصْبٌ لأنهما صفة.

وقال أبو حاتم : قالوا : قَبل وَبَعد من الأضداد.

وقال في قول الله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ) [النَّازعات : ٣٠] أي قبل ذلك. قلت والذي حكاه أبو حاتم عمَّن قاله خطأ ، قبل وبعدُ كلّ واحد منهما نقيض صاحبه ، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر ، وهو كلام فاسد.

وأمَّا قول الله جلّ وعزّ : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النَّازعات : ٣٠] فإن السائل يَسأل عنه فيقول : كيف قال : (بَعْدَ ذلِكَ) والأرض أُنشىء خَلْقها قبل السماء ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فُصّلَت : ٩] فلمَّا فرغ من ذكر الأرض وما خَلَق فيها قال الله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [فصلت : ١١] وثُمَّ لا يكون إلا بَعد الأول الذي ذُكِر قبله. ولم يختلف المفسّرون أن خَلْق الأرض سَبَق خَلق السماء.

والجواب فيما سأل عنه السائل أن الدَحْوَ غيرُ الخلق ، وإنَّما هو البَسْط ، والخَلق هو الإنشاء الأوَّل. فالله جلّ وعزّ خلق الأرض أوَلاً غير مَدْحُوَّة. ثم خلق السماء ، ثم دَحا الأرض أي بَسَطها.

والآيات فيها مؤتلِفة ولا تناقض بحمد الله فيها عند من يفهمها. وإنما أُتِيَ الملحِد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته وغِلظ فهمه ، وقلَّة علمه بكلام العرب.

وقال الفرّاء في قوله جلّ وعزّ : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الرُّوم : ٤] القراءة بالرفع بلا نونٍ لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة ، فلما أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه وسُميتَا بالرفع ، وهما في موضع جرّ ليكون الرفع دليلاً على ما سقط. وكذلك ما أشبههما ؛

١٤٤

كقوله :

إن تأت من تحت أجئها من علو

وقال الآخر :

إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن

لقاؤك إلّا مِن وراءُ وراءُ

فرفع إذ جعله غاية ولم يذكر بَعدَه الذي أضيف إليه.

قال الفرّاء : وإن نويت أن تُظهر ما أضيف إليه وأظهرته فقلت : لله الأمر من قبلِ ومن بَعدِ جاز ، كأنك أظهرت المخفوض الذي أضفت إليه قَبْلَ وبَعد.

وقال الليث : البُعد على معنيين : أحدهما ضِدّ القُرب. تقول منه : بَعُدَ يَبْعُد بُعْداً فهو بَعيد. وتقول : هذه القرية بَعِيدٌ ، وهذه القرية قريبٌ ولا يراد به النعتُ ، ولكن يراد بهما الاسم. والدليل على أنهما اسمان قولك : قريبُه قريبٌ وبَعيده بَعيدٌ. قال والبُعْدُ أيضاً من اللعْن كقولك : أَبْعَدَه الله أي لا يُرثَى له فيما نَزَل به. وكذلك بُعْداً له وسُحْقاً. ونَصَب بُعْداً على المصدر ولم يجعله اسماً ، وتميم ترفع فتقول : بُعْدٌ له وسُحْقٌ ؛ كقولك : غلامٌ له وفرسٌ.

وقال الفرّاء : العرب إذا قالت : دارك منّا بَعِيدٌ أو قريبٌ ، أو قالوا : فلانة منا قريبٌ أو بَعِيدٌ ذكَّروا القريب والبَعيد ؛ لأن المعنى هي في مكان قريب أو بَعيد ، فجُعل القريب والبَعِيد خَلَفاً من المكان.

قال الله جلّ وعزّ : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هُود : ٨٣] وقال (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) [الأحزَاب : ٦٣] وقال (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] قال : ولو أُنِّثَتا وبُنِيتَا على بَعُدَت منك فهي بعيدة ، وقرُبَت فهي قريبة كان صواباً. قال : ومن قال قريبٌ وبعيدٌ وذكّرهما لم يُثَنِّ قريباً وبعيداً ، فقال : هما منك قريبٌ وهما منك بعيدٌ. قال : ومَن أنثهما فقال : هي منك قريبة وبعيدة ثنَّى وجمع فقال : قريبات وبعيدات. وأنشد :

عَشِيَّةَ لا عفراء منك قريبة

فتدنو ولا عفراء منك بعيد

قال : وإذا أردت بالقريب والبعيد قَرَابة النسب أنّثت لا غير ، لم يختلف العرب فيها.

وقال الزجّاج في قول الله جلّ وعزّ : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) : إنما قيل : قريبٌ لأن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحدٍ. وكذلك كلّ تأنيث ليس بحقيقيّ.

قال : وقال الأخفش : جائز أن تكون الرحمة ههنا بمعنى المَطَر.

قال : وقال بعضهم ـ يعني الفرّاء ـ : هذا ذُكِّر ليفصل بين القريب من القُرْب والقريب من القرابة. وهذا غلط ، كل ما قَرُبَ في مكان أو نسَبٍ فهو جارٍ على ما يصيبه من التأنيث والتذكير.

وقوله جلّ وعزّ : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هُود : ٩٥] قرأ الكسائيّ والناس : (كَما بَعِدَتْ) قال وكان أبو عبد الرحمن السُلَمِيّ يقرؤها : (بَعُدَتْ) ، يجعل الهلاك والبُعد سواء ، وهما قريبٌ من السواء ؛ إلّا

١٤٥

أن العرب بعضهم يقول : بَعُدَ ، وبعضهم : بَعِدَ مثل سَحِقَ وسَحُق. ومن الناس من يقول بَعُدَ في المكان وبَعِدَ في الهلاك. وقال يونس : العرب تقول : بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إذا تَبَاعَدَ في غير سَبّ. ويقال في السبّ : بَعِدَ وسَحِق لا غير.

وقال ابن عباس في قوله : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فُصّلَت : ٤٤] بعيد قال : سألوا الردّ حين لا رَدّ. وقال مجاهد : أراد : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من قلوبهم. وقال بعضهم : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من الآخرة إلى الدنيا. وقوله جلّ وعزّ : (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [سبأ : ٥٣] قال : قولهم : (ساحِرٌ) ، (... كاهِنٍ ...) ، (شاعِرٌ). وقال الزجّاج في قوله جلّ وعزّ في سورة السجدة : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي بعيد من قلوبهم يَبعد عندهم ما يتلى عليهم. وقال الليث : يقال : هو أبْعَدُ وأَبْعَدُون وأقرب وأقربون وأباعد وأقارب. وأنشد :

من الناس من يغشى الأباعِدَ نفعُه

ويشقى به حتى الممات أقارِبُهْ

فإنْ يَكُ خيراً فالبعيد يناله

وإِنْ يَكُ شَرّاً فابن عمّك صَاحِبُهْ

وقال حُذّاق النحويين : ما كان من أفعَل وفُعلَى فإنه تدخل فيه الألف واللام كقولك : هو الأَبْعَدُ والبُعْدَى والأقرب والقُرْبَى وقال ابن شميل : قال رجل لابنه إنْ غَدوتَ على المِرْبَد ربِحْتَ عَناءً ورجعْتَ بغير أَبْعدَ أي بغير منفعة.

وقال أبو زيد : يقال : ما عندك أَبْعَد.

