بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

إلا أن تكيله أو تزنه إلا أن تولاه الذي قام عليه» (١) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : «إنه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال؟ قال : لا يصلح له ذلك» (٢) حيث علق فيهما جواز بيع المبيع على الكيل أو الوزن ، سيّما مع وقوع الأولى في جواب السائل عن بيع ما لم يقبض أو يكال ، وليس إلا لكونهما قبضا في المكيل والموزون. ذهب إلى هذا القول جماعة ، بل نسبه بعضهم إلى المشهور.

وفيه : إن اعتبار الكيل والوزن : ان كان لكونهما قبضا في المكيل والموزون.

فيدفعه : أنهما يصدران ـ غالبا ـ من البائع في مقام الإقباض والتسليم ، والقبض والتسليم فعل المشتري ، فكيف يكون ما هو فعل البائع فعلا للمشتري؟ فلا أقل من القول بالتفصيل بين ما لو صدرا من البائع أو المشتري في مقام التسلم والقبض ، ومنه يظهر وجه الإشكال في جعل التخلية ـ التي قد عرفت معناها ـ قبضا ـ مطلقا ـ أو في غير المنقول الذي ادعي الاتفاق عليه فيه (٣).

__________________

(١) راجع : كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي : كتاب التجارة ، أبواب العقود ، باب جواز بيع المبيع قبل قبضه ـ حديث رقم ١١ ، طبع الإسلامية طهران.

(٢) راجع : كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي : كتاب التجارة ، أبواب العقود ، باب جواز بيع المبيع قبل قبضه ـ حديث رقم ٥ طبع الإسلامية طهران.

(٣) كما هو مفاد القول الأول والثاني الآنفين ـ من أن المراد بها رفع اليد وجميع الموانع عن سلطنة القابض واستيلائه عليه ، فإنها بالمعنى المذكور من فعل البائع لا من فعل المشتري : فلا يصح تفسير القبض الذي هو فعل المشتري بها ـ حينئذ ـ ولكن يمكن رفع الاشكال بتفسير التخلية بما يناسب فعل المشتري ، بأن نقصد منها : التخلية بمعناها الاسم المصدري الذي هو حصيلة المعنى المصدري القائم بالبائع ، فمن فسر القبض في باب البيع بالتخلية أراد بها : التخلي بالمبيع وكونه

١٢١

وان اعتبرهما الشارع شرطا في رفع المنع ـ تحريما أو كراهة ـ عن بيع ما لم يقبض في خصوص الطعام أو مطلق المكيل والموزون.

فيدفعه ـ مضافا إلى كونه خروجا عن فرض كونهما قبضا في المكيل والموزون ـ : أنه مناف للإجماعات المحكية على جواز البيع بعد القبض فاللازم حمل الصحيحتين ونحوهما على الغالب مما يترتب عليهما من القبض والتسلم.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما استقر به في (المختلف) : من كون القبض في المنقول نقله ، وفي المكيل والموزون ذلك ، أو كيله ووزنه مخيّرا بينهما (١).

واستند في هذا القول الى الجمع بين العرف الذي هو المرجع فيما لا نص فيه من الشرع مؤيدا برواية عقبة بن خالد عن الصادق ـ عليه السلام ـ في رجل اشترى متاعا من آخر ، وواجبه ، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، وقال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع : من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته ، فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله اليه» حيث جعل ـ عليه السلام ـ النقل هو القبض. وبين صحيحة معاوية المتقدمة (٢).

__________________

مخلى من قبل البائع بنحو لم يكن له سلطان عليه بعد أن كان ، ولا ريب أن ذلك المعنى قائم بالمشتري ، فيصح تفسير القبض بما هو فعله بها ، ويكون رفع يد البائع وجميع الموانع عن المبيع من مقدمات حصول التخلية للمشتري بالمعنى المذكور وبالجملة ، فالتخلية بمعناها المصدري من فعل البائع ، وبمعناها الاسم المصدري من فعل المشتري ، فتأمل.

(١) وهذا القول اعتبره المصنف رابع الأقوال الثمانية في مسألة القبض.

(٢) الآنفة الذكر في ص ١٢١.

١٢٢

ولعل التزامه بكون الكيل والوزن قبضا دون أن يكون اعتبارهما لمحض كونهما شرطا في رفع المنع التحريمي أو الكراهي عن بيع المكيل والموزون للتخلص عن لزوم تخصيص الصحيحة بالإجماع الذي حكاه بعد أن ساقها حيث قال : «فجعل ـ عليه السلام ـ الكيل والوزن هو القبض ، لأن الإجماع على تسويغ بيع الطعام بعد قبضه» (١).

هذا ، ومفاد الإجماع المزبور : هو كون القبض مسوغا للبيع ، لا حصر المسوغ به ـ كما هو مفاد ما حكاه جدنا (٢) في (الرياض) حيث قال

__________________

(١) راجع : مختلف الأحكام للعلامة كتاب التجارة ، الفصل السادس عشر في القبض وحكمه. وتمام الموضوع ما نصه : «مسألة ـ قال الشيخ في المبسوط ـ الى قوله ـ : والأقرب ، ان المبيع ان كان منقولا فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد ، وان كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك ، أو الكيل أو الوزن ، وان لم يكن منقولا فالقبض فيه : التخلية. لنا : أن العرف يقتضي ما قلناه ، ومن عادة الشرع رد الناس الى ما يتعارفونه من الاصطلاحات فيما لا ينص على مقصوده باللفظ.

