بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

بخصوص المناكح والمساكن والمتاجر المقصود منها ـ ظاهرا ـ ما يشترى بالتجارة من الأموال التي فيها الخمس من الظلمة ، كما عن العلامة في كتبه وعن (الحدائق) : نسبته الى المشهور (١).

ولعله الأقوى : اختصاصه بمطلق الأنفال دون الخمس ، جمعا بينها وبين ما دل على وجوب دفعه والحث على إخراجه وإيصاله إلى أهله ، أو خصوص الثلاثة منها. وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله في كتاب الخمس.

وكيف كان ، فالاراضي التي هي من الأنفال يجوز لنا التصرف فيها بالزراعة وغيرها من غير توقف على التقبيل من الجائر ، بل ، ومن الحاكم ـ أيضا ـ وإن كان نائبا للإمام ، وقلنا بعموم ولايته لحصول الاذن من مالكه الحقيقي. وبذلك يفترق حكمها عن حكم الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين من المفتوحة عنوة.

هذا بالنسبة الى ما كان منه في أيدينا. وأما ما كان في أيدي غيرنا فهو عليهم حرام لعدم الاذن به منهم ، وفي جواز انتزاعه من أيديهم مع الأمن من الضرر : وجهان : من أنه مال الامام عليه السلام في يد من لا يستحق وظالم له في تصرفه وغاصب له في قبضه ، ومن أن المستحق لانتزاعه هو الامام فيتوقف على أمره غير أن ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة مما كان في أيدي غيرنا من الأنفال جاز لنا أخذه منه ـ بلا إشكال ـ لأنه للإمام عليه السلام ، وقد أباحه لنا.

نعم ما يأخذه باسم ذلك مما هو في أيدينا ، ففي جواز أخذه منه ،

__________________

(١) راجع ـ في تفصيل ذلك ونسبة هذا القول الى الشيخ الطوسي واختيار عامة المتأخرين له : مختلف العلامة آخر كتاب الخمس ، وحدائق الشيخ البحراني كتاب الخمس آخر ج ١٢ طبع النجف الأشرف.

٣٠١

وعدمه : وجهان : مبنيان على كون المأخوذ باسم ذلك من المتقبل منا مملوكا لكونه بالإباحة والتحليل مستحقا للأرض مجانا بلا أجرة عليه ، أو هو للإمام عليه السلام ، فيكون الجائر غاصبا منه ، دون الزراع ، وإن أبيح له الأجرة لو تسلط عليه. ولعله يأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى.

هذا ، وقد يسبق إلى الذهن في المقام له إشكال ، وهو : إن غاية مفاد أخبار التحليل والإباحة ، جواز التصرف فيما هو للإمام عليه السلام من الأنفال دون التمليك ، مع قيام الإجماع على ترتيب آثار الملكية عليه من البيع والشراء وسائر النواقل ووطء الأمة وعتقها المتوقفين على الملكية.

ويدفعه ـ مضافا إلى إمكان دعوى أن يقال بدخوله ـ آنا ما ـ في ملكه عند ارادة وقوع شي‌ء من ذلك كالمعاطاة ، بناء على المشهور : من إفادتها الإباحة.

أنه لم لا يجوز أن يكون في أول مرتبة الانتقالات من الفضولي ـ مع إجازة المالك ، بناء على صحته ـ مطلقا ـ ولو مع وقوعه لنفسه كبيع الغاصب مع إجازته؟.

وأما جواز وطء الأمة المغنومة لمن اغتنمها ، فمن باب التحليل ، فتأمل.

أو يقال : إن عدم إفادة الإباحة أزيد من جواز التصرف لكونه المتيقن منها دون التمليك الذي مقتضى الأصل عدمه لأنها أعم منهما ، والعام لا يدل على خصوص الخاص ، مسلم في الإباحة المجردة عن قرينة التمليك دون المحفوفة بها : من التعليل بطيب الولادة ونحوه الظاهر فيه ،

٣٠٢

سيما مع ما ورد من قوله عليه السلام «ما هو لنا فهو لشيعتنا» (١). الظاهر ـ ولو بمعونة اللام ـ في الملكية.

لكن قد يقال : إن التمليك لا بد وأن يكون بأحد الأسباب المملكة شرعا ، وليست الإباحة منها.

وقد يجاب عنه بأن السبب المملك شرعا ـ هنا ـ هو اليد بالأخذ والتناول في مورد الإباحة الكلية من المالك ، كالأخذ بقصد التملك في مورد الإعراض والتناول من نثار الأعراس ، فيكون بحكم المباحات المملوكة لمن سبق إليها بالحيازة ، فتأمل (*).

أو يقال : بأن الإباحة المطلقة الشاملة لجميع التصرفات مرداة لملكية العين ، بل الإباحة الخاصة مرتبة من مراتب الملكية لها ـ أيضا ـ غير أنها مرتبة ضعيفة من جهة اختصاصها بالجهة الخاصة فالملكية التي هي بمعنى السلطنة المتعلقة بالعين ، إن اشتدت قوتها بحيث أحاطت بجميع التصرفات فيها عبر عنها بملك الرقبة ، للاحاطة المزبورة ، وإن اختصت ببعض الجهات دون بعض عبر عنها بملك المنفعة ، وأضعف منها مرتبة ملك الانتفاع.