وإنك لَغَير أَبْعَدَ أي ما عنده طائل إذا ذمّه.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي إنه لذو بُعْدَة أي ذو رأيٍ وحَزْمٍ ، وإنك لغير أبعَد أي لا خير فيك ليس لك بُعْدُ مَذهبٍ وقال صخر الغيّ :

الموْعِد ينافي أن تُقَتِّلهم

أفناء فَهْم وبيننا بُعَدُ

أي أفناء فهم ضروب منهم بُعَد جمع بُعْدة. وقال الأصمعي : أتانا فلان من بُعْدَة أي من أرض بعيدة. وأنشد ابن الأعرابي :

يكفيك عند الشّدة البئيسَا

ويعتلي ذا البُعْدة النُحُوسا

ذا البُعدَة : الذي يُبعِد في المعاداة. وقال ابن الأعرابي : رجل ذو بُعْدة إذا كان نافذ الرأي ذا غَوْرٍ وذا بُعْدِ رأي. وقال النضر في قولهم : هلك الأبعد قال : يعني صاحبَه. وهكذا يقال إذا كُنِيَ عن اسمه ويقال للمرأة هلكت البُعْدَى. قلت : هذا مِثل قولهم : فلا مرحباً بالآخَر إذا كنَى عن صاحبه وهو يذمّه. أبو عبيد عن أبي زيد : لقِيته بُعَيْدات بَيْن إذا لقيته بعد حين ثم أمسكت عنه ثم أتيته. وأنشد شمر :

وَأَشعَث مُنَقَّد القميص دعوته

بُعَيْداتِ بَيْنٍ لا هِدانٍ ولا نِكْسِ

وقال غيره : إنها لتضحك بُعَيْدات بينٍ أي بين المرّة ثم المرّة في الحِين. وقال الأصمعي : هم مني غيرُ بَعَدٍ أي ليسوا ببعيد. وانطلِقْ يا فلان غير بَاعِدٍ أي لا ذهبتَ

١٤٦

أبو عبيد عن الكسائي : تنحّ غير باعِدٍ أي غير صاغرٍ ، وتنحّ غير بعيد أي كن قريباً.

وقول الذبياني :

فضلاً على الناس في الأدنى وفي البَعَدِ

قال أبو نصر : في القريب والبعيد. قال : والعرب تقول : هو غير بَعَد أي غير بعيد. ورواه ابن الأعرابي : في الأدنى وفي البُعد قال : بَعيدٌ وبُعُدٌ. وقال الليث : البِعاد يكون من المباعدة. ويكون من اللعْن ؛ كقولك : أَبْعَدَه الله.

وقول الله جلّ وعزّ مخبراً عن قوم سبأ : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سَبَإ : ١٩]. قال الفراء : قراءة العوامّ : (باعِدْ). ويقرأ على الخبر : (ربُّنا باعَدَ) و (بَعَّدَ). و (بَعِّدْ) جَزْمٌ. وقرىء (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) و (بَيْنَ أَسْفارِنا) قال الزجّاج : من قرأ (باعِدْ) و (بَعِّدْ) فمعناهما واحد. وهو على جهة المسألة. ويكون المعنى : أنهم سئموا الراحة وبطِروا النعمة ، كما قال قوم موسى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) [البقرة : ٦١] الآية. ومن قرأ ؛ (بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) بالرفع فالمعنى بَعُدَ ما يتصل بسفرنا. ومن قرأ : (بَعُدَ بَيْنَ أسفارنا) فالمعنى بَعُدَ ما بين أسفارنا وبَعُدَ سَيْرنا بين أسفارنا قلت : قرأ أبو عمرو وابن كثير : (بَعِّد) بغير ألفٍ. وروى هشام بن عمّار بإسناده عن عبد الله بن عامر : (بَعِّدْ) مثل أبي عمرو.

وقرأ يعقوب الحضرميّ : (رَبُّنَا باعَدَ) بالنصب على الخبر. وقرأ نافع وعاصم والكسائي وحمزة : (باعِدْ) بالألف على الدُعَاء.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يُبعِد في المَذْهب معناه : إمعانه في ذهابه إلى الخلاء ، وأبعَدَ فلان في الأرض إذا أمْعن فيها. وقال أبو زيد : يقال للرجل : إذا لم تكن من قُربان الأمير فكن من بُعْدانِه ، يقول : إذا لم تكن ممن يقترب منه فتَبَاعَدْ عنه لا يُصِبْك شَرُّه. وقال ابن شميل : رَاوَدَ رجل من العرب أعرابيّة عن نفسها فأبت إلّا أن يجعل لها شيئاً ، فجعل لها درهمين ، فلمَّا خالطها جعلت تقول : غمزاً ودرهماك لك ، فإن لم تغمز فبُعْدٌ لك ، رَفَعت البُعْدَ ، يضرب مثلاً للرجل تراه يعمل العمل الشديد.

دعب : رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لجابر بن عبد الله وقد تزوج : «أبِكراً تزوجتَ أم ثيباً؟» فقال : بل ثيباً. فقال : «فَهَلَّا بكراً تداعِبها وتداعبك». قال أبو عبيد : الدعَابة : المُزاح. قال وقال : اليزيديّ : رجل دَعَّابة. وبعضهم يقول رَجُلٌ دَعِبٌ. وحكى شمر عن ابن شميل : يقال : تدعّبت عليه أي تدلّلت ، وإنه لدَعِبٌ وهو الذي يتمايل على الناس ويَرْكبهم بثَنِيَّته أي بناحيته. وإنه ليَتَدَاعَب على الناس أي يركبهم بمُزَاحٍ وخُيَلاء ويغمّهم ولا يَسُبُّهم. وإنما الدَّعِب : اللعَّابة.

وقال الليث : يقال هو يَدْعَبُ دَعْباً إذا قال قولاً يُستملَح ؛ كما يقال : مزح يمزح. وقال الطرمَّاح :

واستطربَت ظُعْنُهُمْ لمّا احزألّ بهم

مع الضحى ناشِطٌ من داعِبَاتِ دِدِ

١٤٧

يعني اللواتي يمزَحن ويلعبن ويُدَأَدِدْن بأصابعهنّ. والدَدُ هو الضرب بالأصابع في اللعب. قال : ومنهم مَن يروي هذا البيت : مِنْ دَاعِبٍ دَدِدِ ، يجعله نعتاً للداعب ويَكْسَعه بدالٍ أخرى ليتمّ النعت ؛ لأن النعت لا يتمكّن حتى يصير ثلاثة أحرف ، فإذا اشتقّوا منه فعلاً أدخلوا بين الدالين الأُوليين همزة لئلا تتوالى الدالات فيثقل ، فيقولون : دَأْدَدَ يُدَأْدِدُ دَأْدَدَةً. قال : وعلى قياسه قول الراجز ـ وهو رؤبة ـ :

يُعِدُّ ذَأْداً وهَديراً زَعْدَبَا

بَعْبَعَةً مَرّاً وَمَرّاً بأْبَبَا

وإنما حكى جَرْساً شِبْه بَبَبْ ، فلم يستقم في التصريف إلّا كذلك.

وقال آخر يصف فحلاً :

يسوقها أَعْيَسُ هَدَّار بَبِبْ

إذا دعاها أقبلتْ لا تَتَّئِبْ

قال الليث : فأمَّا المداعبة فعلى الاشتراك كالممازحة ، اشترك فيها اثنان أو أكثر. قال والدُّعْبُوبُ : النشيط.

