مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

الخبرين بالحمل على إرادة اللّبس في غير حال الصلاة ، مضافا إلى ما ربّما يظهر من بعض من دعوى كون التفصيل خرقا للإجماع المركّب.

وكيف كان فلا ريب في أنّ حمل النهي على الكراهة أولى من هذا التخصيص المخالف للمشهور أو المجمع عليه ، والله العالم.

(وإذا مزج) الحرير (بشي‌ء ممّا تجوز الصلاة فيه حتى خرج عن كونه محضا ، جاز لبسه والصلاة فيه ، سواء كان) ذلك الشي‌ء (أكثر من الحرير أو أقلّ منه). بلا خلاف فيه على الظاهر.

ويشهد له أخبار كثيرة :

منها : خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان» (١).

وخبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سأل الحسن بن قياما أبا الحسن عليه‌السلام عن الثوب الملحم بالقزّ والقطن ، والقزّ أكثر من النصف ، أيصلّى فيه؟ قال : «لا بأس ، قد كان لأبي الحسن عليه‌السلام منه جبّات (٢)» (٣).

وخبر إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الثوب يكون فيه الحرير ، فقال : «إن كان فيه خلط فلا بأس» (٤).

وخبر أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سأله أبو سعيد عن

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) في الكافي : «جباب كذلك» بدل «جبّات».

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

٣٤١

الخميصة ـ وأنا عنده ـ سداها إبريسم ، أيلبسها وكان وجد البرد؟ فأمره أن يلبسها (١).

في المجمع : خميصة هي : ثوب خزّ أو صوف مربّع معلم. قيل : ولا تسمّى خميصة إلّا أن تكون سوداء معلمة (٢). انتهى.

في الجواهر : والخميصة كساء أسود مربّع له علمان (٣). انتهى.

وخبر زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن ، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء» (٤).

وعن كتاب الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه : أنّه كتب إليه : يتّخذ باصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قزّ وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام «لا تجوز الصلاة إلّا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان» (٥).

إلى غير ذلك من النصوص التي تقدّم بعضها ، كخبري (٦) يوسف بن إبراهيم ، وصحيحتي (٧) محمّد بن عبد الجبّار ، وغيرهما.

وما في بعض الأخبار المتقدّمة من تخصيص الجواز بما إذا امتزج بقطن أو

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ١٦٩ ـ ١٧٠ «خمص».

(٣) جواهر الكلام ٨ : ١٣٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٣١٩ ، الهامش (٢).

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٤ ، الهامش (٤).

(٦) تقدّما في ص ٣٠١ و ٣٠٢.

(٧) تقدّمتا في ص ٣٠٣ و ٣٠٤.

٣٤٢

كتّان أو خزّ (١) فهو بحسب الظاهر جار مجرى التمثيل ، كما أنّ ما فيها من تعليق الجواز على خصوص ما إذا كان سداه أو لحمته من غير الحرير (٢) أيضا مبنيّ على ذلك أريد به بيان إناطة الحرمة بالخلوص وكونه حريرا محضا ، فتخصيص هذا القسم من الخلط بالتمثيل لعلّه لغلبة حصول الامتزاج به ، لا لإرادته بالخصوص ، فلا ينافيه ما تقدّم سابقا (٣) من أنّه لا بأس بالثوب المكفوف وذي العلم ونحوهما ممّا هو مشتمل على شي‌ء من الحرير المحض ، ولكن لا يصدق عليه من حيث هو أنّه ثوب حرير محض.

هذا ، مع أنّ الثوب الذي بعضه حرير ـ كذي العلم والمكفوف أو المنسوج طرائق بعضها من الحرير ـ خارج عمّا هو المفروض موضوعا في تلك الأخبار التي وقع فيها تعليق الجواز على ما إذا كان سداه أو لحمته قطن أو كتّان ؛ لأنّ تلك الأخبار وردت فيما يطلق عليه من حيث هو اسم ثوب الحرير ، فالمكفوف ونحوه ممّا لا يطلق عليه هذا الاسم خارج عن موضوعها.

نعم ، قد يتراءى من خبر إسماعيل بن الفضل ، المتقدّم (٤) : أنّه إذا كان الحرير جزءا من الثوب أيضا يعتبر فيه الخلط ، فلا يكفي عدم محوضة الثوب من حيث هو.

ولكنّه لا بدّ من حمله على ما لا ينافي غيره من الأدلّة المتقدّمة.

__________________

(١) كما في خبر زرارة ، المتقدّم في ص ٣١٩ و ٣٤٢.

(٢) كما في خبر عبيد بن زرارة ، المتقدّم في ص ٣٤١.

(٣) في ص ٣٠٢ و ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

(٤) في ص ٣٤١.

