مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

تنبيه : الظاهر من عبارة المصنّف رحمه‌الله وغيره ممّن عبّر كعبارته ـ من أنّ الأمة والصبيّة تصلّيان بغير خمار ـ إرادة بيان الجواز ؛ دفعا لتوهّم الحظر الناشئ من إطلاق الأمر بوجوب ستر المرأة رأسها وسائر جسدها ، لا الوجوب الشرطي أو الشرعي ، كما هو واضح ، فهل الراجح شرعا في حقّهما التستّر ، أو التكشّف ، أم هما بالخيار؟ لم أجد من تعرّض لذلك بالنسبة إلى الصبيّة.

وأمّا الأمة : فقد اختلفت الكلمات فيها.

قال في محكيّ المعتبر : وهل يستحبّ لها القناع؟ قال به عطاء (١) ، ولم يستحب الباقون ؛ لما رووه أنّ عمر كان ينهى الإماء عن التقنّع ، وقال : إنّما القناع للحرائر ، وضرب أمة لآل أنس رآها متقنّعة وقال : اكشفي ولا تشبّهي بالحرائر (٢).

وما قاله عطاء حسن ؛ لأنّ الستر أنسب بالعفّة والحياء ، وهو مراد من الحرّة والأمة ، وما ذكروه من فعل عمر جاز أن يكون رأيا رآه (٣). انتهى.

واختار في الحدائق (٤) الكراهة ، ونسبه إلى المشهور ؛ لما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن حمّاد الخادم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الخادم تقنّع رأسها في الصلاة؟ قال : «اضربوها حتّى تعرف الحرّة من المملوكة» (٥).

وعن حمّاد اللّحّام (٦) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوكة تقنّع رأسها

__________________

(١) المغني ١ : ٦٧٤.

(٢) المغني ١ : ٦٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٢.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٣ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٧ ـ ١٨.

(٤) الحدائق الناضرة ٧ : ١٩.

(٥) علل الشرائع : ٣٤٥ (الباب ٥٤) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٨.

(٦) في العلل : «حمّاد الخادم».

٤٤١

إذا صلّت؟ قال : «لا ، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلّي ، وهي مقنّعة ضربها لتعرف الحرّة من المملوكة» (١).

وعن محاسن البرقي (٢) نحوه.

وظاهر هاتين الروايتين : الحرمة ؛ إذ لولاها لما استحقّت الضرب.

وحكي عن ظاهر الصدوق في العلل التعويل على هذا الظاهر ؛ حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ : باب العلّة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنّع رأسها (٣). ثمّ ذكر الخبرين.

وقد حملهما في الحدائق (٤) على الكراهة بشهادة قوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير ، المتقدّم (٥) : «إلّا أن تحبّ أن تختمر».

ورواية أبي خالد القمّاط ـ التي رواها الشهيد في الذكرى ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة تقنّع رأسها؟ فقال : «إن شاءت فعلت ، وإن شاءت لم تفعل ، سمعت أبي يقول : كنّ يضربن ، فيقال لهنّ : لا تشبّهن بالحرائر» (٦).

مضافا إلى ظهور قوله عليه‌السلام في المعتبرة المستفيضة المتقدّمة (٧) : «ليس عليها القناع» في نفي الوجوب.

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ (الباب ٥٤) ح ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٩.

(٢) المحاسن : ٣١٨ / ٤٥ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ١٨.

(٣) علل الشرائع : ٣٤٥ ، عنوان (الباب ٥٤) ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٨.

(٤) الحدائق الناضرة ٧ : ١٩.

(٥) في ص ٤٣٦.

(٦) الذكرى ٣ : ١٠ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١١.

(٧) في ص ٤٣٦.

٤٤٢

أقول : ربما يشهد الخبر المحكيّ عن الذكرى بصدق ما رووه عن عمر ، وأنّ ضرب الإماء والنهي عن تشبّههنّ بالحرائر كان من فعله ، فيغلب على الظنّ جري الخبرين الأوّلين (١) مجرى التقيّة ، كما يؤيّدهما بعض الأمارات الداخليّة والخارجيّة ، المشعرة بكون النهي عن التشبّه بالحرائر كلمة دائرة على ألسنتهم ، ولا يبعد صدور الأمر بالضرب في الرواية الأولى (٢) من باب التهكّم والاستهزاء قصد به ظاهره تقيّة ، ولولا قوّة احتمال التقيّة في هذه الأخبار ، لأمكن حملها على الكراهة ، وإن لا يخلو توجيه جواز الضرب على ارتكاب المكروه عن تكلّف ، فالأولى ردّ علمها إلى أهله بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرها ومعارضتها بما عرفت ، والالتزام برجحان التستّر ؛ لما في بعض الأخبار من الأمر بمخالفتهم ما استطيع ، وأنّ الرشد في خلافهم (٣) ، فليتأمّل.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مراد الأصحاب بأنّه لا يجب على الأمة والصبيّة ستر رأسها في الصلاة هو الوجوب الشرطي ، لا الشرعي ، فما توهّمه بعض (٤) ـ من أنّ استثناءهم للصبيّة في المقام عمّن يجب عليها ستر الرأس في غير محلّه ؛ حيث إنّها غير مكلّفة بشي‌ء ـ ليس بشي‌ء.