وأنشد قول الراجز :

يا رُبَّ مُهْر حَسَنٍ دُعْبُوبِ

رَحْب اللبَانِ حَسَنِ التقريب

قال : والدّعبُوب : الطريق المذلَّل الذي يسلكه الناس. قال : والدُعْبُوبة : حَبّة سوداء تؤكل ، وهي مثل الدُّعَاعة. وقال بعضهم : بل هي أصلُ بقلةٍ يقشَرُ فيؤكل. وقال أبو عبيدة والفراء وابن شميل : الدُّعْبُوب : الطريق المسلوك الموطوء. قال الفراء : وكذلك الذليل الذي يطؤه كلّ واحد. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الدُّعبُوبُ : والدُعْبُوث والدُعثوت من الرجال المأبون المخنَّث. وأنشد :

يا فتى ما قتلتُمُ غير دُعْبُو

ب ولا مِن قُوَارة الهِنَّبْرِ

قال : وليلة دعبوبٌ : ليلةُ سَوْءٍ شديدة وأنشد :

وليلة من مُحاق الشهر دعبوبِ

وقال أبو صخر :

ولكنْ تقرّ العين والنفس أن ترى

بعقدته فَضْلات زُرْق دَوَاعِبِ

قالوا : دَوَاعِب : جَوَارٍ ، ماءٌ دَاعِبٌ يَسْتَنَّ سَيلُه. قلت : لا أدري دواعب أو ذواعب ويُنْظَر في شِعر أبي صخر. عمرو عن أبيه : الدُّعَابُ والطَّثْرَج والحَرام والحَذَال من أسماء النمل. أبو العباس عن ابن الأعرابي الدُّعْبُبُ المَزّاح وهو المغنّي المجيد والدُّغْبُبْ الغلام الشَّابُّ البَضّ.

دبع : دبع مهمل والله أعلم.

باب العين والدال مع الميم

[ع د م]

عدم ، عمد ، دمع ، معد ، [دعم ـ مدع] : مستعملات.

عدم : قال الليث : العَدَم : فِقدان الشيء وذهابه. يقال : عَدِمته أعدَمه عدماً.

والعُدْم لغة فيه. قال : ورأيناهم إذا ثَقَّلوا قالوا : العَدَم وإذا خففوا قالوا : العُدْم ، ورجلٌ عَدِيم : لا مال له. وأعْدَمَ الرجل : صار ذا عَدَم قال : ويقول الرجل لحبيبه :

١٤٨

عَدِمْتُ فقدك ولا عدمت فضلك ولا أعدَمَني الله فضلك أي لا أذهَبَ عنّي فضلك. وقال لَبِيد ـ أنشده ـ شمر :

ولقد أغْدُو وما يُعْدِمني

صاحب غير طويل المُحْتَبَلْ

قال أبو عمرو : أي ما يَفْقِدْني فرسي. وقال ابن الأعرابي : وما يُعْدِمُني أي لا أعْدَمُهُ وقال أبو عمرو : يقال إنه لعديم المعروف وإنها لعديمة المعروف وأنشد :

إنّي وجدت سُبَيْعَة ابنة خالِدٍ

عند الجَزُور عديمةَ المعروف

وقال : عَدِمتُ فلاناً وأَعْدَمَنِيه الله. ورجل عَدِيم لا مال له. وأعدم الرجُل فهو معدِم وعَدِيم. وقال ابن الأعرابي : رجُل عَدِيم : لا عقل له ، ورجُل مُعْدِم : لا مال له ، وقال غيره : فلان يَكْسب المعدومَ إذا كان مجدوداً ينال ما يُحْرَمه غيرُه. ويقال : هو آكلكم للمأدوم ، وأكسبكم للمعدوم ، وأعطاكم للمحروم. وقال الشاعر يصف ذئباً :

كَسُوبٌ له المعدومَ مِنْ كسَب واحدٍ

مُحَالِفُهُ الإقتار ما يتموّل

أي يكسب المعدوم وحده ولا يتموّل. ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال عَدِمَ يَعْدَمُ عَدَماً وعُدْماً فهو عَدِمٌ ، وأعدم إذا افتقر ، وعَدُمَ يَعْدُم عَدَامَةً إذا حَمُقَ فهو عَدِيم أحمق وأنشد أبو الهيثم قول زهير :

وليس مانع ذي قربى ولا رحم

يوماً ولا مُعْدِماً من خابط ورقا

قال : معناه أنه لا يفتقر من سائل يسأله ماله فيكون كخابط ورقاً. قال الأزهري : ويجوز أن يكون معناه ولا مانعاً من خابط ورقاً أعدمْته أي منعته طَلَبَته.

عمد : قال الله جلّ وعزّ : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) [الفَجر : ٧] سمعت المنذريّ يقول : سمعت المبرّد يقول : رجل طويل العِمَاد إذا كان مُعَمَّداً أي طويلاً. قال : وقوله (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) أي ذات الطُول ونحوَ ذلك قال الزجّاج. قال : وقيل : (ذاتِ الْعِمادِ) : ذات البِنَاء الرفيع. وقال الفرّاء : (ذاتِ الْعِمادِ) أي أنهم كانوا أهل عَمَد ينتقِلون إلى الكَلأ حيث كان ؛ ثم يرجعون إلى منازلهم. وقال الليث : يقال لأصحاب الأْخْبِيَة الذين لا ينزلون غيرها : هم أهل عَمُود وأهل عماد. والجميع منهما العُمُدُ. قال : وقال بعضهم : كلّ خِبَاء كان طويلاً في الأرض يُضرب على أعمدة كثيرة فيقال لأهله : عليكم بأهل ذلك العَمُود ، ولا يقال : أهل العَمَد. وأنشد :

وما أهل العَمُودِ لنا بأهلٍ

ولا النَعَمُ المُسام لنا بمال

وقال في قول النابغة :

يبنون تَدْمُرَ بالصُفّاح والعَمَد

قال : العَمَد : أساطين الرُخَام. وأمَّا قول الله جلّ وعزّ : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) [الهمزة : ٨ ، ٩] قرئت (في عُمُد) وهو جمع عِمَاد وعَمَدٌ وعُمُدٌ ، كما قالوا : إهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ. ومعناه : أَنها في عُمُدٍ من النار. قال ذلك أبو إسحاق الزجّاج. وقال الفراء : العُمُد والعَمَد جميعاً جمعان للعمود مثل أديم وأَدَمٍ

١٤٩

وأُدُم ، وقَضِيم وقَضَم وقُضُم. وقال الله جلّ وعزّ : (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [لقمَان : ١٠] قال الفراء : فيه قولان : أحدهما أنه خلقها مرفوعة بلا عَمَد ، ولا تحتاجون مع الرؤية إلى خَبَر. والقول الثاني أنه خلقها بعمَد ، لا ترون تلك العمد. وقيل : العمَد التي لا ترى لها قدرته. وقال الليث : معناه : أنكم لا ترون العمد ، ولها عَمَد. واحتجّ بأن عَمدها جبل قاف المحيط بالدنيا ، والسماء مثل القبّة أطرافها عَلَى قاف. وهو من زَبَرْجَدة خضراء. ويقال إنّ خضرة السماء من ذلك الجبل ، فيصير يوم القيامة ناراً تَحْشر الناس إلى المحْشَر.

وفي حديث عمر بن الخطاب في الجالب : يأتي أحدهم به عَلَى عَمُود بطنه. قال أبو عبيد : قال أبو عمرو : عَمُود بطنه هو ظَهْره. يقال : إنه الذي يُمْسِك البطن ويقوّيه ، فصار كالعمود له الجالب الذي يجلب المتاع إلى البلاد. يقول : يُترك وبيعَه ولا يتعرض له حتى يبيع سِلْعته كما شاء ، فإنه قد احتمل المشقّة والتعب في اجتلابه وقاسى السفر والنصب.

قال أبو عبيد : والذي عندي في عمود بطنه أنه أراد : أنه يأتي به على مشقّة وتَعب وإن لم يكن ذلك على ظهره إنما هو مَثل له. وقال الليث : عمود البطن شِبه عِرْق ممدود من لدن الرَهابة إلى دُوَين السُرّة في وسطه يشق من بطن الشاة.

