شرح الكافية الشّافية - ج ٢

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٦٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

(ش) التحذير إلزام المخاطب الاحتراز من مكروه بـ «إياك» أو ما جرى مجراه ؛ كقولك : «إيّاك والشّرّ».

فإن حذرت مؤنثا أو مثنى أو مجموعا قلت : «إيّاك والشّرّ» ، و «إيّاكما والشّرّ» و «إيّاكم» و «إيّاكنّ».

وهذا عنيت بقولى :

 ...... مردفا

بالكاف طبقا للّذى قد خوّفا

والحاصل : أن «إيّاك» منصوب بفعل لا يظهر فى إفراده ، ولا فى عطف عليه ؛ لأن التحذير به أكثر من التحذير بغيره ؛ فجعل بدلا من اللفظ بالفعل ، والتزم معه الإضمار ـ مطلقا ـ.

ولم يلتزم مع غيره إلا إذا عطف عليه المحذور منه كقولهم : «ماز رأسك والسّيف». أى : يا مازن وق رأسك واحذر السيف ؛ فلو لم يذكر المعطوف جاز الإظهار والإضمار.

وإلى هذين الحكمين أشرت بقولى :

ونحو «رأسك» كـ «إيّاك» جعل

إذا الّذى يحذر معطوفا وصل

ودون عطف قد يبين ما نصب

 .......

والشائع فى التحذير ما يراد به المخاطب.

وقد يكون للمتكلم كقول من قال : «إيّاى وأن يحذف أحدكم الأرنب» ، أى :

نحنى عن حذف الأرنب ، ونح حذف الأرنب عن حضرتى.

وشذ إرادة الغائب به فى قول بعض العرب : «إذا بلغ الرّجل السّتّين فإّيّاه وإيّا الشّوابّ» ، وقد يستغنى عن ذكر المحذر بذكر المحذر منه مكررا أو معطوفا عليه ، وغير مكرر ولا معطوف عليه.

فمع التكرار أو العطف يلتزم إضمار الناصب كقولى :

 ... القسور القسور ...

 .........

أى : الأسد الأسد ، و «الشّيطان وكيده» ومنه قوله ـ تعالى ـ : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) [الشمس : ١٣].

وإلى هذا أشرت بقولى :

والعطف كالتّكرار فى التزام أن

لا يجعل النّاصب إلّا ما بطن

٤١

ثم بينت أن الإغراء كالتحذير فى التزام إضمار الناصب مع التكرار والعطف ، وعدم التزامه مع عدمهما.

ومعنى الإغراء : إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه من مواصلة ذوى القربى ، والمحافظة على عهود المعاهدين ، ونحو ذلك ؛

كقولك لمن تغريه برعاية الخلة وهى : المودة : الخلة الخلة ، أى : الزم الخلة ، والثانى من الاسمين بدل من اللفظ بالفعل.

وكذا المعطوف ؛ كقولك لمن تغريه بالذب والحمية : «الأهل والولد» أى : الزم الذب عنهم.

ومنه قول الشاعر : [من الطويل]

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح (١)

وقد يجاء باسم المحذر منه ، والمغرى به مع التكرار مرفوعا ؛ قال الفراء فى «كتاب المعانى» (٢) ـ فى قوله تعالى ـ : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) [الشمس : ١٣] : «نصب الناقة على التحذير ، وكل تحذير فهو نصب ، ولو رفع على إضمار : هذه ناقة الله ، لجاز ؛ فإن العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير» ؛ وأنشد : [من الخفيف]

إنّ قوما منهم عمير وأشبا

ه عمير ومنهم السّفّاح

لجديرون بالوفاء إذا قا

ل أخو النّجدة : السّلاح السّلاح (٣)

فرفع ، وفيه معنى الأمر بلبس السلاح.

ولله الحمد ـ وحده ـ.

__________________

(١) البيت لمسكين الدارمى فى ديوانه ص ٢٩ ، والأغانى ٢٠ / ١٧١ ، ١٧٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦٥ ، ٦٧ ، والدرر ٣ / ١١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠٥ ، ولمسكين أو لابن هرمة فى فصل المقال ص ٢٦٩ ، ولقيس بن عاصم فى حماسة البحترى ص ٢٤٥ ، ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمى فى الحماسة البصرية ٢ / ٦٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٧٩ ، وتلخيص الشواهد ص ٦٢ ، والخصائص ٢ / ٤٨٠ ، والدرر ٦ / ٤٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٨٨ ، وشرح قطر الندى ص ١٣٤ ، والكتاب ١ / ٢٥٦.

(٢) ينظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٦٨).

(٣) البيت بلا نسبة فى الخصائص ٣ / ١٠٢ ، والدرر ٣ / ١١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٨٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠٦ ، والهمع ١ / ١٧٠.

٤٢

باب أسماء الأفعال والأصوات

(ص)

نائب فعل غير معمول ولا

فضلة اسم الفعل والمجدى افعلا

يأتى كثيرا ، وبمعنى (فعلا)

و (أفعل) استعماله تقلّلا

ك (أف) (هيهات) (نزال) (وى) و (صه)

(شتّان) (أوه) (تيد) (هيّا) (هيت) (مه)

(إيه) (آمين) (حيّهل) (وشكانا)

(سرعان) (ويها) (بله) (ها) (بطانا)

(ويها) و (واها) كذاك و (هلمّ)

فى قول من تجريدها حتما يؤمّ

واحكم لها بحكم الافعال الّتى

تنوب عنها ذاكرا قصور (تى)

واحكم بتنكير الّذى ينوّن

منها وتعريف سواه بيّن

وأحد الحكمين بعضها لزم

ك (وى) وتخيير لبعضها علم

وليس منها ما يرى محتملا

ضمير رفع بارزا متّصلا

كمثل (هات) و (تعال) و (هلمّ)

عند تميم ، وهى (ها) ضمّت لـ (لم)

(ش)

نائب فعل ...

 .......

جنس يعم المصدر العامل ، واسمى الفاعل والمفعول ، والصفة المشبهة باسم الفاعل ، واسم الفعل ، والحروف التى فيها معانى الأفعال كـ «ليت» و «لعلّ».

