بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

أظهرها التفصيل لما عرفت (١).

الأمر الثامن قد عرفت أن سبب انفساخ العقد وحله إنما هو التلف قبل القبض ، فلو شك بعد تحقق التلف في كونه من التلف الموجب للانفساخ وعدمه ، ولو للشك في كونه من التلف قبل القبض أو بعده فربما يتوهم فيه الحكم بلزوم العقد للشك في عروض الفاسخ له أو فاسخية العارض ، إلا أنه توهم فاسد ، لأن الشك فيه مسبب عن حصول القبض وعدمه ، لعدم تعقل القبض بعد التلف ، وأصالة عدم تحقق القبض محكمة على أصالة لزوم العقد واستصحاب بقائه ، ولا يتوهم أن أصالة عدم القبض لا تثبت عنوان كون التلف قبل القبض ، والسبب إنما هو التلف المعنون بعنوان القبلية على القبض لا بعدم القبض بعده لأن القبلية بالنسبة إلى بعدية الغير له غير معقول هنا ، لأن القبض بعد التلف من قبض المعدوم ، وهو محال ، فلا جرم كان معنى تلفه قبل القبض تلفه بلا قبض (٢).

__________________

(١) بين مثال السرقة والضياع فيلحق بالتلف في الحكم بالانفساخ ، وبين مثال غصب الظالم المتعذر استحصال المغصوب منه فيلحقه حكم تعذر التسلم بعد العقد فيتخير المشتري بين الفسخ والرجوع بالمسمى على البائع فيضمن الغاصب ما غصبه للبائع وبين الإمضاء والرجوع بالمغصوب أو ببدله من المثل أو القيمة مع تلفه على الغاصب ، فافهم.

(٢) محصل ما ذكره ـ قدس سره ـ : أن سبب انفساخ العقد وحله هو تلف المبيع قبل قبضه ، فلو تحقق التلف وشك في كونه موجبا للانفساخ للشك في حصوله قبل القبض الموجب للانفساخ أو عبده مما لا يوجبه ، فربما يحكم بلزوم العقد للشك في وجود الفاسخ أو فاسخية الموجود وهو اتصاف التلف بكونه قبل القبض والأصل لزوم العقد وعدم عروض الفاسخ ، أو فاسخية العارض له. هذا ولكن الأصل المذكور مسبب عن الشك في حصول قبض المبيع وعدمه ، والأصل

١٨١

الأمر التاسع استثنى بعض الأصحاب كالمفيد في (المقنعة) على ما حكي عنه ، والسيد في (الانتصار) وسلار في (المراسم) (١) من الكلية المتقدمة : ما لو تلف المبيع قبل القبض في الثلاثة التي يثبت فيها خيار التأخير فذهبوا إلى كونه في ضمان المشتري وبعد الثلاثة من ضمان البائع ، لأنه ملكه بالعقد ، وكان التأخير لمصلحته ، بل في (الانتصار) وعن الغنية دعوى الإجماع عليه (٢).

__________________

الجاري في الشك السببي حاكم على الأصل الجاري في الشك المسببي ، فأصالة عدم تحقق قبض المبيع محكمة على أصالة اللزوم واستصحاب بقائه. (وتوهم) أن موضوع الانفساخ اتصاف التلف بكونه قبل القبض وأصالة عدم القبض لا تثبت العنوان المذكور : (أعني كون التلف قبل القبض) إلا بالأصل المثبت الذي لا نقول به (مدفوع) بأن قبلية التلف للقبض بالنسبة إلى بعدية القبض له غير معقول هنا فإنه بعد التلف من قبض المعدوم فلا بد من كون معنى تلف المبيع قبل القبض الذي هو موضوع الانفساخ تلفه بلا قبض المشتري له بمعنى ان موضوع الانفساخ مركب من جزئين تلف المبيع وعدم قبض المشتري له فأحد جزئي الموضوع ـ وهو التلف ـ حاصل بالوجدان ، والجزء الثاني ـ وهو عدم قبض المشتري له ـ مجرى الأصل ، فافهم.

(١) كتاب المراسيم لسلار ، طبع في ضمن (جوامع الفقه) بايران.

راجع ذلك في أول كتاب المكاسب منه ، ذكر الأول : لا يمضي بيع إلا في ملك البائع.

(٢) راجع ـ من الانتصار ـ : كتاب البيع والصرف والربا ـ مسألة ٦ ـ قوله : ومما انفردت به الإمامية أن من ابتاع شيئا معينا بثمن معين ولم يقبضا ـ الى قوله ـ «دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد» ومن الغنية : كتاب البيع فصل فيما يتعلق بالبيع من الأحكام خلال قوله : «واعلم ان من حكم البيع

١٨٢

ونسب إلى (الوسيلة) (١) وأبي الصلاح الحلبي : التفصيل بين ما لو عرض البائع المبيع ، فلم يتسلم المشتري ، فهو من ضمانه ، وعدمه ، فمن ضمان البائع.

قلت : ليس التفصيل بين عرض البائع المبيع وتمكينه من التسليم للمشتري ، وعدمه ، قولا في أصل المسألة ، بل لعله من التلف بعد القبض بناء منهم على تحقيق القبض بذلك ، موضوعا أو حكما ، لا استثناء من الحكم بالتلف قبل القبض.

وأما التفصيل بين الثلاثة وبعدها.