ويؤيده : ما رواه عقبة بن خالد عن الصادق ـ عليه السلام ـ في رجل اشترى متاعا من آخر وواجبه ، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، وقال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع ، من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله اليه» فجعل النقل هو القبض ، لأنه علل زوال الضمان به. ولا خلاف إنه معلل بالقبض ، فكان هو القبض ، وما رواه معاوية بن وهب ـ في الصحيح ـ : قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ : عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه فقال : ما لم يكن كيل أو وزن ، فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه ، إلا أن يوليه الذي قام عليه. فجعل ـ عليه السلام ـ : الكيل والوزن هو القبض ، للإجماع على تسويغ بين الطعام بعد قبضه ..».

(٢) صاحب الرياض السيد مير علي الطباطبائي هو جد المصنف لأمه.

١٢٣

في جواب المناقشة على الرواية ـ : «.، فليكونا قبضا ، للإجماع على عدم ارتفاعه الا به»(١)

وتبعه ـ في كيفية نقل الإجماع وحصر المسوّغ بالقبض ـ الفاضل الجواد في (شرح اللمعتين) حيث قال ـ في وجه سقوط المناقشة : «. بالإجماع المدعى على عدم ارتفاع المنع ـ تحريما أو كراهة ـ بدون القبض» (٢) ولا يخفى عليه الفرق الواضح بين النقلين ، واختلاف لزوم التخصيص على الطريقين.

القول الخامس ـ ما ذهب إليه في (المبسوط) حيث قال : «..

__________________

(١) راجع : كتاب التجارة ، لو أحق البيع ، الثالث في القبض وأحكامه وتمام عبارته ـ فيما يخص الموضوع ـ : «.. والمناقشة فيهما : بضعف الدلالة من حيث أن ظاهر الأولى أن البيع قبل القبض لا يجوز حتى يكيل أو يوزن ، وذلك لا يدل على كون القبض ذلك ، ولا يدل على ذلك بضم السؤال ، إذ يصح جواب السائل : هل يجوز قبل القبض؟ بأنه لا يجوز قبله بدون أحد الأمرين. والثانية : انه يعتبر في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري : نقل المتاع وإخراجه من بيته وليس فيه تفسير القبض بكونه عبارة عن ماذا ، مع أن ظاهرها أنه يعتبر في انتقال الضمان الإخراج من بيت البائع ، ولا قائل به ـ مدفوعة : بظهور الأولى في ارتفاع المنع تحريما أو كراهة بأحد الأمرين فليكن قبضا ..».

(٢) لعل المقصود : شرح اللمعة المسمى بـ (الأنوار الغروية) للفاضل الشيخ محمد جواد ابن الشيخ محمد تقي ابن الشيخ محمد الأحمدي البياتي ، الشهير بـ (ملا كتاب) المتوفى بعد سنة ١٢٦٧ ه‍ وهو كتاب كبير يحتوي على عامة أبواب الفقه في عدة مجلدات ، وتمم بعض أبوابه ولده الشيخ حسين في عدة مجلدات أيضا والكتاب لا يزال مخطوطا ، توجد نسخته في بعض خزائن المخطوطات في النجف الأشرف.

١٢٤

وان كان مما ينقل ويخول ، فان كان مثل الدراهم والدنانير والجواهر ومما يتناول باليد ، فالقبض فيه هو التناول ، وان كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة ، فإن القبض في البهيمة أن يمشي بها الى مكان آخر ، وفي العبد أن يقيمه الى مكان آخر ، وان كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه ، وان كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن يكيله» انتهى (١)

القول السادس ـ ما ذهب إليه في (الدروس) قال : «والقبض في غير المنقول : التخلية بعد رفع اليد ، وفي الحيوان نقله ، وفي المعتبر كيله أو وزنه أو عده : ذلك أو نقله ، وفي الثوب : وضعه في اليد» (٢) ولعل نظره في المكيل والموزون الى الصحيحتين ، وفي النقل الى العرف ، ورواية عقبة المتقدمة ، لكن الفرق بين الحيوان وغيره مشكل وإلحاق المعدود بالمكيل والموزون قياس ، وكلمة (بعد) لعلها زائدة لأن التخلية تحصل برفع اليد والموانع ، لا بعد (٣).

القول السابع ـ كفاية التخلية في نقل الضمان عن البائع ، لا في زوال المنع عن بيع ما لم يقبض. نفى عنه البأس في (الدروس) (٤).

ومن المحتمل أن يكون ذلك اختلافا في مناط الحكمين ، لا في تسميته

__________________

(١) راجع : كتاب البيع ، فصل في حكم بيع ما لم يقبض ، وقبل هذه الجملة ما نصه «.. وكيفية القبض ينظر في المبيع : فان كان مما لا ينقل ولا يحول فالقبض فيه التخلية ، وذلك مثل العقار والأرضين ، وان كان مما ينقل ..».

(٢) راجع : كتاب البيع ، درس في القبض.

(٣) بناء على ما قربناه فيما سبق : من أن المراد بالتخلية معناها الاسم المصدري القائم بالمشتري وأن رفع يد البائع والموانع عن المبيع من مقدماتها بالمعنى المذكور فلا زيادة في كلمة (بعد).