ونظيره توهّم أنّ المشهور فيما بينهم كون عباداتها (٥) تمرينيّة لا شرعيّة ،

__________________

(١) المتقدّمين في ص ٤٤١ ـ ٤٤٢.

(٢) أي : رواية حمّاد الخادم ، المتقدّمة في ص ٤٤١.

(٣) الكافي ١ : ٨ (خطبة الكتاب) و ٦٨ (باب اختلاف الحديث) ح ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٦ / ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ٨٤٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١ و ١٩.

(٤) البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٦.

(٥) في «ض ١٢» : «عبادتها».

٤٤٣

فستر رأسها حينئذ ليس إلّا كسائر الشرائط ، فلا يتّجه التخصيص.

ويدفعه : أنّ التخصيص مبنيّ على شرعيّتها ، فهو في كلام القائلين بالتمرينيّة ـ على تقدير تعرّضهم له ـ فرضيّ ، ولذا صحّ دعوى الإجماع عليه ، كما ادّعاه غير واحد ، ومستنده اختصاص ما دلّ على شرطيّة ستر الرأس بالبالغة ، لا لمجرّد دعوى انصراف لفظ «المرأة» ـ المأخوذة موضوعا في الأدلّة الدالّة عليها ـ عن الصبيّة وضعا أو انصرافا ، بل لظهور جملة من الأخبار في الاختصاص.

كقوله عليه‌السلام في صحيحة يونس بن يعقوب ، المتقدّمة في صدر المبحث : «ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلّا الخمار» (١).

ومرسلة الصدوق ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة» منهم : «المرأة المدركة تصلّي بغير خمار» (٢).

وعنه مسندا عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لعليّ عليه‌السلام مثله ، إلّا أنّه قال : «الجارية المدركة» (٣).

وخبر أبي البختري ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلّا بخمار» (٤).

وفي خبر أبي بصير ، المتقدّم (٥) : «وعلى الجارية إذا حاضت الصيام

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٢ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤ ، ولم ترد الصحيحة فيما تقدّم.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٣٨٣ ، الهامش (٧).

(٣) الفقيه ٤ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ذيل ح ٦.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٣٨٥ ، الهامش (٣).

(٥) في ص ٤٣٦.

٤٤٤

والخمار».

فرع : المبعّضة كالحرّة في وجوب الخمار عليها؛ لانصراف النصّ والفتوى ـ القائلة بعدم وجوب الستر على الأمة ـ عنها ، فتندرج في إطلاق أدلّة الستر للنساء.

وتوهّم اختصاص ما دلّ على الستر بالحرّة المنصرفة عنها أيضا ، فتبقى على حكم الأصل ، مدفوع : بأنّ أخبار الستر مطلقة ، والاختصاص نشأ من الأخبار الواردة في الأمة ، فيخصّص بها المطلقات ، ويقتصر في تخصيصها على ما ينصرف إليه الأخبار المخصّصة.

نعم ، ورد التقييد بالحرّة في بعض أخبار الستر ، كصحيحة يونس ، المتقدّمة (١) ، ولكن هذا لا يجدي في صرف سائر الروايات إليها إلّا بلحاظ مفهوم الصفة لو اعتبرناه ؛ إذ لا تنافي بينه وبين المطلقات بحسب المنطوق ، وأمّا مفهومه ـ مع ضعفه في حدّ ذاته وعدم كونه إلّا مجرّد إشعار ، خصوصا في مثل الصحيحة المتقدّمة (٢) ممّا ليس الوصف فيه معتمدا على موصوف مذكور ـ فهو على تقدير الحجّيّة لا يصلح لتقييد المطلقات إلّا بالنسبة إلى الأمة المنصرفة عن المبعّضة ؛ لأنّها هي المقابلة للحرّة التي ينسبق إلى الذهن إرادتها من المفهوم على تقدير تسليمه ، فليتأمّل.