قال : وعمود الكبد : عِرْق يسقيها. ويقال للوتين : عمود السَحْر. قال : وعمود السنان : ما توسَّط شَفْرتيه من عَيْره الناتىء في وسطه.

وقال النضر : عمود السيف : الشَطِيبة التي في وسط مَتْنه إلى أسفله. وربما كان للسيف ثلاثة أعمدة في ظهره ، وهي الشُطَبُ والشطائب. وعمود الأُذُنُ : مُعظمها وقِوامها. وعمود الإعصار : ما يَسْطع منه في السماء أو يستطيل على وجه الأرض.

وفي حديث ابن مسعود أنه أتى أبا جهل يوم بدر وهو صَرِيع ، فوضع رجله عَلَى مُذَمَّرِه ليجهِز عليه ، فقال له أبو جهل : أعْمَدُ من سيّد قتله قومه! قال أبو عبيد : معناه : هل زاد عَلَى سيّد قتله قومه! هل كان إلا هذا؟ أي أن هذا ليس بعاد. قال : وكان أبو عبيدة يحكي عن العرب : أعمد من كيلِ مُحِقّ أي هل زاد عَلَى هذا! وقال ابن مَيَّادة :

تُقَدَّم قيسٌ كلَّ يوم كريهة

ويُثنى عليها في الرخاء ذنوبها

وأعمدُ من قومٍ كفاهم أخوهم

صِدَام الأعادي حين فُلَّت نيوبها

يقول : هل زدنا عَلَى أن كَفَينا إخوتنا. وقال شمر في قوله (أعمَدُ من سَيّد قتله قومه) : هذا استفهام ، أي أعجب من رجل قتله قومه. قلت : كان في الأصل أأعمد من سَيّد فخففت إحدى الهمزتين. وأما قولهم : أعمد من كيل محقّ فإني سمعته في رواية ابن جَبَلة ورواية عليّ عن أبي عبيد (محقّ) بالتشديد ، ورأيته في كتاب قديم مسموع : أعمد من كيلٍ مُحِقَ

١٥٠

بالتخفيف من المَحق ، وفُسِّر : هل زاد على مكيال نُقِصَ كَيْلُه أي طُفِّفَ. وحسبت أن الصواب هذا. وقال ابن شميل : عمود الكَبِد : عرقان ضَخْمان جَنَابتي السُّرة يميناً وشِمالاً ، يقال : إن فلاناً لخارجٌ عموده من كَبِدِه من الجوع.

أبو عبيد : عَمدتُ الشيء : أقمته ، وأعمدته : جعلت تحته عَمَداً.

الحرّاني عن ابن السكيت قال : العَمْد مصدر عمَدت للشيء أعمِد له عمْداً إذا قصدت له. وعَمدت الحائط أعمِده عمْداً إذا دَعمته. قال والعَمَد ـ مُثَقّل ـ في السنَامِ وهو أن ينشدخ انشداخاً. وذلك إذا رُكِب وعليه شحْم كثير. يقال بعير عَمِدٌ.

وقال لَبيد :

فبات السيل يركب جانبيه

من البَقَّار كالعَمِد الثَقَالِ

قال : العَمِد : البعير الذي قد فسد سَنَامه. قال : ومنه قيل : رجل عميد ومعمود أي بلغ الحُبُّ منه. قال ويقال : عَمِد الثرى يَعمَد عَمداً إذا كان تراكب بعضُه على بعض ونَدِيَ ، فإذا قبضت منه على شيء تعقَّد واجتمع من نُدُوَّته. قال الراعي يصف بقرة وحشيّة :

حتى غَدَت في بياض الصبح طيّبة

ريح المباءة تخْدِي والثرى عَمِدُ

أراد : طيبةَ ريح المباءة ، فلمَّا نوّن (طيّبة) نصب (ريح المباءة).

أبو عبيد عن أبي زيد : عَمِدت الأرضُ عمداً إذا رسخ فيها المَطَر إلى الثَرَى حتى إذا قبضْت عليه في كفّك تعقّد وجَعُدَ. وقال الليث : العَميد : الرجل المعمود الذي لا يستطيع الجلوس من مرضه ، حتى يُعمَدَ من جوانبه بالوسائد. ومنه اشتُقّ القَلْب العميد. قال : والجُرح العَمِدُ : الذي يُعْصَر قبل أن ينضج بَيضُه فيَرِم. والقول ما قاله ابن السكيت في العميد من الهوى : أنه شُبِّه بالسَنَام الذي انشدخ انشداخاً.

وقال الليث : العَمْدُ : نقيض الخطأ. قلت : والقتل على ثلاثة أوجه : قتل الخطأ المحْض ، وقتل العمد المحض وقتل شِبْه العَمْد فالخطأ المحض : أن يرمي الرجلُ بحجر يريد تنحيته عن موضعه. ولا يقصد به أحداً ، فيصيب إنساناً فيقتله. ففيه الدِيَة على عاقلة الرامي ، أخماساً من الإبل ، وهي عشرون ابنة مَخَاض وعشرون ابنة لَبُون وعشرون ابن لبون ، وعشرون حِقّة ، وعشرون جَذَعة. وأما شِبه العَمْد فأن يضرب الإنسانَ بعمود لا يقتل مِثْلُه ، أو بحجر لا يكاد يموت مَن أصابه ، فيموت منه ففيه الدِيَة مغلَّظة. وكذلك العَمْد المحض : فيهما ثلاثون حِقّةً ، وثلاثون جَذَعة ، وأربعون ما بين ثَنِيَّة إلى بازلِ عامِها ، كلُّها خَلِفَة. فأمَّا شِبْه العمد فالدِيَة فيه على عاقلة القاتل. وأما العَمْد المحض فهو في مال القاتل. شمر عن ابن شميل : المعمود : الحزين الشديد الحُزن. يقال : ما عَمَدَك أي ما أحزنك. قال ويقال للمريض أيضاً : معمود. ويقال له : ما يَعْمِدك؟ أي ما يوجعك. وعمدني

١٥١

المرضُ أي أضناني. وقال شمر : قال ابن الأعرابي : سأل أعرابيّ أعرابيًّا وهو مريض فقال له : كيف تجدك؟ فقال : أمَّا الذي يَعْمِدني فحُصْرٌ وأُسْرٌ. قال : يعمده : يُسْقطه ويفْدحه ويشتدّ عليه وأنشد :

ألا مَن لهمٍّ آخِرَ الليل عَامِد

معناه : مُوجع.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده لسِماك العامليّ :

ألا من شجتْ ليلة عامدهْ

كما أبدأ ليلة واحدهْ

وقال ما معرفة فنصب أبداً على خروجه من المعرفة كان جائزاً.

قال الأزهري وقوله : ليلة عامدة أي مُمِضّة موجعة.

وقال النضر : عَمِدتْ أَلْيتاه من الركوب وهو أن تَرِما وتَخْلَجا.

وقال شمر : يقال إن فلاناً لعَمِدُ الثَرَى أي كثير المعروف.

وقال غيره : عَمَدت الرجل أعمِده عَمْداً إذا ضربته بالعمود ، وعَمَدته إذا ضربت عمود بَطنه.

وقال أبو زيد : يقال فلان عُمدة قومه إذا كانوا يعتمدونه فيما يَحْزُبهم. وكذلك هم عُمْدتنا. والعَمِيد : سيّد القوم. ومنه قول الأعشى :

حتى يصير عميدُ القوم متَّكئاً

يدفع بالراح عنه نِسوة عُجُلُ

ويقال : استقام القوم على عَمُود رأيهم أي على الوجه الذي يعتمدون عليه.

