مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

وخبر أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم‌السلام في وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه» (١).

وصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص (٢) ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الصلاة في جلود السباع ، فقال : «لا تصلّ فيها» (٣).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : «أمّا لحوم السباع من الطير والدوابّ فإنّا نكرهه ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيه» (٤).

وهاتان الروايتان لا يستفاد منهما إلّا المنع عن جلود السباع ، فلا يتمّ الاستدلال بهما لعموم المدّعى ، إلّا بضميمة عدم القول بالفصل ، وهو إن تمّ ففي غير الموارد التي وقع الخلاف فيها.

ورواية عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما‌السلام عن لباس الفراء والصلاة فيها ، قال : «لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكيّا» قال : قلت له :أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ فقال : «بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه» قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال : «لا بأس بالسنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم ، و

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٦٥ ، ضمن ح ٨٢١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

(٢) في التهذيب والوسائل : «إسماعيل بن سعد بن الأحوص».

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

٢٠١

ليس [هو] ممّا نهى عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب» (١).

أقول : في بعض النسخ : «وما يؤكل لحمه من غير الغنم» (٢) إلى آخره ، بإسقاط كلمة «لا». ولعلّه من سهو القلم.

وكيف كان فظاهر صدر هذه الرواية هو المنع عن الصلاة في جلد غير المأكول مطلقا ، كما هو المدّعى. لكن يظهر من ذيلها أنّ المراد بغير المأكول ـ الذي نهي عن الصلاة في جلده ـ هو خصوص السباع لا غير ، فهي بالنسبة إلى ما عدا السباع على خلاف المطلوب أدلّ.

ونحوها رواية مقاتل بن مقاتل ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في السمّور والسنجاب والثعلب (٣) ، فقال : «لا خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب ، فإنّه دابّة لا تأكل اللحم» (٤) فإنّ مقتضى التعليل الواقع في ذيلها جواز الصلاة في كلّ ما لا تأكل اللحم ، وهو ما عدا السباع مطلقا ، وسيأتي التكلّم فيه عند البحث عمّا استثني إن شاء الله.

ويمكن استفادة المطلوب أيضا من الأخبار الآتية الدالّة على المنع عن الصلاة في شعر غير المأكول ووبره وصوفه بتنقيح المناط ، كما يرشدك إليه صحيحة سعد بن سعد ، الواردة في جلود الخزّ ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن جلود

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ / ٧٩٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢ ، وفيه صدر الحديث ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) كما في الكافي.

(٣) في التهذيبين : «الثعالب».

(٤) الكافي ٣ : ٤٠١ / ١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٦ ، وفي التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢١ عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

٢٠٢

الخزّ ، فقال : «هو ذا نلبس» فقلت : ذاك الوبر جعلت فداك ، فقال : «إذا حلّ وبره حلّ جلده» (١) فإنّها مشعرة بل ظاهرة في أنّه لا فرق بين الوبر والجلد في جواز الصلاة وعدمه.

وعن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر أنّه ـ بعد الاستدلال للمدّعى بموثّقة ابن بكير ، المتقدّمة (٢) ـ قال : وابن بكير وإن كان ضعيفا إلّا أنّ الحكم بذلك مشهور عن أهل البيت عليهم‌السلام.

ثمّ استدلّ عليه في السباع أيضا بأنّ خروج الروح من الحيّ سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد ، ولا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يكن المحلّ قابلا ، وإلّا لكانت ذباحة الآدمي مطهّرة جلده.

لا يقال : إنّ الذباحة هنا منهيّ عنها ، فيختلف الحكم لذلك.

لأنّا نقول : ينتقض بذباحة الشاة المغصوبة ، فإنّها منهيّ عن ذباحتها ، ثمّ الذباحة تفيد الحلّ والطهارة ، وكذا بالآلة المغصوبة ، فبان أنّ الذباحة مجرّدة لا تقتضي زوال حكم الموت ما لم يكن للمذبوح استعداد قبول أحكام الذباحة ، وعند ذلك لا نسلّم أنّ الاستعداد التامّ موجود في السباع.

لا يقال : فيلزم المنع من الانتفاع بها في غير الصلاة.

لأنّا نقول : علم جواز استعمالها في غير الصلاة بما ليس موجودا في الصلاة ، فيثبت لها هذا الاستعداد لا تامّا تصحّ معه الصلاة ، فلا يلزم من الجواز هناك لوجود

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٢ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٤.

(٢) في ص ٢٠٠.

