بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

لم تكن العارية مضمونة عليه (١) ولو كانت العين تالفة في يده (٢) لغروره (٣) ولكونها عارية منه (٤) وهي غير مضمونة بصحيحها ، فلا تضمن بفاسدها أيضا (٥) ولا يعارضها قاعدة (قرار الضمان على من كان التلف في يده) لأنها فرع تحقق أصل الضمان المنفي بقاعدة (ما لا يضمن) ضرورة أن مفادها نفي ما هو بمنزلة الموضوع لقاعدة القرار.

ومنه يظهر الوجه في عدم رجوع الغاصب المعير على المستعير مع جهله ، إن رجع المالك عليه ـ مطلقا ـ (٦) إلا إذا كانت العارية مضمونة على المستعير وكان التلف بيده ، فإنه يرجع عليه ببدل العين دون المنفعة لأنها عارية مضمونة وهي مضمونة بصحيحها ، فتكون مضمونة بفاسدها أيضا ـ ومنافعها غير مضمونة ـ مطلقا ـ (٧).

__________________

(١) واما إذا كانت مضمونة عليه فيرجع المستعير على المعير بما أخذه المالك منه من بدل ما استوفاه من المنفعة أو الفائتة تحت يده.

(٢) أي في يد المستعير.

(٣) بمقتضى النبوي المشهور : «المغرور يرجع فيما غرمه على من غره».

(٤) أي من المعير.

(٥) بناء على أن المورد مشمول للقاعدة المذكورة ، وأما بناء على ما سيجي‌ء من المصنف من عدم شمول القاعدة للمورد واختصاص ذلك بالعارية المستعارة من المالك ، فينحصر المدرك في عدم ضمانه بقاعدة الغرور.

(٦) يعني : إن المالك لو رجع على الغاصب المعير بقيمة العين التالفة عند المستعير وبعوض ما استوفاه من منفعتها مع جهله بكونها مغصوبة ، لا يرجع بما غرمه للمالك على المستعير المفروض كونه مغرورا من قبله ، إذ لا معنى لرجوعه على من لو رجع المالك عليه بذلك رجع به عليه ، لكونه مغرورا من قبله.

(٧) سواء في ذلك العارية الصحيحة والفاسدة ، أما في الصحيحة فواضح

١٠١

هذا ، وفي (الشرائع) : جعل الوجه ـ مع جهل المستعير ـ اختصاص الضمان بالغاصب ـ عينا ومنفعة ، تلفت في يده أو في يد المستعير. (١) وليس بوجيه ، لمخالفته الأخبار المنجبرة (٢) وقاعدة (تعاقب الأيدي) (٣) ولعل نظره ـ كما في المسالك ـ الى ضعف مباشرة المستعير بالغرور والسبب الغار أقوى (٤) لا ما علله شيخنا في (الجواهر) : بقاعدة (ما لا يضمن.) إذ لا عارية بين المستعير والمالك حتى يستند عدم تعلق الضمان له عليه إلى قاعدة (ما لا يضمن) ، نعم تجري القاعدة بين المستعير والمعير لتحقق العارية بينهما.

__________________

وأما في الفاسدة فللتسلط عليها ـ مجانا ـ بناء على أن التسليط المجاني عليها ، ولو كان من غير المالك ، لا يقتضي الضمان.

(١) ونص عبارته ـ كما في كتاب العارية ، الفصل الأول ـ : «ولو استعار من الغاصب وهو لا يعلم كان الضمان على الغاصب ، وللمالك إلزام المستعير بما استوفاه من المنفعة ، ويرجع على الغاصب ، لأنه أذن في استيفائها بغير عوض ، والوجه تعلق الضمان بالغاصب ـ حسب ـ وكذا لو تلفت العين في يد المستعير».

(٢) المراد بها : ما في المرسل : «عن على ـ عليه السلام ـ ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم ـ عليهما السلام ـ : «إذا استعيرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت ، فالمستعير ضامن».

(٣) على مال الغير بغير استحقاق ، فإنها تقتضي ضمان الكل للمالك ، نعم المغرور يرجع بما غرمه للمالك على غارّه.

(٤) قال في (المسالك ـ كتاب العارية ، تحت عنوان قول المحقق (ولو استعار) : «ووجه ما اختاره المصنف من اختصاص الضمان بالغاصب حيث لا تكون العارية مضمونة : أن المستعير مغرور فضعفت مباشرته ، فكان السبب الغار أقوى».

١٠٢

فمن الغريب نسبته الغرابة إلى (المسالك) حيث قال : «اللهم إلا أن يقال ان قاعدة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) تقتضي ذلك ولعلها المدرك للمصنف وغيره في الحكم بعدم الضمان ، لا ما في (المسالك) من الأول ، فمن الغريب ما فيها من موافقته على جريانها في المقام ، حتى استدل بجزء الإثبات منها على ضمان الجاهل في العارية المضمونة ، مع إنكاره على المصنف الحكم بعدم الضمان» انتهى (١)

__________________

(١) راجع : كتاب العارية من (كتاب متاجر الجواهر) ـ في شرح قول المحقق ـ : «وكذا لو تلفت العين في يد المستعير».

