شرح الكافية الشّافية - ج ٢

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٦٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

يضربها».

وإن كان سبب الإمالة كسرة ظاهرة أو ياء موجودة ، وكان بعد الألف حرف استعلاء متصل أو منفصل بحرف كـ «واثق» أو بحرفين كـ «مواثيق» منع الإمالة ، وغلب سببها ، وكذا إن تقدم حرف الاستعلاء ولم ينكسر نحو : «غالب» فإن انكسر لم يمنع الإمالة نحو «غلاب».

فإن سكن بعد كسرة جاز أن يمنع وألا يمنع نحو : «إصلاح».

وتساوى الراء المفتوحة والمضمومة حرف الاستعلاء فلا يمال «عذار» (١) ولا «عذاران» كما لا يمال «مواثق» ولا «مواثيق» ، ولا يمال «راشد» كما لا يمال «غالب».

وتغلب الراء المكسورة حرف الاستعلاء وما يساويه فى المنع من راء مضمومة ، أو مفتوحة ؛ فيمال نحو قوله ـ تعالى ـ : (بِأَبْصارِهِمْ) [القلم : ٥١] وقوله : (دارُ الْقَرارِ) [غافر : ٣٩] من أجل الراء المكسورة.

وإلى هذا أشرت بقولى :

ومثل ذى استعلاء الرّا إن خلت

من كسرة وهى إذا ما كسرت

غالبة مستعليا ، وما لحق

به ........

ثم بينت أن الإمالة لا تجب إذا وجد سببها دون معارض بل هى عند ذلك مستعملة عند قوم ، غير مستعملة عند قوم.

وإياه أردت بقولى :

وليس حتما أن يمال ذو السّبب

بل هو حكم صحّ عن بعض العرب

ثم بينت أن سبب الإمالة إذا انفصل لا يؤثر ، وأن سبب المنع قد يؤثر منفصلا ؛ فيقال : «أتى أحمد» بالإمالة و «أتى قاسم» بترك الإمالة.

ثم بينت أن الألف المكسور ما بعدها إذا زالت الكسرة بإدغام أو وقف جاز أن تمال ، وألا تمال ؛ لكن الإمالة مع الإدغام العارض أحسن من الإمالة مع الإدغام اللازم.

ثم بينت أن الألف قد تمال طلبا للتناسب كإمالة ثانى الألفين فى نحو : «معرايا» و «رأيت عمادا» ، وكإمالة ألفى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى : ١ ـ ٢] ليشاكل

__________________

(١) العذار : طعام الختان ، ولجام الفرس ، والغلام نبت شعر عذاره (لحيته). القاموس (عذر).

٣٢١

التلفظ بهما التلفظ بما بعدهما.

ثم إن الإمالة لم تطرد فيما لا تمكن له إلا فى ألفى «نا» و «ها» نحو «مرّ بنا» أو «نظر إلينا» ، و «مرّ بها» ، و «نظر إليها» ، و «يريد أن يضربها».

وقد جروا على القياس فى ترك إمالة «ألا» و «أما» و «إلى» و «على» و «لدى».

ومما أميل على غير قياس دون سبب : «أنّى» و «متى» و «بلى» و «يا» و «لا» فى قولهم : «إمّا لا».

ومما أميل على غير قياس «را» وما أشبهها من فواتح السور.

وكذا «الحجّاج» ـ علما ـ و «الباب» و «المال» و «النّاس» فى غير جر.

وسوّى سيبويه بين إمالة «مال» و «ناس» و «باب» وإمالة «عاب» و «ناب» فى الشذوذ.

وذلك قوله فى الباب الذى ترجمته : «هذا باب ما أميل على غير قياس وإنما هو شاذ» : وذلك «الحجّاج» ـ إذا كان اسما لرجل ـ وذلك لأنه كثر فى كلامهم فحملوه على الأكثر ؛ لأن الإمالة أكثر فى كلامهم».

ثم قال فى الباب المشار إليه : «وقال ناس يوثق بعربيتهم : «هذا باب» و «هذا مال» و «هذا ناب» ، و «هذا عاب» : لما كانت بدلا من الياء كما كانت فى «رميت» شبهت بها ؛ وشبهوها فى «مال» و «ناب» بالألف التى تكون بدلا من واو «غزوت»». هذا نصه.

وقال ابن برهان فى آخر شرح اللمع : «روى عبد الله بن داود (١) عن أبى عمرو ابن العلاء : إمالة «النّاس» فى جميع القرآن ، مرفوعا ومنصوبا ومجرورا» ، وهذه رواية لأحمد بن يزيد الحلوانى (٢) عن أبى عمر الدورى (٣) عن الكسائى ، ورواية

__________________

(١) هو عبد الله بن داود الهمذانى الخريبى ، ثقة حجة ، روى القراءة عن أبى عمرو بن العلاء ، وحدث عن الأعمش وثور وهشام بن عروة ، مات سنة ٢١٣ ه‍.

طبقات القراء (١ / ٤١٨).

(٢) هو أحمد بن يزيد الحلوانى ، إمام كبير عارف صدوق ، متقن ، ضابط قرأ بمكة والمدينة والعراق ، وهو ممن قرأ عليهم أبو عمر الدورى. مات بعد ٢٥٠ ه‍.

طبقات القراء (١ / ١٥٠).

(٣) هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان أبو عمر الدورى الأزدى ، البغدادى النحوى الضرير ، شيخ القراء فى زمانه ، قرأ بسائر الحروف السبعة والشواذ.

من كتبه : ما اتفقت ألفاظه ومعانيه من القرآن ، قراءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أجزاء القرآن. وهو أول ـ

٣٢٢

نصير (١) وقتيبة (٢) عن الكسائى.