فخرج بقولى :

... غير معمول .......

ما سوى اسم الفعل والحروف لأن كلا منهما غير معمول ؛ فلذلك جعل المحققون سبب بناء اسم الفعل شبهه بالحرف العامل فى كونه مؤثرا غير متأثر.

وخرج بقولى :

 ........ ولا

فضلة .......

الحروف لأن كل جملة بعض أجزائها حرف ؛ فإنها يتم بدونه كونها جملة ؛ فيثبت كون الحرف أبدا فضلة ؛ لأن غير الفضلة عمدة ، والعمدة مسند أو مسند إليه ، وذلك مناف للحرفية.

وإذا خرج الحرف خلص الحد لاسم الفعل ؛ وهو المقصود.

٤٣

ثم قلت :

 .......

 ... والمجدى «افعلا»

يأتى كثيرا ...

 .........

ففهم بذا ، وبما بعده أن اسم الفعل الدال على أمر كثير ، وأن ما سواه قليل.

ثم ذكرت أمثلة كثيرة بمعنى الأمر ، وأمثلة قليلة بمعنى الماضى ، وبمعنى المضارع.

وأنا أشرحها شرحا يميز بعضها من بعض :

فـ «نزال» بمعنى : انزل. و «صه» بمعنى : «اسكت». و «تيد» بمعنى : أمهل.

و «هيت» و «هيّا» بمعنى : أسرع. و «مه» بمعنى : انكفف. و «إيه» بمعنى : امض فى حديثك. و «آمين» بمعنى : استجب. و «حيّهل» بمعنى : ائت أو عجل أو أقبل.

و «ويها» بمعنى : اغر. و «بله» بمعنى : دع. و «ها» و «هاء» بمعنى : خذ ، وكذاك بمعنى : قلل. و «هلمّ» بمعنى : احضر أو أقبل.

فهؤلاء بمعنى «افعل».

والتى بمعنى «فعل» :

«هيهات» بمعنى : بعد. و «شتّان» بمعنى : افترق. و «وشكان» ، و «سرعان» بمعنى : سرع. و «بطآن» بمعنى : بطؤ.

والتى بمعنى «أفعل» :

«أفّ» بمعنى : أتضجر. و «وى» و «وا» و «واها» بمعنى : أعجب. و «أوه» بمعنى : أتوجع.

فمن مجىء «وى» بمعنى «أتعجّب» قوله ـ تعالى ـ : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) [القصص : ٨٢].

وقول الشاعر : [من الخفيف]

سالتانى الطّلاق أن رأتانى

قلّ مالى قد جئتمانى بنكر (١)

__________________

(١) البيت لزيد بن عمرو بن نفيل فى الكتاب ٢ / ١٥٥ ، ٣ / ٥٥٥ ، وله أو لسعيد ابنه أو لنبيه ابن الحجاج فى خزانة الأدب ٦ / ٤١٠ ، ٤١٢ ، ولنبيه بن الحجاج فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٤٨ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٧٦.

٤٤

ويكأن من يكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (١)

ومن مجىء «وا» بمعنى «أعجب» قول الراجز : [من الرجز]

وا بأبى أنت وفوك الأشنب

كأنّما ذرّ عليه الزّرنب (٢)

و «وى» و «واها» أكثر من «وا»

وفهم من قولى :

واحكم لها بحكم الأفعال الّتى

تنوب عنها ...

أن هذه الأسماء متساوية فى اقتضائها مرفوعا.

وأن «شتّان» لا يستغنى بواحد كما لا يستغنى به «افترق».

وأن تعلق هذه الأسماء بما زاد على المرفوع مساو لتعلق الأفعال به.

فيعطى الاسم من ذلك ما أعطى الفعل الذى هو نائب عنه ؛ فلذلك عدى «حيّهل» بنفسه إذا ناب عن «ائت» ؛ كقولهم : «حيّهل الثّريد» ، وعدى بالباء إذا ناب عن «عجّل» ، وعدى بـ «على» أو «إلى» إذا ناب عن «أقبل».

ومن النائب عن «عجّل» : «إذا ذكر الصّالحون فحيّهل بعمر».

وأشرت بقولى :

 .......

 ... ذاكرا قصور «تى»

إلى أن أسماء الأفعال قاصرة عما للأفعال من التصرف فى نفسها ، وفى عملها ؛ ولذا لا تعمل فيما قدم عليها ، وبسط الكلام على هذا آت ، إن شاء الله تعالى.

«وتى» بمعنى : ذى.

__________________

(١) البيت لزيد بن عمرو بن نفيل فى خزانة الأدب ٦ / ٤٠٤ ، ٤٠٨ ، ٤١٠ ، والدرر ٥ / ٣٠٥ ، وذيل سمط اللآلى ص ١٠٣ ، والكتاب ٢ / ١٥٥ ، ولنبيه بن الحجاج فى الأغانى ١٧ / ٢٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، ولسان العرب (وا) ، (ويا) ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٣٥٣ ، والخصائص ٣ / ٤١ ، ١٦٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٨٦ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٦ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٨٩ ، المحتسب ٢ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٦.

(٢) الرجز لراجز من بنى تميم فى الدرر ٥ / ٣٠٤ وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٨٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣١٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٨٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣٤٥ ، ١٢١٨ ، والجنى الدانى ص ٤٩٨ ، وجواهر الأدب ص ٢٨٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٨٦ ، وشرح التصريح ٢ / ١٩٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٥٧ ، ولسان العرب (زرنب) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٣٦٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٦.

٤٥

ولما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا ، ومن قبل اللفظ أسماء ، جعل لها تعريف ، وتنكير :

فعلامة تعريف المعرفة منها : تجرده عن التنوين.

وعلامة تنكير النكرة منها : استعماله منونا.

ولما كان من الأسماء المحضة ما يلازم التعريف كالمضمرات ، وأسماء الإشارة ، وما يلازم التنكير كـ «أحد» و «عريب» ، وما يعرف وقتا ، وينكر وقتا «رجل» و «فرس» ، جعلوا هذه الأسماء كذلك ، فألزموا بعضها التعريف كـ «نزال» و «بله» و «آمين» ، وألزموا بعضها التنكير كـ «واها» و «ويها» ، واستعملوا بعضها بوجهين : فنون مقصودا تنكيره ، وجرد مقصودا تعريفه كـ «صه وصه» و «أفّ وأفّ».