ثم إن الكلام في وجه ما اختاره المحقق : من اختصاص الضمان في العين المغصوبة من المالك ، المستعارة لمن جهل بغصبيتها ـ بالغاصب وعدم ضمان المستعير لها عينا ، ومنفعة ما استوفاها المستعير منها وما فاتت تحت يده ، وما ذكره (صاحب الجواهر ـ رحمه الله ـ) : من توجيهه بقوله : «اللهم إلا أن يقال : إن قاعدة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) تقتضي ذلك ، ولعلها المدرك للمصنف وغيره في الحكم بعدم الضمان» انتهى :

غير واضح ، إذ الكلام في وجه عدم ضمان المستعير لمالك العين لو رجع عليه بقيمتها بعد التلف ، وبعوض ما استوفاه من منفعتها أو فات تحت يده ، واختصاص ذلك بالغاصب ، ولا عارية بين المالك والمستعير ، لتكون قاعدة (ما لا يضمن) مقتضية لعدم ضمانه له. نعم ، العارية بين المعير والمستعير ولا كلام في عدم ضمانه له لو رجع المالك على المعير بعوض ما تلف في يد المستعير ، وبمنفعتها الفائتة أو المستوفاة له ، ما لم تكن عارية مضمونة ، فله الرجوع عليه بما غرمه للمالك : من قيمة العين دون منفعتها.

وبالجملة ، لم يتضح ما وجهه في (الجواهر) بما عرفت.

١٠٣

__________________

كما أن ما وجه به الشهيد في (المسالك) ما اختاره المحقق ـ رحمه الله ـ بقوله : «ووجه ما اختاره المصنف من اختصاص الضمان بالغاصب حيث لا تكون العارية مضمونة : أن المستعير مغرور ، فضعفت مباشرته فكان السبب الغار أقوى» انتهى :

لم يتضح ـ أيضا ـ فإن قاعدة أقوائية السبب من المباشر واختصاص الضمان بالسبب ، موردها ما إذا كان استناد تلف المال أو النفس الموجب للضمان الى السبب ـ عرفا ـ ولا ينظر الى دخل المباشر فيه ، نظير من أعطى سكينا لطفل غير مميز فجرح نفسه ، أو فتح باب المحبس عن مفترس فخرج وافترس إنسانا أو حيوانا ، أو حفر بئرا في ممر من الناس ولم يتخذ لها حافظا وواقيا ، فسقط فيها إنسان لا يبصر ، أو زاحمه حيوان فوقع فيها ، أو أجّج نارا في عاصف من الريح ، ولم يتخذ لها واقيا ، فاحترق بها مال للغير ، ونحو ذلك مما يكون استناد التلف فيه الى المسبب ـ عرفا ـ ففي جميع ذلك ونظائره صح أن يقال : السبب أقوى من المباشر ، واختص الضمان به.

أما في مثل ما نحن فيه مما كان سبب الضمان فيه استيلاء غير المستحق على مال الغير ـ وقد أخذه ممن سبقه ـ في عدم الاستحقاق ، غاية الأمر ان السابق عالم بعدم استحقاقه ، والأخذ منه جاهل به ، فكون ذلك من موارد القاعدة المذكورة ، غير واضح ، نعم هو من موارد قاعدة (الغرور) وليس مفادها عدم ضمان المغرور واختصاص الغار به ، بل رجوعه على من غرّه بما خسره لمالك العين التالفة عند رجوعه عليه وأخذه منه ، فهو ضامن كالسابق الغار ، ولكنه يرجع بغرامته عليه بمقتضى النبوي المشهور : «المغرور يرجع بما غرمه على من غرّه».

١٠٤

فان مورد إجرائها في (المسالك) بين المستعير والغاصب المعير وهو مجراها ، لتحقق العارية بينهما ، ولا مورد لجريانها بين المالك والمستعير الذي لا عارية بينهما حتى يصلح أن يجعله مدركا للحكم.

هذا كله مع جهل المستعير بالغصب. وأما مع علمه به ، فهو ضامن للعين والمنفعة ، وقرار الضمان عليه لو تلفت في يده ، ولعله مورد توهم نقض القاعدة به ، لكونها مضمونة ـ حينئذ ـ من غير خلاف ، مع كونها غير مضمونة بصحيحها ، ولا مدخلية للعلم والجهل إلا في الإثم وعدمه دون الأحكام الوضعية من الضمانات وعدمها.

ولكنه توهم فاسد ، لأن المستعير لعلمه بالغصب علم بكونها مضمونة عليه ـ شرعا ـ ولو للمالك ، فهو كعارية الذهب والفضة ـ المضمونة شرعا لا بشرط من المعير ، فهو إقدام منه على الضمان ، والعارية مضمونة بصحيحها فهي مضمونة بفاسدها ـ فتأمل (١).