ومن الإمالة المطردة إمالة كل فتحة وليتها راء مكسورة نحو قوله ـ تعالى ـ (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) [المرسلات : ٣٢] و (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : ٩٥].

وإمالة كل فتحة وليتها تاء منقلبة للوقف هاء إلا أن إمالة هذه مخصوصة بالوقف ، وإمالة التى تليها راء مكسورة جائزة فى الوصل والوقف.

__________________

ـ من جمع القراءات. مات سنة ٢٤٦ ه‍.

الأعلام (٢ / ٢٦٤) ، طبقات القراء (١ / ٢٥٥).

(١) هو نصير بن أبى نصير الرازى ، كان علامة نحويا ، جالس الكسائى ، وأخذ عنه النحو ، وقرأ عليه القرآن ، وسمع من الأصمعى ، وأبى زيد ، كان كثير الأدب حافظا ، وله مؤلفات حسان.

مات سنة ٢٤٠ ه‍.

بغية الوعاة (٢ / ٣١٦).

(٢) هو قتيبة بن مهران الأزاذانى أبو عبد الرحمن الأصبهانى ، أحد نحاة الكوفة ، أخذ عن الكسائى وصحبه وصار إماما. قيل : مات فى أوائل القرن الثالث الهجرى.

بغية الوعاة (٢ / ٢٦٤).

٣٢٣

باب الوقف

(ص)

إن سكن الآخر وصلا وحذف

خطّا فذاك السّاكن احذف إن تقف

وسكّن الكائن قبله كـ (له

مال وإنّى آمل أن أسأله)

كذا لدى ربيعة المنوّن

فى نصب او فى غيره يسكّن)

والأزد مدّا تبدل التّنوين من

جنس التّحرّك الّذى به قرن

وغير هؤلاء خصّ البدلا

بما يلى الفتحة كـ (امدد طولا)

ويستوى المعرب والمبنى فى

إبدال تالى فتحة بألف

وأشبهت (إذن) منوّنا نصب

فنونها اجعل ألفا وقفا تصب

(ش) يتناول قولي :

إن سكن الآخر وصلا وحذف

خطّا .........

الواو المنطوق بها فى نحو «له» والياء فى نحو «به» ؛ لأن كل واحد منهما آخر ومسكن فى الوصل ، ومحذوف فى الخط فحقه فى الوقف أن يحذف ، ويسكن ما قبله كقولك فى «له» : «له» ، وفى «به» : «به».

وفى الوقف على المنوّن ثلاث لغات :

إحداها : لغة ربيعة وهى أن يوقف عليه بحذف التنوين ، وسكون الآخر ـ مطلقا ـ كقولك : «هذا زيد» و «مررت بزيد» و «رأيت زيد».

ومن شواهد هذه اللغة قول الشاعر : [من الطويل]

ألا حبّذا غنم وحسن حديثها

لقد تركت قلبى بها هائما دنف (١)

والثانية : لغة الأزد وهى أن يوقف عليه بإبدال التنوين ألفا بعد الفتحة ، وواوا بعد الضمة ، وياء بعد الكسرة كقولك : «رأيت زيدا» و «هذا زيدو» و «مررت بزيدى».

والثالثة : لغة سائر العرب وهى أن يوقف على المنصوب والمفتوح بإبدال التنوين ألفا ، وعلى غيرهما بالسكون وحذف التنوين بلا بدل.

__________________

(١) الدنف : المرض الملازم. القاموس (دنف).

والبيت بلا نسبة فى الدرر ٦ / ٢٩٦ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٤٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٠٥.

٣٢٤

والمراد بالمنصوب ما فتحته فتحة إعراب نحو : «رأيت زيدا».

والمراد بالمفتوح ما فتحته لغير إعراب نحو : «إيها» و «واها».

وشبهت «إذن» بمنون فأبدلت نونه فى الوقف ألفا.

(ص)

ذو القصر والتّنوين فيه المازنى

رأى وفاق الأزد غير واهن

ووافق البصرى والكسائى

ربيعة ، وبهما اقتدائى

فحذفا التّنوين من دون خلف

وأثبتا الّذى من اجله انحذف

وعند سيبويه فى الوقف على

صحيح المقصور حتما حملا

وقف على عادم تنوين قصر

كوصله والحذف فى الشّعر اغتفر

وواوا او همزا أو اليا من ألف

أبدل بعض الفصحاء إذ يقف

وقف على المنقوص غير المنتصب

منوّنا بحذف يائه تصب

وقد يباح الرّدّ والزمه إذا

ما عينه أو فاؤه قد أخذا

ولسوى المنوّن اجعل عكس ما

له وكالصّحيح منصوبهما

(ش) لا يوقف على المقصور من الأسماء إلا بالألف ، منونا كان أو غير منون :

لكن فى المنون ثلاثة مذاهب :

أحدها : مذهب سيبويه وهو الحكم عليه فى الرفع والجر بأن تنوينه محذوف دون عوض ، وأن الوقف فيه على الألف التى من نفس الاسم. والحكم عليه فى النصب بأن تنوينه أبدل منه فى الوقف ألف إجراء له مجرى الصحيح.

ومذهب المازنى : أن الألف الثابتة فى الوقف هى بدل من التنوين منصوبا كان المقصور أو مرفوعا أو مجرورا ؛ فحكم فى المقصور بما حكمت الأزد فى الصحيح.

وذكر ابن برهان : أن مذهب أبى عمرو والكسائى : أن الألف الموقوف عليها فى المقصور لا تكون أبدا إلا الألف التى هى من نفس الاسم مرفوعا كان أو مجرورا أو منصوبا.

وهذا المذهب أقوى من غيره ، وهذا موافق لمذهب ربيعة فى حذفهم تنوين الصحيح دون بدل ، والوقف عليه بالسكون مطلقا.

وتقوى هذا المذهب الرواية بإمالة الألف وقفا ، والاعتداد بها رويا ، وبدل التنوين غير صالح لذلك.

