بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

وقال الفاضل الجواد في (شرح اللمعتين) ـ في شرح قوله : ولو طرأ المنع. فان كان قبل القبض فله الفسخ ـ ما نصه : «المنع الطارئ على المنفعة بعد العقد عليها وقبل قبضها إن كان بتلف سماوي بطلت الإجارة وليس مرادا من العبارة ، لحكمه بثبوت خيار الفسخ مع أن الثابت بالتلف هو الانفساخ لكون المنفعة بمنزلة المبيع التالف قبل القبض في الضمان ، وانفساخ العقد ـ بلا خلاف كما في التذكرة ، وظاهره نفيه بين المسلمين ، بل في (السرائر) وغيره : الإجماع عليه صريحا ، ولولاه لأشكل الحال في تعدية الحكم من البيع إلى الإجارة ، لوجود النص في الأول ، وفقدانه في الثاني ـ إلى أن قال بعد منع الدليل عليه هنا ـ فالعمدة الإجماع في المقام» (١).

وقال جدنا في (الرياض) : «ولو تلفت العين المعين في العقد استيفاء المنفعة منها قبل القبض أو بعده بلا فصل ، أو امتنع المؤجر عن التسليم مدة الإجارة بطلت الإجارة بلا خلاف في الأولين في الظاهر ، وبه صرح في (التنقيح) قيل : لفوات المتعلق ، فتكون كتلف المبيع قبل قبضه ، واستيفاء المنفعة هنا بتمامها قائم مقام القبض في المبيع ، كما أن استيفاء بعضه كقبض بعضه ، ولو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن المناقشة فيه على إطلاقه ، بل مطلقا ، لمخالفته الأصل الدال على لزوم الأجرة وانتقال المنفعة إلى ملك المستأجر بمجرد العقد. فرجوع كل منهما الى مالكهما الأول مخالف للأصل ، ولا دليل عليه سوى القياس على المبيع ، وهو فاسد

__________________

(١) عرفت ـ آنفا ص ١٢٤ ـ : أن الصحيح (شرح اللمعة) لا شرح اللمعة والروضة معا ، فان الفاضل الجواد بن الشيخ محمد تقي المعروف بـ (ملا كتاب) ليس له إلا شرح اللمعة للشهيد الأول. ويؤيد ذلك ـ هنا ـ أن هذه الجملة (ولو طرأ) التي أشار إليها سيدنا المصنف ، هي نص عبارة الشهيد الأول في اللمعة في أوائل كتاب الإجارة فراجع.

١٦١

بعد اختصاص الدليل به» (١).

وقال في (الحدائق) : «الثالث عشر ـ لو استأجرت شيئا فعرض له التلف : فاما أن يكون للجميع أو البعض قبل القبض أو بعده ، أو لم يعرض له التلف ـ الى أن قال : ـ الأولى ـ أن تتلف العين المستأجرة لاستيفاء المنافع منها قبل القبض ، ولا إشكال في بطلان الإجارة لأن استيفاء المنفعة أحد العوضين ، فاذا فات قبل قبضه بطل كما في البيع ، فاستيفاء المنفعة ـ هنا ـ كالقبض في البيع ، كما أن استيفاء البعض كقبض بعض المبيع» (٢).

وقال في (المسالك) ـ في شرح ما تقدم من عبارة مصنفه ـ : «المراد بالتالف المعين في عقد الإجارة استيفاء المنفعة منه ، كما يرشد اليه ظاهر العبارة ، وبطلان الإجارة ـ حينئذ ـ واضح ، لأنه أحد العوضين فاذا فات قبل قبضه بطل كالبيع ، والاستيفاء ـ ها هنا ـ للمنفعة بتمامها ، قائم مقام القبض في المبيع ..» (٣).

وقال في (التذكرة) : «مسألة ـ إذا فاتت المنفعة بالكلية حسا انفسخ العقد ولا خيار للمستأجر ، كما لو استأجر دابة معينة للركوب فماتت أو استأجر للخدمة أجيرا معينا فمات ، فان كان قبل القبض انفسخ العقد بلا خلاف نعلمه ، لان العقود عليه تلف قبل قبضه ، فأشبه ما لو تلف المبيع قبل قبضه ، وكذا إن كان عقيب القبض بلا فصل قبل مضى مدة

__________________

(١) راجع : الجزء الثاني منه : كتاب الإجارة ، بعنوان : بطلان الإجارة لو امتنع عن التسليم.

(٢) راجع منه كتاب الإجارة ، المطلب الثالث في الأحكام ، وفيه مسائل : الثالثة عشرة ..

(٣) راجع : كتاب الإجارة منه في شرائطها ـ كما عرفت آنفا.

١٦٢

لمثلها أجرة ، فإن الإجارة تنفسخ ، وتسقط الأجرة ـ أيضا ـ في قول عامة الفقهاء» (١) انتهى.

ومنشأ توهمهم في مستند الحكم بذلك : هو صدق عنوان التلف قبل القبض مع الغفلة عن استناد بعض صور الى فقدان القدرة على التسليم المتفق على اعتبارها في صحة العقد.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : تنقيح المسألة هو أن يقال : تلف العين المستأجرة : إما أن يكون قبل القبض ، أو بعده ، وعلى التقديرين : فاما أن يكون التلف بعد انتهاء مدة الإجارة ، أو في أثنائها ، أو قبل مضي شي‌ء منها يمكن الانتفاع فيه ، فهنا صور :

الأولى ـ أن يكون التلف قبل القبض ، ولكن بعد انتهاء مدة الإجارة ففي هذه الصورة نحكم بانفساخ الإجارة ورجوع الأجرة إلى المستأجر ، نظير الحكم في تلف المبيع قبل القبض بالانفساخ ورجوع الثمن إلى المشتري إن قلنا به على القاعدة ، وإلا فالمنفعة مضمونة على المؤجر بقيمتها للمستأجر لفقدان الدليل على الضمان بالمسمى في الإجارة.