__________________

(١) قد يقال : إن وجه ضمان المستعير للعين من الغاصب إذا كان عالما بغصبيتها ، إنما هو قاعدة تعاقب الأيدي على مال الغير عدوانا ، فإنه لعلمه بالغصب يكون غاصبا كالمعير ، فيضمن للمالك العين والمنفعة ـ مطلقا.

وليس الوجه في ذلك كونها عارية مضمونة كعارية الذهب والفضة ، فهو أقدام منه على الضمان ، والعارية مضمونة بصحيحها ، فهي مضمونة بفاسدها ، كما يقول سيدنا ـ قدس سره ـ فإن عارية الذهب والفضة إنما يكون المضمون فيها للمالك نفس العين دون المنفعة ـ أيضا ـ مضافا الى أن عارية الذهب والفضة يضمنها المستعير للمالك والمعير على البدل ، بمعنى أن المالك لو رجع ببدل العين التالفة على المستعير خسره له ، ولو رجع على الغاصب المعير وأخذ البدل منه خسره المستعير له ـ أيضا ـ فهو مقدم على ضمان العين وبدلها على البدل ، وهذا بخلاف المستعير من الغاصب العالم بكونه غاصبا ، فان ضمانه للمالك لو رجع عليه ببدل

١٠٥

ثم إن ما ذكرنا جريا على مذاق من أجرى قاعدة العارية بين المستعير والغاصب المعير في الرجوع وعدمه في بعض صور المسألة ، وإلا فيمكن أن يقال بخروج عارية الغصب عن مجرى قواعد العارية وأحكامها ، وان كانت بصورة العارية.

وما تقدم في بعض صور المسألة من الرجوع وعدمه بين المستعير والغاصب المعير ، فإنما هو للغرور ، لا لكونها عارية يتمسك فيها بقاعدة «ما لا يضمن» فإن العارية التي تجري فيها قواعدها ـ وكذا الوديعة ونحو ذلك من العناوين ـ هي الطارئة على أخذ المال من المالك لا مطلق الأخذ وإن كان من غيره.

ومما يمكن أن يورد على الكلية الإيجابية : النقض بالبيع من السفيه المحجر عليه ، لو تلف المبيع في يده مع كون القبض بإذن البائع ، فإنه حكم غير واحد ـ كالعلامة في القواعد ، والمحقق في الشرائع ، وثاني الشهيدين والمحققين في المسالك ، وجامع المقاصد ـ بفساد البيع ، وعدم تعلق الضمان

__________________

العين التالفة بلا اشكال ، وأما ضمانه للغاصب المعير لو رجع عليه المالك ببدل العين التالفة وخسارته البدل له ، فهو لا يخلو عن الإشكال ، فإن علمه بالغصب غاية ما يقتضي كونه ضامنا للمالك العين التالفة وعدم رجوعه بما خسره له على المعير لعدم كونه مغرورا منه كالجاهل بالغصبية.

وأما ضمانه للمعير بدل العين التالفة لو رجع المالك عليه وأخذ البدل منه فهو مشكل ، إذ هو قادم على ضمان العين للمالك لو رجع عليه ببدلها ، لا على ضمان بدلها للمعير لو رجع عليه المالك وأخذ البدل منه ، لما ذكرناه من جريان قاعدة العارية بين المعير الغاصب وبين المستعير منه ، وانه غير مقدم على الضمان له ما خسره للمالك. ولعل ما ذكرناه هو الوجه في تأمل سيدنا المصنف ـ قدس سره.

١٠٦

بالسفيه ، وإن فك حجره (١) فالمبيع ـ هنا ـ غير مضمون مع كون صحيحه مضمونا ، وكل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

وإطلاق كلام المحقق ، وصريح الباقين : عدم الفرق بين صورتي العلم والجهل بالسفه.

قلت : لا يتم النقض به مع علم البائع بذلك لأنه ـ حينئذ ـ مقدم على تلف ماله ، ومضيّع له ، ومسقط لاحترامه.

نعم يتوجه النقض به مع جهله ، وان علّله في (المسالك) و (جامع المقاصد) بما يرجع محصله إلى تقصير البائع معه بعدم اختبار حاله. وعلمه بثبوت العوض المبذول له.

وفيه : منع التقصير ، ولزوم الاختبار مع جريان أصالة الصحة والسلامة ، فإنه أصل موضوعي عليه بناء العقلاء ، والسيرة القطعية في معاملاتهم.

__________________

(١) ففي كتاب الحجر من (قواعد العلامة ـ الفصل الثاني في المجنون والسفيه) : «فان اشترى بعد الحجر فهو باطل ، ويسترد البائع سلعته إن وجدها ، وإلا فهي ضائعة إن قبضها باذنه عالما كان البائع أو جاهلا».