٣٢٥

وهذا الذى حكاه ابن برهان عن أبى عمرو والكسائى هو اختيار السيرافى ؛ وبه أقول.

ولا خلاف فى المقصور غير المنون أن لفظه فى الوقف كلفظه فى الوصل ، وأن ألفه لا تحذف إلا فى ضرورة كقول الراجز : [من الرجز]

رهط ابن مرحوم ورهط ابن المعلّ

أراد : ابن المعلى ، وإلى هذا أشرت بقولى :

وقف على عادم تنوين قصر

كوصله والحذف فى الشّعر اغتفر

وناس من قيس وفزارة يبدلون الألف الموقوف عليها ياء ، وبعض طيئ يبدلونها واوا ، وبعضهم يقلبها همزة.

وإلى هذه اللغات أشرت بقولى :

وواوا او همزا أو اليا من ألف

أبدل بعض الفصحاء إذ يقف

وإذا وقف على الاسم المنقوص وكان منصوبا أبدل من تنوينه ألف إن كان منونا ، وأثبتت ياؤه ساكنة إن لم يكن منونا كقولك : «قطعت واديا» و «أجبت الدّاعى».

فإن كان منونا ولم يكن منصوبا ، ولا محذوف العين أو الفاء فالمختار الوقف عليه بالحذف نحو : «هذا قاض» و «مررت بقاض».

ويجوز الوقف برد الياء كقراءة ابن كثير : إنما أنت منذر ولكل قوم هادى [الرعد : ٧] ، وو ما لهم من دونه من والى [الرعد : ١١] وو ما لهم من الله من واقى [الرعد : ٣٤] وو ما عند الله باقى [النحل : ٩٦].

ولكون الوقف بالحذف مختارا وافق ابن كثير الستة عليه فيما سوى : «هاد» و «وال» و «واق» و «باق» نحو : «باغ» و «عاد» و «مفتر» و (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [طه : ٧٢] و (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) [العنكبوت : ٥] و (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ) [الزمر : ٣٦] و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] و (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) [الرحمن : ٥٤].

فإن كان المنقوص محذوف العين كـ «مر» اسم فاعل من «أرى» محذوف العين ، أو محذوف الفاء كـ «يف» ـ علما ـ لم يوقف عليه إلا بالرد ثم نبهت بقولى :

ولسوى المنوّن اجعلع كس ما

له ........

على أن الوقف بإثبات الياء على نحو : «القاضى» مرفوعا أو مجرورا أجود فى القياس من الوقف بحذفها.

٣٢٦

ولما كان هذا الإطلاق يوهم تناول المنصوب نبهت على ما يرفع ذلك الإيهام بقولى :

 .........

 ... وكالصّحيح منصوبهما

أى : منصوب المنون ، وما سوى المنون من المنقوص فى الوقف كالصحيح المنون فيما تعرض إليه من الحكم الذى يليق بهذا الفصل والله أعلم.

فصل

(ص)

وغير (ها) التّأنيث من محرّك

سكّنه أو قف رائم التّحرّك

أو أشمم المضموم ، والتّسكين

أصل وجدوى غيره تبين

وما يلى التّحريك إن لم يعتلل

ولم يكن همزا كآخر (الوعل)

فجائز تضعيفه فى الوقف

وقد أجيز نقل شكل الحرف

لساكن يقبل تحريكا كما

فى قول بعض الرّاجزين القدما

(عجبت والدّهر كثير عجبه

من عنزى سبّنى لم أضربه)

ونقل فتح من سوى المهموز لا

يراه بصرى وكوف نقلا

والنّقل إن يعدم نظير ممتنع

فى غير ذى الهمز كـ (بشر) مرتفع

[وصحّ وقف لخم بالنّقل إلى

محرّك وغير (ها) لن يقبلا](١)

(ش) ليس لهاء التأنيث نصيب من إشمام ولا روم ولا تضعيف ؛ فلذلك قدم استثناؤها حين قصد التكلم على ذلك ، فنبه على أن غير «ها» من المحركات يجوز أن يوقف عليه بالتسكين وهو الأصل.

ويجوز أن يوقف عليه بالروم وهو عبارة عن إخفاء الصوت بالحركة.

وهو عند النحويين جائز فى الحركات الثلاث.

وعند القراء يجوز فى الضمة والكسرة ، ولا يجوز فى الفتحة.

وتختص الضمة بجواز الوقف عليها بالإشمام وهو عبارة عن الإشارة بالشفتين حال سكون الحرف.

__________________

(١) فى أ :

ولغة لخمية نقل إلى

محرك فى الوقف فاحك المثلا

٣٢٧

ويجوز تضعيف الحرف الموقوف عليه إن ولى حركة ، ولم يكن همزة ولا حرف علة كقولك فى «جعفر» : «هذا جعفرّ» وفى «وعل» : «هذا وعلّ».

ويجوز نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله إن كان ساكنا قابلا للحركة وكانت الحركة غير فتحة ، نحو قولك فى «عمرو» : «هذا عمرو» و «مررت بعمرو».

ومنه قول الراجز : [من الرجز]

عجبت والدّهر كثير عجبه

من عنزى سبّنى لم أضربه (١)

أراد : لم أضربه فنقل ضمة الهاء إلى الباء.

فإن أوقع النقل فى وزن لا نظير له لم يجز كقولك فى «هذا بشر» و «مررت بذهل» : «ذا بشر» و «مررت بذهل» فإن هذا ممتنع ؛ لأن «فعلا» و «فعلا» مهملان فى الأسماء فلم يجز استعمال ما يفضى إليهما.

فلو كان الموقوف عليه همزة اغتفر فى نقل حركتها لزوم عدم النظير كقولك فى «ردء» (٢) و «كفء» : «هذا ردؤ» و «مررت بكفئ».