فان استند أهل هذا القول إلى إجماعي (الانتصار) و (الغنية) فمع موهونيتهما باعراض الأكثر عنهما ، معارض بالإجماع المحكي عن (الخلاف) المعتضد بإطلاق النبوي وفتوى المعظم.

وان استندوا الى التعليل المتقدم ، ففيه مع أنه عليل في نفسه أنه غير مختص بالثلاثة ، بل يأتي فيما بعدها ـ أيضا.

وان استندوا إلى قاعدة التلف في مدة الخيار المضمون على من لا خيار له ، والخيار هنا للبائع ، ففيه ، مع أنها مخصوصة بما إذا كان التلف بعد القبض ، كما يأتي (٢) وموقوفة على تقديمها ـ لو سلم شمولها لما قبله ـ على قاعدة التلف قبل القبض ، إذ النسبة بينهما ـ حينئذ ـ العموم من وجه : ـ أنه لا فرق ـ حينئذ ـ بين الثلاثة وبعدها في كونه في ضمان المشتري.

__________________

وجوب تسليم المعقود عليه في الحال ـ الى قوله ـ : كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

(١) كتاب الوسيلة إلى نيل الفضيلة طبع ضمن (جوامع الفقه) في إيران ذلك كتاب البيع منه ، فصل في بيان بيع الأعيان المرئية.

(٢) في تذييل الأمور المذكورة بعد العشرين منها.

١٨٣

بل لعل بعد الثلاثة أولى به منه فيها لأنه لا خيار في الثلاثة ، وانما يحدث بالتأخير بعدها.

الأمر العاشر لا يسقط هذا الضمان عن البائع بإسقاط المشتري أو إبرائه ، لأن الانفساخ بالتلف حكم إمضائي من الشارع لما تقارر عليه المتعاملان بعقد المعاوضة ، فهو من أحكامها ، وليس من الحقوق حتى يمكن فيه دعوى السقوط بالإسقاط.

ولو سلم كونه حقا ، لأنه متعهد به وفي عهدته كغيره من الأعيان المضمونة على من هي في يده لدخولها في العهدة. غير أن السلطنة هنا بالتلف على الرجوع بالمسمى ، وفي غيره على الرجوع بالمثل أو القيمة.

ففيه ـ مع أن الرجوع هنا بالمسمى إنما هو لرفع البدلية عنه بالتلف ، لا لأخذه بدلا وعوضا عن التالف ليكون حقا ـ : أنه ليس من الحقوق التي تسقط بالإسقاط لو فرض أنه حق بعد أن كان الانفساخ ـ قهريا ـ لما هو محقق في محله من أن الحق إذا كان الموجب له علة تامة لا يسقط بالإسقاط ولا ينتقل بالنواقل لعدم جواز تخلف المعلول عن علته التامة.

هذا ، ولو اشترط في العقد البراءة عنه ، احتمل ـ قويا ـ حصولها لرجوع الاشتراط فيه الى كون مفاد العقد المشروط بها صرف التمليك والتسليط الاقتضائي ، بمعنى الاستحقاق ، دون التسليط الفعلي الذي هو مفاد العقد المطلق ، ضرورة أن العقد المشروطة فيه البراءة عنه من الجانبين أو من أحدهما بالنسبة إلى ضمان العوضين أو أحدهما مفاده مغاير للعقد المطلق لأن مفاد الأول هو مجرد التمليك بإزاء التمليك بحسب الاقتضاء واستحقاق التملك منهما أو من أحدهما بحسب الشرط ، ومفاد الثاني هو التسليط الفعلي بإزاء التسليط الفعلي ، فان الاقتضائية والفعلية إذا اجتمعتا اتحدتا في الوجود فلا يكون الشرط في الأول منافيا لمقتضى ذات العقد. وهذا لا ينافي ما ذكرنا

١٨٤

من كون التسليم من تمام مقتضى العقد ، فإنه من مفاد العقد المطلق لا مطلق العقد. وبذلك ظهر الفرق بين الاشتراط في العقد والاسقاط بعده الذي لا أثر له بعد العقد اللازم العمل بتمام مقتضاه.

الحادي عشر ـ : ربما يستثني من هذه الكلية صور :

منها ـ ما لو أسلم عبد الكافر ، فإنه يجبر على بيعه من مسلم ، فلو تلف أو أبق أو سرق بعد بيعه وقبل القبض ، احتمل عدم الانفساخ هنا ، سيما بناء على سبقه على التلف لاستلزامه الدخول في ملك الكافر ، ولو آنا ما وهو ممنوع كالدخول في ملكه ابتداء لعدم الفرق بين التمليك الابتدائي والعود الى الملك بعد وجود علة المنع من نفي السبيل وغيره.

ويحتمل ـ أيضا ـ استثناؤها من كلية منع تملك الكافر للمسلم ، بناء على اختصاصه بالتمليك الابتدائي ، لأن بين الكليتين عموما من وجه ، فلا بد من الترجيح ولعل الأظهر ترجيح عموم كلية التلف قبل القبض ، لأن العود الى الملك من توابع ملكه قبل الإجبار ، إن لم نقل بانصراف الملك الممنوع الى الملك المستقر ، لمنع السبيل في هذا النحو من الملك.