ثم أشرت إلى ما يؤمن من غلط وقع فيه بعض النحويين بقولى :

وليس منها ما يرى محتملا

ضمير رفع بارزا متّصلا

وذلك أن من النحويين من جعل من أسماء الأفعال «هات» و «تعال» وإنما هما فعلان غير متصرفين ؛ والدليل على فعليتهما وجوب اتصال ضمير الرفع البارز بهما ، كقولك للأنثى : «هاتى» و «تعالى» ، وللاثنين والثنتين : «هاتيا» و «تعاليا» ، وللجماعتين : «هاتوا» ، و «تعالوا» ، و «هاتين» و «تعالين».

فعوملا هذه المعاملة الخاصة بالأفعال ، مع أنهما على وزنين مختصين بالأفعال ، ومدلولهما كمدلولات الأفعال ؛ فهما بالفعلية أحق من «عسى» و «ليس» ؛ لأن مدلوليهما كمدلول : «لعلّ» و «ما» ، وقد ألحقا بالأفعال لاتصال الضمائر بهما.

على أن بعض العرب يصرف «هات» فيقول : هاتى ، يهاتى ، مهاتاة ؛ ذكر ذلك الجوهرى.

وأما «هلمّ» : فاسم فعل على لغة الحجازيين ، وفعل على لغة بنى تميم ؛ لأن الحجازيين لا يبرزون فاعلها فى التأنيث والتثنية والجمع ، وبنو تميم يبرزونه فيقولون : «هلمّى» و «هلمّا» و «هلمّوا» و «هلممن» ، ويؤكدونه بالنون ؛ نحو : «هلمّنّ» ؛ قال سيبويه (١) : «وقد تدخل الخفيفة والثقيلة ـ يعنى فى «هلمّ» ـ فى لغة بنى تميم» ، قال : «لأنها عندهم بمنزلة : «ردّ» و «ردّا» و «ردّى» و «ارددن» ؛ كما تقول :

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٥٢٩).

٤٦

«هلمّ» و «هلمّا» و «هلمّى» و «هلممن».

وقد استعمل لها مضارعا من قيل له : «هلم» فقال : «لا أهلمّ».

وأصل «هلمّ» عند البصريين : «ها لمّ» ، وعند الكوفيين : «هل أمّ».

وقول البصريين أقرب إلى الصواب.

(ص)

وندر اسم الأمر من رباعى

مقتصرا فيه على السّماع

كمثل (قرقار) ومن قاس على

ما جاء من ذا فسعيدا قد تلا

وب (عليك) : الزم عنوا كما (تنحّ)

معنى إليك ، (خذ) بـ (دونك) اتّضح

وب (لديك) : الزم عنوا و (عندكا)

ومسلك (اثبت) بـ (مكانك) اسلكا

وب (أمامك) اقصدن (تقدّما)

وفى نقيضه (وراءك) الزما

و (أتنحّى) قصد من قال (إلى)

و (أولنى) يعنى إذا قال (على)

وذان باليا لشذوذ عزيا

كذا (عليه زيدا) ـ ايضا ـ رويا

وكلّ ذا نقل ، وقائس على

لدى الخطاب وخلافه جلى

ووحده أجاز أن يقدّما

منصوب ذا الباب وإن ذا أوهما

ك (يأيّها الماتح دلوى دونكا)

فناصبا أضمر توافق ذو ذكا

(ش) من أسماء الأفعال «قرقار» بمعنى «قرقر» ؛ وإليه أشرت بقولى :

وندر اسم الأمر من رباعى

مقتصرا فيه على السّماع

وهو مع ندوره ـ عند سعيد بن مسعدة الأخفش ـ مقيس عليه ؛ ليكون للرباعى نصيب من صوغ اسم الفعل باطراد ؛ كما كان للثلاثى باتفاق منه ومن سيبويه.

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه (١) من كون صوغ اسم الفعل مطردا من الثلاثى خاصة ، بشرط كونه على «فعال».

ثم أخذت فى بيان ما جعل اسم فعل بعد أن كان ظرفا ، أو حرف جر ، وهذا النوع لا يستعمل إلا متصلا بضمير مخاطب.

وقد قرنت فى النظم كل واحد منهما بشرحه ، فحكمه فى العمل حكم الفعل الذى قرن به شارحا له.

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٢٧٣).

٤٧

وشذ قولهم : «عليه رجلا» بمعنى : ليلزم و «على الشّىء» بمعنى : أولنيه. و «إلى» بمعنى : أنتحى.

واختلف فى الضمير المتصل بهذه الكلمات :

فموضعه : رفع عند الفراء. ونصب عند الكسائى.

وجر عند البصريين ، وهو الصحيح ؛ لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء : «على عبد الله زيدا» ـ بجر عبد الله ـ فتبين بذلك أن الضمير مجرور الموضع لا مرفوعه ، ولا منصوبه.

ومع ذلك فمع كل واحد من هذه الأسماء ضمير مستتر مرفوع الموضع بمقتضى الفاعلية ؛ فلك أن تقول فى التوكيد : «عليكم كلّكم زيدا» ـ بالجر ـ توكيدا للموجود المجرور ، وبالرفع توكيدا للمستكن المرفوع.

ولا يقاس على هذه الظروف غيرها إلا عند الكسائى ؛ فإنه لا يقتصر فيها على السماع ، بل يقيس على ما سمع ما لم يسمع.

ومما عزى إليه دون غيره جواز إعمال هذه الأسماء فيما تقدم عليها ؛ كقول الراجز : [من الرجز]

يأيّها المائح (١) دلوى دونكا

إنّى رأيت القوم يحمدونكا (٢)

ولا حجة فيه لصحة تقدير «دلوى» مبتدأ ، أو مفعولا بـ «دونك» مضمرا ؛ فإن إضمار اسم الفعل متقدما لدلالة متأخر عليه ـ جائز عند سيبويه.

