بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

له على الراهن من الرهن ببيعه واستيفاء مقدار الدين من ثمنه ، فيرث الوارث ذلك الحق من مورثه ، ويستوفي الدين الذي ورثه منه من الرهن على النحو الذي كان لمورثه.

وهكذا حق الخيار الذي مرجعه سلطنة ذي الحق على إقرار العقد وحله ، فالوارث للبائع ـ مثلا ـ يرث حقه ، فيتسلط على ما كان مورثه مسلطا عليه من إقرار العقد وحله ، فان أقره ورث ما ملكه مورثه من ثمن المبيع ، وإن حله بفسخه رجع المبيع الى ملك مورثه ملكية آنية استطراقية الى ملك وارثه ، نظير ملكية الميت لديه نفسه ، فإنها عوض نفسه التي أزهقت بالقتل ، فيملكها ثم يرثها الوارث منه.

وبالجملة ، فلا ملازمة بين قبول الحق للانتقال بالإرث وبين قبوله للنقل بالمصالحة عليه فقد يكون الحق قابلاً لأحدهما دون الآخر.

هذا ، ولو شك في شي‌ء مجعول من الشارع أنه من سنخ الأحكام أو من سنخ الحقوق ، فان دل الدليل على قابليته للانتقال أو الإسقاط يستكشف من ذلك أنه حق ، إذ الحكم غير قابل لكل منهما ، وإلا فالأصل يقتضي عدم سقوطه بالإسقاط وعدم انتقاله بالإرث ، ولا بالنقل ، كما انه لو علم كونه حقا وشك في قابليته للنقل أو الانتقال كان الأصل عدمهما.

بقي شي‌ء ينبغي التنبيه عليه : وهو أنه لو أحرز كون المجعول حقا قابلاً للنقل والاسقاط كحق التحجير مثلا ـ فهل يصح جعله ثمنا في البيع ربما يقال بصحة ذلك بدعوى أن حقيقة البيع تمليك عين بعوض في قبال الهبة التي هي تمليك مجاني ، ويكفي في العوضية جعل البائع على المشتري شيئا يحصل منه نفع يعود إليه في قبال العين الخارجة من ملكه إلى المشتري فلو جعل عليه إسقاط حق تحجيره ـ مثلا ـ على الأرض المباحة عوض ما ملكه من العين ليسبق إليها البائع فيحجرها له ، كان مصداق تمليك العين

٦١

بالعوض ، وأولى بذلك ما لو جعل العوض نفس الحق لينتقل منه إليه في قبال ما انتقل منه اليه من العين.

هذا ، ولكنا نقول : إن حقيقة البيع ليس مطلق تمليك العين بعوض من المشتري ، ولو كان من قبيل إسقاط حق ينتفع به البائع ، بل ولا تبديل إضافة بإضافة أخرى ولو لم تكن من سنخ إضافة البائع ، بل حقيقته ـ لغة ـ والمتبادر منه عرفا ـ : إنشاء تبديل عين هي طرف لإضافة مالكية بطرف إضافة مثلها لآخر في ظرف قبوله ذلك.

توضيح ذلك : إن الملكية التي هي جدة اعتبارية وعلقة واضافة بين المالك والمملوك لها طرفان : طرف يرتبط ويتعلق بالمالك ، وآخر بالمملوك فحقيقة الإرث انحلال الإضافة والعلقة من طرفها المتعلق بالمالك وارتباطها بالوارث مع بقاء التعلق من طرفها الآخر المتعلق بالمملوك على ما كان عليه ، فان الوارث يقوم مقام المورث ويأخذ بزمام ما كان المورث آخذا به.

وأما البيع ، فحقيقته : حل طرف علقة المالك للمثمن وإضافته من جانب مملوكه وربطها بطرف إضافة المشتري ، وحل إضافة مالك الثمن من ذلك الجانب أيضا ، وربطها بمكان علقة المالك للمثمن المحلولة.

وأما الإضافتان ـ من حيث اتصاف كل منهما بكونها مالكية ـ فلم يطرأ عليهما تغيير وتبديل ، وانما التغيير والتبديل في المملوكية ، فالبايع إذا كان أصيلا قبل البيع ، كان مملوكه المثمن ، وبعد البيع يملك الثمن ، والمشتري بالعكس. وفيما إذا كان وكيلا أو وليا ، فموكله ـ أو المولى عليه ـ يكون كذلك.