ومنها ـ ما لو باع العبد ممن يعتق عليه ـ قهرا فتلف قبل التسليم فان الانفساخ والرجوع الى ملك البائع متعذر هنا ، لانعتاقه بمجرد العقد ولا يعود الحر ملكا بل لعل القبض غير معتبر فيه ، لعدم اليد على الحر بل قبضه انعتاقه ، سيما بناء على أن مفاد البيع هنا ـ هو الانعتاق دون التمليك ، ليتوقف على تقدم التملك عليه : إما بالطبع أو بالزمان ، ولو آنا ما.

ومنها ـ ما لو باع العبد الآبق مع الضميمة ، فتلف الآبق دون الضميمة قبل اليأس ، لم ينفسخ البيع ، لكون الثمن بإزاء الضميمة مع عدم الوجدان ، للنص ، وفي كون التالف من ضمان المشتري أو البائع تردد

١٨٥

ينشأ من كونه من المبيع التالف قبل قبضه ، ومن أن ضمان البائع إنما هو حيث يتحقق الانفساخ ولا موجب له مع بقاء الضميمة ، وكون الثمن ـ حينئذ ـ بإزائها.

وأما لو تلفت الضميمة قبل القبض ، فان كان بعد وجدان الآبق وقبضه ، فالأظهر ـ بل الظاهر ـ الرجوع بما قابله الضميمة لا مجموع الثمن لأن الآبق لا يوزع عليه الثمن ما دام آبقا ، للنص ، لا بعد حصوله في اليد لأنه جزء من المبيع المبذول بإزاء مجموعة الثمن الموجب للتقسيط حينئذ.

وان كان تلفها قبله وفي حال فقدانه ، ففي انفساخ العقد في الآبق تبعا للانفساخ في الضميمة ، أو بقائه بما قابله من الثمن وجهان : من أن العقد على الآبق إنما صح بالعقد على الضميمة ، وبعد فرض كون العقد عليها كأن لم يكن بالتلف قبل القبض ، انتفت الصحة بالنسبة إلى الآبق لانتفاء المعلول بانتفاء علته ، ومن أن الضميمة علة التصحيح وحدوث الصحة ، لا دوامها.

وتظهر الثمرة في حصوله باليد بعد تلف الضميمة فيرجع بما قابله من الثمن على الثاني ، ولا يرجع به على الأول.

ومنها ـ ما لو اشترى جارية ، فأولدها ، ولما يحصل القبض بالوطء فتلفت الجارية ، أو أبقت قبل القبض بالفرض ، ففي لزوم العقد ـ حينئذ ـ أو انفساخه وجهان : من أن أم الولد لا تنتقل الى غير مالكها إلا في بعض الصور الذي ليس المقام منه ، ومن أن الانفساخ قهري بحكم عموم هذه الكلية ، والمنع عن بيع أمهات الأولاد مخصوص بالنواقل الاختيارية ، ولا يتوهم من جواز فسخ البائع بالخيار إذا كان له خيار لسبق حقه على حق المشتري من المنع بالاستيلاء على التلف الذي هو سبب الانفساخ ، فيكون من ضمان المشتري ومستثنى من هذه الكلية ، لأن الانفساخ بالتلف تابع

١٨٦

لعقد المعاوضة السابقة على الاستيلاء ، لوقوعه بين العقد والتلف ، فالعمل بما يقتضيه عقد المعاوضة ، لأنه أسبق السببين.

ومنها ـ ما لو حصل في العبد المبتاع قبل القبض أحد أسباب الانعتاق من الجذام والعمى ونحوهما (١) فربما يتوهم كونه من ضمان المشتري ، قياسا على الانعتاق عليه في شراء أحد عمودية لاتحادهما في الانعتاق القهري ، وان اختلفا في السبب ، إلا أنه توهم فاسد ، لأن الانعتاق ـ هنا ـ بعروض المرض بحكم التلف السماوي لعدم الفرق في التلف قبل القبض بين تلف الملك أو الملكية بعد فرض حصول الانعتاق قهرا بحدوث السبب ، كما هو مفاد الأخبار المستفيضة وعليه الفتوى.

نعم ، لو قلنا بكونها أسبابا لوجوب العتق على صاحبه كما هو ظاهر خبر الجعفي عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ حيث قال : «إذا عمى المملوك أعتقه صاحبه ولم يكن له أن يمسكه ..» الخبر (٢) ولم يقل : انعتق على صاحبه ـ لم ينفسخ العقد لكونه مملوكا ـ بعد ـ بالفرض ، فاذا قبضه دخل في ضمان المشتري ، وان وجب عليه عتقه.

ومنها ـ ما لو جنى المملوك قبل القبض بما يوجب استرقاقه حيث لا يكون الخيار للمالك ، فالأقوى كونه من ضمان البائع لتعذر التسليم عليه قبل القبض.

ومثله ما لو جنى على نفسه بقتل ، فإنه من التلف قبل القبض وان كان بإتلاف منه. ولا كذلك لو ارتد عن فطرة ، وان وجب قتله لبقائه

__________________

(١) كالجنون والبرص والقرن في العبد والجارية.

(٢) في الكافي ـ كتاب العتق والتدبير والكتابة ، باب المملوك إذا عمى أو جذم ج ٣ ـ بسند الحديث هكذا : الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن أبان عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع).

١٨٧

على الملك ، فان قتل قبل القبض كان من التلف قبله ، وان قبضه دخل في ضمان المشتري ، وان وجب قتله.

