مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

وفي المجمع ـ بعد أن ذكر أنّ الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم ـ : وفي الخبر «لا تلبس (١) الحرير والديباج» يريد به الاستبرق ، وهو الديباج الغليظ (٢). انتهى.

وعن الوافي تفسيره بالحرير المنقوش (٣).

وعن الصدوق مرسلا أنّه قال : لم يطلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لبس الحرير لأحد من الرجال إلّا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنّه كان رجلا قملا (٤) (٥).

وخبر الحسين بن زيد عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم‌السلام في حديث المناهي قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن لبس الحرير والديباج والقزّ للرجال ، وأمّا النساء فلا بأس» (٦).

وخبر جابر الجعفي ـ المرويّ عن الخصال ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام ، وحرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد ، ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه ، وحرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد» (٧).

ورواية أبي داود يوسف بن إبراهيم ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) في المصدر : «لا تلبسوا».

(٢) مجمع البحرين ٢ : ٢٩٦ «دبج».

(٣) الوافي ٧ : ٤٢٣ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٨٨.

(٤) أي : ذو قمل. لسان العرب ١١ : ٥٦٨ «قمل».

(٥) الفقيه ١ : ١٦٤ ، ذيل ح ٧٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٦) الفقيه ٤ : ٢ ـ ٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٧) الخصال : ٥٨٥ ـ ٥٨٨ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

٣٠١

وعليّ قباء خزّ وبطانته خزّ وطيلسان خزّ مرتفع ، فقلت : إنّ عليّ ثوبا أكره لبسه ، فقال : «وما هو؟» قلت : طيلساني هذا ، قال : «وما بال الطيلسان؟» قلت : هو خزّ ، قال : «وما بال الخزّ؟» قلت : سداه إبريسم ، قال : «وما بال الإبريسم؟» قال : «لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم ولا زرّه ولا علمه ، وإنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ، ولا يكره للنساء» (١).

ورواية يوسف بن محمّد بن إبراهيم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالثوب [أن] يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا ، وإنّما يكره المبهم (٣) للرجال» (٤).

وعن ليث المرادي [قال :] قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كسا أسامة بن زيد حلّة حرير فخرج فيها فقال : مهلا يا أسامة إنّما يلبسها من لا خلاق له ، فاقسمها بين نسائك» (٥).

وموثّقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لا يصلح لباس الحرير والديباج ، وأمّا بيعهما فلا بأس» (٦).

والظاهر أنّ المراد بهذه الموثّقة مطلق المرجوحيّة الشاملة للكراهة ، فهي

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥١ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢ ، والباب ١٦ من تلك الأبواب ، ح ١.

(٢) في التهذيبين : «يوسف بن إبراهيم».

(٣) في الفقيه والاستبصار : «البهم».

(٤) الفقيه ١ : ١٧١ ـ ١٧٢ / ٨٠٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٨١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الكافي ٦ : ٤٥٣ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٤٥٤ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

٣٠٢

غير مخصوصة بالرجال ، وأمّا ما عداها من الأخبار فالمنع المستفاد منها مخصوص بالرجال بقرينة موردها وما في جملة منها من التفصيل.

ولا يخفى عليك أنّ هذه الروايات لو لوحظت بنفسها لأمكن الخدشة في جلّها بل كلّها : بقصورها من حيث السند أو الدلالة ، بل ربما يستشعر من بعضها الكراهة ، إلّا أنّ الحكم في حدّ ذاته من الواضحات الغير القابلة للتشكيك ، فلا يلتفت حينئذ إلى المناقشة بضعف الأسانيد أو القصور من حيث الدلالة.

ألا ترى أنّ صاحب المدارك مع أنّ من عادته عدم الاعتناء بمثل هذه الأخبار في إثبات حكم شرعيّ أجمل الكلام في المقام ، واكتفى في الاستدلال بما ادّعاه من استفاضة الأخبار الدالّة على الحرمة من طرق العامّة والخاصّة على سبيل الإجمال (١) ، فمنشؤه ليس إلّا كون الحكم في حدّ ذاته من القطعيّات ، فعمدة مستنده ما تقدّمت الإشارة إليه من شهادة الآثار بمعروفيّة المنع لدى المسلمين ومغروسيّته في أذهانهم من الصدر الأوّل ، كما ربما يستشعر ذلك بل يستظهر من الأسئلة والأجوبة الواردة في ما يتعلّق بالمقام ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وممّا يدلّ على عدم جواز الصلاة فيه : صحيحة محمّد بن عبد الجبّار ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض (٢) أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه إن شاء الله» (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ١٧٣.

