شرح الكافية الشّافية - ج ٢

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٦٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

(ص)

إن طاء او ظاء أو الصّاد تلا

أو أختها تاء افتعال جعلا

طاء وبعد الذّال دالا صيّرا

أو ذال أو زاى كمثل (ازدجرا)

(ش) إذا بنى «افتعال» أو شىء من تصاريفه مما فاؤه صاد أو ضاد ، أو طاء أو ظاء ـ وجب إبدال التاء طاء تخفيفا ؛ لأن وقوع التاء بعد هذه الأحرف مستثقل.

وذلك نحو : «اصطبر» و «اضطرم» و «اطّعنوا» و «اظّلموا».

وإذا بنى ذلك مما فاؤه دال أو ذال أو زاى جىء بدال بدل التاء نحو : «ادّفقوا» بمعنى تدافقوا ، و «ادّكروا» بمعنى : «تذكّروا» و «ازدان» بمعنى : تزين ، والأصل : «ادتفقوا» و «اذتكروا» و «ازتان».

(ص)

من تاء تأنيث اسم الها أبدلا

وقفا وذا فى الجمع نزرا فعلا

وترك قوم ذاك فى فرد ثبت

ك (جوز تيهاء بظهر الجحفت)

وجهان فى هيهات (ذات) و (أبت)

ل (لات) (ربّت) مع ذا ثبت

وقف بجعل التّاء هاء قد ذكر

والنّطق بالتّابوت تابوها شهر

والهاء تأتى بدل اليا والألف

والهمز والثّالث شاع وألف

(ش) تبدل الهاء من التاء والياء والهمزة والألف :

فإبدالها من التاء فى الوقف قد بين فى بابه.

وقد أبدلت وصلا من تاء «تابوت» فى لغة الأنصار ، وقد قرئ فى الشاذ (١).

وأبدلت من ياء فى نحو : «هذه أمة الله» ، والأصل : «هذى أمة الله».

ومما أبدلت فيه من الياء قولهم : «هنيهة» والأصل : «هنيوة» ثم «هنيّة» ثم «هنيهة».

وإبدالها من همزة نحو قولهم :

«هراق الماء» بمعنى : أراقه.

و «هراح الدّابّة» بمعنى : أراحها.

و «هيّاك» بمعنى : إياك.

__________________

(١) المحتسب (١ / ١٢٩).

٤٠١

و «هلئك» بمعنى : أولئك.

و «جبّه» بمعنى : «جبّأ» أى : جبان.

و «هدل» بمعنى : «إدل» أى : لبن شديد الحموضة.

(ص)

وشذّ فى (التّابوت) : «تابوه» وها

من تا الفرات اعتيض فى وقف وهى

(ش) التابوه : لغة أنصارية فى التابوت ؛ قال ابن جنى : «قد قرئ بها» ـ يعنى : فى الشواذ ـ قال : «وسمع بعضهم يقول : قعدنا على الفراه يريد : على الفرات (١)».

وإبدالها من ألف فى «مهما» ؛ لأنها «ما» الشرطية زيدت معها «ما» ـ كما زيدت مع غيرها من أدوات الشرط ـ فاستثقل تواليهما بلفظ واحد فأبدلت الألف الأولى هاء.

وقد فعل ذلك بـ «ما» الاستفهامية.

(ص)

وقد تجيء بدل الحا كـ (طهر)

و (المته) و (المده) وفى هذا نظر

(ش) يقال : «طهر الشيء» بمعنى : طحره ، أى : أبعده ، و «مته الدّلو» بمعنى :

متحها ، و «مدهه» بمعنى : مدحه ، وفيه نظر ؛ لأن بعضهم فرق بين ذى الحاء وذى الهاء ، فجعل «المدح» فى الغيبة ، و «المدة» فى الوجه.

والأصح كونهما بمعنى واحد إلا أن المدح هو الأصل ؛ لأنه فائق فى الاستعمال وبكثرة التصاريف ، ولأن حروفه حروف «الحمد» مع تقاربهما فى المعنى.

فصل فى الحذف

(ص)

فاء مضارع وأمر من (فعل)

أو (فعل) الواوى فاء تختزل

إن كان عين منهما منكسرا

أو ذا انفتاح فيه كسر قدّرا

وفعلة مصدر محذوف الفا

ك (عدة) مستوجب ذا الحذفا

(ش) ما فاؤه واو من فعل على «فعل» يلزم كسر عين مضارعه لفظا كـ «يعد» أو تقديرا كـ «يهب».

__________________

(١) عبارة ابن جنى ... : ويؤكد هذا أن عامة عقيل فيما لا نزال نتلقاه من أفواهها تقول فى الفرات : الفراه ، بالهاء فى الوصل والوقف. المحتسب (١ / ١٣٠).

٤٠٢

ويجب حذف الواو استثقالا لها بين كسرة وياء ، ثم حمل على ذى الياء أخواته.

وعومل بذلك الأمر لموافقته المضارع لفظا ، أو معنى.

ويعامل بذلك ـ أيضا ـ ما كسرت عين ماضيه ومضارعه لفظا كـ «يرث» أو تقديرا كـ «يسع» ؛ فإن أصله وأصل «يهب» : «يسع» و «يهب» ـ بالكسر ـ ففتحت عيناهما لأجل حرف الحلق.

فلو لا أصالة الكسر لم يحذف الواو ؛ كما لم يحذف فى «يوجل» ونحوه.

ويعامل بهذه المعاملة ـ أيضا ـ «فعلة» مصدر لما فعل به ذلك كـ «يعد عدة» و «يهب هبة» ؛ وهذا من حمل المصدر على الفعل.

(ص)

وقلّ مع فتح ومع ضمّ ندر

ك (سعة) و (صلة) فادر الصّور

و (فعلة) اسما هكذا احفظ كـ (رقه)

و (حشة) و (لدة) كذا ثقه

وصحّح ان بنيت كـ (اليقطين) من

(وعد) فذا التّصحيح بالأسما قمن

(ش) «فعلة» محذوف الفاء كـ «سعه» و «ضعة».

