شرح الكافية الشّافية - ج ٢

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٦٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

لأنه لو قصد الأمر لقال :

فليدن منّى ...

وإنما أراد عطف «يدنو» على «يزعم» (١) وحذف الواو من «يدنو» لدلالة الضمة عليها كما قال :

فياليت الأطبّا كان حولى

 ......... (٢)

فحذف واو الضمير اكتفاء بالضمة ، فواو ليست بضمير أحق أن يفعل بها ذلك. وأما «تنهه» فمجزوم ؛ لأنه جواب «من».

ثم بينت انجزام الفعل بـ «لم» و «لمّا» ، وأن المجزوم بهما ماضى المعنى ، وفى ذلك إشعار بأنه لا يكون فى اللفظ إلا مضارعا ، بخلاف مصحوب أدوات الشرط.

إلا أن مجزوم «لم» مطلق الانتفاء ؛ فإذا قلت : «لم يكن» جاز أن تريد انتفاء غير محدود كقوله ـ تعالى ـ : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٣ ـ ٤].

وانتفاء محدودا متصلا بالحال كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم : ٤] وكقول سيبويه : «ولما هو كائن لم ينقطع».

وانتفاء منقطعا كقوله ـ تعالى ـ : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١].

وكقول الراجز : [من الرجز]

وكنت إذ كنت إلهى وحدكا

لم يك شىء يا إلهى قبلكا (٣)

ولجواز انقطاع مدلول «لم» يحسن أن يقال : «لم يكن ثمّ كان» ، ولجواز كونه غير محدود حسن أن يقال : «لم يقض ما لا يكون».

__________________

(١) فى أ : لا يزعم.

(٢) صدر بيت وعجزه :

 .........

وكان مع الأطباء الأساة

ينظر : الأشباه والنظائر ٧ / ١٩ ، والإنصاف ص ٣٨٥ ، والحيوان ٥ / ٢٩٧ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٢٩ ، ٢٣١ ، والدرر ١ / ١٧٨ ، وشرح المفصل ٧ / ٥ ، ٩ / ٨٠ ، ومجالس ثعلب ص ١٠٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥١ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٨.

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

١٤١

وأما «لمّا» فمدلولها انتفاء محدود متصل بزمن النطق بها ؛ فلذلك امتنع أن يقال : «لمّا يكن ثمّ كان» و «لمّا يقض ما لا يكون» ؛ لأن انتفاء قضاء ما لا يكون غير محدود.

وإلى هذا أشرت بقولى :

وحدّ الانتفا بـ «لمّا» واتّصل

بالحال ، وهو ـ مطلقا ـ بـ «لم» حصل

أى : الانتفاء حصل ـ مطلقا ـ مع «لم».

ولا أشترط كون المنفى بـ «لمّا» قريبا من الحال لقولهم : «عصى إبليس ربّه ولمّا يندم» ؛ بل الغالب كونه قريبا من الحال.

ثم بينت أن «لم» قد تهمل فيليها الفعل مرفوعا كقول الشاعر : [من البسيط]

لو لا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (١)

وزعم بعض الناس أن النصب بـ «لم» لغة اغترارا بقراءة بعض السلف (٢) : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ـ بفتح الحاء ـ وبقول الراجز : [من الرجز]

فى أى يومىّ من الموت أفرّ

أيوم لم يقدر أم يوم قدر (٣)

وهذا عند العلماء محمول على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ، ففتح لها ما قبلها ، ثم حذفت ونويت ، فبقيت الفتحة كما بقيت فى قول الشاعر : [من المنسرح]

اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسّيف قونس (٤) الفرس (٥)

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٦٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٠٥ ، ٩ / ٣ ، ١١ / ٤٣١ ، والدرر ٥ / ٦٨ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٤٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٦ ، وشرح المفصل ٧ / ٨ ، ولسان العرب (صلف) ، والمحتسب ٢ / ٤٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٧ ، ٣٣٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٦.

(٢) ينظر : المحتسب (٢ / ٣٦٦).

(٣) الرجز للإمام على بن أبى طالب فى ديوانه ص ٧٩ ، وحماسة البحترى ص ٣٧ ، وللحارث بن منذر الجرمى فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٦٧٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٤ ، والخصائص ٣ / ٩٤ ، والجنى الدانى ص ٢٦٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٨ ، ولسان العرب (قدر) ، والمحتسب ٢ / ٣٦٦ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٧ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٢٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٣.

(٤) قونس الفرس : أعلى رأسه. ينظر : القاموس (قنس).

(٥) البيت لطرفة بن العبد فى ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، والدرر ـ

١٤٢

فجئت قبورهم بدءا ولمّا

فناديت القبور فلم يجبنه (١)

وانفردت «لم» بأشياء منها :

أن فصل بينها وبين مجزومها اضطرارا كقول الشاعر : [من الوافر]

فذاك ولم إذا نحن امترينا

تكن فى النّاس يدركك المراء (٢)

والتقدير : ولم تكن إذا نحن امترينا يدركك المراء.

وقد فصل ـ أيضا ـ بين «لا» ومجزومها فى الضرورة كقول الشاعر : [من الطويل]

وقالوا : أخانا لا تخشّع لظالم

عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم (٣)

أراد : ولا تظلم ذا حق قومك.

وهذا ردىء ؛ لأنه شبيه بالفصل بين حرف الجر ، والمجرور.

وليس كذلك الفصل بين أداة الشرط ومعمولها ؛ لأن أداة الشرط يليها الماضى والمضارع ، فأشبهت الفعل فى عدم الاختصاص بالمعرب ، فحملت عليه فى جواز الفصل ـ والله أعلم ـ.

(ص)

[واجزم بـ (إن) و (من) و (ما) و (مهما)

(أى) و (أين) و (متى) و (إذما)

و (حيثما) واختم بـ (أنّى) مهملا

(كيف) وأهل الكوفة اتبع معملا](٤)

__________________

ـ ٥ / ١٧٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٣٣ ، وشرح المفصل ٦ / ١٠٧ ، ولسان العرب (قنس) ، (نون) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٧ ، ونوادر أبى زيد ص ١٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٦٥ ، وجمهرة اللغة ص ٨٥٢ ، ١١٧٦ ، والخصائص ١ / ١٢٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٨٢ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٥ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٤ ، ولسان العرب (هول) ، والمحتسب ٢ / ٣٦٧ ، ومغنى اللبيب ص ٢ / ٦٤٣ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٢٣.

(١) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٤ / ١١٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١١٣ ، ١١٧ ، والدرر ٤ / ٢٤٥ ، ٥ / ٦٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٨١ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٤٩ ، ولسان العرب (لمم) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٨٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٧.

(٢) البيت بلا نسبة فى خزانة الأدب ٩ / ٥ ، وجواهر الأدب ص ٢٥٦ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٧٨ ، والمغنى ص ٢٧٨.

(٣) البيت بلا نسبة فى الدرر ٥ / ٦٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٦.

