شرح الكافية الشّافية - ج ٢

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي

شرح الكافية الشّافية - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله جمال الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مالك الطائي الجياني الشافعي


المحقق: علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2874-4
الصفحات: ٦٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

باب النداء

(ص)

وللمنادى النّاء أو كالنّاء (يا)

وهكذا (أي) و (هيا) ثمّ (أيا)

وهمزة مفتوحة لمن دنا

و (وا) بمندوب خصوصا قرنا

(ش) الحروف التي ينبه بها المنادى عند البصريين خمسة : «يا» و «أيا» و «هيا» و «أى» والهمزة :

فمذهب سيبويه (١) أن الهمزة وحدها للقريب المصغى ، وغيرها للبعيد مسافة ، أو حكما.

ومذهب المبرد (٢) ، ومن وافقه : أن «أيا» و «هيا» للبعيد ، و «أى» والهمزة للقريب ، و «يا» لهما.

وزعم ابن برهان : أن «أيا» و «هيا» للبعيد ، والهمزة للقريب و «أى» للمتوسط و «يا» للجميع.

وأجمعوا على جواز نداء القريب بما للبعيد على سبيل التوكيد. ومنعوا العكس.

وخصوا «وا» بالمندوب ، وأجاز المبرد (٣) استعمالها في نداء البعيد.

وزاد الكوفيون في نداء البعيد «آ» و «آى».

(ص)

و (يا) مع (الله) ومضمر لزم

ومع ذي استغاثة ـ أيضا ـ حتم

واسم إشارة ، وجنس يفرد

والجنس في التّعيين قد يجرّد

كـ [اقتد مخنوق و] (ثوبى حجر)

و (ذا ارعواء) نحو ذين يندر

وغير ذي الخمسة ناده بـ (يا)

أو غيرها أو أوله تعرّيا

(ش) يجوز الاستغناء عن حرف النداء إن لم يكن المنادى «الله» ، ولا مضمرا ، ولا مستغاثا به ، ولا اسم إشارة ، ولا اسم جنس مفردا غير معين.

__________________

(١) ينظر : الكتاب (٢ / ٢٢٠).

(٢) قال المبرد : هذا باب الحروف التي تنبه بها المدعو ، وهى : يا ، وأيا ، وهيا ، وأى ، وألف الاستفهام ، فهذه الحروف سوى الألف تكون لمد الصوت. ينظر : المقتضب (٤ / ٢٣٣).

(٣) قال المبرد : وتقع (وا) فى الندبة ، وفيما مددت به صوتك ، كما تمده بالندبة. ينظر : المقتضب : ٤ / ٢٣٣.

٣

فإن كان أحد هذه الخمسة ، لزمه «يا» نحو : «يا الله» و «يا إياك» و : [من مجزوء المديد]

يا لبكر أنشروا لى كليبا

 ... (١)

و «يا هذا» و «يا رجلا» إذا لم يتعين.

فإن قصدت واحدا معينا ، فالأكثر ألا يحذف الحرف ، وقد يحذف في الكلام الفصيح كقول النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مترجما عن موسى ـ عليه‌السلام ـ : «ثوبى حجر» (٢) ، وكقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «اشتدّى أزمة تنفرجى» (٣).

وفي هذين الحديثين غنى عن غيرهما من الشواهد نثرا ونظما.

والبصريون يرون هذا شاذّا لا يقاس عليه.

والكوفيون يقيسون عليه ؛ وقولهم في هذا أصح.

وكذا يجيزون نداء اسم الإشارة بحذف حرف النداء ؛ ويشهد لصحة قولهم قول ذى الرمة : [من الطويل]

إذا هملت عينى لها قال صاحبى

بمثلك هذا لوعة وغرام (٤)

ومثله قول الآخر : [من البسيط]

إنّ الأولى وصفوا قومى لهم فبهم

هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا (٥)

__________________

(١) صدر بيت للمهلهل بن ربيعة ، وعجزه :

 ...

يا لبكر أين أين الفرار

والبيت في خزانة الأدب ٢ / ١٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٦٦ ، والكتاب ٢ / ٢١٥ ، واللامات ص ٨٧ ، ولسان العرب ، (لوم) ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٢٢٩.

(٢) أخرجه البخارى (١ / ٥١٢) كتاب الغسل ، باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة (٢٧٨) ، ومسلم (١ / ٢٦٧) كتاب الحيض ، باب جواز الاغتسال عريانا وحده في الخلوة (٧٥ ـ ٣٣٩) ، و (٤ / ١٨٤١) كتاب الفضائل ، باب من فضائل موسى عليه‌السلام (١٥٥ ـ ٣٣٩) ، وأحمد (٢ / ٣١٥) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) رواه العسكرى والديلمى والقضاعى بسند فيه كذاب عن علىّ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوله ؛ قاله العجلونى في كشف الخفاء (١ / ١٤١). وينظر : المقاصد الحسنة ص ٥٩.

(٤) البيت فى ديوانه ص ١٥٩٢ ، والدرر ٣ / ٢٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٦٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٤ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٣ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٤١.

(٥) البيت بلا نسبة في شرح الأشمونى ٢ / ٤٤٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٨.

٤

ومثله : [من الخفيف]

ذا ارعواء فليس بعد اشتعال ال

رّأس شيبا إلى الصّبا من سبيل (١)

فإن لم يكن المنادى بعد الخمسة المذكورة ، فلك ـ بإجماع ـ أن تصحبه «يا» أو غيرها من حروف النداء.

ولك أن تأتى به عاريا منها كقوله ـ تعالى ـ : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [يوسف : ٢٩] و (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) [الأعراف : ١٥١] و (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣] و (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١].