ويدلّ عليه أيضا خبر حمزة بن حمران عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته ـ إلى أن قال ـ : قلت : فتغطّي رأسها منه حين أعتق

__________________

(١) في ص ٤٤٤.

(٢) في ص ٤٤٤.

٤٤٥

نصفها؟ قال : «نعم وتصلّي [و] هي مخمّرة الرأس» (١).

وربما يستشعر أيضا من قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة (٢) : «ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدّي جميع مكاتبتها» فإنّه مشعر بأنّ المكاتبة المطلقة التي تحرّر منها بعضها عند تأدية البعض ليست كذلك.

(وإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة) وعلمت به (وجب عليها ستر رأسها) والمضيّ في صلاتها إن لم تفتقر في الستر إلى فعل المنافي. (وإن افتقرت إلى فعل كثير) أو غيره من المنافيات (استأنفت) الصلاة ، كما ظهر وجه ذلك كلّه في مسألة ما لو صلّى عاريا ووجد الساتر في الأثناء ؛ إذ الملاك في المسألتين واحد ، والاحتمالات المتطرّقة هناك جارية هاهنا ، وقد عرفت في تلك المسألة أنّ القول بوجوب استئنافها مطلقا لا يخلو عن وجه ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه ، فكذلك الكلام في المقام ، إلّا أنّا قد ذكرنا لهذا القول هناك وجهين ، أحدهما : كونه من مقتضيات رعاية أمر الشرط بالنسبة إلى جميع أجزاء الصلاة وأكوانها بحسب الإمكان ، والثاني : توقّف صحّة الأجزاء الواقعة بلا ستر حين عدم التمكّن منه على استيعاب العذر ، فتجدّد القدرة كاشف عن بطلانها.

ولا يخفى أنّ الوجه الأخير لو قبلناه في تلك المسألة فهو مخصوص بها ، و

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ / ٨٢٦ ، و ١٠ : ٧١ / ٢٦٧ ، الاستبصار ٤ : ٦ / ٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٢.

(٢) في ص ٤٣٦.

٤٤٦

لا يتوجّه في المقام ؛ لكونه من قبيل تبدّل الموضوع ، لا من قبيل التكاليف العذريّة ، ولذا لا ينبغي الارتياب في الصحّة هاهنا لو فرض حصول الستر من أوّل آنات حصول العتق من غير أن يتخلّل بينهما فصل بالزمان ، بخلافه في تلك المسألة.

وكيف كان فقد عرفت هناك ضعف كلا الوجهين خصوصا الأوّل منهما ؛ لعدم مساعدة العرف على استفادة الشرطيّة المطلقة بالنسبة إلى سائر أكوان الصلاة على وجه ينافيه التشاغل بتحصيل الشرط عند تنجّز التكليف به في أثناء الصلاة من إطلاقات أدلّة الشرائط ، بمعنى أنّ أهل العرف لا يفهمون من إطلاق نفي الصحّة في قولنا : «لا تصحّ صلاة الحرّة إلّا بخمار» شرطيّة مطلقة لصلاتها على وجه يلزمها البطلان ، واستئناف الصلاة فيما لو تجدّدت الحرّيّة في أثنائها ، بل غاية ما يفهمون من الإطلاق بالنسبة إلى هذه الصلاة التي تنجّز التكليف بالشرط في أثنائها إنّما هو شرطيّته بالنسبة إلى ما بقي من الأجزاء ممّا يمكن أن تأتي بها مع الشرط بعد تحصيله ، لا بالنسبة إلى حال تشاغلها بفعل الستر ، ولذا نرى أنّ الأصحاب لا زال يحكمون بوجوب المضيّ في الصلاة بعد تحصيل الشرط في نظائر المقام ، ويلتزمون بصحّتها ، وربما يستدلّون عليه بأنّ الأجزاء السابقة وقعت صحيحة ؛ لكونها مطابقة لأمرها ، والأجزاء الباقية يوجدها بعد تحصيل الشرط ، وما بينهما من الزمان ـ أي حال التشاغل بتحصيل الشرط ـ عفو ؛ إذ لولاه للزم التكليف بما لا يطاق ، يعني أنّ اعتباره شرطا بالنسبة إلى الجزء الواقع في هذا الحين من هذه الصلاة الخاصّة غير معقول ؛ لكونه تكليفا بغير المقدور ، فلا يعقل أن يكلّفها الشارع بأن تأتي بهذا الجزء مستورة الرأس.