٣٤٣

ويحتمل أن يكون الضمير في قوله عليه‌السلام : «إن كان فيه خلط» راجعا إلى الثوب ، لا إلى الحرير ، بل الظاهر أنّ المراد بالحرير في كلام السائل ـ كعبارة المتن ـ هو الإبريسم الذي يتّخذ منه الثوب ، لا المنسوج ، فعلى هذا يتعيّن إرجاع الضمير إلى الثوب ، فلا ينافي غيره حينئذ ، كما لا يخفى.

تنبيه : لا يجوز لبس الذهب للرجال ولا الصلاة فيه.

أمّا الأوّل : فإجماعا ، كما ادّعاه غير واحد ، بل قيل : إنّه ضروريّ الدين (١).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ المستفيضة الآتية.

وأمّا الثاني : فربما يظهر من غير واحد أيضا عدم الخلاف فيه فيما تتمّ به الصلاة ، وأمّا فيما لا تتمّ به الصلاة ـ كالخاتم ونحوه ـ ففيه خلاف ، وربما نسب (٢) إلى الأكثر البطلان.

وعن ظاهر المصنّف في المعتبر : العدم ؛ حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ : لو صلّى وفي يده خاتم من ذهب ، ففي فساد الصلاة تردّد ، أقربه : أنّها لا تبطل ؛ لما قلناه في الخاتم المغصوب. ومنشؤ التردّد رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه» (٣) انتهى.

وفي الحدائق ـ بعد أن حكى ما سمعته عن المعتبر ـ قال : وأشار بقوله : «لما قلناه في الخاتم المغصوب» إلى ما قدّمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب

__________________

(١) كما في مستند الشيعة ٤ : ٣٥٦.

(٢) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٠١.

(٣) المعتبر ٢ : ٩٢ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٠١.

٣٤٤

من أنّ النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها (١) انتهى.

أقول : متن الرواية المزبورة على ما رواها في الوسائل (٢) هكذا : «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الحديد : إنّه حلية أهل النار ، والذهب إنّه حلية أهل الجنّة ، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه» (٣).

ويدلّ على المنع عن الصلاة فيه ـ مضافا إلى ذلك ـ موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلّي وعليه خاتم حديد ، قال : «لا ، ولا يتختّم به الرجل لأنّه من لباس أهل النار» وقال : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لأنّه من لباس أهل الجنّة» (٤).

ويمكن الخدشة في دلالتها على الحرمة ؛ حيث إنّ ما فيها من التعليل ربما يوهن ظهورها في ذلك ، كما في الفقرة الأولى.

وخبر جابر الجعفي ـ المرويّ عن الخصال ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام ، وحرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد ، ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه ، وحرم ذلك على الرجال» (٥).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ١٠١ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٩٢.

(٢) الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤.

(٤) علل الشرائع : ٣٤٨ (الباب ٥٧) ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤ ، والباب ٣٢ من تلك الأبواب ، ح ٥.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٣٠١ ، الهامش (٧).

٣٤٥

وعن الفقه الرضوي : «لا تصلّ في ديباج ولا في حرير ـ إلى أن قال ـ ولا تصلّ في جلد الميتة على كلّ حال ولا في خاتم ذهب ، ولا تشرب في آنية الذهب والفضّة ، ولا تصلّ على شي‌ء من هذه الأشياء ..» (١).

والخدشة في سند الروايات في مثل هذا الفرع الذي لم يوجد مصرّح بالخلاف ممّا لا ينبغي الالتفات إليها.

واستدلّ له أيضا بأنّ الصلاة فيه استعمال له ، فلا تصحّ ؛ لأنّ النهي في العبادة يدلّ على الفساد.

وفيه : ما أشير إليه فيما حكي عن المعتبر (٢) من أنّ المنهيّ عنه نصّا وفتوى إنّما هو لبسه ، لا مطلق استعماله ، ومن الواضح أنّ اللّبس أمر مغاير لأفعال الصلاة ، فلا يصدق على القيام والقعود والركوع وغيرها من أجزاء الصلاة عنوان اللّبس ، بل هي ممّا يتحقّق بها التصرّف في الملبوس ، لا أنّها بعينها لبس له كي لا تصحّ عبادة.

نعم ، قد يقال : إنّ مقتضى حرمة لبس الذهب بطلان الصلاة الواقعة فيه إذا حصل به الستر الواجب ؛ لأنّ ستر العورة المأمور به في الصلاة عبارة أخرى عن لبس الساتر ، فلا يجوز أن يجتمع مع الحرام.

وربما يناقش في ذلك أيضا : بأنّ الستر المعتبر في الصلاة عبارة عن جعل العورة مستورة بساتر ، وهو فعل يتولّد من لبس الساتر ، لا عينه ، فاللّبس من

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ٣٤٥.

٣٤٦

مقدّمات حصول الستر ، لا عينه.