فللملكية من حيث الشدة والضعف والأضعف مراتب ثلاثة :

__________________

(١) بهذا النص وبنصوص أخرى مختلفة الأداء متحدة المضمون يذكر الحر العاملي في (وسائله ، آخر كتاب الخمس) أبواب الأنفال ، ٤ إباحة حصة الإمام من الخمس للشيعة ، روايات كثيرة.

(*) وجه التأمل : هو أن ذلك إن تم فلا يتم فيما كان الاغتنام الذي هو لتملك الامام حاصلا بنفس الأخذ ، ضرورة تأخير تملك المغتنم في المرتبة عن تملك الامام بالاغتنام المسبب عنه. اللهم إلا أن يقال : إن التقدم بالعلية لا بالزمان فتأمل (منه قدس سره).

٣٠٣

يعبر عن الأولى ـ اصطلاحا ـ بملك العين ، وعن الثانية بملك المنفعة وعن الثالثة بملك الانتفاع.

ومن ذلك : ملكية الزوج لبضع الزوجة ودخول بضع الأمة المحللة في ملك اليمين بعد حصر التحليل في قوله تعالى (إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (١) والأمة المحللة ليست بزوجة ـ قطعا ـ فهي مملوكة للمحلل له من جهة خصوص الانتفاع ببضعها. ولا ينافي ذلك كونها باقية على ملك مالكها المحلل المبيح ، ولعلك تقف على مزيد توضيح لذلك في مسألة المعاطاة.

تذنيب : فيما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة الذي قد عرفت معناهما من الأراضي وباسم الزكاة من الانعام وغيرها وما يؤخذ منه من ذلك من الجوائز أو بالبيع والشراء وغير ذلك.

فنقول : لا إشكال في براءة ذمة المتقبل من الجائر بدفع القبالة إليه ، بلا خلاف أجده بل الإجماع ـ بقسميه ـ عليه.

ويدل عليه ـ مضافا الى ذلك ـ : الأخبار المستفيضة الدالة على صحة التقبيل منه ، وان كان هو آثما في قبضه ، لأنه غير مستحق له لكونه وظيفة الإمام العادل المتولي لأمور المسلمين.

وبذلك يخرج عن القاعدة التي لولاها لكان مقتضاها عدم تعيين المقبوض أجرة ومقاسمة لفساد القبض والقسمة لكونه غاصبا ظالما فيهما ، فيبقى المقبوض على ملك مالكه ، ويجب ـ حينئذ ـ دفع ما عليه من القبالة لمن يستحق القبض منه ، وهو الامام العادل (ع) المتولي لمصالح المسلمين إلا أن الحكم بالبراءة مدلول عليه بالإجماع والسنة المستفيضة الكاشفين عن

__________________

(١) سورة المؤمنون ، آية : ٥ ، ٦ ، وتمام الآية (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا ..)

٣٠٤

إمضاء الشارع لتعيينه خراجا للأرض.

كما لا اشكال ـ بل لا أجد خلافا معتدا به ـ في جواز أخذ شي‌ء من ذلك منه بالبيع أو الشراء وسائر الانتقالات : من الصلات والهبات ، لا لأخبار الإباحة والتحليل ـ كما توهم ـ إذ هي أخص من المدعى لظهورها في خصوص ما هو ملكهم كالأنفال ، فلا تعم ما هو لغيرهم ، ولهم الولاية عليه ، كخراج المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين ، بل لتحقق الاذن بذلك منهم بالمستفيضة من الروايات ومحكي الإجماعات.

فمن الأولى أدلة جواز أخذ ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة ـ صحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال : «سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان ، من إبل الصدقة وغنمها ، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم ، فقال : ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير ، وغير ذلك ، لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه فيتجنب. قلت : فما ترى في متصدق يجيئنا ، فيأخذ صدقات أغنامنا ، فنقول : بعناها ، فيبيعنا إياها ، فما ترى في شراء ذلك منه؟ فقال : إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم. فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فنأخذه بكيل فما ترى في شراء ذلك منه؟ فقال : إن كان قد قبضه بكيل وأنتم حضور فلا بأس» (١) .. الحديث.

__________________

(١) ذكر هذه الرواية بنصها الشيخ المرتضى في (مكاسبه ـ في المكاسب المحرمة) بعنوان : خاتمة تشتمل على مسائل .. الثالثة : ما يأخذه السلطان المستحل. وذكرها الحر العاملي في (وسائله ، كتاب التجارة) أبواب ما يتكسب به ، ٥٢ باب جواز شراء ما يأخذ الظالم من الغلاة. حديث رقم (٥) بسنده هكذا : محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن ابي عبيدة عن أبي جعفر (ع).

٣٠٥

الظاهرة ـ بل الصريحة ـ في جواز شراء ما لم يعلم أنه الحرام بعينه من المقبوض زكاة أو خراجا المتعين كونه كذلك بالقبض ، ولو بمعونة إمضاء الشارع له ، وأن الحرام هو القدر الزائد عليه ، فيكون باقيا على ملك مالكه ، يجب الاجتناب عنه وعن المشتمل عليه بحيث لا يفرز أو المشتبه به بالشبهة المحصورة مع الابتلاء بأطرافها.