الثانية ـ لو كان التلف في أثناء المدة ، ولكن قبل القبض أيضا فحكمها حكم تلف بعض المبيع قبل القبض ، فإن المنفعة كالمبيع والأجرة كالثمن ، وستعرف حكمها.

الثالثة ـ لو كان التلف قبل القبض ، ولما ينقض زمان يمكن فيه القبض. وهذه الصورة كالصورة :

الرابعة ـ وهي إذا كان التلف بعد القبض بلا فصل في الحكم ببطلان العقد من أصله ، لتعذر التسليم فيهما ، لا للنبوي ، وغيره في البيع.

__________________

(١) راجع : المجلد الثاني ، كتاب الإجارة ، فصل في المدة والضمان ، البحث الثاني ـ في فوات المنفعة بالكلية حسا ، مسألة ..

١٦٣

الخامسة ـ ما إذا كان التلف بعد القبض لكن في أثناء المدة.

السادسة ـ ما إذا كان التلف بعدهما ، والحكم فيهما واحد من حيث استحقاق الأجرة إلى حين التلف ، غير أنه يستحق من الأجرة إلى حين التلف في الأولى لكونه مقبوضا له ، والتلف في الأثناء يكشف عن تعذر التسليم فيما بقي من المدة ، وفي الأخيرة يستحق الأجرة بتمامها لكون المنفعة بجملتها مقبوضة له ، وان لم يستوفها في تمام المدة أو في بعضها.

هذا ، وليعلم أن قبض المنفعة يصدق ـ عرفا ـ بقبض العين ، وان كان حصولها بالتدريج ، فللمؤجر مطالبة الأجرة بمجرد تسليم العين إلى المستأجر ولا كذلك في الأجير على عمل ، فليس له مطالبة الأجرة إلا بعد إيجاد العمل وان ملكها بالعقد ، والفرق : ان اليد على العين ـ عرفا ـ يد على منافعها ، فتكون المنافع ـ بأجمعها وان تجدد حصولها ـ تحت يده عرفا لكن بشرط بقاء العين المحرز عندهم بأصالة السلامة من التلف واستصحاب بقائها ، ولذا كانت منافع العبد المملوك مضمونة على من حبسه ، وان لم ينتفع بخدمته ، وحيث لا يد على الأجير الحر لا يكون عمله مقبوضا للمستأجر وتحت يده إلا بعد إيجاده ، فليس له مطالبة الأجرة قبله ، وان ملكها بالعقد ، ولذا لا تكون منافع الحر المحبوس مضمونة على حابسه ، إذ لا يد له عليه حتى يكون له يد على منافعه.

نعم ، لو حبس الأجير على عمل مشخص بمدة مخصوصة كيوم مخصوص غير المستأجر ضمن الحابس منفعته المخصوصة ، لصدق الإتلاف عليه ـ عرفا ـ بعد تموّله عندهم.

ولعلّ فيما ذكرنا ـ : من الفرق بين الأجير ومؤجر العين في صدق قبض المنفعة وعدمه مع تملك كل منهما الأجرة بالعقد ـ شهادة أيضا على ما قويناه : من كون القبض من مقتضيات العقد في سائر عقود المعاوضات.

١٦٤

الأمر الثاني لو كان المبيع بعضا من جملة معينة : فاما أن يكون معبرا عنه بأحد الكسور التسع كالنصف والثلث والربع ـ مثلا ـ من صبرة معينة ، أو يكون معبرا عنه بمقدار مخصوص وزنا أو كيلا كوزنة منها أو قفيز.

فان كان الأول ، كان المبيع مشاعا ، ويتحقق قبضه بقبض الجميع ضمنا. فاذا تلف الكل بعد قبضه كان من ضمان المشتري ، لأنه تلف بعد قبضه ، ولو تلف بعضه كان التالف منهما بالنسبة.

وان كان الثاني ، ففي تحقق قبضه بقبض الجميع ليتخير منه إشكال ينشأ : من الإبهام وعدم تعين المبيع إلا بعد تعيينه ، فلم يكن مقبوضا بعنوانه ، ومن انحصاره في المعين الخارجي فلا يخرج عن كونه مقبوضا بقبض الجميع.

فعلى الأول ، لو تلف الجميع انفسخ العقد وكان من ضمان البائع لأنه من التلف قبل القبض بالفرض ، ولا ينفسخ لو تلف بعضه إن كان الباقي بمقدار المبيع ، ولا ينفسخ على الثاني مطلقا وان تلف جميعه لكونه بالفرض من التلف بعد القبض الموجب لانتقال الضمان به من البائع إلى المشتري.

الأمر الثالث لو كان المبيع كليا في الذمة ، فدفع إلى المشتري أكثر من حقه مقدارا أو مصداقا ليتخير منه ، ففي تعيّن الحق في المدفوع لكون التعيين بيد المديون ـ وفد عينه في الجملة ـ وان كان يعدّ مبهما فيه ، وعدمه وجهان : وعلى الأول ـ ففي حصول قبضه بقبض المجموع لاشتماله عليه ، وعدمه لإبهامه بعد ـ بالفرض : الاشكال المتقدم. وحكم ما لو تلف جميعه في يده ـ من حيث كونه من ضمانه أو من ضمان البائع ـ يعرف مما تقدم.