وكيف كان فالأخبار المتقدّمة أغنتنا عن مثل هذه الأدلّة.

وهل يلحق بالذهب المذهّب تمويها أو غيره؟ فيه تردّد بل خلاف ، فربما يظهر من غير واحد من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم : العدم.

فعن الغنية : تكره الصلاة في المذهّب والملحم بالذهب بدليل الإجماع المشار إليه (١).

وعن الإشارة : وكما تستحبّ صلاة المصلّي في الثياب البياض القطن والكتّان ، كذلك تكره في المصبوغ منها ، وتتأكّد في السود والحمر وفي الملحم بذهب أو حرير (٢).

وعن الوسيلة : والمموّه من الخاتم والمجرى فيه الذهب والمصوغ من النقدين على وجه لا يتميّز والمدروس من الطراز مع بقاء أثره حلّ للرجال (٣).

وعن الحلبي : وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ ، وأشدّه كراهيّة : الأسود ثمّ الأحمر المشبّع والمذهّب والموشّح والملحم بالحرير والذهب (٤).

وعن العلّامة الطباطبائي قدس‌سره في المنظومة (٥) اختياره.

خلافا للمحكيّ عن الفاضل والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم ، فذهبوا

__________________

(١) الغنية : ٦٦ ، وحكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٨ : ١١٢.

(٢) إشارة السبق : ٨٤ ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ١٩٦.

(٣) الوسيلة : ٣٦٨ ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ١٩٦.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٠ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ١٩٦.

(٥) الدرّة النجفيّة : ١٠٤ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ١١٢.

٣٤٧

إلى حرمة لبسه والصلاة فيه (١).

وربما يظهر من غير واحد التردّد فيه.

ففي المستند ـ بعد أن حكم بحرمة لبس الذهب والصلاة فيه ـ قال : وهل تشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه فلا يحرم إلّا لباس كان سداه ولحمته ذهبا ، أو لا بل يحرم ولو لم يكن محضا؟ فيه إشكال حيث إنّ ما لبسه ليس ذهبا ، وما هو ذهب لم يلبس ، بل لبس ما يشمل عليه. وحكم في الغنية بكراهة الملحم بالذهب. وكيف كان فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب ؛ للشكّ في صدق لبس الذهب سيّما إذا كان مثل الأزرار وأطراف الثوب. نعم ، يحرم التختّم به ولو شكّ في صدق اللّبس عليه على الأظهر الأشهر ، بل في الخلاف الإجماع عليه ؛ لما مرّ (٢). انتهى.

أقول : لا ريب في أنّ لبس الذهب لا يصدق حقيقة إلّا إذا كان الملبوس من حيث هو مصداقا للذهب ، كما في الحرير ، ولكن قد يقال : إنّ عدم تعارف اتّخاذ اللباس من الذهب محضا قرينة على أنّ المراد من النهي عن لبسه استعماله في الملبوس بجعله جزءا منه ، فيعمّ مثل الأزرار ونحوها فضلا عن مثل اللحمة المحيطة بسدى الثوب ، التي لا يشكّ معها في صدق لبس الذهب عرفا ، ومن هنا جزم كاشف الغطاء بالمنع عن الجميع.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٧١ ، الفرع «أ» من المسألة ١٢٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٧ ، البيان : ١٢١ ، الدروس ١ : ١٥٠ ، المقاصد العليّة : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، الجعفريّة (ضمن رسائل المحقّق الكركي) ١ : ١٠١ ـ ١٠٢ ، وحكاه عنهم صاحب الجواهر فيها ٨ : ١١٢.

(٢) مستند الشيعة ٤ : ٣٥٦ و ٣٥٨.

٣٤٨

فقال في كشفه ـ على ما حكي عنه ـ : الشرط الثالث : أن لا يكون هو أو جزؤه ولو جزئيّا أو طليه ممّا يعدّ لباسا أو فيما يعدّ لباسا أو لبسا ـ ولو مجازا بالنسبة إلى الذهب ـ من الذهب ؛ إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب ؛ إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه ، فلبسه إمّا بالمزج أو التذهيب أو التحلّي أو التزيين بخاتم ونحوه (١). انتهى.

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ عدم تعارف نسج الثوب من الذهب لا يصلح قرينة لصرف النهي عن لبس الذهب والصلاة فيه إلى إرادة ما يعمّ الممتزج والمموّه ؛ لإمكان إرادة مثل السوار والدملج والخلخال والخاتم ونحوها ممّا يتحقّق معه اسم اللّبس عرفا.

نعم ، لا يبعد أن يقال : إنّ المنساق إلى الذهن من تفريع حرمة لبسه على الرجال في خبر (٢) النميري على أنّ الله جعله في الدنيا زينة النساء : إرادة مطلق التحلّي والتزيّن به وإن لم يتحقّق معه صدق اسم اللّبس حقيقة. ولكنّه لا يخلو عن تأمّل.