وفي (شرائع المحقق ـ كتاب الحجر ، الفصل الثاني في أحكام الحجر) : «المسألة الثانية ـ إذا حجر عليه ، فبايعه إنسان كان البيع باطلا ، فان كان المبيع موجودا استعاده البائع ، وان تلف وقبضه بإذن صاحبه كان تالفا وان فك حجره»

وفي (مسالك الشهيد الثاني) ـ في التعليق على قول المحقق الآنف «إذا حجر عليه» : «لا فرق في جواز استعادته مع وجوده بين من بايعه عالما بحاله وجاهلا ، لان البيع في نفسه باطل ، فله الرجوع في ماله متى وجده ، وأما إذا تلف فلا يخلو : إما أن يكون قد قبضه بإذن صاحبه أو بغير إذنه ، وعلى التقديرين إما أن يكون البائع عالما أو جاهلا ، فان كان قبضه بإذن صاحبه كان تالفا عليه لأنه سلط على إتلافه مع كونه سفيها ، ووجود السفه مانع من ثبوت العوض».

١٠٧

اللهم الا أن يمنع بناء العقلاء على التمسك به في مفروض المسألة من العلم بأصل الحجر ، والجهل بالسبب إن لم نقل ببنائهم على التوقف في نحو ذلك حتى يحرزوا سببه ، لو أرادوا المعاملة معهم ، فما عللاه من التقصير في الاختبار لا يخلو من وجه.

وعلى كل حال ، لا يكون نقضا للقاعدة : إما بدعوى الضمان في صورة الجهل ، أو لوجود المسقط له من قاعدة التسليط ، ان قلنا بتقصيره في الاختبار.

وربما يتوهم النقض أيضا بما لو باع بلا عوض أو آجر بلا أجرة بأن قال : بعتك الدار بلا عوض أو آجرتك بلا أجرة ، فعن الشهيدين في ثانيهما : عدم الضمان مع كون صحيح البيع والإجارة مضمونا ، وكل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

وفيه : ان عدم الضمان فيهما لعله مبني على ظهور إرادة التمليك المجاني كالهبة ونحوها من لفظ (بعت) أو (آجرت) بقرينة قوله «بلا عوض» أو «بلا أجرة» ، وحينئذ فان لم نعتبر في صحة ذلك لفظا خاصا أو صيغة خاصة كانت هبة صحيحة ، وهي غير مضمونة ، وإلا كانت هبة فاسدة ، وهي غير مضمونة أيضا لأن صحيحها غير مضمون ففاسدها كذلك.

نعم يحتمل أن يكون المراد من ذلك : نفس البيع لصراحة لفظ (بعت) ـ مثلا ـ فيه ، وكون العوضية مأخوذة في حقيقته ، فإرادته مع إرادة عدم العوضية من الجمع بين المتضادين ، وهو محال ، فلا بدّ من صرف لفظ (بعت) عن ظاهره بحمله على ما لا ينافي المجانية كالهبة ونحوها.

وفيه : إن محالية إرادة المتضادين بمعنى إنشائهما مسلم ، إن أراد المعنى الصحيح الشرعي المأخوذ فيه العوضية من البيع الفاسد ، لعدم العوض

١٠٨

بخلاف ما لو أراد تنزيل هذا البيع منزلة البيع الصحيح ، وأنه من أفراده بالادعاء ، فيكون لفظ البيع مستعملا في معناه الحقيقي ويكون من الاستعارة والمجاز في النسبة ، نحو : زيد أسد. أى : فرد منه بالادعاء ، ومنه إطلاق العين على الربيئة. ومن هذا الباب : التشريع الذي مرجعه في الحقيقة ـ إلى تنزيل مخترعاته منزلة مخترعات الشارع ، وأنه منه بالادعاء ، لا أنه من أفراده ـ حقيقة ـ فتأمل.

وعليه ، فالأقوى الضمان ، لأنه بيع فاسد أو إجارة فاسدة ، وصحيحهما مضمون ففاسدهما كذلك (١).

ولا يتوهم سقوطه ـ مع ذلك ـ بتسليط البائع له على ماله ـ مجانا ـ لأن ذلك كان بعنوان البيعية ، والحيثية ـ هنا ـ تقييدية ، لا تعليلية ، فينتفي المقيد بانتفاء جهته التقييدية ، فيبقى عموم «على اليد» و «قاعدة الاحترام» سليمين عن المسقط.

وبالجملة لا إشكال في حكم القضية بعد تشخيص المراد منها ، إنما الاشكال والتأمل في ظهور هذا العقد الصادر من البائع في أي الاحتمالين حتى يترتب عليه حكمه وأصالة الصحة لا مدخلية لها في ظواهر الألفاظ المتبعة في كشفها عن المراد (٢).

__________________

(١) هذا مبني على أن مفاد القاعدة : أن كل صنف من العقود يكون فرده الصحيح موجبا للضمان ، فالفرد الفاسد منه كذلك أيضا ، وأما بناء على ما قربناه واخترناه من أن مفادها أن كل شخص من العقد لو فرض كونه صحيحا وكان على الفرض ـ منشأ للضمان ، فهو كذلك في فرض فساده وما لم يكن ـ على تقدير صحته فيه الضمان ـ فلا ضمان فيه في فرض فساده. فالأقوى عدم الضمان فيه. لأن شخص هذا العقد ـ بناء على كونه بيعا فاسدا ـ لو فرض صحته لا ضمان فيه.