و «فعلة» كـ «صلة» بمعنى : صلة.

و «فعلة» اسما محذوف الفاء كـ «جهة» و «رقة» وهى الفضة ، و «حشة» وهى : الأرض الموحشة ، و «لدة» بمعنى : ترب ويقع على المذكر ؛ فيجمع بالواو والنون ، ويقع على الأنثى ؛ فيجمع بالألف والتاء ؛ قال الشاعر : [من الوافر]

رأين لداتهنّ مؤزّرات

وشرخ لدى أسنان الهرام (١)

ومثال «يقطين» (٢) من «وعد» : «يوعيد» بتصحيح الواو ، [و] إن كانت واقعة بين ياء وكسرة ؛ لأنها فى اسم غير جار على فعل ، ولا شبيه به.

(ص)

وحذف همز (أفعل) استمرّ فى

مضارع وبنيتى متّصف

و (إنّه أهل لأن يؤكرما)

ونحوه للاضطرار تمّما

__________________

(١) البيت للفرزدق فى ديوانه ٢ / ٢٩١ ، ولسان العرب (ولد) ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٨٨٥.

(٢) اليقطين : ما لا ساق له من النبات ونحوه. القاموس (قطن).

٤٠٣

(ش) الأصل أن يقال فى مضارع «أفعل» : «يؤفعل» ؛ لأن أحرف الماضى توجد فى المضارع بعد زيادة حرف المضارعة.

إلا أن من حروف المضارعة الهمزة فحذفت همزة «أفعل» بعد همزة المتكلم ؛ لئلا يجتمع همزتان فى كلمة واحدة.

ثم حمل على ذى الهمزة ذو النون وذو التاء وذو الياء ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ، وإليهما الإشارة بـ :

 .........

 ... بنيتى متّصف

(ص)

وفاء (خذ) و (كل) و (مر) قد حذفا

ولا تقس ، وتمّ (مر) منعطفا

وجوز التّتميم بعض مطلقا

فيها وقلّ من بذاك نطقا

(ش) الأصل فى «خذ» و «كل» و «مر» : «اوخذ» و «اوكل» و «اومر» كما يقال فى الأمر من «أجر الأجير» و «أثر الحديث» : اوجر واوثر ؛ لأن بناء الأمر من الثلاثى بأن يحذف منه حرف المضارعة ويجعل مكانه همزة وصل إن سكن ما بعده ، وتضم الهمزة إن كان ما بعد الساكن مضموما ضمة لازمة ؛ فعومل بهذه المعاملة «اوجر» و «اوثر» وغيرهما.

وكانت الأفعال الثلاثة جديرة بذلك ؛ لكن كثر استعمالها ؛ فخفف بالتزام حذف الفاء ، وإن كان ذلك لا يقتضيه قياس.

واختص «مر» برد فائه مع واو العطف وهو المراد بقولنا :

 .........

 ... وتمّ «مر» منعطفا

وزعم بعض العلماء أن الثلاثة قد ورد تتميمها بعطف وبغير عطف ، ولم يستشهد على ذلك بشىء من الشعر ولا غيره.

(ص)

بنحو (يستحيى) احذ حذو (يرتجى)

ودون همز فى (يجىء) قل (يجى)

(ش) اللغة الجيدة أن يقال : «زيد يستحيى» و «الزّيدان يستحييان» و «زيد يجىء» و «الزّيدان يجيئان».

ومن العرب من يقول : «يستحى» و «يستحيان» و «يجى» و «يجيان» بحذف الياء الثانية من «يستحيى» والهمزة من «يجىء».

٤٠٤

(ص)

وعين فيعلولة احذف ليّنا

حتما كـ (غب غيبوبة عن الخنا)

فى (فيعل) و (فيعلان) ذا حفظ

دون اطّراد فالحظ الّذى لحظ

(ش) أصل «غيبوبة» : «غيبوبة» على وزن «فيعلولة» فحذفت العين وتركت الياء الزائدة ؛ كما فعل بـ «ميّت» إذ قيل فيه «ميت» ؛ ولذلك ظهرت الياء فيما عينه واو كـ «ديمومة».

ولو كانت زنة «غيبوبة» : «فعلولة» لقيل : مصدر «دام» : «دومومة» ؛ لأن عينه واو ، ولأن «فعلولا» بفتح الفاء نادر كـ «صعفوق» (١) فلا يحمل عليه.

وزعم الكوفيون أن فاء «غيبوبة» وشبهه مضمومة فى الأصل فكسرت لتسلم الياء ، ثم استثقل الانتقال من كسر إلى ضم بعده واو ، فجعل موضع الكسرة فتحة ؛ وحمل ذو الواو منه على ذى الياء ؛ لأن ذا الياء منه كثير ، وذا الواو قليل.

ومثال حذف العين من «فيعل» و «فيعلان» : «ميت» و «ريحان» أصلهما : «ميوت» و «ريوحان» ثم «ميّت» و «ريّحان».

ولا يقاس عليهما «جيّد» و «تيّجان» بل يقتصر على السماع.

(ص)

(ظلت) و (ظلت) فى (ظللت) اطّردا

و (قرن) فى (اقررن) وقس معتضدا

ولا تقس مفتوح عين وأرى

من قاس ذا الضمّ حر أن يعذرا

(ش) كل فعل مضاعف على وزن «فعل» فإنه فى إسناده إلى تاء الضمير أو نونه يستعمل على ثلاثة أوجه :

تاما : «ظللت».

ومحذوف اللام مفتوح الفاء نحو : «ظلت».

ومحذوف اللام مكسور الفاء نحو : «ظلت».

وكذلك يستعمل نحو : «يقررن» و «اقررن» فيقال فيهما : «يقرن» و «قرن» ، لكن فتح الفاء من هذين وشبههما غير جائز.