(ص)

وابن المعرّف المنادى المفردا

على الّذى فى رفعه قد عهدا

ك (يا ابن) (يا زيدان) (يا عبدان) (يا

زيدون) (يا بنون) (يا زيد ائتيا)

والمفرد المنكور والمضاف مع

شبه المضاف النّصب فيها يتّبع

ك (يا فتى خذ بيدى) و (يا أبا

زيد) و (يا مراعيا ما وجبا)

وكمضاف ما به سمّيت ذا

عطف كـ (يا زيدا وعمرا ابن ذا)

(ش) المفرد المعرف : يعم ما كان له تعريف قبل النداء ، وما حدث تعريفه فى النداء بالقصد إليه.

والمراد هنا بالمفرد : ما ليس مضافا ، ولا شبيها به ؛ فيدخل في المفرد نحو : «يا رجال» و «يا معد يكرب» لعدم الإضافة وشبهها.

والحاصل : أن استحقاق المنادى البناء بتعريفه وإفراده.

ويبنى على ما كان يرفع به قبل أن ينادى فيقال : «يا زيد». و «يا زيدان». و «يا زيدون» و «يا بنون» ؛ كما كان يقال فى الرفع : «جاء زيد» و «ذهب الزّيدان والزّيدون».

ومثلت بـ «يا ابن» و «يا زيد» و «يا عبدان» و «يا زيدان» و «يا زيدون» و «يا بنون» ليعلم تساوى الحادث التعريف والسابقه في البناء ، على ما كانا يرفعان به.

وتعريف نحو : «يا رجل» ـ عند سيبويه (٢) ـ كتعريف أسماء الإشارة ؛ لأنه قال :

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٤٤٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٠.

(٢) ينظر : الكتاب (٢ / ١٩٧).

٥

«وصار كالأسماء التى هى للإشارة» ،

وجعل الاستغناء بـ «يا رجل» عن «يأيّها الرّجل» نظير الاستغناء بـ «اضرب» عن «لتضرب».

ثم بينت أن المنادى إذا لم يجتمع فيه التعريف والإفراد ، فحقه النصب وذلك :

إما مفرد نكرة ؛ كقول الأعمى : «يا رجلا خذ بيدى».

وإما مضاف نحو : «يا أبانا».

وإما شبيه بمضاف ؛ لكون ما يليه متمما له ، بعمل نحو : «يا لطيفا بالعباد» ، أو بعطف نحو قولك لمن سمى بـ «زيد وعمرو» : «يا زيدا وعمرا».

(ص)

والعلم المضموم قد يفتح فى

نحو : «أيا مجاشع بن حنتف»

والضّمّ حتم إن يكن غير علم

تال «ابن» او متلوّه فليلتزم

كذا إذا لم يل الابن العلما

ك (يا سعيد المحسن ابن خضّما)

وألف «ابن» واقع كذا حذف

خطّا وذا دون النّدا ـ أيضا ـ عرف

مع حذف تنوين الّذى قبل «ابن»

وك «ابن» : «ابنة» ولا أستثنى

وفي الّذى يوصف بالبنت ثبت

وجهان فى غير النّدا بلا عنت

وقد يعامل الّذى «ابن» خبره

بما لمنعوت ونظم أكثره

وقوله : «من قيس بن ثعلبه»

ضرورة فى سعة مجتنبه

(ش) يجوز فى العلم المضموم فى النداء أن يفتح إذا وصف بـ «ابن» متصل ، مضاف إلى علم ، نحو : «يا زيد بن عمرو» ، ولا يمتنع الضم ، وهو عند المبرد أولى من الفتح لأنه أنشد بالفتح : [من الرجز]

يا حكم بن المنذر بن الجارود

سرادق (١) المجد عليك ممدود (٢)

__________________

(١) السرادق : ما يدار حول الخيمة من شقق بلا سقف. ينظر : المصباح المنير : (سردق).

(٢) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٧٢ ، وللكذاب الحرمازى فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٤٧٢ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٨٩ ، والكتاب ٢ / ٢٠٣ ، ولرؤبة أو للكذاب الحرمازي فى شرح التصريح ٢ / ١٦٩ ، ولسان العرب (سردق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٢٢ ، ورصف المبانى ص ٣٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٢٦ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٥ ، والمقتضب ٤ / ٢٣٢.

٦

ثم قال : «ولو قال : «يا حكم بن المنذر» كان أجود» (١).

فلو فصل «ابن» أو كان الموصوف به ، أو المضاف هو إليه غير علم تعين الضم :

فالفصل نحو : «يا سعيد المحسن ابن خضّم» ، وعدم علمية الموصوف نحو : «يا غلام ابن زيد» ، وعدم علمية المضاف إليه نحو : «يا زيد ابن أخينا».

ثم نبهت على أن ألف «ابن» تحذف خطا ، إذا وقع بين علمين على الوجه الذى دعا إلى الفتح.

ثم نبهت على أن حذف تنوين منعوت «ابن» لفظا ، وألفه خطا ـ لازم فى غير النداء إذا كان المنعوت علما متصلا بـ «ابن» و «ابن» مضافا إلى علم نحو : «جاء زيد بن عمرو».

ثم نبهت على أن كل ما نشأ عن النعت بـ «ابن» ينشأ عن النعت بـ «ابنة» فيقال : «يا هند بنة قيس» و «جاءت هند بنة قيس» فى لغة من يصرف ؛ كما يقال : «يا زيد بن عمرو» و «جاء زيد بن عمرو».