(٢) ثم انه ربما يورد على عكس القضية بضمان العين المستأجرة على المستأجر بالإجارة الفاسدة مع عدم ضمانها في الإجارة الصحيحة ، وهو

١٠٩

__________________

مناف لقضية «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

أقول : لا ريب في عدم ضمان المستأجر للعين المستأجرة بالإجارة الصحيحة ، وإنما الكلام في ضمانها في الإجارة الفاسدة ، وهو محل خلاف بين علمائنا ـ قدس الله أسرارهم ـ وربما ينسب كل فريق ما اختاره من الضمان أو عدمه الى المشهور ، والظاهر : أن هذا الخلاف يبتني على الخلاف في صحة شرط ضمان العين المستأجرة على المستأجر ، وعدم صحته : فمن قال بصحة الشرط قال بضمان العين في الإجارة الفاسدة ومن قال بعدم صحة الشرط قال بعدم الضمان.

فنقول : الظاهر هو القول بالتفصيل في صحة الشرط وعدم صحته. بيان ذلك : إن عقد الإجارة : إما ينشأ به تمليك منفعة عين بعوض أو ينشأ به تمليك عمل بعوض. ثم العمل : إما أن يكون من حر ، أو من غيره ، إنسانا كان أو حيوانا.

أما في صورة كون المملوك بها العمل ، فلا يتوقف استيفاء المستأجر ما ملكه بها أن تكون العين الصادر منها العمل تحت يده ، بل لا يتصور ذلك في الحرّ بناء على ما هو المشهور : من أنه لا يكون تحت اليد ، ولذا لم يحكم على حابسه بضمان منافعه الفائتة مدة الحبس ، وان حكم بضمان منافعه المستوفاة بملاك الاستيفاء والإتلاف الذي ليس هو محل الكلام في القاعدة فإن موردها ما يضمن بضمان اليد مما لا يضمن به ، بخلاف استيفاء عمل غير الحر كالعبد والدابة ، فإنه يمكن حصول ما ملكه المستأجر من العمل حال كون العبد أو الدابة تحت يده ، كما يمكن حصول ذلك حال كونهما تحت يد المالك الموجر ، فانتفاع المستأجر بما ملكه من العمل لا يتوقف على كون العين المستأجرة تحت يده.

١١٠

__________________

وأما لو كان المملوك بعقد الإجارة منافع الأعيان ، كإجارة المساكن والحوانيت ـ مثلا ـ فإنه لا يمكن استيفاء المستأجر ما ملكه من منفعة المسكن والحانوت الا بكونهما تحت يده ، وتسليط المالك الموجر لهما المستأجر على العين ليستوفي ما ملكه من المنفعة بعقد الإجارة.

إذا تبين ذلك ، فنقول : أما في إجارة الحر نفسه للعمل ، فلا معنى لشرط ضمان العين مع فرض عدم إمكان كونه تحت اليد. وأما في إجارة العبد للخدمة أو الدابة لحمل المتاع ـ مثلا ـ فحيث يمكن استيفاء منفعتهما بكل من النحوين كونهما تحت يد المؤجر أو تحت يد المستأجر ، فلا يملك المستأجر باستئجاره كونهما تحت يده لكي يكون المؤجر ملزما بتسليمه لهما وتسليطه عليهما مدة الإجارة.

وعليه ، فيصح له ـ حين العقد ـ اشتراط ضمانهما عند تسلم المستأجر وانتفاعه بهما حال كونهما تحت يده إذ لم يكن الشرط مخالفا لمقتضى العقد بل لإطلاقه ولا بأس به. وأما إجارة الدار والحانوت ـ مثلا ـ فحيث لا يمكن حصول المنفعة للمستأجر إلا بكون العين المستأجرة تحت يده ، فعقد الإجارة المنشأ به تمليك المنفعة للمستأجر يقتضي تسليطه على العين لأن تسليم المنعفة التي ملكها المستأجر بعقدها في هذا القسم متوقف على تسليم المؤجر العين اليه ، وتسليطه عليها ليستوفي منها ما ملكه ، فالعقد ـ هنا ـ كما اقتضى تمليك منفعة الدار ـ مثلا ـ بالأجرة ، اقتضى أيضا تسليم العين للمستأجر وتسليطه عليها ـ مجانا ـ ليستوفي منها المنفعة ، وبعبارة أوضح ، فإن المستأجر في القسم المذكور استحق بعقد الإجارة المنفعة بالأجرة مدة الإجارة وكون العين تحت يده في تلك المدة ـ مجانا ـ فتضمينه العين بالشرط يكون من قبيل الشرط المخالف لمقتضى العقد ، فيبطل.