والمناقشة فيها ـ أولا ـ بأخصيتها من المدعى لاختصاصها ـ أولا ـ بالشراء فلا يعم غيره من النواقل ، وثانيا ـ بالزكاة لإمكان أن يكون المشتري مستحقا لها ، وثالثا ـ بأن تعليق الجواز ونفي البأس فيها على عدم معلومية الحرام مشعر بالمنع عنه مطلقا ، بعد أن كان المأخوذ ـ ولو قدر الحق الواجب ـ حراما بالإجماع. ولعل العدول عنه الى التعبير بذلك وللإجمال في البيان للتقية.

ضعيفة جدا ، لأنه إن تم في الشراء أو الزكاة ، تم في غيرهما من النواقل والحقوق بعدم القول بالفصل ـ كما قيل ـ مع ظهور لفظ (القاسم) في ذيلها في المقاسمة ، سيما مع سبق حكم الزكاة في قوله (الا مثل الحنطة والشعير» ووقوع التعبير عنه بـ (المصدق) فيكون (القاسم) غيره. ولا أقل من الإطلاق ، بل العموم المستفاد من ترك الاستفصال وظهور إرادة الزائد على الحق الواجب عليه من الحرام الواقع غاية في قوله «حتى تعرف الحرام بعينه» وهو المخصوص فيها بالمنع عنه ، دون الحق الواجب وان كان حراما على الأخذ آثما في أخذه مضمونا عليه ببدله ممنوعا عن التصرف في ثمنه ، فلا إجمال حتى يشعر بالتقية ، ولا موجب للحمل عليها. بل ظاهرها ـ سؤالا وجوابا وتقريرا من الامام ـ : كون الجواز بالنسبة إلى المقبوض مقدار الحق مفروغا عنه. وإنما وقع السؤال عما يعلم قبضه أكثر من الحق لشبهة اندراج الزائد في المبيع بل مقتضى نفي البأس عن

٣٠٦

الشراء المسبب عن حلية المأخوذ به ، ولو بقرينة قوله «حتى تعرف الحرام بعينه «عدم الفرق بينه وبين غيره من النواقل ، لوجود المناط ، وهو الحلية. فاندفع به أيضا دعوى اختصاص الجواز بالشراء ، اقتصارا فيما خالف الأصل والقواعد على القدر المتيقن وهو الشراء دون غيره ـ كما عن بعض.

وبالجملة : فالصحيحة كالصريحة : في أن جهات الأسئلة فيها هي : أولا ـ عن الجواز مع العلم الإجمالي بحصول الحرام في أيدي العمال وثانيا من جهة توهم الحرمة أو الكراهة في شراء ما يخرج في الصدقة ، كما ذكر في باب الزكاة. وثالثا ـ من جهة كفاية الكيل الأول في بيع المكيل والموزون ، وكون أصل الجواز مفروغا عنه ، والا كان هو أولى بالسؤال عنه (*).

__________________

(*) تنبيه : تقييد جواز الشراء في الفقرة الثانية من الصحيحة بالأخذ والعزل الظاهر في كونه عطف بيان لا نسق ، للتعيين ورفع الجهالة والإبهام في المبيع ، ولذا حكموا ببطلان بيع عبد من العبدين وشاة من الشاتين بل وصاع من صبرة منقسمة إلى صيعان متعددة ، وان حكموا بصحة بيعه منها مجتمعة مطلقا ، لعدم الإبهام في الثاني في المبيع المقدر بالصاع ، وان كانت الصبرة مجهولة ، ووجوده في الأول لتردد المبيع بين الصيعان وان كانت معلومة العدد ، وان أشكل بعضهم في وجه الفرق بينهما حتى جعلهما من واد واحد في عدم الجهالة فيهما ، ولعله واضح لان متعلق البيع في الثاني هو الكلي المقدر المجرد عن لحاظ جميع العوارض الطارئة على نفس الحقيقة التي هي الماهية المعراة عن جميع القيود والملاحظات الخارجة عنها. مع فرض عدم الإبهام فيها وفي مقدارها ، بخلاف الأول الملحوظ فيه مع قيد التشخص بالفردية والانتشار في الإفراد الموجب للإبهام من هذه الحيثية المفقودة في بيعه من المحتمة ، فافهم (منه رحمه الله).

٣٠٧

ومنها ـ موثقة إسحاق بن عمارقال : «سألته عن الرجل يشتري من العامل ، وهو يظلم؟ قال : يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا» (١) لظهور السؤال عن الشراء من العامل في شراء ما هو عامل فيه من الحقوق التي يقبضها عن السلطان. ولا أقل من العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

وبه يندفع توهم السؤال عن شراء أموال الظلمة ـ كما عن الشيخ إبراهيم القطيفي (٢) ـ فيكون المراد بالظلم المنسوب الى العامل هو أخذه الأكثر من الحق الواجب دون أصل الحق ، وإلا لم ينفك العامل عن الظلم ـ حينئذ ـ فيكون سياق الرواية سياق الصحيحة المتقدمة ، سؤالا وجوابا في صدرها.

ونحوه الخبر الموصوف بالصحة ، وفيه : «أشتري من العامل الشي‌ء أعلم إنه يظلم؟ فقال : اشتر منه» (٣).

بل ، وبترك الاستفصال المفيد للعموم يستدل عليه بإطلاق النصوص المجوزة للشراء من الظلمة ، نحو المرسل كالصحيح : «أشتري الطعام

__________________

(١) وسائل الحر العاملي ، كتاب التجارة ، أبواب ما يتكسب به ، باب جواز الشراء من غلات الظالم ، حديث رقم (٢).