(٤) راجع : كتاب البيع ، درس في القبض ـ حيث يقول : «.. وقيل :

١٢٥

قبضا على أن يكون القبض في نقل الضمان غيره في زوال المنع ، وعليه لا يكون قولا آخر في ماهية القبض وحقيقته. ويقرّبه استبعاد كونه قولا في معنى القبض مرضيا عنده ، بعد ما اختار قبله بلا فصل : ما نقلناه عنه إلا أنه ـ حينئذ ـ يمكن أن يقال عليه : كيف نفى البأس عنه مع أن التخلية إن كانت قبضا ، فقد حصل المسوّغ للبيع للإجماع المتقدم المحكي في (المختلف) وغيره ، وإلا فلم يتحقق نقل الضمان بحكم النبوي المعروف : «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» بل رواية عقبة المتقدمة دالة بظاهرها على اعتبار النقل في رفع الضمان عن البائع ، كما فهمه الأصحاب لا كفاية التخلية فيه ، كما فهمه شيخنا المرتضى ـ قدس سره ـ في (المكاسب) وجعلها معارضا للنبوي وتكلف في وجه الجمع بينهما (١). ومنشأه قراءة (يقبض) بضم حرف المضارعة ، لا بفتحها ، وجعل فاعل (يخرج) راجعا إلى البائع دون المشتري.

القول الثامن ـ الاستقلال والاستيلاء عليه باليد وهو. المحكي عن الأردبيلي ـ رحمه الله ـ والسبزواري ـ رحمه الله ـ (٢) و (المسالك) وإن

__________________

التخلية مطلقا ولا بأس به في نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو الكراهية عن البيع قبل القبض ..»

(١) حيث قال ـ كما في كتاب البيع ، القول في أحكام القبض ـ «.. فيمكن حمل النبوي على ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية ، واحتمل ورود الرواية مورد الغالب من ملازمة الإخراج للوصول إلى المشتري بقرينة ظاهر النبوي.».

(٢) قال المحقق السبزواري في كفاية الأحكام في الفصل الثالث من أحكام العقود : «والأقوى الرجوع في ذلك (يعني القبض) الى العرف حيث لم يثبت له حقيقة شرعية ، قال في المسالك : العرف يدل على أن إقباض غير المنقول يتحقق بالتخلية مع رفع يد البائع عنه وعدم مانع للمشتري من قبضه ، وأما في المنقول فلا يتحقق

١٢٦

أطرده في الأخير في غير المكيل والموزون ، وتبع فيهما النصوص المتقدمة (١).

لكن لا يكاد يتم ما ذكره هنا وقواه ، مع ما ذكره ـ أخيرا ـ بعد ذكر فروع كثيرة بقوله : «والتحقيق هنا أن الخبر الصحيح دل على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما له ، لا على أن القبض لا يتحقق بدونهما وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض ـ حينئذ ـ لا ينافي ذلك ، لأن الاعتبار بهما قبض وزيادة ، وحينئذ ، فلو قيل : بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بمقتضى العرف والخبر الأخير ، ويتوقف البيع ثانيا على الكيل والوزن ، أمكن ، إن لم يكن إحداث قول النهي فتأمل جيدا» انتهى.

والذي يظهر لي أن القبض معناه أمر واحد في جميع موارد اعتباره وهو الاستيلاء والسلطنة العرفية على الشي‌ء وقيامها بذات المشتري ، بعد أن كانت قائمة بذات البائع. مثلا ـ بحيث لو لم يكن مالكا أو مأذونا من مالك لكان غاصبا من غير مدخلية مماسة اليد أو فعل الجوارح في ماهيته واعتبار العرف لشي‌ء من ذلك ، إنما هو لكونه كاشفا عن حصولها له وتحققها فيه ، فهو معتبر من باب الامارة والطريقية ، لا موضوعية له في

__________________

إلا باستقلال يد المشتري به سواء نقله أم لا ، وكذا في طرف البائع بالنسبة إلى الثمن وهو حسن».

(١) راجع : ج ١ كتاب التجارة ، الفصل الرابع في أحكام العقود ، النظر الثالث في التسليم ـ في شرح قول المحقق : «والقبض هو التخلية ..» حيث يقول «.. والعرف يدل على أن إقباض غير المنقول يتحقق بالتخلية مع رفع يد البائع عنه ، وعدم مانع للمشتري من قبضه ، وأما في المنقول فلا يتحقق إلا باستقلال يد المشتري به سواء نقله أم لا ، وكذا في طرف البائع بالنسبة إلى الثمن ، وهذا مطرد في المكيل والموزون وغيرهما ، إلا أنهما خرجا بالنص الصحيح فبقي الباقي ، وهذا هو الأقوى».

١٢٧

ماهيته ، بل هي مرتبة على السلطنة ترتب المعلول على العلة والأثر على المؤثر. نعم هي أسباب لحكم العرف بحصولها للمشتري ، لا لنفس الحصول فلو حصلت التخلية التامة التي هي بمنزلة الإقباض من البائع ـ مثلا ـ مع قبولها من المشتري تحولت تلك السلطنة من المنقول منه الى المنقول اليه ، وقامت بذاته قيام الصفة بالموصوف والعارض بالمعروض ، ولذا لو أرجع الغاصب العين المغصوبة إلى المغصوب منه ووضعها بين يديه أو في داره بمشهد منه حصلت التأدية منه ، وبرئت ذمته ، وليس إلا لرجوع تلك السلطنة المسلوبة منه اليه بمجرد وضعه بين يديه وحصول القبض منه لماله وكذا الودعي للوديعة. ولعل اختلاف عبارات الأصحاب في قبض المنقول عدا من اعتبر الكيل والوزن في المكيل والموزون للتعبد محض اختلاف في التعبير عن الكواشف والأمارات ، لا خلاف في أصل معناه. ولذا كل منهم يستند في دعواه الى العرف. فلترجع ـ حينئذ ـ جملة من الأقوال بعضها الى بعض.

