بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

وحلوان (١)) ـ عرضا ـ ثم ضرب على كل جريب نخل ثمانية دراهم ، والرطبة : ستة ، والشجر : كذلك ، والحنطة : أربعة ، والشعير : درهمين وكتب إلى عمر فأمضاه.

وروي : أن ارتفاعها كان في عهد عمر مأة وستين ألف ألف درهم فلما ولي عمر بن عبد العزيز ، رجع إلى ثلاثين ألف ألف في أول سنة ، وفي الثانية بلغ ستين ألف ألف ، فقال : ان عشت سنة أخرى لرددتها إلى ما كان في أيام عمر ، فمات في تلك السنة.

وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام. ثم لما أفضى الأمر إليه أمضى ذلك لأنه لا يمكنه أن يخالف ويحكم بما عنده.

والذي يقتضيه المذهب : أن هذه الأرضين وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة يكون خمسها لأهل الخمس ، وأربعة أخماسها تكون للمسلمين ـ قاطبة ـ : الغانمون وغير الغانمين في ذلك سواء ، ويكون للإمام (ع) التصرف فيها ، وتقبيلها وتضمينها بما شاء» ـ هذه عبارته بحروفها.

__________________

(١) القادسية : بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا وبينها وبين العذيب أربعة أميال. وبهذا الموضع كان يوم القادسية بين سعد بن أبي وقاص والمسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب في سنة ١٦ من الهجرة. وحلوان ـ بالضم ثم السكون هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد .. وكانت مدينة كبيرة عامرة قال أبو زيد : أما حلوان فإنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسر من رأى أكبر منها .. وأما فتحها ، فان المسلمين لما فرغوا من جلولاء ضم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عمه سعد قد سيره على مقدمته إلى جرير بن عبد الله في خيل ورتبه بجلولاء ، فنهض إلى حلوان فهرب يزد جرد إلى أصبهان ، وفتح جرير حلوان صلحا .. وذلك سنة ١٩ من الهجرة (معجم البلدان للحموي باقتضاب).

٢٦١

وقال في (المنتهى) ـ وهذه عبارته ـ : «أرض السواد هي الأرض المفتوحة من الفرس التي فتحها عمر بن الخطاب ، وهي سواد العراق وحده في العرض : من منقطع الجبال (بحلوان) إلى طرف (القادسية) المتصل بـ (العذيب) من أرض العرب. ومن تخوم (الموصل) طولا إلى ساحل البحر ببلاد (عبادان) من شرقي دجلة. وأما الغربي الذي تليه البصرة ، فإنما هو إسلامي مثل شط عمر بن أبي العاص ـ إلى أن قال ـ وهذه الأرض فتحت عنوة فتحها عمر بن الخطاب ، ثم بعث إليها بعد فتحها ثلاثة أنفس : عمار بن ياسر على صلاتهم أميرا ، وابن مسعود قاضيا ، وواليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض. وفرض لهم في كل يوم شاة ، شطرها مع السواقط لعمار ، وشطرها للأخيرين ، وقال : ما أرى قرية تؤخذ منها كل يوم شاة إلا سرع في خرابها. ومسح عثمان ارض الخراج ، واختلفوا في مبلغها : فقال الساجي : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب ، وقال أبو عبيدة : ستة وثلاثون ألف ألف جريب ، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكرم ثمانية دراهم ، وعلى جريب الشجر والرطبة سبعة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم ، وعلى الشعير : درهمين. ثم كتب بذلك إلى عمر فأمضاه. وروى : أن ارتفاعها كان في عهد (عمر) مأة وستين ألف ألف درهم ، فلما كان في زمن الحجاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ..» ثم ساق باقي كلام الشيخ السابق بحروفه ما زاد فيه ولا نقص.

وكذا صنع نحوه في (التذكرة) ـ في باب الجهاد ، وأعاد القول بفتح السواد عنوة في باب إحياء الموات. ومثل ذلك صنع في كتاب الجهاد من (التحرير).

ولم يحضرني في وقت كتابتي (هذه الرسالة) : هذا الموضع من (كتاب السرائر) لابن إدريس لأحكي ما فيه. لكن ـ في باب أحكام

٢٦٢

الأرضين من كتاب الزكاة ـ ذكر : أن أرض العراق مفتوحة عنوة ، وذكر من أحكامها قريبا من كلام الأصحاب الذي حكيناه.