هذا ، ويحتمل تنزيل ذلك على الإشاعة بعد فرض التعيين في المدفوع

١٦٥

فيكون مقبوضا بقبض الجميع ، كما صرحت به رواية محمد بن مسلم في الضعيف عن الباقر ـ عليه السلام ـ قال : «سألته عن رجل اشترى من رجل عبدا وكان عنده عبدان ، فقال للمشتري : اذهب بهما ، فاختر أيهما شئت ورد الآخر ، وقد قبض المال فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده؟ قال : ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما اعطى من البائع ، ويذهب في طلب الغلام فان وجده ، اختار أيهما شاء ، ورد النصف الذي أخذ ، وان لم يجد كان العبد بينهما نصفه للبائع ونصفه للمبتاع» (١) ونحو ذلك خبر السكوني عن الصادق ـ عليه السلام ـ (٢).

والمبيع في الخبر محمول على كلي في الذمة موصوف بما ترتفع به الجهالة ، وكل من العبدين مصداق لما ينطبق عليه المبيع الكلي ، وإلا فأحد العبدين لو كان مبيعا لبطل العقد لإبهامه.

إلا أن الروايتين ـ مع ضعف سندهما (٣) وعدم معلومية الجابر لهما ـ وان نسب الشهيدان في (الدروس ، والروضة) إلى الأكثر العمل بهما ،

__________________

(١) سند الرواية ـ كما في الوسائل كتاب التجارة ، أبواب بيع الحيوان ، باب ١٦ حكم من اشترى عبدا .. هكذا : محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي حبيب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) .. إلخ.

(٢) وسنده ـ كما في الوسائل نفس الباب الآنف ـ هكذا : عن الصفار عن علي بن إبراهيم عن هاشم عن النوفلي عن السكوني.

(٣) ولعل الضعف المشار إليه في المتن من جانب ابن أبي حبيب ، وهو بكر ـ في الرواية الأولى ـ فقد ذكره الشيخ في (رجاله ـ في أصحاب الصادق عليه السلام ـ) ولم يوثقه. وأما النجاشي فلم يذكره في كتاب رجاله. ومن جانب السكوني ، وهو إسماعيل بن أبي زياد ، في الرواية الثانية حيث لم يرد فيه من الشيخ والنجاشي توثيق بل ذكراه في كتابيهما بلا تعرض لذلك.

١٦٦

إلا أن غير واحد أنكر النسبة المذكورة ـ واضطراب متنيهما ـ : فيهما إشكال من وجوه :

الأول ـ أن ظاهرها تعين الكلي في الذمة في العبدين المقبوضين بتعيينه فيهما ، مع أن تشخيص ما في الذمة في الكلي الخارجي في حيز المنع.

الثاني ـ انها صرحت بالإشاعة الموجبة لكون ملك المشتري نصفا من كل من العبدين ، ومقتضاها عدم استرداد نصف الثمن لكون المبيع مقبوضا بجملته في ضمن الكل ، فالتالف منهما ، وتلف حقه فيه من ضمانه لأنه من التلف بعد القبض ، والموجود لهما ، وحقه فيه مقبوض له موجود عنده فلا وجه لاسترداد نصف الثمن.

الثالث ـ أنها حكمت باسترداد نصف الثمن ، وهو ينافي الإشاعة وموجب لعدمها ، وعليه فيتعين حقه في الموجود من العبدين لخروج التالف عن قابلية تشخص المبيع فيه ، كبيع صاع من صبرة معينة ، فإن المبيع ينحصر في الباقي منها ، وان كان صاعا واحدا والتالف كله من البائع ، وهو مناف لذيل الخبر ، وهو قوله عليه السلام : «وكان العبد بينهما نصفه للبائع ونصفه للمبتاع» الصريح في الإشاعة وكون التالف منهما والموجود لهما.

الرابع ـ على الإشاعة ينافي رجوع التخيير بعد وجدان الآبق إلا بجعل الاختيار كالقسمة ، وهو ممنوع.

ومن ثم لم يعمل بهما أكثر المتأخرين ، حتى أن صاحب الحدائق رجع في المسألة الى ما تقتضيه القواعد بعد طرح الخبر من جهة المخالفة لها.

اللهم الا أن يتكلف في الجواب عن ذلك كله : أما عن الأول فيمنع امتناع تشخص ما في الذمة في الكلي الخارجي ـ مطلقا ـ بعد أن كان التعيين بنظر المديون فكما له التعيين في ضمن فرد ، له التعيين في

١٦٧

ضمن أفراد مخصوصة مدفوعة له بعنوان الوفاء مخير إياه في التعيين منها.

وأما عن الثاني ، فلتنزيل الإبهام في الإفراد المخصوصة منزلة الاشتباه أو المزج الرافع للتميّز في كونه موجبا للشكرة الموجبة للتملك بالإشاعة وعليه فنصف الآبق ، وإن تملكه المشتري وكان مقبوضا له ، إلا ان تلفه من ضمان البائع بعد أن كان الخيار في التعيين للمشتري ، إلحاقا له بتلف المبيع في مدة الخيار ، فإنه من ضمان من لا خيار له ـ وهو هنا البائع ـ

ولا يقدح الفرق بينهما بأن الخيار هنا في تشخيص المعقود عليه وهناك في لزوم أصل العقد بعد وجود المناط من عدم الاستقرار على من له الخيار ، كما صرح به هناك في (السرائر) أو تنزيله على الاباق في في الثلاثة ، فيكون من خيار الحيوان.

وبذلك ينقدح الجواب عن الثالث : من عدم منافاة استرداد نصف الثمن للإشاعة بعد ظهور الوجه فيه من كونه في ضمان البائع وان كان مقبوضا للمشتري.