ولا يقال : «يا هند ابنة أخينا» ، ولا «جاءت هند ابنة أخينا». إلا فى لغة من لا يصرف ؛ كما لا يقال : «يا زيد بن أخينا» ولا «جاء زيد بن أخينا» ؛ لأن شرط ذلك مفقود الله.

وفى النعت بـ «بنت» فى غير النداء وجهان حكاهما سيبويه (٢) ؛ فيقال : «هذه هند بنت عمرو» و «هند بنت عمرو» سمع ذلك ممن يصرف «هندا».

وأما النعت بـ «بنت» فى النداء فلا أثر له.

ثم نبهت على أن المخبر عنه بـ «ابن» قد يعامل معاملة المنعوت فيسقط تنوينه ، وأكثر ما يقع ذلك فى الشعر كقوله : [من الطويل]

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر (٣)

__________________

(١) ينظر : المقتضب (٤ / ٢٣٢).

(٢) قال سيبويه : ويقولون : هذه هند بنت عبد الله فيمن صرف ، فتركوا التنوين ههنا ؛ لأنهم جعلوه بمنزلة اسم واحد لما كثر فى كلامهم ؛ فكذلك جعلوه فى النداء تابعا لابن ، ثم قال : هذه هند بنت فلان. وزعم يونس أنها لغة كثيرة فى العرب جيدة. ينظر : الكتاب (٢ / ٢٠٥ ، ٢٠٦).

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

٧

ومما جاء فى نثر قراءة غير عاصم والكسائى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠].

فإنه مبتدأ وخبر ، و «عزير» منصرف فحذف تنوينه لالتقاء الساكنين ، ولشبهه (١) بتنوين العلم المنعوت بـ «ابن».

وحذف التنوين هنا أحسن من حذف التنوين فى قراءة عبد الوارث : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ـ ٢] من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن اتصال «عزير» بـ «ابن» لأنهما جزءا جملة واحدة ، ألزم من اتصال «أحد» بـ «الله» لأنهما من جملتين.

الثانى : أن حذف تنوين «عزير» فى الإخبار عنه بـ «ابن» شبيه بحذفه فى النعت به ؛ بخلاف حذف تنوين «أحد».

الثالث : أن حذف تنوين «عزير» يخلص من ثقل لا يلزم مثله من ثبوت تنوين «أحد» ؛ وذلك أن تنوين «عزير» ، إذا لم يحذف تحرك لالتقاء الساكنين ، فيلزم من تحريكه وقوع كسرة بين ضمتين ؛ أولاهما فى حرف تكرار قبله ياء ساكنة ؛ ولا يلزم ذلك ولا قريب منه إذا لم يحذف تنوين «أحد» ؛ فكان حذف تنوين «عزير» أحسن وأولى.

وإنما حكمت بانصراف «عزير» لأن عاصما والكسائى قرآ به فصح كونه منصرفا : إما لأنه عربى الأصل ، وإما لأن أصله «عازر» أو «عيزار» ، ثم صغر تصغير الترخيم حين عرب فصرف لصيرورته ثلاثيا ، ولا اعتداد بياء التصغير ؛ لأن «نوحا» لو صغر لبقى مصروفا ؛ ولأن سيبويه حكى فى تصغير «إبراهيم» و «إسماعيل» «بريها» و «سميعا» مصروفين (٢).

ثم بينت أن تنوين العلم المنعوت بـ «ابن» متصل مضاف إلى علم قد ثبت فى الضرورة كقول الراجز : [من الرجز]

جارية من قيس بن ثعلبه

كأنّها حلية سيف مذهبه (٣)

__________________

(١) فى أ : لشبه.

(٢) قال سيبويه : وزعم أنه سمع فى «إبراهيم» و «إسماعيل» : «برية» و «سميع». ينظر : الكتاب (٣ / ٤٧٦).

(٣) الرجز للأغلب العجلى فى ديوانه ص ١٤٨ ، ولسان العرب (حلا) ، وأساس البلاغة (قعنب) ، ـ ـ وخزانة الأدب ٢ / ٢٣٦ ، والدرر ٣ / ٣٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٦ ، والكتاب فى لسان العرب (قبب) ، والمخصص ١٢ / ٢٢ ، والخصائص ٢ / ٤٩١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٦ ، وتاج العروس (الياء).

٨

(ص)

واضمم أو انصب ما اضطرارا نوّنا

ممّا له استحقاق ضمّ بيّنا

والضّمّ فيما كان منه علما

أولى ، وغيره بعكس فاعلما (١)

(ش) قد تقدم أن المنادى المستحق للضم ضربان :

أحدهما : علم.

والآخر : اسم جنس قصد تعينه (٢).

والمراد هنا : التنبيه على ما يعاملان به إذا اضطر إلى تنوينهما ؛ فأشرت إلى أن فيهما وجهين :

أحدهما : الضم تشبيها بمرفوع اضطر إلى تنوينه ، وهو مستحق لمنع الصرف.

والثانى : النصب تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين.

وبقاء الضم فى العلم أولى من النصب. والنصب فى غير العلم أولى من الضم ؛ لأن سبب البناء فى العلم أقوى منه فى اسم الجنس المعين.

ولأن نصب العرب العلم المضطر إلى تنوينه قليل ، ونصبهم اسم الجنس المضطر إلى تنوينه كثير.

ولم يسمع سيبويه (٣) فى قول الشاعر : [من الوافر]

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (٤)

__________________

(١) فى أ : علما.

(٢) فى أ : تعيينه.

(٣) ينظر : الكتاب (٢ / ٢٠٢).