(٢) كلمة «محض» ليست في التهذيب.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢٢٧ ، الهامش (١).

٣٠٣

وصحيحته الأخرى ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (١).

وخبر إسماعيل بن سعد الأحوص ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام : هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال : «لا» (٢).

وخبر أبي الحارث ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام : هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال : «لا» (٣).

وعن احتجاج الطبرسي عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه ، أنّه كتب إليه : يتّخذ باصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قزّ وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام «لا تجوز الصلاة إلّا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان» (٤).

وعن الفقه الرضوي «لا تصلّ في ديباج ولا في حرير ولا في وشي ولا في ثوب إبريسم محض ولا في تكّة إبريسم ، وإن كان الثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه» (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٧ / ٨١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ / ١٤٦٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٧.

(٤) الاحتجاج : ٤٩٢ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٨.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٩٠ ـ ٩١.

٣٠٤

ولا يعارضها صحيحة محمّد بن إسماعيل بزيع ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب ديباج ، فقال : «ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» (١) لقصورها عن المكافئة بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرها وموافقتها للعامّة على ما قيل (٢).

وعن الشيخ حملها على حال الحرب ؛ لما روي من جواز لبسه حينئذ ، أو على ما إذا كان سداه أو لحمته غزلا أو كتّانا (٣).

ويحتمل صدورها تقيّة ، كما قرّبه في الحدائق (٤). والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى بل صريح كلمات الأصحاب بلا خلاف فيه على الظاهر ـ بل عن بعض دعوى الإجماع (٥) عليه ـ هو : عدم الفرق في بطلان الصلاة في الحرير المحض بين ما إذا كان ساترا للعورة بالفعل أو لم يكن ، كما عن المعتبر والمنتهى نسبته إلى الشيخين والمرتضى وأتباعهم (٦).

نعم ، فيما لا تتمّ الصلاة فيه وحده خلاف ، كما ستعرف (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٠.

(٢) القائل هو النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ، ذيل ح ٨١٥ ، وكذا ذيل ح ٨١٦ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٨٩ ـ ٩٠.

(٤) الحدائق الناضرة ٧ : ٩٠.

(٥) نسبه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٥٠ إلى ظاهر الشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٥٤. وفي الذكرى ٣ : ٤٠ ، وكشف اللثام ٣ : ٢١٥ التعبير بـ «عندنا».

(٦) المعتبر ٢ : ٨٧ ، منتهى المطلب ٤ : ٢٢١ ، الفرع الثاني ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٩١.

(٧) في ص ٣٢٦.

٣٠٥

وربما يستدلّ على البطلان مطلقا بأنّ الصلاة فيه منهيّ عنها ، والنهي في العبادة يستلزم الفساد ؛ لاستحالة كون الفعل الواحد مأمورا به ومنهيّا عنه ، فمتى كان منهيّا عنه لا يكون مأمورا به.

وفي الحدائق ـ بعد أن نقل هذا الاستدلال ـ قال : الأظهر في تعليل الفساد في هذا المقام إنّما هو من حيث استلزام مخالفة النهي عدم الامتثال لأوامر الشارع ، ولا ريب أنّ مبنى الصحّة والبطلان على الامتثال وعدمه (١). انتهى.

أقول : لو جاز اجتماع الأمر والنهي لا تسمع دعوى استلزام مخالفة النهي عدم الامتثال لأوامر الشارع ، كما هو واضح ، فالأصحّ هو الأوّل (إلّا في) حال (الحرب ، وعند الضرورة ، كالبرد المانع من نزعه) فيجوز لبسه حينئذ بلا إشكال في شي‌ء منهما.

أمّا الثاني : فواضح ؛ إذ ليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه ، وكلّ ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر ، كما نطق بذلك أخبار أهل البيت (٢) عليهم‌السلام.

وأمّا الأوّل : فيدلّ عليه مرسلة ابن بكير وموثّقة سماعة ، المتقدّمتان (٣).

ففي الأولى : قال : «لا يلبس [الرجل] الحرير والديباج إلّا في الحرب».