وروى الشيخ بإسناده عن مصعب بن يزيد الأنصاري ـ وأورده ابن إدريس ـ رحمه الله ـ في السرائر ، والعلامة في المنتهى ـ : «قال استعملني أمير المؤمنين علي (ع) أربعة رساتيق (١) : المدائن (والبهقباذات) (٢) ونهر سير ، ونهر جوير ، ونهر الملك (٣) ، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا ، وعلى كل جريب وسط : درهما ، وعلى كل جريب زرع رقيق : ثلثي درهم ، وعلى كل جريب كرم : عشرة دراهم. وأمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى : لمارة الطريق وابن السبيل ، ولا آخذ منه شيئا. وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختمون بالذهب : على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم والتجار منهم على كل رجل أربعة

__________________

(١) جمع (رستاق) هو (الرزداق) ـ بالضم ـ : السواد والقرى والسطر من النخل (القاموس).

(٢) البهقباذات ثلاثة : أ ـ الأعلى ، ويشمل بابل والفلوجة العليا والسفلى وبهن أردشين وإيزقبار وعين التمر ، ب ـ الأوسط ، ويشمل نهر البدأة وسوداء وبربيسما وباروسما ونهر الملك. ج ـ الأسفل ، ويشمل خمسة طساسيج ، كانت على الفرات الأسفل حيث يدخل البطائح.

(٣) نهر سير : من طساسيح كورة أستان أردشير بابكان وهي على امتداد نهر كونى والنيل. ونهر جوير هي أيضا من طساسيج كورة أستان أردشير بابكان : ونهر الملك : هو أحد الأنهر التي كانت تحمل من الفرات إلى دجلة ، وأوله عند قرية الفلوجة ، ومصبه في دجلة أسفل من المدائن بثلاثة فراسخ. (باقتضاب عن معجم البلدان للحموي).

٢٦٣

وعشرين درهما ، وعلى سفلتهم وفقرائهم : اثني عشر درهما على كل إنسان منهم. قال : وجبيتها (١) ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة».

قال الشيخ : توظيف الجزية في هذا الخبر لا ينافي ما ذكرناه : من أن ذلك منوط بما يراه الامام من المصلحة ، فلا يمنع أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام رأى المصلحة في ذلك الوقت وضع هذا المقدار ، وإذا تغيرت المصلحة إلى زيادة ونقصان غيّره ، وانما يكون منافيا لو وضع ذلك عليهم ونفى الزيادة عليه والنقصان في جميع الأحوال. وليس ذلك في الخبر (٢).

قلت : ومثله القول في الخراج منوط بالمصلحة وعرف الزمان ـ كما يأتي ـ ان شاء الله. وهذا التقدير ليس على سبيل التوظيف ، بل بحسب مصلحة الوقت.

واعلم أن الذي أوردته من لفظ الحديث : هو ما أورده الشيخ ـ رحمه الله ـ في (التهذيب) ، لكن ، وجدت نسخة مختلفة العبارة في إيراد (الرساتيق) المذكورة ، فهي في بعضها : (نهرسربا) بالباء الموحدة والسين المهملة المكسورة ، و (نهر جوير) بالنون والجيم المفتوحة والياء المثناة من تحت بعد الواو المكسورة. وفي بعضها : (جوبر) بالجيم والباء الموحدة بعد الواو المكسورة.

وقال ابن إدريس ـ بعد أن أورد الحديث في (السرائر) بعطف (البهقباذات) على (المدائن) بالواو : «نهرسربا ـ بالباء المنقطة تحتها نقطة واحدة ، والسين غير المعجم ، هي المدائن. والدليل على ذلك : أن الراوي قال : استعملني على أربعة رساتيق ثم عد خمسة ، وذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة : نهرسربا ، فعطف على اللفظ دون المعنى»

__________________

(١) هذا نقل مضمون كلام الشيخ في (التهذيب ، كتاب الزكاة ، ٣٤ باب الخراج وعمارة الأرضين) بعد ذكره للحديث المذكور.