(٤) البيت للأحوص فى ديوانه ص ١٨٩ ، والأغانى ١٥ / ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٥٠ ، ١٥٢ ، ٦ / ٥٠٧ ، والدرر ٣ / ٢١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٠٥ ، ٢ / ٢٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٦٦ ، والكتاب ٢ / ٢٠٢ ، وبلا نسبة فى الأزهية ص ١٦٤ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ، والإنصاف ١ / ٣١١ ، وأوضح المسالك ٤ / ٢٨ ، والجنى الدانى ص ١٤٩ ، والدرر ٥ / ١٨٢ ، ورصف المبانى ص ١٧٧ ، ٣٥٥ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٨ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٧ ، ومجالس ثعلب ص ٩٢ ، ٥٤٢ ، والمحتسب ٢ / ٩٣.

٩

إلا الرفع. وروى قول الشاعر : [من الخفيف]

ضربت صدرها إلىّ وقالت

يا عديّا لقد وقتك الأواقى (١)

بالنصب ومثله قول الآخر : [من الخفيف]

 .........

يا عديّا لقلبك المهتاج (٢)

وأما اسم الجنس المعين بالقصد فقلما ورد إلا منصوبا كقول الشاعر : [من الوافر]

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا

ألؤما لا أبالك واغترابا (٣)

ومن الوارد مضموما قول الشاعر : [من البسيط]

ليت التّحيّة كانت لى فأشكرها

مكان «يا جمل» : «حيّيت يا رجل» (٤)

هكذا الرواية المشهورة [«يا جمل»](٥) ـ بالضم ـ والله أعلم.

(ص)

وباضطرار خصّ جمع (يا) و (أل)

إلّا مع (الله) ففيه يحتمل (٦)

والأكثر (اللهمّ) بالتّعويض

وشذّ (يا اللهمّ) فى قريض

نحو : (إذا ما حدث ألمّا

أقول : يا اللهمّ يا اللهمّا

وفى الّذي كـ (الشّهم زيد) علما

عمرو بجمع (يا) و (أل) قد حكما

(ش) لا يجتمع «يا» والألف واللام فى غير الاضطرار إلا مع «الله» خاصة ؛ لأن الألف واللام لا يفارقانه بوجه ما ، فكانتا فيه بمنزلة الحروف الأصلية ، وإذا دخلت عليهما «يا» قيل : «يا الله» ـ بالوصل ـ و «يا ألله» ـ بالقطع ـ.

__________________

(١) البيت للمهلهل بن ربيعة فى خزانة الأدب ٢ / ١٦٥ ، والدرر ٣ / ٢٢ ، وسمط اللآلى ص ١١١ ، ولسان العرب (وقى) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١١ ، والمقتضب ٤ / ٢١٤ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٧٧ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٨٠٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٧٠ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٠ ، والمنصف ١ / ٢١٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٣.

(٢) ينظر : خزانة الأدب (٦ / ٥٠٨) ، المقتضب (٤ / ٢١٥) ، ولم يضره المبرد لقائل ، ولم تذكر له تتمة فى الخزانة ولا فى المقتضب.

(٣) تقدم تخريج هذا البيت.

(٤) البيت لكثير عزة فى ديوانه ص ٤٥٣ ، والدرر ٣ / ٢٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٥١٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٤ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ٢ / ٤٤٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٣.

(٥) سقط فى «أ».

(٦) فى «أ» : محمل.

١٠

والأكثر أن يقال «اللهمّ» فتجعل الميم المشددة عوضا من «يا» ، ولكونها عوضا منها لم يجمع بينهما إلا فى اضطرار كقول الراجز : [من الرجز]

إنّى إذا ما حدث ألمّا

أقول يا اللهمّ يا اللهمّا (١)

وقد شبه الألف واللام للزومهما (٢) فى «الّتى» بالألف واللام فى «الله» من قال : [من الوافر]

من اجلك يا الّتى تيّمت قلبى

وأنت بخيلة بالوصل عنّى (٣)

وأما قول الآخر : [من الرجز]

فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسبانا شرّا (٤)

فمحمول على أنه أراد : «فيأيّها الغلامان» لأن الألف واللام فى «الغلامان» لا يشبهان الألف واللام فى «الله» ؛ والبغداديون يقيسون على هذا فيجيزون «يا الرّجل» ، ويقولون : «لم نر موضعا يدخله التنوين ، يمتنع من الألف واللام».

وأجاز سيبويه (٥) اجتماع «يا» و «أل» فيما سمى به من نحو : «الرّجل ينطلق».

__________________

(١) الرجز لأبى خراش فى الدرر ٣ / ٤١ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٣٤٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٦ ، ولأمية بن أبى الصلت فى خزانة الأدب ٢ / ٢٩٥ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ٢٣٢ ، والإنصاف ص ٣٤١ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣١ ، وجواهر الأدب ص ٩٦ ، ورصف المبانى ص ٣٠٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٩ ، ٢ / ٤٣٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٤٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٩ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٣٠٠ ، ولسان العرب (أله) ، واللمع فى العربية ص ١٩٧ ، والمحتسب ٢ / ٢٣٨ ، والمقتضب ٤ / ٢٤٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٦٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٨.

(٢) فى أ : فى لزومهما.

(٣) البيت بلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٣٠ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩ ، والإنصاف ١ / ٣٣٦ ، والجنى الدانى ص ٢٤٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٣ ، والدرر ٣ / ٣١ ، وشرح عمد الحافظ ص ٢٩٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٨ ، والكتاب ٢ / ١٩٧ ، واللامات ص ٥٣ ، ولسان العرب (لتا) ، والمقتضب ٤ / ٢٤١ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

(٤) الرجز بلا نسبة فى أسرار العربية ص ٢٣٠ ، والإنصاف ١ / ٣٣٦ ، والدرر ٣ / ٣٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥١٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ، وشرح المفصل ٢ / ٨ ، واللامات ص ٥٣ ، واللمع فى العربية ص ١٩٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٢٥ ، والمقتضب ٤ / ٢٤٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

(٥) قال سيبويه : لا يجوز لك أن تنادى «الضارب أبوه» إذا كان اسما ؛ لأنه بمنزلة اسم واحد فيه ـ

١١

وإليه أشرت بقولى :

وفى الذى كـ «الشّهم زيد» علما

 ........