١١١

__________________

والحاصل ، المدعى أن الإجارة لا تختلف حقيقتها باختلاف أفرادها بل هي حقيقة واحدة في الجميع وهو تمليك المنفعة ـ بالعوض في قبال البيع الذي هو تمليك العين بالعوض ، ومنفعة كل شي‌ء بحسبه ، فمنفعة الحر عمله ومنفعة العبد خدمته ، ومنفعة الدابة حمل المتاع أو الركوب عليها ، ومنفعة الدار السكنى فيها ، وهكذا. والمضمون بعقد الإجارة بالعوض هو المنفعة التي ملكها المستأجر بالعقد ، وأما العين المستأجرة فنفس العقد لا يقتضي تضمينها ، وإن أمكن اشتراط ضمانها بالنسبة الى بعض أفرادها ، وسيأتي بيانه.

وأما من جهة تسليط المالك للمنفعة على العين ليستوفي ما ملكه بعقد الإجارة ، فبالنسبة الى ما لا يمكن ويتصور فيه ذلك ، كإجارة الحر نفسه للعمل ، بناء على المشهور من عدم دخوله تحت اليد ، فليس محلا للكلام وأما بالنسبة الى ما يمكن فيه ذلك كسائر موارد الإجارة ، فما يتوقف استيفاء المستأجر ما ملكه بالعقد من المنفعة وانتفاعه بها على كون العين المستأجرة تحت يده مدة الإجارة ، ولا يمكن حصولها بغير ذلك كإجارة المساكن والحوانيت ونظائرها فعقد الإجارة كما يقتضي تضمين المستأجر المنفعة بعوضها كذلك يقتضي تسليطه على العين مدة الإجارة ـ مجانا ـ وعدم تضمينه لها.

وعليه فيكون اشتراط ضمانها مخالفا لمقتضى العقد فيبطل. وأما ما سوى ذلك من موارد الإجارة مما لا يتوقف استيفاء المستأجر وانتفاعه بما ملكه على كون العين تحت يده ، بل يمكن فيه ذلك ، وهي في يد المالك المؤجر ـ أيضا ـ فعقد الإجارة بالنسبة إلى التسليط على العين وكونها تحت يد المستأجر لا اقتضاء ، فيصح للمؤجر أن يشترط على المستأجر في متن العقد ضمانها عند تسلمها.

١١٢

__________________

إذا عرفت ذلك ، وظهر لك ما يصح فيه اشتراط ضمان العين المستأجرة مما لا يصح فيه ذلك ، يتضح لديك أن يد المستأجر على العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة لا تكون مقتضية للضمان مطلقا ، ولا غير مقتضية كذلك بل الأظهر التفصيل بين ما يصح فيه اشتراط الضمان في صحيح العقد ، فيضمن في فاسده العين المقبوضة ، وبين ما لا يصح فيه اشتراط ضمانها في الصحيح فلا يضمنها في العقد الفاسد.

بيان ذلك : إن في مثل إجارة الدار والحانوت مما يكون صحيح عقد الإجارة مقتضيا لضمان المنفعة وعدم ضمان العين المستأجرة تحت يد المستأجر فإن المنفعة تكون مضمونة في فاسدها بحكم أصل قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» والعين المستأجرة لا تكون مضمونة بحكم عكس القاعدة.

وأما ما لا يكون العقد الصحيح فيه مقتضيا لعدم ضمان العين المستأجرة بل يكون العقد بالنسبة إليه (لا اقتضاء) كما في إجارة العبد للخدمة ، والدابة لحمل المتاع ـ مثلا ـ ونظائرهما مما لا يكون استيفاء المنفعة متوقفا على كون العين المستأجرة تحت يد المستأجر مدة الإجارة ـ كما ذكرنا ـ فعدم ضمان العين في الصحيح لكونها أمانة مالكية مأذونا فيها شرعا ، ولم يشترط المالك ضمانها ، ولكنها في الفاسد شرعا حيث ان يد القابض لها من غير استحقاق شرعي ، فيضمنها.

ومما ذكرنا من أن مناط صحة اشتراط ضمان العين المستأجرة على المستأجر وعدم صحته هو توقف استيفاء المنفعة على كون العين تحت يده وعدم التوقف على ذلك. يظهر أن من استأجر غيره لعمل في ملكه كما لو استأجره لخياطة ثوية ـ مثلا ـ وكان استيفاء العمل من الأجير غير متوقف على كون الثوب تحت يده واستيلائه ، بل يمكن حصوله مع كونه تحت يد المستأجر المالك للثوب ـ مثلا ـ وحينئذ ، فيصح