(٢) في بعض النسخ الخطية والمطبوعة : (وحسبناها).

٢٦٤

ثم شرع في بيان جواز مثل هذا العطف ـ إلى أن قال ـ : «فأما البهقباذات فهي ثلاث : البهقباذ الأعلى ، وهو ستة طساسيج» ثم ذكر أسماءها والبهقباذ الأوسط أربعة طساسيج ـ ثم ذكر أسماءها ، والبهقباذ الأسفل خمسة طساسيج ـ وصنع مثل ذلك. والذي وجدته في نسخ (التهذيب) : (المدائن البهقباذات) بغير واو (١) كما وجدت في نسخة (التهذيب) ..

ثم ذكر كلاما لا حاجة لنا في نقله ـ ثم قال ـ : وأما أرض الشام ، فقد ذكر كونها مفتوحة عنوة بعض الأصحاب ، وممن ذكر ذلك العلامة في ـ كتاب احياء الموات من التذكرة ـ ولكن لم يذكر حدودها. وأما البواقي ، فقد ذكر حكمها قطب الدين الراوندي في (شرح نهاية الشيخ) ، وأسنده إلى (المبسوط) ، وهذه عبارته : والظاهر على ما في المبسوط ـ أن الأرضين التي هي من أقصى خراسان إلى كرمان وخوزستان وهمدان وقزوين وما حواليها أخذت بالسيف.

هذا ما وجدته ـ فيما حضرني من كتب الأصحاب ، والله أعلم بالصواب ـ» (٢) انتهى موضع الحاجة من نقل كلامه ، رفع في الخلد مقامه.

هذا تمام الكلام في عامرة المفتوحة عنوة.

وأما مواتها : فهي للإمام عليه السلام على المشهور شهرة عظيمة ، بل الإجماع عليه مستفيض النقل. مضافا ـ إلى المعتبرة المستفيضة الدالة

__________________

(١) وكذلك وجدنا النسخة المصححة المطبوعة في النجف الأشرف سنة ١٣٧٩ ه‍.

(٢) إلى هنا ينتهي نقل ما في رسالة المحقق الكركي بنصها المدرج في المقدمة الرابعة منها.

٢٦٥

على أن موات الأرض من الأنفال للإمام (١) وعمومها الشامل لموات (العنوة) وغيرها. وان كان معارضا بالعموم من وجه ، لعموم أخبار حكم (المفتوحة عنوة) من كونها للمسلمين عامرة كانت أو مواتا ـ إلا أنه مرجح على عموم أخبار (العنوة) بالشهرة العظيمة والإجماعات المستفيضة.

ثم إن مقتضى كون الموات ـ مطلقا ـ من الأنفال للإمام عليه السلام يشكل الحكم بكون المحياة عند الفتح على إطلاقه للمسلمين ، لأن ما كان منها محياة بعد شرع الأنفال إلى وقوع الفتح كان إحياء لملك الامام (ع) ـ حينئذ ـ بغير إذنه وغاصبا في تصرفه ، والمغصوب من الغنائم مردود إلى صاحبه.

فلا بد في التخلص عنه من ارتكاب أحد المحاذير الثلاثة : إما بتخصيص العام المحكوم بكونه للمسلمين بما كان عامرا قبل شرع الأنفال ـ كما اختاره شيخنا في الجواهر ، في الأنفال من كتاب الخمس (٢) ـ ونفي عنه البعد

__________________

(١) الروايات الدالة على ذلك كثيرة ، يستعرضها الحر العاملي في وسائله كتاب الخمس أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ، من ذلك : رواية حماد بن عيسى عن العبد الصالح (ع) ـ في حديث طويل ـ : وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأصول ـ إلى أن قال ـ : وله بعد الخمس الأنفال ، والأنفال كل خربة باد أهلها ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .. وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام وكل أرض ميتة لا رب لها ..». ويأتي من سيدنا المصنف استعراض تلك الروايات بعنوان المقالة الرابعة في أرض الأنفال.

(٢) قال ـ فيما يلحق بذلك من المقصد الأول في الأنفال ـ : «. وإطلاق الأصحاب والأخبار ملكية عامر الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين يراد به ما أحياه الكفار من الموات قبل أن جعل الأنفال لنبيه (ص) وإلا فهو له أيضا وان كان معمورا وقت الفتح ..».

