بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

ومنه يظهر ما في (القواعد) من عطفه الجزية على الصلح ـ إن أريد تغايرهما.

وقسم آخر ـ وقوع الصلح معهم على أن تكون الأرض للمسلمين ولهم السكنى والجزية في أعناقهم فهي بحكم (المفتوحة عنوة) بل هي منها بلا خلاف أجده فيه ـ كما اعترف به بعضهم ـ فيكون عامرها للمسلمين ـ قاطبة ـ بعد إخراج الخمس منها ، ومواتها للإمام عليه السلام ، والجزية للمقاتلة.

ثم الظاهر عدم مشروعية الصلح الموجب لحقن الدم واحترام المال مع غير أهل الذمة من الكافر الحربي ، لعدم انفكاك الإباحة بالنسبة إلى دمائهم وأموالهم وعدم سقوطها إلا بالإسلام.

ومنه يظهر الوجه في تسمية هذه الأرض بأرض الجزية ، كما عن النهاية ، والغنية ، والوسيلة والمنتهى ، والسرائر ، والتذكرة ، وقاطعة اللجاج (١) وغيرها. بل عن الغنية ، والروضة وموضع من (النهاية): إن أرض الصلح هي أرض أهل الذمة. ولعل من أطلق العنوان بأرض الصلح كالمحقق في (الشرائع) و (النافع) وغيره ، اتكالا على المفروغية عنه ، دون التعميم.

نعم ، لا تمنع إجراء حكم الصلح الصحيح في مرحلة الظاهر إذا اقتضت مصلحة كلية بوقوع صورة الصلح معهم ، فيكف عن دمائهم وأموالهم مماشاة معهم في الظاهر ، إجراء لاقتضاء المصلحة دون عقد الصلح فلا يخرجون بذلك عن كونهم مهدورين في الواقع ، وإن كانوا محفوظين

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي ، والغنية لابن زهرة ، والوسيلة إلى نيل الفضيلة لابن حمزة. والمنتهى للعلامة ، والسرائر لابن إدريس الحلي ، والتذكرة للعلامة ، وقاطعة اللجاج للمحقق الثاني الكركي :

٢٨١

في الظاهر بسبب المصلحة. وهذا بخلاف الجزية الموجبة للحكم الواقعي في حقهم ما داموا قائمين بشرائط الذمة.

ولعله الى ما ذكرنا أشار المولى الأردبيلي ـ رحمه الله ـ في (شرح الإرشاد) بقوله : «هذا إنما يكون مع قوم يصح أخذ الجزية منهم وتقريرهم عليها وعلى دينهم ، وهو ظاهر ، وإن فعل مثل ذلك بغيرهم فلا يكون المأخوذ جزية ، ويكون ذلك صلحا لمصلحة يعلمها صاحبها (١) وعليه ينزل كلام شيخنا في (الجواهر) حيث قال ـ في وجه تسمية بعض أرض الصلح بأرض الجزية ـ : «ولعل المراد : أنه الذي وقع من النبي (ص) وإلا فالظاهر من المصنف وغيره عدم الفرق بينهم وبين غيرهم ، لعموم أدلة الصلح ، وليس ذلك من الجزية المختصة بأهل الكتاب ، اللهم إلا أن يدعى اختصاص مشروعية الصلح بهم كالجزية» انتهى (٢).

وبعد تحرير هذه الكلمات عثرت على عبارة (المنتهى) وهي : «مسألة إذا حاصر الامام حصنا لم يكن له الانصراف عنه إلا بأحد أمور خمسة : الأول ـ أن يسلموا ـ الى أن قال ـ : الثاني ـ أن يبذلوا مالا ، فان كان جزية ، وهم من أهلها قبلت منهم ، لقوله تعالى (حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٣) وان لم تكن جزية بأن كانوا حربيين اعتبرت المصلحة فإن وجد الامام من المصلحة قبوله منهم ، وإلا فلا» انتهى.

المقالة الثالثة ـ في أرض من أسلم أهلها ـ طوعا كالمدينة المنورة ، والبحرين ، وبعض بلاد اليمن ـ على ما قيل ـ بدعوة كان إسلامهم أو بدونها

__________________

(١) راجع ـ في ذلك ـ كتاب الجهاد ، المطلب الثالث في الأرضين ـ في شرح قول العلامة في الإرشاد : (الثاني أرض الصلح لأربابها على الخصوص.)

(٢) راجع ذلك في كتاب الجهاد منه ـ أحكام الأرضين ـ في شرح قول المحقق (وكل أرض فتحت صلحا فهي لأربابها.)

(٣) سورة التوبة ، آية ٢٩.

٢٨٢

فهي لأهلها مملوكة لأربابها ، ليس عليهم فيها شي‌ء إلا الزكاة ـ إذا اجتمعت شرائطها ـ فلهم التصرف فيها بالبيع والشراء وغير ذلك من سائر النوافل ما داموا قائمين بعماراتها من غير خلاف فيه كذلك. وإذا أهملوها حتى خربت أخذها الإمام عليه السلام أو القائم مقامه ودفعها إلى من يعمرها بحصة منها : من النصف أو الثلث ـ مثلا ـ ويأخذ القبالة ويدفع منها طسقها (١) الى المالك ، والباقي في بيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم.