نعم ، يعقل أن يجعله الشارع شرطا لمطلق صلاتها بأن يأمرها في مثل

٤٤٧

الفرض باستئناف صلاتها مقدّمة لتحصيل الشرط.

ولكن قد أشرنا إلى أنّ العرف لا يفهمون من إطلاقات أدلّة الشرائط هذه المرتبة من الإطلاق ، فكأنّها منصرفة عن الصلاة الصادرة من المكلّف في حال اندراجه في الموضوع الذي ثبت في حقّه الاشتراط بالنسبة إلى الجزء الصادر منه حال تلبّسه بتحصيل الشرط ممّا يتعذّر منه إيقاعه مع الشرط ، فليتأمّل.

ولو علمت قبل حصول العتق بأنّها ستعتق في أثناء الصلاة ، وجب عليها الستر قبله ؛ مقدّمة لحصوله حين حدوث العتق ، ولا يجزى‌ء التستّر بعده حينئذ ؛ لما أشرنا إليه من أنّ منشأ الالتزام بالعفو بالنسبة إلى آن التلبّس بتحصيل الشرط تعذّر كونه شرطا بالنسبة إلى ما يصدر منه في هذا الحين إلّا على تقدير الأمر باستئناف الصلاة وإيقاعها في غير ذلك الزمان ، وهو ممّا لا يفهم من إطلاقات الأدلّة ، وهذا بخلاف مثل الفرض ممّا يتمكّن من تلبّسه بالشرط من حين اندراجه في الموضوع المكلّف بالشرط.

ودعوى أنّ التكليف بالشرط لا يتنجّز إلّا بعد تحقّق موضوعه ، فلا يجب عليها ستر الرأس إلّا بعد انعتاقها ، فحالها مع العلم أيضا ليس إلّا كحالها فيما لو لم تعلم بذلك إلّا بعد حدوث العتق ؛ إذ لا يتنجّز التكليف بمقدّمة الواجبات المشروطة إلّا بعد تحقّق شرائطها ، قد عرفت اندفاعها في أوّل كتاب الطهارة عند التكلّم في وجوب الغسل لصوم اليوم ، فراجع (١).

ولو لم تعلم بالعتق إلّا بعد الفراغ من الصلاة ، تمّت صلاتها على الأشبه ؛

__________________

(١) ج ١ ، ص ١٤ ـ ٢٥.

٤٤٨

لعموم قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) الحديث.

ولو علمت في الأثناء بسبق العتق ، فكما لو أعتقت في الأثناء في أنّها تتستّر وتمضي في صلاتها ، فإنّ ما صدر منها قبل حصول العلم بمنزلة ما صدر منها قبل حصول العتق ، كما يدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة (٢) ، والله العالم.

(وكذلك) البحث بتمامه في (الصبيّة إذا بلغت) وعلمت بسبق بلوغها (في أثناء الصلاة بما لا يبطلها) أي بما عدا الجنابة والحيض وشبهه ، بناء على ما قوّيناه في المواقيت من أنّ الصبي المتطوّع بوظيفة الوقت لو بلغ في أثناء الصلاة أتمّها فرضا.

نعم ، ما اخترناه في الأمة من أنّها إذا علمت بأنّها ستعتق في الأثناء ، وجب عليها الستر قبل حصول العتق لا يجري في الصبيّة ؛ إذ لا يجب عليها شي‌ء قبل البلوغ لا نفسا ولا مقدّمة ، كما تقدّم التنبيه عليه في المبحث المتقدّم إليه الإشارة ، فراجع (٣).

وأمّا على ما اختاره المصنّف في باب المواقيت من أنّ الصبي المتطوّع بوظيفة الوقت لو بلغ في الأثناء يستأنف إن أدرك من الوقت بمقدار ركعة (٤) ، فينبغي حمل العبارة على إرادة ما عداها من النوافل ، أو على ما لو أدركت من الوقت أقلّ من الركعة حيث حكم في الصبي المتطوّع في مثل الفرض بالمضيّ في صلاته و

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٩٧ ، الهامش (١).

(٢) آنفا.

(٣) ج ٩ ، ص ٣٦٠.

(٤) شرائع الإسلام ١ : ٦٣ ، وراجع أيضا ج ٩ من هذا الكتاب ، ص ٣٥٨.

٤٤٩

البناء على نافلته (١) ، فالمراد بوجوب ستر الرأس عليها بعد البلوغ على هذا التقدير هو الوجوب الشرطي لو جوّزنا قطع النافلة ، وإلّا فالشرعي.

