شرح الكافية الشّافية - ج ٢

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٦٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

وإلى هذا أشرت بقولى :

 ........

ونصبه بنقل عمرو قد عرف

وقرأ بالرفع : عاصم وابن عامر.

وبالجزم : نافع وابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائى.

وروى بالأوجه الثلاثة «ونأخذ» من قول الشاعر : [من الوافر]

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع النّاس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب (١) عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام (٢)

وجاز النصب بعد الفاء والواو إثر الجزاء ؛ لأن مضمونه لم يتحقق (٣) وقوعه ؛ فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام.

وأنشد الفراء فى كتاب «المعانى» : [من الطويل]

فإن يهلك النّعمان تعر مطيّه (٤)

ويخبأ فى جوف العياب (٥) قطوعها (٦)

وتنحط (٧) حصان آخر اللّيل نحطة

تقضّب منها أو تكاد ضلوعها (٨)

فنصب «يخبأ» وجزم «تنحط».

وإليه أشرت بقولى :

وبعد نصب جزم معطوف على

جزاء اقبل مثل ما قد قبلا

قال سيبويه (٩) : «وسألت الخليل عن قوله : «إن تأتنى فتحدّثنى (١٠) أحدّثك» ، و «إن تأتنى وتحدّثنى [أحدّثك»](١١) فقال : هذا يجوز والجزم الوجه».

__________________

(١) الذّناب : عقب كل شىء. ينظر : المقاييس (ذنب).

(٢) تقدم تخريج هذين البيتين.

(٣) فى أ : لا يتحقق.

(٤) فى أ : حظية.

(٥) العياب : زبيل من أدم : أى وعاء من أدم. ينظر : القاموس (عيب).

(٦) القطوع : جمع (قطع) ، والقطع : الطّنفسة تكون تحت الرحل على كتفى البعير. ينظر : اللسان (قطع).

(٧) النحط : تردد البكاء فى الصدر من غير أن يظهر. ينظر : القاموس (نحط).

(٨) البيتان للنابغة الذيبانى فى ديوانه ص ١٠٧ ، وكتاب العين ٣ / ١٧٢ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (نحط) ، والمخصص ٢ / ١٤١ ، وكتاب الجيم ٣ / ٩٧ ، وتهذيب اللغة ٤ / ٣٩٠.

(٩) ينظر : الكتاب (٣ / ٨٨).

(١٠) فى أ : وتحدثنى.

(١١) سقط فى أ.

١٦١

وإلى هذا ونحوه أشرت بقولى :

وجزم او نصب لفعل يلفى

قبل الجزاء إثر واو أو فا

ولا يستشهد على هذه المسألة بما أنشده سيبويه (١) من قول الشاعر : [من الطويل]

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة

فيثبتها فى مستوى الأرض يزلق (٢)

لأن الفعل المتقدم على الفاء منفى ، وجواب النفى ينصب فى مجازاة وغيرها.

وإنما يستشهد بقول الشاعر : [من الطويل]

ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما (٣)

ثم نبهت على أن الفعل الواقع بعد «ثمّ» عند الكوفيين كالواقع بعد الواو والفاء فى جواز نصبه ؛ ومنه قراءة الحسن (٤) : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَ

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٨٩).

(٢) البيت لابن زهير فى شرح أبيات سيبويه ٢ / ١١٣ ، ولكعب بن زهير فى الكتاب ٣ / ٨٩ ، ولم أقع عليه فى ديوانه. وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ٢٥٠ ، وبلا نسبة فى شرح عمدة الحافظ ص ٣٦٠ ، والمقتضب ٢ / ٢٣ ، ٦٧.

(٣) هضما : ظلما وضياعا. ينظر : اللسان (هضم)

والبيت بلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٢١٤ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٤٠١ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٥٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٦٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٤.

(٤) الجمهور على جزم «يدركه» عطفا على الشرط قبله ، وجوابه «فقد وقع» ، وقرأ الحسن البصرى بالنصب. قال ابن جنى : «وهذا ليس بالسهل ، وإنما بابه الشعر لا القرآن ، وأنشد :

سأترك منزلى لبنى تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

والآية أقوى من هذا ؛ لتقدّم الشرط قبل المعطوف» ، يعنى أن النصب بإضمار «أن» إنما يقع بعد الواو والفاء فى جواب الأشياء الثمانية أو عاطف ، على تفصيل موضوعه كتب النحو ، والنصب بإضمار «أن» فى غير تلك المواضع ضرورة كالبيت المتقدم ، وكقول الآخر :

 ..........

ويأوى إليها المستجير فيعصما

وتبع الزمخشرى أبا الفتح فى ذلك ، وأنشد البيت الأول. وهذه المسألة جوّزها الكوفيون لمدرك آخر وهو أن الفعل الواقع بين الشرط والجزاء يجوز فيه الرفع والنصب والجزم إذا وقع بعد الواو والفاء ؛ واستدلّوا بقول الشاعر :

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة

فيثبتها فى مستوى القاع يزلق

وقول الآخر : ـ

١٦٢

يُدْرِكْهُ) [النساء : ١٠٠] ـ بالنصب ـ.

وإن خلا الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء من الفاء والواو جزم ، وجعل بدلا من الشرط ، أو رفع ، وكان فى موضع نصب على الحال :

فمثال المجزوم المجعول بدلا قول الشاعر : [من الطويل]

متى تأتنا تلمم بنا فى ديارنا

تجد حطبا جزلا (١) ونارا تأجّجا (٢)

__________________

ـ

ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما

وإذا ثبت ذلك فى الواو والفاء فليجز فى «ثم» لأنها حرف عطف.

وقرأ النخعى وطلحة بن مصرف برفع الكاف ، وخرّجها ابن جنى على إضمار مبتدأ ، أى : «ثم هو يدركه الموت» ، فعطف جملة اسمية على فعلية ، وهى جملة الشرط : الفعل المجزوم وفاعله ، وعلى ذلك حمل يونس قول الأعشى :

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا

أو تنزلون فإنّا معشر نزل

أى : وأنتم تنزلون ، ومثله :

إن تذنبوا ثمّ تأتينى بقيّتكم

فما علىّ بذنب عندكم حوب

أى : ثم أنتم تأتينى. قلت : يريد أنه لا يحمل على إهمال الجازم فيرفع الفعل بعده ؛ كما رفع فى :

ألم يأتيك ........

 ..........