أفتى بذلك جمّ غفير من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين ، بل في (قاطعة اللجاج للكركي) وغيره : نسبته الى المشهور (٢). ومقتضاه البقاء على ملك أربابها ، خلافا لما عن ابني حمزة والبراج ، حيث لم يوجبا دفع الطسق لأربابها ، ومقتضاه الخروج عن ملكهم. بل صريح كلاميهما : كونها ـ حينئذ ـ للمسلمين.

واحتجا ـ على ما في المختلف ـ بصحيحة معاوية بن وهب ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أيما رجل أتى خربة ، فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها ، فان عليه منها الصدقة ، فإن كانت أرض رجل قبله ، فغاب عنها وتركها ، وأخربها ، ثم جاء ـ بعد ـ يطلبها ، فإن الأرض لله عز وجل ولمن يعمرها» (٣).

__________________

(١) الطسق ـ بالفتح ـ : مكيال ، أو ما يوضع من الخراج على الجربان أو شبه ضريبة معلومة وكأنه مولد أو معرب (عن القاموس).

(٢) قال ـ في المقدمة الأولى من رسالته في أقسام الأرضين ـ : «وثانيها ـ أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال ، وحكمها أن تترك في أيديهم ملكا لهم يتصرفون فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرف إذا قاموا بعمارتها ويؤخذ منهم العشر أو نصفه. على المشهور.»

(٣) مختلف الشيعة للعلامة الحلي ، كتاب الجهاد ، الفصل الخامس في الأسارى وأحكام الأرضين ، مسألة أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ملك لهم.

٢٨٣

وفيه : إن الرواية ـ كما ترى ـ أجنبية عن مدعاهما ظاهرة في تملك المحيي لها من دون شي‌ء غير الزكاة عليه. وأين ذلك من كونها للمسلمين بصرف الامام عليه السلام قبالتها في مصالحهم ، فلتنزل على الموات من الأصل أو المملوكة بالاحياء ـ بناء عليه ـ فيه كما يأتي في الخاتمة.

والأحسن : الاحتجاج لهما بما روى في (المختلف) و (قاطعة اللجاج) عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته ، فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ، وأخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار ، ونصف العشر مما كان بالرشاء فيما عمروه منها وما لم يعمر منها أخذه الإمام ، فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين وعلى المتقبلين في حصصهم العشر أو نصف العشر».

وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : العشر أو نصف العشر فيما عمر منها ، وما لم يعمر أخذه الوالي فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين ، وليس فيما كان أقل من خمسة أوسق شي‌ء ، وما أخذ بالسيف فذلك للإمام عليه السلام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله (ص) بخيبر» (١).

والسؤال ـ وان وقع عن أرض الخراج ـ إلا أن الامام عليه السلام أجاب ـ أولا ـ عن حكم أرض من أسلم طوعا ، ثم أجاب عن (العنوة) بعده. وظاهرهما إهمال عمارتها حتى زالت لا عدم تعميرها من أصلها حتى تكون للإمام عليه السلام بقرينة الإضافة الدالة على الملكية لهم دون الامام

__________________

(١) راجع هذين الحديثين ـ في المختلف ـ المصدر الآنف ، وفي أوائل رسالة (قاطعة اللجاج) المقدمة الأولى في أقسام الأرضين.

٢٨٤

وبقرينة كونها للمسلمين ، مع أن الموات الأصلي مملوكة لمن أحياها ، وعلى المشهور ، خلافا للحلي ـ فمنع من التصرف فيها بغير إذن أربابها مطلقا حيث قال في (السرائر) ـ بعد نقل ما عليه المشهور ـ : عن الشيخ أبي جعفر ـ «والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية ، فإنها تخالف الأصول والأدلة العقلية والسمعية ، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ولا التصرف فيه بغير إذنه واختياره فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد» انتهى (١).

وهو حسن على أصله ، إلا أنه قول متروك ـ كما في الدروس ـ (٢) وغيره ، محجوج بالأخبار المتضافرة التي ادعيت شهرتها. غير أنه ليس في الخبرين المتقدمين دفع الطسق لأربابها ، بل ولا صرف ما زاد عليه من حق القبالة في مصالح المسلمين.

إلا أن بعضهم استدل على وجوب الأجرة إلى المالك بصحيحة الحلبي المتقدمة ، وفيها : «وعن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ، ماذا عليه؟ قال : الصدقة ، قلت : فان كان يعرف صاحبها؟ قال : فليؤد إله حقه» القاضية بعدم خروجها عن ملك صاحبها بالموت ، إلا أن مفادها كون الأرض لمن عمرها ، وإن وجب عليه دفع الأجرة لمالكها الأول ، دون توقف على تقبيل الإمام ، فلتحمل على الأحقية بها ما دام قائماً بعمارتها.

وبالجملة ، فالروايات مختلفة ، وكلمات الأصحاب في المقام متشتتة.

__________________

(١) راجع ـ من سرائر ابن إدريس ـ : كتاب الخمس ، باب أحكام الأرضين.