١١٣

ثم إن بعض المحققين من المعاصرين نسب الى الشيخ في (المبسوط) التمسك لعدم ضمان فاسد عقد لا يضمن بصحيحه ، بالأولوية ، مستشعرا ذلك من كلمة (فكيف) في عبارته ، حيث قال ـ معللا عدم الضمان في المسألة المتقدمة من الرهن المشروط بكونه مبيعا بعد انقضاء الأجل ـ «لأن صحيح الرهن غير مضمون عليه ، فكيف فاسده» وحاصله : إن سبب الضمان إما إقدام المالك عليه ، أو حكم الشارع وإمضاؤه لما أقدم عليه وكلاهما منفي في الرهن الفاسد ، ووجه الأولوية إمكان دعوى عدم ضمان عقد فاسد يضمن بصحيحه لانتفاء السبب الموجب له من الحكم بصحة ما أقدما عليه من الضمان الخاص ـ شرعا ـ بعد أن كان وجود العقد الفاسد كعدمه ، ولا إقدام على غيره ـ كما عرفت سابقا ـ فاذا كان ما يضمن بصحيحه يمكن أن لا يكون مضمونا بفاسده ، فما لا يضمن بصحيحه كالرهن بطريق أولى لا يضمن بفاسده.

__________________

للمستأجر في ضمن العقد اشتراط ضمان الثوب على الأجير عند تسليمه اليه لاستيفاء ما ملكه منه بعقد الإجارة من خياطته.

وعلى كل ، فسواء قلنا : إن العين المستأجرة تضمن في فاسد الإجارة أم قلنا إنها لا تضمن ، فلا يرد النقض في القضية السلبية.

أما لو اخترنا عدم الضمان ، فذلك واضح ، ولو اخترنا الضمان ، فلا نقض ـ أيضا ـ لما ذكرنا من أن القاعدة ـ أصلا وعكسا ـ ليست في مقام بيان كل ما يضمن في العقد الفاسد مما لا يضمن فيه ، وانما هي لتمييز ما يضمن فيه مورد العقد ، ومصبه مما لا يضمن فيه ذلك ، ومصب العقد في الإجارة هو المنفعة وهي مضمونة في الصحيح والفاسد ، فيرجع في العين المستأجرة إلى (قاعدة اليد) وهي مقتضية لضمانها في الفاسد في مورد عدم اقتضاء صحيح العقد مجانيتها ـ فتأمل تعرف.

١١٤

وفيه ـ مع إمكان أن يقال : إن صحة عقد الرهن والإجارة المستلزمين لتسلط المرتهن والمستأجر على العين شرعا ، بل وسائر ما لا يضمن بصحيحه مؤثرة في عدم الضمان ، وبعبارة أخرى : السبب في عدم الضمان هو إمضاء الشارع لما أقدم عليه المالك من التسليط المجاني ، بخلاف الفاسد منه ، لانتفاء السبب ولو بانتفاء جزئه ، فلا أولوية في المقام :

أن ذلك مبني على إرادة الأولوية من كلمة (كيف) ويحتمل إرادته التعجب منها ، دون الأولوية ، ومنشأه توهم الفرق بين صحيح ما لا يضمن وفاسده في الضمان ، وعدمه ، مع اشتراكهما في عدم علة الضمان أو علة عدمه ، لأن علة الضمان : إما إقدام المالك ، أو حكم الشارع به ، أو المركب منهما ، والكل منتف في صحيح ما لا يضمن ، فكذا في فاسده ، بعد أن كان وجود العقد كعدمه ، والاشتراك في العلة يستلزم الاتحاد في الحكم وبعد أن كان صحيح الرهن ـ مثلا ـ لا يضمن ، فكيف فاسده ، فالفرق بين صحيح الرهن وفاسده مورد التعجب.

هذا ما حضرني من النقوض التي ربما يتوهم ورودها على القاعدة بكليتها : الإيجابية والسلبية ، وقد عرفت عدم تماميتها. مع أنه لو فرض تخلفها في بعض الموارد لدليل خاص لا ينافي تأسيسها الموجب للتمسك بها في موارد الشك ، وإن هي إلا كالعام المخصص ، وليست هي من القواعد العقلية الآبية عن التخصيص ، مع أن النقض إنما يتحقق بما إذا كان ما يخالف القاعدة من المتفق عليه والمسلمات عندهم ، لا فتوى شرذمة منهم.

وأما الإشكالان :

فالأول منهما ـ إن فاسد عقود المعاوضات إذا كان الفساد من جهة لفظه ، لم لا تكون مضمونة بالمسمى كصحيحها بالمعاطاة ، بعد أن كان وجود العقد لفساده كعدمه.

١١٥

والجواب عنه : إن المعاطاة يعتبر فيها غير اللفظ ما يعتبر في العقود التي منها قصد التمليك بالإيجاب والقبول الفعليين كالعقود المعتبر فيها قصد التمليك بالإيجاب والقبول اللفظيين ، فالقبض والإقباض في المعاطاة يقصد بهما التمليك والتملك ، وفي العقود يترتبان على ما قصد التمليك به من العقد فالعقد الفاسد قصد التمليك به ، لا بما يترتب عليه من القبض والإقباض فما قصد به التمليك من العقد لم يقع ، وما وقع من القبض والإقباض لم يقصد بهما التمليك ، فلم يقع عقد ولا معاطاة ، فلا تكون مضمونة إلا بعوضه الواقعي من المثل أو القيمة.