فلم يحذف الياء ، وهذا البيت أنشده النحويون على أن علامة الجزم حذف الحركة المقدرة فى حرف العلة ، وضمّوا الفعل بعده ؛ كما رفع فى «ألم يأتيك» فلم يحذف الياء ، وهذا البيت أنشده النحوين على أن علامة الجزم حذف الحركة المقدرة فى حرف العلة ، وضموا إليه أبياتا أخر ، أمّا أنهم يزعمون أنّ حرف الجزم يهمل ويستدلون بهذا البيت فلا. ومنهم من خرّجها على وجه آخر ، وهو أنه أراد الوقف على الكلمة فنقل حركة هاء الضمير إلى الكاف الساكنة للجزم ؛ كقول الآخر :

عجبت والدّهر كثير عجبه

من عنزىّ سبّنى لم أضربه

يريد «لم أضربه» بسكون الباء للجازم ، ثم نقل إليها حركة الهاء فصار اللفظ «ثم يدركه» ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فالتقى ساكنان ؛ فاحتاج إلى تحريك الأول وهو الهاء ، فحرّكها بالضم ؛ لأنه الأصل وللإتباع أيضا ، وهذه الأوجه تشحذ الذّهن وتنقّحه. ينظر الدر المصون (٢ / ٤٢٠ ، ٤٢١).

(١) الجزل : الحطب اليابس ، أو الغليظ العظيم منه. ينظر : القاموس (جزل).

(٢) البيت لعبد الله بن الحر فى خزانة الأدب ٩ / ٩٠ ـ ٩٩ ، والدرر ٦ / ٦٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٦ ، وسر صناعة الإعراب ص ٦٧٨ ، وشرح المفصل ٧ / ٥٣ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٥٨٣ ، ورصف المبانى ص ٣٢ ، ٣٣٥ ، وشرح الأشمونى ص ٤٤٠ ، وشرح قطر الندى ص ٩٠ ، وشرح المفصل ١٠ / ٢٠ ، والكتاب ٣ / ٨٦ ، ولسان العرب (نور) ، والمقتضب ـ ـ ٢ / ٦٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٨.

١٦٣

ومثال المرفوع المقدر فى موضع الحال قول الآخر : [من الطويل]

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد (١)

والاستغناء عن جواب الشرط للعلم به كثير ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) [يس : ١٩] وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) [الأنعام : ٣٥].

والاستغناء عن الشرط ـ وحده ـ أقل من الاستغناء عن الجواب ؛ ومنه قول الشاعر : [من الوافر]

فطلّقها فلست لها بكفء

وإلا يعل مفرقك الحسام (٢)

أراد : إلا تطلقها يعل مفرقك الحسام.

ومنه قول الآخر : [من الطويل]

متى تؤخذوا قسرا (٣) بظنّة عامر

ولا ينج إلا فى الصّفاد يزيد (٤)

أراد : متى تثقفوا تؤخذوا.

ومثال حذف الشرط والجزاء معا قول الراجز : [من الرجز]

قالت بنات العمّ : يا سلمى وإن

__________________

(١) البيت للأعشى فى ديوانه ص ٥١ ، وإصلاح المنطق ص ١٩٨ ، والأغانى ٢ / ١٦٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ٧٤ ، ٧ / ١٥٦ ، ٩ / ٩٢ ـ ٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٥ ، والكتاب ٣ / ٨٦ ، ولسان العرب (عشا) ، ومجالس ثعلب ص ٤٦٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٩ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٨٧١ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢١٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٧٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٣ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٦ ، ٤ / ١٤٨ ، ٧ / ٤٥ ، ٥٣ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٨٨ ، والمقتضب ٢ / ٦٥.

(٢) الحسام : السيف. ينظر : اللسان (حسم).

البيت للأحوص فى ديوانه ص ١٩٠ ، والأغانى ١٥ / ٢٣٤ ، والدرر ٥ / ٨٧ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٦٧ ، ٩٣٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٥ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٧٢ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢١٥ ، ورصف المبانى ص ١٠٦ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩١ ، وشرح شذور الذهب ١٥ / ٤٦٩ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤٧ ، والمقرب ١ / ٢٧٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٢.

(٣) قسرا : قهرا. ينظر : الوسيط (قسر).

(٤) البيت بلا نسبة فى الدرر ٥ / ٩٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٣.

١٦٤

كان فقيرا معدما قالت : وإن (١)

أى : قالت : وإن كان فقيرا معدما هويته ورضيته.

وقال السيرافى : «يقول القائل : «لا آتى الأمير لأنّه جائر» ؛ فيقال : «ايته وإن» ، يراد بذلك : وإن كان جائرا فأته».

وهذا ـ أعنى حذف الجزأين معا ـ لا يجوز مع غير «إن» ، وهو مما يدل على أصالتها فى باب المجازاة.

وما تقدم على أداة الشرط مما هو فى معنى الجواب ، فهو دليل الجواب عند أكثر النحويين ، والجواب محذوف.

ومذهب أبى زيد أن الذى تقدم هو الجواب نفسه ؛ ولذلك جاء مقرونا بالفاء فى قول الشاعر : [من الطويل]

فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت

فطعنة لا نكس ولا بمغمّر (٢)

وقد يغنى عن جواب الشرط خبر ذى خبر مقدم على أداة الشرط ، أو خبر مبتدأ مقدر بعد الشرط :

فالأول كقول الله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) [البقرة : ٧٠].

وكقول الشاعر : [من الطويل]

وإنّى متى أشرف من الجانب الذى

به أنت من بين الجوانب ناظر (٣)

وكقول الآخر : [من البسيط]

هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (٤)

__________________

(١) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٨٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٤ ، ١٦ ، ١١ / ٢١٦ ، والدرر ٥ / ٨٨ ، وشرح التصريح ١ / ٣٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٣٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٠٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ١٨ ، والدرر ٥ / ١٨١ ، ورصف المبانى ص ١٠٦ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩٢ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٠ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٢ ، ٨٠.

(٢) البيت لزهير بن مسعود فى لسان العرب (غسس) ، ونوادر أبى زيد ص ٧٠ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٦٢٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٣ ، والخصائص ٢ / ٣٨٨.

(٣) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١٠١٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٤٨ ، ٥١ ، ٥٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٢ ، والكتاب ٣ / ٦٨ ، وبلا نسبة فى المقتضب ٢ / ٧١.