ومن هنا نقول ـ على ما هو التحقيق ـ : لا بد في إنشاء البيع أن يكون البائع ـ أصيلا كان أم وكيلا أم وليا أم فضوليا ـ قاصدا دخول

٦٢

المثمن في ملك مالك الثمن عوضا عما يخرج من ملك مالك الثمن الى ملك مالك المثمن ، وكذا المشتري بالنسبة إلى الثمن ، فيقصد دخوله في ملك مالك المثمن عوضا عما يخرج من ملك مالك المثمن الى مالك الثمن ، فبيع الغاصب العين لنفسه إذا لم يسبق منه بناء وادعاء لملكية العين المغصوبة ، وأنها كسائر أملاكه ـ باطل غير صالح للتصحيح بإجازة المالك أصلا ـ لا له ولا للغاصب ، كما نبهنا عليه في بيع الفضولي.

إذا عرفت ذلك ، تبين لك عدم صحة جعل الحق بالمعنى الأخص ثمنا في باب البيع ، لا بمعنى جعل الثمن إسقاطه ، إذ هو غير قابل للانتقال الى الغير ، لأنه فعل ذي الحق ، وهو المشتري ، ولا بمعنى جعل أصل الحق ثمنا ، فإنه ، وان كان قابلاً للنقل الى الغير حسب الفرض ، ولكنه يتوقف ذلك على أن يكون حقيقة البيع تبديل إضافة بإضافة أخرى ، وقد ذكرنا أن حقيقة البيع تبديل طرف إضافة مالكية بطرف إضافة مثلها لآخر فان المتبادر ـ عرفا ـ من لفظ البيع والمرتكز في أذهانهم أنه تبديل الأموال بعضها ببعض في عالم الإنشاء والاعتبار.

ويشهد لذلك تعريف (صاحب المصباح) البيع بأنه : مبادلة مال بمال (١).

وبالجملة ، فجعل ثمن المبيع من سنخ الحقوق مشكل غاية الإشكال فإنه من قبيل تبديل المملوك بالملك ، إذ الحق ملك ناقص ، لا من قبيل تبديل المملوك بالمملوك الذي هو معنى البيع ـ كما ذكرنا.

نعم : يمكن نقل الحق المذكور الى الغير بالمصالحة معه بعوض ـ

__________________

(١) ونص عبارته ـ كما في مادة بيع ـ : «والأصل في البيع : مبادلة مال بمال».

٦٣

عينا كان أم منفعة أم حقا مثله قابلاً للنقل وذلك آمر آخر ، فإنه من الصلح لا من البيع ، ولا كلام لنا فيه. كما أن جعل الأجرة في باب الإجارة حقا مشكل كذلك ، فإنها كالبيع معاوضة بين مالين غير أن المعوض فيها المنافع أو الأعمال ، وفي البيع : الأعيان. والله تعالى هو العالم.

هذا آخر ما علقناه على (رسالة الفرق بين الحق والحكم) لسيدنا الخال المصنف ـ قدس سره ـ والحمد لله رب العالمين.

٦٤

رسالة

في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

٦٥
٦٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة : اشتهر بين الفقهاء ـ سيّما المتأخرين منهم ـ : أن كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، حتى أسسوها قاعدة كلية وأرسلوها إرسال المسلمات ، بل صرح بعضهم بكليتها ، طردا وعكسا ، وهي : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (١).

__________________

(١) أقول : هذه قاعدة ذكرها الفقهاء ـ قدس الله أسرارهم ـ في مقام بيان الضابط لتمييز ما يضمن فيه مورد العقد الفاسد ومصبه مما لا يضمن فيه مورده.

وليست هي لبيان سائر موارد الضمان.

بل هي خاصة بموارد العقود الفاسدة ، وما كان منها أقرب الى كونه إيقاعا من كونه عقدا ، كالخلع والجعالة.

ومفادها : أن كل ما صدر من العقود وما يلحق بها على جهة المعاوضة فالفاسد منه كالصحيح مقتض للضمان ، وما صدر منها لا على جهة المعاوضة ، بل على وجه المجان ، ففاسده كصحيحه لا يقتضي الضمان.

مثلا : لو بذلت الزوجة مالا للزوج ليخلعها ويخلصها عن ربقة الزوجية ، فخلعها على ما بذلت ، وكان الخلع فاسدا لعدم اجتماع شروط صحته ، يضمن لها ما بذلته له لكونها لم تبذله مجانا ، بل عوضا عن خلاص نفسها عن تلك الربقة وكذا الكلام في الجعالة في صورة فسادها ، حيث أن العامل لم يبذل عمله تبرعا ، وانما بذله بإزاء الجعل ، فيضمن الجاعل له ما استوفاه من عمله بأجرة مثله.

ثم إن من عبر عن القاعدة بقوله : «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ومن عبر عنها بقوله : «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فالمفاد والمقصود فيهما واحد.