وإن كانت العين مفتوحة فالحذف قليل ؛ حكاه الفراء ، ولا يقاس على ما ورد

__________________

(١) الصعفوق : اللئيم ، والقوم يشهدون السوق للتجارة بلا رأس مال ، فإذا اشترى التجار شيئا دخلوا معهم. القاموس (صفق).

٤٠٥

منه ، ولا يحمل عليه إن وجد عنه مندوحة.

وقد حمل بعض العلماء على ذلك قراءة نافع وعاصم : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) [الأحزاب : ٣٣] ؛ زاعما أنه يقال : «قررت بالمكان أقرّ» ؛ كما يقال : «قررت به أقرّ» ؛ ذكر ذلك ابن القطاع.

وقيل : إنه من «قار يقار» على زنة «خاف يخاف» ومعناه : الاجتماع ، أى :

اجتمعن فى بيوتكن.

وكونه من المضاعف أولى.

ومثال ذى الضم من المضاعف : «اغضض» لو قيل فيه «غضن» قياسا على «قرن» لجاز ، وإن لم أره منقولا ؛ لأن فك المضموم أثقل من فك المكسور ، وإذا كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف فى «قرن» المفتوح القاف ، ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز.

فصل

(ص)

من أوجه الإعلال قلب كـ (أيس)

و (الجاه) و (الطّرحوم) حز ولا تقس

والأصل فى القلب يفوق الفرع فى

وجوه الاستعمال والتّصرّف

و (نبز) أصل وفرعه (نزب)

إذ (نبز) له التّصرّف انتسب

واستعملوا (اضمحلّ) و (اضمحلالا)

ووضعوا (امضحلّ) لا (امضحلالا)

فثبتت أصالة (اضمحلا)

وعلمت فرعيّة (امضحلّا)

وما بوجهين له الصّرف كمل

ذا لغتين اجعله بلّغت الأمل

ك (الجذب) و (الجبذ) و (عاث) و (عثا)

و (اللّوت) و (الولت) و (لوث) و (لثا)

ونحو (آبار) و (راء) فى (رأى)

فاش وكلّ عن قياس قد نأى

(ش) من وجوه الإعلال تقديم حرف ، وتأخير آخر ، ويسمى : القلب.

ولا يسلم ادعاؤه إلا إذا فاق أحد المثالين الآخر باستعمال فيه ، أو وجه من وجوه التصريف ؛ كما فاق «يئس» «أيس» فى قولهم للكثير اليأس : «يئوس» دون «أيوس».

وكما فاق «الوجه» «الجاه» بقولهم : وجه وجاهة فهو وجيه ، ولم يبنوا من لفظ «الجاه» فعلا ولا وصفا.

٤٠٦

وبنحو هذا حكم على «طرحوم» أنه مقلوب «طرموح» ـ ومعناهما : الطويل ـ من طرمح الشىء : إذا علاه ، ويقال لكل بناء عال : «طرمّاح» ولم يبنوا من لفظ «طرحوم» فعلا ولا غيره.

و «النبز» : اللقب ، وكذلك «النزب» وهو مقلوب منه ؛ قال الأقرع بن حابس : [من الرجز]

إنّى أنا الأقرع ذاكم نزبى

أنا الّذى يعرف قومى نسبى

ويدل على أصالة «النّبز» قول العرب : «تنابزوا» وامتناعهم من «تنازبوا».

ويقال : «اضمحلّ الشّىء وامضحلّ» ـ إذا فنى ـ والأصل : «اضمحلّ» ؛ لقولهم فى المصدر : «اضمحلال» دون «امضحلال».

فإن تساوى المثالان فى الاستعمال والتصريف فهما لغتان ، وليس أحدهما مقلوبا من الآخر ، نحو : «جذب» و «جبذ» ، و «عاث» و «عثا» ـ إذا فسد ـ و «لاته حقّه لوتا» و «ولته ولتا» ـ إذا نقصه ـ و «ولثت (١) الشّجرة ولثيت لثى» إذا ابتلت.

فصل فى الإدغام اللائق بالتصريف

(ص)

أوّل مثلين ادّغم إن سكنا

وليس همزة نأت عن فا البنا

وليس ها سكت ولا مدّا ختم

أو مبدلا إبداله لم يلتزم

(ش) إذا سكن أول مثلين التقيا فى كلمة أو كلمتين ، وجب الإدغام :

إن لم يكن همزة نحو : «نبّئ أخاك».

ولا هاء سكت نحو : (مالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي) [الحاقة : ٢٨ ، ٢٩].

ولا مدا ختم به نحو : (الَّذِي يُوَسْوِسُ) [الناس : ٥].

ولا بدلا غير ملتزم نحو : «يووى».

واحترز فى الهمز الذى لا يدغم بأن يبين عن فاء الكلمة ؛ لأن المتصل بالفاء لا بد من إدغامه إذا ضعف نحو : «سأّل» و «رأّس».

وأشرت بقولى :

__________________

(١) يقال : لثيت الشجرة : خرج منها اللثى ، وهو ما يسيل من بعض الشجر ، ويقال : امرأة لثية : يعرق قبلها وجسدها. القاموس (لثى).

٤٠٧

 .........

أو مبدلا إبداله لم يلتزم

إلى أن الهمزة إذا أبدل منها حرف غير راجع إلى أصله يدغم فى مثله إذا وليه : كبناء نحو «أبلم» (١) من «أوب» فإنه يقال فيه : «أوّب» وأصله : «أؤوب» ، وهو أصل لازم الترك ؛ لما تقدم فى فصل تلاقى الهمزتين ؛ فيجب أن يصير «أوّبا».

(ص)

كذا المحرّكان فى لفظ ولم

يصدّرا أو يوصلا بمدّغم

أو ملحق ، ولم يزد بعضهما

لقصد الالحاق ولا ذو ختما

عارض تحريك أو ات مكملا

وزن الحمى أو الدّمى أو الطّلا

أو مكملا لـ (فعل) كـ (جدد)

كذا المضاهيهنّ ما به بدى

(ش) قولى :

كذا المحركان ......