(٢) راجع من (الدروس للشهيد) : كتاب الخمس ، في أخريات (درس) تقسم الغنيمة بعد الحول ..

٢٨٥

والذي يظهر لي منها : أن الأرض : إن كانت مواتا ـ بالأصل أو بالعارض ـ ولم يعرف صاحبها ، جاز لكل أحد إحياؤها والاقدام على تعميرها ، فان عرف صاحبها دفع إليه الأجرة ـ مطلقا ـ أو إن كانت مملوكة بغير الإحياء ـ على الخلاف الآتي ـ وليس عليه غيرها وغير الصدقة شي‌ء. وإن كان صاحبها معروفا أو كانت خراجية لا يجوز الاقدام عليه بالاحياء ، لكونه مالا مملوكا لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن مالكه. نعم للإمام عليه السلام أو نائبه أخذها وتقبيلها ممن يعمرها بحصة منها وعليه دفع الأجرة إلى صاحبها ، لكونه أنفع للمسلمين ، وإحسانا محضا و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (١) وجمعا بين حق الملكية وإخراجها عن العطلة فإن ذلك ربما يكون من تضييع المال وإتلافه.

والمراد بكونها للمسلمين في الخبرين المتقدمين : كونها لهم إحياؤها وتعميرها ، وإن توقف على التقبيل من الامام عليه السلام أو نائبه أو نمائها دون رقبتها. وحينئذ فإن دفعها الامام لمن يعمرها بحصة مخصوصة دفع منها الأجرة إلى مالكها إن زادت عليها. وكان الزائد في بيت مال المسلمين لأنه ـ في الحقيقة ـ محيي لها بالولاية العامة وان دفعها لا بحصة مخصوصة كان على المعمر دفع ما يستحقه المالك من الأجرة إليه. ثم الأجرة المدفوعة للمالك أجرة الأرض قابلة للتعمير لا أجرتها معمورة حتى يستحق المالك حق القبالة كله لو كان التقبيل بحصة مخصوصة كالنصف والثلث ـ مثلا ـ ولذا قلنا : ما زاد على الأجرة من حق القبالة يجعل في بيت المال.

ومقتضى الجمع المذكور : عدم اختصاص جواز تقبيل الإمام بأرض من أسلم أهلها طوعا ، بل يعم كل أرض خربة مملوكة لم يعمرها صاحبها كما وقع التعبير بنحو الكلية المزبورة في كلام غير واحد من الفقهاء ، فراجع.

__________________

(١) سورة التوبة ـ ٩٢.

٢٨٦

وإن ظهر من بعض : اختصاص الحكم المزبور بأرض من أسلم طوعا لخصوص مورد الخبرين. الأخص مطلقا من غيرهما من الاخبار ، إلا أن الظاهر عدم الفرق بين أراضي المسلمين من حيث هو كذلك كيف ، ولو اختص الحكم بها لزم أن تكون أرض من أسلم طوعا أسوء حالا من أرض من أسلم كرها لخروجها عن مورد النص الموجب لبقائها تحت القاعدة الكلية المانعة من جواز التصرف في ملك الغير إلا بإذنه.

هذا ، والظاهر اعتبار عدم كون الترك عن الغفلة والنسيان أو خوف الظالم ، فضلا عما لو كان التعطيل لمصلحة الأرض ، لعدم تبادر نحو ذلك من إطلاقات النصوص ، بل المتبادر منها غيره ، كما لو كان عن عجز أو مسامحة أو تعند أو نحو ذلك. خلافا ـ في بعض ذلك ـ لشيخنا في (الجواهر) (١).

ثم الظاهر ـ أيضا ـ جواز ذلك للإمام ـ عليه السلام ـ لا وجوبه عليه ـ كما وقع التعبير به في كلام بعضهم ـ أيضا.

اللهم إلا أن يكون من باب : متى ما جاز وجب سياسة ـ كما احتمله في الجواهر ـ بل استظهره من الخبرين ، وبعض عباراتهم (٢).

__________________

(١) فإنه قال ـ في كتاب الجهاد في شرح قول المحقق (خاتمة ، كل أرض ترك أهلها عمارتها ..) : «.. ثم انه ربما قيل باعتبار عدم كون الترك غفلة أو نسيانا أو خوفا من ظالم أو عجزا عن التعمير بدعوى كون المتبادر غير ذلك ، ولكن فيه منع واضح ، خصوصا الأخير نصا وفتوى ..».

(٢) قال ـ رحمه الله ـ كما في المصدر الآنف بعد تلك الجملة التي أوردناها : «. بل الظاهر من الخبرين وبعض العبارات وجوب التقبيل على الامام ، ولو باعتبار ولايته على المسلمين المقتضية لمراعاة مصلحتهم ، بل لعله مراد من عبر بالجوار كابن زهرة والفاضلين والشهيدين وغيرهما ، ولو باعتبار أنه متى جاز وجب سياسة ومراعاة المصلحة المسلمين».

٢٨٧

وفيه ان الأخذ والتقبيل فيهما لكونه في مقام توهم الحظر لا ظهور فيه على أزيد من الجواز والإباحة.