وأما عن الرابع ، فرجوع التخيير بعد وجدانه مبني على ما هو الحق كما حقق في محله ـ : من كون الشركة حكمية لا حقيقية ، فلا يخرج بمزج المالين كل منهما عن ملك مالكه ، وان جرت عليه أحكام الشركة الحقيقية من جهة المزج والاشتباه. ولذا لو تميزا بعد رفع التميّز ارتفع حكمها واختص كل منهما بمالكه.

لكن مع ذلك كله : الأقوى طرح الرواية ، والعمل بما تقتضيه القاعدة : من تعيين الحق بالموجود من العبدين بعد تحقق القبض الوقائي بقبضهما ان قلنا به. وعدم استرداد شي‌ء من الثمن وكون التالف من ملك البائع.

وفي كونه مضمونا على المشتري لعموم «على اليد» وإلحاقه بالمقبوض بالسوم ، بل لعله أقرب منه لتحقق البيع ـ هنا ـ وانطباق المبيع الكلي

١٦٨

عليه وتشخصه فيه بعد الاختيار ، ولم يتحقق بعد في المقبوض بالسوم ، وعدمه بناء على اختصاص دليل اليد برد المأخوذ بنفسه. ورد بدله بعد تلفه مستفاد من دليل آخر. واختصاص دليل ضمان المقبوض بالسوم بالإجماع المحكي المفقود في المقام ـ :

وجهان ، بل قولان. ولعل الآخر هو الأقوى ، وان قلنا بعموم «على اليد» لخروج يد الأمانة عنه ، والتالف بيد المشتري أمانة لكونه مدفوعا اليه من المالك.

والأولوية من المقبوض بالسوم ممنوعة : أولا ـ لما قبل من الفرق بين المقامين ، فان المقبوض بالسوم مبيع بالقوة بما يؤول اليه ، وصحيح البيع وفساده مضمون بخلاف صورة الفرض لأن المقبوض ليس كذلك لوقوع البيع سابقا ، وانما هو محض استيفاء حق أو لأن المقبوض بالسوم يحصل بمطالبة المشتري ، وهنا يدفع البائع من دون سبق المطالبة به. وثانيا ـ لو سلمت فهي أولوية ظنية لا معول عليها ، بل لعل الحكم بالأمانة ـ هنا ـ اولى بالحكم بها فيما لو باع دينارا بدينار موصوفين في الذمة ، فدفع أحدهما إلى الآخر ما يزيد عليه فإنه لم يتشخص الزائد المدفوع ثمنا أو مبيعا وعليه إبداله حيث حكموا بكون ما في يده أمانة لم يضمنه لو تلف قبل رده بغير تعد وتفريط من غير فرق بين صورتي تعمد الدافع وغفلته ، إلا في كون المدفوع على الأول ـ أمانة مالكية وعلى الثاني أمانة شرعية ، بل في (المسالك) دعوى الاتفاق على كونه أمانة في الأول.

الأمر الرابع ما ذكرنا إنما هو فيما إذا كان التلف بنفسه. وأما إذا كان بتسبيب ، فاما أن يكون بإتلاف المشتري ، أو البائع ، أو الأجنبي.

فإن كان من المشتري ، فإتلافه بمنزلة قبضه فيكون من ضمانه ما لم يكن مغرورا لوقوع الإتلاف منه على ملكه. كما لو أتلف ماله المغصوب

١٦٩

في يد الغاصب الموجب لخروجه عن الضمان. ولعل التفصيل بين الغرور وعدمه هو مراد الشيخ فيما حكي عنه من التفصيل بين صورتي علم المشتري وجهله.

وان كان الإتلاف من البائع ففي ضمانه بالمسمى لاقتضاء العقد ذلك من غير فرق بين الاختيار وعدمه إلا في الإثم وعدمه ، أو لصدق التلف. وان كان بالاختيار فيكون مشمولا لإطلاق ما دل على كونه من مال البائع ، وان أثم بالاختيار ، أو بالمثل والقيمة بناء على انصراف التلف في الدليل المخرج له عن القاعدة الى ما كان بنفسه ، أو تخيير المشتري بين تضمين البائع بالمسمى أو بالمثل لوجود سبب كل من الضمانين الموجب للخيار في اختياره الأخذ بأيهما شاء.

أقوال. والأول ـ هو الأقوى على المختار ، والثاني ـ قوي إن قلنا به على خلاف القاعدة ، وفي الثالث ـ نظر (١).

__________________

(١) الظاهر : أن قاعدة التلف قبل القبض وكونه موجبا لانفساخ المعاوضة ورجوع كل عوض الى مالكه الأصلي ، أجنبية عن مورد الإتلاف وانما هي مختصة بالتلف ، وما هو بمنزلته ، كغصب الظالم له ـ مثلا ـ بنحو لا يرجى عوده ، والسرقة مع عدم معرفة السارق ، ونحو ذلك ولا فرق في ذلك بين القول بكونها ثابتة بالتعبد على خلاف القاعدة ، وبين كونها على طبقها.

توضيح ذلك : أنه بناء على أن القاعدة الأولية بعد انتقال كل من العوضين الى ملك مالك العوض الآخر بالعقد تقتضي ضمان كل من المتعاقدين لصاحبه لو تلف ما انتقل منه اليه قبل القبض : البدل الواقعي من المثل أو القيمة ، وكون الضمان ضمان اليد ، لعموم دليله باعتبار أن كلا من

١٧٠

__________________

المتعاقدين بعد العقد ما تحت يده ملك لطرفه فيضمنه له بعوضه الواقعي إن لم نقل بكون يده يد أمانة ولعله الأقرب ، فإن يده بعد العقد على المال أمانة شرعية يلزمه تسليمه لمالكه في أول أزمنة الإمكان. وعلى كل لو كان ضامنا ، فضمانه ببدله الواقعي متوقف على كون المال عند تلفه ملكا لطرفه ليضمنه له بمثله أو قيمته.