فصل

(ص)

تابع ذى الضّمّ المضاف دون (أل)

ألزمه نصبا ، واعص من رفعا نقل

وما سواه ارفع أو انصب ، واجعلا

كمستقلّ نسقا وبدلا

وإن يك المنسوق مقرونا بـ (أل)

فهو برفع أو بنصب يحتمل

وسيبويه والخليل فضّلا

رفعا ، ونصبا يونس وابن العلا

ك (يونس) : (محمّد) فى كـ (الصّنع)

وهو كسيبويه فيما كـ (اليسع)

ونحو (زيد) فى النّدا إن نسقا

ينصب عند المازنى مطلقا

وتابع المضاف غير البدل

والنّسق الّذى كـ (عمرو وعلى)

ينصب حتما نحو : (يا ابنى الأكبر

وأعط غيبا أو حضورا مضمرا

يلى مؤكد الندا كيا مضر

كلهم أو كلّكم فادرى الصور

(ش) حق تابع المنادى المضموم أن ينصب ، مفردا كان أو غير مفرد ؛ لأن متبوعه مبنى اللفظ منصوب المحل :

فما نصب منه فعلى الأصل. وما رفع فلشبه متبوعه بمرفوع فى اطراد الهيئة. ولا يرفع إلا وهو مفرد ، أو مضاف يشبه المفرد ؛ لكون إضافته غير محضة نحو : «يا زيد الحسن الوجه».

ولأصالة نصب التابع فى هذا الباب فضل على الرفع بأن اشترك معه فى التابع المفرد والشبيه به.

وخص بالتابع المضاف إضافة محضة ، وإلى هذا الاختصاص أشرت بقولى :

تابع ذى الضّمّ المضاف دون «أل»

ألزمه نصبا .....

وأشرت بقولى :

 ........

 ... واعص من رفعا نقل

١٢

إلى ما يراه أبو بكر بن الأنبارى من جواز رفع صفة المضموم إذا كانت مضافة. وإلى ما روى ابن خالويه من أن الأخفش حكى : «يا زيد بن عمرو» ـ بضم النون ـ فهذا من الشاذ الذى لا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه.

ثم قلت :

وما سواه ارفع أو انصب ...

 ......

أى : ما سوى المضاف المجرد من «أل».

فدخل فى ذلك المفرد ، والمضاف المقرون بـ «أل» فلهما النصب حملا على الموضع ، والرفع حملا على اللفظ ؛ لشبهه بالمرفوع ؛ فيقال : «يا زيد الحسن الوجه ، والكريم الأب» ـ بالرفع ـ و «يا زيد الحسن الوجه ، والكريم الأب» ـ بالنصب ـ.

وإنما لحق هذا المضاف بالمفرد فى جواز الرفع ؛ لأن إضافته غير محضة فعومل معاملة المفرد. وقد تناول التابع من قولى :

تابع ذى الضّمّ ...

 ......

ما قصد من نعت نحو : «يا زيد الحسن والحسن».

ومن توكيد نحو : «يا تميم أجمعون ، وأجمعين».

ومن عطف بيان نحو : «يا غلام بشر ، وبشرا».

وأوهم تناول ما لم يقصد ، وهو البدل ، والمعطوف نسقا ؛ فإنهما مفتقران إلى كلام يخصهما.

وذلك أن البدل كله ، والمنسوق الخالى من «أل» حكمهما فى الإتباع حكمهما فى الاستقلال.

ولا فرق فى ذلك بين الواقع بعد مضموم ، والواقع بعد منصوب :

فما كان منهما مفردا ضم كما يضم لو وقع بعد «يا» ، وما كان منهما مضافا نصب كما ينصب بعد «يا» ؛

وإنما كانا كذلك لأن البدل يقدر معه مثل عامل المبدل منه ، والمعطوف بحرف شبيه به لصحة تقدير العامل قبله ، ولاستحسان ظهوره توكيدا ؛ كما يظهر مع البدل.

فإن قرن المعطوف بـ «أل» امتنع تقدير حرف النداء قبله ، فأشبه النعت ، وجاز فيه الرفع والنصب ، كما يجوز فى النعت المفرد ، واختلف فى المختار منهما :

١٣

فقال الخليل ، وسيبويه (١) ، والمازنى : هو الرفع.

وقال أبو عمرو ، وعيسى بن عمر (٢) ، ويونس ، والجرمى : النصب.

وقال محمد بن يزيد المبرد (٣) : إن كانت «أل» معرفة كما هى فى «الصّنع» (٤) فالمختار : النصب ؛ لأن المعرف بالألف واللام يشبه المضاف ، وإن كانت غير معرفة كما هى فى «اليسع» فالمختار : الرفع ؛ لأن الألف واللام إذا لم تعرف ، لم يشبه ما هى فيه المضاف.

ثم أشرت بقولى :

ونحو «زيد» فى النّدا إن نسقا

ينصب عند المازنى مطلقا

إلى أن المازنى يجيز أن يقال : «يا زيد وعمرا» و «يا عبد الله وزيدا» ؛ وهذا مذهب الكوفيين.