(٤) بدل ما بين المعكوفين فى أ :

واجزم بأن وما ومهما

أى متى اين أين إذما

وحيثما أنى وهذى العشر مع

إن أدوات الشرط غير إن تبع

١٤٣

وشذّ جزم بـ (إذا) فى الشّعر

وليس ذاك جائزا فى النّثر

وأدوات الشّرط كلّها ، و (إن)

أصل فمعناها بكلّ مقترن

وتقتضى فعلين شرطا وجزا

ك (إن تزرنى تعط ما تنجّزا)

والشّرط منهما الذى تقدّما

والثّان منهما جوابا وسما

وماضيين أو مضارعين

تلفيهما أو متخالفين

وكون ماض فى اختلاف سابقا

أولى من العكس فكن موافقا

ولا أخصّ العكس باضطرار

لكنّه يقلّ فى اختيار

وللمضارع انجزام ظهرا

والماض لفظا فيه جزم قدرا

وجائز رفع مضارع سبق

بالماض نحو : (من زكا سعيا يثق)

وقلّ رفع بعد شرط جزما

كرفع (يدرك) فى جواب (أينما)

ومنه قول بعضهم : (يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع)

وشذّ إهمال (متى) و (إن) و (لم)

حملا على أشباهها من الكلم

وشاع جزم بإذا حملا على

متى وذا فى النّثر لن يستعملا

وبإذا فى الشعر جزم ندرا

وذاك فى أشعارهم قد كثرا

(ش) لما انقضى الكلام على الأحرف الأربعة المقتضية مجزوما واحدا شرعت فى الكلام على أدوات الشرط الجازمة فعلين وهى التى أولها «إن» وآخرها «أنّى» :

نحو قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) [الإسراء : ٥٤] و (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] و (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة : ١٩٧] و (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف : ١٣٢] و (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] و (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨].

[و] قول الشاعر : [من الطويل]

 .........

ولكن متى يسترفد (١) القوم أرفد (٢)

__________________

(١) رفد فلانا : أعانه وأعطاه. ينظر : الوسيط (رفد).

(٢) عجز بيت لطرفة بن العبد وصدره :

ولست بحلال التلاع مخافة

 ........

ينظر : ديوانه ص ٢٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٦٦ ، ٦٧ ، ٤٧١ ، والكتاب ٣ / ٧٨ ، وبلا نسبة فى شرح شذور الذهب ص ٤٣٥ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٠٦.

١٤٤

[وقول الآخر : من البسيط]

أيّان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا

لم تدرك الأمن منّا لم تزل حذرا (١)

و : [من الخفيف]

حيثما تستقم يقدّر لك الّل

ه نجاحا فى غابر الأزمان (٢)

و : [من الطويل]

وإنّك إذ ما تأب ما أنت آمر

به لا تجد من أنت تأمر فاعلا (٣)

و : [من الطويل]

خليلى أنّى تأتيانى تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول (٤)

و : [من الكامل]

إذ ما أتيت على الرّسول فقل له

حقّ عليك إذا اطمأنّ المجلس (٥)](٦)

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٧٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٣٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٣.

(٢) البيت بلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٧٣٦ ، وخزانة الأدب ٧ ، ٢٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥١٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٣٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٩١ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٥ ، وشرح قطر الندى ص ٨٩ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٣٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٦.

(٣) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٨٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٥ ، وشرح قطر الندى ص ٨٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٥.

(٤) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٨٠ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٣٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٦.

(٥) البيت للعباس بن مرداس ديوانه ص ٧٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٣ ، وشرح المفصل ٤ / ٩٧ ، ٧ / ٤٦ ، والكتاب ٣ / ٥٧ ، ولسان العرب (أذذ) ، وبلا نسبة فى الخصائص ١ / ١٣١ ، ورصف المبانى ص ٦٠ ، والمقتضب ٢ / ٤٧.

(٦) بدل ما بين المعكوفين ثبت فى ط :

وقول الآخر :

إذ ما أتيت على الرسول فقل له

 .........

وقول الشاعر : [من البسيط]

 .......

وحيثما يك أمر صالح تكن

وقول الآخر : [من الطويل]

فأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها

كلا مركبيها تحت رجلك شاجر ـ

١٤٥

ولا بد لأداة المجازاة من فعل يليها يسمى شرطا ، وفعل بعده ـ أو ما يقوم مقامه ـ يسمى جوابا وجزاء :

وإذا كانا فعلين ، جاز أن يكونا مضارعين. وأن يكونا ماضيين.

وأن يكون الشرط ماضيا ، والجواب مضارعا.

وأن يكون الشرط مضارعا ، والجواب ماضيا.

فالأول نحو : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) [البقرة : ٢٨٤].

والثانى نحو : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨].

والثالث نحو : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١٥].

ومثله قول الشاعر : [من البسيط]

دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير (١)

والرابع نحو قول الشاعر : [من الخفيف]

__________________

ـ وقولى :

 ... واختم بـ «أنّى» مهملا

«كيف» وأهل الكوفة اتبع معملا

أشرت به إلى أن إهمال «كيف» وعدم الاعتداد بها فى أدوات الشرط هو المذهب الصحيح ، وأن الكوفيين يجزمون بها ، ويلحقونها بأدوات الشرط الجازمة.

وقد جزم بـ «إذا» فى الشعر كثيرا ، والأصح منع ذلك فى النثر لعدم وروده.

ومن الوارد منه فى الشعر ما أنشد سيبويه من قول الشاعر : [من البسيط]

ترفع لى خندف ، والله يرفع لى

نارا إذا أخمدت نيرانهم تقد

ومنه ما أنشده الفراء من قول الآخر : [من الكامل]

استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتحمّل

ولو قيل : إن هذا ليس بضرورة لتمكن الجازم بـ «إذا» من أن يجعل مكانها «متى» الشرطية لكان قولا لا راد له إلا بأن يقال : لو كان جائزا فى غير الشعر ما عدم وروده نثرا.

(١) التوغير : الإغراء بالحقد. ينظر : اللسان (وغر).

والبيت للفرزدق فى ديوانه ١ / ٢١٣ ، والدرر ٥ / ٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧١ ، والكتاب ٣ / ٦٩ ، ولسان العرب (وغر) ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ٢ / ٦٠.

١٤٦

من يكدنى بسىّء كنت منه

كالشّجا (١) بين حلقه والوريد (٢)

ومثله قول الآخر : [من البسيط]

إن تصرمونا وصلناكم ، وإن تصلوا

ملأتم أنفس الأعداء إرهابا (٣)

ومثله قول الآخر : [من البسيط]

إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا

منّى وما يسمعوا من صالح دفنوا (٤)

وأكثر النحويين يخصون الوجه الرابع بالضرورة ، ولا أرى ذلك ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (٥).

ولأن قائل البيت الأول متمكن من أن يقول بدل :

 ....... كنت منه

 .......