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٢ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤٢ ، علل الشرائع : ٢٧١ (الباب ١٨٢) ح ٩ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١١٧ (الباب ٣٤) ح ١ ، الخصال : ٦٤٤ / ٢٤ ، التهذيب ٣ : ١٧٧ / ٣٩٧ ، و ٣٠٢ ـ ٣٠٣ / ٩٢٣ و ٩٢٥ ، و ٣٠٦ / ٩٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٥٧ / ١٧٧٠ و ١٧٧٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب قضاء الصلوات ، الأحاديث ٣ و ٧ و ٨ و ١٣ و ١٦ ، والباب ١ من أبواب القيام ، ح ٦ و ٧.

(٣) في ص ٣٠٠.

٣٠٦

وفي ثانيتهما : «أمّا في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل».

ورواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في الحرب» (١).

وخبر الحسين بن علوان ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام «أنّ عليّا عليه‌السلام كان لا يرى بلبس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا» (٢).

وقضيّة اشتراط نفي البأس في هذا الخبر بما إذا لم يكن فيه التماثيل : اختصاص الرخصة بهذا الفرض ، فيعارضة موثّقة سماعة ، المتقدّمة (٣) المصرّحة بنفي البأس به وإن كان فيه تماثيل ، لكن هذه الموثّقة واردة في مقام دفع توهّم الحرمة ، فلا يتبادر من نفي البأس المذكور فيها إلّا إرادة نفي الحرمة.

وأمّا هذا الخبر فلا يستفاد منه إلّا مرجوحيّة لبس ما فيه التماثيل ولو على سبيل الكراهة ، فيمكن الجمع بينهما بالحمل على الكراهة.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر النصوص وفتاوى الأصحاب بل صريح بعض (٤) نافيا عنه الخلاف : عدم اشتراط الضرورة في جواز لبسه حال الحرب. ولعلّ حكمته إظهار الشوكة عند العدوّ ، والله العالم.

وهل تجوز الصلاة فيه في الحرب اختيارا ، كما هو ظاهر المتن وغيره ، بل

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٣ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ١٠٣ / ٣٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٣) في ص ٣٠٠.

(٤) صاحب الجواهر فيها ٨ : ١١٥.

٣٠٧

ربما يظهر من الحدائق عدم الخلاف فيه (١) ، فلا يجب نزعه ، أو تبديله إن كان ساترا ، أو تأخير الصلاة مع سعة الوقت ورجاء انقضاء الحرب ، أم لا تجوز إلّا مع الضرورة؟ وجهان : من إطلاق الأخبار الناهية عن الصلاة فيه وعدم التنافي بينها وبين ما دلّ على جواز لبسه في الحرب ، ومن أنّ حرمة لبس الحرير ذاتا مانعة من أن يفهم من الأخبار الناهية عن الصلاة في الحرير منع تعبّديّ مغاير للمنع الناشئ من نفس اللّبس من حيث هو ، فلا يكاد يفهم من تلك الأخبار تحريم الصلاة فيه على الإطلاق حتى على تقدير حلّيّة لبسه من حيث هو كما في الحرب.

ولعلّ هذا هو الأقوى ، كما يؤيّده ظواهر كلمات الأصحاب ، ويؤيّده أيضا ما ستسمعه في حكم النساء (٢).

وربّما يستدلّ له بإطلاق نفي البأس عنه في الحرب ، فإنّه شامل لحال الصلاة.

وفيه : أنّ إطلاق نفي البأس عنه لا يقتضي إلّا جوازه من حيث كونه لبسا للحرير ، ولا ينافي ذلك عروض الحرمة له من حيث إخلاله بالصلاة ، أو كونه موجبا لحصول عنوان آخر محرّم.

نعم ، لو كان للدليل النافي للبأس إطلاق أحواليّ بحيث فهم منه الإباحة المطلقة وأنّه لا بأس به من جهة من الجهات لا من حيث كونه لبسا للحرير ولا من حيثيّات أخر ، اتّجه الاستدلال بإطلاقه حينئذ ؛ لعدم قادحيّته في الصلاة ، ولكن ليس لشي‌ء من الأخبار المتقدّمة بل ولا يكاد يوجد في سائر الأخبار الواردة في

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٩١.

(٢) في ص ٣١٢ وما بعدها.