ولعل المعبر بالعبارة الثانية قصد تعميم القاعدة للإيقاعات المشتملة على التعهد والضمان ـ كما ذكرنا ـ

٦٧

ثم إن ما ذكرناه أخص مما أطلق بعض في تعداد أسباب الضمان : القبض بالعقد الفاسد ، فإنه يشمل ما لم يكن مضمونا بصحيحه كالعارية. بل وسائر التمليكات المجانية ، فلا بد من حيث تخصيص القاعدة أو تعميمها من النظر الى مدركها ، فان كان هناك ما يستفاد منه عموم القاعدة كحديث : «على اليد» (١) وجب تخصيصها بالكلية الثانية ـ بعد تسليمها ـ لورودها عليه.

وكيف كان ، فهنا قاعدتان : إحداهما إيجابية ، وهي «كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» والأخرى سلبية وهي : «كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

والكلام في الكلية الإيجابية يقع ـ مرة ـ في معناها ، وأخرى ـ في مدركها :

أما معناها ، فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : أما كلمة (ما) فيحتمل أن تكون كناية عن المقبوض باعتبار القبض أو ما بحكمه من الاستيفاء للعمل لأنه الموجب للضمان والسبب له بلا واسطة ، أو عن العقد ـ كما وقع التعبير به في بعض العبارات ، لأنه سبب لما يترتب عليه من القبض ، وموجب له بواسطته ، وبشرط تحققه.

ويبعده ـ مع كونه مرجوحا ـ بالنسبة إلى الأول ، لما عرفت من لزوم الواسطة في النسبة ـ : انه انما يتم في العقد الصحيح ، وأما الفاسد فلا

__________________

(١) ونص الحديث هكذا : «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ذكره العجلوني في (كشف الخفاء : ج ٢ حديث ١٧٦٨) عن عامة كتب الصحاح ، ونقل عن الترمذي وأبي داود بلفظ (تؤدي). وورد ذكره بصيغتيه ـ أيضا ـ في عامة كتب الفقه والحديث ـ من الفريقين.

٦٨

مدخلية له بنفسه في التأثير ـ بالمرة ـ (١).

__________________

(١) أقول : إن ما ذكره ـ قدس سره ـ وان كان له وجه ـ ولكن يمكن أن يقال إن الأنسب أن تكون كلمة الموصول في كلام من عبر بها بقوله : «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» كناية عن العقد أو ما يشبهه من الإيقاع ، فإنه ـ مضافا الى ما ذكرناه من أن كل من ذكر هذه القاعدة بأي تعبير كان ـ غرضه بيان الضابط لتمييز الموارد التي يضمن فيها مصب العقد الفاسد مما لا يضمن فيه ذلك. وعليه ، فالأظهر لمن عبر بالموصول : أن يريد به الكناية عن العقد ، لا المقبوض باعتبار القبض ـ :

ان الموصول في (ما يضمن بصحيحه) إلخ مبهم ، تفسره صلته. والأنسب فيما يتصف بالصحة والفساد هو العقد ، لا المقبوض باعتبار القبض.

وأما قوله «وأما الفاسد فلا مدخلية له بنفسه في التأثير بالمرة».

فهو مبني على ان الباء في قولهم «بصحيحه» و «بفاسده» للسببية التامة.

فلم لا تكون لمطلق السببية ، ولو كانت ناقصة.

فإن الموجب للضمان في الفاسد ، وان كان هو قبض العين ولكن المنشأ له هو العقد.

أو تكون الباء للظرفية ، نحو قوله تعالى (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (١) وقوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) (٢) فيكون المراد بقولهم (رحمهم الله) «ما يضمن بصحيحه» العقد المضمون مورده ومصبه في صحيحه مضمون ذلك في فاسده ، فيكون اسناد المضمونية إلى العقد ووصفه بها من قبيل الإسناد الى غير ما هو له والوصف بحال المتعلق.

__________________

(١) سورة القمر : ٣٤.

(٢) سورة آل عمران : ١٢٣.

٦٩

__________________

وعلى كل ، فالظاهر اتحاد المفاد في التعبيرين وان الموضوع في كل منهما هو العقد.

ثم إن القاعدة المذكورة ـ أصلا وعكسا ـ لم تكن مورد نص ـ بالخصوص ـ ولا إجماع معتبر. وانما استفيد أصلها من أدلة احترام مال المسلم وعمله. ومن جملتها حديث «على اليد.» المشتهر بين الفريقين. ولما كان دليل الاحترام مورده ما إذا لم يسقط المالك احترام ماله وعمله ببذله ـ مجانا ـ وتبرعه به ، كما أن عموم «على اليد» مخصص بأدلة التسليطات المجانية ، وأيدي الأمانة ، استفيد من ذلك عكسها. وبما أن مدركها منحصر بأدلة الاحترام الساقط بالاقدام على المجان ، وعموم «على اليد.» المخصص بأيدي الأمانة ، فلا بد أن يختار لها معنى يوافق مدركها.