 ....... أك منه

 .........

وقائل الثانى متمكن من أن يقول بدل :

 ... وصلناكم ...

 .........

 ... نواصلكم ...

 .........

وبدل :

 .........

ملأتم .......

 .........

تملأوا .........

وقائل البيت الثالث متمكن من [أن] يقول بدل :

إن يسمعوا ...

 .........

إن سمعوا ...

 .........

__________________

(١) الشجا : ما نشب فى الحلق من غصة همّ. ينظر : المقاييس (شجو).

(٢) البيت لأبى زبيد الطائى فى ديوانه ص ٥٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٧٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٧ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٠٥ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٥ ، والمقتضب ٢ / ٥٩ ، والمقرب ١ / ٢٧٥ ، ونوادر أبى زيد ص ٦٨.

(٣) البيت بلا نسبة فى الدرر ٥ / ٧٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٩.

(٤) البيت للمتنبى فى ديوانه ٤ / ٣٦٦ ، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب ١ / ٢٠٠.

(٥) أخرجه البخارى (١ / ١٢٧) : كتاب الإيمان : باب قيام ليلة القدر من الإيمان ، (٣٥) ، ومسلم (١ / ٥٢٤) : كتاب صلاة المسافرين : باب الترغيب فى قيام رمضان وهو التراويح ، (١٧٦ ـ ٧٥٩) ، والبيهقى فى السنن الكبرى (٤ / ٣٠٧) من حديث أبى هريرة مرفوعا ، به.

١٤٧

وبدل :

 ........

 ... وما يسمعوا ....

 ..........

 ... وما سمعوا ....

فإذا لم يقولوا ذلك ـ مع إمكانه ـ علم أنهم غير مضطرين.

وقد صرح بجواز ذلك فى الاختيار : الفراء (١) ـ رحمه‌الله ـ وجعل من ذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ؛ لأن «ظلّت» بلفظ الماضى ، وقد عطف على «ننزّل» ، وحق المعطوف أن يصلح لحلوله محل المعطوف عليه وما كان ماضى اللفظ من شرط أو جواب فمجزوم تقديرا.

وأما المضارع : فإن كان شرطا وجب جزمه لفظا ، وكذا إن كان جوابا ، والشرط مضارع مثله.

فإن كان الجواب مضارعا والشرط ماضيا فالجزم مختار كقوله ـ تعالى ـ : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١٥].

وكقول الشاعر : [من البسيط] الله

دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير (٢)

والرفع جائز كثير كقول زهير : [من البسيط]

وإن أتاه خليل (٣) يوم مسألة

يقول : لا غائب مالى ولا حرم (٤)

وكقول أبى صخر (٥) : [من الطويل]

__________________

(١) ينظر : معانى القرآن (٢ / ٢٧٩).

(٢) تقدم قريبا.

(٣) خليل : معدم فقير. ينظر : القاموس (خلل).

(٤) البيت لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ١٥٣ ، والإنصاف ٢ / ٦٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٨ ، ٧٠ ، والدرر ٥ / ٨٢ ، ورصف المبانى ص ١٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٣٨ ، والكتاب ٣ / ٦٦ ، ولسان العرب (خلل) ، (حرم) ، والمحتسب ٢ / ٦٥ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٢٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٩ ، والمقتضب ٢ / ٧٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٢٠٧ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٥ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٥١ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٥٣ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٠.

(٥) هو عبد الله بن سلمة السهمى ، أبو صخر الهذلى ، شاعر من الفصحاء ، كان فى العصر الأموى ، من موالى بنى مروان ، متعصبا لهم ، وله مدائح فيهم ، مات سنة (٨٠ ه‍). ـ

١٤٨

وليس المعنّى بالّذى لا يهيجه

إلى الشّوق إلّا الهاتفات السّواجع

ولا بالذى إن بان عنه حبيبه

يقول ـ ويخفى الصّبر ـ إنّى لجازع (١)

ورفعه عند سيبويه (٢) على تقدير تقديمه ، وكون الجواب محذوفا.

وعند أبى العباس على تقدير الفاء (٣).

وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم ؛ ومنه قراءة (٤) طلحة بن سليمان (٥) : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨].

ومثله قول الراجز : [من الرجز]

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع (٦)

ومثله : [من الطويل]

فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها

مطبّعة من يأتها لا يضيرها (٧)

__________________

ـ ينظر : الأعلام (٤ / ٩٠ ـ ٩١) ، الأغانى (٥ / ١٨٥).

(١) البيتان بلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٨٥.

(٢) قال سيبويه : وقد تقول : إن أتيتنى آتيك أى : آتيك إن أتيتنى. ينظر الكتاب (٣ / ٦٦).

(٣) ينظر : المقتضب (٢ / ٦٧) وما بعدها.

(٤) قال أبو الفتح معقبا على هذه القراءة : هو لعمرى ضعيف فى العربية ، وبابه الشعر والضرورة ؛ إلا أنه ليس بمردود ؛ لأنه قد جاء عنهم ، ولو قال : مردود فى القرآن لكان أصح معنى ، وذلك أنه على حذف الفاء ، كأنه قال : فيدرككم الموت ... ينظر : المحتسب : (١ / ١٩٣).

(٥) هو طلحة بن سليمان السمان ، مقرئ أخذ القراءة عن فياض بن غزوان ، عن طلحة بن مصرف ، وله شواذ تروى عنه. ينظر : غاية النهاية (طبقات القراء) (١ / ٣٤١).

(٦) الرجز لجرير بن عبد الله البجلى فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢١ ، والكتاب ٣ / ٦٧ ، ولسان العرب (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم العجلى فى خزانة الأدب ٨ / ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٨ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٠ ، ولعمرو بن خثارم البجلى فى الدرر ١ / ٢٢٧ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٢٠٢ ، والإنصاف ٢ / ٦٢٣ ، ورصف المبانى ص ١٠٤ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٥٤ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٨ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٥٣ ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٧٢ ، ٢ / ٦١.

(٧) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى خزانة الأدب ٩ / ٥٢ ، ٥٧ ، ٧١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٩٣ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٢٠٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٥٩ ، والكتاب ٣ / ٧٠ ، ولسان العرب (ضير) ، (طبع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣١ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٢٠٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٦ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٨ ، والمقتضب ٢ / ٧٢.

١٤٩

وشذ إهمال «متى» حملا على «إذا».

وإهمال «إن» حملا على «لو».

وإهمال «لم» حملا على «ما».

فالأول نحو : قول عائشة ـ رضى الله عنها ـ مخاطبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ أبا بكر رجل أسيف ، وإنّه متى يقوم مقامك لا يسمع النّاس» (١).