و «ذو» من قولى :

 .......

 ... توافق ذو ذكا

__________________

(١) المائح : ماح يميح : انحدر فى الرّكىّ فملأ الدلو. (مقاييس اللغة ـ ميح).

(٢) الرجز لجارية من بنى مازن فى الدرر ٥ / ٣٠١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣١١ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٦٥ ، والأشباه والنظائر ١ / ٣٤٤ ، والإنصاف ص ٢٢٨ ، وأوضح المسالك ٤ / ٨٨ ، وجمهرة اللغة ص ٥٧٤ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٦ ، وذيل السمط ص ١١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٥٣٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٢٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٣٩ ، وشرح المفصل ١ / ١١٧ ، ولسان العرب (ميح) ، ومعجم ما استعجم ص ٤١٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٠٩ ، والمقرب ١ / ١٣٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٥.

٤٨

بمعنى «الّذى».

و «ذكا» : فعل ، ومعه فاعل منوى ، والجملة صلة «ذو».

و «دونك» وأمثاله من الظروف المجعولة أسماء أفعال مبنية كغيرها من أسماء الأفعال.

قال أبو الفتح ابن جنى : «ولا الفتحة فى نحو : «دونك زيدا» فتحة إعراب كفتحة الظرف فى قولك : «جلست دونك» بل هى فتحة بناء ؛ لأن هذا الاسم بمنزلة «صه» و «مه» ، غير أنه بنى على الحركة التى كانت له فى حال الظرفية ؛ كما أن فتحة لام «رجل» من قولك : «لا رجل فى الدّار» هى غير الحركة التى تحدثها «لا» إعرابا.

وكذا قوله ـ تعالى ـ : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ) [يونس : ٢٨] فتحته فتحة بناء ؛ لأنه اسم كقولك : «اثبتوا مكانكم» ، وليست كفتحة «الزموا مكانكم» ؛ هذه إعراب ، وتلك فى الآية بناء».

باب فى أسماء الأصوات

(ص)

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

كذاك ما أجدى حكاية كـ (قب)

و (غاق) (ماء) ومن الأوّل (حب)

وكلّ ما يعدّ من ذا الباب

مستوجب البناء لا الإعراب

(ش) أسماء الأصوات : ما وضع لخطاب ما لا يعقل ، أو ما هو فى حكم ما لا يعقل من صغار الآدميين ، أو لحكاية الأصوات.

فمن الأول : زجر البعير بـ : «حب» و «حل».

ودعاء الإبل بـ : «حوب» ، والربع بـ : «دوّه».

وإناخة البعير بـ : «نخ».

وتسكين صغار الإبل بـ : «هدع».

إيراد الحمار بـ : «تشا» وب «تشو».

ومن الثانى : «قب» فى وقع السيف ، و «طق» فى وقع الحجارة ، و «غاق» فى صياح الغراب ، و «ماء» فى صياح الظبية.

٤٩

وأشرت بـ «ذا» من قولى :

وكلّ ما يعدّ من ذا الباب

 ......

إلى «باب أسماء الأفعال والأصوات» فإنها كلها مبنية.

أما أسماء الأفعال فإنها أشبهت الحروف العاملة فى أنها عاملة غير معمولة مع الجمود ، ولزوم طريقة واحدة ؛ فاستغنت عن الإعراب ؛ لأن فائدته الدلالة على ما يحدث من المعانى بالعوامل ، وذلك غير موجود فى أسماء الأفعال.

وأما أسماء الأصوات فهى أحق بالبناء ؛ لأنها غير عاملة ولا معمولة ؛ فأشبهت الحروف المهملة.

ولأن فائدة الإعراب : إبانة مقتضيات العوامل ، وذلك غير موجود فيها ؛ فلم يكن لها فى الإعراب نصيب.

* * *

٥٠

باب نونى التوكيد

(ص)

للفعل توكيد بنونين هما

كنونى (اذهبن) و (اقصدنهما)

وإنّما يؤكّدان الأمر أو

مضارعا ذا طلب كـ (لا تروا)

أو كان شرطا بعد (إمّا) أو أتى

مستقبلا بعد يمين مثبتا

ما لم يكن معموله مقدّما

كالآت بين لـ (إلى) و (فبما)

أو يقترن بحرف تنفيس كما

(وربّنا لسوف نلقى مغنما)

وقد يؤكّدان منفيّا بـ (لا)

متّصلا ، ونادرا قد فصلا

والشّرط بعد غير (إمّا) أكّدا

نزرا كذا الجواب ـ أيضا ـ وردا

والنّون شذّت بعد (ربّما) و (لم)

وشاع بعد (ما) مزيدا أن يؤمّ

كقوله : (من عضة ما ينبتن

شكيرها) وهكذا : (ما يحمدن)

وليس توكيد بنون يلتزم

فى غير فعل مثبت بعد القسم

وتركه من بعد (إمّا) قلّما

تلفيه إلا فى كلام نظما

وشذّ توكيد مع الخلوّ من

ما قد مضى كـ (أشعرنّ المتّزن)

وشذّ فى اسم فاعل : (أقائلن)

وبشذوذ : (أحرين) ـ أيضا ـ قمن

(ش) للتوكيد نونان : خفيفة وثقيلة. وقد تضمنهما قولى :

 ........

كنونى (اذهبنّ) و (اقصدنهما)

كما تضمنهما قول الله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف : ٣٢].

ويؤكد بهما فعل الأمر ، مطلقا.

والمضارع المصاحب ما يقتضى طلبا من : لام أمر ، أو «لا» نهى ، أو دعاء ، أو تحضيض ، أو عرض ، أو تمن ، أو استفهام.

قال الأعشى فى توكيد الأمر والنهى ـ أنشده سيبويه (١) ـ [من الطويل]

وإيّاك والميتات لا تقربنّها

ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا (٢)

__________________

(١) فى الكتاب : فإياك. ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٠).