ولما كان مفاد (النبوي) وخبر عقبة بن خالد : كون المبيع عند تلفه قبل القبض من مال البائع ، ومقتضاه أن ضمانه معاوضي ، وانه مضمون على ذي اليد بعوضه المسمى في العقد ، وكون تلفه موجبا لانفساخ المعاوضة وعود كل عوض الى ملك مالكه الأصلي.

فلا بد من الخروج عن القاعدة وتخصيص عموم «على اليد» بالنبوي والخبر ـ على ما أفاده سيدنا قدس سره ـ ولكن لما كان ظاهر الدليل المخرج لمورده عن القاعدة : كون تلف المبيع أو ما هو بمنزلته بلا اختيار من البائع ، فلا يشمل صورة الإتلاف له ، وعليه فيضمنه بالإتلاف ببدله الواقعي ، سواء قلنا إن يده على المال بعد العقد يد ضمان أو يد أمانة.

ولا إشكال في ذلك. إنما الكلام لو قلنا : بأن القاعدة تقتضي كون كل من المتعاقدين ضامنا لصاحبه بعد العقد ضمانا معاوضيا ، وكون ما تحت يده من ماله مضمونا بعوضه المسمى الذي مقتضاه انفساخ المعاوضة عند عدم إمكان تسليم المال لطرفه فهل القاعدة المذكورة مختصة بالتلف وما هو بمنزلته أو أنها تعم صورة الإتلاف له أيضا بلا فرق بينهما سوى الإثم في صورة الإتلاف الاختياري ، كما قواه سيدنا حيث قال : «والأول هو الأقوى على المختار» ومراده بالأول : كون الضمان بالمسمى بلا فرق بين التلف الاختياري وغير الاختياري ، ومراده بقوله «على المختار» هو

١٧١

__________________

القول بكون الضمان المعاوضي المقتضي لانفساخ المعاوضة عند عدم إمكان التسليم على طبق القاعدة ، لا على خلافها لنص أو إجماع ، ليختص بالتلف وما هو بمنزلته ، ولا يشمل صورة الإتلاف.

هذا ، ولكن الظاهر اختصاص الضمان المعاوضي المقتضي للانفساخ عند عدم إمكان التسليم بالتلف ونحوه سواء قلنا : إنه على القاعدة أو على خلافها لنص أو إجماع.

توضيحه : إن العقد المعاوضي بين المتعاقدين بما أنه مقتض لنقل كل منهما ما يملكه لطرفه بعوض ما يتملكه منه الذي هو المدلول المطابقي للعقد ، كذلك هو مقتض ومتضمن لالتزام كل منهما تسليم ما انتقل عنه لطرفه عند تسلم عوضه منه حيث ان كلا من المتعاقدين كما التزم لطرفه بجعل ما هو مملوك له تحت سلطنته المطلقة الاعتبارية الذي هو مرجع الملكية أو لازمها ، عوضا عما هو مملوك لطرفه المجعول تحت سلطنته المطلقة الاعتبارية أيضا كذلك التزم له بجعله تحت سلطنته الخارجية عند تسلطه الخارجي على عوضه.

فليس مقتضى العقد المعاوضي مجرد التبادل بين العوضين في عالم الاعتبار فقط ، بل ذلك وما يلزمه من جعل كل منهما مكان الآخر خارجا ، وتسليمه لمالكه بالعقد ، ومقتضى ذلك أنه لو تعذر عليه التسليم لتلف ما ملكه طرفه منه أو ما هو بمنزلة التلف من ذهاب مناط ماليته انفساخ عقد المعاوضة وعود كل من العوضين الى ملك مالكه الأصلي ، لكون عقد المعاوضة مع إمكان الالتزام بما يقتضيه يبقى ويصح ، ومع عدم الإمكان ينفسخ ويبطل

لا يقال : تعذر التسليم لا يقتضي الانفساخ بل غايته الخيار والتسلط على الفسخ.

١٧٢

__________________

لأنا نقول : إنما يتجه الخيار مع إمكان التسليم وكون تعذره عارضا يمكن زواله كالإباق والسرقة مع رجاء العود. أما مع عدم بقاء صلاحية التسليم للتلف وما هو بمنزلته فلا معنى للخيار مع بطلان العوضية وامتناع الوفاء بما يقتضيه العقد بمدلوله الالتزامي من تسليم ما وقع العقد عليه.

لا يقال : امتناع الوفاء بمقتضى العقد وتسليم ما وقع عليه لا يقتضي البطلان وانفساخ العقد ، إذ يمكن إبقاء صحته بدفع مثل التالف أو قيمته وأخذ بدله المسمى في العقد ، فتبقى المعاوضة ولا تنفسخ.

لأنا نقول : لو كان الالتزام الضمني والمدلول الالتزامي لعقد المعاوضة هو بدلية أحد العوضين خارجا عن الآخر على تقدير بقائه وأما مع تلفه فما يكون بدلا عن المسمى مثل التالف أو قيمته لاتجه ذلك ، وأمكن إبقاء صحته ، ولكنه واضح البطلان ، فإن الذي يقتضيه عقد المعاوضة بدلية أحدهما عن الآخر بدلية مطلقة ، فمع خروج المعوض عن قابلية البدلية لتلفه أو ما هو بمنزلته لا بد من خروج العوض عن مالك المعوض ، ودخوله في ملك مالكه الأصلي لاقتضاء المعاوضة ذلك.