وكيف كان فالقول بالمنع مطلقا إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

نعم ، لا ينبغي التأمّل في قصور النواهي المتعلّقة بلبس الذهب عن شمول حلية السيف ونحوها ممّا لا يعدّ من حيث هو لباسا ، ولا حلية للشخص أوّلا وبالذات بل ثانيا وبالعرض ، فلا ينبغي الاستشكال فيه.

كما يؤيّده بل يشهد له في خصوص حلية السيف خبر داود عن

__________________

(١) كشف الغطاء ٣ : ٢١ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٥ ، الهامش (٣).

٣٤٩

أبي عبد الله عليه‌السلام : «ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضّة بأس» (١).

وخبر عبد الله بن سنان : «ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضّة» (٢).

كما أنّه لا بأس بشدّ الأسنان به.

كما يشهد له ـ مضافا إلى الأصل بعد وضوح عدم صدق اسم اللّبس عليه ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب (٣).

وفي خبر عبد الله بن سنان ـ المرويّ عن مكارم الأخلاق للطبرسي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام [قال] : سألته عن الرجل ينفصم سنّه أيصلح له أن يشدّها بالذهب؟ وإن سقطت أيصلح أن يجعل مكانها سنّ شاة؟ قال : «نعم إن شاء ليشدّها بعد أن تكون ذكيّة» (٤).

وخبر الحلبي ـ المروي عنه أيضا ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الثنيّة تنفصم أيصلح أن تشبك بالذهب وإن سقطت يجعل مكانها ثنيّة شاة؟ قال : «نعم ، إن شاء [فليضع مكانها ثنيّة شاة] (٥) بعد أن تكون ذكيّة» (٦).

أقول : ولعلّ اشتراط الذكاة فيها بلحاظ ما يصاحبها بحسب العادة من اللحم ، والله العالم.

المسألة (الخامسة : الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه) بل و

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٦٤ من أبواب أحكام الملابس ، ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٦٤ من أبواب أحكام الملابس ، ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٤) مكارم الأخلاق : ٩٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ليشدّها». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) مكارم الأخلاق : ٩٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

٣٥٠

لا تصحّ أيضا ، ساترا كان أم غيره على المشهور ، بل عن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع عليه (١) ، وعن كثير منهم التصريح بعدم الفرق بين الساتر وغيره (٢). وحكي عن الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ القول بصحّة الصلاة في المغصوب ، لباسا كان أم مكانا.

والأصل في النسبة ما نقله عنه الكليني قدس‌سره في الكافي في كتاب الطلاق ، قال ـ في مقام الردّ على المخالفين في جواب من قاس صحّة الطلاق في الحيض بصحّة العدّة مع خروج المعتدّة أو إخراجها من بيت زوجها ـ ما هذا لفظه : وإنّما قياس الخروج والإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلّى فيها ، فهو عاص في دخوله الدار ، وصلاته جائزة ؛ لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة ؛ لأنّه منهيّ عن ذلك ، صلّى أو لم يصلّ ، وكذلك لو أنّ رجلا غصب ثوبا أو أخذه فلبسه بغير إذنه فصلّى فيه ، لكانت صلاته جائزة ، وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب ؛ لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة ؛ لأنّه منهيّ عن ذلك ، صلّى أو لم يصلّ ، وكذلك لو أنّه لبس ثوبا غير طاهر أو لم يطهّر نفسه ، أو لم يتوجّه نحو القبلة ، لكانت صلاته فاسدة غير جائزة ؛ لأنّ ذلك من شرائط الصلاة وحدودها لا يجب إلّا للصلاة ، و

__________________

(١) مسائل الناصريّات ، ٢٠٥ ، المسألة ٨١ ، الغنية : ٦٦ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٧٦ ، المسألة ١٢٥ ، تحرير الأحكام ١ : ٣٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٨ ، الذكرى ٢ : ٤٨ ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٢٣.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٣٠ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٧٧ ، الفرع «ب» من المسألة ١٢٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٨ ، البيان : ١٢١ ، الدروس ١ : ١٥١ ، الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٦٩ ، الجعفريّة (ضمن رسائل المحقّق الكركي) ١ : ١٠٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٧٨ ، وحكاه عنها الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٢٣ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٥٧.