٣٠٨

الرخص هذا النحو من الإطلاق ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ الكلام في أنّه متى اضطرّ إلى لبس الحرير لمرض أو برودة ونحوهما هل تصحّ صلاته فيه مطلقا ولو مع تمكّنه من تأخير الصلاة أو نزعه بمقدار فعلها بحيث لا ينافي صدق الضرورة إلى أصل اللّبس ، كما لو كان مريضا يتداوى بلبس الحرير ولم يكن نزعه أو تبديله بمقدار أداء الصلاة منافيا للتداوي ، أم لا تصحّ الصلاة إلّا إذا اضطرّ إلى إيقاعها فيه ، فلا يكفي في جواز الصلاة مجرّد الضرورة إلى أصل اللّبس؟ كالكلام فيما سبق ، عدا أنّه ليس هاهنا دليل لفظيّ مصرّح بنفي البأس عن لبسه كي يتوهّم جواز الاستدلال بإطلاقه لصحّة الصلاة الواقعة فيه لا لضرورة.

ولكنّك عرفت أنّه لا أثر لمثل هذه المطلقات في مثل المقام.

تنبيهان :

الأوّل : قال في الحدائق : استثنى بعض الأصحاب لبسه للقمل. ثمّ حكى عن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر أنّه قال : ويجوز لبسه للقمل ؛ لما روي أنّ عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القمل ، فرخّص لهما في قميص الحرير. وقال الراوندي في الرائع : لم يرخّص لبس الحرير لأحد إلّا لعبد الرحمن ، فإنّه كان قملا. والمشهور : أنّ الترخيص لعبد الرحمن والزبير ، ويعلم من الترخيص لهما بطريق العلّة جوازه لغيرهما بفحوى اللفظ. ويقوى عندي عدم التعدية (١). انتهى.

ثمّ حكى عن الصدوق في الفقيه أنّه قال : ولم يطلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لبس الحرير

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٨ ـ ٨٩.

٣٠٩

لأحد من الرجال إلّا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنّه كان رجلا قملا (١). انتهى ، إلى أن قال : أقول : الظاهر أنّ هذه الرواية المشار إليها ـ وإن اشتهر نقلها حتى في كلام الصدوق رضوان الله عليه ـ إنّما وردت من طرق العامّة (٢) ؛ لعدم وجودها في أخبارنا ، كما لا يخفى على من تتبّعها من مظانّها ولا سيّما كتاب البحار ، الجامع لشوارد الأخبار ، وحينئذ فيضعف الاعتماد عليه (٣). انتهى.

أقول : وعلى تقدير ثبوت الرواية من طرقنا أيضا لا يجوز التخطّي عن موردها إلّا إذا بلغ أذى القمل إلى حدّ لا يتحمّل عادة وأمكن دفعه بلبس الحرير ؛ لإمكان كون موردها كذلك ، وعلى هذا التقدير يكفي في إثبات الجواز العمومات المتقدّمة كما في غيره من موارد الضرورة من غير حاجة إلى هذه الرواية ، فكان غرض المصنّف رحمه‌الله من منع التخطّي عن مورد العلّة المنصوصة فيما عدا مثل الفرض ، وقد عرفت أنّه في محلّه ، والله العالم.

الثاني : ليس من الضرورة عدم ساتر غيره ، كما صرّح به في الجواهر ، بل قال : بلا خلاف أجده فيه ، بل في الذكرى وغيرها ما قد يشعر بالإجماع عليه (٤). انتهى.

ووجهه : أنّ وجوب الستر مشروط بالتمكّن من الستر بما يسوغ له التستّر

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٤ ، ذيل ح ٧٧٤.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٥٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٧ / ٢٦ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٨ / ١٧٢٢ ، مسند أحمد ٣ : ١٢٢ و ١٩٢ و ٢٥٢.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٩٢ ـ ٩٣.

(٤) جواهر الكلام ٨ : ١١٧ ـ ١١٨ ، ولاحظ الذكرى ٣ : ٤٧.

٣١٠

به ، فلا يعقل أن يكون وجوبه علّة لإباحة التستّر به.

لا يقال : إنّ لنا قلب الدليل ، فإنّ حرمة لبس الحرير أيضا مشروطة بعدم اضطراره إليه ، وهو موقوف على أن لا يجب عليه الستر للصلاة ، فلا تصلح حرمته مانعة عن وجوبه ؛ إذ لا حرمة للبسه على تقدير الوجوب ، فالحكم الشرعي في مثل الفرض يتبع ما هو الأهمّ من الأمرين ، والجزم بأنّ رعاية جانب الحرمة في المقام أهمّ لدى الشارع من مراعاة جانب الواجب مشكل.

لأنّا نقول : أوّلا : إنّ عدم الاضطرار ليس شرطا في حرمة اللّبس ، بل الاضطرار إليه رافع أو دافع لحرمته ، وهو لا يتحقّق إلّا على تقدير كون ستر العورة واجبا بالفعل ، ولا يجب الستر إلّا على تقدير القدرة عليه عقلا وشرعا بأن لا يكون ممتنعا ولا محرّما ، فلا يعقل أن يؤثّر وجوبه في حصول القدرة التي هي شرط الوجوب.