والأولى : ابتناء الحكم المزبور من الجواز أو الوجوب ـ على الوجهين المتقدمين تسويغ الإمام في التصرف من الإحسان ، أو الحفظ من تضييع المال وإتلافه ، فيجوز على الأول ، ويجب على الثاني بل ، عليه ـ حينئذ ـ يجب على المالك التعمير أو الاذن به ، ومع امتناعه عنهما ، فعلى الإمام أخذه وتقبيله من غيرهم.

ثم الظاهر : اختصاص ذلك بالإمام العادل. ويلحق به ـ في زمن الغيبة ـ نائبه العام ، بناء على عموم أدلة الولاية له. وأما الجائر ، فلا يجوز له ذلك ، اقتصارا فيما خالف الأصول والقواعد على مورد النص ، فتأمل.

المقالة الرابعة ـ في أرض الأنفال.

وهي الأراضي المعدودة من الأنفال التي هي لله ولرسوله وللإمام القائم مقامه ، وخاصة له ، دون قبيلته. وهي : كل أرض مفتوحة بغير قتال ولا هراقة دم ، بل من غير أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، سواء أسلموها للمسلمين طوعا ـ وهم فيها ـ أو انجلوا عنها وتركوها. وكل أرض هلك أهلها وبادوا ـ مطلقا : مسلمين كانوا أم كفارا ـ معمورة كانت الأرض أم خربة ـ لأنه وارث من لا وارث له. والأرضون الموات ـ سواء كانت مواتا بالأصل كالمفاوز أم بالعارض إذا باد أهلها ولو كانوا مسلمين ـ بل : وكل أرض لا رب لها ـ مطلقا ـ ولو كانت محياة بنفسها. والمراد بالموات : عطلتها : إما باستيلاء الماء عليها أو انقطاعه عنها أو ظهور السبخ ونحوه فيها بحيث لا ينتفع بها ـ والحالة ذلك ـ وقد مر الكلام فيها ـ مفصلا ـ في (المفتوحة عنوة).

والأرض المفتوحة من الكفار بغير إذن الامام ، بل مطلق المغنومة

٢٨٨

منهم ، كذلك ، فإنه للإمام عليه السلام ـ على المشهور شهرة عظيمة ، وعن بعض حكاية الإجماع عليه. وهو الحجة ، سيما بعد اعتضاده بما عرفت.

مضافا ـ الى مرسلة الوراق ـ المنجبر ضعفها به وبالشهرة المستفيضة ـ وفيها : «إذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام عليه السلام فاذا عزوا بأمر الإمام (ع) فغنموا كان للإمام الخمس» (١).

والى الحسنة بإبراهيم بن هاشم عن معاوية بن وهب ـ المتقدمة في المفتوحة عنوة (٢). وقطائع الملوك ، المعبر بها عن غير المنقول من أموالهم التي اختصوا بها كالأراضي ، وعن المنقول منها بالصوافي ، وهي من الأنفال ـ أيضا ـ ما لم يكن مغصوبا من مسلم أو مسالم فان المغصوب مردود الى صاحبه.

والآجام بالكسر أو الفتح ، مع المد ـ : جمع أجمة ـ بالتحريك ، وهو الشجر الكثير الملتف والمراد : ذات الأشجار الكثيرة الملتفة ، ونحوها القصب ، ورؤس الجبال ، وبطون الأودية ، دون ظهورها ، والمرجع فيها إلى العرف ـ مطلقا ـ ولو كانتا في غير ملك الامام على المشهور ـ كما قيل ـ خلافا للحلي ويأتي الكلام فيه.

ويدل على ذلك كله ـ بعد الإجماع المحكى صريحا في بعض منها ، مع عدم ذكر الخلاف في الباقي المؤذن به في الجميع ـ : الأخبار المعتبرة المستفيضة التي منها ـ صحيحة إبراهيم بن هاشم ـ أو حسنته ـ المروية في (الكافي) عن أبي عبد الله (ع) قال : «الأنفال

__________________

(١) راجع : تهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة آخر باب الأنفال ، حديث رقم (٣٧٨).

(٢) راجع : ص ٢١١ ـ ٢١٣ من الكتاب ، فقد ذكر فيه عامة هذه الروايات المذكورة هنا.

٢٨٩

ما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، أو قوم صولحوا ، أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكل أرض خربة ، أو بطون الأودية ، فهو لرسول الله وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (١).

ومرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح ـ الى أن قال ـ : «والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ولكن صولحوا صلحا وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام وكل أرض ميتة لا رب لها ، وله صوافي الملوك مما كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، لان الغصب كله مردود ، وهو وارث من لا وارث له ..» (٢).

وقول الباقر عليه السلام في خبر أبى بصير المروي عن علي (ع): «لنا الأنفال ، وقلت : وما الأنفال؟ قال : منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد أهلها فهو لنا» (٣).

وقول الصادق ـ عليه السلام ـ في خبر إسحاق بن عمار المروي عن تفسير علي بن إبراهيم ـ بعد أن سأله عن الأنفال ـ فقال : «هي القرى التي خربت ، وانجلى أهلها ، فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للإمام وما كان من الأرض الخربة التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكل

__________________

(١) راجعها في وسائل الحر العاملي ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال حديث رقم (١).