هذا ، إذا كان عدم إمكان تسليم ما انتقل منه الى من انتقل اليه لتلفه أو ما هو بمنزلته بأن كان التلف بلا اختيار من الضامن. وأما إذا كان باختيار منه بإتلافه أو ما بحكمه من إذهاب ماليته فإنه لا موجب للانفساخ بذلك والضمان المعاوضي الذي يقتضيه عقد المعاوضة لا يوجبه بل يختص بالتلف ونحوه ، فان اللزوم المستفاد من آية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ليس مفاده محض تكليف المتعاقدين بلزوم تسليم ما وقع العقد عليه لمالكه بالعقد وحرمة إتلافه عليه ، بل مفاد ذلك نفوذ العقد عليهما وسلب سلطنة كل منهما على حله وإبطاله ، بمعنى عدم تأثير ما يختاره من إنشاء فسخ العقد

١٧٣

__________________

أو إتلاف متعلقة في إبطال العقد وانفساخه.

وعليه ، فيلزم كلا منهما عند إتلاف متعلقة دفع مثله أو قيمته لطرفه وأخذ العوض منه.

نعم ، لا يبعد ثبوت الخيار للطرف بين فسخ المعاوضة واعادة العوض الى ملكه ، وبين إمضائها وقبول البدل الواقعي من المثل أو القيمة ، فإنه إنما التزم بكون ما يملكه عوضا عن نفس العين التي أتلفها البائع ، ولم يكن التزامه بكونه عوضا للأعم من العين ومن بدلها الواقعي.

والحاصل : إن ما اختاره سيدنا : من الفرق بين كون الضمان المعاوضي المقتضي للانفساخ بتلف أحد العوضين قبل القبض مستفادا من النص على خلاف القاعدة ، وبين كونه على القاعدة ، وأنه على الأول خاص بالتلف وما هو بمنزلته بخلافه ـ على الثاني ـ أعني كونه على القاعدة ، فيعم الإتلاف غير واضح بل الأقوى عدم الفرق بين كونه مستفادا من النص وبين كونه على القاعدة في كونه خاصا بالتلف وما هو بمنزلته ولا يشمل صورة الإتلاف.

وعليه ، فالاتلاف : ـ تارة ـ يكون ممن انتقل المال منه ، واخرى ـ يكون ممن انتقل اليه ، وثالثة ـ يكون من الأجنبي.

ففي الصورة الأولى ، ذكرنا أنه مضمون على الناقل بالبدل الواقعي مع عدم استبعاد ثبوت الخيار للمضمون له بين فسخ المعاوضة وإعادة العوض الى ملكه وبين إمضائها ، وقبول البدل الواقعي من المتلف.

وفي الصورة الثانية ، يكون الإتلاف من المنقول اليه بمنزلة قبضه ما لم يكن مغرورا ، وأما مع الغرور كما إذا دعاه الناقل الى طعام وقدم اليه الطعام المنقول اليه ـ ولم يعلمه بأنه الذي اشتراه منه فأكله بانيا على

١٧٤

__________________

أنه ملك لمن دعاه بذل له تبرعا فالظاهر عدم كون إتلافه باكله بمنزلة قبضه ما اشتراه منه ، بل يضمنه له البائع الغار.

وان استضعفه شيخنا في (الجواهر) حيث قال في شرح قول المصنف (وإذا تلف المبيع قبل تسليمه الى المشتري كان من مال البائع) : «والظاهر أن إتلاف المشتري بمنزلة القبض سواء كان عالما أو جاهلا للأصل السالم عن معارضة الخبر المنساق منه غير الفرض بقرينة ظهوره في إرادة الإرفاق بالمشتري ، واحتمل الشافعي عدم كونه بمنزلة القبض في الأول ، فضلا عن الثاني ، بل في (التذكرة) : هذا إذا كان المشتري عالما أما إذا كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله فالأقرب انه ليس قبضا وأنه كإتلاف البائع وهو كما ترى» انتهى.

ولكنه في كتاب الغصب قال ـ قدس سره ـ ولو غصب مأكولا ـ مثلا ـ فأطعمه المالك بان قال له : هذا ملكي وطعامي ، أو قدمه إليه ضيافة أو نحو ذلك مما يتحقق به الغرور منه ، ذو شاة فاستدعاه وذبحها مع جهل المالك ضمن الغاصب بلا خلاف ولا اشكال ، وان كان المالك المباشر للإتلاف ، ولتسلم المال الا أنه ليس تسليما تاما يتصرف به المالك تصرف الملاك في أملاكهم على انه مال له» انتهى.

هذا ولم يتضح وجه الفرق بين البابين وتضعيفه ما قربه العلامة ـ قدس سره ـ في التذكرة ـ : من عدم كون تقديم الطعام المبيع إلى المشتري المأكول له في ظرف جهله وغروره بكونه الذي اشتراه من البائع قبضا له وانه بمنزلة إتلاف البائع ، مع التزامه ـ قدس سره ـ بنظيره في غصب الطعام وأنه ليس تسليما تاما للمغصوب من حيث أن تصرف المالك باكله في ظرف جهله بكونه المغصوب منه لم يكن بما هو مال له بل بما هو

١٧٥

لوجوب إلغاء أحد السببين المتضادين في الأثر عند اجتماعهما عن السببية ، فإن التلف أثره انفساخ العقد وحله الموجب لضمانه بالمسمى ، والإتلاف أثره الضمان بالمثل أو القيمة ، وهو مبني على بقاء العقد ولزومه فأما أن لا يكون التلف المسبب عن الإتلاف سببا للضمان بالمسمى أو لا يكون الإتلاف المسبب بالكسر للتلف سببا للضمان بالمثل والقيمة.