وقال ابن بزرْج : يقال : حَلَس به وعَرِسَ به وعَمِد به ولَزِبَ به إذا لَزِمه.

وقال الليث : العُمُدُّ : الشابّ الممتلىء شباباً ، وهو العُمُدَّانيّ والجمع العُمُدَّنِيُّون. وامرأةٌ عُمُدَّانِيَّة : ذات جسم وعَبَالة. ويقال عَمّدت السيل تعميداً إذا سدَدت وجه جِرْيته حتى يجتمع في موضع بتراب أو حجارة. شمر : يقال للقوم : أنتم عُمدّتنا أي الذين نعتمد عليهم. وكذلك الاثنان ، والمرأة والواحد والمرأتان. وعمود الصبح هو المستطير منه. واعتمد فلان ليلته إذا ركبها يسري فيها. واعتمد فلان فلاناً في حاجته واعتمد عليه.

وقال أبو تراب : سمعتُ الغَنَوي يقول : العَمَدُ والضَمَدُ : الغضب.

قلت : وهو العَبَدُ والأبَدُ أيضاً.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال العَمود والعِمَاد وَالعُمْدَةُ والعُمْدَان : رئيس العسكر وهو الزُوَير. ويقال لرِجْلي الظليم : عَمُودان.

وقال ابن المظفر : عُمْدان : اسم جبل أو موضع. قلتُ : أُراه أراد : غُمَدان بالغين فصحّفه. وهو حِصْن في رأس جبل باليمن معروف. وكان لآل ذي يَزَن. قلت : وهذا كتصحيفه يوم بُعَاث وَهو من مشاهير أيام العرب ، فأخرجه في كتاب الغين وصَحَّفه.

دمع : أبو عُبَيد عن الأصمعيّ : دمِعَتْ عينُه ، بكسر الميم.

وقال الكسائيّ وأبو زيد : دَمَعت عينه بفتح الميم لا غير.

١٥٢

أبو عبيد عن الأحمر : مِن سِمَات الإبل الدُّمُع ، وهي في مجرى الدمْع. وبعير مَدْموع ، وجَفْنة دامعة : ممتلئة ، وقد دَمَعَت. ورَزِمت وقال لَبيد:

إذا جاء وِرْدٌ أُسْبلت بدُمُوع

يعني الْجَفْنَة.

أبو عبيد : من الشِجَاج الدامعة. وهو أن يسيل منها دَمٌ. وثَرى دَامِع ومكان دامع ودَمَّاع إذا كانَ نَدِيّاً. وَقَدَحٌ دَمْعَان إذا امتلأ فجعل يسيل من جوانبه.

وقال الليث : الدَّمْع : ماء العين. والمَدمَع : مجتمع الدَّمْع في نواحي العين وجمعه مدامع. يقال : فاضت مدامعُه. قال والماقِيَان من المدامع ، والمُؤْخِران كذلك. وامرأة دَمِعة : سريعة الدَّمْعة والبكاء وما أكثَر دَمْعَتها ، التأنيث للدَّمْعَة. وقال ابن شميل : الدِّمَاع مِيسَم في المناظِر سائل إلى المَنْحِرْ ، وربما كان عليه دِمَاعَانِ. والدُّمَّاعُ دُمّاع الكَرْم ، وهو ما سال منه أيَّام الربيع.

وقال أبو عدنان : من المياه المدامع ، وهي ما قَطَر من عُرْض جَبَل. قال :

وسألت العُقَيْليّ عن هذا البيت :

والشمسُ تدمَع عيناها ومَنخِرُها

وهنّ يخرجن من بِيدٍ إلى بِيدِ

فقام أزعم أنها الظَّهِيرة إذا سال لُعَاب الشمس.

وقال الغَنَويّ : إذا عطِشت الدوابّ ذَرَفت عيونُها وسالت مناخرها. قال والدمْع : السيلان من الراوُوق وَهو مِصْفاة الصَّبَّاغ. قال والإدْماع : مَلْء الإناء. يقال أَدْمِع مُشَقَّرك أي قَدَحك ، قاله ابن الأعرابي.

دعم : ابن شميل : يقال دَعَم الرجلُ المرأة بأيْره يَدْعَمُها ودَحَمَها. والدعْم والدحْمُ : الطعن وإيلاجه أجمع.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الدُّعْمِيُ : الفرس الذي في لَبَّته بياض. والدُّعْمِيُ : النجَّار.

أبو عبيد عن أبي زيد : إذا كانت زَرَانيق البئر من خشب فهي دِعَم. الليث : الدعْمُ : أن يميل الشيء فتَدْعمه بِدِعامٍ ، كما تُدعَمُ عُرُوش الكَرْم ونحوِه. والدِّعَامة : اسم الخشبة التي تُدعم بها. والمَدْعوم : الذي يميل فيريد أن يقع ، فتدعَمَهُ ليستقيم. وأما المعمود فالذي تحامل الثقلُ عليه من فوق ، كالسقف فعُمد بالأساطين المنصوبة. والدِّعامتان : خشبتا البكَرة. وَدُعْمِيّ : اسم أبي حَيٍّ من ربيعة. وفي ثقيف دُعْمِي آخر. ويقال للشيء الشديد الدَّعام : إنه لدُعميُ : وأنشد :

اكْتَدَ دُعميّ الحوامِي جَسْرَبا

ويقال : لفلان دعْمٌ أي مال كثير. وَجارية ذات دعْمٍ إذا كانت ذات شحم ولحم. وقال الراجز :

 لا دَعْمَ لي لكن بلَيْلي دَعْمُ

جارية في وركيها شحمُ

قوله : لا دَعْمَ لي أي لا سَمِن بي يَدْعمني أي يقوّيني : ودُعْميّ الطريق : مُعظمه. وقال الراجز يصف الإبل :

وصَدَرَتْ تَبْتَدِر الثنيَّا

تركب من دُعْمِيها دُعْمِيّا

١٥٣

ودُعمّيها : وسطها ، دُعمِيّاً أي طريقاً موطوءاً.

عمرو عن أبيه قال : إذا كان في صدر الفرس بياض فهو أدْعَم ، وإذا كان في خواصره فهو مُشَكَّل.

معد : قال الليث : المَعِدَة : التي تستوعب الطعام من الإنسان. والمِعْدَةُ لغة ، وقد مُعِدَ الرجل فهو ممعود إذا دَوِيَت مِعدتُه فلم يستمرىء ما يأكله. والمَعْدُ كالجَذْب ، تقول : مَعَدْتُه مَعْداً.

وقال الراحز :

هل يُرْوِيَنْ ذَوْدَكَ نَزْعٌ مَعْدُ

وساقيان سَبِطٌ وجَعْدُ

قال ابن بزرج : نزْعٌ مَعْدٌ : سريع. وبعضٌ يقول : شديد ، وكأنه ينزع من أسفل قَعْر الركيَّة. ويقال امتعد فلان سيفه منْ غِمده إذا استلّه واخترطه ، وجاء إلى رمحه وهو مركوز فامتَعَدَه. وجعل أحد السّاقيين جَعْداً والآخر سَبِطاً لأن الجَعْد منهما أسود زنجيّ ، والسَّبْط روميّ وإذا كانا هكذا لم يشتغلا بالحديث عن صنعتهما ، ويقال : مَعَد في الأرض يَمْعَد إذا ذهب. وذنبٌ مِمْعَدٌ وماعِد إذا كان يَجْذِب العَدْوَ جَذْباً.