قال ابن السراج : «وزعم أبو عثمان أنه يجوز : «يا زيد وعمرا ، أقبلا» ـ على الموضع ـ كما جاز : «يا زيد وزيدا أقبل» ـ بعطف «زيدا» الثانى على الموضع عطف بيان».

ثم أشرت إلى أن المنادى المضاف يجب نصب تابعه ؛ لأن رفع التابع إنما جاز إذا كان لفظ متبوعه شبيها بالمرفوع. واستثنيت البدل ؛ لأنه لا ينصب إلا إذا كان مضافا ، والمعطوف الذى كـ «عمرو» لأنه لا ينصب إلا عند المازنى ، والكوفيين ـ كما سبق ـ.

ثم أشرت إلى أن للمنادى اعتبار حضور من قبل ما عرض له من المواجهة ، واعتبار غيبة ؛ لأنها الأصل :

__________________

(١) قال سيبويه : وقال الخليل. رحمه‌الله. من قال : يا زيد والنضر ، فنصب ؛ فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التى ير فيها الشىء إلى أصله ، فأما العرب فأكثر ما رأيناهم يقولون : يا زيد والنضر. وقرأ الأعرج : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١] فرفع. ينظر : الكتاب (٢ / ١٨٦ ، ١٨٧).

(٢) هو عيسى بن عمر الثقفى أبو عمر ، مولى خالد بن الوليد ، إمام فى النحو والعربية والقراءة ، أخذ عن أبى عمرو بن العلاء ، وعبد الله بن أبى إسحاق ، وروى عنه الأصمعى ، وغيره. من مصنفاته : الإكمال ، والجامع. مات سنة ١٤٩ ه‍. ينظر : بغية الوعاة (٢ / ٢٣٧) ، الأعلام (٥ / ١٠٦).

(٣) ينظر : المقتضب (٤ / ٢١٢ ، ٢١٣).

(٤) الصّنع : يقال : رجل صنع ، أى : حاذق.

١٤

فباعتبار العارض يقال : «يا تميم كلّكم» و «يا زيد نفسك».

وباعتبار الأصل يقال : «يا تميم كلّهم» و «يا زيد نفسه» ؛ وقد اجتمع الاعتباران فى قول الشاعر : [من الطويل]

فيأيّها المهدى الخنا من كلامه

كأنّك تطفو فى إزارك خرنق (١)

(ص)

و (أيّها) وصل ندا ما فيه (أل)

والتّاء فى التّأنيث زد تكف العدل

و (ها) لتنبيه وما بعد صفه

يلزمها الرّفع لدى ذى المعرفه

والمازنى نصبها أجاز لا

نقلا ، ولكن بقياس عملا

وهى لدى الأخفش تكميل صله

و (أى) موصول حر بالتّكمله

و (أيّهذا) (أيّها الّذى) ورد

ووصف (أى) بسوى هذا يردّ

ومثل (أى) ما به أشرت فى

لزوم رفع صفة لا تكتفى

بدونها ، وما بدون الوصف تم

حين ينادى انعته نعتك العلم

وتابع التّابع محمول على

ما جازه فى لفظه محصّلا

ك (أيّها الجاهل ذو التّنزّى

لا توعدنّى حيّة بالنّكز)

(ش) إذا قلت «أيّها الرّجل» فـ «أى» و «الرّجل» كاسم واحد ، و «أى» مدعو ، و «الرّجل» نعت له ملازم ؛ لأن «أيّا» مبهم لا يستعمل بغير صلة إلا فى الجزاء أو الاستفهام ، فلما لم يوصل ألزم الصفة لتبينه كما تبينه الصلة.

و «ها» : حرف تنبيه.

فإذا قلت : «أيّها الرّجل» لم يصلح فى «الرّجل» إلا الرفع ؛ لأنه المنادى حقيقة ، و «أى» متوصل به إليه.

وإن قصد مؤنث زيدت التاء كقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) [الفجر : ٢٧].

وأجاز المازنى والزجاج نصب صفة «أى» قياسا على صفة غيره من المناديات المضمومة.

__________________

(١) الخرنق : الفتىّ من الأرانب أو ولده. ينظر : القاموس (خرنق).

والبيت بلا نسبة فى : الدرر ٦ / ١٧١ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٣.

١٥

وقد يوصف «أى» باسم إشارة ، أو موصول فيه الألف واللام كقوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦].

وكقول الشاعر : [من الطويل]

ألا أيّهذا الباخع الوجد نفسه

لأمر نحته عن يديه المقادر (١)

ومن وصف «أيّا» بغير ما أشرت إليه فقد أخطأ.

وإلى ذا أشرت بقولي :

 .......

ووصف «أى» بسوى هذا يردّ

ويجوز أن توصف صفتها ولا تكون إلا مرفوعة ، مفردة كانت أو مضافة كقول الراجز : [من الرجز]

يأيّها الجاهل ذو التّنزّى (٢)

الا توعدنّى حيّة بالنّكز (٣)

ومثل «أى» فى لزوم رفع صفتها وعدم الاستغناء عنها صفة اسم الإشارة إذا جعل سببا إلى نداء ما فيه الألف واللام.

كما فعل بـ «أى» ؛ فتقول : «يا هذا الرّجل» ـ بالرفع لا غير ـ إذا أردت ما أردت بقولك : «يا أيّها الرّجل».

فإن قدرت الوقف على هذا ، ولم تجعله وصلة ، وكان مستغنيا بإفراده ، جاز نصب صفته ورفعها ؛ وهذا ما أردت بقولى :

 ... وما بدون الوصف تمّ

حين ينادى انعته نعتك العلم

(ص)

وبانتصاب الثّان فه والأوّل

من «زيد زيد اليعملات الذّبّل»

ونحوه وإن ضممت الأوّلا

والثّان منصوب فعلت الأمثلا

(ش) إذا كرر اسم مضاف فى النداء نحو قول الراجز : [من الرجز]

__________________

(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١٠٣٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٧ ، ولسان العرب (بخع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٧ ، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١ / ٤٧٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٥٣ ، ولسان العرب (نحا) ، والمقتضب ٤ / ٢٥٩.