هذا تمام الكلام في أقوال المسألة

١٢٨

بقي هنا فروع

الأول انه لو كان المبيع مشغولا بأمتعة البائع : فاما أن يكون منقولا (١) أو غير منقول (٢) وعلى الأول : فاما أن نعتبر النقل في قبضه (٣) أو تكفي التخلية أو الاستيلاء ، وعلى التقادير : فمرة ـ مع إذن البائع لنقل المتاع ، وأخرى ـ مع عدم إذنه له.

فنقول : أما مع الاذن بنقله (٤) فلا إشكال في حصول القبض ـ مطلقا ـ بعد حصول ما هو معتبر فيه (٥) ـ منقولا كان أو غير منقول ـ كالعقار والدور. وأما مع عدم إذن البائع في نقل المتاع مع كونه آذنا في قبض المبيع أو كان اذنه غير معتبر لوصول الثمن إليه (ففي) تحقق القبض قبل تفريغه وترتب جميع أحكامه عليه بالاستيلاء عليه ، أو نقله بما فيه ، ان كان منقولا واعتبرنا النقل فيه ، أو عدمه كذلك (٦) أو ترتب نقل الضمان عن البائع دون غيره من أحكام لعدم كونه قبضا ـ : (وجوه

__________________

(١) يعني : يمكن نقله من مكان البيع الى حيز آخر.

(٢) مثل الدار والعقار.

(٣) يعني : لا يكفي في تحقق قبضه مجرد التخلية أو الاستيلاء بل يعتبر مع ذلك نقله عن مكان البيع الى مكان آخر.

(٤) اي نقل المتاع.

(٥) من مجرد التخلية أو الاستيلاء عليه أو مع نقله الى حيز آخر في المنقول (٦) يعني : عدم ترتب شي‌ء من أحكام القبض قبل تفريغه عن المتاع وان استولى عليه المشتري أو نقله بما فيه ان كان منقولا.

١٢٩

واحتمالات) قوى أولها (١) في (الجواهر) ونظره الى عدم مانعية الإثم لتحقق القبض وترتب أحكامه عليه ، وهو حسن ، إن كان المنشأ ذلك لأن النهي لا يدل على الفساد في المعاملة ، وإن اتحد العنوان المحرّم معها في الوجود ـ كما هو محقق في محله ـ (٢).

__________________

(١) يعني تحقق القبض قبل تفريغه وترتب جميع أحكامه عليه بالاستيلاء عليه أو نقله بما فيه إن كان منقولا واعتبر النقل فيه.

(٢) النهي عن المعاملة : تارة يكون من جهة أن الانشغال بها يفوت الحضور الى واجب تضيق وقته ، كالنهي يوم الجمعة عن البيع عند النداء الى صلاتها في الآية الشريفة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) .. وأخرى ـ يكون لاتحاد العنوان المحرّم معها في الوجود ، كما في صورة نقل المبيع المشتمل على متاع البائع الحاصل به قبض المشتري له ، فيما لو اذن البائع بنقله ، ولم يأذن بنقل ما فيه من المتاع فان نقله المحرم لعدم اذن مالكه بنقله اتحد مع نقل المبيع المأذون من البائع نقله. والنهي في الصورتين المذكورتين لا يقتضي فساد المعاملة ـ أعني البيع وقت النداء وقبض المبيع مع ما فيه من المتاع الذي لم يأذن مالكه بنقله ـ إذ النهي فيهما إنما هو لجهة خارجة عنها وهي مبغوضية الانشغال بما يفوت الواجب المضيق وقته وفيما نحن فيه مبغوضية التصرف في مال الغير بدون اذنه وهو غاية ما يقتضي حرمتها ، لا عدم ترتب الأثر عليها الذي هو معنى صحة المعاملة إذ ليست المعاملة كالعبادة مما تكون حرمتها كاشفة عن مبغوضيتها للشارع ، وعدم صلاحية التقرب بها الى الله تعالى لأي جهة كانت حرمتها.

نعم ربما تكون المعاملة بذاتها من حيث هي هي متعلقة لنهي الشارع لجهة فيها تقتضي مبغوضيتها لديه ، وعدم إمضائه لها كبيع المحاقلة والمزابنة والربا ونظائرهما مما تكون المعاملة بذاتها مبغوضة للشارع ومتعلقة لنهيه ، فيكون دليلها مخصصا لعموم آية «حل البيع» و «التجارة عن تراض» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

١٣٠

ولكن يمكن أن يوجه المنع بعدم تحقق الاستيلاء والسلطنة ، أو التخلية التي قد عرفت أن معناها رفع جميع الموانع التي منها ـ بل أعظمها ـ المانع الشرعي لكونه مستلزما للتصرف في مال الغير بغير إذنه ولو كان منقولا ، واعتبرنا النقل فيه ، لأن اعتبار النقل اعتبار للتخلية وزيادة. نعم يتحقق بعد التفريغ وان أثم فيه ، لا قبله (١).

__________________

فتفسد المعاملة بذلك ولا يترتب عليها الأثر ـ شرعا.

(١) توضيح ذلك : أن القبض الذي هو الاستيلاء المطلق على المبيع ـ منقولا كان أم غير منقول ـ يتوقف تحققه بالنسبة إلى المشترى على رفع جميع الموانع عن استيلائه الذي هو معنى التخلية وحقيقتها. ومن أعظم الموانع وأهمها : المانع الشرعي المستلزم عدم رفعه للتصرف في مال الغير بدون إذنه.