وقال ذو الرمّة يذكر صائداً شبّهه في سرعته بالذئب :

كأنما أطماره إذا عَدَا

جَلَّلْن سِرْحان فلاةٍ مِمْعَدَا

أبو عبيد : المُتَمَعْدِدُ : البعيد. وقال مَعْن بن أَوْس :

قِفَا إنها أمست قِفَاراً ومَن بها

وإن كان مِن ذي وُدِّنَا قد تَمَعْدَدا

أي تباعد.

وقال شمر : قوله : المتمعدد البعيد لا أعلمه إلا من مَعَدَ في الأرض أي ذهب فيها ، ثم صيّره تَفَعْلُلاً منه ، وَأنشد :

وَخارِبان خَرَباً فمعَدَا

لا يَحْسِبَان الله إلا رَقَدَا

وفي حديث عمر : اخشوشِنوا وتَمَعْددوا وقال أبو عبيد : فيه قولان : يقال هو من الغِلَظ أيضاً. ومنه يقال للغلام إذا شبّ وغلُظ : قد تَمَعْدَد.

وقال الراجز :

رَبَّيْتُه حتى إذا تَمَعْدَدا

ويقال تَمَعْدَدُوا : تشبّهوا بعيش مَعَدّ ، وكانوا أهل قَشَف وغِلَظ في المعاش. يقول : فكونوا مثلهم ودَعُوا التنَعُّم وزيّ العَجَم. وهكذا هو حديث له آخر : عليكم باللِبسة المَعدِّية.

وقال الليث : التَمَعْدُد : الصبر على عيش مَعَدّ في الحضَر والسَّفَر. يقال : قد تَمَعْدَد فلان.

قال وإذا ذكرت أن قوماً ممن تحوّلوا عن مَعَدّ إلى اليمن ثم رجعوا قلت : تَمَعْدَدوا.

قال والمعَدّ ـ الدال شديدة ـ : اللحم الذي تحت الكتِف أو أسفلَ منها قليلاً وهو من أطيب لحم الجَنْب. وتقول العرب في مَثَل يضربونه : قد يأكل المَعَدَّين أكْلَ السَوْء.

قال وهو في الاشتقاق يخرج على مَفْعل ، ويخرج على فَعَلّ على مثال (عَبَنّ) وعَلَدّ ،

١٥٤

ولم يُشتقّ منه فِعل. أبو عبيد عن الأصمعي : المَعَدَّان : موضع رجلي الراكب من الفرس. أبو عبيد عن الكسائي : من أمثالهم : أن تسمع بالمُعَيْديّ خير من أن تراه.

وسمعت المنذريّ يقول سمعت أبا الهيثم يقول : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه.

قال : وسمعت أبا طالب يقول : الكلام المختار : أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه.

قال وبعضهم يقول : تسمع بالمعيدي لا أن تراه. وإن شئت قلت : لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.

قال أبو عبيد : كان الكسائيّ يرى التشديد في الدال فيقول المعَيْديّ.

ويقول : إنما هو تصغير رجُل منسوب إلى مَعدّ ، يضرب مثلاً لمن خَبَره خير من مَرآته.

وكان غير الكسائي يرى تخفيف الدال ويشدّد ياء النسبة مع ياء التصغير.

وقال ابن السكيت : يقال في مثل : تسمع بالمعيدي لا أن تراه. وهو تصغير مَعَدّيّ ، إلّا أنه إذا احتمعَتْ تشديدة الحرف وتشديدة ياء النسبة مع ياء التصغير خَفَّفت تشديدة الحرف.

وقال الشاعر :

ضلَّت حُلُومُهُمُ عنهم وغرّهُمُ

سَنُ المعيدِيّ في رَعْي وتعْزيب

يضرب لرجل الذي له صِيت وذِكر ، فإذا رأيته ازدريت مَرْآته. وكأنّ تأويله تأويل أمر. كأنه قال : اسمع به ولا تَره.

وقال شمر : المعَدّ : موضع رجل الفارس من الدابة ، ومن الرجُل مثله.

وأنشد بيت ابن أحمر :

فإمّا زلّ سَرجٌ عن مَعَدِّ

وأجدر بالحوادث أن تكونا

قال الأصمعي يخاطب امرأته فيقول إن زَلّ عنك سَرْجي فبِنْتِ بطلاقٍ أو بموتٍ فلا تتزوجي هذا المطروق وهو قوله :

فلا تَصِلي بمطروقٍ إذا ما

سَرَى في القوم أصبح مُستكينا

وقال ابن الأعرابي معناه : إن عُرِّي فرسي من سرجه ومُتّ.

فَبلِّي يا غَنِيَّ بأَرْيَحِيىِ

من الفتيان لا يمسي بطينا

وأنشد شمر في المَعَدِّ من الإنسان :

وكأنما تحت المعَدّ ضئيلة

ينفي رقادك سمُّها وسِمَامها

يعني الحيّة. والمعْد والمغْد : النَتْف ، بالعين والغين. مدع : روى ثعلب عن ابن الأعرابي : المَدْعيِ : المتّهم في نسبه قلت : كأنه جعله من الدعوة في النسب. وليست الميم أصلية.

أبواب العين والتاء

ع ت ظ

مهمل.

ع ت ذ

استعمل من وجوهه : [ذعت].

١٥٥

ذعت : قال الليث : ذَعَتَ فلان فلاناً في التراب ذَعْتاً إذا مَعَكه فيه مَعْكاً.

وقال أبو تراب : قال أبو زيد : ذَأَتَه ذَأْتاً ، وذَعَتَه ذَعْتاً ، وهو أشدّ الخَنْقِ.

وقال ابن شميل : ذَعَتَه يَذْعَتُه ذَعْتاً إذا خَنَقه. وكذلك زَمَتَه زَمْتاً إذا خنقه.

ع ت ث

مهمل.

باب العين والتاء مع الراء

[ع ت ر]

عتر ، عرت ، ترع ، تعر ، رتع : مستعملات.

عتر ـ [عرت] : أبو عبيد عن أبي عُبَيدة : الرُمح العاتر : المضطرب ، مثل العاسِل. وقد عَتَر وعَسَل.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : ومن الرماح العَرّات والعَرَّاص ، وهو الشديد الاضطراب. وقد عَرِت يَعْرَت وعَرِص يَعْرَص. قلت : قد صح عَتَر وعَرَت ودلّ اختلاف بنائهما على أن كل واحد منهما غير الآخر.

وقال الليث في عَتر الرمح يَعْتِر مثله.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : لا فَرَعة ولا عَتِيرة.

قال أبو عبيد : العَتِيرة هي الرَجَبيّة ، وهي ذَبيحة كانت تُذبح في رجب يتَقرَّب بها أهل الجاهليّة ، ثم جاء الإسلام فكان على ذلك حتى نُسِخَ بعدُ.

قال : والدليل على ذلك حديث مِخْنَف بن سُلَيْم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن على كل مسلم في كلّ عام أَضْحاةً وعَتِيرة»

. وقال أبو عبيد : الحديث الأوّل ناسخ لهذا يقال منه : عَتَرتُ أعتِر عَتْراً.

وقال الحارث بن حِلِّزة يذكر قوماً أخذوهم بذَنْب غيرهم فقال :

عَنَنَاً باطلاً وظُلماً كما

تُعْتَرُ عن حَجْرة الربيض الظِباءُ

قال : وقوله : كما تُعْتَر يعني العَتِيرَة في رجب ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا طلب أحدهم أمراً نَذر : لئن ظفِر به ليذبحنّ من غَنَمه في رجب كذا وكذا ، وهي العتائر ، فإذا ظفِر به فربّما ضنّ بغنمه ـ وهي الربِيض ـ فيأخذ عدَدها ظباءً فيذبحها في رجب مكانَ تلك الغنم ، فكانت تلك عتائره فضرب هذا مثلاً.