(٢) راجع : وسائل الحر العاملي ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب (١) حديث رقم (٤) وهي طويلة. ذكرها الشيخ في (التهذيب) آخر كتاب الخمس.

(٣) يذكرها الحر العاملي في الوسائل ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال حديث (٢٨) هكذا : عن أبى بصير ، عن أبي جعفر قال : لنا الأنفال. إلخ.

٢٩٠

أرض لا رب لها ..» الحديث (١).

وما رواه الكليني : عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): أنه سمعه يقول : «إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون الأودية ، فهذا كله من الفي‌ء ، والأنفال لله وللرسول ، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يجب» (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : «سمعته يقول : للفي‌ء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كله من الفي‌ء ، فهذا لله ولرسوله ..» (٣).

ورواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ «قال : قلت : وما الأنفال؟ قال : بطون الأودية ، ورءوس الجبال والآجام والمعادن وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكل أرض ميتة قد جلي أهلها ، وقطائع الملوك» (٤).

وموثقة سماعة : «قال : سألته عن الأنفال؟ قال : كل أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام (ع) ليس للناس فيه سهم

__________________

(١) راجع : وسائل الحر العاملي ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ، حديث رقم (٢٠).

(٢) تهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة ، باب الأنفال ، حديث رقم (٣٧٠).

(٣) تهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة ، ٣٨ باب الأنفال ، حديث رقم (٣٧٦).

(٤) راجع : وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب الخمس أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ، حديث رقم (٣٢) إلا أن سنده عن داود بن فرقد ..

٢٩١

قال ـ : ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب» (١).

وما رواه الشيخ عن داود بن فرقد : «قال قال أبو عبد الله : قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شي‌ء» (٢).

رواية محمد بن مسلم : «قال سمعته قال ـ وسئل عن الأنفال ـ : كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز وجل نصفها يقسم بين الناس ، ونصفها لرسول الله فما كان لرسول الله (ص) فهو للإمام» (٣).

الى غير ذلك من الأخبار المنجبر ضعف بعضها سندا بالشهرة فتوى ورواية.

والتقييد بالنصف محمول على التقية ـ كما في الحدائق ـ (٤) و (بالخربة) (٥) في المرسلة ، منزل على الغالب ، وإلا فالأرض ـ مطلقا ـ وإن كانت معمورة إذا باد أهلها من الأنفال ـ كما عرفت.

وإطلاق جملة منها المتعلقة بالآجام وبطون الأودية ورءوس الجبال

__________________

(١) راجع : وسائل الحر العاملي ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال ، حديث رقم (٨). وتهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة ، ٣٨ باب الأنفال حديث رقم (٣٧٣ ـ ٧).

(٢) تهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة ، ٣٨ ، باب الأنفال ، حديث (٣٧٧ ـ ١١).

(٣) تهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة ، ٣٨ ، باب الأنفال ، بسنده : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول. إلخ.

(٤) راجع كتاب الخمس من (الحدائق) ج ١٢ ص ٤٧٢ طبع النجف الأشرف ، عقيب ذكره للخبر الآنف.

(٥) في قول الامام (ع) : «كل أرض خربة.».

٢٩٢

يعم ما كان منها في ملك الامام وغيره ، خلافا للمنسوب الى ظاهر الحلي في الثلاثة ، فخصها بما إذا كانت في ملك الامام ورده في البيان بأنه يفضي الى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه عليه السلام بذلك لكن في (المدارك) ـ بعد ذكره ما في البيان ـ : «انه جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه بذلك على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم ، إلا أنها ضعيفة السند ، فيتجه المصير الى ما ذكره ابن إدريس الحلي ، قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق» (١).

وفي (المختلف) : «.. احتج ابن إدريس بأن الأصل إباحة ذلك للمسلم وعدم تخصيص الامام (ع) به ، فلا يعدل عنه بمثل هذه الأخبار الضعيفة. والجواب : المنع من أصالة الإباحة ، بل الإمام أولى ، لأنه قائم مقام الرسول ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.» (٢) انتهى.

وقال الخال في (المناهل) : «.. وأشار الى هذا الأصل في (المدارك) و (الذخيرة) بقولهما : يتجه المصير الى ما ذكره ابن إدريس ـ رحمه الله ـ قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق. وقد يجاب عما ذكره ـ أولا ـ بالمنع من الأصل المذكور عليه ـ كما في (المختلف)

__________________

(١) وتمام عبارته ـ كما في كتاب الخمس ، المقصد الأول في الأنفال في شرح قول المحقق (ورءوس الجبال ..) : «وإطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي اختصاصه (ع) بهذه الأنواع الثلاثة من أي أرض كانت ، ومنع ابن إدريس من اختصاص الامام بذلك على الإطلاق ، بل قيده بما يكون في موات الأرض أو الأرضين المملوكة للإمام ، ورده الشهيد في (البيان) بأنه يفضي الى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين ، وهو جيد.

(٢) راجع : كتاب الخمس منه ، الفصل الثالث في الأنفال.