 .........

أى : استحقاق الإدغام بسكون أول المثلين يستحق بتحركهما إذا كانا فى لفظ كـ «ردّ» و «ضنّ» و «لبّ» ، والأصل : «ردد» و «ضنن» و «لبب».

واحترز بقوله :

 ....... ولم

يصدّرا .......

من نحو «ددن» (٢).

وبقوله :

 .........

 ... أو يوصلا بمدّغم

من نحو «ضربّب» مثال «سفرجل» من «الضّرب» فإن فيه مثلين متحركين ، ولم يدغم أحدهما فى الآخر ؛ لأن قبلهما مثلا آخر مدغما فى أول المتحركين ، فلو أدغم المدغم فيه التقى ساكنان.

واحترزت بقولى :

أو ملحق ........

 ..........

من نحو «هيلل» إذا أكثر من «لا إله إلا الله» فإن لامى «هيلل» متحركان فى لفظ واحد ولم يدغم أحدهما فى الآخر ؛ لأن الياء قبلهما مزيدة للإلحاق بـ «دحرج» فامتنع

__________________

(١) الإبلام : السكوت ، ويقال : أبلم الرجل : إذا ورمت شفتاه. المقاييس (بلم).

(٢) الددن : اللهو واللعب. المقياس (ددن).

٤٠٨

الإدغام لئلا تفوت المقابلة.

واحترزت بقولى :

 ... ولم يزد بعضهما

لقصد الالحاق ...

من نحو «جلبب» فإن أحد باءيه مزيدة للإلحاق بـ «دحرج» فامتنع الإدغام.

وقولى :

 .........

 ... ولا ذو ختما

عارض تحريك ...

 .........

أحترز به من نحو «اردد الشّىء». و «ذو» هنا بمعنى : الذى.

وأشير بقوله :

 ...... آت مكملا

وزن «الحمى» أو «الدّمى» أو «الطّلا»

أو مكملا لـ «فعل» ...

 .........

إلى امتناع إدغام «فعل» كـ «لمم» ، و «فعل» كـ «خزز» ، و «فعل» كـ «لمم» ، و «فعل» كـ «جدد».

وقولى :

 .........

كذا المضاهيهن ما به بدى

أى : مثل هذه الأسماء فى عدم الإدغام الذى بدئ بما يشبههن وزنا كـ «دججان» مصدر : «دجّ» ـ بمعنى : «دبّ» ـ فإنه مبدوء بـ «فعل» كـ «لمم».

وكذا «ودداء» جمع «ودود» فهو مبدوء بنحو «خزز» فلاحظ لهما فى الإدغام.

وكذا لو بنى مثل «سيراء» (١) و «سلطان» بمعنى : سلطان من «ردّ» لقيل «ردداء» و «رددان» فيعاملان معاملة «لمم» و «جدد».

ووجب لـ «فعل» و «فعل» و «فعل» الفك لمخالفتها الفعل فى الوزن ؛ إذ الإدغام فرع على الإظهار فخص بالفعل لفرعيته.

وتبع الفعل فيه ما وازنه من الأسماء دون ما لا يوازنه ، ولأصالة الفعل فى الإدغام ، لم يستثن منه مفتوح العين ، ولا مكسورها ـ غالبا ـ ولا مضمومها.

واستثنى من الاسم : الثلاثى المفتوح العين كـ «لمم» ليعلم بذلك ضعف سبب

__________________

(١) السيراء : نوع من البرود فيه خطوط صفر أو يخالطه حرير والذهب الخالص ونبت. القاموس (سير).

٤٠٩

الإدغام فيه ، وقوته فى الفعل.

(ص)

وفى اختيار شذّ مفكوكا (ألل)

ونحوه من وارد على (فعل)

و (عززت) كذا (بنات ألببه)

وقال بعضهم : (بنات ألببه)

عن اختيار غير ذا بمعزل

ك (الحمد لله المليك الأجلل)

(ش) شذ ترك الإدغام فى «ألل السّقاء» إذا تغيرت رائحته ، وكذلك الأسنان إذا فسدت ، والأذن إذا رقت.

وشذ ترك الإدغام ـ أيضا ـ فى «دبب الإنسان» ؛ إذا نبت الشعر فى جبينه.

و «صكك الفرس» ؛ إذا اصطك عرقوباه.

و «ضببت الأرض» ؛ إذا كثرت ضبابها.

و «قطط الشّعر» ؛ إذا اشتدت جعودته.

و «لححت العين ولخخت» ؛ إذا التصقت.

و «مششت الدّابّة» ؛ إذا شخص فى وظيفها (١) شىء له حجم دون صلابة العظم.

و «عززت النّاقة» ؛ إذا ضاق إحليلها وهو مجرى لبنها.

فشذوذ ترك الإدغام فى هذه الأفعال كشذوذ ترك الإعلال فى «القود» و «الحور» ، أى : الجلد الأحمر ، و «الحوكة» ، جمع حائك ، و «الغيب» ، جمع غائب ، و «الأود فى الشّيء» ، وهو العوج ، و «الأوو» ، جمع «أوّة» وهو الداهية من الرجال ، و «العفوة» ، جمع عفو وهو الجحش.

ومن الفك الشاذ دون ضرورة قول العرب : «قد علمت ذلك بنات ألببه» ـ يروى بضم الباء على أنه جمع «لب» مثل «قفل ، وأقفل» ، وبفتح الباء على أنه أفعل تفضيل مضاف إلى ضمير الحى ؛ هذه رواية الكوفيين وتفسيرهم.

ولا يجوز القياس على شىء من هذه المفكوكات ؛ كما لم يقس على شىء من تلك المصححات ؛ بل ما ورد منه قبل وعدّ من الضرورات ؛ كقول أبى النجم :

[من الرجز]

الحمد لله المليك الأجلل (٢)

__________________

(١) الوظيف : عظم الساق. المقياس (وظف).