والتعليل له ـ أيضا ـ بعد انصراف الدليل الى التلف بنفسه بتعذر التسليم الموجب للخيار بين الفسخ فيرجع عليه بالمسمى ، والقبول فيرجع ببدله الواقعي.

عليل لأن التعذر المسبب عن التلف لم يثبت سببيته للخيار ، وان قلنا به في بيع الضال ونحوه. وخبر الضرار يدفعه ما وضعه الشارع من الضمان بالبدل الواقعي لمن أتلف مال غيره.

ويجري ما ذكرنا ـ هنا ـ من الأقوال الثلاثة ومستندها حرفا بحرف

__________________

للغاصب ، قدمه اليه تبرعا وضيافة فلم لم يلتزم في باب البيع بما التزم به في الغصب مع كون الملاك واحدا ، فكما لم يكن أكل المالك لطعامه المغصوب في ظرف جهله أداء له ، فينبغي ان يكون كذلك في قبض المبيع فإن الأداء والقبض مرجعهما الى وصول المال الى مالكه لا بما هو هو بل بما هو مال له.

وعلى كل فالأظهر فيما نحن فيه تخيير المشتري بين فسخ المعاوضة واسترجاع عوضه وذهاب المبيع من مال البائع ، وبين إمضائها وتغريم البائع بالمثل أو القيمة.

وفي الصورة الثالثة يتخير المنقول اليه بين فسخ المعاوضة والرجوع بالعوض على الناقل فيرجع الناقل ببدل العين الواقعي على من أتلفها وبين إمضائها والرجوع على المتلف بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.

١٧٦

فيما لو كان الإتلاف من الأجنبي ، غير أن وجه القول بالتخيير فيه أقوى بل نسب القول به فيه الى الأشهر ـ بل المشهور ، بل في (الجواهر): ظاهرهم الاتفاق عليه (١) وهو ممنوع جدا.

الأمر الخامس لو حصل للمبيع قبل التلف نماء ، فهو عند غير الشيخ للمشتري ، لأنه نماء ملكه بعد أن كان الأصل منتقلا اليه بالعقد والانفساخ إنما هو من حين التلف ، وقاعدة تبعية النماء للأصل في الملك تقضي بذلك ، بل أرسل أكثر من تعرض للفرع هنا ذلك إرسال المسلمات إلا أن الشيخ في (المبسوط) حكم بأن نماء المبيع المردود بخيار العيب قبل القبض للبائع ، مستدلا عليه بحديث «الخراج بالضمان» مفسرا للخراج بالفائدة ، والضمان بمن يكون المال يتلف من ملكه ، والأصل قبل القبض في ضمان البائع ، فالخراج له (٢).

وكلامه ـ وان اختص بالذكر بالمبيع المردود بالخيار ـ إلا أن التعليل بالخبر يعم المقام.

قلت : المراد بالضمان في الحديث ضمان تكفل ، لا ضمان غرامة ، فالمبيع يدخل في ضمان المشترى بالعقد بالمعنى الأول ، وهو الى القبض في ضمان البائع بالمعنى الثاني. ولا منافاة بين الضمانين.

وتنقيح المسألة : هو ان الملكية ربط بين المالك والمملوك ربط إضافة ونسبة ، فكل منهما مربوط بالآخر ، غير أن أثر الربط في المالك سلطنته على المملوك ، فله أنحاء التصرف فيه ، وهو غنمه منه وفي المملوك : دخوله في عهدة المالك ، فعليه غرمه من حيث حفظه وإصلاحه ، بحيث لو كان

__________________

(١) راجع : متاجر الجواهر ، كتاب البيع ، الفرع الرابع. في شرح قول المحقق : إذا تلف المبيع قبل تسليمه الى المشتري كان من مال البائع.

(٢) راجع : كتاب البيوع ، من المبسوط فصل في أن الخراج بالضمان.

١٧٧

حيوانا لكان عليه نفقته ، لأن (من له الغنم فعليه الغرم).

ويشهد لما ذكرنا ـ من تفسير ضمان المال بتكفله من كلام أهل اللغة ـ ما قاله محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري الإفريقي في كتابه المسمى بـ (لسان العرب) : «الضمين الكفيل ، ضمن الشي‌ء ، وبه ضمنا وضمانا كفل به ، وضمنه إياه كفله» إلى أن قال في كلام لأبي عبيد في تفسير حديث (الضامنة من النخل) ـ : «ما تضمنتها أمصارهم ، وكان داخلا في العمارة ، وأطاف به سور المدينة ، قال أبو منصور : سميت ضامنة ، لأن أربابها قد ضمنوا عمارتها وحفظها ، فهي ذات ضمان ، كما قال الله عز وجل (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي : ذات رضي ، والضامنة : فاعلة بمعنى : مفعولة وفي الحديث : (الامام ضامن ، والمؤذن مؤتمن) أراد بالضمان ـ هنا ـ : الحفظ والرعاية ، لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم ..» انتهى (١).

فاذا كان ضمان المبيع بهذا المعنى على المشتري ، كان خراجه له لأن الخراج بالضمان ، فيكون الخبر موافقا لقاعدة تبعية النماء للأصل في الملك ، بل هو من أدلتها ، ولا ينافي ما ذكرنا خروجه عن ملك المشتري بالانفساخ عند التلف وكونه من البائع تقديرا فافهم (٢).