وكذلك يغتفر فى الوقف على المهموز نقل الفتحة كقولك فى «رأيت الرّدأ» : «رأيت الرّدء».

ويجوز فى لغة لخم (٣) الوقف بنقل الحركة إلى المتحرك ؛ كقول الشاعر :

__________________

(١) الرجز لزياد الأعجم فى ديوانه ص ٤٥ ، والدرر ٦ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٨٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٦١ ، والكتاب ٤ / ١٨٠ ، ولسان العرب (لمم) ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ١ / ٣٨٩ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧٥٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٢٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٩٧٤ ، وشرح المفصل ٩ / ٧٠ ، والمحتسب ١ / ١٩٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٠٨.

(٢) الردء : يقال : فلان ردء فلان أى : معينه. المقاييس (ردى).

(٣) لخم بن عدى : بطن عظيم ، ينتسب إلى لخم ، واسمه مالك بن عدى بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ، من القحطانية. كانت مساكنهم متفرقة ، وأكثرها ما بين الرّملة ، ومصر فى الجفار ، ومنها فى الجولان ، ومنها فى حوران ، والبثنيّة ، ومدينة نوى. ومن بلادهم بفلسطين : رفح ، وحدس بالشام ، وقد نزل قوم منهم بمنطقة بيت المقدس ، فدعيت باسمهم ، وتسميها العامة اليوم بيت لحم.

ومنهم آل المنذر ملوك العراق ، وبنو عباد ملوك إشبيلية ، ومنهم بطون كثيرة بالديار المصرية وقد انضمت سنة ٨ ه‍ طائفة من لخم إلى الروم فى غزوة مؤتة. وسارت طائفة منهم سنة ١٤ ه‍ مع هرقل إلى أنطاكية وحاربوا مع معاوبة بن أبى سفيان ، ضد على بن ـ

٣٢٨

[من الرجز]

من يأتمر للحزم فيما قصده

تحمد مساعيه ويعلم رشده (١)

ومن لغتهم الوقف على [هاء الغائبة بحذف الألف ، ونقل فتحة الهاء إلى المتحرك قبله كقول الشاعر](٢) : [من الوافر]

فإنّى قد رأيت بأرض قومى

نوائب ، كنت فى لخم أخافه (٣)

أراد : أخافها ، ففعل ما ذكرت لك.

فصل فى الوقف على المهموز

(ص)

نقلا بفقد مثل فى الهمز اغتفر

ك (ردء) ان ترفع و (هزء) إن تجر

وأتبع الفا العين قوم حذرا

من عدم النّظير عمّوا الصّورا

وبعضهم أبدل بعد أن نقل

وقد يباح دون نقل البدل

بحسب الشّكل كـ (فى الكلا رشوا)

وبعد ما سكّن ـ أيضا ـ ذا نحوا

كذا مع الإتباع إبدال نقل

مجانس ما متبع به شكل

وبمجانس لشكل الهمز قد

أبدله قوم وفاقهم رشد

وبمجانس تحرّك تلى

همزة ابدل ـ مطلقا ـ كـ (ممتلى)

والضّمّ أول الواو والفتح الألف

فذا لدى أهل الحجاز قد عرف

(ش) النطق بالهمزة المتحركة مخففة أسهل من النطق بها ساكنة محققة ؛ فلذلك أجمعت العرب على إبدال الثانية فى نحو : «أؤمن». وفى نحو : «أؤذّن» جائز فيه الإبدال والتحقيق.

وكالإجماع فى «أومن» الإجماع فى «آدم» ، وكجواز الوجهين فى «أؤذّن» جواز

__________________

ـ أبى طالب وكانوا يعبدون المشترى ، ويحجون إلى صنم فى مشارف الشام ، يقال له : الأقيصر ، ويحلقون رءوسهم.

ينظر : صفة جزيرة العرب للهمدانى ص ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، تاريخ ابن خلدون (٢ / ٢٥٦) ، الاشتقاق لابن دريد ص ٢٢٥ ، معجم القبائل ٣ / ١٠١١ ـ ١٠١٢.

(١) الرجز بلا نسبة فى الدرر ٦ / ٣٠٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٠٨.

(٢) سقط فى أ.

(٣) البيت بلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٦٨.

٣٢٩

الوجهين فى «أيمّة».

وإذا سكن ما قبل الهمزة الساكنة ازداد النطق بها صعوبة فمن أجل ذلك اغتفر فى الوقف على ما آخره همزة بعد ساكن ما لا يجوز فى غير الهمزة من نقل الفتحة نحو : «جنيت الكمأ» ، ومن نقل ضمة إلى ساكن بعد كسرة ، ومن نقل كسرة إلى ساكن بعد ضمة نحو : «هذا ردؤ مع كفئ» يريد : هذا ردء مع كفء.

وبعض بنى تميم يفرون من هذا النقل الموقع فى عدم النظير إلى إتباع العين الفاء فيقولون : «هذا ردئ مع كفؤ».

وبعضهم يبدل الهمزة بعد نقل حركتها بما يجانسها فيقول : «هذا ردو مع كفى».

وبعضهم يبدلها بعد الإتباع فيقول : «هذا ردى مع كفو».

وقد يبدلون من الهمزة حرف لين مجانسا لحركتها ساكنا كان ما قبلها أو متحركا فيقولون : «هذا الكلو ، والخبو ، والرّدو ، والكفو» و «مررت بالكلى والخبى والرّدى والكفى».

وأهل الحجاز يقولون «الكلا» فى الأحوال الثلاثة ؛ لأن الهمزة أسكنها الوقف وما قبلها مفتوح فصارت كـ «راس». وعلى هذا يقولون فى «أكمؤ» : «أكمو» ؛ لأنه كـ «جونة» وفى «ممتلئ» : «ممتلى» ؛ لأنه كـ «ذيب». والله أعلم.