٢٠٣

دلالة الجواز هنا مع عدمها (١). انتهى.

وفي المدارك ـ بعد أن حكى عن المعتبر الاستدلال المزبور ـ قال : وهو غير جيّد.

أمّا أوّلا : فلأنّ الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة ، وإلّا لم يجز الانتفاع به مطلقا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الذكاة عبارة عن قطع العروق المعيّنة على الوجه المعتبر شرعا ، وإطلاق الروايات يقتضي خروج الحيوان عن كونه ميتة بذلك إلّا فيما دلّ الدليل على خلافه ، كما سيجي‌ء تحقيقه إن شاء الله تعالى. وبالجملة ، فهذا الاعتبار قاصر ، والروايات ـ أي أخبار الباب ـ لا تخلو من ضعف سندا وقصور دلالة ، والمسألة محلّ إشكال (٢). انتهى.

أقول : لم يورد في المدارك من أخبار الباب عدا موثّقة ابن بكير وصحيحة إسماعيل ، فغرضه بما ذكره أخيرا الخدشة في الموثّقة بضعف السند ، وفي الصحيحة بقصور الدلالة ؛ حيث إنّها لا تدلّ إلّا على المنع عن جلود السباع ، والمدّعى أعمّ من ذلك ، فاستشكاله في المسألة بحسب الظاهر إنّما هو في عموم الحكم واطّراده بالنسبة إلى غير السباع.

وأمّا الوجه الاعتباري الذي استدلّ به في محكيّ المعتبر على المنع عن السباع فهو إن تمّ ففي غير السباع أيضا يتّجه الاستشهاد به ، ولذا عدّه في المدارك

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٩ ـ ٨٠ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٦٢ ، وصاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٢٠١ ، وصاحب الجواهر فيها ٨ : ٦٥ ـ ٦٦.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

٢٠٤

من الأدلّة التي يستدلّ بها للمدّعى على عمومه.

ولكنّه غير تامّ ؛ فإنّه ـ مع ابتنائه على قاعدة «المقتضي» التي قد تحقّق في محلّه ضعفها ـ يتوجّه عليه ما أشار إليه في المدارك ـ ووافقه جلّ من تأخّر عنه ، تبعا للمحكيّ عن الذكرى (١) ـ من أنّه لا واسطة بين المذكّى والميتة عرفا وشرعا ، فإن صدقت الذكاة عند ذبحه على الوجه المعهود في الشريعة لا يصدق عليه اسم الميتة ، وإلّا فهو ميتة يجري عليه جميع أحكامها ، وتعرف إن شاء الله في محلّه أنّ ما اعترضه في المدارك عليه ثانيا ـ من أنّ الذكاة عبارة عن الذبح على الوجه المعهود ، فالمذبوح على ذلك الوجه مذكّى يجري عليه أحكامه إلّا أن يدلّ دليل على خلافه أيضا ـ لا يخلو عن وجه بمعنى أنّ الأصل في الحيوان قبوله للتذكية إلّا أن يدلّ دليل على خلافه.

وقد ظهر بما ذكر ضعف ما قد يقال في تشييد الدليل المزبور من اعتضاده بأصالة عدم التذكية ، وبانحصار التذكية في مأكول اللحم في ظاهر خبر عليّ بن أبي حمزة ، المتقدّم سابقا (٢) ، وبحصر المحرّمات ـ في الآية (٣) الشريفة ـ في الميتة والدم ولحم الخنزير ؛ فإنّ مقتضاه كون غير مأكول اللحم مطلقا ولو مع التذكية مندرجا في موضوع الميتة ، وإلّا لم يكن الحصر حاصرا.

توضيح الضعف : أنّه لا مسرح للتشبّث بأصالة عدم التذكية بعد العلم بذبح الحيوان على الوجه المعتبر شرعا وتأثيره في طهارته وحلّ جملة من الانتفاعات

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٢ ـ ٣٣ ، وحكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٢٠١.

(٣) المائدة ٥ : ٣.

٢٠٥

التي يتوقّف حلّها ـ نصّا وإجماعا ـ على عدم كونه ميتة ، فهو قابل للتذكية بلا شبهة ، وإلّا لما أثّرت فيه الطهارة وحلّ الانتفاع كما في ذباحة الآدمي.

وفي ذيل الموثّقة المزبورة (١) إشارة إلى قبول غير المأكول للتذكية في الجملة ، كما لا يخفى.