ودعوى كونه بحكم الميت بعد وجوب قتله. ولذا تبين زوجته وتعتد عدة الوفاة وتقسم أمواله في ورثته فهو كالميت قبل القبض.

فاسدة ، لأنه بحكمه في الأحكام المخصوصة تعبدا ، لا في مطلق الأحكام.

الثاني عشر لو ضمن الأجنبي للمشتري درك الثمن لو رجع اليه بتلف المبيع قبل قبضه ، لم يصح الضمان إن كان قبل تلف المبيع مطلقا قبل قبض البائع الثمن أو بعده ، قبل تلفه عنده أو بعده ـ تلف المبيع أو لم يتلف ـ حيث كان الضمان قبل تلفه ، لأنه من ضمان ما لم يجب في جميع صوره.

وان وقع الضمان بعد تلف المبيع عند البائع وكان الثمن مقبوضا له صح مطلقا ـ ولو كان الثمن موجودا حين الضمان. أما مع تلفه فواضح لكونه من ضمان المال ـ حينئذ ـ الذي لا إشكال في صحته ، وأما مع وجوده فهو من ضمان العين ودرك الثمن الذي لا إشكال في صحته ـ أيضا ـ وان وقع الكلام في كونه على القاعدة أو على خلافها ، وانما ثبوته بالإجماع ومسيس الحاجة اليه ، وقد تقدم منا تحقيقه في بيع الفضولي. وملخصه : عدم المنافاة بين صحة الضمان الذي معناه ـ عندنا ـ تحويل ما في ذمة إلى ذمة أخرى وكون المضمون عينا بعد فرض دخولها في العهدة لعدم الدليل على اختصاص كون المضمون مالا ، والعهدة قابلة للنقل والتحويل فراجع (١).

__________________

(١) يذكر المصنف ذلك فيما يأتي في هذا الكتاب : من رسالة بيع الفضولي ويأتي منا تحقيق حول الموضوع.

١٨٨

الثالث عشر لو وكل غيره على البيع وإقباض المبيع وفرط الوكيل في الإقباض ، فتلف المبيع قبل قبضه ، انفسخ العقد ، ورجع الموكل على وكيله بسبب التفريط بالمسمى ، لأنه فوته عليه بعد أن ملكه ويحتمل ـ قويا ـ الرجوع عليه بالمثل أو القيمة ، لأن ضمان الوكيل ـ حينئذ ـ من ضمان اليد لا من ضمان المعاوضة ، ويحتمل ـ فيما لو زاد المسمى على القيمة ـ تغريم الزائد عليها ـ أيضا ـ بالتفويت والإضرار ، ولا يتوهم أن الضمان بالتفريط حين تعلقه بالوكيل كان للمشتري لكون المبيع ملكه قبل التلف ، فكان حق الرجوع بالمثل أو القيمة للمشتري دون البائع لأن ضمان الوكيل إنما هو للمالك من حيث هو مالك ، وبالتلف يخرج المشتري عن كونه مالكا ويكون من مال البائع الموكل ، فيكون الضمان له ويجرى مثل ذلك في بيع الولي ـ من الحاكم وغيره ـ مال المولى عليه لو فرط في إقباضه حرفا بحرف.

الرابع عشر لو كان المبيع مقبوضا للمشتري قبل البيع لم يفتقر ـ حينئذ ـ إلى قبض جديد ولا إلى مضي زمان يسعه فيه من غير فرق بين كون القبض مأذونا فيه كالوديعة والعارية ونحوهما ، أو منهيا عنه كالغصب ، لظهور بيعه في الرضا بقبضه ، فينتقل الضمان إلى المشتري فيكون التلف منه ، لأنه من تلف المبيع بعد قبضه بالفرض.

نعم ، لو علم عدم الرضا به حيث كان له الامتناع عن التسليم الى أن يتسلم الثمن ، أو كان مما يعتبر القبض فيه في أصل النقل أو لزومه لم يكن القبض ـ حينئذ ـ معتبرا موجبا لنقل الضمان إلى المشتري ، فيكون التلف عنده من التلف قبل القبض الموجب لانفساخ العقد.

لكن قد يشكل ذلك فيما لو كان اليد عليه قبل البيع يد ضمان كالغصب ونحوه ، لخروجها عن الضمان بالانتقال اليه لتبدل عنوانها الى يد

١٨٩

مالكية ، ولا دليل على عود الضمان في المقام بعد تلف المبيع لعدم الموجب له من اليد على مال الغير.

إلا أنه يضعف بعدم خروجه بالبيع عن مطلق الضمان. بل هو من تبدل الضمان بضمان آخر ، فان المبيع قبل البيع كان مضمونا عليه بضمان اليد بالمثل أو القيمة ، وبعده قبل التلف كان مضمونا بالمسمى ، فاذا انفسخ العقد الموجب لتبدل الضمان عاد الضمان الأول فيرجع المشتري بالثمن لو كان مقبوضا للبائع ، ويغرم له المثل أو القيمة.

الخامس عشر لو اتحد المقبض والقابض ، واختلفا بالاعتبار والحيثية ، كما لو باع الولي ماله من الطفل ، أو ابتاع منه لنفسه ، لم يفتقر الى قبض منوي به عن الطفل في الأول ، ولنفسه في الثاني ، بعد أن كان المبيع مقبوضا له في الصورتين ، فيكون التلف بعد العقد من المشتري المولى عليه في الأول ، والولي في الثاني ، لكونه بالفرض من التلف بعد القبض.