وعليه فلو فرض أن ظاهرها أن العقد الذي كان له ـ بالفعل ـ فردان صحيح ، وفاسد ، وكان الصحيح منهما موجبا للضمان ، فالفاسد ـ أيضا ـ مقتض للضمان ، فالبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا أجرة ـ بناء على كونهما بيعا فاسدا واجارة فاسدة ـ مقتضيان للضمان ، إذ البيع الصحيح موجب له. وكذا الإجارة الصحيحة ، ففاسدهما كذلك.

هذا ، ولكن لما كان الضمان فيهما لا يوافق المدرك حيث أن التسليط فيهما مجاني ، ومقتضاه عدم الضمان فيهما ، فلا بد من رفع اليد عن هذا الظهور المفروض واختيار معنى للقاعدة يطابق المدرك بأن يقال : معناها إن كل شخص من العقود لو فرض كونه صحيحا ، وكان ـ على الفرض موجبا للضمان ـ فهو مقتض للضمان في فرض الفساد. أما لو لم يكن ـ على فرض صحته ـ موجبا للضمان ، فلا ضمان فيه مع فرض فساده. وهذا ما اختاره البعض في معنى القاعدة ، وان استضعفه الشيخ المحقق الأنصاري ـ قدس سره ـ حيث قال : ـ في مكاسبه أوائل كتاب البيع ـ : «وربما يحتمل في

٧٠

__________________

العبارة أن يكون معناها أن كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد ، ورتب عليه عدم الضمان فيما لو استؤجر بشرط أن لا أجرة ـ كما اختاره الشهيدان ـ قدس سرهما ـ أو باع بلا ثمن ـ كما هو أحد وجهي العلامة في (القواعد). ويضعف بأن الموضوع هو العقد الذي وجد له ـ بالفعل ـ صحيح وفاسد ، لا ما يفرض تارة صحيحا واخرى فاسدا ـ فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة : الضمان في مسألة البيع ، لأن البيع الصحيح يضمن به ـ نعم ، ما ذكره بعض من التعليل لهذه القاعدة بأنه أقدم على العين مضمونة عليه ، لا يجري في هذا النوع ، لكن الكلام في معنى القاعدة ، لا في مدركها» انتهى.

أقول : بعد ما ذكرنا : من ان هذه القاعدة المذكورة لم ترد في نص ولا إجماع معتبر ، وإنما هي مخرجة ومستفادة من أدلة : احترام مال المسلم وعمله ، المختص بصورة عدم إقدام مالكه على إسقاطه والتبرع به ، ومن عموم «على اليد» المخصص بأدلة التسليطات المجانية وأيدي الأمانة. فالمناط والمتبع شمول المدرك للمورد وعدم شموله له ، ولا اعتبار ـ بعد ذلك ـ بظاهر لفظ القاعدة إذا كان المدرك خاصا بصورة الإقدام على الضمان ، ولا يشمل التبرع والمجان فلا بد من التصرف في الظهور ـ لو كان ـ

مضافا الى ما قد يقال : بأن قضية كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، شأنها شأن جميع القضايا الحقيقية في كونها منحلة إلى شرطية شرطها عقد وضعها ، وجزاؤها عقد حملها. فمعنى «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» هو انه لو وجد عقد ـ وكان على تقدير وجوده وصحته مما فيه الضمان ـ فهو على تقدير فساده أيضا فيه الضمان.

هذا أصلها ، وأما عكسها ، فهو أنه لو وجد عقد ، وكان على تقدير

٧١

ثم الظاهر إرادة التدارك من الضمان (١) وهو الظاهر من كون الشي‌ء

__________________

وجوده وصحته مما ليس فيه الضمان ، فهو على تقدير فساده ليس فيه الضمان وهذا المعنى الظاهر من القضية الحقيقية ظاهر الانطباق على ما احتمله ذلك البعض ـ كما لا يخفى ـ فان البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا أجرة لو فرض كونهما صحيحين لا ضمان فيهما. فهكذا مع فرض فسادهما.

ثم ان هذا بناء على ان إنشاء البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا أجرة مصداقان للفاسد منهما ، وأما بناء على كونهما مصداقين للهبة والعارية الصحيحتين بناء على صحة إنشاء عقد بلفظ آخر مع نصب قرينة على المراد ، أو انهما مصداقان للفاسد منهما بناء على عدم صحة ذلك ، فعدم الضمان فيهما واضح ، حيث أنه لا ضمان في الهبة والعارية مطلقا.