فصل فى الوقف على تاء التأنيث

(ص)

فى الوقف تا تأنيث الاسم ها جعل

إن لم يكن بساكن صحّ وصل

وقلّ ذا فى جمع تصحيح وما

ضاهى وغير ذين بالعكس انتمى

و (لات) مع (أبت) بالوجهين جا

ومن يقس نظير (لات) فلجا

(ش) «تاء تأنيث الاسم» مخرج للتاء التى تلحق الفعل نحو «قامت».

واحترز بنفى وصلها بساكن صح من تاء «بنت» و «أخت».

وقل هذا الإبدال المنسوب إلى تاء التأنيث فى جمع التصحيح كقول بعض العرب : «دفن البناه ، من المكرماه».

يريد : دفن البنات من المكرمات.

وأشرت بقولى :

٣٣٠

 ......... وما

ضاهى .......

إلى «هيهات» و «أولات» فإنهما يوقف عليهما بالتاء كثيرا ، وبالهاء قليلا.

وقولى :

 ........

 ... وغير ذين ...

أى : غير جمع التصحيح والذى ضاهاه قد يوقف عليه بالتاء مفردا كان كـ «غرفة» أو جمعا كـ «غلمة».

وعلى مقتضى هذه اللغة كتب فى المصحف : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) [الدخان : ٤٣] ، و (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) [التحريم : ١٠] وأشباه ذلك :

فوقف عليها بالتاء نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة.

ووقف عليها بالهاء ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائى.

ووقف الكسائى على «لات» بالهاء ، ووقف الباقون بالتاء.

ويجوز عندى أن يوقف بالهاء على «ربّت» و «ثمّت» قياسا على قولهم فى «لات» : «لاه» ، وإلى هذا أشرت بقولى :

 .........

ومن يقس نظير «لات» فلجا

يقال : فلج فلان على خصمه إذا غلبه بالحجة.

فصل فى الوقف على هاء السكت

(ص)

وقف بها السّكت على الفعل المعلّ

آخره بالحذف كـ (ارق فى الجبل)

وذاك فى الباقى بأصل واحد

حتم كـ (إن تع فص ابن راشد)

و (ما) فى الاستفهام إن جرّت حذف

ألفها وأولها الها إن تقف

ووصلها لم يلتزم إلا إذا

تجرّ (ما) اسم كـ (غذا م ذا غذا)

ووصل ذى الهاء أجز بكلّ ما

حرّك تحريك بناء لزما

ما لم يك المبنى فعلا ماضيا

وشذّ قول من تغنّى شاديا

(يا ربّ يوم لى لم أظلّله

أرمض من تحت وأضحى من عله)

والوقف قد ينوى فيعطى الوصل ما

له ، وذا فى النّثر نزرا علما

ومنه قلب ألف واوا لدى

وصل لبعض طيّئ ذا أسندا

٣٣١

(ش) من خواص الوقف زيادة هاء السكت.

وأكثر ما تزاد بعد ياء المتكلم ، وبعد الفعل المحذوف الآخر جزما أو وقفا ، وبعد «ما» الاستفهامية المجرورة الموضع :

فالأول نحو قوله ـ تعالى ـ : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩].

والثانى نحو قوله ـ تعالى ـ : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) [البقرة : ٢٥٩] ، وقوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠].

والثالث نحو قول الراجز : [من الرجز]

يا أسديّا لم أكلته لمه

فما أكلت لحمه ، ولا دمه

لو خافك الله عليه حرّمه (١)

ولحاق هذه الهاء واجب فى الوقف على «ما» الاستفهامية المضاف إليها كقولك فى «اعتداء م اعتدى» : «اعتداء مه؟». وفى «مجئ م جئت» : «مجيء مه؟».

فإن كانت «ما» الاستفهامية مجرورة بحرف جاز أن يوقف عليها بالهاء وبدونها ، والوقف بالهاء أجود فى قياس العربية.

ويجب ـ أيضا ـ لحاق هذه الهاء فى الوقف على ما كان من الأفعال على حرف واحد ، أو حرفين أحدهما زائد كقولك فى «وزيدا» و «لا تق عمرا» : «قه» و «لا تقه».

ويجوز أن تلحق هذه الهاء كل محرك حركة بناء لازم نحو : «كيف» و «ثمّ» و «إنّ» و «لا».

ولا تلحق هذه الهاء ذا حركة عارضة كاسم «لا» ، والمنادى المضموم ، والعدد المركب.

ولا تلحق الفعل الماضى ، وإن كانت حركته لازمة لشبهه بالمضارع.

وفى قوله : [من الرجز]

يا ربّ يوم لى لا أظلّله

__________________

(١) الرجز لسالم بن دارة فى الحيوان ١ / ٢٦٧ ، ولسان العرب (روح) ، (لوم) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٢٩٩ ، ولسان العرب (لوم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥ ، والمخصص ٣ / ٤.

٣٣٢

أرمض من تحت وأضحى من عله (١)

شذوذ ظاهر ؛ لأن الحركة عارضة.

وقد يعطى الوصل حكم الوقف : فمن ذلك قراءة غير حمزة والكسائى (٢) : (لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ) [البقرة : ٢٥٩] ، (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ) [الأنعام : ٩٠]. ومنه قول بعض طيئ فى الوصل : «هذه حبلو يا فتى».

ومنه ما جاء من نحو قوله : [من الرجز]

مثل الحريق وافق القصبّا (٣)

فأعطى الباء فى الوصل من التضعيف ما كان يعطيها لو وقف عليها فقال : القصبّا.