والثانى كقراءة طلحة (٢) : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) [مريم : ٢٦] ـ بياء ساكنة

__________________

(١) أخرجه النسائى (٢ / ٩٩) : كتاب الإمامة باب الائتمام بالإمام يصلى قاعدا ، وابن ماجه (١ / ٣٨٩) : كتاب إقامة الصلاة (باب ما جاء فى صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مرضه) ، (١٢٣٢) ، وأحمد (٦ / ١٥٩ ، ٢١٠ ، ٢٢٤) ، وابن خزيمة (١٦١٦) ، والبيهقى (٣ / ٣٠٥) من حديث عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. قالت : قلت : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقوم فى مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر. فقال : «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. فقلت لحفصة : قولى له. فقالت له. فقال : إنكن لأنتن صواحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. فذكرت الحديث مطولا.

والحديث أخرجه البخارى (٢ / ٤٣٩) ، كتاب الأذان باب الرجل يأتم بالإمام ، (٧١٣) ، ومسلم (١ / ٣١٣ ـ ٣١٤) : كتاب الصلاة : باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما (٩٥ ـ ٤١٨) ، وفيه «إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس».

وقال الحافظ فى الفتح (٢ / ٤٤٠) : قوله «متى يقوم» كذا وقع للأكثر فى الموضعين بإثبات الواو ، ووجّهه ابن مالك بأنه شبه «متى» بـ «إذا» فلم تجزم. كما شبه إذا بـ «متى» فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين» فحذف النون. ووقع فى رواية الكشميهنى «متى ما يقم» ولا إشكال فيها. اه.

(٢) قال السمين الحلبى : والعامة على صريح الياء المكسورة وقرأ أبو عمرو فى رواية «ترئنّ» بهمزة مكسورة بدل الياء ، وكذلك روى عنه «لترؤنّ» بإبدال الواو همزة. قال الزمخشرى : هذا من لغة من يقول : لبّأت بالحج ، وحلات بالسّويق. يعنى : وحلأت بالهمز. وذلك لتآخ بين الهمز وحرف اللين». وتجرأ ابن خالويه على أبى عمرو فقال : «هو لحن عند أكثر النحويين». وقرأ أبو جعفر قارئ المدينة ، وشيبة وطلحة : «ترين» بياء ساكنة ونون خفيفة. قال ابن جنى : «وهى شاذة» قلت : لأنه كان ينبغى أن يؤثر الجازم فيحذف نون الرفع ، كقول الأفوه :

إمّا ترى رأسى أزرى به

مأس زمان ذى انتكاس مئوس

ولم يؤثر هنا شذوذا ، وهو نظير قول الآخر :

لو لا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليقاء لم يوفون بالجار

فلم يعمل ، وأبقى نون الرفع. و «من البشر» حال من «أحدا» ، لأنه لو تأخر لكان وصفا وقال أبو البقاء : «أو مفعول». يعنى : أنه متعلق بنفس الفعل قبله. ينظر : الدر المصون (٤ / ٥٠٢).

١٥٠

ونون مفتوحة ـ ذكرها ابن جنى فى المحتسب.

ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإنّك إن لا تراه فإنّه يراك» (١).

والثالث كقول الشاعر : [من البسيط]

لو لا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (٢)

وشاع فى الشعر جزم بـ «إذا» حمل على «متى» ؛ فمن ذلك إنشاد سيبويه :

[من البسيط]

ترفع لى خندف (٣) والله يرفع لى

نارا إذا خمدت نيرانهم تقد (٤)

وكإنشاد الفراء (٥) : [من الكامل]

استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (٦)

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ٤٢٦) ، ومسلم (١ / ٣٩) كتاب الإيمان : باب بيان أن الإيمان والإسلام والإحسان ، (٥ ـ ٩) ، وابن ماجه (١ / ٢٥) : المقدمة : باب فى الإيمان ، (٦٤) من حديث أبى هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما بارزا للناس ، فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر» فذكر الحديث.

وفيه «قال : يا رسول الله ما الإحسان؟ قال : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإنك إن لا تراه فإنه يراك». والحديث أخرجه البخارى ، وليس فيه موضع الشاهد ؛ ولفظه : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

وأخرجه البخارى (١ / ١٥٧) : كتاب الإيمان : باب سؤال جبريل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإيمان (٥٠) ، و (٩ / ٤٦٦) : كتاب التفسير : باب قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، (٤٧٧٧).

من حديث عمر بن الخطاب : أخرجه ، أحمد (١ / ٥٣) ، وابن ماجه (١ / ٢٥) : المقدمة :

باب فى الإيمان ، (٦٤) ، وابن حبان (١٧٣) ، وأخرجه مسلم (١ ـ ٨) ، وأبو داود (٤٦٩٥) ، والترمذى (٢٦١٠) ، والنسائى (٨ / ٩٧) بغير لفظ الشاهد. ولفظهم : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

(٢) تقدم تخريج هذا البيت.

(٣) الخندفة : أن يمشى مفاجّا ويقلب قدميه كأنه يغرف بهما وهو من التبختر. ينظر : القاموس (خندف).

(٤) البيت للفرزدق فى الأزمنة والأمكنة ١ / ٢٤١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ٤٧ ، والكتاب ٣ / ٦٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٨٣ ، والمقتضب ٢ / ٥٦.

(٥) ينظر : معانى القرآن : ٣ / ١٥٨.

(٦) البيت لعبد قيس بن خفاف فى الدرر ٣ / ١٠٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٥٥٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٧١ ، ولسان العرب (كرب) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٠٣ ، ولحارثة بن ـ

١٥١

(ص)

وإن يك الجواب ما إيلاه (إن)

إيّاه ممنوع فبالفا يقترن

حتما كـ (إن تذهب فأسرع) و (متى

تلمم بنا فلن ترى غير فتى)

ولا يلى الفا الماضى الاتى معنى

إلّا لوعد أو وعيد يعنى

وتخلف الفا قبل مبتدا (إذا)

فجاءة فى ذا الجواب فادر ذا

وفى اضطرار حذف ذى الفاء وجد

ومع صالح لإيلا إن ترد

وما لتلوها مضارعا سوى

رفع ، وقبل اسما محقّ قد نوى

وسبق الاسم الشّرط ماضيا كثر

من بعد (إن) ومع سوى الماضى نزر

ومطلقا مع غير (إن) هذا يقل

ك (أينما الرّيح تميّلها تمل)

وقد يلى الجزاء ما فيه عمل

عند سوى الفرّا وشيخه قبل

ك (زيدا ان تسأل يبن) وك (المنى

إن تزك تبلغ) رأياه حسنا

(ش) أصل جواب الشرط أن يكون فعلا صالحا لجعله شرطا :

فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها ، فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل.

وينبغى أن يكون الفعل خبر مبتدأ ، ولو لا ذلك لحكم بزيادة الفاء ، وجزم الفعل إن كان مضارعا ؛ لأن الفاء على ذلك التقدير زائدة فى تقدير السقوط.

لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها ، فعلم أنها غير زائدة ، وأنها داخلة على مبتدأ مقدر ، كما تدخل على مبتدأ مصرح به.

إلى هذا أشرت بقولى :

 ........