وعلى القول بأنّ الصبي المتطوّع بوظيفة الوقت عليه إتمامها نافلة استحبابا أو وجوبا ما لم تزاحم الفريضة في وقتها ، اتّجه إبقاء العبارة على ظاهرها من الإطلاق ، لكنّه مخالف لظاهر ما اختاره المصنّف رحمه‌الله في تلك المسألة ؛ فإنّ المتبادر من قوله : «يستأنف» إرادة رفع اليد عمّا بيده وإبطاله.

وكيف كان فهذا كلّه إنّما هو على القول بشرعيّة عبادة الصبي ، وأمّا على التمرينيّة : فلا وقع لهذا الفرع ، اللهمّ إلّا على الاحتمال الذي احتمله بعض من وجوب المضيّ في صلاته التمرينيّة بعد أن بلغ ؛ حفظا لصورتها (٢). وفيه ما لا يخفى.

المسألة (الثامنة : تكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة والخفّ) والكساء ، وهو ثوب من صوف ، ومنه العباءة ، كذا نقل عن الجوهري (٣).

ويدلّ عليه المرسل المرويّ عن الكافي ، قال : وروي «لا تصلّ في ثوب أسود ، فأمّا الخفّ أو الكساء أو العمامة فلا بأس» (٤).

ويؤيّده مرفوعة أحمد بن محمّد ـ المرويّة عن الكافي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يكره السواد إلّا في ثلاث : الخفّ والعمامة والكساء» (٥).

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٦٣ ، وراجع أيضا ج ٩ من هذا الكتاب ، ص ٣٦٤.

(٢) راجع : جامع المقاصد ٢ : ٤٧.

(٣) الصحاح ٦ : ٢٤١٨ «عبى» وحكاه عنه الشهيد الثاني في مسالك الافهام ١ : ١٦٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ ، ذيل ح ٢٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٣ / ٢٩ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

٤٥٠

وخبر أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكره السواد إلّا في ثلاث : الخفّ والعمامة والكساء» (١).

بل ربما يستدلّ بهاتين الروايتين وبغيرهما أيضا من الأخبار الدالّة على كراهة لبس السواد ـ التي سيأتي بعضها ـ بدعوى أنّ كراهة لبسها (٢) مطلقا تستلزم كراهته حال الصلاة.

وفيه : أنّ المدّعى كراهة الصلاة فيه من حيث هي ، لا من حيث كونه لابسا حال الصلاة لما هو مكروه من حيث هو.

نعم ، يمكن الاستدلال لكراهة الصلاة في الثياب السود بمفهوم التعليل الوارد في القلنسوة فيما رواه في الكافي عن محسن بن أحمد عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال : «لا تصلّ فيها فإنّها لباس أهل النار» (٣) فإنّه يدلّ على كراهة كلّ ما هو من لباس أهل النار ، ومن جملته الثياب السود.

كما يشهد له رواية حذيفة بن منصور ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بالحيرة ، فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه ، فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض ، فلبسه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أما إنّي ألبسه وأنا أعلم أنّه لباس أهل النار» (٤) إذ الظاهر أنّ ذلك من حيث السواد ، لا خصوصيّة الممطر ، كما يؤيّد ذلك

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٤٩ (باب لبس السواد) ح ١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) أي : لبس الثياب السود. والظاهر : «لبسه».

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٣ / ٣٠ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٤٩ (باب لبس السواد) ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٦٣ / ٧٧٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٧.

٤٥١

سائر الأخبار خصوصا الخبرين الآتيين ، وسوق التعبير يشهد بكون لبسه من باب الضرورة.

والممطر ـ على ما في المجمع ـ كمنبر : ما يلبس في المطر يتوقّى به منه (١).

ويؤيّده بل يدلّ عليه لو أريد بلباس أهل النار ما يلبسونه ولو في الدنيا : ما عن الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال فيما علّم أصحابه : «لا تلبسوا السواد فإنّه لباس فرعون» (٢).

وعنه أيضا مرسلا قال : روي أنّ جبرئيل عليه‌السلام هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قباء أسود ومنطقة فيها خنجر ، فقال : «يا جبرئيل ما هذا؟» فقال : زيّ ولد عمّك العباس يا محمّد ، ويل لولدك من ولد عمّك العباس (٣).

وكيف كان فلا تأمّل في الحكم خصوصا بعد ما حكي عن بعض من دعوى الإجماع عليه (٤) ، كما أنّه لا تأمّل في اختصاص كراهة اللّبس ولو في غير الصلاة أيضا بما عدا المذكورات ، كما يدلّ عليه الأخبار المتقدّمة.