(٢) البيت فى ديوانه ص ١٨٧ ، والأزهية ص ٢٧٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٢ ، والدرر ٥ / ١٤٩ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، وشرح التصريح ـ

٥١

وقال فى توكيد ما صاحب الاستفهام : [من المتقارب]

وهل يمنعنّى ارتيادى البلا

د من حذر الموت أن يأتين؟ (١)

وقال آخر : [من الكامل]

 ......

أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا؟ (٢)

وقال آخر : [من الطويل]

فأقبل على رهطى ورهطك نبتحث

مساعينا حتّى نرى : كيف نفعلا؟ (٣)

وقال ابن رواحة ـ رضى الله عنه ـ فى الدعاء : [من الرجز]

والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا (٤)

__________________

ـ ٢ / ٢٠٨ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٧٧ ، ٧٩٣ ، والكتاب ٣ / ٥١٠ ، ولسان العرب (نصب) ، (سبح) ، (نون) ، واللمع ص ٢٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٤٠ ، والمقتضب ٣ / ١٢ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٥٧ ، وأوضح المسالك ٤ / ١١٣ ، وجمهرة اللغة ص ٨٥٧ ، وجواهر الأدب ص ٥٧ ، ١٠٨ ، ورصف المبانى ص ٣٢ ، ٣٣٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٥ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٩ ، وشرح المفصل ٩ / ٣٩ ، ومغنى اللبيب ص ١ / ٣٧٢ والممتع فى التصريف ١ / ٤٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(١) البيت للأعشى فى ديوانه ص ٦٥ ، ٦٩ ، والكتاب ٤ / ١٨٧ ، والدرر ٥ / ١٥١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٠ ، ٨٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٤ ، والمحتسب ١ / ٣٤٩ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٤٩٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٢) عجز بيت لمقنع وصدره :

قالت فطيمة حل شعرك مدحه

 .......

ينظر : الكتاب ٣ / ٥١٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٠١ ، وجواهر الأدب ص ١٤٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٤٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٣) البيت للنابغة الجعدى فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥١ ، وليس فى ديوانه ، وبلا نسبة فى الدرر ٥ / ١٥٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٥ ، والكتاب ٣ / ٥١٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٤) ينظر ديوانه ص ١٠٨ ، ولعامر بن الأكوع فى المقاصد النحوية ٤ / ٤٥١ ، وله أو لعبد الله فى الدرر ٤ / ٢٣٦ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢٨٧ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٦٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٣.

٥٢

وقال آخر فى التحضيض : [من الطويل]

هلّا تمنّن بوعد غير مخلفة

كما عهدتك فى أيّام ذى سلم (١)

وقال آخر فى التمنى :

فليتك يوم الملتقى ترينّنى

لكى تعلمى أنّى امرؤ بك هائم (٢)

ومثال توكيد الشرط بعد «إمّا» قوله ـ تعالى ـ : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) [غافر : ٧٧].

ومثال المستقبل الآتى بعد يمين قوله ـ تعالى ـ : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) [النحل : ٥٦].

فلو قدم على الفعل المقسم عليه ما يتعلق به من جار أو غيره ، قرن المتعلق بلام القسم ، واستغنى عن النون ؛ كقولك : «والله لزيدا أكرم».

وكذا لو كان مع الفعل «سوف» أو السين ؛ كقولك : «والله لسوف أكرمك».

فمن الأول قوله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران : ١٥٨].

ومن الثانى قوله ـ تعالى ـ : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥].

وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفى بـ «لا» تشبيها بالنهى ؛ كقوله ـ تعالى ـ :

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥].

وقد زعم قوم أن هذا نهى وليس بصحيح ، ومثله قول الشاعر : [من الطويل]

فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها

ولا الضّيف فيها إن أناخ محوّل (٣)

إلا أن توكيد «تصيبنّ» أحسن لاتصاله بـ «لا» فهو بذلك أشبه بالنهى ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) [الأعراف : ٢٧] ؛ بخلاف قول الشاعر : «تلحينّها» فإنه غير متصل بـ «لا» فبعد شبهه بالنهى ؛ ومع ذلك فقد سوغت توكيده «لا» وإن كانت منفصلة ، فتوكيد «تصيبنّ» لاتصاله بـ «لا» أحق وأولى.

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٩٩ ، والدرر ٥ / ١٥٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٢) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٠٠ ، والدرر ٥ / ١٥١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٥ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٣) البيت للنمر بن تولب فى ديوانه ص ٣٨٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٢٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٤٢ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٤٩٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٤٧.

٥٣

ومثال توكيد الشرط بعد غير «إمّا» ما أنشد سيبويه من قول الشاعر : [من الكامل]

من تثقفن منهم فليس بآيب

أبدا وقتل بنى قتيبة شاف (١)

وأنشد سيبويه (٢) ـ أيضا ـ فى توكيد الجواب : [من الطويل]

نبتّم نبات الخيزرانى فى الثّرى

حديثا متى ما يأتك الخير تنفعا (٣)

وأنشد سيبويه ـ أيضا (٤) ـ : [من الطويل]

فمهما تشأ منه فزارة تعطكم

ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (٥)

ومثال التوكيد بعد «ربّما» و «لم» قول الشاعر : [من المديد]

ربّما أوفيت فى علم

ترفعن ثوبى شمالات (٦)

__________________

(١) البيت فى الكتاب :

من يثقفن منهم فليس بآئب

أبدا وقتل بنى قتيبة شافى

ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٦).

والبيت لبنت مرة بن عاهان فى خزانة الأدب ١١ / ٣٨٧ ، ٣٩٩ ، والدرر ٥ / ١٦٣ ، ولبنت أبى الحصين فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٠٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٤٧ ، والكتاب ٣ / ٥١٦ ، والمقتضب ٣ / ١٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٠ ، والمقرب ٢ / ٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.

(٢) ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٥).

(٣) البيت للنجاشى الحارثى فى ديوانه ١١٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٩٧ ، ٣٩٥ ، ٣٩٧ ، والدرر ٥ / ١٥٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٤٤ ، وبلا نسبة فى الكتاب ٣ / ٥١٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٤) ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٥).