ويحتمل اعتبار القصد في القبض عن المشتري ـ وليا كان أو مولى عليه ـ ليمتاز عن القبض الأول ، بعد أن كان المبيع في يد الولي وقبضه في الصورتين قبضا واحدا مستمرا ، فلا يتشخص إلا بالقصد.

واختلف الأصحاب في هبة الولي للصغير : في لزوم قصد القبض عنه وعدمه ، فالمشهور على العدم ، لما روي في الصحيح : «عن الصادق ـ عليه السلام ـ في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا؟ فقال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدق على من لم يدركوا من ولده فهو جائز ، لأن الوالد هو الذي يلي أمره» (١) وموثقة داود بن الحصين «الهبة والنحلة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها؟ قال : هو ميراث ، فان :

__________________

(١) التهذيب ـ في الوقوف والصدقات ـ حديث تسلسل (٦٠٥ ـ ٥٢) وسند الحديث .. «عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام).

١٩٠

كان لصبي في حجره فأشهد عليه فهي جائزة ..» (١) ورواية جميل : «عن رجل وهب لابنه شيئا ، هل يصلح أن يرجع فيه؟ قال : نعم إلا أن يكون صغيرا» (٢).

والجواز في الأولين بمعنى النفوذ بقرينة المقابلة للإرث ، وعدم تقييده بالقبض مع تقييد ما قبله به لتحققه فيه بقبض الولي ، لا لعدم اعتبار القبض في هبة الصغير واعتباره في الكبير ، لأن القبض معتبر في صحة الهبة أو لزومها مطلقا ، ولو كان المتهب صغيرا ، غير أن قبض الصغير يتحقق بقبض وليه وإطلاق الرجوع في هبة الكبير في الأخير محمول على الرجوع قبل القبض ، واستثناء الصغير انما هو لتحققه بقبض وليه الواهب.

وإطلاق هذه الأخبار يعم ما لو قصد القبض عن المولى عليه وعدمه ولو كان القصد معتبرا وجب التقييد به ، والا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة والعلة المنصوصة في الأولى موجبة للحكم به في غير الهبة من سائر عقود المعاوضات.

فإذا الأقوى عدم اعتبار القصد في القبض ، بل يدل عليه ـ مضافا الى ذلك ـ : أن اليد فيما لو باع الولي على المبيع مالكية وبالبيع الى المولى عليه ، فتنتقل اليد عن كونها مالكية إلى كونها أمانة جزما. ومعناها : ليس إلا كون يده عليه بدلا عن يد مالكه ، وبالعكس فيما لو ابتاع من المولى عليه لنفسه فان اليد تبدلت من الأمانة عن الغير إلى المالكية ، بل الأظهر تحقق القبض ـ قهرا ـ وان قصد عدمه بعد تبدل العنوان ، لأنه لم تنفك المالكية عن كون القبض لنفسه ، والأمانة عن كونه عن غيره.

__________________

(١) التهذيب للشيخ الطوسي ـ في النحل والهبة ـ حديث تسلسل (٦٤٨ ـ ٢٥).

(٢) المصدر نفسه ، حديث تسلسل (٦٤٦ ـ ٢٣).

١٩١

السادس عشر إذا تلف بعض المبيع وكان التالف مما يقسط عليه من الثمن ، انفسخ العقد بالنسبة إليه بخصوصه مما يقابله من الثمن ، لكونه من تلف المبيع قبل قبضه ، بعد فرض انحلال البيع الى بيوع متعددة ويتخير المشتري في رد الموجود منه ، والرجوع بجملة الثمن ، للتبعض وقبوله بما يقابله منه.

نعم ، قد يشكل الحكم بالانفساخ ـ هنا ـ وكون التالف بخصوصه من مال البائع مع أن ظاهرهم الاتفاق عليه ، على القول بمخالفة الحكم به للقاعدة ، لوجوب الاقتصار فيه على المتيقن خروجه منها ، وهو تلف جميع المبيع ، ولو بدعوى الانصراف اليه ، دون بعضه ، والرجوع في تلف البعض مع القبول وعدم الرد إلى ما تقتضيه القاعدة من ضمانه بالمثل أو القيمة ولعله من الشواهد ـ أيضا ـ على كونه موافقا للقاعدة ، وان كان مما لا يقسط عليه شي‌ء من الثمن ـ جزء كان التالف أو وصفا ـ كقطع يد العبد قبل القبض ونسيانه الكتابة كذلك المشروط اتصافه بها ، فلا خلاف في أن للمشتري الرد. وفي جواز أخذ الأرش بحيث يجبر البائع عليه فيكون المشترى مخيرا بين الرد والأرش قولان : فعن الشيخ في (المبسوط والخلاف) العدم ، بل عن (الخلاف) : دعوى عدم الخلاف فيه ، وهو المحكي عن ابن إدريس ، والمحقق في (النافع) و (كاشف الرموز) في شرحه (١) وعن غير واحد ـ ومنهم الشيخ في محكي (النهاية) وعن ابن البراج وأبي الصلاح : الجواز ، وهو المحكي عن الشهيدين ، وثاني المحققين ، بل عن (المسالك) : إنه المشهور ، واستدل عليه في (المختلف) وغيره بأن المبيع لو تلف أجمع ، لكان من ضمان البائع ، فكذا أبعاضه وصفاته قلت : قد يشكل قياس تلف أبعاض المبيع ـ مطلقا ـ وصفاته بتلف جمعه في كونه من ضمان البائع الذي قد عرفت أن معناه انفساخ

__________________

(١) تقدم ـ آنفا ـ ص ١١٩ كلام موجز عن هذا الكتاب ، ومؤلفه.