 ... وقبل اسما محقّ قد نوى

ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) [الجن : ١٣].

ومثله قراءة حمزة (١) : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢].

__________________

ـ بدر الغدانى فى أمالى المرتضى ١ / ٣٨٣ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٥ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٩٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٦.

(١) قرأ حمزة بكسر «إن» على أنها شرطية ، والباقون بفتحها ، على أنها المصدرية الناصبة ، فأما ـ

١٥٢

__________________

ـ القراءة الأولى فجواب الشرط فيها قوله «فتذكّر» ، وذلك أنّ حمزة رحمه‌الله يقرأ : «فتذكّر» بتشديد الكاف ورفع الراء فصحّ أن تكون الفاء وما فى حيّزها جوابا للشرط ، ورفع الفعل لأنه على إضمار مبتدأ أى : فهى تذكّر ، وعلى هذه القراءة فجملة الشرط والجزاء هل لها محلّ من الإعراب أم لا؟ قال ابن عطية : «إنّ محلها الرفع صفة لامرأتين» ، وكان قد تقدّم أن قوله :

«ممّن ترضون» صفة لقوله «فرجل وامرأتان».

قال الشيخ : «فصار نظير «جاءنى رجل وامرأتان عقلاء حبليان» وفى جواز مثل هذا التركيب نظر ، بل الذى تقتضيه الأقيسة تقديم «حبليان» على «عقلاء» ؛ وأما إذا قيل بأن «ممّن ترضون» بدل من رجالكم ، أو متعلّق بـ «استشهدوا» فيتعذّر جعله صفة لامرأتين للزوم الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبى». قلت : وابن عطية لم يبتدع هذا الإعراب ، بل سبقه إليه الواحدى فإنه قال : «وموضع الشرط وجوابه رفع بكونهما وصفا للمذكورين وهما «امرأتان» فى قوله : «فرجل وامرأتان» لأن الشرط والجزاء يوصف بهما ، كما يوصل بهما فى قوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ).

والظاهر أنّ هذه الجملة الشرطية مستأنفة للإخبار بهذا الحكم ، وهى جواب لسؤال مقدّر ، كأن قائلا قال : ما بال امرأتين جعلتا بمنزلة رجل؟ فأجيب بهذه الجملة.

وأما القراءة الثانية فـ «أن» فيها مصدرية ناصبة للفعل بعدها ، والفتحة فيه حركة إعراب ، بخلافها فى قراءة حمزة ، فإنها فتحة التقاء ساكنين ، إذ اللام الأولى ساكنة للإدغام فى الثانية ، والثانية مسكّنة للجزم ، ولا يمكن إدغام فى ساكن ، فحرّكنا الثانية بالفتحة هربا من التقائهما ، وكانت الحركة فتحة ؛ لأنها أخفّ الحركات ، و «أن» وما فى حيّزها فى محلّ نصب أو جرّ بعد حذف حرف الجر ، وهى لام العلة ، والتقدير : لأن تضلّ ، أو إرادة أن تضلّ. وفى متعلّق هذا الجارّ ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه فعل مضمر دلّ عليه الكلام السابق ، إذ التقدير : فاستشهدوا رجلا وامرأتين لأن تضلّ إحداهما ، ودلّ على هذا الفعل قوله : «فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان» ، قاله الواحدى ، ولا حاجة إليه ، لأنّ الرافع لرجل وامرأتين مغن عن تقدير شىء آخر ، وكذلك الخبر المقدّر لقولك : «فرجل وامرأتان» إذ تقدير الأول : فليشهد رجل.

وتقدير الثانى : فرجل وامرأتان يشهدون لأن تضلّ ، وهذان التقديران هما الوجه الثانى.

والثالث من الثلاثة المذكورة.

وهنا سؤال واضح جرت عادة المعربين والمفسّرين يسألونه وهو : كيف جعل ضلال إحداهما علة لتطلّب الإشهاد أو مرادا لله تعالى ، على حسب التقديرين المذكورين أولا؟ وقد أجاب سيبويه وغيره عن ذلك بأن الضلال لمّا كان سببا للإذكار ، والإذكار مسبّبا عنه ، وهم ينزّلون كلّ واحد من السبب والمسبّب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبّب عنه الإذكار إرادة للإذكار ، فكأنه قيل : إرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى إن ضلّت ، ونظيره قولهم : «أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، وأعددت السلاح أن يجىء عدوّ فأدفعه» فليس إعدادك الخشبة لأن يميل الحائط ولا إعدادك السلاح لأن يجىء عدوّ ، وإنما هما للدّعم إذا مال وللدفع إذا جاء العدو ، وهذا ممّا يعود ـ

١٥٣

__________________

ـ إليه المعنى ويهجر فيه جانب اللفظ.

وقد ذهب الجرجانى فى هذه الآية إلى أنّ التقدير : مخافة أن تضلّ ، وأنشد قول عمرو :

 .........

فعجّلنا القرى أن تشتمونا

أى : «مخافة أن تشتمونا» وهذا صحيح لو اقتصر عليه من غير أن يعطف عليه قوله «فتذكّر» لأنه كان التقدير : فاستشهدوا رجلا وامرأتين مخافة أن تضلّ إحداهما ، ولكن عطف قوله : «فتذكّر» يفسده ، إذ يصير التقدير : مخافة أن تذكر إحداهما الأخرى ، وإذكار إحداهما الأخرى ليس مخوفا منه ، بل هو المقصود ، قال أبو جعفر : «سمعت علىّ بن سليمان يحكى عن أبى العباس أن التقدير كراهة أن تضل» قال أبو جعفر : «وهو غلط إذ يصير المعنى : كراهة أن تذكّر إحداهما الأخرى». انتهى.

وذهب الفراء إلى أغرب من هذا كلّه فزعم أن تقدير الآية الكريمة : «كى تذكّر إحداهما الأخرى إن ضلّت» فلما قدّم الجزاء اتصل بما قبله ففتحت «أن» ، قال : «ومثله من الكلام : «إنه ليعجبنى أن يسأل السائل فيعطى» معناه : إنه ليعجبنى أن يعطى السائل إن سأل ؛ لأنه إنما يعجب الإعطاء لا السؤال ، فلما قدّموا السؤال على العطيّة أصحبوه «أن» المفتوحة لينكشف المعنى» ، فعنده «أن» فى «أن تضلّ» للجزاء ، إلا أنه قدّم وفتح وأصله التأخير.