* * *

__________________

(١) الرجز لأبى مروان فى شرح التصريح ٢ / ٣٤٦ ، ولأبى الهجنجل فى شرح شواهد المغنى ١ / ٤٤٨ ، ومجالس ثعلب ص ٤٨٩ ، ولأبى ثروان فى المقاصد النحوية ٤ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٣٥١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٨ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٩٧ ، والدرر ٣ / ٩٧ ، ٦ / ٣٠٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٢٣ ، ٣ / ٧٦٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٩٨١ ، وشرح المفصل ٤ / ٨٧ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٥٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٣ ، ٢ / ٢١٠.

(٢) وقرأ حمزة والكسائى «لم يتسنّه» بالهاء وقفا ، وبحذفها وصلا. فالهاء على قراءتهما للسكت.

وقرأ أبى : (لم يسنه) بإدغام التاء فى السين وقرأ طلحة بن مصرف : (لمئة سنة). ينظر الدر المصون (١ / ٦٢٥ ـ ٦٢٦).

(٣) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٦٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣١٨ ، ٣٢٠ ، ولربيعة ابن صبح فى شرح شواهد الإيضاح ص ٢٦٤ ، ولأحدهما فى شرح التصريح ٢ / ٣٤٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٤٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٣٥٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٣٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧٦١ ، وشرح ابن عقيل ص ٦٧٣ ، وشرح المفصل ٣ / ٩٤ ، ١٣٩ ، ٩ / ٦٨ ، ٨٢.

٣٣٣

باب التقاء الساكنين

(ص)

لا يلتقى فى الوصل ساكنان

إلا إذا بان ادّغام الثّانى

واعتلّ أوّل وما يحويهما

لفظ بإفراد صريح وسما

ولين أوّل كفى المستفهما

من قبل (أل) ليرفع التّوهّما

كذاك ناوى الوقف حين سكّنا

آخر نحو (نون) فاعن اللّذ عنى

وحرف مدّ قبل مدغم فصل

تقديرا او لفظا ثبوته حظل

وإن يمدّ أوّل والثّان لم

يلتزم ادّغامه فليلتزم

فى الأوّل الحذف و (حلقتا) ندر

قبل (البطان) دون حذف واشتهر

ومدّ (إى) و (ها) أقرّ وحذف

من قبل لام (الله) أعنى فى الحلف

وأوّل مؤخّر إن لم يمدّ

ولم يؤكّد فهو مكسورا يرد

وحذف تنوين قليل ونزر

نون (لدن) بالكسر والحذف كثر

وحيث كان الثّان تنوينا كسر

أوّل إن يسلم كـ (إيه) فاعتبر

والفتح فى نحو (مريبا الّذى)

وك (قم اللّيل قليلا) احتذى

وإن يل الثّانى ضمّ الزما

نحو (قل ادعوا) فاكسرن أو اضمما

وحذف ما أسقط إن أدرك ما

يليه عارض التّحرّك الزما

وشذّ نحو : (لم تنام العينا)

و (قد رمات القلب خود (١) عينا)

والفتح حقّ نون (من) من قبل (أل)

وحذفها فى الشّعر غير مستقل

ك (إنّما للحى م الميت النّصب)

وكسرها من قبل غير (أل) وجب

والفتح نزر ، وكذاك الكسر

من قبل (أل) قد جاء وهو نزر

وشذّ قول بعضهم (لاك اسقنى)

بحذف نون لاضطرار بيّن

وقبل (أل) وغيره اكسر نون (عن)

وشذّ ضمّها إن (ال) بها اقترن

وكسر واو (لو) على الضّمّ رجح

وفى (اشتروا) ونحوه العكس اتّضح

وفتح واو (اشتروا الضّلاله)

عزا ابن جنّى لذى عداله

(ش) يلتقى الساكنان فى الوقف مطلقا.

__________________

(١) الخود : الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة. القاموس (خود).

٣٣٤

ولا يلتقيان فى الوصل إلا وهما فى كلمة واحدة ، وأولهما حرف لين ، وثانيهما مدغم نحو : «دابّة» و «دويبّة» و «حوجّ زيد».

فإن كان المدغم مفصولا ، أى : من كلمة أخرى ، وقبل حرف اللين حركة تجانسه حذف حرف اللين نحو قوله ـ تعالى ـ : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) ، [البقرة : ٧٤] ، وقوله : (اتَّقُوا اللهَ) [البقرة : ٢٧٨] ، وقوله : (أَفِي اللهِ شَكٌ) [إبراهيم : ١٠].

واكتفى بعد همزة الاستفهام بمد الأول نحو : «آلغلام قام؟».

وكذلك اكتفى بمد الأول فى لام ميم ، ونحوهما لأن الناطق بهن ناو للوقف.

ومثال المدغم المفصول تقديرا : «اضربنّ» و «اضربنّ» ؛ فإن النون لحجزه من الفعل بالواو والياء فى حكم كلمة منفصلة ، ولو لا ذلك لقيل : «اضربونّ» كما قيل : «حوجّ زيد».

فإن كان أول الساكنين حرف مد ، والثانى غير مدغم ، أو مدغما إدغاما غير لازم لزم حذف حرف المد ، متصلا كان كألف «يخاف» إذا قيل فيه : «لم يخف» ، أو منفصلا كألف «ما» إذا قلت : «ما اسمك؟».

وشذ قولهم : «التقت حلقتا البطان» ـ بثبوت الألف ـ والجيد حذفها.

وقالوا فى القسم : «ها الله» و «إى الله» بحذف الألف ، والياء على القياس ، وبإثباتهما على الشذوذ.

ثم نبهت على أن أول الساكنين إذا كان آخر كلمة ، ولم يكن حرف مد ، ولا نون توكيد يكسر :

فدخل فى ذلك التنوين.

ثم نبهت على جواز حذفه بقلة كقراءة أبى عمرو من طريق عبد الوارث (١) : (أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ، ٢].