(٢) الرجز فى خزانة الأدب ٢ / ٣٩٠ ، والدرر ٦ / ١٣٨ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٤٩ ، ـ

٤١٠

(ص)

لساكن يقبل تحريكا نقل

تحريك مدغم بساكن وصل

و «اقتتل» افككه أو ادغم ناقلا

أو اكسر القاف وقس مشاكلا

(ش) احترز بتقييد الساكن بقبوله للتحرك من ساكن : زيد للمد نحو : «حاجّ» ، وللتصغير نحو «دويبّة» و «أصيمّ» فى تصغير دابة وأصم.

فإن كان الساكن قبل المدغم غير ذلك ، نقل إليه حركة المدغم نحو : «يبرّ» و «يقرّ» و «يسرّ» ، والأصل : «يبرر» و «يقرر» و «يسرر».

فإن كان الساكن متقدما على تاءين أولاهما تاء الافتعال كـ «اقتتلوا» جاز الفك والإدغام.

ولك فى الإدغام أن تنقل حركة المدغم فتقول فى «افتتن» : «فتّن» حاذفا همزة الوصل ، وفى المضارع «يفتّن» ، وفى اسم الفاعل «مفتّن». ولك أن تكسر ما قبل المدغم فتقول «فتّن ، يفتّن ، فهو مفتّن».

فصل

(ص)

إن يك ياء أحد المثلين مع

لزوم تحريك فخيّر تتّبع

و (حيى) افكك وادّغم دون حذر

كذاك نحو (تتجلّى) و (استتر)

(ش) كان حق «حيى» أن يلتزم إدغامه كما التزم إدغام «ضننت» مجردا من الساكن.

لكن فى «حيى» ما ليس فى «ضننت» من أن المثلين لا يلتقيان فى المضارع ولا فى الأمر ؛ فكان اجتماعهما مفكوكين ـ إذا صار اجتماعهما ـ كأنه عارض ، والعارض لا اعتداد به ، وما أشبه ذلك.

فهذا توجيه فك «حيى» وما أشبهه.

وأما إدغامه : فلأن حركة المثلين فيه لازمة ما دامت له صيغة المضى ، بخلاف :

__________________

ـ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩٥ ، وبلا نسبة فى الخصائص ٣ / ٨٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٨٠٥ ، ٨٩٣ ، والمقتضب ١ / ١٤٢ ، ٢٥٣ ، والممتع فى التصريف ٢ / ٦٤٩ ، والمنصف ١ / ٣٣٩ ، ونوادر أبى زيد ص ٤٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.

٤١١

«لن يحيى» فإن حركة ثانى المثلين فيه زائلة بزوال الناصب ، فلم يجز الإدغام ؛ ولذلك قال :

 .........

مع لزوم تحريك ......

وقولى :

 .........

كذاك نحو (تتجلّى) و (استتر)

أى : يجوز ـ أيضا ـ الفك والإدغام فيما اجتمعت فيه تاءان كتاءى : «تتجلّى» و «استتر».

ثم بين كيفية النطق بذلك حال الإدغام فقال :

(ص)

ومدغما بالهمز ابد الأولا

وليعر منها الثّان نحو (قتّلا)

(ش) أى : إذا أدغمت فيما اجتمعت فى أوله تاءان ، زدت همزة وصل يتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام فقلت فى «تتجلّى» : «اتّجلّى».

وابد : بمعنى : أبدأ ـ وهى لغة الأنصار ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ قال قائلهم : [من الرجز]

باسم الإله وبه بدينا

ولو عبدنا غيره شقينا (١)

وعنى بالأول نحو : «تتجلّى» مما اجتمعت التاءان فى أوله ، وعنى بالثانى نحو : «استتر».

وقولى :

 .........

وليعر منها الثّان ...

أى : جرده عن همزة الوصل نحو : «استتر» إذا آثرت فيه الإدغام على الفك.

فتقول فى «استتر» : «ستّر» ، وفى «اقتتل» : «قتّل» ، والأصل : «اقتتل» نقلت حركة أولى التاءين إلى القاف فاستغنى عن الهمزة ، وصار اللفظ به كاللفظ بـ «قتّل» الذى وزنه «فعّل».

لكن يمتازان بالمصدر والمضارع ؛ لأنك تقول فى مصدر الذى أصله «اقتتل» :

__________________

(١) تقدم تخريج هذا البيت.

٤١٢

«قتّالا» ، وفى مضارعه «يقتّل» أو «يقتّل» ، وتقول فى مصدر الآخر : «تقتيلا» ، وفى مضارعه «يقتّل».

(ص)

وما بتاءين ابتدى قد يقتصر

فيه على إحداهما وذا اشتهر

(ش) قد يقال فى نحو «تتعلّم» : تعلّم ؛ استثقالا لتوالى المثلين متحركين ، وللإدغام المحوج إلى زيادة همزة الوصل.

وفى القرآن من ذلك كثير نحو : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر : ٤].

وقد يفعل ذلك بما تصدر فيه نونان ومن ذلك ما حكاه أبو الفتح (١) من قراءة بعضهم : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥].

وفى هذه القراءة دليل على أن المحذوفة من تاءى «تتنزّل» حين قلت : «تنزّل» ، إنما هى الثانية ؛ لأن المحذوفة من نونى «نزّل» فى القراءة المذكورة إنما هى الثانية ، ولأن المثلين إذا التقيا إنما يحصل الاستثقال عند النطق بثانيهما ؛ فكان هو الأحق بالحذف.

(ص) والفكّ والإدغام جائزان فى

ك (رئى) المبدل فاقف ما قفى

(ش) ما فيه همزة ساكنة بعدها ياء كـ «رئى» (٢) أو واو كـ «تؤوى» فلك إذا أبدلت همزة من جنس حركة ما قبلها أن تدغم نظرا إلى اللفظ ، وألا تدغم نظرا إلى الأصل.