وعليه فالتخلية بالمعنى المذكور لا بد منها في تحقق القبض ، ولو فيما يعتبر في تحقق قبضه نقله ، إذ ليس معناه الاكتفاء بمجرد نقله ، ولو كان ممنوعا منه ـ شرعا ـ وإلا لما توقف قبضه على إذن البائع بالقبض فيما يعتبر فيه اذنه ، كما في صورة عدم وصول الثمن اليه ، بل اعتبار نقله اعتبار للتخلية وزيادة.

إذا عرفت ما ذكرنا : من أن الاستيلاء المطلق على المبيع لا يتحقق للمشتري إلا برفع جميع الموانع ، سيما المانع الشرعي ، ففي الفرع المذكور ، وهو ما لو اشتمل المبيع على متاع البائع : رفع المانع الشرعي عن استيلاء المشتري إنما يتحقق بأحد أمور ثلاثة : إما بنقل البائع متاعه عنه ، أو إذنه للمشتري بنقله عنه ، أو إذنه بنقله مع المبيع فيما يعتبر في قبضه النقل ـ فلو لم يتحقق أحد الأمور الثلاثة لا يمكن تحقق القبض المشروع بمعنى الاستيلاء المطلق على المبيع وترتب جميع أحكام القبض عليه من غير فرق بين المنقول وغير المنقول كالدار والعقار. فان الدار المشغولة بمتاع البائع ـ ولم يأذن للمشتري بتفريغها عنه وكان ممنوعا عنه شرعا ، لاستلزامه التصرف في مال الغير بدون إذنه ـ كيف يمكن القول بتحقق قبضها بمعنى الاستيلاء

١٣١

ومنه يظهر وجه القول الأخير (١) ومواقع النظر من كلام شيخنا في (الجواهر) حيث قال : «.. فان كان منقولا كالصندوق المشتمل على أمتعة البائع ، كفى في قبضه ـ على المختار ـ حصول تلك السلطنة عليه ولو قبل تفريغه ، بل لو اعتبرنا نقله ـ ونقله المشتري بالامتعة ـ كفى في نقل الضمان وغيره ، حتى مع عدم إذن البائع في نقل الأمتعة ، بعد أن يكون آذنا في المبيع ، أو كان إذنه غير معتبر لوصول الثمن إليه ، إذ الإثم في ذلك لا ينافي صحة القبض وترتب أحكامه عليه (٢) واحتمل في (المسالك) توقفه ـ فضلا عن غيره من أحكام القبض ـ على إذن البائع في نقل الأمتعة

__________________

المطلق عليها أو تخليتها له مع كونها مشغولة بمتاع البائع ، ولم يأذن بالتصرف فيه ونقله عنها ، سيما إذا كان جل بيوتها مشغولة بالمتاع. نعم يتحقق القبض بعد حصول الإثم بنقل المتاع عنها وتفريغها منه ، لا قبله.

(١) وهو القول بترتب نقل الضمان إلى المشتري وعدم ترتب غيره من أحكام القبض الصحيح ـ فيما لو اذن البائع بنقل المبيع ـ خاصة ـ ولم يأذن بنقل ما فيه من المتاع ـ ونقله المشتري بما فيه.

أما وجه ترتب نقل الضمان إلى المشتري ، فلما سيجي‌ء من سيدنا المصنف في الفرع السادس : من أن نقل الضمان من البائع إلى المشتري لا يتوقف على صحة القبض ، بل هو من أحكام مطلق قبض المشتري ـ سواء الصحيح منه والفاسد ـ

وأما عدم غيره من أحكام القبض ، فلما عرفت ـ آنفا في توجيه المنع ـ أنه من آثار القبض الصحيح غير الممنوع فيه شرعا ـ والمفروض ان القبض المذكور ممنوع عنه ـ شرعا ـ لاستلزامه التصرف بمال البائع غير المأذون بنقله.

(٢) ظهر مما ذكرنا ـ آنفا ـ : أن الأحكام المترتبة على القبض الصحيح غير الممنوع عنه شرعا لا يترتب عليه. وإنما يترتب عليه خصوص نقل الضمان المترتب على مطلق القبض ـ صحيحا كان أم فاسدا.

١٣٢

وفيه من الضعف ما لا يخفى ، وإن كان غير منقول فلا ريب في تحقق التخلية قبل نقل الأمتعة ، فيكتفى بها. واحتمل في (المسالك) عدم الاكتفاء قبل النقل ـ أيضا ـ وهو أضعف من سابقه» (١) انتهى.

وأما الوجه الثالث (٢) فقد يقال : إنه لا موجب لنقل الضمان بعد أن لم يكن قبضا بالفرض ، مع أنه تالف قبل قبضه «وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع» بحكم النبوي المتقدم.

ودعوى ترتب الضمان على القبض الفاسد ـ غير الشرعي ـ كقبض المغصوب وإن لم يترتب عليه سائر أحكامه.

__________________

(١) راجع : كتاب البيع من كتاب الجواهر في مبحث ما يتحقق به القبض في شرح قول المحقق : القبض هو التخلية ..

أما وجه الضعف فيما يتوقف قبضه على نقله ، فقد ظهر بما أشار إليه في (الجواهر) من أن الإثم في ذلك (يعني في نقل المبيع) لا ينافي صحة القبض وترتب أحكامه عليه ، بناء على ما تقدم منا ـ آنفا ـ من أن النهي عن المعاملة ـ لا من حيث هي هي بل لجهة خارجة عنها كما في المقام ـ لا يقتضي فسادها وعدم ترتب الأثر عليها.