(٢) ذكر ذلك ـ تفصيلا ـ في رسالته الخراجية المسماة (السراج الوهاج في مسألة الخراج) طبعت ضمن مجموعة من الرسائل الخراجية والرضاعية وغيرهما في إيران بقطع صغير سنة ١٣١٥ ه‍.

(٣) راجع : الوسائل للحر العاملي ، كتاب التجارة ، أبواب ما يتكسب به ، باب جواز شراء ما يأخذ الظالم من الغلاة ، حديث رقم (٤) بسنده هكذا : محمد ابن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله (ع) : أشتري ..

٣٠٨

فيجيئني من يتظلم يقول : ظلمتني؟ فقال : اشتره» (١).

اللهم إلا أن يدعى في نحو الأخير كون الإطلاق مسوقا لبيان حكم آخر

ومنها ـ الحسن : «ما يمنع ابن ابي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطي الناس قال ـ ثم قال لي ـ : لم تركت عطاءك؟ قال قلت مخافة على ديني ، قال : ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أن لك في بيت المال نصيبا» (٢).

وقال جدي في (الرياض) ـ بعد ذكره الرواية ـ : ما هذا لفظه : «وهو ـ مع حسنه واحتمال صحته ـ واضح الدلالة من حيث تجويزه ـ أولا ـ لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعيلين له ، ومن جهة ما يعطون وجوه الخراج والمقاسمة ، وثانيا ـ للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه لندرة الزكوات ، فان لها أربابا مخصوصة يعطون من دون إحراز لها فيه ، فاحتمالها فيه ضعيف وأضعف منه احتمال الوجوه الموصى بها أو المنذورة للشيعة. فالمناقشة في الدلالة بما مر ضعيفة» انتهى (٣).

__________________

(١) الوسائل ـ المصدر الآنف ـ حديث تسلسل (٣) : وعنه ، عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة ، عن رجل قال : قلت لأبي عبد الله (ع) .. وذكره الشيخ في التهذيب : ج ٦ ص ٣٣٧) حديث تسلسل (٩٣٧ ـ ٥٨) طبع النجف الأشرف.

(٢) وهي رواية أبي بكر الحضرمي ـ كما عن مكاسب الشيخ مرتضى الأنصاري ـ قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) وعنده ابنه إسماعيل ـ فقال : ما يمنع ابن ابي سماك .. وذكره الحر العاملي في (وسائله ، كتاب التجارة) باب ٥١ إن جوائز الظالم وطعامه حلال .. حديث رقم (٦).

(٣) راجع : الجزء الأول منه : كتاب التجارة ـ في جواز الشراء من السلطان الجائر في شرح قول المحقق (الثالثة يجوز أن يشتري من السلطان ما يأخذه باسم المقاسمة).

٣٠٩

بل في (قاطعة اللجاج) للكركي ـ بعد ذكرها ـ : «هذا نص في الباب ، فإنه ـ عليه السلام بين للسائل حيث قال : إنه ترك أخذ العطاء للخوف على دينه ـ بأنه لا خوف عليه ، فإنه إنما يأخذ حقه حيث أنه يستحق من بيت المال نصيبا ، وقد تقرر في الأصول تعدي الحكم بالعلة المنصوصة» انتهى (١).

إلا أن المقدس الأردبيلي بالغ في الإنكار على المحقق المذكور في دلالتها وأظهر العجب منه حيث قال : «والعجب أنه قال في المنفردة : هذا نص في الباب ـ الى آخر عبارته المتقدمة ـ ثم قال : وأنا ما فهمت منها دلالة ما كيف وغاية دلالتها ما ذكره ، وذلك قد يكون من بيت المال يجوز أخذه وإعطاؤه للمستحقين ، مثل أن يكون منذورا أو وصية لهم بأن يعطيه ابن أبي سماك أو غير ذلك ، ولا يقاس عليه الخراج الذي أخذه الظالم باسم الخراج ظلما ، لأنه ما علم صيرورته خراجا بحيث يجوز لكل أحد الأخذ منه باذنه لا بدونها ، كما هو المدعى ـ نعم لو صار المأخوذ خراجا يجوز للمولى إعطاء المستحق نصيبه الذي فيه ، إن علم العلة وجواز حصته من المال المشترك لبعض الشركاء ، كل ذلك غير ظاهر فيما نحن فيه» انتهى موضع الحاجة من كلامه.

قلت : الإنصاف أن الرواية ظاهرة في المطلوب ، لا بمثابة النص فيه ـ كما في الرسالة ـ ولا أجنبية عنه ـ كما ادعاه المقدس المزبور ـ والذي أوقعه في ذلك ، بل تكرر في كلامه : هو عدم تعيين المقبوض عنده باسم الزكاة والخراج زكاة وخراجا حتى تترتب عليه صحة الشراء أو أخذ المستحق له من بيت المال لعدم قبض المتولي له ، وهو الامام عليه السلام وان فرق

__________________

(١) راجع ذلك في المقالة السادسة منها في حل الخراج في حال حضور الامام وغيبته.

٣١٠

أخيرا بين الشراء وغيره ، نظرا الى تحقق العوض العائد إلى بيت المال فيه ، بخلاف ما لم يكن له عوض كالهبة ونحوها ، فإنه يصير كالتضييع.