وثانيا : أنّ رعاية جانب الحكمين من حيث الأهمّيّة مبنيّة على شمول دليلهما من حيث هو للمورد وحصول المعارضة بينهما ، وليس الأمر كذلك في المقام ؛ فإنّ النهي عن لبس الحرير مانع عن أن يشمله ما دلّ على وجوب الستر في الصلاة ، فإنّ إطلاقه منصرف إلى الأفراد المباحة ، لا لمجرّد دعوى أنّ المتبادر من الأمر بإيجاد الطبيعة إرادتها في ضمن فرد مباح بالذات ، بل لأنّ دلالة المطلق على إرادة أيّ فرد يكون موقوفة على جريان دليل الحكمة ، وهو غير جار بالنسبة إلى ما تعلّق به النهي ؛ لأنّ تعلّق النهي به قرينة على عدم إرادته من المطلق ولا أقلّ من صلاحيّته لذلك ، ومعه لا تجري قاعدة الحكمة.

٣١١

هذا ، مع أنّه ليس لأدلّة وجوب الستر عموم أو إطلاق لفظيّ معتدّ به صالح لأن يتوهّم معارضته لأخبار الحرمة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(ويجوز) لبسه (للنساء).

أمّا في غير الصلاة فممّا لا خلاف فيه ، بل في الجواهر : إجماعا أو ضرورة من المذهب بل الدين (١).

وأمّا في الصلاة فهو أيضا كذلك على المشهور ، بل عن الشيخ نجيب الدين في شرحه والمحقّق البهبهاني في حاشية المدارك : أنّ عليه عمل الناس في الأعصار والأمصار (٢).

أقول : ويشهد بصدق هذه الدعوى بالنسبة إلى عصر الأئمّة عليهم‌السلام ، الذي هو العمدة في استكشاف إمضائهم لما جرت السيرة فيه : خبرا (٣) إسماعيل وأبي الحارث ، اللّذان وقع فيهما السؤال عن أنّه هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فإنّ تخصيص الرجل بالسؤال عن صلاته فيه مشعر بل ظاهر في أنّ جوازه للنساء لدى السائل كان مفروغا عنه بحيث لم يكن يحتمل المنع عنه في حقّهنّ ، وإلّا لأطلق سؤاله خصوصا مع أعمّيّة ابتلاء النساء بذلك.

وعن الذكرى وغيره : أنّ عليه فتوى الأصحاب (٤).

__________________

(١) جواهر الكلام ٨ : ١١٩.

(٢) حكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٥٤ ، وراجع : الحاشية على مدارك الأحكام ٢ : ٣٦٣.

(٣) تقدّما في ص ٣٠٤.

(٤) الذكرى ٣ : ٤٣ ـ ٤٤ ، روض الجنان ٢ : ٥٥٧ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٥٤.

٣١٢

خلافا للمحكيّ عن الصدوق ، فقال في الفقيه ـ على ما حكي عنه ـ : وقد وردت الأخبار بالنهي عن [لبس] الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال ، ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء ، ولم ترد بجواز صلاتهنّ فيه ، فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصّهن خبر بالإطلاق لهنّ [في] الصلاة فيه كما خصّهنّ بلبسه (١). انتهى.

وعن بعض متأخّري المتأخّرين الميل إليه (٢).

وفي الحدائق تقويته ؛ مستشهدا له بالأخبار الآتية ، ولكنّه ناقش فيما ذكره الصدوق ـ بعد أن حكاه عنه ـ من وجهين :أحدهما فيما يظهر من كلامه من اختصاص الرخصة لهنّ بالّلبس دون الصلاة : بأنّه يكفي في الرخصة في صلاتهنّ فيه العمومات الآمرة باللباس وستر العورة مطلقا ، فيجوز لهنّ الصلاة فيه حتى يقوم دليل على المنع.

وثانيهما فيما يؤذن به كلامه من شمول الأخبار الناهية عن الصلاة في الحرير للنساء : بمنع شمول تلك الأخبار للنساء ؛ فإنّ أكثر الأخبار إنّما اشتملت على السؤال عن الرجل ، فموردها الرجال خاصّة.