٣٥١

كذلك لو كذب في شهر رمضان وهو صائم بعد أن لا يخرجه كذبه من الإيمان ، لكان عاصيا في كذبه ، وكان صومه جائزا ؛ لأنّه منهيّ عن الكذب ، صام أو أفطر ، ولو ترك العزم على الصوم أو جامع ، لكان صومه فاسدا باطلا ؛ لأنّ ذلك من شرائط الصوم وحدوده لا يجب إلّا مع الصوم ، و، كذلك لو حجّ وهو عاقّ لوالديه ولم يخرج لغرمائه من حقوقهم ، لكان عاصيا في ذلك ، وكانت حجّته جائزة ؛ لأنّه منهيّ عن ذلك ، حجّ أو لم يحج ، ولو ترك الإحرام أو جامع في إحرامه قبل الوقوف ، لكانت حجّته فاسدة غير جائزة ؛ لأنّ ذلك من شرائط الحجّ وحدوده لا يجب إلّا مع الحجّ ومن أجل الحجّ ، فكلّ ما كان واجبا قبل الفرض وبعده فليس ذلك من شرائط الفرض ؛ لأنّ ذلك أتي على حدّه والفرض جائز معه ، فكلّ ما لم يجب إلّا مع الفرض ومن أجل ذلك الفرض ، فإنّ ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض إلّا بذلك على ما بيّنّاه ، ولكن القوم لا يعرفون ولا يميّزون ويريدون أن يلبسوا الحقّ بالباطل (١). انتهى.

وفي الحدائق رجّح هذا القول وبالغ في تشييده ، وحكى عن المحدّث الكاشاني الميل إليه ، ونقل عن المجلسي رحمه‌الله ما يظهر منه ميله إليه (٢).

وعن المصنف رحمه‌الله في المعتبر التفصيل بين الساتر وغيره ، قال في محكيّ المعتبر : ثمّ اعلم أنّي لم أقف على نصّ عن أهل البيت عليهم‌السلام بإبطال الصلاة ، وإنّما هو شي‌ء ذهب إليه المشايخ الثلاثة منّا وأتباعهم. والأقرب : أنّه إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه ، كانت الصلاة باطلة ؛ لأنّ جزء الصلاة يكون منهيّا

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٣ ـ ٩٥ (باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة وبين المطلّقة ..).

(٢) الحدائق الناضرة ٧ : ١٠٤ ، وراجع : مفاتيح الشرائع ١ : ٩٩ ، مفتاح ١١٢ ، وبحار الأنوار ٨٣ : ٢٨٠.

٣٥٢

عنه ، وتبطل الصلاة بفواته ، وأمّا لو لم يكن كذلك ، لم تبطل ، وكان كلبس خاتم مغصوب (١). انتهى.

ونوقش فيه : بأنّ ستر العورة ليس جزءا من الصلاة ، وإنّما هو من شروط صحّتها ، ولعلّه لذا عدل صاحب المدارك ـ مع موافقته للمصنّف رحمه‌الله فيما اختاره ـ عن التعبير بالجزئيّة إلى التعبير بالشرطيّة ، فقال ـ بعد نقل كلام الأصحاب وحكمهم بالبطلان مطلقا واحتجاجهم عليه ومناقشته في احتجاجهم بما ستسمعه ـ ما هذا لفظه : والمعتمد ما اختاره المصنّف رحمه‌الله في المعتبر من بطلان الصلاة إن كان الثوب ساترا للعورة ؛ لتوجّه النهي إلى شرط العبادة ، فيفسد ، ويبطل المشروط ؛ لفواته ، وكذا إن قام فوقه أو سجد عليه ؛ لأنّ جزء الصلاة يكون منهيّا عنه ، وهو القيام والقعود ؛ حيث إنّ نفس الكون منهيّ عنه ، أمّا لو يكن كذلك لم يبطل ؛ لتوجّه النهي إلى أمر خارج عن العبادة (٢). انتهى.

أقول : والذي يقتضيه التدبّر أنّ العدول عمّا ذكره المصنّف في مقام الاستدلال نشأ من الغفلة والخلط بين أحكام الجزء والشرط.

بيان ذلك : أنّ ستر العورة ـ الذي هو عبارة أخرى عن لبس الساتر ـ هو في حدّ ذاته فعل من أفعال المكلّف حدوثا وبقاء ، موجب لاستحقاق العقاب عليه على تقدير كون الساتر مغصوبا ؛ حيث إنّ لبس المغصوب من أوضح أفراد التصرّف فيه المعلوم حرمته بالضرورة ، فإن كان هذا الفعل ـ أي الستر من حيث

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٩٢ ، وحكاه عنه الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٢٤ ، وصاحب الجواهر فيها ٨ : ١٤٢ ، وفيها : «خاتم من ذهب».

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ١٨١ ـ ١٨٢.