١٩٢

العقد بالتلف والرجوع بالمسمى ، لأن الضمان بهذا المعنى إنما يتحقق بتلف الجميع أو بعضه مما يقابل بشي‌ء من الثمن ، لإمكان تحقق الرجوع ـ حينئذ ـ بكل الثمن أو بعضه بالانفساخ في كل المبيع بالتلف أو بعضه وحيث كان التالف جزء لا يقسط عليه من الثمن أو وصفا ، وهو كذلك كيف يمكن فرض الضمان فيه بهذا المعنى؟ إذ لا رجوع فيهما بشي‌ء من المسمى ، وليس الأرش من المسمى ، حتى يمكن في مورده فرض الانفساخ والرجوع بشي‌ء منه.

إلا أن شيخنا المرتضى ـ رحمه الله ـ ذكر وجها لتعقل انفساخ العقد وتخيير المشتري بين الرد والأرش فيما لو حدث عيب في المبيع قبل القبض بما يرجع ملخصه ـ بتوضيح منا ـ إلى أن الضمان في تلف المبيع وأبعاضه وأوصافه بمعنى واحد ، وهو فرض العقد بالنسبة إلى التالف كأن لم يكن غير أنه يختلف حكمه باختلاف التالف ، فان كان الكل كان الرجوع بتمام المسمى ، وان كان بعضا يقسط عليه من الثمن كأحد العبدين فرض كأن لم يعقد على التالف وعقد على الموجود منهما ، فيرجع بما يقابل التالف من المسمى ، ويتخير للتبعض بين الرد وقبول الموجود بما يقابله منه ، وان كان التالف بعضا لا يقسط عليه من الثمن أو وصفا مشروطا اتصافه به أو يوجب فواته عيبا فيه كان ضمانه بمعنى فرض العقد بالنسبة إليه بخصوصه كأن لم يكن ، ومرجعه الى تقدير كون العيب في ملك البائع ووقوع العقد على المعيب ، فيجري حكمه من التخيير بين الرد والأرش فيه.

وهو تخريج حسن ، لجواز أخذ الأرش من البائع بضمانه لما تلف من أوصاف المبيع قبل القبض ، لكن يشكل ذلك كما اعترف به ، بناء

__________________

(١) مكاسب الشيخ الأنصاري ، كتاب البيع ، في أحكام القبض ، مسألة ما لو تلف بعض المبيع قبل قبضه.

١٩٣

على كون الحكم به على خلاف القاعدة لوجوب الاقتصار فيما يخالفها على المتيقن خروجه منها ، وهو تلف جميع المبيع ، أو يعمه وما بحكمه من تلف بعض يقسط عليه من الثمن دون مطلق أبعاضه وأوصافه.

السابع عشر : يجري في تلف الثمن المعين وأبعاضه وأوصافه قبل القبض ما تقدم في تلف المبيع قبله ، حرفا بحرف وأنه في ضمان المشتري قبل القبض ، كما أن المبيع في ضمان البائع إلى حصول القبض ، لتساويهما في اقتضاء عقد المعاوضة لضمانهما.

نعم ، يشكل تعدي الحكم من المبيع إلى الثمن ، بناء على كونه مخالفا للقاعدة ، إلا بدعوى إطلاق المبيع على الثمن أيضا ، كما يقال : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (١).

ويظهر من بعض دعوى الاتفاق على تعدي الحكم الى الثمن وهو من الشواهد ـ أيضا ـ على كون الضمان من مقتضيات عقد المعاوضة (٢).

__________________

(١) نبوي مشهور لدى الفريقين فمن العامة ذكره المناوي في (كنوز الحقائق بحرف الباء) بهذا النص وذكره العجلوني في (كشف الخفاء باب الباء حديث رقم (٩٣) بلفظ «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر» واستعرض ذكر الحديث بوجوهه المختلفة وإسناده الكثيرة ، ومن الخاصة : عامة كتب الأخبار والموسوعات الفقهية ـ في أبواب الخيار.

(٢) أقول : ذكرنا : أن الظاهر تعدي الحكم من المبيع إلى الثمن ، وإن قلنا إن الحكم على خلاف القاعدة من جهة النص ، بلا حاجة إلى دعوى إطلاق المبيع على الثمن ـ أيضا ـ والاستشهاد بقوله «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» ، ولا إلى دعوى بعض : الاتفاق على تعدي الحكم الى الثمن ، بل لما ذكرنا من أن النبوي ـ وان اختص بتلف المبيع ـ لكن رواية عقبة بن خالد ظاهرة في سراية الحكم المذكور الى تلف الثمن قبل القبض ـ أيضا ـ على ما قربناه من دلالتها على ذلك.