(ص)

واستغن بالإعلال إن تدغم ما

ك (احمرّ) من نحو (غدوت) و (رمى)

(ش) مثال «احمرّ» من «غدوت» : «اغدوى» ، والأصل : «اغدوو» فأبدلت الواو الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛ كما قيل : «ارعوى» أى : انكف ، فاستغنى عن ثقل التضعيف فى الواو.

فلو كان البناء مما لامه ياء ، جاز الإعلال والإدغام ، كما قيل من العمى : «اعميا» و «اعمىّ» و «اعماى» ؛ حكاه ابن سيده.

__________________

(١) قال أبو الفتح : ينبغى أن يكون محمولا على أنه أراد : وننزل الملائكة ، إلا أنه حذف النون الثانية التى هى فاء فعل (نزّل) لالتقاء النونين استخفافا ... المحتسب : (٢ / ١٢٠).

(٢) الرئى (بالفتح والكسر) : جنىّ يرى فيحب ، أو المكسور للمحبوب منهم ، والحية العظيمة ، والثوب ينشر ليباع. القاموس (رأى).

٤١٣

(ص)

وجائز إن عدم المانع أن

تدغم نحو قولنا (راح حسن)

(ش) الإشارة إلى جواز إدغام أحد المثلين فى الآخر إذا التقيا من كلمتين ، ولم يكن ثمّ مانع : مثل كون أولهما مدة ، أو همزة ، أو هاء سكت ، أو مسبوقا بساكن غير ذى لين.

(ص)

وفك حيث مدغم فيه سكن

لكونه بتا ضمير اقترن

أو نونه كـ (اعددت) و (اعددن) وفى

جزم وشبه الجزم تخيير قفى

ك (امنن) و (لا تمنن) وإن أدغمت (لا

تمنّ) قل و «منّ» كلّ نقلا

(ش) الإشارة إلى فك التضعيف من الفعل المضاعف إذا أسند إلى تاء الضمير نحو : «حللت» أو نونه نحو : «حللن» ؛ فإنه لازم ؛ لأن ثانى المثلين ـ وهو الذى كان الأول مدغما فيه ـ قد سكن ؛ فتعذر الإدغام فيه.

وقولنا :

 ........ وفى

جزم وشبه الجزم تخيير قفى

أى : لك فى نحو : «يحلّ» إذا دخل عليه جازم ، الفك فتقول : «لم يحلل» والإدغام نحو : «لم يحلّ» ، وكذلك الأمر منه نحو : «احلل» و «حلّ».

وإلى سكون الأمر الإشارة بـ «شبه الجزم».

(ص)

والفكّ عن أهل الحجاز يؤثر

وبتميم مدغم ينتصر

وفكّ أفعل فى التّعجّب التزم

والتزم الإدغام ـ أيضا ـ فى (هلمّ)

(ش) فك التضعيف فى المجزوم والمبنى على الوقف هى لغة أهل الحجاز ، وبها جاء القرآن ـ غالبا ـ قال الله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) [البقرة : ٢١٧].

وقال : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) [آل عمران : ١٢٠].

وقال : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي) [طه : ٨١].

وقال : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦].

وقال : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) [لقمان : ١٩].

٤١٤

وقال : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) [نوح : ١٢].

وقال : (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ) [التوبة : ٦٣].

والإدغام لغة بنى تميم وعليها قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكوفيين : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ) فى [المائدة : ٥٤].

وقراءة السبعة : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) فى سورة الحشر ـ [الحشر : ٤].

فلما استوفى القول فى المجزوم والأمر شرع فى بيان حكم أفعل فى التعجب ، وأنه مفكوك بإجماع نحو : «أحبب إلى بزيد» و «أشدد بحمرة وجه عمرو».

وبين ـ أيضا ـ أن «هلمّ» مدغم بإجماع.

فصل فى النون الساكنة

(ص)

والنّون ساكنا بـ (لام) أو بـ (را)

أدغم دون غنّة وأظهرا

مع أحرف الحلق ، وميما قلبا

حتما إذا ما كان متلوّا بـ (با)

وإن تلاه بعض (ينمو) وانفصل

يدغم بغنّة كـ (من يعن وصل)

بغنّة فى الباقيات يخفى

ك (عندنا كن تنجبر وتكفى)

(ش) جرت عادة القراء والنحويين أن يذكروا فى هذا الفصل النون الساكنة والتنوين مع أن النون الساكنة تتناول التنوين ؛ إذ حقيقته : نون ساكنة تثبت لفظا لا خطا ؛ فالنون الساكنة تعم التنوين وغيره ؛ فلذلك لم أتعرض لذكره.

وحاصل هذا الفصل : أن للنون الساكنة أربعة أحكام :

أولها : الإدغام.

وهو بلا غنة فى الراء واللام ، وبغنة فى حروف «ينمو» ما لم يكن فى مواصلتها فى كلمة واحدة كـ «الدّنيا» و «صنوان» و «زنماء» (١) فإن الفك لازم.

والثانى : الإظهار.

وهو فى حروف الحلق ، وهى العين والغين ، والحاء والخاء ، والهاء والهمزة.

والثالث : قلبها ميما ؛ إذا وليها باء نحو : (أَنْبِئْهُمْ) [البقرة : ٣٣].

والرابع : الإخفاء مع غنة ، إذا وليها شىء من الحروف غير المذكورة.

__________________

(١) الزنمة : ما يقطع من أذن البعير أو الشاة فيترك معلقا. الوسيط (زنم).

٤١٥

فصل بناء مثال من مثال

(ص)

إن قيل مثل ذا ابن من ذا فالتزم

للفرع ما للأصل فى الأصل علم

(ش) المراد بالفرع هنا : الملحق ، وبالأصل : الملحق به.

مثال ذلك أن يقال : ابن من «ضرب» مثل «دحرج» ؛ فـ «ضرب» فرع ؛ لأنه ملحق و «دحرج» أصل ؛ لأنه ملحق به.