(٥) البيت للكميت بن معروف فى حماسة البحترى ص ١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧٢ ، وللكميت بن ثعلبة فى خزانة الأدب ١١ / ٣٨٧ ، ٣٨٨ ، ٣٩٠ ، ولسان العرب (قزع) ، وللكميت بن معروف أو للكميت بن ثعلبة الفقعسى فى المقاصد النحوية ٤ / ٣٣٠ ، ولعوف ابن عطية بن الخرع فى الدرر ٥ / ١٦٥ ، والكتاب ٣ / ٥١٥ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٧ / ٥٠٩ ، ٥١٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.

(٦) البيت لجذيمة الأبرش فى الأزهية ص ٩٤ ، ٢٦٥ ، والأغانى ١٥ / ٢٥٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٠٤ ، والدرر ٤ / ٢٠٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٣٩٣ ، والكتاب ٣ / ٥١٨ ، ولسان العرب (شيخ) ، (شمل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٤٤ ، ٤ / ٣٢٨ ، ونوادر أبى زيد ص ٢١٠ ، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٢٩٣ ، ٣٦٦ ، ٣٦٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٧٠ ، والدرر ٥ / ١٦٢ ، ورصف المبانى ص ٣٣٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٢٩٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٠ ، وكتاب اللامات ص ١١١ ، ومغنى اللبيب ص ١٣٥ ، ١٣٧ ، ٣٠٩ ، ـ

٥٤

وقال الراجز فى التوكيد بعد «لم» : [من الرجز]

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما (١)

وإنما قل التوكيد بعد «ربّما» و «لم» ؛ لأن الفعل بعدهما ماضى المعنى ، ولا حظ للماضى فى هذا التوكيد ، وهو بعد «ربّما» أحسن ، وحكى سيبويه (٢) : «ربّما تقولنّ ذلك».

وكثر هذا التوكيد بعد «ما» الزائدة دون «إن» ؛ كقول العرب : «بعين ما أرينّك» ، و «بجهد ما تبلغنّ» ، و «كثر ما تقولنّ» ، و «حيثما تكوننّ آتك».

وفى المثل : [من الطويل]

 .........

ومن عضة (٣) ما ينبتنّ شكيرها (٤)

ومثله قول الشاعر : [من الطويل]

__________________

ـ والمقتضب ٣ / ١٥ ، والمقرب ٢ / ٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٨ ، ٧٨.

(١) الرجز للعجاج فى ملحق ديوانه ٢ / ٣٣١ ، وله أو لأبى حيان الفقعسى أو لمساور العبسى ، أو للدبيرى ، أو لعبد بنى عبس فى خزانة الأدب ١١ / ٤٠٩ ، ٤١١ ، وشرح شواهد المعنى ٢ / ٩٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٨٠ ، ولمسار العبسى أو للعجاج فى الدرر ٥ / ١٥٨ ، ولأبى حيان الفقعسى فى شرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٩ ، وللدبيرى فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٦٦ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٤٠٩ ، أوضح المسالك ٤ / ١٠٦ ، خزانة الأدب ٨ / ٣٨٨ ، ٤٥١ ، ورصف المبانى ٣٣ / ٣٣٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٧٩ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٨ ، وشرح ابن عقيل ٥٤٦ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٢ ، والكتاب ٣ / ٥١٦ ، ولسان العرب (شيخ) ، (خشى) ، (عمى) ، (الألف اللينة) ، ومجالس ثعلب ص ٦٢٠ ، ونوادر أبى زيد ص ١٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٢) ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٨).

(٣) العضة : (العضه) : أعظم الشجر ، أو الخمط ، أو كل ذات شوك ، أو ما عظم منها وطال.

ينظر القاموس (عضه).

(٤) الشكير من النبات : وهو الذى ينبت من ساق الشجرة. ينظر : مقاييس اللغة : (شكر).

وهو عجز بيت وصدره :

إذا مات منهم ميت سرق ابنه

 .........

ينظر : أوضح المسالك ٤ / ١٠٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٢ ، ٦ / ٢٨١ ، ١١ / ٢٢١ ، ٤٠٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٦٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٦١ ، والكتاب ٣ / ٥١٧ ، ولسان العرب ، (شكر) ، (عضه) ، ومغنى اللبيب ص ٢ / ٣٤٠.

٥٥

قليلا به ما يحمدنّك وارث

إذا نال ممّا كنت تجمع مغنما (١)

وإنما كثر هذا التوكيد بعد «ما» الزائدة لشبهها بلام القسم ؛ قال سيبويه ـ بعد تمثيله بـ «ربّما تقولنّ ذلك» ، و «كثر ما تقولنّ ذلك» (٢) ـ : «ولا يقع بعد هذه الحروف إلا وما لازمة فأشبهت عندهم لام القسم». هذا نصه.

ولا يلزم هذا التوكيد إلا بعد القسم.

وإلى هذا أشرت بقولى :

وليس توكيد بنون يلتزم

فى غير فعل مثبت بعد القسم

ثم بينت أن الفعل بعد «إمّا» يقل وقوعه بلا نون ؛ ولذا لم يجئ فى القرآن بعدها إلا مؤكدا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) [الأنعام : ٦٨].

وزعم بعضهم أن ذلك لازم ، وأن نحو : «إمّا تفعل أفعل» غير جائز.

وليس بصحيح ؛ بل هو جائز قليل ؛ كقول الراجز : [من الرجز]

إمّا ترينى اليوم أمّ حمز

قاربت بين عنقى (٣) وجمزى (٤)

ومثله قول الشاعر : [من الكامل]

إمّا ترى رأسى تغيّر لونه

شمطا فأصبح كالثّغام المخلس

وقال آخر : [من البسيط]

يا صاح إمّا تجدنى غير ذى جدة

فما التّخلّى عن الخلّان من شيمى (٥)

__________________

(١) البيت لحاتم الطائى فى ديوانه ص ٢٢٣ ، والدرر ٥ / ١٦٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٥١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٢٨ ، ونوادر أبى زيد ص ١١٠ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٠٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٨.

(٢) فى الكتاب «وكثر ما تقولن ذاك». ينظر : الكتاب (٣ / ٥١٨).

(٣) العنق : ضرب من سير الدواب. ينظر : مقاييس اللغة (عنق).