وأما وجه أضعفية ما احتمله في (المسالك) من عدم الاكتفاء بالتخلية في غير المنقول قبل نقل المتاع عن المبيع ، فهو انا لو تنزلنا وسلمنا اعتبار اذن البائع بنقل المتاع فيما يتوقف قبضه على نقله ، ولكن فيما يكون قبضه بالتخلية الحاصلة برفع يد البائع عن المبيع وتفويض أمره الى المشتري ، فعدم الاكتفاء بها في تحقق القبض قبل نقل المتاع وتفريغه ، كاد أن يكون بلا وجه.

هذا ، ولكن ذكرنا ـ آنفا ـ أنه يمكن توجيه ما احتمله في (المسالك) بما أشار إليه المصنف بقوله «ولكن يمكن توجيه ذلك ..» الى آخر كلامه.

(٢) أي : ترتب نقل الضمان إلى المشتري دون غيره من أحكام القبض.

١٣٣

يدفعها : أن الضمان المترتب عليه هو الضمان بالمثل أو القيمة ، دون الضمان بالمسمى ، والمبيع مضمون بالمسمى على بائعه قبل التلف ، لا بالمثل أو القيمة.

إلا أن الأقوى ـ كما ستعرف ـ ضمانه بالمسمى ، إن لم يكن فساده منبعثا عن فساد العقد أو ما يعتبر فيه ـ كما في المقام ـ (١).

ومنه يظهر قوة ما قواه في (المسالك) (٢) ففي المسألة احتمالات ثلاثة.

الثاني ـ لو كان المبيع بنفسه مشتركا بين البائع وغيره ، فعلى المختار كفى في تحقق القبض حصول الاستيلاء والسلطنة للمشتري على حسب ما كان

__________________

(١) يعني : أن الأقوى ضمان المشتري المقبوض بالقبض الفاسد بالمسمى فيما لم يكن منشأ فساده فساد العقد أو ما يعتبر فيه. فإنه يضمنه بالمثل أو القيمة فيما كان المنشأ فساد العقد ، وفي المقام : منشأ فساد القبض عدم اذن البائع بنقل المتاع ، مع فرض صحة العقد وسيأتي من سيدنا ـ في الفرع السادس ـ توضيح ذلك.

(٢) حيث قال الشهيد ـ قدس سره ـ في مباحث القبض من كتاب البيع ـ : «الرابع ـ لو كان المبيع مشغولا بملك البائع : فإن كان منقولا كالصندوق المشتمل على أمتعة البائع واعتبرنا نقله فنقله المشتري بالأمتعة ، كفى في نقل الضمان مطلقا ـ ويحتمل توقفه على إذن للبائع في نقله الأمتعة ، وان كان عقارا كالدار ، ففي الاكتفاء بالتخلية قبل نقل المتاع وجهان ، أجودهما ذلك ، وهو خيرة التذكرة».

فإن الظاهر من اكتفائه في نقل الضمان ـ مطلقا ـ ومن قوله أخيرا ـ أجودهما ذلك قوة الاكتفاء بمطلق النقل.

وقوله ـ في الفرع الأول «ويحتمل توقفه على إذن البائع في نقله الأمتعة» مجرد احتمال ، لا اختيار.

١٣٤

للبائع ـ مطلقا ـ منقولا كان المبيع أم غيره.

وكذا على القول بكفاية التخلية ـ مطلقا ـ إذ ليس للمشتري إلا ما كان للبائع من السلطنة له في المال المشترك ، والمنع من التصرف من جهة الشركة لا ينافي الملكية بالإشاعة ، لوضوح الفرق بين الطلق والمشاع في الملكية والتخلية المطلوبة من المالك ، وان اعتبرنا النقل في المنقول وكان المبيع المشترك منقولا ، فغير بعيد الحاقة بغير المنقول في تحقق القبض بالتخلية ـ كما عن (المختلف) ـ في كتاب الهبة ـ (١).

ويحتمل ـ قويا ـ توقف القبض على إذن الشريك أو قبض الحاكم له ـ أجمع ـ بعضه أمانة ، وبعضه عن المشتري ، بعد رفع أمره الى الحاكم.

الثالث : قال في (المسالك) ـ تبعا للتذكرة ـ : «لو كان المبيع في مكان لا يختص بالبائع ، كفى في المنقول نقله من حيز الى آخر ، وان كان في مكان يختص به ، فان نقله فيه من مكان الى آخر باذنه كفى أيضا (٢)

__________________

(١) قال العلامة في المختلف ، في آخر مسألة من الفصل الأول من كتاب الهبة) : «مسألة : قال الشيخ في (المبسوط) : هبة المشاع جائزة ، ثم إن كان مما لا ينقل كالأرض كان القبض هو التخلية ، وإن كان مما ينقل كان القبض التحويل ، فان وافق الشريك على أن يقبض المتهب أو المتهب على أن يوكل الشريك في القبض صح ، وان تعاسرا نصب الحاكم أمينا يقبض الكل : نصفه هبة ونصفه أمانة للشريك حتى يتم عقد الهبة ، والوجه عندي : جعل القبض ـ هنا ـ التخلية أيضا لأنه ـ فيما لا يمكن نقله وتحويله ـ كأنه لا فرق بين عدم الإمكان المستند الى عدم القدرة الحسية أو عدم القدرة الشرعية ، وهو أولى من التحكم في مال الشريك بغير اختياره».

(٢) يعني في ترتيب جميع آثار القبض على نقله.

١٣٥

وان كان بغير إذنه كفى في نقل الضمان خاصة كما مر» (١).