٢٦٦

بعد أن احتمله الفاضل الجواد في (شرح اللمعتين) ، أو بكون الأحياء ـ مطلقا ـ من الأسباب المملكة لها إلى المحيي ، أو بتخصيص ما دل على كون المغصوب مردودا بغير المغصوب من الامام.

والكل كما ترى ، لا يمكن الالتزام بواحد منه.

أما الأول ، فلعدم الاشعار به في شي‌ء من الأخبار ، وكلمات الأصحاب ، المشحونة كتبهم بجعل الميزان عندهم في كونه للمسلمين المحياة عند الفتح وعدمه ، لا قبل شرع الأنفال وبعده. ولم نعثر على من تفوه بذلك عند ذكر أحكام (المفتوحة). بل اعترف بذلك شيخنا في (الجواهر) في كتاب إحياء الموات (١). مع أنه يشكل فيما كان مشكوكا عمارته بعد شرع الأنفال أو قبله ـ الحكم بكونه للمسلمين ، لعدم ثبوت العمارة قبله. سيما مع أصالة تأخر الحادث. فلا يثبت بها الموات عند شرع الأنفال ، حتى يحكم به للإمام ، لأنها من الأصول المثبتة. فلا يثبت بالأصل كل من العنوانين الوجوديين : المحياة قبل شرع الأنفال ، والموات عنده. بل الأصل يقتضي عدم الأول ، ولا يثبت به الثاني.

وأما الثاني ، فلأن سببية الإحياء لتملك المحيي مشروطة ـ نصا وإجماعا ـ بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ المفقود في المقام.

ودعوى كفاية الإذن العمومي المحقق بعمومات أخبار الإحياء.

فيها ـ أولا منع شمولها للكفار ، لتقييد بعضها بالمسلمين ، كصحيحة الكابلي : عن الباقر (ع) : «قال : وجدنا في كتاب علي (ع) : أن

__________________

(١) قال ـ في أوائل الكتاب مع درج كلام المحقق ـ : «وكيف كان فلا خلاف أجده في أن عامر الأرض المفتوحة عنوة وقهرا وقت الفتح للمسلمين قاطبة ـ إلى قوله ـ : وما كان منها مواتا وقت الفتح فهو للإمام بلا خلاف أجده فيه ..».

٢٦٧

الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون والأرض كلها لنا. فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا ، فيقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ..» الحديث (١).

ولعل القيد ـ هنا ـ من القيود الاحترازية ، كالواقعة في الحدود ، وموارد إعطاء القاعدة ، فينزل عليها إطلاق الأخبار الواردة ـ مطلقا ـ في سببية الإحياء للملكية.

وثانيا ـ توقفه على اذن الامام في حال الحضور اتفاقي ـ كما ستعرف ـ ولولاه لم يبق مورد لاعتبار إذن الامام في سببية الإحياء ، إذ لم ينفك الاذن منه في زمن النبي (ص) المنقول عنه بعض تلك الأخبار.

وثالثا ـ لو تنزلنا وسلمنا ، فيكون المعيار ـ حينئذ ـ في الحياة والموات الموجبين لكونه للمسلمين أو للإمام : هو زمان صدور الاذن منه بالاحياء ، لا زمان الفتح ولا زمان نزول آية الأنفال. وهو ـ كما ترى ـ من سخيف الأقوال.

__________________

(١) راجع : الحدائق الناضرة للبحراني ج ١٢ ص ٤٣٥ كتاب الخمس طبع النجف الأشرف. وراجع التهذيب للشيخ الطوسي ، كتاب التجارات ١١ باب أحكام الأرضين. وسقط من تمام الحديث بين كلمة (وله ما أكل منها) وبين كلمة (حتى يظهر القائم) هذه الجملة : وان تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها. فليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل حتى ..

٢٦٨

وأما الثالث : فلأن المغصوب من مسلم أو مسالم مردود عليه ، فكيف بالمغصوب من امام المسلمين؟.