(٤) والجمز : ضرب من العدو. ينظر : اللسان (جمز).

والرجز لرؤبة فى ديوانه ص ٦٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥٨ ، وشرح المفصل ٩ / ٦ ، والكتاب ٢ / ٢٤٧ ، والمقتضب ٤ / ٢٥١ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٤٠ ، والإنصاف ١ / ٣٤٩.

(٥) البيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٩٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٣١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٩٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٩.

٥٦

وأشرت بقولى :

وشذّ توكيد مع الخلوّ من

ما قد مضى .....

إلى قول الشاعر : [من الخفيف]

ليت شعرى وأشعرنّ إذا ما

قرّبوها منشورة ودعيت (١)

ألى الفوز أم علىّ إذا حو

سبت إنّى على الحساب مقيت (٢)

وأشذ من هذا توكيد «أفعل» فى التعجب ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا (٣)

أراد : وأحرين ؛ فأبدل النون للوقف ألفا ، وهذا من تشبيه لفظ بلفظ وإن اختلفا معنى.

وأشذ من هذا ما أنشد ابن جنى (٤) من قول الراجز : [من الرجز]

أريت إن جاءت به أملودا (٥)

مرجّلا ويلبس البرودا

أقائلنّ أحضروا الشّهودا (٦)

__________________

(١) البيت للسموأل بن عادياء فى ديوانه ص ٨١ ، الدرر ٥ / ١٦٦ ، ولسان العرب (قوت) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٢ ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ٢٧٧ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٠٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.

(٢) البيت للسموأل بن عادياء فى ديوانه ص ٨١ ، ولسان العرب (قوت) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ١٧٠ ، وتاج العروس (قوت) ، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ٣ / ٤١٨ ، وتهذيب اللغة ٩ / ٢٥٥.

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

(٤) قال ابن جنى ـ معقبا على هذا البيت ـ : فألحق نون التوكيد اسم الفاعل ؛ تشبيها له بالفعل المضارع ، فهذا استحسان ، لا عن قوة علة ، ولا عن استمرار عادة ، ألا تراك لا تقول : «أقائمن يا زيدون» ، «ولا أمنطلقن يا رجال» ؛ إنما تقوله بحيث سمعته وتعتذر له ، وتنسبه إلى أنه استحسان منهم ، على ضعف منه واحتمال بالشبهة له. ينظر : الخصائص (١ / ١٣٧).

(٥) الأملود : الناعم. ينظر : مقاييس اللغة (ملد).

(٦) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح التصريح ١ / ٤٢ ، والمقاصد النحوية ١ / ١١٨ ، ٣ / ٦٤٨ ، ٤ / ٣٣٤ ، ولرجل من هذيل فى حاشية ياسين ١ / ٤٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥ ، والدرر ٥ / ١٧٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٥٨ ، ولرؤبة أو لرجل من هذيل فى خزانة الأدب ١١ / ٤٢٠ ، ٤٢٢ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٢٤٢ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٤ ، والجنى الدانى ص ١٤١ ، والخصائص ١ / ١٣٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٦ ، والمحتسب ١ / ١٩٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٧٩.

٥٧

فأكد بالنون اسم الفاعل لشبهه بالفعل المضارع.

(ص)

وآخر الفعل افتحن مؤكّدا

معتلّا او ذا صحّة كـ (اعتضدا)

واشكله قبل مضمر لين بما

جانس من تحرّك قد علما

والمضمر احذفنّه غير الألف

وإن يكن فى آخر الفعل ألف

فاجعله منه رافعا غير اليا

والواو ياء كـ (اسعينّ سعيا)

واحذفه من رافع هاتين وفى

واو ويا شكل مجانس قفى

نحو (اخشين يا هند) بالكسر و (يا

قوم اخشون) واضمم وقس مسوّيا

وقدّر اعراب الّذى أكّد إن

يصلح لنون الرّفع نحو (ترين)

وللبنا انسب غير صالح لها

ك (لا تكونن واثقا بمن لها)

ولم تقع خفيفة بعد الألف

لكن شديدة وكسرها ألف

وألفا ردّ قبلها مؤكّدا

فعلا إلى نون الإناث أسندا

وكسع كوفى ويونس الألف

بالنّون ذات خفّة حكم عرف

واحذف خفيفة لساكن ردف

وبعد غير فتحة إذا تقف

واردد إذا حذفتها فى الوقف ما

من أجلها فى الوصل كان عدما

وأبدلنها بعد فتح ألفا

وقفا كما تقول فى (قفن) : (قفا)

(ش) لما فرغت من بيان الجائز التوكيد واللازمه والممتنعه ، أخذت فى بيان ما ينشأ عنه من التغيير :

فذكرت أن آخر المؤكد يفتح : صحيحا كان كـ «اعتضدنّ» ، أو معتلا كـ «اخشينّ» و «ارمينّ» و «اغزونّ».

وهل بنى أولا على السكون ثم حرك بالفتح لالتقاء الساكنين ، أو بنى أولا على الفتح لأنه ثبت له الإعراب قبل البناء؟ فيه قولان للنحويين.

ثم نبهت على أن آخر المؤكد قبل مضمر لين يحرك بما يجانسه ، أى : يفتح قبل الألف ، ويكسر قبل الياء ، ويضم قبل الواو.

ثم نبهت على حذف الياء والواو ، وثبوت الألف بقولى :

والمضمر احذفنّه غير الألف

 .......

فيقال : «لا تضربانّ» و «لا تضربنّ» و «لا تضربنّ».

٥٨

ثم نبهت بقولى :

وإن يكن فى آخر الفعل ألف

 .......

على أن نحو : «يسعى» إذا لم يسند إلى ياء الضمير ، ولا واوه تقلب ألفه ياء ؛ نحو : «لا تسعينّ» و «لا تسعيانّ».

ثم نبهت على أن الألف تحذف إذا وليها ياء الضمير أو واوه ، وأن الياء والواو حينئذ تحركان بالمجانس ، أى : بكسر الياء ، وضم الواو ؛ نحو : «هل تخشينّ يا هند» و «هل تخشون يا قوم».