__________________

(١) الضمان : مصدر : ضمن الشي‌ء ـ إذا تعهد به ، وهو مأخوذ من دخول شي‌ء في شي‌ء. مثلا : الدلالة التضمنية تقال لمكان دخول المدلول التضمني في المدلول المطابقي ، وكون الدلالة عليه في ضمن الدلالة المطابقية ، والمراد به ـ هنا ـ تعهد الإنسان بمال شخص آخر. وإنما سمي (ضمانا) لدخول المال المضمون في عهدة الضامن وذمته ، وهو ملزوم لكون درك المضمون عليه ، وخسارته من ماله ، فليس كون الدرك والخسارة من مال الضامن نفس الضمان ، وإنما هو لازم له.

ثم إن إطلاق الضمان واستعماله في التعهد قد يكون بلحاظ معناه المصدري ، أعني : نفس التعهد بالمال وجعله في العهدة بما هو فعل الضامن ببذل العوض في مقابله ، وقد يكون بلحاظ معناه الاسم المصدري المتأخر عن اللحاظ الأول رتبة اعني كون المال في العهدة ، ودخوله فيها الذي هو نتيجة الجعل ، بل ولو لم يكن بجعل منه ، بل كان بسبب غير اختياري للضمان ، كما في ضمان المقبوض بالسوم ، وكضمان المتلف لمال الغير حال النوم ـ مثلا.

وبلحاظ المعنى المصدري استعمل الضمان في النبوي المعروف : «الخراج

٧٢

__________________

بالضمان» (١) على خلاف ما استفاده أبو حنيفة ، فإنه فهم منه المعنى الاسم المصدري ، في مورد صحيحة أبي ولاد ـ عند اكترائه بغلا من الكوفة إلى قصر بني هبيرة في طلب غريم له ، فخالف وركبه الى النيل ، ثم الى بغداد ، وأرجعه الى صاحبه بعد خمسة عشر يوما ـ وتراضيا بأبي حنيفة حكما فقال لصاحب البغل : ما تريد من الرجل؟ قال : أريد كراء بغلي ، فإنه حبسه علي خمسة عشر يوما ، فقال أبو حنيفة : إنى ما أرى لك حقا ، لأنه اكتراه الى قصر بني هبيرة ، فخالف فركبه الى النيل والى بغداد فضمن قيمة البغل ، وسقط الكراء. فلما رد البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكراء. فخرج صاحب البغل يسترجع ، فرحمه أبو ولاد مما افتى به أبو حنيفة وأعطاه شيئا وتحلل منه.

وحج في تلك السنة ، واجتمع بأبي عبد الله الصادق ـ عليه السلام ـ وأخبره بفتوى أبي حنيفة ، فقال ـ عليه السلام ـ : «في مثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها والأرض بركاتها» فقال له أبو ولاد : فما ترى أنت جعلت فداك؟ قال ـ عليه السلام ـ : أرى له عليك مثل كراء البغل : ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، وذاهبا من النيل الى بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه.» (٢) الخبر.

وبالجملة ، مستند فتوى أبي حنيفة ما فهمه من قوله (ص) «الخراج بالضمان» من أن مطلق دخول الشي‌ء في العهدة مقتض لاستحقاق منافعه ، ولو كان بغير

__________________

(١) ذكره العجلوني بهذا اللفظ في (كشف الخفاء : ج ١ حديث ١٢٠٥) عن عامة الصحاح.

(٢) مضمون خبر مفصل يذكره الحر العاملي ـ قدس سره ـ في (الوسائل ج ٣ ، أحكام الإجارة ، باب إن من استأجر دابة إلى مسافة فتجاوزها.) حديث (١) طبع طهران إسلامية.

٧٣

__________________

اختياره ، كالضمان باليد ، فان الخراج ما يخرج من الشي‌ء ، ويتحصل منه من المنافع والنماء ، والباء في قوله «بالضمان» للعوضية والبدلية أو السببية ، فيكون مفاد النبوي المذكور ـ على هذا ـ : إن ما يحصل من العين من النماء والمنفعة بدل ضمان العين ، أو بسببه ، ولو كان الضمان بغير اختيار وإقدام ، بل بحكم من الشارع بمقتضى شمول حديث «على اليد».

هذا ، ولكن المتعين : أن المراد بالضمان في النبوي المذكور ، هو التعهد الاختياري المعاوضي الذي هو فعل الضامن ، وهو ما ذكرنا انه الضمان بالمعنى المصدري ، فإن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي جعل ملكية المنافع والنماء بدلا أو مسببا عن أقدام الشخص على التعهد والضمان المعاوضي ببذل العوض فان الغرض المهم للمتعهد بذلك كون المنافع والنماء له مجانا ، ولا مناسبة في جعل ملكية المنافع ونظيرها بدلا أو مسببا عن الضمان بمعناه الاسم المصدري ، ومجرد كون العين في العهدة ولو لم يكن ذلك بجعل واختيار من الضامن بل بحكم من الشارع بمقتضى عموم «على اليد» وقاعدة الاحترام ، بل بمقتضى ما فهمه أبو حنيفة أن الغاصب لا يضمن المنافع المستوفاة له مما غصبه بعد إرجاع العين له.