واحتمال العطية منه ـ عليه السلام ـ للمسلمين بعد رد المغصوب اليه فيكون تملكهم من الامام ـ عليه السلام ـ بالعطية لا من الكفار بالعنوة.

يدفعه ظهور أخبارهم في النصوص بكونها لهم بالأصل لا بالعطية منهم.

اللهم إلا أن يجاب عن الاشكال باليد بدعوى أن محياة الأرض عند الفتح مما هي تحت يد الكفار محكومة بالملكية لهم باليد التي لم يفرق في كونها إمارة عليها بين المسلم والكافر بعد إمكان الصحة بنحو من الوجوه التي منها إحياؤها قبل شرع الأنفال ، فإذا كانت عند الفتح محكومة لهم بالملكية كانت بالفتح للمسلمين ، وهو حسن ، غير أن مفاده حكم ظاهري لا يتمشى في مورد لو فرض العلم بحدوث عمارته بعد شرع الأنفال.

أو يجاب عنه بدعوى منع دخول الموات التي تحت يد الكفار المستولين عليها في الأنفال حتى يشكل الخروج عنه بإحياء الكفار لها بعد تقييد الموات التي للإمام بما لا رب لها ـ كما يأتي. ومقتضاه تنويع الموات عند شرع الأنفال واختصاص نوع منها ، وهو كل موات لا رب له ، بالإمام.

وفيه ـ مع أن الموات الأصلي لا تملك بمجرد الاستيلاء ، ووضع اليد عليها حتى لو كانت من المباحات إلا بالإحياء ـ كما يأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى ـ أنه لم يقم دليل في خصوص موات المفتوحة عنوة أنها منتقلة من الكفار الى الامام بالعنوة كالمحياة المنقولة منهم الى المسلمين بها ، بل الحكم بكونها للإمام ـ عليه السلام ـ مستفاد من العمومات الدالة على أن الموات له ـ بعد تقديمها على عمومات (المفتوحة عنوة)

٢٦٩

للمسلمين ، حيث كان التعارض بينهما بالعموم من وجه. ومقتضاه ـ بعد الترجيح ـ أن ما كان للكفار من الأراضي وليس إلا المعمورة منها منتقلة بالعنوة الى المسلمين.

وأما الموات ، فمن أصلها للإمام ، وإلا كانت الأرض المفتوحة بتسميها ـ محياتها ومماتها ـ للمسلمين بحكم عمومات أخبار العنوة. واحتجنا في إخراج الموات منها إلى دليل خاص بالنسبة إليها بالخصوص. ومنه يعلم أن المملوكة من الأراضي للكفار حينما كانت الموات من المباحات قبل شرع الأنفال إذا عرض لها الموت بعده واستمر مواتا الى وقت الفتح كانت للمسلمين أيضا كالمحياة منها ، وليست من الموات التي لا رب لها حتى تكون للإمام ، بل هي كذلك حتى لو ماتت قبل الأنفال بعد أن كانت مملوكة عند شرعه ، بناء على سببية الإحياء للتملك ـ مطلقا ـ واختصاص الموات للإمام بما لا رب لها ـ مطلقا ـ ولو كان كافرا ـ فتأمل.

ولا ينافي ذلك كلامهم المنزل على الغالب باختصاص المحياة عند الفتح بالمسلمين ـ فافهم.

وكيف كان ، فالموات للإمام ـ عليه السلام ـ لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه ـ عليه السلام ـ ويشترط في تملكها بالإحياء ـ الإذن منه ، إجماعا محكيا في ظاهر (التذكرة) و (التنقيح) وصريح (الخلاف) و (جامع المقاصد) بل في (المسالك) : دعوى الاتفاق على اعتباره حال الحضور (١) ـ مضافا الى الأصل وقاعدة حرمة التصرف

__________________

(١) في أخريات كتاب الخمس ـ في شرح قول المحقق : مسائل : ـ الأولى ـ لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه .. قال «.. أشار بذلك إلى الأنفال المذكورة ومنها ميراث من لا وارث له عندنا ، وظاهر العبارة تحريم التصرف في ذلك حالة حضوره وغيبته ..».

٢٧٠

في مال الغير بغير إذنه ، ومقتضاه المنع بدونه مطلقا ولو في زمان الغيبة.