٢٩٣

بقوله : والجواب المنع ، الى آخر ما تقدم من كلامه ـ ثم قال ـ : وفي حاشية (الروضة) بقوله ـ بعد الإشارة الى ما ذكره في (المدارك): وما ذكره من قصر الحكم المخالف للأصل على موضع الوفاق لا يخلو من خفاء.

فإنه ان أراد : أن انتقال رءوس الجبال الى الإمام مخالف للأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق ـ وهو ما كان في الموات والأرضين المملوكة للإمام (ع) ـ ففيه : إن ذلك الأصل غير مسلم ، لما عرفت : من احتمال ان تكون الجبال والأودية دائما ـ للحجة في زمانه ، وهو يأتي في الآجام أيضا إذا كانت مستأجمة في الأصل. ولو سلم هذا ، فإنما يتم في ما كان أسلم عليه أهله طوعا. وأما المفتوحة عنوة ، فكما أن الانتقال الى الامام عليه السلام خلاف الأصل فكذلك الانتقال الى المسلمين ، وليس شي‌ء موضع الوفاق فلا ترجيح للثاني على الأول.

وإن أراد : أن الأصل في رءوس الجبال أن تكون تابعة للأراضي التي هي فيها ، فالحكم بها لغير صاحب الأرض مخالف للأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ففيه ـ بعد تسليم الأصل المذكور : أنه ليس على هذا موضع وفاق وقع فيه خلاف ، إذ على ما اختاره ، رءوس الجبال تابعة للأرض مطلقا وتكون لصاحبها ، فلم تقع فيه مخالفة لذلك الأصل.

ويمكن اختيار الأول ، بناء على تسليم الأصل المذكور ، بأن يقال : إن ذلك لترجيح قول ابن إدريس ـ رحمه الله ـ فيما أسلم عليه أهله طوعا بأن فيه اقتصار الحكم المخالف للأصل ، وهو اختصاص الامام على موضع الوفاق ، وأما ترجيحه في (المفتوحة عنوة) فكأنه باعتبار أمر آخر ، وهو موافقته لأصل تبعيتها للأصل ، بخلاف قول المشهور ، فإنهم يحكمون فيهما بكونهما للإمام عليه السلام مع كون الأرض للمسلمين ، فتدبر ، انتهى.

٢٩٤

قلت : لا يخفى عليك مواقع النظر في ذلك :

أما ما ذكره في البيان : من الرد بالتداخل وعدم الفائدة ، ففيه : إن ذلك غير وارد على من لم يعمل بأخبار الآحاد كابن إدريس ـ رحمه الله ـ المفروض عنده خلو المقام عن الأخبار المخرجة للحكم عن الأصل. نعم ، يرد ذلك على من يعمل بهذه الاخبار ، ولو بمعونة جبر ما ضعف منها ، ويقول ـ مع ذلك ـ باختصاصها بما كان في ملكه. ولكن لم نعثر على قائل منهم بذلك. على أن الفائدة كادت أن تكون معدومة في رءوس الجبال وبطون الأودية ، لعدم انفكاكها ـ غالبا ـ عن الموات الموجب لكونهما ـ حينئذ ـ للإمام عليه السلام والموجب بسبب الموت.

وأما ما وقع من (المختلف) في الجواب بالمنع من الأصل المزبور بأولوية الإمام (ع) بالمؤمنين من أنفسهم ، ففيه : أن ذلك لا يدل على الملكية له (ع) وإن كان أولى بالتصرف فيه ، فإنه أولى بالمؤمنين في التصرف في أملاكهم من أنفسهم. بل لم نجد لما ذكره من وجه المنع معنى محصلا.

اللهم إلا أن يريد به : إن الامام عليه السلام ليس في مرتبة غيره من آحاد المسلمين حتى يتمسك عليه بأصالة الإباحة عند الشك في امتيازه عمن سواه بالاختصاص.

وفيه : إن الحكم بالأولوية منبسط على المباحات والمملوكات ـ مطلقا ـ فلا ينافي التمسك بالأصل لتعيين أحد النوعين ، وإن كان الحكم بها يعمهما ومنبسطا عليهما ، فافهم.

وأما ما ذكره المحشي ـ رحمه الله ـ في الحاشية الجمالية : من احتمال أن تكون الجبال والأودية ـ دائما للحجة (ع) في زمانه.

ففيه : انا ننقل الكلام معه إلى أول زمان شرع الأنفال المدعى نقلها

٢٩٥

اليه بالنفل ، فإن الأصل عدمه.

وأما ما ذكره من قوله : وأما المفتوحة عنوة فكما أن الانتقال الى الامام عليه السلام خلاف الأصل فكذا الانتقال الى المسلمين. إلخ

ففيه : إن الشك في الانتقالين ليس في مرتبة واحدة ، لأن الانتقال الى المسلمين فرع كونهما مملوكين للكفار قبل الاغتنام حتى ينتقل به إليهم وكونهما للإمام فرع عدم كونهما لهم.