ودعوى أنّ القدر المتيقّن إنّما هو قبوله للتذكية بالنسبة إلى بعض الأحكام لا مطلقا ، مدفوعة : بأنّ قبول الحيوان للتذكية أمر بسيط لا تركّب فيه ، فالحيوان المفروض إمّا قابل للتذكية أم لا ، فإن كان الذبح المعهود ـ المسمّى في عرف الشارع والمتشرّعة بالتذكية ـ مؤثّرا في طهارته وجواز الانتفاع به ولو في الجملة ، فهو قابل للتذكية ، فمتى تعلّقت التذكية به صدق عليه أنّه مذكّى ، فلا يلحقه شي‌ء من أحكام الميتة ؛ لأنّها في إطلاقات الشارع والمتشرّعة قسيمة للمذكّى.

هذا ، مع أنّ المنع عن الصلاة في غير المأكول ليس من آثار صيرورته بالموت ميتة حتّى يتشبّث لإثباته بأصالة عدم التذكية ، وإلّا لاختصّ المنع بما تحلّه الحياة منه ، دون الشعر والصوف ونحوهما ، مع أنّك ستعرف عدم القول بالفصل بين الجلد والشعر ونحوه ، وأنّ المنع متعلّق به من حيث هو كالمنع عن أكله ، سواء ذكّاه الذبح أم لم يذكّه.

فما ذكره المصنّف رحمه‌الله في عبارته المتقدّمة (٢) ـ من أنّ خروج الروح من الحيّ سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد ـ لا يخلو عن

__________________

(١) في ص ٢٠٠.

(٢) ـ في ص ٢٠٣.

٢٠٦

نظر ؛ إذ لولا ذاته من حيث هو مقتضيا للمنع فلا يقتضي خروج روحه بالذبح على الوجه المقرّر في الشريعة ذلك ، وإنّما يقتضيه لو كان خروج الروح بغير ذلك الوجه.

هذا كلّه ، مع أنّ في جريان أصالة عدم التذكية فيما إذا كان الشكّ ناشئا من كون الحيوان قابلا للتذكية بحثا تحقيقه موكول إلى محلّه.

وأمّا خبر عليّ بن أبي حمزة (١) : فالظاهر أنّ المقصود به بيان ما أريد بالذكيّ في خصوص المورد ، فكأنّ الإمام عليه‌السلام حيث سأله السائل عن لباس الفراء نزّل سؤاله على ما هو الغالب من اتّخاذها من جلد مأكول اللحم ، فرخّص في الصلاة فيها مشروطة بالتذكية من غير تقييدها بكونها من مأكول اللحم ؛ اعتمادا على الغلبة ، فتوهّم السائل من ذلك إطلاق سببيّة الذكاة لحلّ الصلاة في الفراء من غير اشتراطها بشي‌ء ، فاستفهم عمّا أريد منها وقال : أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ فقرّره الإمام عليه‌السلام على ذلك وبيّن اختصاصه بمأكول اللحم.

ويشهد لإرادة ما ذكرناه من الرواية ما أشرنا إليه آنفا من أنّه يظهر من تتمّة الرواية أنّ المراد بالتخصيص بالمأكول في صدرها الاحتراز عن خصوص السباع لا غير ، وأنّ ما عداها كالمأكول ، فهذا بنفسه دليل على أنّ ما وقع في الرواية تفسيرا للذكيّ لم يرد منه إلّا شرح ما أريد منه في صدر الكلام ، لا تفسيرا لمفهومه من حيث هو.

مضافا إلى الأخبار الدالّة على قبول سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها

__________________

(١) المتقدّم في ص ٢٠١.

٢٠٧

ـ من السباع وغيرها ـ في الجملة للتذكية.

وأمّا الآية (١) : فليس الحصر فيها حقيقيّا ، كما هو واضح ، وإنّما أريد بها بيان حرمة المذكورات وقصر الحرمة عليها بالإضافة إلى بعض الأشياء التي كانت محلّ توهّم الحرمة ، لا مطلقا.

وقد ظهر بما ذكر أيضا ضعف ما قد يقال في توجيه الدليل المزبور من أنّ الميتة كالميّت اسم لمطلق ما زهق روحه ، سواء كان بالتذكية أو بغيرها ، وقد جعل الشارع حكمها حرمة الانتفاع مطلقا في الصلاة وفي غيرها ، وما دلّ على جواز الانتفاع بالمذكّى مطلقا أو في الجملة أخصّ مطلقا من دليل حرمة الانتفاع ، فيخصّص به عموم ذلك الدليل ، ولم يثبت بالنسبة إلى غير المأكول تخصيصه إلّا فيما عدا الصلاة.