(٢) التنزى : الوثبان والارتفاع والسمو. ينظر : مقاييس اللغة (نزو).

(٣) نكزت الحية : لسعت بأنفها. ينظر : القاموس (نكز). ـ

١٦

يا زيد زيد اليعملات (١) الذّبّل

تطاول اللّيل عليك فانزل (٢)

فلا بد من نصب الثانى.

وفى الأول وجهان : الضم ، والفتح.

فإن ضم فلأنه منادى مفرد معرفة ، ونصب الثانى حينئذ ؛ لأنه منادى مضاف ، أو توكيد ، أو عطف بيان ، أو بدل ، أو منصوب بإضمار «أعنى».

وإن فتح الأول فهو على مذهب سيبويه (٣) : منادى مضاف إلى ما بعد الثانى ، والثانى مقحم بين المضاف والمضاف إليه.

ومذهب المبرد (٤) : أن الأول منادى مضاف إلى محذوف دل عليه الآخر ، والثانى مضاف إلى الآخر ، ونصبه من خمسة أوجه ـ كما سبق ـ.

ومن النحويين من جعل الاسمين عند فتح الأول مركبين تركيب «خمسة عشر».

__________________

والرجز لرؤبة فى ديوانه ص ٦٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٧١ ، وشرح المفصل ٦ / ١٣٨ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٩ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٥ / ١٦٩ ، وجمهرة اللغة ص ٨٢٥ ، والكتاب ٢ / ١٩٢ ، والمقتضب ٤ / ٢١٨.

(١) اليعملة : الناقة النجيبة المعتملة المطبوعة. ينظر : القاموس (عمل).

(٢) الرجز لعبد الله بن رواحة فى ديوانه ص ٩٩ ، خزانة الأدب ٢ / ٣٠٢ ، ٣٠٤ ، والدرر ٦ / ٢٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٤٣٣ ، ٢ / ٨٥٥ ، ولبعض بن جرير فى شرح المفصل ٢ / ١٠ ، والكتاب ٢ / ٢٠٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ١٠٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٥٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٧ ، واللامات ص ١٠٢ ، ولسان العرب (عمل) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٥٧ ، والمقتضب ٤ / ٢٣٠ ، والممتع فى التصريف ١ / ٩٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٢.

(٣) قال سيبويه : «هذا باب يكرر فيه الاسم فى حال الإضافة ويكون الأول بمنزلة الآخر ، وذلك قولك : يا زيد زيد عمرو» ، ثم قال : «وذلك لأنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصبا ، فلما كرروا الاسم توكيدا تركوا الأول على الذى يكون عليه لو لم يكرروا».

ينظر : الكتاب (٢ / ٢٠٦).

(٤) ينظر : المقتضب (٤ / ٢٢٧ ، ٢٢٨).

١٧

فصل فى المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

(ص)

واجعل منادى إن أضفته لـ (يا)

ك (عبد) (عبدى) (عبد) (عبدا) (عبديا)

والضّمّ مع نيّة ياء النّفس قد

رووا كـ (ربّ السّجن) فاحفظ ما ورد

و (يا بنىّ) (يا بنىّ) فى (بنىّ)

قل وسوى هذين ممنوع لدىّ

(ش) حذف الياء التى أضيف إليها المنادى أكثر من ثبوتها ، وثبوتها ساكنة أكثر من ثبوتها متحركة ، وقلبها ألفا أكثر من حذف الألف ، وإبقاء الفتحة دليلا عليها.

فهذه خمسة أوجه.

وذكروا ـ أيضا ـ وجها سادسا ، وهو الاكتفاء من الإضافة بنيتها ، وجعل الاسم مضموما كالمنادى المفرد ، ومنه قراءة بعض القراء (١) : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف : ٣٣] ، وحكى يونس عن بعض العرب : «يا أمّ لا تفعلى» ، وبعض العرب يقول : «يا ربّ اغفر لى» و «يا قوم لا تفعلوا».

وإذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كـ «بنى» قيل : «يا بنىّ» و «يا بنىّ» ـ لا غير ـ.

فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالى الياءات ، مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود (٢) الثنتين ، وليس بعد اختيار الشىء إلا لزومه.

والفتح على وجهين :

أحدهما : أن تكون ياء المتكلم أبدلت ألفا ، ثم التزم حذفها لأنها بدل مستثقل.

الثانى : أن تكون ثانية ياءى «بنى» حذفت ، ثم أدغمت أولاهما فى ياء المتكلم ففتحت ؛ لأن أصلها الفتح ، كما فتحت فى «يدى» ، ونحوه. والله أعلم.

__________________

(١) العامة على كسر الباء ؛ لأنه مضاف لياء المتكلم اجتزئ عنها بالكسرة ، وهى الفصحى ، والسجن : بكسر السين ورفع النون على أنه مبتدأ والخبر «أحب» ، والسجن : الحبس.

والمعنى : ملاقاة صاحب السجن ومقاساته أحب إلى. وقرأ عثمان ومولاه طارق وزيد بن على والزهرى وابن أبي إسحاق وابن هرمز ويعقوب بفتح السين ، وفى الباقى كالعامة. ينظر : الدر المصون (٤ / ١٨١).