١٩٤

الثامن عشر : لو باع ثوبا بعبد ـ مثلا ، وقبض الثمن ـ وهو العبد ـ فباعه من غيره ، ثم تلف المبيع ـ وهو الثوب ـ قبل قبضه ، فان كان البيع سابقا على التلف نفذ البيع لوقوعه في ملكه ، ويغرم قيمة العبد للمشتري لانفساخ العقد بتلف المبيع قبل قبضه ، وان كان مسبوقا به لم ينفذ بيع العبد لرجوعه الى المالك الأول بانفساخه من حين التلف ووقوع البيع ـ حينئذ ـ منه على ملك الغير ، والحكم في الصورتين واضح ، ومع الشك في السبق واللحوق ، فأصالة تأخر كل منهما معارضة بمثلها في الآخر فيشكل نفوذ البيع في العبد بل يشكل ـ أيضا ـ لو أثبتنا التقارن بأصالة عدم تقدم كل منهما على الآخر ، وان قلنا بكونه أمرا عدميا ، فضلا عن كونه أمرا وجوديا.

اللهم إلا أن يقال : إن الشك في بقاء الملك للعبد حين بيعه وعدمه مسبب عن سبقه على التلف ، ومع تعارض الأصلين في السبب يرجع إلى ما يقتضيه الأصل في المسبب ، وهو بقاء الملك الى حين البيع الحاكم على أصالة عدم النقل ، لأن الشك فيه مسبب عن الملك وعدمه.

التاسع عشر قد عرفت الكلام في ما إذا كان الثمن معينا شخصيا وأما إذا كان كليا ، سواء كان كليا خارجيا أو في الذمة ـ ودفع الى البائع ما زاد على الثمن ليتخير منه ، فالكلام فيه هو الكلام في المبيع الكلي بقسميه ـ حسبما تقدم.

العشرون قد عرفت موافقة الحكم بالضمان قبل القبض بالمسمى للقاعدة الموجبة للتعدي من البيع إلى سائر عقود المعاوضات ولعل ذلك من المسلم عندهم ـ كما يظهر من بعضهم ـ :

قال شيخنا المرتضى في (المكاسب) «.. ثم إنه هل يلحق العوضان في غير المبيع من المعاوضات به في هذا الحكم؟ لم أجد أحدا صرح

١٩٥

بذلك نفيا أو إثباتا ، نعم ذكروا في الإجارة والصداق وعوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض ، لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم ، إلا أنه يظهر من بعض مواضع (التذكرة) عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه من المسلمات ، قال ـ في مسألة البيع قبل القبض وجواز بيع ما انتقل بغير البيع ـ : «والمال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة ، أو بالتفريط ، ويسمى ضمان اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك ـ إلى أن قال ـ : أما ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة ، فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كمال الصلح والأجرة المعينة ، وقال الشافعي : لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع وظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة والعامة» (١) انتهى.

فمن الغريب ـ مع ذلك ـ ما وقع منه ومن غيره من البناء على كون الحكم مخالفا للقاعدة الذي مقتضاه الاقتصار فيما خالفها على المتيقن من مورد الدليل من المبيع دون الثمن ، فضلا عن غير البيع من سائر عقود المعاوضات فافهم واغتنم.

تذييل

يشترط في خروج البائع عن ضمان المبيع بالقبض : أن لا يكون للمشتري خيار يختص به ، فان كان له خيار كذلك ـ وتلف المبيع في يده ـ كان من ضمان البائع ـ أيضا ـ وان كان بعد قبضه حسبما كان ضامنا له قبل القبض ، لأن تلف المبيع في مدة الخيار من ضمان من لا خيار له ـ إجماعا بقسميه في الجملة ـ وهي قاعدة مسلمة عند الأصحاب ، وإن وقع من بعض

__________________

(١) راجع : كتاب البيع ـ في أحكام القبض ، مسألة تلف المثمن المعين قبل القبض.

١٩٦

التأمل في كليتها بحيث تعم الثمن والمثمن وأنواع الخيارات ، بايعا كان ذو الخيار أو المشتري.

والأصل فيه ـ قبل الإجماع ـ : صحيحة ابن سنان : «عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط الى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري» (١) شرط له أم لم يشترط ـ وان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع» (٢)

ورواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله : قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل : اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده ، وقد قطع الثمن : على من يكون ضمان ذلك؟ قال : ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي بشرطه» (٣)

ومرسلة ابن رباط : «إن حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع» (٤)

والنبوي المروي في (قرب الاسناد) في العبد المشتري بشرط فيموت

__________________

(١) وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، باب تلف الحيوان قبل الثلاثة حديث رقم (٢).

(٢) وهذه الفقرة الأخيرة من رواية أخرى عن ابن سنان أيضا ، راجع نفس المصدر باب أن المبيع إذا حصل له نماء في مدة الخيار .. حديث رقم (٢).

(٣) وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ، باب أن الحيوان إذا تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة حديث رقم (١).

(٤) المصدر نفسه ، حديث رقم (٥).

١٩٧

قال : «يستحلف بالله ما رضيه ، ثم هو بري‌ء من الضمان» (١).

إذا عرفت ذلك ، فاعلم ان الكلام هنا يقع في أمور :

الأول : ان المصرح به في كلام كثير من الأصحاب هو أن تلف المبيع في زمن الخيار من ضمان من لا خيار له ، وقد أرسلوها إرسال القاعدة وهي ـ بإطلاقها ـ تعارض القاعدة المتقدمة ، وهي تلف المبيع قبل قبضه تعارض العامين من وجه ، لأنها تعم ما قبل القبض وبعده ، غير أنها مختصة بوجود الخيار ، وتلك القاعدة ، وان اختصت بما قبل القبض ، إلا أنها عامة بالنسبة إلى صورتي وجود الخيار ، وعدمه ، وحينئذ فتتعارض القاعدتان في صورتي تلف المبيع قبل قبضه والخيار للبائع فقط ، وتلفه بعد قبضه والخيار للمشتري كذلك ، وتتوافقان في الصورتين ـ أيضا ـ في الأولى ، مع كون الخيار للمشتري ـ فقط ـ وفي الثانية مع كون الخيار للبائع كذلك.