ثم نبهت على أن نون «لدن» تحذف كثيرا كقولك : «ما رأيته من لد الصّباح» ، وربما كسرت كقول الراجز : [من الرجز]

__________________

(١) هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان ، أبو عبيدة ، العنبرى بالولاء ، التنورى البصرى ، حافظ ثبت ، كان فصيحا من أئمة الحديث ، حافظ مقرئ ثقة ، عرض القرآن على أبى عمرو. مات سنة ١٨٠ ه‍.

الأعلام (٤ / ١٧٨) ، طبقات القراء (١ / ٤٧٨).

٣٣٥

تنهض الرّعدة فى ظهيرى

من لدن الظّهر إلى العصير (١)

ثم أشرت إلى أن أول الساكنين يكسر إذا كان ثانيهما تنوينا نحو «إيه» و «صه».

ثم نبهت على أن الكسرة قد تستثقل فيجاء بالفتحة مكانها كقراءة بعضهم : (مُرِيبٍ الَّذِي) [ق : ٢٥ ـ ٢٦] بفتح التنوين ، ومثله قوله ـ تعالى ـ : (الم اللهُ) [آل عمران : ١ ـ ٢].

وإن ولى ثانى الساكنين ضمة لازمة جاز كسر الأول وضمه نحو قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ) [المائدة : ٣] ، وقوله : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) [الأنعام : ١٠] ، وقوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ) [الإسراء : ١١٠].

وإذا حذف حرف مد لسكون ما بعده ، ثم عرض تحريك ما بعده لساكن آخر لم يرد المحذوف ؛ ولذلك لم ترد ألف «يشاء» من قوله تعالى : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) [الأنعام : ٣٩] ، ولا ياء «يريد» فى قوله تعالى : (لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) [المائدة : ٤١] ، ولا واو «يكون» فى قوله : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [البينة : ١].

وإلى هذا أشرت بقولى :

وحذف ما أسقط إن أدرك ما

يليه عارض التّحرّك الزما

ثم نبهت على أن بعض العرب قد يعتد بالحركة العارضة فيرد المحذوف فيقول فى «رمت المرأة» : «رمات المرأة» وأنشد الكسائى : [من مجزوء الرجز]

يا حبّ قد أمسينا

ولم تنام العينا (٢)

وفى هذا شاهدان :

شاهد على رد الألف اعتدادا بحركة الميم وهى عارضة.

وشاهد على حذف نون التثنية دون إضافة.

__________________

(١) الرجز لرجل من طيئ فى المقاصد النحوية ٣ / ٤٢٩ ، وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٢٣٥ ، والدرر ٣ / ١٣٦ ، ٦ / ٢٨٨ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣١٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٣ ، ولسان العرب (نهض).

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (خظا) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٥٢١ ، ويروى الرجز هكذا :

أمسينا أمسينا

ولم تنام القينا

٣٣٦

وإن كان أول الساكنين نون «من» فتحت مع «أل» وكسرت مع ما سواه ، وقد تكسر مع «أل» وتفتح مع ما سواه.

وكثر فى الشعر حذف نونها مع «أل» ، ومن ذلك قول بعهضم : [من الرمل]

ليس بين الحى والميت سبب

إنّما للحى م الميت النّصب

وقد عامل «لكن» معاملة «من» بعض الشعراء فقال : [من الطويل]

فلست بآتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (١)

وإذا كان أول الساكنين نون «عن» كسرت قبل كل ساكن. وبعض العرب يضمها قبل «أل» وهى لغة رديئة.

وإن كان أول الساكنين واوا مفتوحا ما قبلها فالاختيار ضمها إن كانت واو جمع ، ويجوز كسرها وفتحها.

وإن كانت لغير جمع فالاختيار كسرها ، ويجوز ضمها.

قال أبو الفتح بن جنى : «قرأ يحيى بن يعمر ، وابن أبى إسحاق : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦].

وحكى أبو الحسن فيها الفتح ، ورواه قطرب ـ أيضا ـ والضم أفشى ، ثم الكسر ، ثم الفتح» (٢).

والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، عليه توكلت وإليه متاب.

__________________

(١) البيت للنجاشى الحارثى فى ديوانه ص ١١١ ، والأزهية ص ٢٩٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١٨ ، ٤١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٦ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٠١ ، والكتاب ١ / ٢٧ ، والمنصف ٢ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٣٣ ، ٣٦١ ، والإنصاف ٢ / ٦٨٤ ، وأوضح المسالك ١ / ٦٧١ ، وتخليص الشواهد ص ٢٦٩ ، والجنى الدانى ص ٥٩٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٦٥ ، ورصف المبانى ص ٢٧٧ ، ٣٦٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٤٠ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٣٦ ، وشرح المفصل ٩ / ١٤٢ ، واللامات ص ١٥٩ ، ولسان العرب (لكن) ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٩١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦ ، وتاج العروس (لكن).

(٢) المحتسب (١ / ٥٤ ، ٥٥).

٣٣٧

فصل يبين فيه ما يصرف وما لا يصرف وما يتعلق بذلك

(ص)

تغيير بنية لمعنى قصدا

تصريفها كجعل (جود) : (أجودا)

وهو من الحرف وشبهه امتنع

ومن يصرّف ما سواهما يطع

(ش) التصريف : تحويل الكلمة من بنية إلى غيرها لغرض لفظى أو معنوى.

ولا يليق ذلك إلا بمشتق ، أو بما هو من جنس مشتق ، والحرف غير مشتق ولا مجانس لمشتق ؛ فلا يصرف هو ولا ما توغل فى شبهه من الأسماء وقولى :

 .........

ومن يصرّف ما سواهما يطع

أى : من رام تصريف ما ليس حرفا ، ولا شبيه حرف يوافق ولا ينازع ؛ فإنه يحاول تصريف ما يليق به التصريف.