ثم نبهت على أن الفعل المؤكد بالنون إن كان مضارعا ، واتصل به ألف اثنين ، أو واو جمع ، أو ياء مخاطبة ، فهو معرب تقديرا ، وإن لم يتصل به أحد الثلاثة فهو مبنى.

إنما كان الأمر كذلك ؛ لأن المؤكد بالنون إما أن يكون بناؤه لتركيبه معها ، وتنزله منها منزلة الصدر من العجز ، وإما أن يكون من أجل أن النون من خصائص الفعل ، فضعف بلحاقها شبه الاسم ؛ إذ لا قائل بغير هذين القولين.

والثانى باطل ؛ لأنه مرتب على كون النون من خصائص الفعل ، ولو كان ذلك مقتضيا للبناء لبنى المجزوم والمقرون بحرف التنفيس ، والمسند إلى ياء المخاطبة ؛ لأنهن مساوية للمؤكد فى الاتصال بما يخص الفعل ، بل ضعف شبه هذه الثلاثة أشد من ضعف شبه المؤكد بالنون ؛ لأن النون وإن لم يلق لفظها بالاسم فمعناها لائق ؛ بخلاف «لم» وحرف التنفيس ، وياء المخاطبة ؛ فإنها غير لائقة بالاسم لفظا ومعنى.

فلو كان موجب بناء المؤكد بالنون ، كونها مختصة بالفعل لكان ما اتصل به أحد الثلاثة مبنيا ؛ لأنها أمكن فى الاختصاص ،

وفى عدم بناء ما اتصلت به دلالة على أن موجب البناء التركيب إذ لا ثالث لهما.

وإذا ثبت أن موجب البناء هو التركيب ، لم يكن فيه لما اتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة نصيب ؛ لأن ثلاثة أشياء لا تركب.

وإذا ثبت هذا علم أن أصل قولك : «هل تفعلانّ» و «هل تفعلنّ» و «هل تفعلنّ» : «هل تفعلاننّ» ، و «هل تفعلوننّ» ، و «هل تفعليننّ» ؛ فاستثقل توالى الأمثال ، فحذفت نون الرفع تخفيفا ، واكتفى بتقديرها ، وأوثرت الألف بالثبوت لخفتها ، وكسرت نون التوكيد بعدها لشبهها بنون التثنية فى زيادتها آخرا بعد الألف ، واستثقلت الواو والياء فحذفتا ، واكتفى بدلالة الضمة والكسرة عليهما.

٥٩

فإن كان آخر الفعل ألفا كـ «يخشى» و «يسعى» حذفت الألف وحركت ياء المؤنثة وواو الجمع بما يجانسهما ؛ نحو : «هل تخشينّ يا هند» ، و «هل تسعونّ يا قوم» ، ولو كانت النون خفيفة لقلت : «هل تخشين يا هند» ، «هل تسعون يا قوم».

ولو كان المسند إليه ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة ؛ هذا مذهب سيبويه (١) ، وغيره من البصريين ، إلا يونس فإنه يجيز أن يؤتى بعد الألف بالنون الخفيفة مكسورة ؛ ويعضد قوله قراءة بعض القراء : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً)(٢) [الفرقان : ٣٦] ؛ حكاها ابن جنى (٣).

ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان (٤) : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [يونس : ٨٩].

__________________

(١) قال سيبويه : وأما يونس وناس من النحويين فيقولون : «اضربان زيدا» ، و «اضربنان زيدا» ، فهذا لم تقله العرب ، وليس له نظير فى كلامها. لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. ينظر : الكتاب (٣ / ٥٢٧).

(٢) العامة على قراءة «فدمّرناهم» فعلا ماضيا معطوفا على محذوف ، أى : فذهبا فكذبوهما «فدمّرناهم تدميرا» أهلكناهم إهلاكا. وقرأ علىّ. كرم الله وجهه. «فدمّراهم» أمر لموسى وهارون ، وعنه أيضا : «فدمّرنّاهم» كذلك أيضا ، ولكنه مؤكد بالنون الشديدة ، وعنه أيضا : «فدمّرا بهم» بزيادة باء الجر بعد فعل الأمر ، وهى تشبه القراءة قبلها فى الخط ، ونقل عنه الزمخشرى : «فدمّرتهم» بتاء المتكلم. فإن قيل : الفاء للتعقيب والإهلاك لم يحصل عقيب بعث موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة.

فالجواب : فاء التعقيب محمولة هنا على الحكم بالإهلاك لا على الوقوع. وقيل : إنه تعالى أراد اختصار القصة ؛ فذكر المقصود منها أولها وآخرها ، والمراد : إلزام الحجة ببعثة الرسل ، واستحقاق التدمير بتكذيبهم.

واعلم أن قوله : «كذّبوا بآياتنا» إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب الآيات الإلهية فلا إشكال ، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة ، فاللفظ وإن كان للماضى ، فالمراد به المستقبل.

ينظر : اللباب (١٤ / ٥٣١).

(٣) قال أبو الفتح : «ألحق نون التوكيد ألف التثنية ؛ كما تقول : اضربان زيدا ، ولا تقتلان جعفرا».

(٤) قوله : (وَلا تَتَّبِعانِّ) قرأ العامة بتشديد التاء والنون ، وقرأ حفص بتخفيف النون مكسورة مع تشديد التاء وتخفيفها ، وللفراء فى ذلك كلام مضطرب بالنسبة للنقل عنه : فأما قراءة العامة فـ «لا» فيها للنهى ؛ ولذلك أكد الفعل بعدها ، ويضعف أن تكون نافية ؛ لأن تأكيد المنفى ضعيف ، ولا ضرورة بنا إلى ادعائه ، وإن كان بعضهم قد ادعى ذلك فى قوله : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنفال : ٢٥] لضرورة دعت إلى ذلك هناك ، وقد تقدم تحريره ودليله فى موضعه ، وعلى الصحيح تكون هذه الجملة جملة نهى معطوفة على جملة أمر ، وأما قراءة حفص فتحتمل أن تكون للنفى ، وأن تكون للنهى ، فإن كانت للنفى كانت النون نون رفع ، والجملة حينئذ فيها أوجه : ـ

٦٠