هذا ولكن الإنصاف عدم استفادة نحو هذه الكلية من الأخبار حتى يقع تعارض بين القاعدتين المذكورتين وإن وقع التعبير بنحو هذه الكلية في كلام الأصحاب ، بل المستفاد منها اختصاصها بما بعد القبض ، بقوله ـ عليه السلام ـ في ذيل الصحيحة المتقدمة : «وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري» وقوله ـ عليه السلام ـ «فماتت عنده» في رواية عبد الرحمن ، المقيد بهما ، ولو بمعونة فهم الأصحاب إطلاق

__________________

(١) المصدر نفسه ، حديث رقم (٤) وسند الحديث فيه هكذا : وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي إسحاق عن الحسن بن أبي الحسن الفارسي عن عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جعفر بن محمد قال قال رسول الله (ص) : في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام ، فمات العبد في الشرط وقال ..

١٩٨

الخبرين الأخيرين ، فلا تكون النسبة بين القاعدتين عموما من وجه حتى يرجع في تخصيص إحديهما دون الآخر الى المرجح.

الثاني هو أن الأخبار المتقدمة ، وإن اختصت بظاهرها ـ بمعونة ذكر الزمان فيها ـ ببعض الخيارات كخيار الحيوان وخيار الشرط ، أو هما وخيار المجلس ، إن اختص بالمشتري ولو بإسقاط البائع خياره ، بناء على إطلاق الشرط عليه في الأخبار ، فلا تشمل القاعدة غيرها من أنواع الخيارات كخيار الغبن وخيار العيب ، ونحوهما مما يكون فيه على الفورية من غير اعتبار للمدة فيه.

إلا أن الأقوى تعميمها لمطلق الخيار (١) بناء على أن المناط في عدم ضمان ذي الخيار له ، وان تلف في يده ، هو تزلزل العقد بالنسبة إليه

__________________

(١) قد يقال : إن الحكم بضمان البائع ما يتلف في يد المشتري من المبيع ـ على خلاف القاعدة المستفادة من عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الدال على لزوم العقد ، وعدم انفساخه بلا موجب ، ومع عدم الانفساخ لا يمكن أن يكون التلف على غير قابضه.

هذا مضافا الى خصوص رواية عقبة بن خالد عن الصادق ـ عليه السلام ـ «في رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، وقال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع؟ من مال من يكون؟ قال ـ عليه السلام ـ : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه». فإن الظاهر منها أن المال بعد القبض في عهدة مالكه ، ولا يضمنه غيره ، حتى يقال بالانفساخ ، والقدر المتيقن من قاعدة التلف في زمن الخيار هو خيار الحيوان والشرط ، الثابتان للمشتري حسبما يستفاد من صحيحة ابن سنان ، ورواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله

١٩٩

__________________

ومرسلة ابن رباط ، والنبوي المروي في (قرب الإسناد) ـ على ما ذكر في المتن.

وهذه الروايات خاصة بخيار الحيوان ، والشرط الثابت للمشتري ، والتعدي إلى سائر الخيارات ـ بل الى الخيار الثابت للبائع ـ بلا وجه ، سوى دعوى تنقيح المناط ، أو دعوى استفادة العلية من قوله ـ عليه السلام ـ : «حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري» بناء على ان المراد بصيرورة المبيع للمشتري كونه بنحو الاستقرار ، دون أصل الملك ، وان المستفاد منه أن كل من لم يستقر عليه المال لكونه ذا خيار فتلف ماله على من عليه الخيار ، وبالتلف تنفسخ المعاملة ويصير التالف قبل تلفه ـ آنا ما ـ ملك من عليه الخيار ، ثم يتلف من ماله ، نحو ما ذكرنا في التلف قبل القبض ، بلا فرق بين كون الخيار الثابت له خيار حيوان أو شرط أو مجلس أو تخلف شرط ضمني ، كخيار الغبن أو العيب أو تخلف الوصف.

والحاصل : أن التعدي عن مورد الروايات ، وهو خيار الشرط والحيوان متوقف على استفادة العلية من قوله : ـ عليه السلام ـ «حتى ينقضي الشرط» المراد به الخيار ، وان العلة في الضمان وجود الخيار لمن تلف عنده المال ، وذلك غير واضح ، بل الظاهر كون المراد من قوله ـ عليه السلام ـ «حتى ينقضي الشرط» بيان أن ضمان المال على من عليه الخيار وهو البائع إلى زمان انقضاء خيار الحيوان ، ولا اعتبار بشرط اليوم واليومين ، فقوله ـ عليه السلام ـ «حتى ينقضي الشرط» لبيان غاية ضمان البائع لموت العبد والدابة ، وهو الثلاثة أيام.

وأما دعوى كون المناط في الضمان عدم استقرار الملك بسبب مطلق الخيار ، فليس ذلك سوى الظن ، ولا يكون من تنقيح المناط القطعي

٢٠٠