توضيح الضعف : أنّ المتبادر من الميتة في عرف المتشرّعة وإطلاقات الشارع ليس إلّا ما يقابل المذكّى ، فما ورد في كلمات الشارع من أنّ الميتة لا ينتفع بشي‌ء منها لا بإهاب ولا عصب (٢) ، أو أنّه لا تجوز الصلاة في جلد الميتة (٣) ، أو يحرم أكلها لا يفهم منه إلّا إرادة ما يقابل المذكّى ، لا الأعمّ كي يدّعى أنّها مخصّصة بما دلّ على جواز الانتفاع بالمذكّى ، ولعلّ هذا من الضروريّات التي لا مجال للارتياب فيه ، ولذا أو مأنا إلى ابتناء كلام المصنّف رحمه‌الله على أنّ الموت مقتض للمنع عن الانتفاع ، والتذكية مانعة عن تأثيره ، فيترتّب أثر المقتضي عليه ما لم يحرز وجود

__________________

(١) المائدة ٥ : ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٧.

(٣) الخصال : ٦٠٤ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

٢٠٨

المانع أو مانعيّته ، لا على ادّعاء استفادة عموم المنع من الأدلّة اللفظيّة ، وإلّا ففساده واضح.

وكيف كان فالذي ينبغي أن يقال في تحقيق المقام : إنّ غير مأكول اللحم إن كان من السباع ، فلا إشكال بل لا خلاف على الظاهر في عدم جواز الصلاة في جلده ، وقد استفيض نقل الإجماع عليه.

ويشهد له ـ مضافا إلى ذلك ـ جميع الأخبار المتقدّمة عموما وخصوصا.

ويدلّ عليه أيضا بالخصوص رواية قاسم الخيّاط أنّه قال : سمعت موسى ابن جعفر عليه‌السلام يقول : «ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلّى فيه ، وما أكل الميتة فلا تصلّ فيه» (١).

وخبر الفضل بن شاذان ـ المرويّ عن كتاب العيون ـ عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون قال : «ولا يصلّى في جلود الميتة ولا في جلود السباع» (٢).

وخبر الأعمش ـ المرويّ عن الخصال ـ عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام في حديث شرائع الدين ، قال : «ولا يصلّى في جلود الميتة وإن دبغت سبعين مرّة ، و [لا] (٣) في جلود السباع» (٤).

ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : «أمّا لحوم السباع من الطير والدوابّ فإنّا نكرهه ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٠ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ (الباب ٣٥) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «كذا». والمثبت من المصدر وكما تقدّم.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٩٦ ، الهامش (٦).

٢٠٩

شيئا تصلّون فيه» (١).

ورواها في الكافي عنه مسندة ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن جلود السباع ، فقال : «اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» (٢).

وعن الشيخ نحوها إلّا أنّه أسقط لفظ «تصلّون فيه» (٣). ولعلّه من سهو القلم.

ولا يعارضها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمّور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، قال : «لا بأس بالصلاة فيه» (٤) إذ لو جاز العمل بها لتعيّن صرفها عن السباع ؛ جمعا بينها وبين الأخبار الخاصّة الواردة فيها ، مع أنّك ستعرف أنّه لا بدّ من حمل هذه الصحيحة على التقيّة.

وكذا لا يعارضها صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء والسمّور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، قال : «لا بأس بذلك» (٥) وصحيحة الريّان بن الصلت ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن لبس فراء السمّور (٦) والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق (٧) والكيمخت و

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٠١ ، الهامش (٤).

(٢) الكافي ٦ : ٥٤١ / ٢ ، وعنه في الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٣) كذا ، وفي التهذيب ٦ : ١٦٦ / ٣١١ ، وكذا الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦ مثلها بدون إسقاط لفظ «تصلّون فيه».

(٤) التهذيب ٢ : ٢١٠ ـ ٢١١ / ٨٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ / ١٤٥٩ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١١ / ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ / ١٤٦٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «عن لبس الفراء والسمّور». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) المناطق : جمع منطق ومنطقة ، وهي ما يشدّ به الوسط. مجمع البحرين ٥ : ٢٣٩ «نطق».

٢١٠

المحشوّ بالقزّ والخفاف من أصناف الجلود ، فقال : «لا بأس بهذا كلّه إلّا بالثعالب» (١) للزوم تقييد الخبرين بغير حال الصلاة.

ولعلّ النكتة في إطلاقهما مراعاة التقيّة.