(٤) البيت بلا نسبة فى خزانة الأدب ٢ / ٣ ، ٥ / ٢٢٦ ، ٩ / ٤٨ ، ٦١ ، ٥٤٧ ، والدرر ٤ / ١٧١ ، ـ

١٦٥

والثانى مثل قول الشاعر : [من الطويل]

بنى ثعل لا تنكعوا العنز شربها

بنى ثعل من ينكع (١) العنز ظالم (٢)

أى : فهو ظالم.

(ص)

وأوّل الشّرطين دون عطف

جوابه مغن بغير خلف

ومع عطف الجواب لهما

ك (إن تؤمّا وتلمّا تكرما)

[واحكم لدى اجتماع شرط وقسم

بكون مطلوب الأخير ذا عدم

وإن تواليا وقبل مبتدا

فالشّرط رجّح ـ مطلقا ـ فتعضدا

وربّما رجّح بعد قسم

شرط بلا مبتدأ مقدّم

ونيّة الفا بعد شرط مع قسم

تعطيه فى رأى جوابا يلتزم](٣)

وفى الجواب مثل : (إن أإن) ففى

(أإن تقم أقم) بجزم تكتفى

ويونس التّقديم ينوى فرفع

وعند سيبويه ذلك امتنع

والشرط مع حذف الجواب ماض او

معمول (لم) ، فى النّثر غير ذا أبوا

(ش) إذا توالى شرطان دون عطف ، فالثانى مقيد للأول كتقييده بحال واقعة موقعه ، والجواب المذكور أو المدلول عليه للأول ، والثانى مستغنى عن جوابه ؛ لقيامه مقام ما لا جواب له وهو الحال.

مثال ذلك قول الشاعر : [من البسيط]

إن تستغيثوا بنا ، إن تذعروا تجدوا

منّا معاقل عزّ زانها كرم (٤)

فهذا بمنزلة أن تقول : إن تستغيثوا بنا مذعورين تجدوا منا معاقل عز زانها كرم.

__________________

ـ ورصف المبانى ص ٢٤٧ ، ٣١٥ ، وشرح التصريح ١ / ٣٢٦ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٨٧ ، والكتاب ٣ / ٦٧ ، ولسان العرب (سرق) ، والمقرب ١ / ١١٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٣.

(١) النكع : الحبس. ينظر : المقاييس (نكع).

(٢) البيت للأسدى (دون تحديد) فى الكتاب ٣ / ٦٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٤٨ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٨٨ ، ولسان العرب (نكع) ، والمحتسب ١ / ١٢٢ ، ١٩٣.

(٣) ما بين المعكوفين سقط فى «أ».

(٤) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٧ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٥٨ ، والدرر ٥ / ٩٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٤ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦١٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٥٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٣.

١٦٦

فالشرط الأول هو صاحب الجواب.

والثانى يفيد ما يفيده الحال من التقييد.

ومن هذا النوع قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] ؛ فـ (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) دليل الجواب المحذوف ، وصاحب الجواب أول الشرطين ، والثانى مقيد له مستغن عن جواب والتقدير : إن أردت أن أنصح لكم مرادا غيكم لا ينفعكم نصحى.

فإن توالى شرطان بعطف ، فالجواب لهما معا كقولى :

 ........

 ... «إن تؤمّا وتلمّا تكرما»

ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) [محمد : ٣٦ ـ ٣٧].

وإذا اجتمع شرط وقسم استغنى بجواب ما سبق منهما عن جواب الآخر :

فتقديم القسم كقولك : «والله إن أتيتنى لأكرمنّك».

وتقديم الشرط نحو : «إن تأتنى ـ والله ـ أكرمك».

ويغنى عن لفظ القسم المقدم لام تقارن أداة الشرط لفظا نحو : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [هود : ٧].

أو تقديرا نحو : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣].

قال سيبويه (١) : «ولا بد من هذه اللام مظهرة أو مضمرة».

فإن توالى القسم والشرط بعد مبتدأ استغنى بجواب الشرط مطلقا نحو : «زيد ـ والله ـ إن تقم يقم» و «زيد إن تقم ـ والله ـ يقم».

وقد يستغنى عند عدم المبتدأ بجواب شرط مؤخر عن جواب قسم مقدم ؛ كقول الشاعر : [من الطويل]

لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم فى نهار القيظ للشّمس باديا (٢)

وقول الأعشى : [من البسيط]

لئن منيت بنا عن غبّ معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل (٣)

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٣ / ٦٦).

(٢) تقدم تخريج هذا البيت.

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

١٦٧

وقال ابن السراج : «وتقول : «إن تقم ـ يعلم الله ـ أزرك» تعترض باليمين فيكون بمنزلة ما لم يذكر ، وإن جعلت الجواب للقسم أتيت باللام فقلت : «إن تقم ـ يعلم الله ـ لأزورنّك» وتضمر الفاء ؛ وكذلك : «إن تقم ـ يعلم الله ـ لآتينّك» ، تريد : فيعلم الله لأزورنك ، وفيعلم الله لآتينك».

وإلى هذا ونحوه أشرت بقولى :

ونيّة الفا بعد شرط مع قسم

تعطيه فى رأى جوابا يلتزم

وإذا تقدم على الشرط استفهام نحو : «أإن تقم أقم» :

فسيبويه (١) يجعل الاعتماد على الشرط كأن الاستفهام لم يكن.

ويونس يجعل الاعتماد على الاستفهام ناويا تقديم الفعل الثانى.

وإلى هذا أشرت بقولى :

ويونس التّقديم ينوى فرفع

وعند سيبويه ذلك امتنع

ومن حجة سيبويه قوله ـ تعالى ـ : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤].

وكل موضع استغنى فيه عن جواب الشرط ، فلا يكون فعل الشرط فيه إلا ماضى اللفظ ، أو مضارعا مجزوما بـ «لم» كقوله ـ تعالى ـ : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [مريم : ٤٦].

ولا يكون فعل الشرط مضارعا غير مجزوم بـ «لم» عند حذف الجواب إلا فى ضرورة كقول الشاعر : [من الكامل]

يثنى عليك ، وأنت أهل ثنائه

ولديك إن هو يستزدك مزيد (٢)

وكقوله : [من الطويل]

لئن يك قد ضاقت عليكم بيوتكم

ليعلم ربّى أنّ بيتى واسع (٣)

(ص)

ووصل (إذ) و (حيث) فى الشّرط بـ (ما)

حتم ، ومع غيرهما لن يحتما

__________________

(١) ينظر : الكتاب : (٣ / ٨٢).