ثم من التصريف ضرورى كصوغ الأفعال من مصادرها ، والإتيان بالمصادر على وفق أفعالها ، وبناء «فعّال» و «فعول» من «فاعل» قصدا للمبالغة.

وغير ضرورى كبناء مثال من مثال كقولنا : «ضربب» وهو مثال «دحرج» من «ضرب».

(ص)

ونقصه عن الثّلاثة اجتنب

إلا بحذف كـ «يد» و «كل» و «طب»

(ش) أى : ما سوى الحرف والمضاهى للحرف لا يكون أحرفه أقل من ثلاثة إلا بحذف :

وذلك فى الأسماء مثل «يد» فإنه على حرفين فى اللفظ ، وهو فى الأصل ثلاثى ، ويرد إلى أصله فى الجمع ، والتصغير ، والاشتقاق منه كقولهم : «يديته» إذا أصبت يده.

ومثّل بـ «كل» و «طب» تنبيها على أن الفعل قد يصير إلى مثل ما صار إليه الاسم من النقص :

فـ «كل» محذوف الفاء ، و «طب» محذوف العين.

وقد لا يبقى من الفعل إلا حرف واحد نحو «ق» فى الأمر بالوقاية.

وسيأتى بيان ما هو من الحذف مقيس ، وما هو منه شاذ ، إن شاء الله تعالى.

٣٣٨

(ص)

ومنتهى أحرف فعل جرّدا

من زائد أربعة كـ «عربدا» (١)

(ش) بدئ بالفعل لأنه أمكن فى التصريف ؛ إذ مداره على الاشتقاق وكل فعل مشتق من مصدر موجود أو مقدر ، بخلاف الاسم.

وقد جرت عادة النحويين ألا يذكروا فى أبنية الفعل المجرد فعل الأمر ، ولا فعل ما لم يسم فاعله ؛ مع أن مذهب البصريين أن فعل الأمر أصل فى نفسه اشتق من المصدر ابتداء كاشتقاق الماضى والمضارع منه ، ومذهب سيبويه (٢) ، والمازنى أن فعل ما لم يسم فاعله أصل أيضا.

فكان ينبغى على هذا إذا عدت صيغ الفعل المجرد من الزيادة أن يذكر للرباعى ثلاث صيغ :

ـ صيغة للماضى المصوغ للفاعل كـ «دحرج».

ـ وصيغة له مصوغا للمفعول كـ «دحرج».

ـ وصيغة للأمر كـ «دحرج».

إلا أنهم استغنوا بالماضى المصوغ للفاعل عن الآخرين لجريانهما على سنة مطردة ، ولا يلزم من ذلك انتفاء أصالتهما ؛ كما لم يلزم من الاستدلال على المصادر المطردة بأفعالها انتفاء الأصالة عنها.

(ص)

وافتح أو اكسر ثانى الثّلاثى

أو ضمّ واحفظ جامع الثّلاث

(ش) لما كان المراد فعل الفاعل (٣) وأوله لا يكون إلا مفتوحا لم يحتج إلى ذكر الأول ، بل بين أن ثانيه : إما مفتوح كـ «ذهب» ، وإما مكسور كـ «شرب» ، وإما مضموم كـ «قرب».

وقد يكون فيه لغتان كـ «خطف» و «خطف» و «زبر» و «زبر» ـ أى : جاد رأيه ـ و «مكث» و «مكث».

وقد يكون فيه ثلاث لغات وهو المراد بـ :

__________________

(١) العربدة : سوء الخلق. القاموس (عربد).

(٢) الكتاب : (٤ / ٣٤٢).

(٣) أى : الفعل المبنى للفاعل.

٣٣٩

 .........

 ... جامع الثّلاث

ك «نبع الماء» و «نبغ الرّجل» ـ إذا ظهر فى أمر من بين أقرانه و «بهت» ـ إذا تحير ـ والأفصح «بهت».

واستغنى بذكر ما فيه ثلاث لغات عن ذكر ما فيه لغتان ؛ لأنه (١) أقرب إلى الأصل ، وهو اتحاد اللفظ عند اتحاد المعنى ، وإذا ثبت وجدان الأبعد كان الأقرب بالوجدان أحرى.

(ص)

وتبلغ السّتّة بالصّنفين

بزائدات أو بزائدين

(ش) المراد «بالصّنفين» : الفعل الثلاثى الأصول ، والرباعى الأصول.

فبلوغ الستة بزائدات : كقولك فى «خرج» : «استخرج» وفى «غدن الشّعر» : «اغدودن» أى : لان واسود.

وبلوغ الستة بزائدين كقولك فى مطاوع «ثعجر الماء» ـ أى : صبه ـ : «اثعنجر» أى : كثر وفاض.

(ص)

ويبلغان خمسة كـ «استعجلا»

و (احرنجم) (اختار) (ارعوى) (تسربلا)

(ش) «استعجل» سداسى اللفظ ثلاثى الأصل ؛ لأن أصله «عجل».

و «احرنجم» سداسى اللفظ رباعى الأصل ؛ لأنه مطاوع «حرجم» بمعنى جمع.

و «اختار» خماسى اللفظ ثلاثى الأصل ؛ لأن أصله «خار».

و «ارعوى» مطاوع «رعوته» ـ إذا كففته ـ وهو فى المعتل نظير «احمرّ» فى الصحيح.

وأصله : «ارعوو» كما أن أصل «احمرّ» : «احمرر» ، فقلبوا الواو الثانية ألفا لتحركها فى الأصل ، وانفتاح ما قبلها.

و «تسربل» خماسى اللفظ رباعى الأصل ، ومعناه : لبس سربالا ، يقال : سربلته فتسربل.

(ص)

وجعل ذى ثلاثة ذا أربعه

فاش كـ (واصل ذا وأكرم من معه)

__________________

(١) أى : ما فيه لغتان.

٣٤٠