ولكن ربما يبعّد التقييد في الأخيرة ما فيها من استثناء الثعالب ، فإنّه لا بأس بجلود الثعالب في غير حال الصلاة. اللهمّ إلّا أن يراد به الكراهة.

هذا ، مع أنّ الخبرين أعمّ مطلقا من الأخبار الواردة في خصوص السباع ، فارتكاب التخصيص فيهما بالحمل على ما عدا السباع أيضا ممكن لو لا مخالفته للإجماع وبعض الأخبار الآتية ، كما أنّه يمكن حمل نفي البأس عن أصناف الجلود في الخبر الأخير على ما لو كانت خفّا ونحوه ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده بجعلها بيانا لخصوص الخفاف بناء على اختصاص المنع بما عداه ، كما ربما يظهر من بعض ، فيكون استثناء الثعالب بالنظر إلى ما عداه. ولكنّك ستعرف ضعف المبنى.

وكيف كان فحيث لم يقع في الخبرين التصريح بالرخصة حال الصلاة إلّا من حيث الإطلاق لا يصلحان لمعارضة شي‌ء من أخبار الباب فضلا عن معارضة الأخبار الواردة في خصوص السباع.

نعم ، ربما يظهر من خبر سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام أنّ السمّور من السباع ، قال : سألته عن جلود السمّور ، قال : «أيّ شي‌ء هو ذاك الأدبس (٢)؟»

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٩ / ١٥٣٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) الأدبس : الذي لونه بين السواد والحمرة. الصحاح ٣ : ٩٢٦ «دبس».

٢١١

فقلت : هو الأسود ، فقال : «يصيد؟» قلت : نعم ، يأخذ الدجاج والحمام ، فقال : «لا» (١).

والمراد به ـ بحسب الظاهر ـ المنع عن لبسه حال الصلاة ؛ بشهادة غيره من الأخبار. وظاهره بمقتضى الاستفصال ـ كظاهر بعض الأخبار المتقدّمة ـ إناطة المنع بكونه من السباع ، وحيث شهد السائل بكونه من السباع منع الإمام عليه‌السلام عن لبسه ، ولو كان الأمر كما شهد به السائل ـ أي لو كان السمّور من السباع ـ لأشكل ما ادّعيناه من الإجماع ـ المستفيض نقله ـ على عدم جواز الصلاة في جلد السباع مطلقا ؛ لما ستعرف من وقوع الخلاف في السمّور ، وذهاب جملة من أعاظم الأصحاب إلى الجواز ؛ استنادا إلى أخبار مستفيضة دالّة عليه ، وهذه الأخبار وإن كانت معارضة بما هو أرجح منها ممّا دلّ على المنع عنه بالخصوص ـ المعتضد بالعمومات المتقدّمة ، كما ستعرف ـ ولكن وقوع الخلاف فيه على تقدير كونه من السباع قادح لدعوى الإجماع على المنع عنها كلّيّة.

وكذلك الكلام في الحواصل ؛ فإنّه ربما يظهر من بعض كونها من السباع (٢) ، مع أنّ كثيرا من الأصحاب (٣) ـ على ما حكي عنهم ـ قائلون بجواز الصلاة في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١١ / ٨٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ / ١٤٦١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٢) لاحظ : جواهر الكلام ٨ : ١٠٨.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٩٦ ، والمبسوط ١ : ٨٢ ـ ٨٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٧ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٦٦ ، والكيدري في إصباح الشيعة : ٦٤ ، وحكاه عنهم صاحب كشف اللثام فيه ٣ : ٢٠٥.

٢١٢

جلدها ، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

وكيف كان فالأخبار المتقدّمة بأسرها تدلّ على المنع عن الصلاة في جلود السباع مطلقا ، فهذا هو الأصل في الباب ، ولا يعدل عنه إلّا بدليل أخصّ ، وسيأتي الكلام في الموارد الخاصّة التي أمكن استثناؤها من هذه القاعدة على تقدير اندراجها في موضوعها ، فلو وجد في الأخبار ما يظهر منه جواز الصلاة في جلد السباع أو مطلق غير المأكول ـ كبعض الأخبار المتقدّمة ـ فمأوّل أو محمول على التقيّة.