__________________

(١) راجع : ذلك باقتضاب في (مادة ضمن) من الكتاب.

(٢) توضيح ذلك : أن المراد بالخراج في الحديث : الفائدة وما يتحصل من الشي‌ء كنمائه ومنفعته ، وبالضمان : معناه المصدري ، وهو جعل الضامن ما ضمنه بعهدته بالتزام عوض للمضمون له بإزائه وتعهده به ، وباء الجر الداخلة على لفظ الضمان للعوضية والسببية فمفاد الحديث الشريف : أن خراج المضمون وفائدته للضامن بدلا عن ضمانه المعاوضي أو بسببه.

ثم انه لا كلام في أن خراج المبيع الحاصل بعد قبض المشتري له ملك

١٧٨

الأمر السادس صرحوا بأن النماء المتجدد قبل التلف بيد البائع أمانة لم يضمنه بغير تعد وتفريط ، وهو كذلك ، لأن الضمان باليد ما كان مسبوقا بملك الغير ، لا ما كان سابقا على حدوثه ، كما هو صريح جعل الأخذ صلة للموصول في حديث «على اليد» فاليد عند حدوث الملكية

__________________

للمشتري ، كما أنه لا إشكال في أن الخراج الحاصل بعد فسخ المعاوضة ورجوع المبيع الى ملك البائع ملك له ، إنما الكلام فيما حصل من الخراج ما بين العقد وبين قبض المشترى المبيع أو فسخه العقد بالخيار قبله ، فهل هو ملك للمشتري باعتبار تعهده بالمبيع بجعل عوض للبائع بإزائه والتزامه بتبعاته كنفقته لو كان حيوانا وجناياته فيما لو كان عبدا ، وكون الغرض المهم من إقدامه المعاوضي كون الخراج له ، فمناسبة الحكم للموضوع تقتضي كونه المالك له ، أو أن الخراج للبائع باعتبار أن الأصل قبل القبض في ضمان البائع وكون تلفه من ملكه فخراجه له.

هذا ولكن الظاهر انه لا ينبغي الإشكال في كون المشتري هو المالك للخراج قبل القبض لكون ضمانه المبيع للبائع بعوضه المسمى المقتضى لملكية خراجه ، انما هو بأصل المعاوضة والعقد الواقع بينهما ، وأما ضمان البائع المبيع للمشتري بعوضه المنتقل منه اليه بالعقد الثابت بالتعبد أو للشرط الضمني في العقد فإنما هو فرع وتبع للضمان الحاصل بأصل العقد.

وبالجملة فإن فعلية ضمان المشتري المبيع للبائع بعوضه المسمى المقتضى لملكية خراجه إنما هو بنفس العقد المعاوضي بينهما ، وفعلية ضمان البائع المبيع للمشتري بالمسمى المنتقل منه اليه بالعقد انما هو بانفساخ العقد بتلف المبيع قبل القبض ، وغاية ما يقتضيه الانفساخ عود كل من العوضين الى مالكه السابق على العقد. وأما ملكية البائع خراج المبيع الحاصل قبل تحقق الانفساخ وبطلان ملكية المشترى له المستفادة من قاعدة كون الخراج بالضمان فهو بلا موجب. اللهم إلا أن يقال : إن انفساخ المعاوضة بطلانها من أصلها ، ولكنه خلاف التحقيق ، فتأمل جيدا.

١٧٩

يد أمانة لا يخرج منها الى الضمان إلا بتعد ونحوه.

ومنه يعلم : أن الضمان ـ هنا ـ من ضمان المعاوضة لا من ضمان اليد.

توضيح ذلك : أن المبيع مع قطع النظر عن كونه مضمونا باقتضاء العقد على المختار ، أو بحديث «كل مبيع تلف ..» إلخ على القول الآخر فمقتضى القاعدة أن يكون أمانة عند حدوث الملكية لخروجه عن مصب حديث «على اليد» لما عرفت. ولا يخرج عنها إلا بتبدل عنوان اليد بأحد أسباب الضمان ، ولا دليل سواه يقضى بكون الأصل في اليد : الضمان مطلقا ـ غير أن ضمانه بالمسمى ثابت : أما باقتضاء العقد ، أو بحديث «كل مبيع ..» وأما نماؤه ، فلما لم يكن من المبيع ، لم يتعلق به ما يوجب الضمان من اقتضاء العقد ، أو الحديث ، والمفروض عدم شمول دليل اليد له ، حتى يكون مضمونا عليه باليد بعد فرض تبعيته للأصل فيما تقتضيه القاعدة الأولية ، لا جرم كان بيد البائع أمانة لم يضمنه بغير تعد وتفريط.

الأمر السابع يلحق بالتلف الظاهر في الهلكة ، ما كان بحكمه مما يوجب تعذر التسليم كالسرقة والضياع والغصب المتعذر استخلاصه من الغاصب على المختار ، لوجود المناط الموجب لحل العقد وانفساخه من عدم تمامية مقتضاه. وفي لحوقه به على القول بمخالفته الأصل ـ للنص على السرقة في خبر عقبة بن خالد ، المحمولة فيه على المثال أو عدمه ، لضعف الخبر وعدم معلومية الجابر له في هذا الخصوص ، أو يفصل بين السرقة ، كما في الخبر ونحوها ـ مما لا يمكن الرجوع على من فعله ، لمجهوليته ـ وبين الغصب مما كان معلوما يمكن الرجوع به بالغرامة ، فيلحق الأول بالتلف في حكمه المخالف للقاعدة ويرجع في الثاني الى ما تقتضيه القواعد ـ وجوه

١٨٠