وصحيحتا محمّد بن عبد الجبّار ـ المتقدّمتان ـ وإن دلّتا بإطلاقهما على المنع من الصلاة في الحرير المحض إلّا أنّهما مبنيّتان على سبب خاصّ ، وهو

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧١ ، ذيل ح ٨٠٧ ، وما بين المعقوفين من المصدر ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٩٤.

(٢) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٨٤ ، والبهائي في الحبل المتين : ١٨٥ ، وحكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٨ : ١٢٠.

٣١٣

القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصّة ، فيضعف الاستناد إليهما في ذلك بحمل إطلاقهما على ما يشمل النساء (١). انتهى كلامه ملخّصا.

ويتوجّه على الوجه الأوّل ـ بعد تسليم كون عمومات الستر ناظرة إلى هذه الجهة كي يصحّ التمسّك بإطلاقها ـ : أنّ التمسّك بإطلاقها للمدّعى موقوف على منع شمول النواهي للنساء ، كما ظهر وجهه آنفا ، فلا وجه لجعله وجها مستقلّا.

وأمّا منع شمول النواهي للنساء فيما عدا الصحيحتين ففي محلّه.

وأمّا بالنسبة إلى الصحيحتين فلا يخلو عن إشكال ؛ إذ ـ بعد تسليم أنّ القلنسوة من مختصّات الرجال ، والغضّ عن أنّ السؤال في الصحيحة الأولى عن تكّة حرير ، التي هي غير مخصوصة بالرجال ـ أنّ اختصاص ما وقع عنه السؤال بإحدى الطائفتين لا يقدح في ظهور الجواب في العموم خصوصا بملاحظة ما ستعرف من أنّ الأظهر عدم كون خصوص ما وقع عنه السؤال في الصحيحتين ملحوظا فيما أريد به من عموم الجواب.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ سؤاله عن الصلاة في القلنسوة ـ التي هي من مختصّات الرجال ـ يشعر بأنّ مراده السؤال عن أنّ الرجل هل يصلّي في الحرير ، وإلّا لسأل عن الصلاة في الحرير على الإطلاق ، فعلى هذا يكون عموم الجواب منزّلا عليه وإن لا يخلو أيضا عن تأمّل.

نعم ، قد تتّجه دعوى قصور الصحيحتين عن إفادة المنع للنساء بالنظر إلى ما أشرنا إليه آنفا من أنّ المناسبة بين حرمة اللّبس وبين المنع عن الصلاة فيه مانعة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٩٤ ـ ٩٦.

٣١٤

عن أن يستفاد من الأخبار الناهية عن الصلاة فيه حرمة مستقلّة تعبّديّة مباينة للحرمة المتعلّقة بلبسه ، فلا يفهم منها إلّا مانعيّة لبسه عن الصلاة عند كونه محرّما ، فيختصّ ذلك بالرجال ، كما يؤيّد ذلك ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّه يفهم من السؤال الواقع في خبري (١) إسماعيل وأبي الحارث أنّ السائل لم يكن يحتمل المنع عنه للنساء ، فكأنّه لم يكن يخطر بذهنه التفكيك بين إباحة اللّبس وجواز الصلاة فيه كي يحتمل المنع عن صلاتهنّ فيه تعبّدا.

وملخّص الكلام : أنّه لا يبعد أن يدّعى أنّ وقوع التفصيل في حرمة لبس الحرير المحض بين الرجال والنساء في النصوص والفتاوى مانع عن استفادة المنع للنساء من إطلاق مثل قوله عليه‌السلام : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (٢) كما يشهد بذلك أنّ جلّ الأصحاب لم يفهموا منه ذلك ، فيبقى حكم النساء على وفق الأصل ، وهو الجواز على ما هو التحقيق ، كما تقرّر في محلّه.

وممّا يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه الأخبار الدالّة على جواز لبسهنّ له من غير إشعار فيها بالمنع عنه حال الصلاة ، كقوله عليه‌السلام في رواية أبي داود يوسف بن إبراهيم : «وإنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ، ولا يكره للنساء» (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأسامة ـ في خبر ليث ، المتقدّم (٤) ـ : «فاقسمها بين نسائك» إذ لو لم تجز صلاتهنّ فيه ، لكان التنبيه عليه لازما في مثل هذه الأخبار بعد قضاء العادة بأنّ من

__________________

(١) تقدّما في ص ٣٠٤.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٤ ، الهامش (١).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٢ ، الهامش (١).

(٤) في ص ٣٠٢.