ومضافا الى المناسبة المذكورة ، يدل على ما ذكرناه رد الصادق ـ عليه السلام ـ على فتوى أبي حنيفة بذلك اللسان الشديد حيث افتى بعدم ضمان منافع البغل عند المخالفة ، فلو كان الضمان في النبوي بمعناه الاسم المصدري كانت تلك الفتوى هي المتعينة.

فمن رده عليه السلام لها يستكشف تعين إرادة المعنى المصدري الذي ذكرناه ، ولا شبهة في أن الصادق ـ عليه السلام ـ اعرف بمفاد كلام جده (ص) من أبي حنيفة «فإن أهل البيت أدرى بما فيه».

٧٤

__________________

لا يقال : ان مقتضى ما ذكرت من ان مفاد النبوي : أن الاقدام المعاوضي على الضمان اختيارا موجب لملكية المنافع ـ كون المنافع للعين المقبوضة بالعقد الفاسد غير مضمونة لمالك العين ، لوجود الاقدام المعاوضي بالنسبة إلى العين ، مع أنه لا إشكال في ضمان المنافع المستوفاة ، بل الفائنة تحت يد القابض ـ على المشهور.

لأنا نقول : الاقدام بالعقد الفاسد الذي هو كالعدم لا يكون منشأ لملكية المنافع ، وانما الموجب لملكيتها هو الاقدام بالعقد الصحيح الممضى شرعا.

هذا ، ولكن الغالب الشائع في إطلاق لفظ الضمان في النصوص والفتاوى إرادة التعهد بالمعنى الاسم المصدري أعني كون المضمون في ذمة الضامن وعهدته ، كباب الغصب والمقبوض بالعقد الفاسد وبالسوم ، وباب إتلاف مال الغير ، الى غير ذلك من سائر إطلاقات لفظه ، ومنها إطلاقه في قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» إذ المستفاد منها أن كل عقد أو إيقاع يكون مورده ومتعلقة في عهدة عاقده وموقعه ، يكون في فاسده كذلك ، وما لم يكن في الصحيح في عهدته لم يكن في الفاسد فيها ـ أيضا.

ثم إن ما يستفاد من القاعدة المذكورة كون الفاسد مساويا للصحيح في أصل تحقق الضمان ، وان اختلفا في المضمون وما هو في العهدة ، فإنه في الصحيح : هو المسمى في العقد ، وفي الفاسد المثل أو القيمة ، وأجرة المثل في الإجارة ونحوها.

وهذا الاختلاف مما يقتضيه الصحة والفساد ، وإمضاء الشارع للمعاملة وعدم إمضائه ، وهو اختلاف في لازم الضمان ، لا فيه نفسه ـ كما لا يخفى ـ بل قد يقال : بأن الضمان في الصحيح والفاسد لا يختلف ، إذ هو بالمثل

٧٥

__________________

أو القيمة في كليهما فإنه إنما يكون بالمسمى في الصحيح قبل القبض وأما بعده فهو بالمثل أو القيمة ، والقاعدة تأسست لموارد ضمان اليد المتحقق بالقبض.

توضيح ذلك : أن عقد البيع ـ مثلا ـ بما أنه موجب لنقل كل من العوضين من ملك مالكه الى ملك طرفه فكل من المتبايعين قبل التقابض يضمن ما انتقل عنه الى صاحبه بعوضه المسمى في العقد المنتقل من صاحبه اليه ، فلو تلف كل من العوضين قبل قبضه من الآخر ينفسخ البيع ويعود كل عوض الى ملك مالكه السابق بمقتضى قوله (ص) «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» (١) على ما تقرر من حكم التلف قبل القبض في محله.

ثم إنه بالقبض ينتقل الضمان من كل من المتبايعين الى الآخر ، فالبايع قبل القبض كان ضامنا للمبيع بعوضه المسمى ـ كما ذكرنا ـ وبعد القبض يصير المشتري ضامنا له ، ولكن بعوضه الواقعي من المثل أو القيمة ، وكذا المشتري ، فإنه قبل القبض كان ضامنا للثمن بعوضه المسمى في العقد وهو المثمن ، وبعد قبض البائع له يصير ضامنا له بالمثل أو القيمة ، ومعنى ضمان القابض ـ مع كون المقبوض ملكه ـ أنه لو تلف ثم طرأ فسخ للعقد بخيار أو انفساخ بتقايل ، يلزمه رد المثل أو القيمة. وعليه ، فالمثل أو القيمة هو المضمون في الصحيح والفاسد.