(٢) البيت لعبد الله بن عنمة فى خزانة الأدب ٩ / ٤١ ، ٤٢ ، والدرر ٥ / ٧٥ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٠٤١ ، وبلا نسبة فى الخصائص ١ / ١١٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٩٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٩.

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

١٦٨

وامنعه مع (أنّى) و (من) و (مهما)

والأصل (ما ما) أو (مه) أو ليت (ما)

وأول (ما) (أيّا) أو المجرور به

ك (أى ذين ما ونى فقد جبه)

ونوّن (ايّا) قبل (ما) إذا حذف

مجرورها كما فى الاسرا قد عرف

وعند سيبويه (إذ ما) حرف

وهى عند ابن يزيد ظرف

واسم سواها غير (أن) وانسب إلى

ظرفيّة ما بعد (أى) وخلا

ما قبلها منها و (أى) بحسب

مصحوبها تعزى لما له انتسب

وقد أتت (مهما) و (ما) ظرفين فى

شواهد من يعتضد بها كفى

(ش) لا يجزم بـ «إذ» و «حيث» إلا مقرونتين بـ «ما» ؛ لأنهما إذا تجردتا لزمتهما الإضافة إلى ما يليهما ، والإضافة من خصائص الأسماء ، فكانت منافية للجزم ، فلما قصد جعل هاتين الكلمتين جازمتين ركبتا مع «ما» لتكفهما عن الإضافة ، وتهيئهما لما لم يكن لهما من معنى وعمل ، فصارت «ما» ملازمة لهما ما دامت المجازاة مقصودة بهما.

وزيادتها مع «من» و «أنّى» و «مهما» ممنوعة.

ومع «إن» و «أى» و «أيّان» و «أين» و «متى» جائزة.

وأصل «مهما» : «ما ما» الأولى شرطية ، والثانية زائدة ، فثقل اجتماعهما ، فأبدلت ألف الأولى هاء ؛ هذا قول البصريين.

ومذهب الكوفيين أن أصلها : «مه» بمعنى اكفف ، زيدت عليها «ما» فحدث بالتركيب معنى لم يكن.

وإذا زيدت «ما» مع «أى» والمضاف إليه مذكور ، فالأجود أن تتوسط بينهما كقوله ـ تعالى ـ : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) [القصص : ٢٨].

ويجوز أن يجاء بها بعد المضاف إليه كقول الشاعر : [من الطويل]

فأيّهما ما أتبعنّ فإنّنى

حريص على إثر الذى أنا تابع

ومثله قراءة ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ (١) : أى الأجلين ما قضيت فلا عدوان على [القصص : ٢٨].

__________________

(١) وقرأ الحسن وأبو عمرو فى رواية «أيما» بتخفيف الياء ؛ كقوله :

تنظّرت نسرا والسّماكين أيهما

علّى من الغيث استهلّت مواطره

 ـ

١٦٩

فإن حذف ما تضاف إليه نونت ووليت «ما» كقوله ـ تعالى ـ : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ) [الإسراء : ١١٠].

ومذهب سيبويه (١) : أن «إذ» ركبت مع «ما» ففارقتها الاسمية صارت حرف شرط مثل «إن».

ومذهب المبرد (٢) وابن السراج (٣) وأبى على ومن تابعهم : أن اسميتها باقية مع التركيب ، وأن مدلولها من الزمان صار مستقبلا بعد أن كان ماضيا.

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ؛ لأنها قبل التركيب حكم باسميتها لدلالتها على وقت ماض دون شىء آخر يدعى أنها دالة عليه ، ولمساواتها بعض الأسماء فى قبول بعض علامات الاسمية ؛ كالتنوين والإضافة إليها.

والوقوع موقع مفعول فيه نحو : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤].

وموقع مفعول به نحو : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) [الأعراف : ٦٩].

__________________

ـ قال الزمخشرى : فإن قلت : ما الفرق بين موقع زيادة «ما» فى القراءتين؟ قلت : وقعت فى المستفيضة مؤكدة لإبهام «أى» زيادة فى شياعها ، وفى الشاذة تأكيدا للقضاء كأنّه قال : أى الأجلين صمّمت على قضائه ، وجرّدت عزيمتى له.

وقرأ أبو حيوة وابن قطيب «عدوان». قال الزمخشرى : فإن قلت : تصوّر العدوان إنما هو فى أحد الأجلين الذى هو أقصرهما ، وهو المطالبة بتتمة العشر ، فما معنى تعلق العدوان بهما جميعا؟ قلت : معناه : كما أنى إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدوانا لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثمانى ، أراد بذلك تقرير أمر الخيار ، وأنه ثابت مستقر ، وأنّ الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا ، ويكون اختيار الأقل والزائد موكولا إلى رأيه من غير أن يكون لأحدهما عليه إجبار. ثم قال : وقيل : معناه فلا أكون متعدّيا ، وهو فى نفى العدوان عن نفسه كقولك : لا إثم علىّ ولا تبعة.

قال أبو حيان : وجوابه الأول فيه تكثير. قال شهاب الدين : كأنه أعجبه الثانى. والثانى لم يرتضه الزمخشرى ؛ لأنه ليس جوابا فى الحقيقة ؛ فإن السؤال باق أيضا ؛ ولذلك نقله عن غيره ، وقال المبرد : وقد علم أنه لا عدوان عليه فى أيهما ، ولكن جمعهما ليجعل الأول كالأتمّ فى الوفاء. ينظر : اللباب (٥ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦).

(١) قال سيبويه : ولا يكون الجزاء فى «حيث» ولا فى «إذ» حتى يضم إلى كل واحد منهما «ما» ؛ فتصير «إذ» مع «ما» بمنزلة إنما وكأنما. ينظر : الكتاب (٣ / ٥٦ ، ٥٧).

(٢) ينظر : المقتضب (٢ / ٤٧).

(٣) ينظر : الأصول فى النحو : (٢ / ١٥٩) وما بعدها.

١٧٠

وأما بعد التركيب فمدلولها المجمع عليه : معنى المجازاة ، وهو من معانى الحروف ـ ومن ادعى أن لها مدلولا آخر زائدا على ذلك فلا حجة له ـ وهى مع ذلك غير قابلة لشىء من العلامات التى كانت قابلة لها قبل التركيب ؛ فوجب انتفاء اسميتها ، وثبوت حرفيتها ؛ كما ذهب إليه سيبويه.