ويدلّ عليه أيضا في خصوص العمامة خبر عبد الله بن سليمان ـ المرويّ عن مكارم الأخلاق ـ : إنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه (٥).

وخبر معاوية بن عمّار ـ المرويّ عنه أيضا ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) مجمع البحرين ٣ : ٤٨٣ «مطر».

(٢) الفقيه ١ : ١٦٣ / ٧٦٦ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٣ / ٧٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

(٤) الخلاف ١ : ٥٠٦ ، المسألة ٢٤٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٨٣.

(٥) مكارم الأخلاق : ١١٩ ـ ١٢٠ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الملابس ، ح ٩.

٤٥٢

سمعته يقول : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحرم يوم دخل مكّة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح» (١).

وحكي عن غير واحد (٢) تخصيص الكراهة بالرجال. ولعلّه لدعوى انصراف أدلّتها إليهم. وفيه تأمّل.

وفي الحدائق لم يستبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه‌السلام من هذه الأخبار ؛ لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان (٣).

وفيه نظر.

ويدلّ على كراهة الصلاة في بعض الألوان غير السواد : موثّقة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم» (٤).

أقول : في الحدائق : المفدم لغة : الشديد الحمرة أو اللون ، وعلى الثاني فيكون تأكيدا للمشبع ، فيكون فيه دلالة على كراهة كلّ لون مشبع من حمرة أو صفرة أو خضرة أو نحو ذلك ، ومن هنا نقل عن الشيخ وابن الجنيد وابن إدريس كراهة الصلاة في الثياب المفدمة بلون من الألوان (٥). انتهى.

وخبر يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه كره الصلاة في المشبع

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ١١٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الملابس ، ح ١٠.

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ١٤٧ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٧٧.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ١١٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٤٩ ، الوسائل ، الباب ٥٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٥) الحدائق الناضرة ٧ : ١١٨ ، وراجع المبسوط ١ : ٩٥ ، والسرائر ١ : ٢٦٣ ، ومختلف الشيعة ٢ : ١٠٠ ، المسألة ٤٠ ، حيث فيه حكاية قول ابن الجنيد.

٤٥٣

بالعصفر والمضرّج بالزعفران (١).

عن الوافي : المضرّج ـ بالضاد المعجمة والجيم ـ : المصبوغ بالحمرة دون المفدم وفوق المورّد (٢).

(و) كذا تكره الصلاة (في ثوب واحد رقيق للرجال) كما حكي عن كثير من الأصحاب (٣) ؛ لقوله عليه‌السلام في مرفوعة أحمد بن حمّاد : «لا تصلّ فيما شفّ أو صفّ» (٤).

ومفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي وقع فيها السؤال عن الصلاة في ثوب واحد ـ : «إذا كان كثيفا فلا بأس» (٥).

ويحتمل قويّا أن يكون المراد باعتبار وصف الكثافة الاحتراز عمّا ليس بساتر ، كما أنّه يحتمل في الرواية الأولى أن يكون المراد بالشاف ما يحكي البشرة على ما هي عليه من اللون والحجم ، فيكون النهي على حقيقته من التحريم ، لكن إبقاء لفظ «الكثيف» وكذا «الشاف» على ظاهره ، وحمل البأس المفهوم من الصحيحة وكذا النهي في الرواية الأولى على ما يعمّ الكراهة لعلّه أوفق بظاهرهما.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٠ ، الوسائل ، الباب ٥٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٢) الوافي ٧ : ٣٩١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١١٨ ـ ١١٩.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٩٧ ، والمبسوط ١ : ٨٣ ، والعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ٣٠ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٤٦ ، والشهيد في البيان : ١٢٢ ، والدروس ١ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، واللمعة : ٣٠ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٥٣٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٨٨ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٠٢ ، والكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١١١ ، مفتاح ١٢٦ ، وحكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٨٣.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٣٧٩ ، الهامش (١).

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٣٧٣ ، الهامش (٥).

٤٥٤

وأوضح منهما دلالة عليه : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث الأربعمائة ـ المرويّ عن الخصال ـ : «عليكم بالصفيق من الثياب ، فإنّ من رقّ ثوبه رقّ دينه ، لا يقومنّ أحدكم بين يدي الربّ جلّ جلاله وعليه ثوب يشفّ» (١) فإنّ سوق الرواية يشعر بإرادة الكراهة.

وكيف كان فهذا إنّما هو فيما إذا لم يحك البشرة حكاية قادحة لتحقّق ستر العورة عرفا ، كما عرفت تحقيقه في محلّه (فإن حكى ما تحته ، لم يجزئ) كما عرفته فيما سبق.