والحاصل ، كما أن أصل الضمان ينتقل بالقبض من المالك الأصلي الى

__________________

(١) راجع : كتاب مكاسب الشيخ الأنصاري وعامة الموسوعات الفقهية في كتاب البيع باب أحكام القبض.

٧٦

مضمونا عليه بمعنى لزوم الغرامة عليه بالتلف ، والتدارك له بالبدل عنه بحيث يعود الخسران والنقصان في ماله الأصلي ، لا ما قيل في معناه : من محض كون التالف في ملكه وفائتا من ماله ، كما لعله يعطيه قولهم : لو تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال البائع ومضمون عليه ، إذ لا معنى لكون الإنسان ضامنا لمال نفسه.

فعلى الأول ـ يختص العقد في الكلية الإيجابية بعقود المعاوضات ، ودخل غيرها من التمليكات كالوقوف والصدقات والهبات المجانية وغيرها كالعارية ونحوها في الكلية السلبية ، فتطرد الكليتان حينئذ ـ أصلا وعكسا ، كما يظهر من استدلالهم بعدم الضمان في فاسد العقود المجانية بالكلية السلبية ، وهو يدل ـ أيضا ـ على إرادة ما ذكرناه من معنى الضمان في القاعدة.

وعلى الثاني ـ يعم سائر العقود التمليكية من المعاوضات والمجانيات ، واختص في السلبية بغير العقود التمليكية كالعارية والإجارة بالنسبة إلى العين دون المنفعة والوديعة وسائر الأمانات مما لا يكون العقد فيه مملكا.

__________________

المالك الفعلي ، كذلك ينتقل به المضمون من العوض الجعلي ـ اعني المسمى ـ إلى الواقعي ، وهو المثل أو القيمة ، فلا فرق بعد القبض بين المقبوض بالعقد الصحيح ، والمقبوض بالعقد الفاسد.

ثم إنه ، لما كان المناط في الضمان في فاسد ما لو كان صحيحا ، وعدم الضمان ، هو الاقدام عليه وعدم الاقدام ، فلا فرق بين كون الضمان أو عدمه باقتضاء نفس العقد أو بواسطة ما اشتمل عليه من الشرط ، فمثل البيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة ـ بناء على كونهما من البيع والإجارة الفاسدتين ـ يدخل في عكس القاعدة ، لكون التسليط فيهما مجانيا.

ومثل الهبة المشروط فيها العوض والعارية المشروط فيها الضمان الفاسدتين يدخل في أصل القاعدة لكون الاقدام فيهما على الضمان.

٧٧

ثم المراد من العوض المدلول عليه بالضمان هو العوض الواقعي مثلا في المثليات ، وقيمة في القيميات ، لأنه البدل عنه ، ويحصل به تأديته بعد التلف ، لأن تأدية الشي‌ء بعد تلفه يصدق ـ عرفا ـ بتأدية بدله الواقعي من المثل أو القيمة ، فيكون مندرجا بعد التدارك بذلك في الغاية في حديث «على اليد» وإلا لاختص الضمان فيه بحال بقاء العين في اليد ، والمسمى إنما يكون بدلا وعوضا بشرط إمضاء الشارع لما تقارر عليه المتعاقدان ، ومع عدمه فالبدل هو البدل الواقعي. وحينئذ ، فالعين المضمونة بصحيح العقد أو القبض مضمونة بفاسده أيضا ، من غير اختلاف في أصل معنى الضمان فيهما. وان اختلفا في الكيفية بالمسمى في الأول ، والمثل أو القيمة في الثاني.

ثم ان المقيس والمقيس عليه من عقدي الصحيح والفاسد يشترط أن يكونا متحدين ـ صنفا ـ بمعنى أن يكون صنف واحد ، له فردان صحيح وفاسد ، يقاس فاسدهما بصحيحه في الضمان وعدمه ، كعارية الذهب والفضة أو المشروطة يقاس فاسدهما بصحيحه في الضمان ، لا بغيرهما من صنوف العواري غير المضمونة.

هذا ، والذي يظهر من إطلاق كلماتهم ، عدم الفرق في الفاسد بين كون الفساد من جهة نفس العقد أو فوات ما يعتبر في المتعاقدين منهما أو من أحدهما أو في العوضين ، كذلك ، أو فوات نفس العوض ـ على اشكال فيه ـ وسواء كان المتعاقدان عالمين بالفساد أو جاهلين به ، أو أحدهما عالما والآخر جاهلا.

هذا كله في بيان معنى القاعدة. وأما مدركها.