٣١٥

يلبسه لم يزل يصلّي فيه عند حضور وقت الصلاة ما لم يكن له رادع شرعيّ عن ذلك ، فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بتقسيمه بين نسائه وعدم بيان بطلان صلاتهنّ فيه مع كونه في صدر الشريعة بحيث لا يحتمل في حقّهنّ الاستغناء عن البيان بمعروفيّته لديهنّ من أقوى الشواهد على الجواز.

ويدلّ عليه أيضا موثّقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «النساء يلبسن الحرير والديباج إلّا في الإحرام» (١) فإنّ قضيّة الاستثناء جواز لبسهنّ له في الصلاة.

وربما يستدلّ بهذه الرواية ونظائرها ـ من المعتبرة المستفيضة الدالّة على عدم جواز لبسهنّ له في الإحرام ـ للقول بعدم الجواز ؛ نظرا إلى تصريح الأصحاب والأخبار بأنّه لا يجوز الإحرام إلّا فيما تجوز الصلاة فيه.

وفيه أوّلا (٢) أنّ تصريح الأصحاب والأخبار بأنّه لا يجوز الإحرام إلّا فيما تجوز الصلاة فيه لا يجدي في إثبات عكسه ، وهو عدم جواز الصلاة إلّا فيما يجوز الإحرام فيه.

فالأولى للمستدلّ أن يتشبّث لإثبات مدّعاه بقول الصادق عليه‌السلام ـ في حسن حريز وصحيحه ـ : «كلّ ثوب يصلّى فيه فلا بأس بالإحرام فيه» (٣) حيث إنّ مقتضاه إمّا جواز لبس الحرير في الإحرام ، وهو مخالف لظاهر الأخبار المستفيضة ، أو

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٤ / ٨ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٢) كذا قوله : «أوّلا». والظاهر زيادتها.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٢ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الإحرام ، ح ١ بتفاوت يسير.

٣١٦

عدم جواز لبسه في الصلاة ، وهو المطلوب.

ولكن يتوجّه عليه : أنّ الموثّقة المتقدّمة (١) الدالّة على التفصيل بين حال الإحرام وحال الصلاة في جواز لبس الحرير أخصّ مطلقا من هذا الصحيح ، فلا يعارضها عمومه.

هذا ، مع أنّ جعل الصحيحة كاشفة عن إلحاق حال الصلاة بالإحرام في المنع ليس بأولى من عكسه ، أي جعلها كاشفة عن إلحاق الإحرام بالصلاة في جواز لبسه ، وكون المنع المتعلّق به على سبيل الكراهة ، بل هذا هو الأولى ، فإنّ الموثّقة كالنصّ في دخول حال الصلاة في المستثنى منه ؛ إذ لو كانت الصلاة مشاركة للإحرام في المنع الذي أريد بالرواية ، لكانت أولى بالتعرّض من الإحرام ، خصوصا لو كان المنع تحريميّا ؛ لابتلاء كلّ امرأة بها في كلّ يوم وليلة ، فلو كان لبسه في الصلاة محرّما ، لم يكن الإمام عليه‌السلام يهمل ذلك ، ويقتصر على استثناء حال الإحرام الذي لا يبتلي به إلّا آحاد من النساء في طول عمرها مرّة أو أزيد ، فلا بدّ إمّا من الالتزام بالتفصيل وجعل الموثّقة مخصّصة لعموم الصحيح ، أو حمل المنع المتعلّق بلبس الحرير للنساء في الإحرام على الكراهة.

وربما يشهد للأخير : جملة من الأخبار الواردة في الإحرام ، التي وقع فيها التعبير بلفظ «الكراهة» أو «لا يصلح» أو «لا ينبغي» الظاهر في الكراهة.

كموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير

__________________

(١) في ص ٣١٦.

٣١٧

المحض وهي محرمة» (١) فإنّ ظهور هذه الرواية ونظائرها في الكراهة أقوى من ظهور الموثّقة المتقدّمة (٢) وغيرها ـ من الأخبار الناهية عن لبسه حال الإحرام ـ في الحرمة ، خصوصا بعد اعتضاده بفهم المشهور وفتواهم ، فالأظهر جواز لبسهنّ له في الإحرام أيضا على كراهية ، كما يأتي توضيحه إن شاء الله في محلّه ، فهذه حجّة أخرى مؤكّدة لجواز لبسه في الصلاة على ما اعترف به المستدلّ من تصريح الأصحاب والأخبار بأنّه لا يجوز الإحرام إلّا فيما تجوز الصلاة فيه.