وقال ابن جنى فى قراءة مثل هذه وهى : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ـ : «هذا عند أصحابنا ضعيف ، أعنى : حذف حرف النداء مع الاسم الذى يجوز أن يكون وصفا لـ «أى» ...». ينظر : المحتسب : ٢ / ٦٩.

(٢) فى أ : دخول.

١٨

(ص)

وفتح او كسر وحذف اليا اشتهر

فى «يا ابن أمّى» «يا ابن عمّى» وندر

كسر وفتح مع ياء أو ألف

ك «يا ابن أمّى» «ابنة عمّا» فاعترف

(ش) إذا نودى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم لم تحذف الياء ، كما تحذف إذا نودى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم ، لم تحذف الياء ؛ كما تحذف إذا نودى المضاف إليها ؛ لأنها إذا نودى المضاف إليها أشبهت التنوين ؛ لوقوعها موقعه فحذفت كما يحذف.

فإذا كان المنادى مضافا إلى مضاف إليه لم تحذف ؛ لعدم وقوعها موقع تنوين منادى ؛ فيقال : «يا ابن أخى» و «يا ابن خالى».

وكان أصل «ابن الأمّ» و «ابن العمّ» أن يقال فيهما : «يا ابن أمّى» و «يا ابن عمّى» إلا أنهما كثر استعمالهما فى النداء ، فخصا بحذف الياء ، وبقاء الكسرة دليلا عليها فى قول من قال : «يا ابن أمّ» و «يا ابن عمّ» ، وبإبدال الياء ألفا وحذفها ، وبقاء الفتحة دليلا عليها فى قول من قال : «يا ابن أمّ» و «يا ابن عمّ».

ولا يكادون يثبتون الياء والألف إلا فى ضرورة كقول الشاعر : [من الخفيف]

يا ابن أمّى ويا شقيّق نفسى

أنت خلّيتنى لدهر شديد (١)

وكقول الراجز : [من الرجز]

يا ابنة عمّا لا تلومى واهجعى (٢)

(ص)

(أبت) أو (أبت) فى (أبى) شهر

والتّاء للتّعويض من ذى اليا ذكر

لذا أبوا (يا أبتى) و (أبتا)

ما فيه من مدّ لبعد ثبتا

__________________

(١) البيت لأبى زبيد فى ديوانه ص ٤٨ ، والدرر ٥ / ٥٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٩ ، والكتاب ٢ / ٢١٣ ، ولسان العرب (شقق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٤٠ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٥٧ ، وشرح قطر الندى ص ٢٠٧ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢ ، والمقتضب ٤ / ٢٥٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٤.

(٢) الرجز لأبى النجم فى خزانة الأدب ١ / ٣٦٤ ، والدرر ٥ / ٥٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٧٩ ، وشرح المفصل ٢ / ١٢ ، والكتاب ٢ / ٢١٤ ، ولسان العرب (عمم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٤ ، ونوادر أبى زيد ص ١٩ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٤١ ، ورصف المبانى ص ١٥٩ ، وشرح قطر الندى ص ٢٠٨ ، والمقتضب ٤ / ٢٥٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٤.

١٩

ومثل هذا قد فشا مطّردا

فى كلّ ما ناديته إن بعدا

ومثل (يا أبت) (يا أمّت) جا

فى كلّ ما ذكرت فادر المنهجا

(ش) التاء فى «يا أبت» تاء تأنيث عوضت من ياء المتكلم ، وكسرها أكثر من فتحها ، وبفتحها قرأ ابن عامر ، وقرأ الباقون بكسرها.

ولكونها تاء تأنيث وقف بإبدالها هاء ابن كثير وابن عامر ، ووقف الباقون بالتاء مراعاة للرسم.

ولكونها عوضا من الياء لم يجمع بينهما لفظا ، وقولهم : «يا أبتا» : الألف فيه هى الألف التى يوصل بها آخر المنادى إذا كان بعيدا ، أو مستغاثا به ، أو مندوبا ، وليست بدلا من ياء المتكلم كما هى فى : (يا حَسْرَتى) [الزمر : ٥٦] و (يا أَسَفى) [يوسف : ٨٤]. لأن ياء المتكلم لا تجامع هذه التاء فلا تجامع بدلها.

وقالوا ـ أيضا ـ فى الأم : «يا أمّت» كما قالوا فى الأب «يا أبت».

فصل الأسماء المختصة بالنداء

(ص)

وخصّ بالنّداء أسماء فقل

(فلة) للأنثى وفى التّذكير (فل)

و (ملأم) (لؤمان) (ملأمان)

كذاك (نومان) و (مكرمان)

كذا الّذى إلى (فعال) عدلا

فى سبّ أنثى وقياسا جعلا

عند أبى بشر (يا خباث)

والأمر هكذا من الثّلاثى

والكسر حتم فيهما و (فعل)

سبّ مذكّر منادى يجعل

نقلا وبعض ما مضى قد يرد

غير منادى مثل ما قد أنشدوا

(فى لجّة أمسك فلانا عن فل)

ونحو ذا اخصص باضطرار تعدل

وقيل : (يا هن) و (يا هناه)

كذاك (يا هنت) و (يا هنتاه)

وأصل ذا الهاء سكون وكسر

وضمّ ـ أيضا ـ بشذوذ اغتفر

(هنان) (هنتان) المثنّى وجمع

(هنون) مع (هنات) فاسمع وأطع

والحركات أشبع ان شئت وزد

ها السّكت ساكنا وفى وقف يرد

(ش) خصوا بالنداء أسماء لا تستعمل فى غيره إلا فى ضرورة :

فمن ذلك قولهم للرجل : «يا فل» ـ بمعنى يا فلان ـ.

٢٠