مضافا الى أن ما ذكره من التفصيل في إجراء الأصل وعدمه بين المفتوحة عنوة وأرض من أسلم عليها طوعا : بالأول في الثاني ، والثاني في الأول ، مبني على تملك الكفار لهما حال الكفر قبل الإسلام أو الاغتنام حتى يقال ببقائه على ملكهم وعدم انتقاله الى الامام عليه السلام في الثاني ، للأصل. ومعارضة الأصل بمثله بعد معلومية الانتقال منهم بالاغتنام في الأول مع كون الدخول في ملكهم ، والحال ذلك بمجرد وضع اليد عليها من دون إحياء لهما ـ أول الكلام. بل مقتضى الأصل عدمه. ودعوى معلومية الانتقال وعدم بقائهما على الإباحة الأصلية ، تدفعها معارضة أصالة عدم الانتقال الى الامام عليه السلام بأصالة عدم الانتقال والدخول في ملك الكفار ، إذ هو أيضا مقتضى الأصل عدمه ، فيجري فيه نظر ما يجري في المفتوحة عنوة من تعارض الأصلين ، فافهم.

وأما ما ذكره ـ أخيرا ـ : من التفصيل في معنى الأصل بإرادة معناه الأول في أرض من أسلم أهلها طوعا وبمعنى الظاهر في المفتوحة عنوة.

ففيه : أنه تفكيك ركيك : ولعله إليه أشار بالتدبر.

وبالجملة : فكلام ابن إدريس جيد ، بناء على أصله : من عدم العمل بأخبار الآحاد الموجب حينئذ للرجوع الى الأصل ، إلا أنه يجب

٢٩٦

الخروج عن مقتضاه بتلك الأخبار الكثيرة المنجبرة ما ضعف سنده منها بالشهرة المستفيضة الحاكمة بإطلاقها على ما كان منها ، ومن المستأجمة بالأصل للإمام عليه السلام ، ولو كان في ملك غيره ما لم يكن مملوكا بالإحياء ، أو مستأجمة في ملكه فإنه لمالكه.

هذا ، وكلام ابن إدريس ـ رحمه الله ـ غير صريح فيما نسب إليه ، بل لعله غير ظاهر فيه ، سيما بالنسبة إلى الآجام التي كاد أن يكون فيها كالصريح في خلافه. ولذا عن (البيان) : الاقتصار في نسبة الخلاف اليه على الأولين دون الآجام ، حيث قال في (السرائر) ـ في تعدد أراضي الأنفال ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام التي ليست في أملاك المسلمين ، بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض والمعادن التي في بطون الأودية التي هي ملكه ، وكذلك رءوس الجبال ـ «فأما ما كان من ذلك من أرض المسلمين ويد مسلم عليه ، فلا يستحقه الامام عليه السلام بل ذلك في الأرض المفتوحة عنوة والمعادن التي في بطون الأودية مما هي له ..» انتهى (١).

إذ لعل الظاهر من كلامه التفصيل في المعادن بين ما كان في ملك الامام عليه السلام كبطون الأودية ورءوس الجبال ، على أن تقييد البطون في كلامه بالتي هي ملك الامام (ع) من القيود التوضيحية ، لا الاحترازية ، وكلامه في الآجام موافق لما عليه غيره. بل لعله المشهور من أنه مشروط بما إذا لم تكن مستأجمة في ملك الغير ، فإن المستأجمة كذلك مملوكة لمالكها ولا أقل من الإجمال في كلامه.

وكيف كان ، فلو فرض ـ ولو بالمحال العادي ـ أنه استأجمت

__________________

(١) راجع ـ من سرائر ابن إدريس الحلي ـ : كتاب الخمس ، باب ذكر الأنفال ومن يستحقها.

٢٩٧

الأرض المملوكة أو استودت فهل تنتفل الى الامام عليه السلام ، لإطلاق ما دل على كونها من الأنفال ، أو هي باقية على ملك مالكها ، للأصل مع انصراف المطلقات إلى ما كان كذلك بالأصل وقبل شرع الأنفال؟ وجهان ، مبنيان على ما عرفت ـ إلا إذا كانت مملوكة بالاحياء وقلنا بصيرورتها مواتا بذلك ، فإنها تبنى على المسألة الخلافية الآتية في خروج المملوكة بالاحياء بالموات عن الملكية وعدمه ، وإن كان الأقوى عدمه ـ كما يأتي.

هذا ، ولعل النزاع في غير الآجام من الثلاثة قليل الجدوى ، لعدم انفكاكها ـ غالبا ـ عن الموت الموجب لكونهما للإمام بذلك ، بخلاف الآجام التي قد يدعى أنها من المحياة لكثرة الانتفاع بأشجارها وأخشابها التي ربما لا تنقص عن جملة من المنافع التي تعد بها الأرض محياة. بل ، ولعل إطلاق بعض الأدلة يقضي بدخول غير الآجام من الثلاثة في ملك الامام عليه السلام وان كانت محياة بنفسها ، بل وما كان منها في المفتوحة عنوة ، تحكيما للإطلاق المزبور ، على ما دل على ملكية المسلمين لعامرها ولو بترجيحه عليه ، بناء على تعارض العموم من وجه بينهما. بل قد يقال بعدم المعارضة بينهما ، فضلا عن الترجيح ، بناء على أن إطلاقات المفتوحة عنوة للمسلمين مختصة بما كان مملوكا للكفار. وليس شي‌ء من ذلك للأدلة المزبورة داخلا في ملكهم حتى يملكه المسلمون بالاغتنام ـ كما تقدم نظير ذلك في موات المفتوحة عنوة ـ فراجع.