ولا يعارض شيئا ممّا ذكر خبر جابر الجعفي ـ المرويّ عن الخصال ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام ، وحرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد» (٣) الخبر ؛ فإنّه مع ضعف سنده لا يأبى عن الحمل على الكراهة ، فيجمع بينها وبين الموثّقة المتقدّمة (٤) المفصّلة بين الصلاة والإحرام بالحمل على اختلاف مراتبها.

بل لا يبعد أن يقال : إنّ هذه الرواية بنفسها غير ظاهرة في الحرمة ؛ لإمكان أن يكون المراد بالجواز معناه الأخصّ ، بل لعلّ هذا هو الظاهر منه ، لا ما يقابل الحرمة وإن أشعر بذلك مقابلته بقوله : «وحرم ذلك على الرجال» فليتأمّل.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٢) في ص ٣١٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٠١ ، الهامش (٧).

(٤) في ص ٣١٦.

٣١٨

وكذا لا يعارضها رواية زرارة ، قال : سمعته (١) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن ، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء» (٢) إذ لا شاهد لتخصيصها بحال الصلاة كي يتحقّق التنافي بينها وبين ما عرفت ، بل ظاهرها النهي عن لبسه مطلقا ، فيحمل في حقّ النساء على الكراهة ؛ إذ لا خلاف نصّا وفتوى في عدم حرمة لبسه عليهنّ.

ودعوى أنّ هذا كاشف عن أنّ متعلّق النهي هو لبسه حال الصلاة ، ممّا لا ينبغي الإصغاء إليها.

فما في الحدائق (٣) من اختيار القول بالمنع ؛ استنادا إلى الأمور المزبورة ، ضعيف.

والخنثى المشكل ملحق بالنساء في جواز اللّبس ، بل وفي الصلاة أيضا ؛ لأصالة براءة ذمّته عن التكليف بالاجتناب عنه في حال الصلاة وغيره.

وربّما فصّل بعض (٤) ، فألحقه بالرجال في الصلاة ؛ لأصالة الشغل في العبادات ، أو لعموم النهي عن الصلاة في حرير محض في صحيحة (٥) محمّد بن عبد الجبّار وغيرها ، المقتصر في تخصيصه على النساء.

__________________

(١) في المصدر : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ / ١٤٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٩٦.

(٤) الشيخ جعفر في كشف الغطاء ١ : ٢٣٤ ، و ٣ : ٢٢.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٢٢٧ ، الهامش (١) وص ٣٠٤ ، الهامش (١).

٣١٩

ويتوجّه على قاعدة الشغل ما تقرّر في محلّه من أنّ الأقوى أنّ المرجع عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة هو البراءة دون الاحتياط من غير فرق بين أن يكون الشكّ ناشئا من اشتباه حال المكلّف ، كما في الخنثى ، أو من إجمال الحكم الشرعي ، كما في سائر موارد الشكّ في الشرطيّة أو المانعيّة.

ويرد على التمسّك بعموم النهي ـ بعد الغضّ عن إمكان دعوى انصرافه إلى اللّبس المحرّم ، كما تقدّمت الإشارة إليه ـ أنّ الخنثى ليس طبيعة ثالثة ، بل هو إمّا رجل أو أنثى ، فالشكّ فيه شكّ في كونه من أفراد المخصّص المعلوم ، ولا يجوز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة على الأظهر ، كما تقدّم التنبيه عليه غير مرّة.

وقد يقال : إنّه يجب على الخنثى الاجتناب عن مختصّات كلّ من الطائفتين ، فلا يجوز له لبس الحرير ـ الذي هو من مختصّات النساء ـ فضلا عن الصلاة فيه ، ولا لبس العمامة التي هي من مختصّات الرجال ؛ لأنّه يعلم إجمالا بأنّه مكلّف بإحدى الوظيفتين ، فعليه الاحتياط.

وفيه : أنّه لا أثر لمثل هذا العلم الإجمالي إلّا عند الجمع بين الوظيفتين ولو حكما بأن كان كلّ منهما مورد ابتلائه ، وإلّا فلا يتنجّز في حقّه التكليف إلّا بما يعلم بتوجّه خطابه إليه على أيّ تقدير ، كما لا يخفى وجهه على من تأمّل فيما أسلفناه في كتاب الطهارة عند التكلّم في حكم الماءين المشتبه طاهرهما بنجسهما ، فراجع (١).

__________________

(١) ج ١ ، ص ٢٤٧.

٣٢٠