وأنت خبير بما فيه أولا ـ لظهور الأخبار في تعيين ما يؤخذ باسمهما زكاة وخراجا ، سيما الصحيحة المتقدمة وأخبار تقبيل الأراضي. وثانيا ـ بلزوم خروجه عن القاعدة ـ أيضا ـ في تصحيحه الشراء بالأخبار الآمرة به ، والتفرقة بينه وبين غيره بما ذكر أوهن من بيت العنكبوت. إلا أن يقال بالاقتصار على القدر المتيقن فيما خالف القواعد.

نعم ، قد يدعى ظهور اختصاص الرواية بالزكاة ، لأن الزكاة من الحقوق التي يتعلق بها نصيب أغلب الناس من ذوي الحاجة ، وهي في بيت المال ، وإلا فالخراج لا يتعلق بها وهي كذلك إلا نصيب من يكون الدفع إليه من المصالح العامة كالغزاة والقضاة وصاحب الديوان ونحو ذلك. ولم نعلم كون الراوي منهم ، بل الظاهر تجنبه عنهم للخوف على دينه.

وحملها على خصوص المنذور ، أو الموصى به للشيعة كما احتمله المقدس ـ بعيد جدا كدعوى ندرة الزكاة في بيت المال وعدم الإحراز فيه ـ كما تقدم من (الرياض) تبعا لصاحب (الحدائق) ـ ويكون ـ حينئذ ـ لوم الامام عليه السلام لابن أبي سماك : في عدم إخراج شباب الشيعة ، عدم إخراجهم بالعمالة في جمع الزكاة ليكون لهم منها سهم العاملين. اللهم إلا ان يكون تعلق النصيب في خراج الأنفال وما هو للإمام عليه السلام من الخمس الذي أباحوه لشيعتهم ، فيكون تعلقه باعتبار ذلك ، بل ويمكن صدق التعلق بخراج (العنوة) باعتبار اعتياد دفع العطايا والجوائز للناس منها بعلاقة الأول والقوة القريبة.

ومنها ـ الأخبار الواردة في جواز تقبل الخراج من الأراضي والرؤوس التي : منها : ما عن الصدوق في (الفقيه) : «في الصحيح عن إسماعيل

٣١١

ابن الفضل عن ابي عبد الله (ع) قال : سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رءوسهم وخراج النخل والآجام والمصائد والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا ، أو يكون ، أنشتريه وفي أي زمان نشتريه ونتقبل منه؟ فقال : إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره وتقبل به». وظاهرها كون أصل الجواز مفروغا عنه وانما وقع السؤال عن غيره.

ومنها ـ موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله (ع): «في الرجل يتقبل بجزية رءوس الجبال وبخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدري لعله لا يكون ..» (١) الخبر المتقدم بأدنى تفاوت. وهي كالأولى في كون السؤال من حيث انه لا يدري أنه يكون من ذلك شي‌ء أم لا.

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في جملة حديث ـ «قال : لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث؟ قال : نعم لا بأس به ، وقد قبل رسول الله (ص) خيبرا أعطاها اليهود حين فتحت عليه ..» الخبر (٢)

ومنها ـ رواية الفيض بن المختار : «قال : قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أؤاجرها من أكرتي على أن ما أخرج الله تعالى منها من شي‌ء لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان؟ قال : لا بأس ، كذلك أعامل أكرتي» (٣).

__________________

(١) ذكر هذين الخبرين : الشيخ الأنصاري في (مكاسبه) وعامة الفقهاء في (المكاسب المحرمة).

(٢) ذكرها الشيخ في التهذيب ، كتاب التجارات ، باب المزارعة ، حديث رقم (٨٨) ج ٧ طبع النجف.

(٣) ذكرها الكليني في (الكافي ، كتاب المعيشة ، باب قبالة أراضي أهل الذمة ..) حديث رقم (٢) بسنده هكذا : حميد بن زياد عن الحسن بن محمد عن

٣١٢

إلى غير ذلك من الاخبار الصريحة في صحة التقبل الموجبة لانتقال الخراج الى المتقبل ودخوله في ملكه مطلقا ولو كان الخراج ثابتا في الذمة المشعرة بكون حكم تصرف الجائر في هذه الأراضي بحكم تصرف الامام العادل فيها ، ولو بإمضاء ذلك منه (ع) لمصلحة هو أعرف بها.

ومنها ـ ما روى في الصحيح عن جميل بن صالح ، قال : «أرادوا بيع تمر عين أبي زياد ، وأردت أن أشتريه ، فقلت : لا ، حتى استأمر أبا عبد الله (ع) ، فسألت معاذا أن يستأمره ، فقال : قل له : يشتره ، فإنه ان لم يشتره ، اشتراه غيره» (١).

واستدل به المحقق الكركي في (رسالته) على حلية الخراج والمقاسمة تبعا لما حكاه عن العلامة ـ رحمه الله ـ في (المنتهى) في ذلك (٢).

وهو مبني على كون عين أبي زياد من الأراضي الخراجية ، كما لعله يعطيه ما حكي عن (الوافي) بعد ذكر الخبر في باب المتاجر : أبو زياد كان من عمال السلطان إلا أنه من المحتمل ـ قريبا ـ كون الضيعة المزبورة

__________________

أحمد بن الحسن الميثمي ، قال : حدثني أبو نجيح المسمعي عن الفيض بن المختار ، وكذلك ذكره الشيخ في التهذيب ، كتاب التجارات ، باب المزارعة حديث تسلسل (٨٨١). والأكرة ـ بالفتح كعملة ـ جمع أكار ـ بالفتح والتشديد : الزراع.