وما سوى «إن» و «إذما» من أدوات الشرط ، فأسماء بإجماع المحققين.

وهى على ثلاثة أضرب :

ضرب لا ظرفية فيه وهو : «من» ، و «ما» و «مهما» ـ فى الأشهر ـ.

وضرب لا يخلو من ظرفية وهو : «أين» و «متى» و «حيثما» و «أنّى».

وضرب يستعمل ظرفا وغير ظرف وهو : «أى» : تكون عارية من الظرفية إذا أضيفت إلى ما لا يدل على زمان ومكان ، وتكون ظرف زمان إذا أضيفت إلى اسم زمان ، وظرف مكان إذا أضيفت إلى مكان نحو : «أيّهم تضرب أضرب» و «أى وقت تقم أقم» و «أى مكان تجلس أجلس».

وإلى هذا كله أشرت بقولى :

 ...... وانسب إلى

ظرفيّة ما بعد «أى» وخلا

ما قبلها منها و «أى» بحسب

مصحوبها تعزى لما له انتسب

أى : تنسب (أى) إلى الأسماء المجردة عن الظرفية إن أضيفت إلى شىء منها ، وإلى أسماء الزمان أو المكان إن أضيفت إلى شىء منها ؛ لأنها بعض ما تضاف إليه.

وإنما قلت : و «ما» و «مهما» فى الأشهر ؛ لأن جميع النحويين يجعلون «ما» و «مهما» مثل «من» فى لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت فى أشعار الفصحاء من العرب ؛ كقول الفرزدق : [من الطويل]

وما تحى لا أرهب وإن كنت جارما

ولو عدّ أعدائى على لهم ذحلا (١)

وكقوله : [من الوافر]

وما تك يا ابن عبد الله فينا

فلا ظلما نخاف ولا افتقارا (٢)

__________________

(١) الذحل : الثأر : أو هو العداوة والحقد.

والبيت فى ديوانه ٢ / ١٢٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨١.

(٢) البيت بلا نسبة فى شواهد المغنى ٢ / ٧١٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٣٠٣.

١٧١

وكقوله : [من الطويل]

فما تحى لا أخش العدوّ ولا أزل

على النّاس أعلو من ذرى المجد مفرعا

وكقول تميم العجلانى : [من الوافر]

ولو كحلت حواجب خيل قيس

بتغلب بعد قيس ما قذينا (١)

فما تسلم لكم أفراس قيس

فلا ترجوا البنات ولا البنينا

وكقول عبد الله بن الزبير الأسدى : [من الطويل]

فما تحى لا نسأم حياة ، وإن تمت

فلا خير فى الدّنيا ولا العيش أجمعا (٢)

وكقول طفيل الغنوى (٣) : [من الكامل]

نبّئت أنّ أبا شتيم يدّعى

مهما يعش يسمع بما لم يسمع

وكقول حاتم الطائى : [من الطويل]

وإنّك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا (٤)

فصل فى (لو)

(ص)

(لو) حرف شرط يقتضى امتناع ما

يلى ، وكون تلو تلو لازما

وفى المضى استعملت وربّما

أصحبها الآتىّ من تكلّما

وجوّز الجزم بها فى الشّعر

ذو حجّة ضعّفهامن يدرى

وهى فى الاختصاص بالفعل كـ (إن)

وباشرت (أنّ) كـ (لو أنّى فطن)

وليس حتما كون فعل خبرا

من بعد (لو أنّ) وممّا أثرا :

(لو أنّ حيّا مدرك الفلاح

أدركه ملاعب الرّماح)

__________________

(١) القذى : ما يقع فى العين. ينظر : اللسان (قذى).

(٢) البيت فى شرح الأشمونى ٣ / ٥٨١ ، وليس فى ديوانه.

(٣) هو طفيل بن عوف بن كعب ، شاعر جاهلى فحل ، من الشجعان ، وهو أوصف العرب للخيل ومن كثرة وصفه لها سمى : «طفيل الخيل» ، عاصر النابغة الجعدى ، وزهير بن أبى سلمى ، وله ديوان شعر.

ينظر : الأعلام (٣ / ٢٢٨) ، الشعر والشعراء (١٧٣) ، خزانة الأدب (٣ / ٦٤٣).

(٤) البيت فى ديوانه ص ١٧٤ ، والجنى الدانى ص ٦١٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٧ ، والدرر ٥ / ٧١ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨١ ، وشرح شواهد المغنى ص ٧٤٤ ، ومغنى اللبيب ص ٣٣١.

١٧٢

وقد يلى اسم (لو) وبعد فعل

مفسّر رافع الاسم قبل

ومغرب من بسوى ذا ينطق

ك (لو بغير الماء حلقى شرق)

وقد يلى مضارع (لو) فيجب

مضيّه معنى كـ (لو يجفو ضرب)

وهى جوابا تقتضى (لم أبن)

أو (بنت) والمثبت باللام قرن

ومع نفيه بـ (ما) قد توجد

ومع الاثبات قليلا تفقد

ولدليل حذفه أجز كما

أجيز فى جواب (إن) إن علما

وفى (فلو فى سالف الدّهر) حذف

جواب (لو) والشّرط ـ أيضا ـ إذ عرف

(ش) «لو» على ضربين : موصولة ، وشرطية :

فالموصولة : التى يصلح فى موضعها «أن» ، وأكثر ما تقع بعد «ودّ» أو ما فى معناها ، وقد تقدم ذكرها مع الموصولات.

والشرطية مرادفة لـ «إن» كالتى فى قوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) [النساء : ٩].

وغير مرادفة لـ «إن» وهى أكثر وقوعا من غيرها ، وعبارة سيبويه عنها أن قال : «وأما «لو» فلما كان سيقع لوقوع غيره» (١) ، يعنى : أنك إذا قلت : «لو قام زيد لقام عمرو» فمقتضاه : أن القيام من عمرو كان متوقعا لحصول قيام من زيد على تقدير حصوله ، وليس فى هذه العبارة تعرض لكون الثانى صالحا للحصول بدون حصول الأول ، أو لا.

والحق فيه أنه صالح لذلك ، وأن الأول محكوم بعدم حصوله ؛ لأنه قد يقال : «لو ترك العبد سؤال ربّه لأعطاه» ؛ فترك السؤال محكوم بعدم حصوله ، والعطاء محكوم بحصوله على كل حال ، والمعنى : أن عطاءه حاصل مع ترك السؤال ، فكيف مع السؤال؟.