وأمّا غير السباع من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فالظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في كونها كالسباع في أنّ مقتضى القاعدة المتلقّاة من الشرع : المنع عن الصلاة في جلدها ، إلّا أن يدلّ دليل خاصّ على جوازها ، وقد حكي عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

ويشهد بصدق (١) هذه الدعوى : أنّ كلّ من قال بجواز الصلاة في جلد شي‌ء ممّا لا يؤكل لحمه استند في مقالته إلى الأدلّة الخاصّة الواردة فيه بحيث لو لا تلك الأدلّة لم يقل بجوازه ، كما يظهر ذلك من تتبّع أقوالهم ، فيستكشف من ذلك معروفيّة المنع عن الصلاة في جلد غير المأكول لدى الشيعة من الصدر الأوّل ، وكون الأخبار المنافية له بظاهرها صادرة عن علّة ، كما يؤيّده بعض الأخبار الآتية التي وقع فيها السؤال عن الشعر ونحوه ممّا يستشعر بل يستظهر منه كون المنع عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه على سبيل الإجمال معروفا في عصر

__________________

(١) في «ض ١٦» : «لصدق».

٢١٣

الأئمّة عليهم‌السلام لدى السائلين بحيث كانوا ربما يسألون عن الشعر الملقى على الثوب ، أو عن شعر الإنسان وسائر أجزائه.

ويدلّ عليه أيضا موثّقة ابن بكير ، ورواية أنس بن محمّد ، المتقدّمتان (١) في صدر المبحث ، والأخبار الدالّة على المنع عن الصلاة في شعر غير المأكول ووبره وصوفه بالتقريب الذي تقدّمت الإشارة إليه.

كخبر أبي تمامة قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : إنّ بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر؟ فقال : «البس منها ما أكل وضمن» (٢).

ويحتمل قويّا أن يكون المراد بالوبر في هذه الرواية ما كان مع الجلد بقرينة اعتبار الضمان الذي أريد به ـ بحسب الظاهر ـ التعهّد بذكاته.

وخبر الوشّاء ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يكره الصلاة في وبر كلّ شي‌ء لا يؤكل لحمه (٣).

ومرفوعة محمّد بن إسماعيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه ، لأنّ أكثرها مسوخ» (٤).

ومكاتبة [إبراهيم بن] (٥) محمّد الهمداني ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي

__________________

(١) في ص ٢٠٠ و ٢٠١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥٠ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٣) علل الشرائع : ٣٤٢ (الباب ٤٣) ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٤) علل الشرائع : ٣٤٢ (الباب ٤٣) ح ١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٧.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

٢١٤

الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ، فكتب عليه‌السلام : «لا تجوز الصلاة فيه» (١).

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ، فإنّها تدلّ على المنع عن الجلد بالأولويّة ، مع أنّه لا قائل بالفصل على الظاهر.

وفي صحيحة سعد ـ المتقدّمة آنفا (٢) ـ إيماء إلى عدم الفرق بين الوبر والجلد ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

ويؤيّد المطلوب أيضا رواية [الحسن بن] (٣) عليّ بن شعبة ـ المرويّة عن تحف العقول ـ عن الصادق عليه‌السلام في حديث ، قال : «وكلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه ، وكلّ شي‌ء يحلّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه وصوفه وشعره ، وإن كان الصوف والشعر [والريش] (٤) والوبر من الميتة وغير الميتة ذكيّا فلا بأس بلبس ذلك والصلاة فيه» (٥) فإنّها مشعرة بإناطة الجواز بحلّيّة الأكل.

وما في هذه الأخبار من ضعف السند كقصور بعضها من حيث الدلالة فهو مجبور باستفاضتها واعتضاد بعضها ببعض وبالأخبار الخاصّة الآتية الموافقة لها واشتهارها بين الأصحاب وعملهم بمضمونها ، إلى غير ذلك من المؤيّدات.

ولكن قد يعارضها طوائف من الأخبار :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٢) في ص ٢١١ ـ ٢١٢.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) تحف العقول : ٣٣٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٨.

٢١٥

منها : الأخبار الخاصّة الدالّة على جواز الصلاة في جملة من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها ، كالخزّ والسنجاب والفنك والثعالب والأرانب وغير ذلك ، إلّا أنّ عدّ مثل هذه الأخبار معارضة لما ذكر مسامحة ؛ فإنّه إن صحّت هذه الروايات الخاصّة وسلمت عن معارض مكافى‌ء ، لخصّصت بها العمومات الدالّة على المنع.

اللهمّ إلّا أن يدّعى كون تلك العمومات نصّا في إرادة مورد الخاصّ ، كما ستسمع هذه الدعوى في كثير من تلك الموارد الخاصّة.