(١) وسائل الحر العاملي ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ٥٣ باب جواز الشراء من غلات الظالم .. حديث رقم (١) إلا أن فيه بدل (حتى استأمر) : (حتى استأذن). ومثله في (تهذيب الشيخ ـ في المكاسب) ج ٦ ص ٣٧٥ حديث رقم (١٠٩٢ ـ ٢١٣) طبع النجف الأشرف.

(٢) راجع ذلك في المقالة السادسة من (رسالته) في حل الخراج ، أثناء عرض الاخبار في الباب ، يقول بعد ذكره للحديث ـ «قلت : قد احتج بهذا الحديث لحل ذلك العلامة في (المنتهى) وصححه».

٣١٣

كانت لأبي عبد الله وغصبت منه ، كما يشعر به ما رواه ثقة الإسلام في (الكافي ـ في باب نادر آخر أبواب الزكاة) : «عن يونس ـ أو غيره ـ عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : بلغني انك تفعل في غلة عين زياد شيئا ، فأنا أحب ان أسمعه منك ، قال : فقال : نعم ، كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلون ، فكنت آمر في كل يوم أن توضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة كلما أكل عشرة جاء عشرة يلقى لكل نفس منهم مد من رطب ، وكنت آمر ، لجبران الضيعة كلهم : الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر يجي‌ء ، فيؤخذ لكل إنسان مد فاذا كان الجذاذ فوفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم ، واحمل الباقي الى المدينة ، ففرقت في أهل البيوتات والمستحقين الراحلتين والثلاثة والعقل والأكثر ـ على قدر استحقاقهم ـ وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار ، وكان غلتها أربعة آلاف دينار».

ولا ينافي فيه إضافة الضيعة الى أبي زياد ـ في الأول ـ والى زياد ـ في الثاني ـ فإن مثل هذا التجوز ـ كثير ـ كما قيل ـ فيكون استئماره منه ـ عليه السلام ـ لكونها له. ولعله لذلك لا يخلو الاستدلال به على المطلوب من وهن.

ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «قال قال لي : أبو الحسن عليه السلام : مالك لا تدخل مع على في شراء الطعام ، إني أظنك ضيقا قلت : نعم ، وإن شئت وسعت علي ، قال : اشتره» (١) بناء على قوة احتمال كون الطعام المشتري من الحقوق المضروبة على الأراضي والزراعة واحتمال كون اللام فيه للعهد والمعهود من غيرها لعله ضعيف.

__________________

(١) راجع : وسائل الحر العاملي ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، ٥٢ باب جواز شراء ما يأخذ الظالم من الغلات .. حديث تسلسل (٢٢٣٧٠ ـ ١)

٣١٤

وكذا استدل به في (التذكرة) على جواز تناول ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة. وتبعه عليه في ذلك الكركي في (رسالته) (١).

إلى غير ذلك من الاخبار التي يشرف الفقيه بملاحظتها وانضمام بعضها الى بعض ـ على القطع بالمسألة.

مضافا إلى الإجماعات المحكية التي : منها ـ ما حكاه جدنا العلامة في (المصابيح) حيث قال : «ما يأخذه الجائر من الغلات باسم المقاسمة ومن الأموال باسم الخراج في أراضي الصلح ، والأراضي المفتوحة عنوة وباسم الزكاة مما فيه الزكاة ، في حكم ماله يجوز ابتياعه منه واتهابه ، وكذا سائر المعاوضات وان لم يرض المالك ، بإجماع علمائنا ورواية أصحابنا» (٢).

وما وقع حكايته مكررا من الكركي ـ رحمه الله ـ في (رسالته) ومن السيد جدنا في (الرياض) مستفيضا حيث قال ـ بعد ذكر فتواه في ذلك ـ : «والأصل في المسألة ـ بعد عدم الخلاف في الطائفة والإجماع المستفيض حكايته في كلام ـ جماعة ـ : المعتبرة المستفيضة» انتهى (٣).

بل في (المسالك) دعوى إطباق العلماء حيث قال : «.. إلا أن ما يأخذه الجائر في زمن الغيبة قد أذن أئمتنا عليهم السلام في تناوله منه

__________________

(١) راجع نفس المصدر الآنف من (الرسالة) فإنه بعد استدلاله بالرواية المذكورة يقول : «وقد احتج بها العلامة في (التذكرة) على تناول ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة».

(٢) المصابيح للسيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ من الموسوعات الفقهية الاستدلالية ولا يزال الكتاب خطيا. راجع هذه العبارة في أوائل كتاب التجارة منه بعنوان (مصباح : ما يأخذه الجائر ..).

(٣) راجع الجزء الأول من (الرياض ، كتاب التجارة المكاسب المحرمة منها) في شرح قول المحقق (الثالثة ـ يجوز أن يشتري من السلطان ..).

٣١٥

وأطبق عليه علماؤنا لا نعلم فيه مخالفا وإن كان ظالما في أخذه» (١) انتهى.

وفي (الجواهر) : «لا خلاف معتدا به في جواز شرائه منه وقبول هبته ونحو ذلك مما يقع على المملوك حقيقة» ثم حكى الإجماع عن غير واحد (٢). ولعل التقييد في نفي الخلاف إشارة الى مخالفة الأردبيلي ـ رحمه الله ـ تبعا للشيخ إبراهيم القطيفي.