والثاني ـ إن إطلاق كلامهم في الكلية الإيجابية يشمل صورة علم البائع مع جهل المشتري ، وحينئذ يقتضي سقوط الضمان للغرور.

وفيه : ـ مع انه غير مطرد إلا إذا استلزم غرامة البدل الواقعي زيادة الضرر على المسمى ـ أنه لا غرور من البائع حتى يوجب عدم ضمان ماله وسقوط احترامه ، وجهل المشتري لتقصيره في تعليم الأحكام الشرعية غير موجب لسقوط الضمان عنه.

١١٦

رسالة

في القبض وحقيقته

١١٧
١١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة : لما كان جملة عقود المعاوضات وشطر من المجانيات كالرهن والوقوف والهبات ، يعتبر القبض فيما يترتب عليها من الأحكام ، كان التعرض لمعناه من المهمات ، حيث يترتب عليه كثير من الثمرات.

القول فنقول ـ وبالله المستعان ـ : القبض ـ لغة ـ هو الأخذ والتناول باليد واختلفت عبارات الفقهاء فيما يراد منه في المنقول ـ بعد اتفاقهم على كفاية التخلية في غيره ـ والجمود على ظواهرها ينهيه إلى أقوال ثمانية :

القول الأول ـ كفاية التخلية فيه ـ مطلقا ـ في المنقول وغيره ، صرّح به في (الشرائع) (١) و (مختصر النافع) (٢) وهو المحكي عن (كاشف الرموز) (٣) ونسبه في (الإيضاح) إلى بعض المتقدمين (٤).

__________________

(١) للمحقق الحلي. راجع : كتاب التجارة ، الفصل الرابع في أحكام العقود النظر الثالث في التسليم ـ طبع إيران.

(٢) للمحقق الحلي راجع : كتاب التجارة ، الفصل الرابع في لواحق البيع الثالث في القبض ج ١ ص ١٢٤ طبع دار الكتاب العربي بمصر.

(٣) صاحب (كشف الرموز) هو الحسن ابن أبي طالب اليوسفي الآبي. وكتابه (كشف الرموز) هو شرح رموز كتاب أستاذه المحقق الحلي (المختصر النافع) والكتاب من نفائس المخطوطات ، فرغ من تأليفه سنة ٦٧٢ ه‍ (راجع ـ عن الكتاب ومؤلفه : رجال السيد بحر العلوم ج ٢ ص ١٧٩ ـ ١٨٠).

(٤) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ، لفخر المحققين محمد بن الحسن

١١٩

وحجتهم ـ على ما قيل ـ : لزوم الاشتراك أو المجاز لو أريد غيرها في المنقول ، بعد الإجماع ـ بل الاتفاق ـ على إرادتها في غيره ، والمراد بها رفع اليد وجميع الموانع عن سلطنة القابض واستيلائه عليه.

القول الثاني ـ التخلية في غير المنقول كالعقار والدور ، وفي المنقول نقله أي نقل المشتري له ، لأنه الكاشف عن السلطنة والاستيلاء عليه ، والمتحقق به قبضه دون البائع ، اختاره الشيخ ـ رحمه الله ـ في (الخلاف) (١) وابن إدريس في (السرائر) ـ على ما حكي عنه ، وابن زهرة في (الغنية) مدعيا عليه الإجماع (٢) والشهيدان في (اللمعة والروضة) (٣) وغيرهم.

ودليلهم عليه ـ بعد الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية ـ في الجملة ـ : فهم العرف ، لأنه المرجع فيما لم يرد في تعريفه نص من الشرع.

القول الثالث ـ كالثاني ـ في تحقق قبض المنقول بنقله ، للصدق العرفي إلا في خصوص المكيل والموزون ، فقبضه كيله أو وزنه معينا ، لصحيحة معاوية بن وهب ، قال : «سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن كيل أو وزن ، فلا تبعه

__________________

ابن العلامة الحلي المتوفى سنة ٧٧١ ه‍ وهو شرح مفصل لقواعد والده العلامة ـ طاب ثراهما ـ والكتاب من نفائس المخطوطات.

(١) الجزء الأول : كتاب البيع مسألة (١٥٩) طبع طهران سنة ١٣٧٧ ه‍.

(٢) كتاب الغنية لابن زهرة مطبوع في آخر المجلد الثاني من كتاب جوامع الفقه.

قال ـ رحمه الله ـ في كتاب البيع فصل فيما يتعلق بالبيع من الأحكام : «والقبض فيما لا يمكن نقله كالأرضين : التخلية ورفع الحظر وكذا حكم ما يمكن ذلك فيه مما يتصل بها من الشجر وثمره المتصل به والبناء وفيما عدا ذلك التحويل والنقل كل ذلك بدليل إجماع الطائفة».

(٣) راجع : ج ١ كتاب البيع ، الفصل العاشر في الأحكام ، الثاني في القبض.

١٢٠