واحترزت بقولى :

 ...... فالتزم

للفرع ما للأصل فى الأصل علم

من أن يكون فى الأصل حرف قد أبدل من حرف لسبب مفقود فى الفرع نحو أن يقال : ابن من «علم» مثل «مصطفى» فتقول : «معتلم» اعتبارا بالأصل لأن أصل «مصطفى» : «مصتفى» فأبدلت التاء طاء لتقدم الصاد عليها ، وترك ذلك فى الفرع ؛ لعدم السبب.

وكذا لو قيل : كيف تبنى من «صفو» مثل «مقتدر»؟ لقلت : «مصطف» ، فتعطى التاء من الإبدال ما يجب لمثلها ، وللواو ما يجب لمثلها.

وكذا لو قيل : كيف تبنى من «علم» مثل «محوّى»؟ لقلت : «معلّمى» نظرا إلى أصل «محوّى» فإن أصله «محيّى» ثم أعل لوجود موجب الإعلال المفقود من «معلّم» فقلت : «معلّمى» بلا تغيير ولا نقص.

(ص)

وإن يكن فى الأصل زائدا فما

عنه غنى فى الفرع فاجمعنهما

وإن يزد فى الفرع دون الأصل

فجرّد الفرع تكن ذا عدل

(ش) لو قيل : ابن مثل «غضنفر» من «جعفر» ، لقلت : «جعنفر» فجئت بالزائد الذى فاق به الأصل الفرع موضعا فى الفرع فى مثل موضعه من الأصل.

فلو قيل : ابن من «جيأل» مثل «غضنفر» لقلت : «جأنلل» فجردت الفرع من الياء ؛ لأنها زائدة عرى منها الأصل ، وزدت النون بإزاء النون ، وضاعفت اللام بإزاء الراء.

(ص)

وإن يفق أصل بأصلى يجب

تكرير لام الفرع فاستعمل تصب

٤١٦

فصوغ مثل ضيغم من (صرف)

ب (صيرف) يتمّ دون خلف

وإن تصغ من (علم) كـ (درهم)

فلا عدول عن مثال (علمم)

(ش) إذا فاق الأصل بحرف زائد جىء فى الفرع بمثله لفظا ومحلا : كـ «عولم» : وهو مثال «جوهر» من «علم» ، وك «صيرف» : وهو مثال «ضيغم» من «صرف».

وإذا فاق الأصل بحرف أصلى ضعفت لام الفرع حتى يكون بتضعيفها مساويا للأصل فى وزنه : كـ «علمم» وهو مثال «جعفر» من «علم» ، وك : «ذهبب» وهو مثال «درهم» من «ذهب» ، وك : «حمددد» وهو مثال «جحمرش» من «حمد».

(ص)

وكلّ حرف أعطه الّذى استحقّ

من بدل أو غيره كما سبق

فمثل (إصبع) من (امر) : (إيمر)

وفى مثال (أبلم) قل : (أومر)

فـ (إئمر) و (أؤمر) أصلهما

لكنّ قلبا واجبا قد ألزما

(ش) وزن «إصبع» : «إفعل» ، ووزن «أبلم» «أفعل» فهما فائقان «ال «أمر» بهمزة زائدة قبل الفاء ، فجىء فى الأمر بمثلها لفظا ومحلا ؛ فلزم تقديمها على الهمزة التى هيفاء ال «أمر» ، ولزم تسكينها لتساوى صاد «إصبع» ، وباء «أبلم».

ووجب إبدالها ياء فى مثال «إصبع» وواوا فى مثال «أبلم» ؛ لأنها ثانية همزتين فى كلمة ، وساكنة ؛ فسلك بها سبيل «إيمان» و «أومن» على ما تقدم.

(ص)

و (الرّوم) إن بنيت مثل (حذيم)

منه فلازم مثال (ريّم)

و (الرّمى) إن بنيت مثل (جعفر)

منه فبال (رميا) ائت غير ممترى

(ش) الراء من «روم» (١) بإزاء حاء «حذيم» (٢) ، والواو بإزاء الذال ، والميم بإزاء الميم

والياء فى «حذيم» زائدة بين العين واللام ؛ فجىء بها بين واو «روم» وميمه ، بعد كسر رائه بإزاء كسر حاء «حذيم».

فاجتمعت الياء والواو وسبق أحدهما بالسكون ؛ ففعل بهما ما سبق التنبيه عليه من

__________________

(١) الروم : الطلب ، وشحمة الأذن. القاموس (روم).

(٢) الحذيم : القاطع. القاموس (حذم).

٤١٧

إبدال وإدغام.

وقوبل براء «رمى» وميمه ويائه : جيم «جعفر» وعينه وفائه ، وضو عفت الياء بإزاء الراء ؛ فتحركت الثانية من الياءين بعد فتحة ، فانقلبت ألفا ، وصار «رميا» كـ «علقى».

(ص)

ومن بنى من (أعور) كـ (صيرف)

فـ (عيّرا) بالكسر فيه يقتفى

(ش) التزمت العرب فى «فيعل» من الصحيح فتح العين ، والتزمت فى مثله من المعتل كسر العين ؛ فوجب أن يعطى كل ذى حق حقه.

(ص)

لأنّ كسر عين ما يعتلّ من

ذا الوزن حتم ، غيره احفظ إن يعنّ

(ش) أشار بقوله : «غيره احفظ» إلى نادرين :

أحدهما : «عيّن» وهو عيب فى القربة ؛ حكاه سيبويه (١).

والثانى : «صيقل» ـ بكسر القاف ـ وهو اسم امرأة ؛ حكاه قطرب.

فهذا شذ فيه الكسر لأنه صحيح العين ، و «عيّن» شذ فيه [الفتح] لأنه معتل العين.