وفي (الحدائق) : «المسألة الثانية : انه لا خلاف بين الأصحاب ـ رضي الله عنهم ـ في أن ما يأخذه الجائر باسم المقاسمة والخراج من الأراضي والغلات وما يأخذه باسم الزكاة من الانعام والغلات ونحو ذلك يجوز شراؤه وقبول اتهابه ، بل ظاهر كلام جملة من الأصحاب دعوى الإجماع على ذلك ، ولم أقف على مخالف في الحكم المذكور إلا المحقق الأردبيلي ـ رحمه الله ـ في (شرح الإرشاد) وقبله الفاضل الشيخ إبراهيم ابن سليمان القطيفي أصلا ، الحلي مسكنا» انتهى (٣).

بل يظهر لمن تتبع فتاوى الأصحاب المحررة في كتبهم والمحكية عنهم

__________________

(١) راجع ـ من مسالك الشهيد الأول في شرح الشرائع ـ : أوائل كتاب التجارة في شرح قول المحقق (السابعة ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات ..).

(٢) راجع ذلك ـ في أوائل كتاب المتاجر ـ في شرح قول المحقق (ما يأخذه السلطان الجائر ..) وبعد هذه العبارة يقول «وعن جامع المقاصد : إن عليه ـ أي شرائه منه ـ إجماع فقهاء الإمامية والأخبار المتواترة. وفي (مصابيح العلامة الطباطبائي) : إن عليه إجماع علمائنا وروايات أصحابنا. وفي (قاطعة اللجاج) : الإجماع مكررا على ذلك. وفي (المسالك) : أذن أئمتنا في تناوله وأطبق عليه علماؤنا ولا نعلم فيه مخالفا. وفي محكي التنقيح وتعليق الإرشاد : الإجماع عليه ..»

(٣) راجع منه : كتاب المتاجر والمكاسب ، المقدمة الرابعة في تحقيق مسائل تدخل في حيز هذا المقام .. المسألة الثانية ـ الظاهر أن لا خلاف ..

٣١٦

بالحل وجواز التناول من الجائر إنه من البديهيات عندهم حيث أرسلوه إرسال المسلمات من دون ذكر خلاف في المسألة مع أن ديدتهم التعرض للأقوال النادرة في المسائل الخلافية والى قضاء ضرورة التعيش ومسيس الحاجة إليه بحيث كاد أن يكون التكليف بالتجنب عنه من التكليف بما لا يطاق ، ولا أقل من استلزامه العسر والحرج المنفيين آية ورواية ، وحرمان الشيعة من حقوقهم المتعلقة بتلك الأموال المجعولة في أيديهم وتحت سلطنتهم مع عدم الوسيلة لهم للوصول إليها إلا بهم ، ومقتضاه ـ كما هو مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى بل إطلاق معقد الإجماعات المحكية ـ عدا الأول منها ـ : عدم الفرق في الخراج المأخوذ من أرض الأنفال المختصة بالإمام عليه السلام وغيرها مما هو للمسلمين كأرض الصلح والمفتوحة عنوة ، مع احتمال الاختصاص بالثاني ، اقتصارا على المتيقن من إمضاء تصرفات الجائر وعمله ، والمغصوب من الامام عليه السلام كالمغصوب من آحاد المسلمين أو التفصيل في المأخوذ منه ذلك بين الشيعة وغيرهم لكون الأرض ـ في الأول ـ مفروضة بلا أجرة عليه بحكم الإباحة منهم لشيعتهم ، بخلاف الثاني ، فإنه يجوز لنا أخذه ، اما لكونه أجرة الأرض المفروض كونه للإمام عليه السلام ـ أو تقاصا عن الأجرة الثابتة في ذمته.

ثم إن مقتضى الصحيحة المتقدمة وغيرها (١) الظاهرة بل الصريحة في تعيين ما يقبضه الجائر من المالك باسم الزكاة من الأنعام والغلات زكاة ـ ولذا أجاز شراءه منه وإلا كان غصبا باقيا على ملك مالكه الموجب لعدم جواز شرائه قطعا ـ سقوطها عن المالك وبراءة ذمته عن أدائها مرة أخرى ـ كما هو أحد القولين أو الأقوال في المسألة. بل أخذ الجائر ذلك منه المتوقف على قسمته معه بحكم العزل المعين كون

__________________

(١) راجع : ص ٣١٢ من هذا الكتاب إشارة إلى صحيحة الحلبي.

٣١٧

المعزول زكاة ، بل هو منه حقيقة فإذا أخذه الجائر أخذ ما هو زكاة ، وان كان ظالما في أخذه لكونه غير مستحق له ولا نائبا عن المستحق كالخراج الظالم في أخذه لذلك مع تعيين كونه خراجا بحكم الشارع وبراءة ذمة المالك عن دفعه ثانيا بالاتفاق.