(و) كذا (يكره أن يأتزر فوق القميص) كما عن الشيخين وأتباعهما (٢) ، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور (٣).

ويدلّ عليه خبر أبي بصير ـ المرويّ عن الكافي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص وأنت تصلّي ، ولا تتّزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت فإنّه من زيّ الجاهليّة» (٤).

ولكن نقل في المدارك هذه الرواية عن التهذيب هكذا : «ولا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت» (٥) بإسقاط «وأنت تصلّي ، ولا تتّزر بإزار فوق القميص».

__________________

(١) الخصال : ٦٢٣ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٢) المقنعة : ١٥٠ ، المبسوط ١ : ٨٣ ، النهاية : ٩٧ ، المراسم : ٦٤ ، المهذّب ١ : ٧٤ ، وحكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١١٩.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ١١٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٥ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٤ / ٨٤٠.

٤٥٥

ثمّ ناقش في استدلال الشيخ بها على المدّعى : بأنّ التوشّح غير الاتّزار ، فلا تدلّ الرواية على كراهة الاتّزار (١).

وفيه : أنّ ما وقع من التهذيب بحسب الظاهر من سهو القلم ، فلا يقدح في حجّيّة ما في الكافي الذي هو أوثق وأضبط ، خصوصا في مثل المقام الذي يقع فيه كثيرا مّا الخطأ من النّسّاخ باعتبار تكرار لفظ «فوق القميص» كما لا يخفى.

والحاصل : أنّ عدم اشتمال ما في التهذيب على الاتّزار لا يخلّ باعتبار ما في الكافي ، فهو حجّة معتمدة.

ولا يعارضه ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن موسى بن القاسم البجلي ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يصلّي في قميص قد اتّزر فوقه بمنديل وهو يصلّي (٢) ، وفي الصحيح عن موسى بن عمر بن بزيع ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : أشدّ الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة؟ قال : «لا بأس به» (٣) لجواز أن يكون المقصود بنفي البأس في الرواية الأخيرة نفي الحرمة ، وأمّا الصحيحة الأولى : فهي حكاية فعل لا تصلح لمعارضة القول ، فيمكن أن يكون صدوره لضرورة مقتضية له ، أو لبيان جوازه ، أو غير ذلك من المحامل. فما في المدارك من نفي الكراهة (٤) ، ضعيف.

ويكره أيضا التوشّح فوق القميص ، بل وكذا تحته وتحت الرداء ، كما يدلّ

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٦ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٢١٥ / ٨٤٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٥ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٢٠٣.

٤٥٦

عليه أخبار متكاثرة :

منها : خبر أبي بصير ، المتقدّم (١).

ومنها : ما رواه الشيخ عن محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أحدهم عليهم‌السلام (٢) قال : «الارتداء فوق التوشّح في الصلاة مكروه ، والتوشّح فوق القميص مكروه» (٣).

وخبر زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أنّه سأله رجل ـ وهو حاضر ـ عن الرجل يخرج من الحمّام أو يغتسل فيتوشّح ويلبس قميصه فوق إزاره فيصلّي ، وهو كذلك ، قال : «هذا من عمل قوم لوط» فقلت له : «إنّه يتوشّح فوق القميص ، قال : «هذا من التجبّر» (٤).

وخبر الهيثم ـ المرويّ عن كتاب العلل ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّما كره التوشّح فوق القميص لأنّه من فعل الجبابرة» (٥).

وخبر يونس عن جماعة من أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّه سئل ما العلّة التي من أجلها لا يصلّي الرجل وهو متوشّح؟ فقال : «لعلّة التكبّر في موضع الاستكانة والذلّ» (٦).

__________________

(١) في ص ٤٥٥.

(٢) في الوسائل : «أحدهما عليهما‌السلام».

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٤ / ٨٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ / ١٤٧٢ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٢ ، ورواه الصدوق أيضا في الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٥ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٥) علل الشرائع : ٣٢٩ (الباب ٢٥) ح ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٠.

(٦) علل الشرائع : ٣٢٩ (الباب ٢٥) ح ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١١.

٤٥٧

وعن كتاب الخصال عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصلّي الرجل في قميص متوشّحا به ، فإنّه من أفعال قوم لوط» (١).

ويتأكّد ذلك في الإمام ، كما يدلّ عليه موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام :سئل عن رجل يؤمّ بقوم يجوز له أن يتوشّح؟ قال : «لا ، لا يصلّي الرجل بقوم وهو متوشّح فوق ثيابه وإن كانت عليه ثياب كثيرة ، لأنّ الإمام لا يجوز له الصلاة وهو متوشّح» (٢).