ومنها : جملة من الأخبار المتقدّمة في السباع ، التي يظهر منها اختصاص المنع بالسباع ، وأنّها هي التي نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها دون غيرها.

ولا يمكن الجمع بينها وبين عمومات المنع بتخصيصها بالسباع ؛ لإبائها عن ذلك.

نعم ، لا يأبى أغلب تلك العمومات عن الحمل على مطلق المنع الشامل للكراهة ، فيمكن الجمع بينها وبين الأخبار الدالّة على الجواز في غير السباع بحمل المنع بالنسبة إلى ما عدا السباع على الكراهة.

ولكن يشكل ذلك في موثّقة (١) ابن بكير ؛ فإنّها كادت تكون صريحة في البطلان ، كما أنّها ـ بقرينة موردها ـ صريحة في إرادة الأعمّ من السباع في الجملة ، فلا يمكن الجمع بينها وبين تلك الأخبار ، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات ، وهي مع الموثّقة ؛ لموافقتها للمشهور ، ومخالفتها للجمهور ، فهي أبعد عن التقيّة ؛ لأنّ مذهب العامّة ـ على ما نسب إليهم ـ القول بالجواز في غير المأكول مطلقا ،

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٠ ، الهامش (٢).

٢١٦

فتلك الأخبار أيضا وإن كانت مخالفة لهم في الجملة لكنّها أقرب إليهم من الموثّقة ، وكفى بمثل ذلك في مقام الترجيح ، كما تقرّر في محلّه.

هذا ، مع ضعف تلك الأخبار في حدّ ذاتها من حيث السند لو لا ادّعاء انجبارها باستفاضتها واعتضاد بعضها ببعض ، المورث للوثوق بصدورها في الجملة ، فليتأمّل.

ومنها : صحيحة الحلبي ، المتقدّمة (١) النافية للبأس عن الصلاة فيما سأله السائل ، وهو الفراء والسمّور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، وصحيحتا عليّ بن يقطين والريّان بن الصلت ، المتقدّمتان (٢) النافيتان للبأس عن لبس جميع الجلود باستثناء الثعالب في الأخيرة.

ولكنّك عرفت فيما سبق (٣) أنّ الأخيرتين لعدم صراحتهما في إرادة اللّبس حال الصلاة وإمكان إرادته من حيث هو لا في حال الصلاة لا تصلحان لمعارضة أخبار المنع.

وأمّا الصحيحة الأولى فهي صريحة في الجواز حال الصلاة ، ومقتضى الجمع بينها وبين الأخبار المانعة : حمل تلك الأخبار على الكراهة.

ولا ينافي ذلك ما تقدّم سابقا (٤) من أنّ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة وبين الأخبار المانعة عن السباع : تخصيص الصحيحة بغير السباع ؛ لأنّ شمول

__________________

(١) في ص ٢١٠.

(٢) في ص ٢١٠ ـ ٢١١.

(٣) في ص ٢١١.

(٤) في ص ٢١٠.

٢١٧

الصحيحة للسباع ليس بالنصوصيّة ، بل بواسطة عموم «أشباهها» القابل للصرف لو لم نقل بانصرافه في حدّ ذاته عن السباع ، فارتكاب التخصيص فيها أهون من حمل النواهي الكثيرة المتعلّقة بالسباع على الكراهة ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ المعارضة بينها وبين أخبار المنع من قبيل معارضة النصّ والظاهر ، فيحمل أخبار المنع على الكراهة.

لكن قد أشرنا آنفا إلى أنّ موثّقة ابن بكير آبية عن هذا الحمل ، فهي معارضة لهذه الصحيحة أيضا كغيرها من المذكورات ، والترجيح للموثّقة ، كما ظهر وجهه فيما سبق.

وربما جعل بعض (١) الأخذ بالصحيحة أرجح إمّا لزعمه عدم حجّيّة الموثّق ، فتسميته ترجيحا على هذا التقدير مسامحة ، أو لبنائه على أنّ الترجيح بصفات الراوي مقدّم على الترجيح بالمرجّحات الخارجيّة من تقيّة ونحوها.

وفيه : ما تقرّر في محلّه من حجّيّة الموثّق خصوصا مثل هذا الخبر المعتضد بمعاضدات كثيرة تقدّمت الإشارة إليها إجمالا.