قلت : هذا مبني على اعتبار النقل في المنقول ، وعليه فالظاهر حصول القبض بنقله (٢) من حيز الى آخر ، وان كان مختصا بالبائع وكان بغير إذنه لتحقق ما هو مناط القبض من التسليط والتسلط والنقل المأذون في أصله ، وإن أثم باختياره منه الفرد المتحد مع العنوان المحرم ، سيّما مع كون الحيز المنقول إليه في طريق السلوك الى الخارج ضرورة أن النقل الى ذلك الموضع محلل لا إثم فيه ، وهو يكفي في تحقق القبض ، وها هنا يتجه كلام شيخنا المقدم في (جواهره) لا في الفرع المتقدم ، فافهم (٣).

__________________

(١) راجع : كتاب المسالك للشهيد الأول ، المبحث السادس من مباحث القبض في شرح قول المحقق (القبض هو التخلية ..) ويريد مما مر : أي في المبحث الرابع من مباحث القبض ، كما أشار إليها سيدنا المصنف ـ آنفا ـ ونقلنا ـ عبارته بنصفها وعلقنا على الموضوع ـ فراجع.

(٢) وترتيب جميع آثار القبض على نقله.

(٣) يريد سيدنا المصنف ـ قدس سره ـ بالفرع المتقدم : الفرع الأول من فروع القبض ، وهو ما إذا كان المبيع مشغولا بأمتعة البائع ، ولم يأذن بنقل المتاع مع كونه آذنا بقبض المبيع ونقله المشتري بما فيه ، وقوى صاحب (الجواهر) ـ قدس سره ـ حصول القبض للمشتري بنقله مع المتاع ، وترتيب جميع آثار القبض وأحكامه على نقله مع المتاع ، قائلاً «إن الإثم بنقل المتاع لا ينافي صحة القبض وترتب أحكامه عليه» وذكر سيدنا ـ قدس سره ـ أن نظره في حصول القبض : أنه معاملة والنهي عنها لا يقتضي الفساد.

ثم ذكر ـ رحمه الله ـ وجها لفساد القبض المذكور ، سبق منا توضيحه ، وحاصل الفرق بين هذا الفرع وبين ما سبق من الفرع الأول : أنه في هذا الفرع مناط صحة القبض حاصل ، وهو إذن البائع بأصله ، وقدرة المشتري ـ شرعا ـ عليه بنقله

١٣٦

الرابع : لو باع ما هو غير منقول كالدار مع ما فيها من المنقول صفقة فالظاهر كفاية التخلية في قبض المجموع ـ هنا ـ وان اعتبرنا النقل في المنقول ، لأن قبض الدار قبض لها بما فيها ـ عرفا.

__________________

الى حيز خارج عما يختص بالبائع مما لم يأذن بنقله إليه ، غاية الأمر : إن المشتري بسوء اختياره طبق القبض المأذون فيه على الفرد المحرم ـ شرعا ـ بأن نقله الى المكان الذي لم يأذن البائع بنقله اليه ، فيتوجه ـ حينئذ ـ كلام صاحب الجواهر ـ قدس سره ـ بأن النهي عن المعاملة ـ أعني القبض المتحد مع الحرام في الوجود ـ لا يقتضي الفساد وعدم ترتب الأثر عليه.

هذا ، ولكن في الفرع السابق لم يكن فساد القبض من حيث اجتماعه مع الحرام في الوجود ، بل من حيث أن البائع لم يأذن بنقل متاعه وتحريكه عن مكانه مطلقا لا منضما الى المبيع ولا مجردا عنه ، وكل منهما ممنوع عنه شرعا ـ لكونه مستلزما للتصرف في مال الغير بدون إذنه ، ولم يكن شق ثالث يمكن أن يحصل به قبض المبيع بلا مانع شرعي ، فلا أثر لإذن البائع بقبض المبيع في ظرف عدم قدرة المشتري على القبض المشروع.

والحاصل : إن التخلية التي ليست هي مجرد رفع البائع يده عن المبيع ، بل هي : تحويل سلطنته على المبيع إلى المشتري ورفع المانع الحاصل من جهته عن قبضه المبيع وتسلطه عليه ـ عقليا كان أو شرعيا ـ في الفرع المتقدم غير حاصلة ، فتبصر لئلا تقول : إن في كل من الفرعين نقل المبيع الحاصل به قبضه ممنوعا عنه المشتري شرعا ، وفي الفرع الذي نحن فيه كذلك ، فما الوجه في كون المنع الشرعي في الفرع المتقدم مانعا عن تحقق القبض بنقله دون هذا الفرع؟

نقول : إن القبض المشروع في الفرع السابق غير مقدور للمشتري ، وإنما المقدور له غير المشروع ، وهنا مقدور له بنقله الى حيز خارج عما يختص بالبائع فافهم.

١٣٧

ويحتمل اعتبار النقل في خصوص قبض الحال ، وان كفت التخلية في قبض المحل (١).

الخامس : لو كان المبيع مكيلا أو موزونا ، فلا يخلو من صور ثلاث ، لأنه إما أن يكون كيله أو وزنه معلوما ، أو لا ، كما لو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه. وعلى الأول : فاما أن يكون معلوما بالمشاهدة ـ كما لو كيل أو وزن بمشهد المشتري ـ قبل العقد عليه ، أو بأن أخبره به ، فصدقه.

أما الثالثة : فهي المتيقنة من مورد النصوص المتقدمة الدالة على المنع تحريما أو كراهة عن بيع المكيل أو الموزون قبل كيله أو وزنه.