ومنه قول عمر ـ رضى الله عنه ـ فى صهيب ـ رضى الله عنه ـ : «نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه».

والعبارة الجيدة فى «لو» أن يقال : «حرف يدل على انتفاء تال يلزم لثبوته ثبوت تاليه» ، وهذا معنى قولى :

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٤ / ٢٢٤).

١٧٣

«لو» حرف شرط يقتضى امتناع ما

يلى وكون تلو تلو لازما

فقيام زيد من قولك : «لو قام زيد لقام عمرو» معلم بانتفائه فيما مضى ، وكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام من عمرو ، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له؟ لا تعرض لذلك ، بل الأكثر كون الثانى والأول غير واقعين. فهذا حاصل قولى :

 ... يقتضى امتناع ما

يلى ، وكون تلو تلو لازما

ثم نبهت على أن أكثر استعمالها فى المضى ، وأن استعمالها فى الاستقبال قليل بقولى :

وفى المضى استعملت ، وربّما

أصحبها الآتى من تكلّما

ومن استعمالها مع الآتى قول الشاعر : [من الطويل]

ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت

على ودونى جندل وصفائح (١)

لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا (٢)

إليها صدى من جانب القبر صائح (٣)

وأجاز الجزم بها فى الشعر قوم منهم الشجرى ، واحتج بقول الشاعر : [من الخفيف]

لو يشأ طار به ذو ميعة (٤)

لاحق الآطال (٥) نهد ذو خصل (٦)

__________________

(١) الصفائح : حجارة عراض. ينظر : القاموس (صفح).

(٢) زقا الصّدى ، يزقو زقوا وزقاءا : صاح. ينظر القاموس (زقو).

(٣) البيتان لتوبة بن الحمير فى الأغانى ١١ / ٢٢٩ ، وأمالى المرتضى ١ / ٤٥٠ ، والحماسة البصرية ٢ / ١٠٨ ، والدرر اللوامع ٥ / ٩٦ ، وسمط اللآلى ص ١٢٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣١١ ، وشرح شواهد المغنى ص ٦٤٤ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٥٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٦١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٥٣ ، ولرؤبة فى همع الهوامع ٢ / ٦٤ ، وليسا فى ديوانه ، وهما بلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٨٦ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠٠ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٩٣.

(٤) الميعة : النشاط ، وأول الشباب. ينظر : المقاييس (ميع).

(٥) الإطل : الخاصرة. ينظر : المقاييس (خطل).

(٦) البيت لعلقمة الفحل فى ديوانه ص ١٣٤ ، ولامرأة من بنى الحارث فى الحماسة البصرية ١ / ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٩٨ ، ٣٠٠ ، والدرر ٥ / ٩٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١١٠٨ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٦٤ ، ولعلقمة أو لامرأة من بنى الحارث فى المقاصد النحوية ٢ / ٥٣٩ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٤ ، وتذكرة النحاة ص ٣٩ ، والجنى الدانى ص ٢٨٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٤ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٤.

١٧٤

وهذا لا حجة فيه ، لأن من العرب من يقول : «جاء يجى» و «شاء يشا» ـ بترك الهمزة ـ ، فيمكن أن يكون قائل هذا البيت من لغته ترك همزة «يشاء» فقال : «يشا» ثم أبدل الألف همزة ؛ كما قيل فى «عالم» و «خاتم» : «عألم» و «خأتم».

وكما فعل ابن ذكوان (١) فى قوله تعالى : (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [سبأ : ١٤] حين قرأ : «منسأته» (٢) ـ بهمزة ساكنة ـ.

__________________

(١) هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشى الفهرى ، أبو عمرو ، من كبار القراء صدوق ، متقدم فى القراءة ، لم يكن فى عصره أقرأ منه ، توفى فى دمشق سنة (٢٤٢ هـ).

ينظر : طبقات القراء (١ / ٤٠٤) ، الأعلام (٤ / ٦٥) ، تقريب التهذيب ت (٣٢٢٠).

(٢) وقرأ ابن ذكوان «منسأته» بهمزة ساكنة ، ونافع وأبو عمرو بألف محضة ، والباقون بهمزة مفتوحة. والمنسأة : اسم آلة من نسأه ـ أى : أخّره ـ كالمكسحة والمكنسة ، من نسأت الغنم ، أى : زجرتها وسقتها ، ومنه : نسأ الله فى أجله أى : أخّره. وفيها الهمزة وهو لغة تميم ، وأنشد :

أمن أجل حبل لا أباك ضربته

بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا

(والألف) وهو لغة الحجاز وأنشد :

إذا دببت على المنساة من كبر

فقد تباعد عنك اللهو والغزل

فأما بالهمزة المفتوحة فهى الأصل ، لأن الاشتقاق يشهد له ، والفتح لأجل بناء مفعلة كمكنسة ، وأما سكونها ففيه وجهان :

أحدهما : أنه أبدل الهمزة ألفا كما أبدلها نافع وأبو عمرو ـ وسيأتى ـ ثم أبدل هذه الألف همزة على لغة من يقول : العألم والخأتم ، وقوله :

 ........

وخندف هامة هذا العألم

ذكره ابن مالك.

قال شهاب الدين وهذا لا أدرى ما حمله عليه كيف نعتقد أنه هرب من شىء ثم يعود إليه ، وأيضا فإنهم نصّوا على أنه إذا أبدل من الألف همزة ، فإن كان لتلك الألف أصل حركت هذه الهمزة بحركة أصل الألف.

وأنشد ابن عصفور على ذلك :

ولّى نعام بنى صفوان زوزأة

 .........

قال : الأصل زوزاة ، وأصل هذا : زوزوة ، فلما أبدل من الألف همزة حركها بحركة الواو ، إذا عرف هذا فكان ينبغى أن تبدل هذه الألف همزة مفتوحة لأنها عن أصل متحرك وهو الهمزة المفتوحة ، فتعود إلى الأول ، وهذا لا يقال.

الثانى : أنه سكن الفتحة تخفيفا ، والفتحة قد سكنت فى مواضع تقدم التنبيه عليها وشواهدها ، ويحسنه هنا أن الهمزة تشبه حروف العلة ، وحرف العلة يستثقل عليه الحركة من حيث الجملة ، وإن كان لا تستثقل الفتحة لخفتها ، وأنشدوا على تسكين همزتها : ـ

١٧٥

والأصل : «منسأة» مفعلة من نسأه ، أى : زجره بالعصا ؛ ولذلك سميت منسأة ؛ فأبدل الهمزة ألفا ، ثم أبدل الألف همزة ساكنة.