٣٥٣

هو ـ معتبرا في ماهيّة الصلاة لكان حاله حال الركوع والسجود والقيام ونحوها في كونه معدودا من أجزاء الصلاة ، لا من الشرائط المعتبرة في صحّتها ؛ لأنّ الشرط هو الجزء العقلي الذي يتقيّد به الماهيّة ، ولا يزيد بزيادته أجزاؤها ، كالطهارة والإسلام ونحو ذلك ، فالستر على تقدير كونه بنفسه معتبرا في الصلاة لكانت الصلاة مركّبة من عدّة أجزاء منها الستر ، فمتى كان الستر منهيّا عنه يكون ذلك موجبا لبطلان الصلاة ؛ لما ستعرف من أنّ جزء العبادة لا يعقل أن يكون محرّما بالفعل.

وأمّا إن كان اعتباره في الصلاة لا من حيث كونه في حدّ ذاته فعلا صادرا من المكلّف ، بل من حيث اشتراط الصلاة بصدورها من المكلّف حال كونه مستورا عورته ، فيكون حينئذ من الشرائط ، لكنّ الشرط في الحقيقة هو كونه مستور العورة ، لا فعل الستر من حيث هو ، ففعل الستر من حيث هو خارج عن حقيقة الصلاة ، فلا يؤثّر حرمته في بطلانها ؛ لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج.

اللهمّ إلّا ، أن يقال : إنّ شرطيّة التستّر حال الصلاة مستفادة من الأدلّة الدالّة على وجوب الستر في الصلاة ، وهي منصرفة إلى الأفراد المباحة ؛ إذ لا يتعلّق التكليف بالمحرّم ، ومقتضاه اشتراط الصلاة بوقوعها حال كون المصلّي مستورا عورته بساتر مباح.

ولكن يتوجّه عليه : منع الانصراف ؛ فإنّ المنساق من التكاليف الغيريّة ليس إلّا إرادة بيان الاشتراط ، لا الحكم التكليفي كي ينصرف إلى الأفراد المباحة ، فليس الأمر بالستر إلّا كالأمر بغسل الثوب والبدن في كون المقصود به بيان توقّف صحّة الصلاة على ماهيّة الستر من حيث هي من غير التفات إلى خصوصيّات الأفراد.

٣٥٤

فظهر بما ذكرنا أنّ ما ذكره صاحب المدارك (١) في تقريب الاستدلال لبطلان الصلاة في الساتر المغصوب لا يخلو عن مناقشة ، وإنّما يتمّ هذا الدليل على تقدير كون فعل الستر من حيث هو مأخوذا في قوام ماهيّة الصلاة ، فهو حينئذ من أجزائها ، لا من الشرائط ، فكأنّ المصنّف رحمه‌الله نظر إلى ذلك في عبارته المتقدّمة (٢) عن المعتبر حيث ساقه في سلك الأجزاء ولم يعدّه من الشرائط.

فما ذكره المصنّف رحمه‌الله في تقريب الاستدلال متين ، ولكن يتوجّه عليه المناقشة المتقدّمة (٣) من منع كون الستر من الأجزاء ، بل هو من الشرائط ؛ إذ لم يعتبره الشارع في ماهيّة الصلاة من حيث كونه فعلا صادرا من المكلّف ، بل من حيث حصوله حالها ، ولذا لا يعتبر فيه القصد والمباشرة ونحوها ممّا هو معتبر في أجزاء العبادة ، فليتأمّل.

وكيف كان فالأقوى عدم الفرق بين الساتر وغيره ، والحقّ بطلان الصلاة الواقعة في المغصوب مطلقا ولو في مثل خيط ، كما صرّح به بعض (٤) ، فضلا عن الثياب التي لبسها المصلّي ؛ لأنّ الحركات الواقعة فيه الحاصلة بفعل الصلاة منهيّ عنها ؛ لأنّها تصرّف في المغصوب ، والنهي عن الحركات نهي عن القيام والقعود والركوع والسجود و، هو جزء الصلاة ، فيفسد ؛ لأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد ، كما سنوضّحه ، فتكون الصلاة فاسدة ؛ لفساد جزئها.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ١٨٢.

(٢) في ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣.

(٣) في ص ٣٥٣.

(٤) الشهيد في البيان : ١٢١.

٣٥٥

وفي المدارك بعد أن نقل عن الأصحاب احتجاجهم للحكم بالبطلان بالدليل المزبور اعترض عليه بقوله : إنّ النهي إنّما يتوجّه إلى التصرّف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء واستدامة ، وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات ، أعني القيام والقعود والسجود ، فلا يكون النهي متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ، ومع ارتفاع النهي ينتفي البطلان (١). انتهى.

وفيه : أنّ التصرّف في المغصوب ليس منحصرا في لبسه كي يصحّ أن يقال : إنّ الحركات من حيث هي أمر وراء لبس الثوب ، فلا يتسرّى النهي عنه إليها حتى يقتضي بطلان الصلاة ، بل مطلق التقلّبات الواردة عليه تصرّف فيه ، فنقله من مكان إلى مكان وتحريكه ولو بالعرض كلبسه محرّم ، فالحركة الركوعيّة ـ مثلا ـ كما أنّه يصدق عليها عنوان الركوع ، كذلك يصدق عليها أنّها نقل للمغصوب من مكان إلى مكان ، فيتصادق على الفعل الشخصي الخارجي عنوان الغصب والركوع ، وحيث إنّ الغصب محرّم على الإطلاق يمتنع أن يصير مصداقه عبادة ، فيفسد الركوع.