نعم ، يشكل ذلك بما ورد من أخبار إحياء الموات الدالة بظاهرها على سببية الإحياء للتملك من دون توقف على شي‌ء ، وهي مروية عند الفريقين مسلمة عند الطائفتين.

فمن طريق الجمهور : ما عن سعيد بن زيد : أن النبي (ص) قال : «فمن أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق» (١). وما عن عائشة : «قال رسول الله (ص) : من أحيى أرضا ليست لأحد فهو أحق بها» (٢). وما عن سمرة : «أن رسول الله (ص) قال : من أحاط حائطا على أرض فهي له» (٣).

ومن طرق الخاصة : ما رواه بن محمد بن مسلم : «في الصحيح عن الباقر ـ عليه السلام ـ قال : أيما قوم أحيوا أرضا ميتة أو عمروها فهم أحق بها وهي لهم» (٤). وما عن السكوني : «عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله (ص) : من غرس شجرا أو حفر بئرا لم يسبقه أحد اليه أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من الله عز وجل ورسوله» (٥) وفي الحسن : «عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وفضيل وبكير وحمران وعبد الرحمن ابن أبي عبد الله عن الباقر والصادق عليهما السلام : «قال قال

__________________

(١) الجامع الصغير للسيوطي في مادة (من) ويذكر فقرته الأولى : المناوي في (كنوز الحقائق) في نفس المادة.

(٢) يذكره المناوي في (كنوز الحقائق) بمادة (من).

(٣) الجامع الصغير للسيوطي في مادة (من) بلفظ : من أعمر أرضا ..

(٤) تهذيب الشيخ الطوسي ، كتاب التجارات ، ١١ باب أحكام الأرضين حديث تسلسل (٦٧١ ـ ٢٠).

(٥) راجع نفس المصدر ، حديث تسلسل (٦٧٠ ـ ١٩).

٢٧١

رسول الله (ص) من أحيى أرضا مواتا فهي له» (١) الى غير ذلك.

وهذه الأخبار ـ كما تراها ـ ظاهرة في كون الأحياء سببا تاما في الملكية ، حتى أن بعض الأصحاب ـ بل لعل المشهور ـ لم يعتبر الاذن في الغيبة ، تمسكا بهذه العمومات.

وليت شعري ، إن استفيدت السببية التامة منها كان اللازم عدم اعتبار الاذن ـ مطلقا ـ حتى عند الحضور الذي هو زمن ورود هذه الأخبار ، وإلا فلا يسقط اعتباره بها في الغيبة.

فالقول بالتفصيل بين الزمانين ضعيف ، إلا أن يقال باشتراط الاذن في حال الحضور من جهة الإجماع المنقول في (الروضة) على اعتباره فيه بالخصوص. وعليه يحمل إطلاق معقد غيره من الإجماعات. وبه تخصص عمومات الأخبار.

هذا ، ويحتمل ـ قويا ـ أن يقال : مفاد هذه الاخبار هو الترخيص منهم بالإحياء ، فالإذن منهم حاصل بها مدلولا عليه بدلالة الاقتضاء إن لم نقل بالمطابقة أو التضمن ، فهو على حد قول مالك الدار : (من دخل داري فله كذا) المستفاد منه حصول الأذان بدخول الدار ، فلا ينافي اعتبار الإذن بالاحياء مطلقا في زمان الحضور والغيبة. غير أن الاذن منه حاصل بهذه العمومات. فالإذن من الامام معتبر ـ مطلقا ـ وهو حاصل منه كذلك.

وبذلك يجمع بين أخبار الأحياء ، وما دل على اعتبار الاذن : من إطلاقات معاقد الإجماعات ، وقاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

لكن يشكل ـ حينئذ ـ من جهة أخرى ، وهي أن الترخيص بالاحياء

__________________

(١) راجع : نفس المصدر ، حديث تسلسل (٦٧٣ ـ ٢٢).

٢٧٢

الموجب للملكية المفروض حصوله من النبي (ص) ، مستلزم لنقض الغرض من شرع الموات من الأنفال ، المقصود به التوسعة في مال النبي (ص) والامام ، ضرورة أن الأرض ما دامت ميتة لا ينتفع بها ، فإذا أحييت ملكها المحيى ، فمتى يكون ذلك توسعة في ماله (ع)؟ وهو مناف للغرض المقصود من تشريعه.