فعلى ذلك يحمل قوله :

لو يشأ .......

 ........

وأما قول الشاعر : [من البسيط]

تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت

إحدى نساء بنى ذهل بن شيبانا (١)

فهذا من تسكين ضمة الإعراب تخفيفا كما قرأ أبو عمرو : «ينصركم» و «يشعركم».

وكما قرأ بعض السلف : (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف : ٨٠] ـ بسكون اللام ـ.

__________________

ـ

صريع خمر قام من وكأته

كقومة الشّيخ إلى منسأته

وقد طعن قوم على هذه القراءة ، ونسبوا راويها إلى الغلط ؛ قالوا : لأن قياس تخفيفها إنما هو تسهيلها بين بين ، وبه قرأ ابن عامر وصاحباه ، فظن الراوى أنهم سكنوا. وضعفها أيضا بعضهم بأنه يلزم سكون ما قبل تاء التأنيث ، وما قبلها واجب الفتح إلا الألف.

وأما قراءة الإبدال : فقيل : هى غير قياسية يعنون أنها ليست على قياس تخفيفها ، إلا أن هذا مردود بأنها لغة الحجاز ثابتة فلا يلتفت لمن طعن ، وقد قال أبو عمرو ـ وكفى به ـ : أنا لا أهمزها لأنى لا أعرف لها اشتقاقا ، فإن كانت مما لا يهمز فقد احتطت ، وإن كانت تهمز فقد يجوز لى ترك الهمز فيما يهمز ، وهذا الذى ذكره أبو عمرو أحسن ما يقال فى هذا ونظائره.

وقرئ منسأته بفتح الميم مع تحقيق الهمز ، وإبدالها ألفا ، وحذفها تخفيفا.

وقرئ منساءته بزنة مفعالته كقولهم : ميضأة وميضاءة ؛ وكلها لغات.

وقرأ ابن جبير من ساته فصل «من» ، وجعلها حرف جر وجعل «ساته» مجرورة بها ، والسّاة والسّية هنا العصا ، وأصلها يد القوس العليا والسفلى يقال : ساة القوس مثل شاة وسئتها ، فسمّيت العصا بذلك على وجه الاستعارة ، والمعنى تأكل من طرف عصاه.

ووجه بذلك ـ كما جاء فى التفسير ـ أنه اتّكأ على عصا خضراء من خروب ، والعصا الخضراء متى اتّكئ عليها تصير كالقوس فى الاعوجاج غالبا.

و «سأة» : فعلة ، و «سئة» : فعلة ، نحو قحة وقحة ، والمحذوف لامهما.

وقال ابن جنى : سمى العصا منسأة ؛ لأنها تسوء وهى «فلة» والعين محذوفة.

قال شهاب الدين : وهذا يقتضى أن تكون القراءة بهمزة ساكنة ، والمنقول أن هذه القراءة بألف صريحة ، ولأبى الفتح أن يقول أصلها الهمزة ولكن أبدلت.

ينظر : اللباب (١٦ / ٣٠ ـ ٣٣).

(١) البيت للقيط بن زرارة فى لسان العرب (تيم) ، والعقد الفريد ٦ / ٨٤ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤١١ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٥٨٤ ، ٦٠٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٦٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧١.

١٧٦

ثم بينت أنها فى الاختصاص بالفعل كـ «أن».

ذكرت ما تنفرد به من مباشرة «أنّ» نحو : «لو أنّ زيدا قام لقمت».

وزعم الزمخشرى (١) أن بين «لو» و «أنّ» : «ثبت» ـ مقدر ـ.

وهو خلاف ما ذهب إليه سيبويه ؛ فإن سيبويه شبهها فى مباشرة «أنّ» على سبيل الشذوذ بانتصاب «غدوة» بعد «لدن». فـ «أنّ» الواقعة بعد «لو» فى موضع رفع بالابتداء ، وإن كانت لا تدخل على مبتدأ غيرها.

كما أن «غدوة» بعد «لدن» تنتصب ، وإن كان غيرها بعدها يجب جره ؛ على أنه قد ولى «لو» اسم صريح مرفوع بالابتداء فى قول الشاعر : [من الرمل]

لو بغير الماء حلقى شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصارى (٢)

ولذلك وجه من النظر ؛ وهو أن «لو» لما لم تصحب ـ غالبا ـ إلا فعلا ماضيا وهو لازم البناء لم تكن عاملة ، ولما لم تكن عاملة لم يسلك بها سبيل «إن» فى الاختصاص بالفعل أبدا ، فنبه على ذلك بمباشرتها «أنّ» كثيرا ، وبمباشرة غيرها قليلا.

وقد زعم أبو على أن تقدير :

لو بغير الماء حلقى شرق

 .........

لو شرق بغير الماء حلقى هو شرق ؛ فـ «هو شرق» : جملة اسمية مفسرة للفعل المضمر.

وهذا تكلف لا مزيد عليه ؛ فلا يلتفت إليه.

وقد حمل الزمخشرى ادعاؤه : إضمار «ثبت» بين «لو» و «أنّ» على التزام كون الخبر فعلا ، ومنعه أن يكون اسما ، ولو كان بمعنى فعل نحو : «لو أنّ زيدا حاضر».

__________________

(١) قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) «أنهم صبروا» فى موضع الرفع على الفاعلية ؛ لأن المعنى : ولو ثبت صبرهم. ينظر : الكشاف (٤ / ٣٥٩).

(٢) البيت لعدى بن زيد فى ديوانه ص ٩٣ ، والأغانى ٢ / ٩٤ ، وجمهرة اللغة ص ٧٣١ ، والحيوان ٥ / ١٣٨ ، ٥٩٣ ، وخزانة الأدب ٨ / ٥٠٨ ، ١١ / ١٥ ، ٢٠٣ ، والدرر ٥ / ٩٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٥٨ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٣٥ ، واللامات ص ١٢٨ ، ولسان العرب «عصر» ، (غصص) ، (شرق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة فى الاشتقاق ص ٢٦٩ ، وتذكرة النحاة ص ٤٠ ، والجنى الدانى ص ٢٨٠ ، وجواهر الأدب ص ٢٦٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠١ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٥٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٢٣ ، والكتاب ٣ / ١٢١ ، ومغنى اللبيب ص ١ / ٢٦٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٦٦.