والمناقشة في تسمية الحركة ركوعا أو سجودا أو قياما ؛ حيث إنّ هذه الأفعال بحسب الظاهر أسام للكون الحاصل عقيب تلك الحركات ، غير مجدية ، إلّا على القول بعدم اعتبارها رأسا في ماهيّة الصلاة ، وإنّما هي من مقدّمات الأفعال ، وهو بإطلاقه ضعيف ، كما ستعرفه إن شاء الله ، فيتمّ ما ذكر وإن لم يصدق على الحركات اسم الركوع أو السجود ونحوه حقيقة ، كما هو واضح.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ١٨١ ـ ١٨٢.

٣٥٦

إن قلت : لا نسلّم أنّ الحركات بعينها هي مصداق الغصب ، بل هي مقدّمة لحصوله ، فلو لبس خاتما مغصوبا فركع وسجد وإن حصل بركوعه وسجوده تصرّف في ذلك الخاتم حيث يتغيّر وضعه وينتقل من موضع إلى موضع ولكن النقل الوارد عليه حال الركوع فعل آخر ملزوم للحركة الركوعيّة يحصل من استصحابه للخاتم حال الحركة ، لا أنّه عين تلك الحركة ، وليست الحركة علّة تامّة له كي يقال بأنّ سبب الحرام أيضا حرام ، بل هو من أجزاء علّته ، كما هو واضح.

قلت : مغايرة الفعلين إنّما هي في التعقّل ، لا في الوجود الخارجي ؛ فإنّ من نقل الخاتم من موضع الى موضع لا يصدر منه فعل اختياري قابل لأن يتعلّق به الحرمة الشرعيّة إلّا أمران : أحدهما : أخذ الخاتم بيده ، والثاني : حركة يده المشتملة على الخاتم من هذا الموضع إلى ذلك الموضع ، ومن الواضح أنّ اشتمال يده على الخاتم من حيث هو ليس نقلا له ؛ ضرورة أنّ نقله عبارة عن تحريكه من هذا المكان إلى ذلك المكان ، وهو يحصل بحركة اليد المشتملة عليه ، فالحركة الخاصّة ـ التي هي فعل واحد شخصيّ ـ كما أنّها حركة لليد ، كذلك تحريك للخاتم ، فوضع اليد على الأرض للسجود وضع للخاتم أيضا عليها حال السجود ، فكما يصدق عليه أنّه جزء من الصلاة ، كذلك يصدق عليه أنّه تصرّف في المغصوب.

إن قلت : نقل الخاتم عبارة عن جعله متحرّكا بالحركة التوسّطيّة بين المبدأ والمنتهى ، وهو في حدّ ذاته فعل مستقلّ يحصل بأسباب ، منها : تحريك اليد ، كما في الفرض ، فتحريك اليد من أسباب النقل ، لا عينه ، فهو بمنزلة ما لو أثّرت حركة يده في حركة الخاتم بالخاصّيّة ، كما لو فرض الخاتم أجنبيّا عنه متحرّكا بحركته

٣٥٧

على وجه لا تكون حركته سببا تامّا له كي يعرضها الحرمة من هذه الجهة ، بل بشرط أن تكون الحركة مقرونة بإمساك شي‌ء في يده مثلا ، فجعل الخاتم متحرّكا بنفسه حرام مستقلّ لا دخل له بحركة اليد من حيث هي.

قلت : هذا إن تمّ فإنّما هو في الحركة المستقلّة العارضة للمغصوب بواسطة الحركات التي هي أجزاء الصلاة ، وأمّا الحركة التبعيّة العارضة له من حركات الصلاة فلا ؛ فإنّ هذه الحركة ليست قائمة بنفس المغصوب من حيث هي كي يقال :إنّها مسبّبة من حركات المصلّي ، بل هي حركة واحدة قائمة بالمصلّي أوّلا وبالذات ، وبما تلبّس به ثانيا ، وبالعرض ، كحركة ما في السفينة تبعا لحركة السفينة ، فلو كان ما في السفينة مغصوبا ، لا يجوز نقلها وإن كانت هي بنفسها مباحة ؛ لأنّ نقلها بعينه نقل للمغصوب ، لا أنّه سبب لنقله.