يقول : أخذتمونا بذنب غيرنا ، كما أُخِذت الظباء مكان الغنم.

وقال الليث في العتائر نحواً ممّا فسَّر أبو عبيد ، وأنشد :

فخرّ صريعاً مثل عاتِرة النُّسْكِ

قال : وإنما هي معتورة ، وهي مثل (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحَاقَّة : ٢١] وإنما هي مَرْضيّة.

وقال زهير في العِتْر :

كمَنْصِب العِتْر دمَّى رأسَه النُسُكُ

أراد بمنصب العِتْر صنماً كان يقرَّبُ له عِتْرٌ أي ذِبْح فيُذبَح له ويصيب رأسُه من دم العِتْر.

الحرّاني عن ابن السكيت قال : العَتْر

١٥٦

مصدر عَتَر الرمح يَعْتِر عَتْراً إذا اضطرب. قال : والعَتَّر مصدر عَتَر يَعْتِر عَتْراً إذا ذَبَح العَتِيرة. وهي ذبيحة كانت تُذْبح في رجبٍ للأصنام والعتْر : المذبوح. قال والعِتْر أيضاً : ضرْبٌ من النبت. والعتْر : الأصل ، ومنه قولهم : عادت لِعِتْرها لمِيسُ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : العِتْرة : الرِيقة العَذْبة. والعِتْر : القطعة من المِسْك. والعِتْرة : شجرة تنبت عند وِجَار الضبّ ، فهو يُمَرِّسها فلا تَنْمي. ويقال : هو أذلّ من عِتْرة الضبّ.

وَرَوى شَرِيك عن الركين عن القاسم بن حسّان عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني تارك فيكم الثَقَلين خَلْفي : كتابَ الله وعِترتي ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردَا عليّ الحوض».

قال محمد بن إسحاق : وهذا حديث حسن صحيح ، ورفعه نحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخُدْرِيّ. وفي بعضها : «إني تارك فيكم الثَقَلين : كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي.

فجعل العِترة أهل البيت وقال أبو عبيد : عِتْرة الرجل وأُسْرته وفَصِيلته : رَهْطُه الأدنَوْن.

وقال ابن السكيت : العِتْرة مثل الرَهْط.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : العِتْرة ولد الرجل وذُرّيته وعَقِبهُ من صُلْبه. قال فعِتْرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ولد فاطمة البَتُولِ عليهم‌السلام.

وروى ابن الفرج عن أبي سعيد قال : العِتْرة : ساق الشجرة. قال : وعِترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عبد المطلب ووَلده. قال : ومِن أمثالهم : عادت لعِتْرها لَميس ولعِكْرها أي أصلها.

وقال ابن المظفر : عِتْرة الرجل : أقرباؤه من وَلد عَمّه دِنْيا. وقيل : عِتْرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أهل بيته ، وهم آله الذين حُرّمَت عليهم الصَّدَقة المفروضة وهم ذوو القربى الذين لهم خمس الخمس المذكور في سورة الأنفال قال الأزهري وهذا القول عندي أقربها والله أعلم. وعِترة الثغر إذا رَقّت غُرُوب الأسنان ونقِيَت وجرى عليها الماء يقال : إن ثغرها لذو أُشرة وعِتْرة قال وعِتْرة المِسْحاة : خشبتها التي تسمَّى يد المِسحاة.

واحتجّ القتيبيّ في أن عترة الرجل أهل بيته الأقربون والأبعدون بحديث رُوي عن أبي بكر أنه قال : نحن عِترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي تفقَّأَت عنه.!

قال الأزهري : ورَوَى عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : لما كان يوم بدرٍ وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأُسَارى قال : ما ترون في هؤلاء؟ فقال عمر : كذَّبوك وأخرجوك ، ضَرِّبْ أرقابهم. فقال أبو بكر يا رسول الله : عِترتُك وقومك ، تجاوزْ عنهم يستنقذْهم الله بك من النار ، في حديث طويل.

وقال أبو عبيد في غير هذا : العِتْر واحدها عِتْرة : شجر صغار.

وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الأسَدي عن الرياشي قال : سألت الأصمعي عن العِتْر فقال : هو نبتٌ ينبت ، مثلُ

١٥٧

المَرْزَنْجوش متفرَّقاً. قال : وأنشدنا بيت الهذليّ :

وما كنتُ أخشى أن أعيش خلافَهم

لستّة أبيات كما ينبت العِتْر

يقول : هذه الأبيات متفرقة مع قلَّتها كتفرّق العِتْر في منبته.

وقال ابن المظفر : العِتْر : بقلة إذا طالت قُطِعَ أصلها فيخرج منه لَبَن. ثم ذكر بيت الهذليّ لأنه إذا قُطِع نبتت من حواليه شُعَبٌ ستّ أو ثلاث.

قلت : والقول ما قاله الأصمعي. وقال الليث : عِتْوَارَة اسم حيّ من كَنَانَة وأنشد :

من حَيّ عِتْوَار ومن تَعَتْوَرا

وقال المبرّد : العَتْوَرَة : الشِدّة في الحرب.

وبنو عِتْوَارة سُمِّيَتْ بهذا لقوّتها. قال وعِتْوَر : اسم وادٍ خشِن المَسْلَك.

ثعلب عن ابن الأعرابي : العَتَر : الشِّدة والقوّة في جميع الحيوان. قال : والعُتُر : الفُرُوج المُنْعِظة واحدها عَاتِر وعَتُور. والعَتّار : الرجل الشجاع ، والفَرس القويّ على السَّير ، ومن المواضع : الوحشُ الخشِن.

وقال المبرّد : جاء على فِعْوَل من الأسماء خِرْوَع وعِتْوَر وهو الوادي الخشِن التُرْبةِ.

وبنو عِتْوَارة كانوا أُولِي صَبْرٍ وخشونة في الحروب.

ترع : رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن منبري هذا على تُرْعَة من تُرعِ الجنّة». قال أبو عبيد : قال أبو عبيدة : التُّرْعة : الروضة تكون على المكان المرتفِع خاصّة ، فإذا كانت في المكان المطمئنّ فهي رَوْضة.

قال أبو عبيد : وقال أبو زياد الكلابي : أحسنُ ما تكون الروضة على المكان الذي فيه غِلظٌ وارتفاع. وأنشد قول الأعشى :

ما رَوْضة من رياض الحَزْن مُعْشبة

خضراء جاد عليها مُسْبلٌ هَطِل

روى أبو يعلى عن الأصمعي عن حمّاد بن سَلَمَة أنه قال : قرأت في مصحف أبيّ بن كعب : (وتَرَّعَتْ الأبواب). قال الأزهري : هو في موضع (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [يوسف : ٢٣].

قال أبو عبيد : وقال أبو عمرو : التُّرعَة : الدَّرَجة. قال أبو عبيد : وقال غيرهم : التُّرعَة : الباب ، كأنه قال : منبري على باب من أبواب الجنّة. قال ذلك سَهْل بن سعد الساعديّ ، وهو الذي رَوَى الحديث. قال أبو عبيد : وهو الوجه عندنا.

وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه التُّرْعَة : مَقَام الشاربة من الحوض ، والتُّرعَة : الباب ، والتُّرعَة : المِرْقاة من المنبر.

وفي حديث آخر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن قَدَمَيَّ على تُرْعَة من تُرْعِ الحوض».

قلت : ترعة الحوض : مَفتَح الماء إليه. ومنه يقال أَتْرَعْتُ الحوض إتراعاً إذا ملأتَهُ وأترعْتُ الإناء مثله ، فهو مُتْرعٌ وسحابٌ تَرِع كثير المطر.