مضافا إلى ما دل على سقوطها ـ حينئذ من المعتبرة المستفيضة التي منها :

صحيحة يعقوب ، قال : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل ، أيحتسبه بها من زكاته؟ قال : نعم ان شاء):

وصحيحة سليمان : «سمعت الصادق (ع) يقول : إن أصحاب أبي أتوه ، فسألوه عما يأخذه السلطان فرق لهم ، وإنه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها ، فأمرهم أن يحتسبوا به ، فجاز ذلك والله لهم ، يا أبه ان سمعوا ذلك لم يزك أحد ، فقال : يا بني حق أراد الله أن يظهره» (١)

وصحيحة العيص عن أبي عبد الله (ع) في الزكاة ، قال «ما أخذه منكم بنو أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم ، فان المال لا ينبغي أن يزكى مرتين» (٢).

__________________

(١) راجع : الاستبصار للشيخ الطوسي ، كتاب الزكاة ، ١١ ـ باب ان الزكاة انما تجب بعد إخراج مؤنة السلطان حديث رقم (٦) ج ٢ طبع النجف الأشرف ، ـ باختلاف بسيط في بعض كلماته ـ وسند الحديث فيه هكذا : سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن عبد الرحمن ابن الحجاج عن سليمان بن خالد.

(٢) المصدر نفسه ، حديث رقم (٧) بسنده عن سعد بن عبد الله عن أحمد ابن محمد عن عبد الرحمن بن أبي نجران وعلى بن الحسن الطويل عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم عن ابي عبد الله (ع). وفي آخره : (وإن المال لا يبقى على أن يزكيه مرتين).

٣١٨

مؤيدا بالأخبار الدالة على سقوط الزكاة بعد دفع الخراج إليه التي :

منها ما رواه رفاعة : «سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل له الضيعة. فيؤدي خراجها ، هل عليه فيها العشر قال : لا» (١).

ونحوه صحيحته الأخرى ، وخبر أبي كهمش عنه (ع) : «من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه».(٢)

وخبر أبي قتادة عن سهل بن اليسع حيث أنشأ سهل يسأل أبا الحسن ـ عليه السلام ـ عما يخرج منها : ما عليه إذا كان السلطان يأخذ خراجه؟ : «فليس عليك شي‌ء وان لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها» (٣) بعد حملها ـ كما في الحدائق عن بعض ـ على إرادة الزكاة من الخراج ، فتكون ـ حينئذ ـ من روايات الباب. وان كان الأولى حملها على التقية ، لكون ذلك مذهبا لأبي حنيفة ـ على ما حكي عنه ـ وعليه فتعتبر النية عند الدفع اليه ، كما تعتبر في سائر الزكوات.

والقول الآخر : عدم سقوط الزكاة عنه بدفعها اليه ـ كما قواه شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله ـ في (المسالك) معللا بأن الجائر ليس نائب المستحقين ، فتعذر النية ، فلا يصح الإخراج بدونها ووجوب دفعه إليه أعم من كونه على وجه الزكاة أو المعني معهم في أحكامهم والتحرز

__________________

(١) المصدر نفسه ، حديث رقم (٢) بسنده : عن الحسين بن سعيد عن محمد بن ابي عمير عن رفاعة بن موسى ..

(٢) المصدر نفسه ، حديث رقم (٣) بسنده : عن سعد عن أبي جعفر عن الحسين بن علي بن فضال عن أبي كهمش عن ابي عبد الله (ع) ..

(٣) راجع : الوسائل ، كتاب الزكاة ، ١٠ باب حكم حصة السلطان والخراج حديث رقم (١) بسنده عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن مالك عن أبي قتادة.

٣١٩

عن الضرر بمباينتهم (١).

وبما ذكرنا يظهر لك ضعف هذا القول ومستنده.

نعم ، يدل عليه صحيحة الشحام ، وهي : «قلت للصادق (ع) جعلت فداك ، إن هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة ، فنعطيهم إياها : تجزى عنا؟ قال : إنما هؤلاء قوم غصبوكم ـ أو قال ظلموكم ـ أموالكم وإنما الصدقة لأهلها» (٢).

إلا أن المحكي عن الشيخ ـ رحمه الله ـ حملها على استحباب الإعادة وفي (الحدائق) : حملها على ما إذا تمكن من عدم الإعطاء بإنكاره ونحوه ولم يفعل. بل لو سلمها إليهم بمجرد الطلب وهو حسن. ولعله يشهد له صحيحة العيص المتقدمة (٣) ، لو لا ظهورها (٤) في المقهورية على الدفع وعدم إمكان المدافعة ، ولو بمعونة ظهور قوله في الجواب (انما هؤلاء قوم غصبوكم أو ظلموكم) الموهن للحمل المذكور.

اللهم إلا أن يريد بالغصب أو الظلم من حيث المصرف والمدفوع له ، لا من حيث الأخذ من المالك لكونها من حقوقكم المدفوعة إلى غيركم ، وحينئذ يتجه الحمل المذكور.

ولعل الأقوى ، القول بالتفصيل في السقوط وعدمه بين الدفع اليه

__________________

(١) راجع ذلك ـ في كتاب التجارة منه ـ في المكاسب المحرمة ، مسائل في شرح قول المحقق : السابعة ـ ما يأخذه السلطان من الغلات باسم المقاسمة .. قال : وهل تبرأ ذمة المالك من إخراج الزكاة مرة أخرى : يحتمله ..

(٢) ذكرها صاحب الجواهر وغيره ممن شرح الشرائع ـ في كتاب المتاجر ، في شرح قول المحقق. السابعة ما يأخذه السلطان ..

(٣) راجع ـ ص ٣١٨ من هذا الكتاب.

(٤) أي : صحيحة الشحام.

٣٢٠