وأما الأولى : ففي الاكتفاء بالكيل السابق أو وزنه عن تجديدهما بعد البيع ـ ثانيا ـ وجهان : مبنيان على أن اعتبارهما هل هو من جهة تحقق القبض ، فلا بد من تجديدهما بعد البيع إذ لا معنى للقبض قبل البيع ـ كما قواه في المسالك ـ ونسبه فيه الى العلامة والشهيد (٢) وعليه ، فلا بد

__________________

(١) اما ما استظهره سيدنا ـ قده ـ من كفاية التخلية في قبض المجموع فهو أن ما في الدار ـ مثلا ـ من المتاع بمنزلة التابع لها في البيع فيكفي في قبضه ما يكفي فيها من التخلية : وأما وجه ما احتمله من اعتبار النقل في خصوص المتاع الذي فيها وان كفت التخلية في بعض الدار فباعتبار انهما مبيعان انضم كل منهما إلى الآخر فلكل منهما حكمه في تحقق قبضه.

(٢) راجع : البحث السابع من مباحث القبض من كتاب المسالك في شرح قول المحقق : والقبض هو التخلية حيث يقول : «.. لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو : إما أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن ، أو لا ، بأن أخبر البائع المشتري بكيله أو وزنه ، أو باعه قدرا منه معينا من صبرة مشتملة عليه ، فان كان الآخر فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه للنص المتقدم ، وان كان الأول ، ففي

١٣٨

من الاعتبار ـ ثانيا ـ في الصورة الثانية بطريق أولى ، أو لمحض التعبد في رفع المنع عن بيعه ـ ثانيا ـ المحتمل عليه دعوى الاكتفاء بالكيل السابق أو وزنه لإطلاق النصوص المتقدمة الشاملة لما كان الكيل أو الوزن قبل البيع ، ضرورة صدق كونه كيل أو وزن عليه. وعليه ، ففي الصورة الثانية يحتمل الاكتفاء به أيضا ، ويحتمل العدم ، لعدم الأولوية ـ حينئذ ـ مضافا الى رواية محمد بن حمران «قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : اشترينا طعاما ، فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله؟ فقال : لا بأس فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ فقال : لا ، أما أنت فلا تبعه حتى تكيله» (١).

هذا ، والتعرض لكلمات الأصحاب في هذا الفرع ربما ينجرّ إلى الإطناب.

والذي يختلج بالبال ويخطر في الخيال في تحقيق المسألة : هو أن يقال : كل مبيع بعد تعلق البيع الصحيح به جاز للمشتري بيعه بعد الدخول في ملكه ـ مطلقا ـ وإن لم يقبضه ، لوقوعه من أهله في محله. إلا المكيل

__________________

الافتقار الى اعتباره ـ ثانيا ـ لأجل القبض ، أو الاكتفاء بالاعتبار السابق ، وجهان : من إطلاق توقف الحكم على الكيل أو الوزن ـ وقد حصلا ـ وقوله «لا تبعه حتى تكيله أو تزنه» لا يدل على أزيد من حصولهما الشامل لما كان قبل البيع ، ومن كون الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لأجل صحة البيع فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد ، وبه صرح العلامة والشهيد وجماعة ، وهو الأقوى».

(١) راجع : وسائل الشيعة للحر العاملي ج ١٢ طبع جديد : كتاب التجارة أبواب عقد البيع وشروطه ، باب جواز الشراء على تصديق البائع .. حديث ٤ والإسناد هكذا : وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن محمد ابن حمران .. إلخ.

١٣٩

والموزون ، فإنه يمنع عن بيعه مكايلة قبل قبضه ، وان دخل في ملكه للنصوص المتقدمة ، بعد تنزيلها على الغالب من ترتب القبض على الكيل والوزن ، وبعد قبضه يجوز بيعه ، وان تحقق بغير الكيل والوزن ، لما تقدم من الإجماع المحكي في (المختلف) (١) على انعقاد البيع بعد القبض ، فالقبض هو المناط في جواز البيع ـ ثانيا ـ جمعا بين النصوص والإجماع المتقدم.

وإن أبيت إلا الجمود على ظاهر النص وأغضيت النظر عن إجماع (المختلف) أو تمسكت بظاهر معقده المحكي في (الرياض) (٢) و (شرح اللمعتين) (٣) فنقول : خصوص المكيل والموزون يمنع عن بيعه ـ ثانيا ـ إلا بعد الكيل والوزن ، وان حصل القبض فيهما بدون ذلك ، كما لو نقله المشتري الى بيته ، وتصرف فيه بجملة التصرفات من دون كيل عليه أو وزن ، فإنه ـ حينئذ ـ يترتب جميع أحكام القبض عليه حتى دخوله في ضمان المشتري غير أنه لو أراد بيعه ـ ثانيا ـ توقف على كيله أو وزنه ، للنصوص المتقدمة

السادس : المقبوض بالقبض الفاسد ، لو تلف بيد المشتري كان مضمونا عليه ـ مطلقا ـ بالمثل أو القيمة ، إن كان الفساد منبعثا عن فساد العقد أو ما يعتبر فيه ، وبالمسمى إن كان فاسدا فيما لا يكون القبض مستحقا له على البائع مع وقوعه منه بغير إذنه وفرض كون العقد صحيحا ، ومعناه انتقال الضمان منه إليه ، لقاعدة الضمان على من تلفت بيده.

وقد يتوهم ـ هنا ـ كون الضمان على البائع ، بناء على ما تقدم من

__________________

(١) راجع ـ هذا المضمون ـ فيما مضى من هذا الكتاب : القول الثالث من أقوال القبض ص ١٢٤.

(٢) راجع : ـ ذلك ـ فيما سبق من الكتاب : ص ١٢٠.

(٣) راجع ما سبق آنفا : ص ١٢٤ من الكتاب وذكرنا ـ هناك ـ : أن الصحيح (شرح اللمعة) للفاضل الجواد.

١٤٠