١٧٧

وما منعه شائع ذائع فى كلام العرب ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [لقمان : ٢٧] ، وكقول الراجز : [من الرجز]

لو أنّ حيّا مدرك الفلاح

أدركه ملاعب الرّماح (١)

وكقول الشاعر : [من الطويل]

ولو أنّ حيّا فائت الموت فاته

أخو الحرب فوق القارح العدوان (٢)

وكقول الآخر : [من الطويل]

ولو أنّ ما أبقيت منّى معلّق

بعود ثمام (٣) ما تأوّد (٤) عودها (٥)

وكقول الآخر : [من الطويل]

ولو أنّها عصفورة لحسبتها

مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما (٦)

وقد انفردت «لو» بأن جوابها لا يكون إلا فعلا ماضيا ، أو مضارعا مجزوما بـ «لم».

وقلما يخلو من اللام إن كان مثبتا نحو : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣].

وخلوه من اللام فى الإثبات قليل كقوله ـ تعالى ـ : (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) [الأعراف : ١٥٥] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ

__________________

(١) الرجز للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ٣٣٣ ، وجمهرة اللغة ٥٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٠٤ ، والدرر ٢ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٦٣ ، ولسان العرب (لعب) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦٦ ، ولبنت عامر بن مالك فى الحماسة الشجرية ١ / ٣٢٩ ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ٢٨٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٨.

(٢) البيت لصخر بن عمرو السلمى فى المقاصد النحوية ٤ / ٤٥٩ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٧٣ ، وجمهرة اللغة ص ١٢٣٧ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠٣ ، ولسان العرب (عدا).

(٣) الثمام : نبت. (القاموس ـ ثمم)

(٤) تأود : تعوج. (المقاييس ـ أود)

(٥) البيت لابن الدمينة فى سمط اللآلى ص ١٨١ ، ولم أقع عليه فى ديوانه ، وللراعى النميرى فى الأشباه والنظائر ٥ / ٢٥٩ ، ولم أقع عليه فى ديوانه ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ١١ / ٣٦٩ ، ورصف المبانى ص ٢٩٠ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠٣ ، ولسان العرب (ثمم).

(٦) البيت لجرير فى ديوانه ص ٣٢٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٦٢ ، وله أو للبعيث فى حماسة البحترى ص ٢٦١ ، وللعوام بن شوذب الشيبانى فى العقد الفريد ٥ / ١٩٥ ، ولسان العرب (زنم) ، والمعانى الكبير ص ٩٢٧ ، ومعجم الشعراء ص ٣٠٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦٧ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٧٣ ، وجمهرة اللغة ص ٨٢٨ ، والجنى الدانى ص ٢٨١ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٦٠٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٧٠.

١٧٨

ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) [النساء : ٩].

وإن كان منفيا بـ «لم» امتنعت اللام.

وإن كان منفيا بـ «ما» جاز لحاقها والخلو منها إلا أن الخلو منها أجود ؛ وبذلك نزل القرآن الكريم كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) [البقرة : ٢٥٣].

وهذا كله مفهوم من قولى :

ومع نفيه بـ «ما» قد توجد

ومع الإثبات قليلا تفقد

وأشرت بقولى :

 ... وبعد «لو» قد يكتفى

بالمبتدا عن الجواب

إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٠٣].

ثم بينت أن جواب «لو» قد يستغنى عنه لدليل ، كما استغنى عن جواب «إن» :

فمن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١].

ومنه قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) [آل عمران : ٩١].

وأنشد الأخفش بيتا حذف فيه شرط «لو» وجوابها وهو قول الشاعر : [من الخفيف]

إن يكن طبّك الدّلال فلو فى

سالف الدّهر والسّنين الخوالى (١)

وقال : يريد : فلو كان فى سالف الدهر لكان كذا وكذا.

وإلى هذا أشرت بقولى :

وفى «فلو فى سالف الدّهر» حذف

جواب «لو» والشّرط .......

__________________

(١) البيت لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ص ١١٣ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٣٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٦١ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٧٤ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤٩.

١٧٩

فصل فى لما وأما

(ص)

حرف وجوب لوجوب (لمّا)

أولى فعلا ماضيا كـ (اهتمّا)

وبعد تلوها جواب مثله

ك (الفضل لمّا جاء سرّ أهله)

وقد تجاب بابتداء مع فا

وب (إذا) فجاءة قد يكتفى

ورادفت حينا لدى أبى على

وسيبويه ذو المقال الأوّل

ورادفت (إلا) بإثر قسم

وبعد نفى ذاك ـ أيضا ـ قد نمى

وفسّروا (أمّا) بـ (مهما يك من

شىء) وبالفا تلو تلوها قرن

وتلوها اسم بعد مقرونا بفا

فعل أو اسم يكمل التّألّفا

وإن تلت (إن) لفظ (أمّا) فاجعلا

جواب (أمّا) مغنيا لتعدلا

وحذف ذى الفا مع قول صحّ فى

نثر ، ودون القول فى شعر قفى

(ش) «لمّا» فى كلام العرب على ثلاثة أقسام :

الأول : أن تكون نافية جازمة ، وقد تقدم ذكرها ، وأن الذى يليها من الأفعال مضارع اللفظ ، ماضى المعنى.

والثانى : أن تكون حرفا يدل على وجوب شىء لوجوب غيره ، ولا يليها إلا فعل خالص المضى ، أى : ماض لفظا ومعنى كقوله ـ تعالى ـ : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [الكهف : ٥٩] وهى حرف عند سيبويه (١) ، وظرف بمعنى «حين» عند أبى على.

والصحيح قول سيبويه ؛ لأن المراد أنهم أهلكوا بسبب ظلمهم ؛ لا أنهم أهلكوا حين ظلمهم ، لأن ظلمهم متقدم على إنذارهم ، وإنذارهم متقدم على إهلاكهم.

ولأنها تقابل «لو» ؛ لأن «لو» فى الغالب تدل على امتناع لامتناع و «لمّا» تدل على وجوب لوجوب ؛ ويحقق تقابلهما أنك تقول : «لو قام زيد لقام عمرو ؛ لكنّه لمّا لم يقم زيد لم يقم عمرو».

ويقوى قول أبى على أنها قد جاءت لمجرد الوقت فى قول الراجز : [من الرجز]

__________________

(١) ينظر : الكتاب : ١ / ٩٨.

١٨٠