فعمدة ما يعول عليه ـ بعد الإجماع المستفيض ، وإن أمكن أن يقال فيه : إنه من الإجماع على القاعدة ـ قاعدة الاحترام ، فان المسلم محترم في

٧٨

نفسه وعرضه وماله ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، وعمله محترم أيضا ، وهو من ضروريات الدين ومدلول عليه بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. ومعنى احترام ماله حرمة مزاحمته فيه والأخذ منه بالقهر عليه ، بخلاف غيره ممن لم يدخل في ذمة الإسلام من الكفار ، فإنهم ، وان ملكوا أموالهم ، ولذا كلفوا بالفروع من العبادات المالية ـ أيضا ـ المتوقفة على تملكهم لها ، إلا أنه يجوز لنا مزاحمتهم عليها والأخذ منهم بالغيلة أو الغلبة. ولا منافاة بين الملكية وعدم الاحترام ، فان عدم الاحترام أعم من عدم الملكية.

لا يقال : إن غاية ما دل عليه الاحترام حرمة مزاحمة المسلم في ماله وعدم جواز أخذه منه قهرا ، وأين ذلك من الضمان على تقدير المزاحمة بعد التلف ، وإن أثم بها ، وبعبارة أخرى : غاية ما يستفاد منه الحكم التكليفي ، وهو حرمة المزاحمة ، وأما الحكم الوضعي ، وهو الضمان بعد التلف فهو أول الكلام.

لأنا نقول : ان المزاحمة كما يحرم حدوثها يحرم دوامها ، فيجب رفعها بعد حدوثها ، وكما يحصل رفعها بدفع العين المأخوذة مع بقائها ، يحصل ـ عرفا ـ بدفع المثل أو القيمة بعد التلف فيما يقع الضمان بالتأدية الحاصلة برد العين مع بقائها ورد عوضها الواقعي مع التلف كما هو مفاد «حتى تؤدي» في حديث «على اليد».

ودعوى عدم المزاحمة بعد التلف لعدم وجود المال حتى تصدق المزاحمة.

مردودة بما وقع منها الذي لم يزل إلا بالتدارك ، فان عدم الرفع به بعده مع القدرة عليه نوع بقاء للمزاحمة ودوام لها ، فافهم.

وحيث أن نظام العالم في نقل الناس الأموال وبذل الأعمال فيما بينهم لحصول الأغراض الدينية أو الدنيوية ، لا جرم ألقى الشارع زمام ذلك بيد المالك في ماله بحيث له تمليكه لغيره ـ مجانا ـ أو بعوض ـ عينا أو منفعة ـ

٧٩

أو تسليطه للغير على الانتفاع بماله مع بقائه في ملكه أو تنزيله منزلة نفسه في أعماله وما يتولاه في حاله وان اعتبر في حصول ذلك أمورا ، وجعل لها أسبابا خاصة كالعقود وما يعتبر فيها ، فان ذلك غير مناف للسلطنة المجعولة للمالك بحكم «الناس مسلطون على أموالهم» ولا للاحترام المجعول لمال المسلم.

وإن أبيت إلا دعوى عدم الاحترام في التمليكات المجانية ونحوها مما لا يكون بعوض ، فلا بأس بدعوى جعل الشارع إسقاط الاحترام بيد المالك فله أن يسقط احترام مال نفسه ، فعدم الضمان في فاسد العقود المضمونة بالعوض بصحيحه مناف للاحترام المجعول في مال المسلم بعد أن كان التواطى‌ء بين المتعاقدين على تبديل مال بمال مخصوص ، إذ غاية ما أوجب فساد العقد عدم سلامة المسمى له لا سقوط احترام ماله ، ولا كذلك في غير المعاوضات من العقود مما كان القبض فيه مجانا من التمليكات والأمانات فإن عدم الضمان فيه ـ كما عرفت ـ لا ينافي الاحترام بعد أن كان الاقدام منه على المجانية ، أو لسقوط الاحترام المجعول له إسقاطه ، فظهر ان كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وبالعكس.

ودعوى أن مرجع التمسك بالاحترام الى التمسك بحديث «على اليد» لأنه المستفاد منه.

فيها ـ مع أن حديث «على اليد» من جملة ما دل على الاحترام في بعض الموارد ، لا الاستدلال بالاحترام استدلال بحديث اليد ـ : أن الحديث لظهور اختصاصه بالأعيان أخص من قاعدة الاحترام الأعم من الأموال والأعمال ، ولذا كان عمل الأجير بالإجارة الفاسدة مضمونا على المستأجر بأجرة المثل ـ كما هو مضمون بالمسمى في الإجارة الصحيحة ، فلا يتم الاستدلال ـ كما عن جماعة ـ بحديث «على اليد» على تمام المدعى من

٨٠