ولا ينافي ذلك ما في حسنة حمّاد بن عيسى ، قال : كتب الحسن بن علي بن يقطين إلى العبد الصالح عليه‌السلام : هل يصلّي الرجل وعليه إزار متوشّح به فوق القميص؟ فكتب «نعم» (٣) وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن كتاب المسائل وقرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يتوشّح بالثوب فيقع على الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟ قال : «لا بأس» (٤) لإمكان حملهما على إرادة الجواز الغير المنافي للكراهة ، كما أومأ إليه الصدوق في الفقيه حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ بعد أن روى ما يدلّ على الكراهة : وقد رويت رخصة في

__________________

(١) الخصال : ٦١٠ ـ ٦٢٧ / ١٠ ، وعنه في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢١ ، وكذا في الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٢ / ٨٣٦ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٧ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٧.

(٤) مسائل علي بن جعفر : ١٨٨ / ٣٧٨ ، قرب الإسناد : ١٩٢ / ٧٢٣ ، وعنهما في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، وفي الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٢ عن علي بن جعفر في كتابه.

٤٥٨

التوشّح بالإزار عن العبد الصالح وعن أبي الحسن الثالث وعن أبي جعفر الثاني عليهم‌السلام ، وبها آخذ وأفتي (١).

وفي الحدائق ـ بعد نقل هذه العبارة عن الفقيه ـ قال : وما ذكره من الرواية عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن عليهما‌السلام فلم يصل إلينا فيما وصل من المنقول ، ولكنّه الصدوق فيما يقول (٢).

بقي الكلام في معنى التوشّح.

فعن الجوهري : يقال : توشّح الرجل بثوبه وسيفه : إذا تقلّد بهما (٣).

وعن القاموس : توشّح الرجل بثوبه : تقلّد به (٤).

وعن الفيّومي في المصباح المنير : توشّح به هو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم (٥).

أقول : والظاهر عدم التنافي بين هذين المعنيين ، كما يشير إلى ذلك ما عن كتاب المغرب حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ : توشّح الرجل ، وهو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ، وكذلك الرجل يتوشّح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى ، وتكون اليمنى مكشوفة (٦) ، بل لم يظهر التنافي بينهما وبين ما حكي عن النهاية الأثيريّة : فيه : أنّه

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٩ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٢.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٠٣ ، وانظر : الصحاح ١ : ٤١٥ «وشح».

(٤) القاموس المحيط ١ : ٢٥٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٣.

(٥) المصباح المنير : ٦٦١ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٣.

(٦) المغرب ٢ : ٢٥٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٣.

٤٥٩

كان يتوشّح بثوبه ، أي يتغشّى به ، والأصل فيه من الوشاح (١) ؛ إذ لم يعلم أنّه أراد بذلك ما ينافي التفسير المتقدّم ؛ فإنّ عبارته لا تخلو عن إجمال خصوصا ما نبّه عليه من أنّه مأخوذ من الوشاح ، فلا يبعد أن يكون مراده بالتغشّي النوع الخاصّ منه الحاصل بالكيفيّة المزبورة ، فيكون قوله تفسيرا بالأعمّ ، كقولهم : «سعدانة نبت» أو أنّه أراد بذلك تفسيره في خصوص مورد.

ولقد أومأ إلى ذلك كلّه في مجمع البحرين حيث قال : في الحديث : التوشّح في القميص من التجبّر ، وفيه : الارتداء فوق التوشّح في الصلاة مكروه ، وفيه : أنّه كان يتوشّح بثوبه ، أي يتغشّى به. والأصل في ذلك كلّه من الوشاح ـ ككتاب ـ وهو شي‌ء ينسج من أديم عرضا ويرصّع بالجواهر ، ويوضع شبه قلادة تلبسه النساء ، يقال : وشح الرجل بثوبه أو بإزاره ، وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ، وكما يتوشّح الرجل بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة (٢). انتهى ؛ إذ الظاهر أنّ قوله : «يقال : وشح الرجل» إلى آخره ، بيان لما أجمله أوّلا.

وعن النووي في شرح صحيح مسلم : أنّ التوشّح أن يأخذ طرف ثوب ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ، ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثمّ يعقدهما على صدره ، والمخالفة (٣) بين طرفيه والاشتمال

__________________

(١) النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١٨٧ «وشح» وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢٣.

(٢) مجمع البحرين ٢ : ٤٢٣.

(٣) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «بالمخالفة» بدل «والمخالفة». والصحيح ما أثبت.

٤٦٠