وأنكر هذا القول البصريون وردّوه أبلغ ردّ : قال الزجاج : «لست أدرى لم صار الجزاء إذا تقدّم وهو فى مكانه وغير مكانه وجب أن يفتح أن». وقال الفارسى : «ما ذكره الفراء دعوى لا دلالة عليها والقياس يفسدها ، ألا ترى أنّا نجد الحرف العامل إذا تغيرت حركته لم يوجب ذلك تغيّرا فى عمله ولا معناه ، وذلك ما رواه أبو الحسن من فتح اللام الجارّة مع المظهر عن يونس وأبى عبيدة وخلف الأحمر ، فكما أن هذه اللام لمّا فتحت لم يتغير من عملها ومعناها شىء ، كذلك «إن» الجزائية ينبغى إذا فتحت ألا يتغيّر عملها ولا معناها ، ومما يبعده أيضا أنا نجد الحرف العامل لا يتغير عمله بالتقديم ولا بالتأخير ، ألا ترى لقولك : «مررت بزيد» ثم تقول : «بزيد مررت» فلم يتغير عمل الباء بتقديمها من تأخير».

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فتذكر» بتخفيف الكاف ونصب الراء من أذكرته أى : جعلته ذاكرا للشىء بعد نسيانه ، فإنّ المراد بالضلال هنا النسيان كقوله تعالى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) وأنشدوا للفرزدق :

ولقد ضللت أباك يدعو دارما

كضلال ملتمس طريق وبار

فالهمزة فى «أذكرته» للنقل والتعدية ، والفعل قبلها متعدّ لواحد ، فلا بدّ من آخر ، وليس فى الآية إلا مفعول واحد فلا بد من اعتقاد حذف الثانى ، والتقدير فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة بعد نسيانها إن نسيتها ، وهذا التفسير هو المشهور.

وقد شذّ بعضهم فقال : معنى فتذكر إحداهما الأخرى أى : فتجعلها ذكرا ، أى : تصيّر حكمها حكم الذّكر فى قبول الشهادة. وروى الأصمعى عن أبى عمرو بن العلاء قال : «فتذكّر إحداهما الأخرى بالتشديد فهو من طريق التذكير بعد النسيان ، تقول لها : هل تذكرين إذ شهدنا كذا يوم كذا فى مكان كذا على فلان أو فلانة ، ومن قرأ «فتذكر» بالتخفيف فقال : إذا شهدت المرأة ثم جاءت الأخرى فشهدت معها فقد أذكرتها لقيامهما ـ

١٥٤

وإذا كان الجواب ماضيا لفظا لا معنى ، لم يجز اقترانه بالفاء إلا فى وعد أو وعيد ، لأنه إذا كان وعدا أو وعيدا حسن أن يقدر ماضى المعنى ، فعومل معاملة الماضى حقيقة.

ومثال الماضى حقيقة قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [يوسف : ٢٦].

__________________

ـ مقام ذكر» ولم يرتض هذا من أبى عمرو المفسرون وأهل اللسان ، بل لم يصحّحوا رواية ذلك عنه لمعرفتهم بمكانته من العلم ؛ وردّوه على قائله من وجوه منها : أن الفصاحة تقتضى مقابلة الضلال ـ المراد به النسيان ـ بالإذكار والتذكير ، ولا تناسب فى المقابلة بالمعنى المنقول عنه ، ومنها : أنّ النساء لو بلغن ما بلغن من العدد لا بد معهنّ من رجل يشهد معهنّ ، فلو كان ذلك المعنى صحيحا لذكّرتها بنفسها من غير انضمام رجل ، هكذا ذكروا ، وينبغى أن يكون ذلك فيما يقبل فيه الرجل مع المرأتين ، وإلّا فقد نجد النساء يتمحّضن فى شهادات من غير انضمام رجل إليهنّ ، ومنها : أنها لو صيّرتها ذكرا لكان ينبغى أن يكون ذلك فى سائر الأحكام ، ولا يقتصر به على ما فيه ... وفيه نظر أيضا ، إذ هو مشترك الإلزام لأنه يقال : وكذا إذا فسّرتموه بالتذكير بعد النسيان لم يعمّ الأحكام كلّها ، فما أجيب به فهو جوابهم أيضا.

وقال الزمخشرى : «ومن بدع التفاسير : «فتذكّر» فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا ، يعنى أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذّكر» انتهى. ولم يجعل هذا القول مختصّا بقراءة دون أخرى.

وأما نصب الراء فنسق على «أن تضلّ» لأنّهما يقرآن : «أن تضلّ» بـ «أن» الناصبة ، وقرأ الباقون بتشديد الكاف من «ذكّرته» بمعنى جعلته ذاكرا أيضا ، وقد تقدّم أنّ حمزة وحده هو الذى يرفع الراء.

وخرج من مجموع الكلمتين أنّ القرّاء على ثلاث مراتب : فحمزة وحده : «إن تضلّ فتذكّر» بكسر «إن» وتشديد الكاف ورفع الراء ، وأبو عمرو وابن كثير بفتح «أن» وتخفيف الكاف ونصب الراء ، والباقون كذلك ، إلا أنهم يشدّدون الكاف.

والمفعول الثانى محذوف أيضا فى هذه القراءة كما فى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ، وفعّل وأفعل هنا بمعنى ، نحو : أكرمته وكرّمته ، وفرّحته وأفرحته. قالوا : والتشديد فى هذا اللفظ أكثر استعمالا من التخفيف ، وعليه قوله :

على أنّنى بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا

يذكّرنيك حنين العجول

ونوح الحمامة تدعو هديلا

وقرأ عيسى بن عمر والجحدرى : «تضلّ» مبنيّا للمفعول ، وعن الجحدرى أيضا : «تضلّ» بضم التاء وكسر الضاد من أضلّ كذا أى : أضاعه ، والمفعول محذوف أى : تضلّ الشهادة.

وقرأ حميد بن عبد الرحمن ومجاهد : «فتذكر» برفع الراء وتخفيف الكاف ، وزيد بن أسلم : «فتذاكر» من المذاكرة. ينظر الدر المصون (١ / ٦٧٦ ـ ٦٧٩).

١٥٥

ومثال الماضى لفظا لا معنى ـ مقرونا بالفاء ـ قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠].

وإلى هذا أشرت بقولى :

ولا يلى الفا الماضى الاتى معنى

إلا لوعد أو وعيد يعنى

ويجوز أن تكون الفاء عاطفة ، ويكون التقدير : ومن جاء بالسيئة ، فكبت وجوههم فى النار ، فيقال لهم : هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] أى : فيقال لهم : أكفرتم.

وإذا كان الجواب جملة اسمية ، أو فعلية لا تلى حرف الشرط ، وجب اقترانها بالفاء ليعلم ارتباطها بالأداة ، فإن ما لا يصلح للارتباط مع الاتصال ، أحق بأن لا يصلح مع الانفصال ، فإذا قرن بالفاء علم الارتباط.

والفعلية التى لا تلى حرف الشرط هى التى فعلها غير متصرف نحو : (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ) [الكهف : ٤٠].

أو ماض لفظا ، ومعنى نحو : (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٧٧].

أو مطلوب به فعل أو ترك ؛ نحو : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١] ونحو : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه : ١١٢] فى رواية ابن كثير (١).