بقي هنا إشكال : وهو إن مقتضى ملكية الإمام عليه السلام لهذه الأراضي ملكية ما فيها من النباتات والأشجار بتبعية الأرض. ومقتضاه عدم جواز تناول شي‌ء من ذلك إلا بإذنه ، مع ان بناء الناس وسيرتهم جار على المعاملة مع هذه الأشياء معاملة المباحات الأصلية من

٢٩٨

التملك بمجرد الحيازة بالاحتشاش والاحتطاب وترتيب آثار الملكية عليها بالبيع أو الشراء ، وغير ذلك من غير فرق بين كون الحائز من الشيعة أو غيرهم ، فلا يجدي التمسك بأخبار الإباحة والتحليل بالنسبة إلينا بالخصوص في رفع الاشكال بعمومه ، بل ذلك مقتضى ما ورد من قوله (ص): «الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلاء» (١) بل الظاهر منه سيما مع عطف الكلاء على الماء المعلوم كونه من المباحات الأصلية : كون الثلاثة باقية على الإباحة الأولية. بل قد يقال : لم نجد مصداقا لما يتحقق معه الإباحة الأصلية من الكلاء والماء والنار المقصود منها ـ ظاهرا ـ الشجر والحطب ولو مجازا ، كيف وإباحة شي‌ء من تلك فرع إباحة الأرض النابتة فيها. وليس ـ عندي ـ من الأراضي ما هي باقية على إباحتها الأصلية ـ بعد ما عرفت من تقسيم الأراضي وأحكامها.

ودعوى استثناء ذلك من أدلة التبعية في خصوص ما ينبت في أرض الإمام عليه السلام المختصة به بالإمامية ، فيها من الوهن ما لا يخفى.

فلا محيص عن الإشكال ، إلا بما سنح بالبال وخطر في الخيال ، بدعوى إمكان : أن يقال ـ ولو للجمع بين الأدلة ـ : ان تلك الأشياء ـ مع كونها مملوكة للإمام ـ يجب عليه ـ عليه السلام ـ بذلها للأنام كافة كما يجب على المعيل بذل ماله لمن يجب عليه نفقته ، حتى يكون جميع الناس مطوقين له بطوق إحسانه متنعمين بسعة فضله وامتنانه ليكون له فضل المنعم ، ويستحق عليهم شكر المتنعم ، وهو أتم للحجة وأوضح للمحجة ، فتلك ـ لسعة البذل وعمومه ـ بحكم المباحات الأصلية في تملك من سبق

__________________

(١) حديث نبوي مشهور بين الفريقين ، يذكره ابن الأثير في (النهاية) باب الشين ، ومن الخاصة عامة الموسوعات الفقهية في باب المباحات الأصلية.

٢٩٩

إليها بالحيازة ، فملكية الامام لها نظير ملكية الله تعالى للأشياء التي لا تنافي معها ملكية العباد.

لكن هذا الحكم لا يعم أمواله المختصة به ، ولو بالإمامة ، بل تختص منه بما اشتد مسيس حاجة الناس اليه وتوقف ضرورة التعيش عليه كالنار وللكلاء ، فافهم واغتنم.

هذا تمام الكلام في أراضي الأنفال من حيث موضوعها

وأما حكمها : فهي للإمام عليه السلام ـ بعد النبي (ص) ـ القائم مقامه ، فلا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه ، كما تقتضيه أصول المذهب وقواعده ـ مطلقا ـ في زمان الحضور والغيبة ، وجواز التصرف في ذلك لنا في الثاني ، لا لسقوط الاذن بالنسبة إلينا ، كما لعله يظهر من (المدارك) وغيره بل لحصوله منهم لنا بأخبار التحليل والإباحة لشيعتهم وهو ـ في الجملة ـ مما لا خلاف فيه ، وإن وقع الخلاف في مقدار ما حللوه : فمنهم من أفرط في ذلك ، وعمم الحكم بالإباحة والتحليل لمطلق ما للإمام عليه السلام حتى الخمس ، فأسقطه في زمان الغيبة ، إلا أنه قول متروك ، رماه غير واحد بالندرة والشذوذ (١) ومنهم ـ من خصه

__________________

(١) وهو مذهب (سلار) من القدماء ، واختاره من المتأخرين : الفاضل المولى محمد باقر في الذخيرة. قال العلامة في (المختلف ـ آخر كتاب الزكاة) الفصل الثالث في الأنفال ـ وقبل انتهاء الكتاب بيسير فإنه بعد استعراض الأقوال في المسألة وذكر احتجاجاتهم فيها ، وعرض احتجاج سلار وأتباعه ، في سقوط أصل الخمس حال الغيبة ـ قال : «.. واعلم ان هذا القول بعيد عن الصواب ، لضعف الأدلة المقاومة لنص القرآن ، والإجماع على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه».

٣٠٠