وأمّا الصحيحة : فقد عرفت فيما سبق أنّه لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها بالنسبة إلى السباع ، فهي بظاهرها غير معمول بها ، وارتكاب التأويل فيها بالحمل على إرادة ما عدا السباع وجعل مأوّلها دليلا لطرح الموثّقة ليس بأولى من جعل الموثّقة وغيرها من الأخبار العامّة والخاصّة الواردة في السباع وغيرها شاهدة لحمل الصحيحة على التقيّة ، بل هذا هو الأولى ، مع أنّ إعراض الأصحاب عن

__________________

(١) لاحظ : المعتبر ٢ : ٨٧.

٢١٨

ظاهرها لو لم يسقطها عن الحجّيّة فلا أقلّ من إخراجها عن صلاحيّة المكافئة للموثّقة.

ولكن قد يشكل ذلك بكثرة ابتلاء الموثّقة بالمعارضات ؛ فإنّها مع معارضتها بما عرفت قد يعارضها كثير من الأخبار الخاصّة الآتية ، وتلك الأخبار الخاصّة وإن كانت في خصوص مواردها معارضة بما يكافؤها أو يترجّح عليها ولكن كثرة المعارضات تورث الوهن في الموثّقة حيث يعلم إجمالا بصدور جلّ هذه الأخبار المتعارضة لو لا كلّها ، فينحصر محملها إمّا بتنزيل الأخبار الدالّة على المنع على الكراهة وتنزيل ما فيها من الاختلاف على اختلاف مراتبها ، نظير الأخبار الواردة في البئر على ما عرفته في محلّه ، أو حمل الأخبار الدالّة على الجواز ـ عامّها وخاصّها ـ بأسرها على التقيّة ، والأوّل وإن كان في غاية البعد بالنظر إلى ظاهر الموثّقة ولكن ارتكاب التأويل البعيد فيها بل طرحها بواسطة المعارضات أهون من حمل هذه الأخبار الكثيرة على التقيّة ، مع ما في أغلب تلك الأخبار من التفاصيل المنافية للتقيّة ، كما ستعرف ، فالجمع بين شتات الأخبار بالحمل على الكراهة من حيث هو لا يبعد أن يكون أقرب ، ولكن إعراض المشهور عن ظاهر أخبار الجواز بل اتّفاق كلمتهم على المنع فيما عدا ما ستعرف ـ على ما حكي (١) عنهم ـ يوجب أرجحيّة الحمل على التقيّة ، فالأخذ بظاهر الموثّقة وغيرها ـ من الأخبار الدالّة على المنع عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه في غير ما ورد فيه نصّ خاصّ على جوازه بلا معارض مكافى‌ء ممّا ستعرف ـ مع أنّه

__________________

(١) لاحظ : مفتاح الكرامة ٢ : ١٤١.

٢١٩

أحوط لا يخلو عن قوّة.

(وهل يفتقر استعماله في غيرها) أي الصلاة (إلى الدباغ؟ قيل : نعم) وربما نسب (١) هذا القول إلى الأكثر بل المشهور.

(وقيل : لا ، و) هذا (هو الأشبه) ولكن (على كراهيّة) كما عرفت في أواخر كتاب الطهارة.

المسألة (الثانية : الصوف والشعر والوبر والريش ممّا يؤكل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حيّ أو مذكّى أو ميّت ، وتجوز الصلاة فيه ، و) لكن (لو قلع من الميّت ، غسل منه موضع الاتّصال) لو لم يستصحب شيئا من الأجزاء التي حلّ فيها الحياة ، وإلّا أزيل منه ذلك الجزء ثمّ غسل موضعه لإزالة النجاسة العرضيّة التي اكتسبها بملاقاة النجس برطوبة مسرية.

نعم ، لو فرض انفكاكه عن ذلك ، لم يجب الغسل ، وإطلاق بعض الأخبار الدالّة عليه ـ كحسنة حريز ، المتقدّمة في كتاب الطهارة (٢) ـ جار مجرى الغالب.

(وكذا كلّ ما لا تحلّه الحياة من الميّت) ممّا لم يكن هو في حدّ ذاته نجسا ، كالدم المنجمد تحت الجلد ونحوه ، فإنّه طاهر (إذا كان) حيوانه (طاهرا في حال الحياة) وتجوز الصلاة فيه أيضا إذا كان ممّا يؤكل لحمه بعد غسله وإزالة ما عليه من النجاسة العرضيّة المكتسبة بملاقاة الميتة أو استصحاب أجزائها ، كما يدلّ عليه أخبار كثيرة :

__________________

(١) الناسب هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٨٦.

(٢) ج ٧ ص ٨٤ ـ ٨٥ ، ويأتي تخريجها أيضا في الهامش (٣) من ص ٢٢١.

٢٢٠