ومما يجب اقترانه بالفاء لأنه لا يلى حرف الشرط الفعل المقرون بالسين ، أو سوف ، والمنفى بـ «لن» أو «ما» أو «إن».

__________________

(١) «فلا يخاف» قرأ ابن كثير (بجزمه) على النهى ، والمعنى : أمن ، والنهى عن الخوف أمر بالأمن. والباقون : برفعه على النفى والاستئناف ، أى : فهو لا يخاف. والهضم : النقص تقول العرب : هضمت لزيد من حقى أى : نقصت منه ، ومنه : هضيم الكشحين أى :

ضامرهما ، ومن ذلك أيضا ، «طلعها هضيم» أى : دقيق متراكب كأنّ بعضه يظلم بعضا فينقصه حقه. ورجل هضيم ومهتضم أى : مظلوم. وهضمته واهتضمته وتهّضمته عليه بمعنى ، قال المتوكل الليثى :

إنّ الأذلّة واللّئام لمعشر

مولاهم المتهضّم المظلوم

قيل : والظلم والهضم متقاربان وفرّق القاضى الماوردى بينهما فقال : الظلم منع جميع الحق ، والهضم منع بعضه. والظلم هنا هو أن يعاقب لا على جريمة أو يمنع من الثواب على الطاعة. والهضم هو أن ينقص من ثوابه. وقال أبو مسلم : الظلم أن ينقص من الثواب ، والهضم ألا يوفى حقه. ينظر : اللباب (١٣ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧).

١٥٦

وقد تحذف الفاء الواجب ذكرها للضرورة كقول الشاعر : [من البسيط]

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان (١)

وقول الآخر : [من الطويل]

ومن لا يزل ينقاد للغى والهوى

سيلفى على طول السّلامة نادما (٢)

ويقوم مقام الفاء فى الجملة الاسمية «إذا» المفاجأة نحو : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦] ؛ وإنما قامت مقامها ؛ لأنها مثلها فى عدم الابتداء بها ، فوجودها يحصل ما يحصل بالفاء من بيان الارتباط.

وكان حق أداة الشرط ألا يليها إلا معمولها كغيرها من عوامل الفعل السالمة من شذوذ ؛ لكنها أشبهت الفعل بالدخول على معرب ومبنى ، والمتعدى منه فى عدم اكتفائها بمطلوب واحد ، فجاز أن يليها الاسم.

وخصت «إن» لكونها أصلا بكثرة ذلك فيها بشرط مضى الفعل.

ولا يجوز ذلك فيها مع مضارع غير مجزوم بـ «لم» ، ولا فى أخواتها ـ مطلقا ـ إلا فى شعر كقوله : [من الرمل]

صعدة (٣) نابتة فى حائر

أينما الرّيح تميّلها تمل (٤)

__________________

(١) البيت لكعب بن مالك فى ديوانه ص ٢٨٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٩ ، وله أو لعبد الرحمن بن حسان فى خزانة الأدب ٩ / ٤٩ ، ٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٧٨ ، ولعبد الرحمن بن حسان فى خزانة الأدب ٢ / ٣٦٥ ، ولسان العرب (بجل) ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٥٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٣ ، ونوادر أبى زيد ص ٣١ ، ولحسان بن ثابت فى الدرر ٥ / ٨١ ، والكتاب ٣ / ٦٥ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ١١٤ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢١٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٠ ، ٧٧ ، ١١ / ٣٥٧ ، والخصائص ٢ / ٢٨١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٨٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٢ ، ٣ ، والكتاب ٣ / ١١٤ ، والمحتسب ١ / ١٩٣ ، والمقرب ١ / ٢٧٦ ، والمنصف ٣ / ١١٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٠.

(٢) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٢١١ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٣.

(٣) صعدة : من النساء المستقيمة القامة ، وهى. أيضا. القناة المستوية تنبت لا تحتاج إلى تثقيف.

ينظر : المقاييس (صعد).

(٤) البيت لكعب بن جعيل فى خزانة الأدب ٣ / ٤٧ ، والدرر ٥ / ٧٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٩٦ ، والمؤتلف والمختلف ص ٨٤ ، وله أو للحسام بن ضرار فى المقاصد النحوية ٤ / ٤٢٤ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦١٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٣ ، وشرح ـ

١٥٧

وكقول الآخر : [من الخفيف]

فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كأس السّاقى (١)

وأشرت بقولى :

وقد يلى الجزاء ما فيه عمل

 ........

إلى قول الشاعر : [من الكامل]

هل أنت بائعنى دمى بغلائه

إن كنت زفرة عاشق لم ترحم

ومثله قول طفيل الغنوى : [من الطويل]

وللخيل أيّام فمن يصطبر لها

ويعرف لها أيّامها الخير يعقب (٢)

ولم يجز الفراء مثل هذا ، وهو محجوج بالنقل.

وأجاز هو والكسائى تقديم معمول الجزاء على أداة الشرط نحو :

 ...... (المنى

إن تزك تبلغ) ...

وأجاز الكسائى ـ وحده ـ نحو :

 ... «زيدا ان تسأل يبن» ...

 ........

(ص)

واحكم بتثليث مضارع تلا

بالفا أو الواو الجزا ممثّلا

ب (ما يحاسبكم به الله) ردف

ونصبه بنقل عمرو قد عرف

وهو كـ (نأخذ) بعد (يهلك) إثر (إن

يهلك أبو قابوس) فاحفظ واستبن

وبعد نصب جزم معطوف على

جزاء اقبل مثل ما قد قبلا

وجزم او نصب لفعل يلفى

قبل الجزاء إثر واو أو فا

ومثل تلو الواو والفا : تلو (ثمّ)

فى المذهب الكوفى فاعرف من تؤم

والعارى اجزم بدلا أو يرتفع

مقدّرا حالا ، وكلّ قد سمع

__________________

ـ الأشمونى ٣ / ٥٨٠ ، وشرح المفصل ٩ / ١٠ ، والكتاب ٣ / ١١٣ ، ولسان العرب (حير) ، والمقتضب ٢ / ٧٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٩.

(١) البيت لعدى بن زيد فى ديوانه ص ١٥٦ ، والإنصاف ٢ / ٦١٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٦ ، ٩ / ٣٧ ، ٣٩ ، الدرر ٥ / ٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٨ ، والكتاب ٣ / ١٣ ، وبلا نسبة فى شرح المفصل ٩ / ١٠ ، ولسان العرب (وغل) ، والمقتضب ٢ / ٧٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٩.

(٢) البيت فى ديوانه ص ٣٥ ، والإنصاف ص ٦٢١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٤ ، وكتاب الصناعتين ص ٢٧٧.