١٥٨

قال أبو وَجْزَة :

كأنما طرَقَتْ ليلى مُعَهَّدَةً

من الرياض ولاها عَارِض تَرعُ

وقال الليث : التَّرَع : امتلاء الشيء ، وقد أترعت الإناء ، ولم أسمع تَرِعَ الإناء ، ولكن يقال : تَرِعَ الرجل ترعاً إذا اقتحم الأمر مَرَحاً ، وإنه لمُتَتَرِّع إلى الشرّ ، وأنشد :

الباغي الحرب يسعى نحوها ترِعاً

حتى إذا ذاق منها جاحِماً بَردَا

أبو عبيد عن الكسائي : هو تَرِعٌ عَتِل وقد تَرِعَ تَرَعاً وعَتِل عَتَلاً إذا كان سريعاً إلى الشرّ.

قال أبو عبيد : والمتترِّع الشرّير ، يقال تَتَرَّع فلان إلينا بالشرّ إذا تسرّع. أبو العباس عن ابن الأعرابي : حوضٌ تَرِعٌ ومُتْرِعٌ أي مملوءٌ. قال والتَّرِع : السفيه السريع إلى الشرّ ، ونحو ذلك رَوَى الحَرّاني عن ابن السكيت قال : رجل تَرِعٌ إذا كانت فيه عَجَلة ، وقد تَرِع تَرَعاً ، وهذا حوضٌ تَرِعٌ أي مملوء.

وقال ابن الأعرابي : التَّرَّاع : البوّاب ، والتُّرْعَة : الباب.

وروى أبو زيد عن الكلابيين : فلان ذو مَتْرَعة إذا كان لا يغضب ولا يَعْجَل. قلت : وهذا ضدّ الترِع.

رتع : قال الله جلّ وعزّ مخبِراً عن إخوة يوسف وقولهم لأبيهم يعقوب عليه‌السلام (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) [يوسف : ١٢].

قال الفرّاء : يَرْتَعْ ، العين مجزومة لا غير ؛ لأن الهاء في قوله (أَرْسِلْهُ) معرفة و (غَداً) معرفة فليس في جواب الأمر وهو يَرْتَعْ إلّا الجزم. قال : ولو كان بدل المعرفة نكرة كقولك : أرسِل رجلاً يرتع جاز فيه الرفع والجزم ، كقول الله جلّ وعزّ (ابعث لنا ملكاً يقاتلْ في سبيل الله) [البقرة : ٢٤٦] ويقاتلُ ، الجزم لأنه جواب الشرط ، والرفع على أنه صلة للملِك كأنه قال : ابعث لنا الذي يقاتل.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال : الرَّتْعُ : الرَعيُ في الخِصْب. قال : ومنه قولهم : القَيْدُ والرَّتَعَة ، ويقال : الرَّتَعة. قال : ومعنى الرَّتْعَة : الخِصْب. ومن ذلك قولهم هو يَرتَع أي إنه في شيء كثير لا يُمْنَع منه فهو مخصبٌ.

قلت : والعرب تقول : رَتَع المالُ إذا رَعَى ما شاء ، وأرْتَعْتُها أنا. والرَّتْع لا يكون إلا في الخِصْب والسِعَة. وإبل رِتَاع وقوم مرتِعون وراتعون إذا كانوا مخاصيب.

وقال أبو طالب : سَمَاعي من أبي عن الفرّاء : القَيْد والرَّتَعة ، مُثقّل. قال : وهما لغتان : الرَّتْعَة والرَّتَعَة.

قال أبو طالب : وأوّل من قال القيد والرتْعة عمرو بن الصَّعِق بن خويلد بن نُفَيل بن عمرو بن كلاب ، وكانت شاكرُ من هَمْدَان أسروه فأحسنوا إليه وروّحوا عنه ، وقد كان يوم فارق قومه نحيفاً فهَرَب من شاكِرَ فلما وصل إلى قومه قالوا : أَيْ عمرو خرجْتَ من عندنا نحيفاً وأنت اليوم بادِنٌ ، فقال : القيد والرتْعَة فأرسلها مثلاً. ثعلب عن ابن الأعرابي : الرَّتْع : الأكل

١٥٩

بشَرَهِ ، يقال : رَتَعَ يَرْتَع رَتْعاً ورِتَاعاً ، والرَّتَّاع : الذي يتتبّع بإبله المراتع المخصِبَة.

وقال شمر : يقال أتيت على أرض مُرْتِعَة وهي التي قد طمِع ما لها من الشِبَع ، وقد أرتع المالُ وأرتَعَت الأرضُ وغيثٌ مُرْتِع : ذو خِصْبٍ. وقولهم فلان يرتع قال أبو بكر معناه : هو مُخصب لا يَعْدَم شيئاً يريده.

وقال أبو عبيدة : معنى يَرْتَعْ : يلهو. وقال في معنى قوله : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) أي يلهو ويَنعَم. وقال غيره : معناه : يسعى وينبسط. وقيل معنى قوله يَرْتَعْ : يأكل. واحتجّ بقوله :

وحبيب لي إذا لاقيته

وإذا يخلو له لحمي رَتَعْ

معناه : أكله. ومن قرأ (نرتع) بالنون أراد : ترتع إبلنا :

تعر : أهمله الليث وروى أبو عبيد عن الأموي : جُرْح تغار بالغين إذا كان يسيل منه الدم.

قال أبو عبيد : وقال غيره : جُرْحٌ نَعَّار بالنون والعين.

قلت : وسمعت غير واحد من أهل العربية بهراة يزعم أن (تغار) بالغين تصحيف ، فقرأت في «كتاب أبي عُمَر الزاهد» رواية عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : جُرْحٌ تَعّار بالتاء والعين وتَغّار بالتاء والغين ونَعّار بالنون والعين بمعنى واحد ، وهو الذي لا يرقأ فجعلها كلّها لغاتٍ وصحّحها. والعين والغين في تعّار وتغّار تعاقبا ، كما قالوا : العَبِيثة والغبِيثة بمعنى واحد.

قلت : وتِعَار : اسم جبل في بلاد قيس.

وقد ذكره لبيد :

إلّا يرمرم أو تِعَار

ثعلب عن ابن الأعرابي : التعَر : اشتعال الحرب.

باب العين والتاء مع اللام

[ع ت ل]

عتل ، تلع ، تعل : مستعملة.

علت ، لتع ، لعت : مهملة.

عتل : قال الله جلّ وعزّ : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) [الدّخَان : ٤٧] وقال في موضع آخر : (عُتُلٍ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) [القلم : ١٣] قرأ عاصم وحمزة والكسائي : فَاعْتِلُوهُ بكسر التاء ، وكذلك قرأ أبو عمرو. وقرأ ابن كَثِير ونافع وابن عامر ويعقوب : (فاعتُلوه) بضمّ التاء. قلت : هما لغتان فصيحتان ، يقال : عَتَلَهُ يَعَتِله ويَعتُله.

ورَوَى الأعمش عن مجاهد في قوله (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) أي خذوه فاقصِفوه كما يُقصَف الحَطَب.

وقال أبو مُعَاذ النحويّ : العَتْل : الدَفْع والإرهاق بالسَّوْق العنيف. وأخبرني المنذريّ عن الحرّاني عن ابن السّكّيت : عَتَلْتُهُ إلى السجن وعَتَنْتُه فأنا أعْتِلُه وأعْتُلُه وأعْتِنُه وأعْتُنُه إذا دفعتَه دَفْعاً عنيفاً.

وقال الليث : العَتْلُ : أن تأخذ بتَلْبيب الرجل فتعتِلَه ، أي تجرّه إليك وتذهب به

١٦٠