نعم ، قد يكون نقل السفينة مؤثّرا في حدوث حركة مستقلّة في المغصوب ، فهي تصرّف آخر غير التصرّف التبعي ، ناش من التصرّف في السفينة ، لا عينه ، ولا كلام لنا في الحركات المستقلّة العارضة للمغصوب بواسطة أفعال الصلاة ؛ فإنّها قد لا تؤثّر في بطلانها ، وإنّما الكلام في الحركات اللاحقة لها تبعا للأفعال ، كوضع الخاتم على الأرض ـ في المثال المتقدّم ـ تبعا لوضع يده عليها للسجود ، فإنّه متّحد مع وضع اليد في الوجود الخارجي ، فالفعل الخارجي الشخصي من حيث كونه تحويلا لمال الغير من مكان إلى مكان ووضعا له على الأرض محرّم ، فلا يعقل أن يتّصف بالوجوب ويصير جزءا من العبادة.

وما يقال من أنّ الممتنع إنّما هو صيرورة الشي‌ء عبادة فيما إذا اتّحدت جهتا الحرمة والوجوب ، بخلاف مثل المقام ، فكلام ظاهريّ قد تقرّر بطلانه في

٣٥٨

الأصول.

وقد يستدلّ أيضا لبطلان الصلاة في المغصوب : بأنّه مأمور بإبانة المغصوب وردّه إلى مالكه ، فإذا افتقر إلى فعل كثير ، كان مضادّا للصلاة ، والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه أو عدم الأمر بضدّه ، فيفسد.

وفيه : ما تقرّر في محلّه من أنّ الأمر بالشي‌ء لا يقتضي حرمة ضدّه ولا فساده.

هذا ، مع أنّه إن تمّ هذا الدليل ، فالنسبة بينه وبين المدّعى عموم من وجه ، كما هو واضح.

واستدلّ له أيضا : بما رواه في الوسائل عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة مرسلا ، وعن كتاب بشارة المصطفى للطبري مسندا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيّته لكميل ، قال : «يا كميل انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول» (١).

وعن الصدوق مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : «لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله فأنفقوه فيما نهاهم عنه ، ما قبله منهم ، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ، ما قبله منهم حتى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ» (٢).

وعن الكليني مسندا نحوه (٣).

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ٢ ، وراجع : تحف العقول : ١٧٤ ، وبشارة المصطفى : ٥٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٣١ / ١٢١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب مكان المصلّي ، ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢ / ٤ ، وفيه كما في الوسائل ، الباب ٢ من أبواب مكان المصلّي ، ذيل ح ١ مثله.

٣٥٩

وقد يناقش في الخبرين : بضعف السند ، مع ما في ثانيهما من قصور الدلالة ، واشتهار مضمونهما بين الأصحاب لا يصلح جابرا لضعفهما مع عدم اعتمادهم عليهما في الفتوى.

نعم ، لولا قصور ثانيهما من حيث الدلالة ، لأمكن الالتزام باعتباره من حيث السند ، ولكنّه قاصر الدلالة ؛ فإنّ إنفاق المنهيّ عنه في المأمور به لا يتناول مثل لبس المغصوب في الصلاة ، فإنّه لا يطلق عليه اسم الإنفاق ، مع أنّه لو سلّم إطلاق اسم الإنفاق على لبس الثوب للصلاة بناء على صحّة إطلاقه على صرف المنفعة ، فمقتضاه ليس إلّا عدم جواز التقرّب بنفس اللّبس ، وعدم وقوعه من حيث هو عبادة ، وهو لا يقتضي فساد الصلاة ، كما ظهر وجهه آنفا.

اللهمّ إلّا أن يقال في تقريب الاستدلال : إنّ الرواية وإن لا تدلّ بمنطوقها إلّا على أنّ الإنفاق في المحرّم أو بالمحرّم ـ بأن يصرف ماله الحلال في المعاصي أو المال الحرام في طاعة الله من تعمير المشاهد والمساجد وصلة الرحم ونحوها ـ لا يقع عبادة ، فلا تعمّ مثل ما نحن فيه ، ولكن يستفاد منها من سوق التعبير ولو بضميمة المناسبات المغروسة في الذهن : أنّ المراد بها أنّه لا يطاع الله من حيث يعصى ، فيستفاد منها بهذا التقريب بطلان الصلاة المتّحدة مع الغصب ، فليتأمّل.

تنبيه : لو جهل غصبيّة الثوب أو نسيها فصلّى فيه ، مضت صلاته.

وكذا لو اضطرّ إلى التصرّف في المغصوب أو أكره عليه ولم تكن صلاته موجبة لزيادة تصرّف عمّا سوّغته الضرورة.

وهكذا الكلام في كلّ شرط نشأت شرطيّته من تكليف آخر ، ككون الفعل المأتيّ به عبادة غير مضرّ بحاله ضررا لا يجوز تحمّله ، أو غير مناف للتقيّة ، أو نحو

٣٦٠