(ص)

ومن بنى اسما من مثال (أغيد)

ك (ذهب) أو (نمر) أو (عضد)

فليس عن (غاد) له محيد

لعلّة أسلفها التّقييد

(ش) الهمزة من «أغيد» زائدة فلا اعتداد بها ، وغينه بإزاء ذال «ذهب» ، ونون «نمر» وعين «عضد» ، وياؤه بإزاء الهاء والميم والضاد ، فتفتح بإزاء المفتوح ، وتكسر بإزاء المكسور ، وتضم بإزاء المضموم.

ويجب قلبها فى الأمثلة الثلاثة ألفا ؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها.

ويتحد اللفظ مع اختلاف الوزن كما تماثل فى اللفظ «قال» و «خاف» و «طال» وأصلها : «قول» و «خوف» و «طول».

(ص)

وإن بنيت من (دعوت) كـ (فضل)

فقل (دع) كذا (دع) قل فى (فعل)

(ش) الفضل : المرأة المتبذلة ومثالها من «دعوت» فى الأصل «دعو» لكنه أصل

__________________

(١) قال سيبويه ... : وقد قال بعض العرب : ما بال عينى كالشّعب العيّن. الكتاب (٤ / ٣٦٦).

٤١٨

مرفوض ؛ إذ ليس فى الأسماء المتمكنة ما آخره حرف علة يلى ضمة ؛ فكل اسم اقتضى التصريف وقوعه كذلك ، وجب إبدال ضمته كسرة :

فإن كان حرف العلة ياء لم يزد على ذلك كـ «ظبى» و «أظب».

وإن كان واوا كمثال «فضل» أو «عضد» من «دعوت» عمل به عملان : إبدال الضمة كسرة والواو ياء ؛ كما قيل فى جمع «دلو» : «أدل» ، وجمع «عرقوة» «عرق» ، والأصل : «أدلو» و «عرقو».

(ص)

وشبه ذا فى الفعل ذى الواو كثر

مصحّحا وفى ذوات اليا نزر

(ش) «شبه ذا» أى : شبه «فعل» فى الأفعال التى لامها واو كثر مصححا نحو : «أموت المرأة» و «سخو الرّجل وسرو» أى : صار سخيا وسريا.

وقولى :

 .........

 ... وفى ذوات اليا نزر

أى : قل هذا الوزن فيما لامه ياء من الفعل كـ «نهو الرّجل» أى : كملت نهيته ، أى : عقله ، و «قضو الرّجل زيد» بمعنى : نعم القاضى هو.

وهذا عند أئمة النحو مطرد ، أعنى : أن يصاغ «فعل» من كل فعل لامه ياء عند قصد المبالغة فى مدح أو ذم نحو : «بنو الرّجل فلان» و «رمو» بمعنى : نعم البانى والرامى هو.

(ص)

وإن تصغ كـ (عظلم) (١) من (قرأ)

فصوّرنّ (قرئيا) لا (قرئئا)

(ش) قد تقدم فى فصل إعلال المهموز ما يدل على أن العرب لم توال بين همزتين محققتين فى كلمة دون شذوذ إلا فى نحو «سأّل» و «مذأّب» وهو المجعول له ذؤابة.

وقد تقدم الإشارة ـ أيضا ـ إلى أن ما شذ من ذلك بالتحقيق نحو «أئمّة» و «خطائىء» لا يقاس عليه.

فيجب على ذلك أن يقال فى مثال «عظلم» من (قرأ) «قرء» فى الرفع والجر ، وفى

__________________

(١) العظلم : الليل المظلم وعصارة شجر أو نبت يصبغ به أو هو الوسمة. القاموس (عظم).

٤١٩

النصبب «قرئيا». والله أعلم.

(ص)

(مزنّى) او (مزنّن) يقول من

بنا (سفرجل) يؤمّ من (مزن)

(ش) مزن بمعنى : ذهب.

وإذا بنى منه مثال : «سفرجل» قوبل بحروفه السين والفاء والراء مسوى بينها فى الشكل ، ثم ضو عفت نونه مرتين بإزاء الجيم واللام ؛ فيصير «مزنّنا» ؛ هذا هو الأصل.

ويجوز أن تبدل النون الثالثة ياء فرارا من استثقال ثلاثة أمثال كما قالوا فى «تظنّنت» : «تظنّيت».

(ص)

والبدل الزم فى مثال ذاك من

مضاعف حوى ثلاثة كـ (جنّ)

(ش) إذا كانوا لتوالى ثلاثة أمثال مستثقلين حتى كادوا لا يستعملون أصل «تظنّيت» فهم لأربعة أمثال أشد استثقالا ؛ فليكن إبدال آخرها واجبا ؛ إذ ليس بعد الجواز الراجح إلا الوجوب.

فعلى هذا يقال فى مثال «جحمرش» من «الرّد» : «ردّدى» والأصل : «ردددد» ؛ قوبل بالراء والدالين الأصليتين : الجيم والحاء والميم ، وضو عفت الدال الثانية مرتين بإزاء الراء والشين ؛ فاجتمعت أربع دالات فأبدلت الرابعة ياء فصار : «ردّديا».

(ص)

ومن من الوأى بنى كـ (إجرد)

وقال (إىء) قال قول مهتدى

(ش) الوأى : الوعد ، والإجرد : نبت ، وأصل مثاله من الوأى : «إوئى» ؛ فأبدلت الواو ياء لسكونها بعد كسرة ، وعوملت الياء الأخيرة معاملة ياء «قاض» ؛ فصار : «إيئيا».

وهذا الشرح حاصل البيت الثانى أعنى قولى :

(ص)

والأصل (إوئى) ولكن علّلا

[فاء ولاما بالّذى قد فصّلا](١)

وافكك إذا بنيت مثل (عنسل)

من (يعمل) ولا تحد عن (عنمل)

(ش) قد تقدم أن النون الساكنة يترك إدغامها إذا كانت مع ما تدغم فيه فى كلمة

__________________

(١) فى أ : فحاز تسكينا ، وحاز بدلا.

٤٢٠