١٥٨

والشرط يغنى عن جواب إن يبن

والعكس نزر ، وأزيلا بعد (إن)

فى قوله (قالت وإن) من بعد ما

قيل : (وإن كان فقيرا معدما)

وما هو الجواب معنى إن سبق

فشاهدا أبداه من به نطق

وهو الجواب نفسه عند أبى

زيد ، ومن والاه ليس بالغبى

وربّما أغنى عن الجزا خبر

سابق ، او مؤخّر قد استتر

(ش) إذا أخذت أداة الشرط جوابها ، وذكر بعده مضارع بعد فاء أو واو جاز جزمه عطفا على الجواب ، ورفعه على الاستئناف ، ونصبه على إضمار «أن».

قال سيبويه (١) : فإذا انقضى الكلام ثم جئت بـ «ثمّ» فإن شئت جزمت بها ، [و] إن شئت رفعت ؛ وكذلك الواو والفاء ؛ إلا أنه قد يجوز النصب بالفاء والواو.

وبلغنا أن بعضهم قرأ (٢) : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٨٤].

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٨٩ ، ٩٠).

(٢) قرأ ابن عامر وعاصم برفع «يغفر» و «يعذب» ، والباقون من السبعة بالجزم. وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو حيوة : «فيغفر» بالنصب. فأمّا الرفع فيجوز أن يكون رفعه على الاستئناف ، وفيه احتمالان : أحدهما : أن يكون خبر مبتدإ محذوف أى : فهو يغفر.

والثانى : أنّ هذه جملة فعلية من فعل وفاعل عطفت على ما قبلها. وأما الجزم فللعطف على الجزاء المجزوم. وأما النصب فبإضمار «أن» وتكون هى وما فى حيّزها بتأويل مصدر معطوف على المصدر المتوهّم من الفعل قبل ذلك تقديره : تكن محاسبة فغفران وعذاب.

وقد روى قول النابغة بالأوجه الثلاثة وهو :

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع النّاس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام

بجزم «نأخذ» عطفا على «يهلك ربيع» ونصبه ورفعه ، على ما ذكرته لك فى «فيغفر» وهذه قاعدة مطردة : وهى أنه إذا وقع بعد جزاء الشرط فعل بعد فاء أو واو جاز فيه هذه الأوجه الثلاثة ، وإن توسّط بين الشرط والجزاء جاز جزمه ونصبه وامتنع رفعه نحو : إن تأتنى فتزرنى أو فتزورنى ، أو وتزرنى أو وتزورنى.

وقرأ الجعفىّ وطلحة بن مصرف وخلاد : «يغفر» بإسقاط الفاء ، وهى كذلك فى مصحف عبد الله ، وهى بدل من الجواب كقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) وقال أبو الفتح : «وهى على البدل من «يحاسبكم» فهى تفسير للمحاسبة».

قال الشيخ : «وليس بتفسير ، بل هما مترتّبان على المحاسبة». وقال الزمخشرى : «ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب لأنّ التفصيل أوضح من المفصّل ، فهو جار مجرى بدل البعض من الكل أو بدل الاشتمال ، كقولك : «ضربت زيدا رأسه» و «أحببت ـ

١٥٩

__________________

ـ زيدا عقله» ، وهذا البدل واقع فى الأفعال وقوعه فى الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان».

قال الشيخ : «وفيه بعض مناقشة : أمّا الأول فقوله : «ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب» وليس العذاب والغفران تفصيلا لجملة الحساب ؛ لأنّ الحساب إنما هو تعداد حسناته وسيئاته وحصرها ، بحيث لا يشذّ شىء منها ، والغفران والعذاب مترتبان على المحاسبة ، فليست المحاسبة مفصلة بالغفران والعذاب. وأما ثانيا فلقوله بعد أن ذكر بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال : «وهذا البدل واقع فى الأفعال وقوعه فى الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان» أما بدل الاشتمال فهو يمكن ، وقد جاء لأنّ الفعل يدلّ على الجنس وتحته أنواع يشتمل عليها ، ولذلك إذا وقع عليه النفى انتفت جميع أنواعه ، وأما بدل البعض من الكل فلا يمكن فى الفعل إذ الفعل لا يقبل التجزؤ ، فلا يقال فى الفعل له كل وبعض إلا بمجاز بعيد ، فليس كالاسم فى ذلك ، ولذلك يستحيل وجود بدل البعض من الكل فى حق الله تعالى ، إذ البارى تعالى لا يتقسم ولا يتبعض.

قلت : ولا أدرى ما المانع من كون المغفرة والعذاب تفسيرا أو تفصيلا للحساب ، والحساب نتيجته ذلك ، وعبارة الزمخشرى هى بمعنى عبارة ابن جنى.

وأما قوله : «إن بدل البعض من الكل فى الفعل متعذر ؛ إذ لا يتحقق فيه تجزّؤ» ـ فليس بظاهر ؛ لأن الكلية أو البعضية صادقتان على الجنس ونوعه ؛ فإنّ الجنس كلّ والنوع بعض.

وأما قياسه على البارى تعالى فلا أدرى ما الجامع بينهما؟ وكان فى كلام الزمخشرى ما هو أولى بالاعتراض عليه ، فإنه قال : «وقرأ الأعمش : «يغفر» بغير فاء مجزوما على البدل من «يحاسبكم» كقوله :

متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

وهذا فيه نظر ؛ لأنه لا يطابق ما ذكره بعد ذلك ـ كما تقدم حكايته عنه ـ لأن البيت قد أبدل فيه من فعل الشرط لا من جوابه ، والآية قد أبدل فيها من نفس الجواب ، ولكنّ الجامع بينهما كون الثانى بدلا مما قبله وبيانا له.

وقرأ أبو عمرو بإدغام الراء فى اللام ، والباقون بإظهارها. وأظهر الباء قبل الميم هنا ابن كثير بخلاف عنه ، وورش عن نافع ، والباقون بالإدغام. وقد طعن قوم على قراءة أبى عمرو ؛ لأن إدغام الراء فى اللام عندهم ضعيف.

قال الزمخشرى : فإن قلت : كيف يقرأ الجازم؟ قلت : يظهر الراء ويدغم الباء ، ومدغم الراء فى اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا ، وراويه عن أبى عمرو مخطئ مرتين ؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم ؛ والسبب فى هذه الروايات قلة ضبط الرواة ، وسبب قلة الضبط قلة الدراية ، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو. قلت : وهذا من أبى القاسم غير مرضىّ ؛ إذ القرّاء معنيّون بهذا الشأن. لأنهم تلقوا عن شيوخهم الحرف بعد الحرف ، فكيف يقل ضبطهم؟ وهو أمر يدرك بالحسّ السمعى ، والمانع من إدغام الراء فى اللام والنون هو تكرير الراء وقوتها ، والأقوى لا يدغم فى الأضعف ، وهذا مذهب البصريين : الخليل وسيبويه ومن تبعهما ، وأجاز ذلك الفراء والكسائى والرؤاسى ويعقوب الحضرمى ورأس البصريين أبو عمرو ، وليس قوله : «إن هذه الرواية غلط عليه» بمسلّم.

ينظر : الدر المصون (١ / ٦٩٠ ـ ٦٩٢).

١٦٠