اللهم إلا أن يقال : إن الاذن الصادر من أحدهم ـ ولو بالعموم ـ بنحو «من أحيى أرضا» لا ينفذ على الامام الآخر ، غير الصادر منه ذلك. إذ ليس الاذن هنا وبيان الترخيص فيه من قبيل الأحكام الإلهية المعلوم في بيانها أنهم لسان واحد ، بل هو إذن مالكي في التصرف في ملكه فان انتقل الملك من أحدهم إلى آخر توقف التصرف فيه على إذن المنتقل اليه ورضاه.

نعم ، من أحيى في زمن الصادر منه الإذن بالاحياء بعد صدوره منه ، ملكها بالاحياء. واما قبله ، أو في زمان من لم يصدر منه ، فيحتاج إلى الاستيذان منه ـ عليه السلام. وحينئذ لا تنفع العمومات في زمان الغيبة ، وان استفيد الاذن منها ، إلا إذا ورد نحوها من الحجة ـ عجل الله فرجه.

وحينئذ ، فيبقى الإشكال في التملك به في زمن الغيبة. إلا أن يتشبث للشيعة بأخبار التحليل ، سيما بالنسبة إلى أراضيهم الواردة منهم في إباحتها لهم ـ أخبار كثيرة ، وغيرهم لا يملكونها بالاحياء ، لفقدان الشرط وهو الإذن بالنسبة إليهم ، وإن وجب علينا ترتيب أحكام الملكية الظاهرية لهم بالنسبة الى ما هي تحت أيديهم مما أحيوها كغيره مما استحلوه من أمواله ـ عجل الله فرجه.

مع إمكان أن يقال في الجمع بين أخبار الأحياء ، وما دل على توقف ،

٢٧٣

التصرف في مال الغير على الطيب والرضا ، وعموم سلطنة الناس على أموالهم ـ بعد أن كان التعارض بينهما بالعموم من وجه ـ بوجه آخر. وهو منع إفادة أخبار الإحياء التملك المجاني من دون أن يكون للإمام عليه السلام فيه حق ، فيكون للإمام عليه السلام فيه بحسب ما يقاطع المحيى عليها في زمان حضوره وبسط يده ، ومع عدمه فله أجرة المثل. ولا ينافي ذلك نسبة الملكية إلى المحيي في أخبار الأحياء. وان هي إلا جارية مجرى كلام الملاكين للفلاحين في العرف العام عند تحريضهم على تعمير الملك من عمرانها أو حفر أنهارها وكرى سواقيها ، فهي له ، الدالة على أحقيته من غيره وتقدمه على من سواه ، لا على نفي الملكية من نفسه وسلب المالكية عن شخصه. فالحصة الراجعة إلى الملاك المعبر عنها (بالملاكة) مستحقة له غير منفية عنه ، وان أضاف الملك إليهم عند الترخيص والاذن العمومي ، غير أن الشيعة محللون بالنسبة إلى ما يرجع إلى الامام مما يستحقه من أجرة المثل أو حصة (الملاكة) ويشهد لما ذكرنا من الأخبار : صحيحة الكابلي المتقدمة المتضمنة لتعلق الخراج والطسق للإمام عليه السلام في المحياة من أراضيهم ممتدا إلى ظهور القائم بالسيف (١).

وصحيحة عمر بن يزيد ، وفيها : «وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون ، كل ذلك حتى يقوم قائمنا ، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فان كسبهم من

__________________

(١) وهي مفصلة ، راجعها في : وسائل الحر العاملي ، الباب ٣ من (إحياء الموات) ، وفي الحدائق الناضرة كتاب الخمس ج ١٢ ص ٤٣٥ طبع النجف الأشرف وتقدم ذكرها في هذا الكتاب ص ٢٢٨.

٢٧٤

الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا ، فيأخذ الأرض من أيديهم (١).

ورواية يونس ـ أو المعلى ـ : «ما لكم في هذه الأرض؟ فتبسم ـ إلى أن قال ـ : فما سقت ـ أو استقت ـ فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا» (٢).

المقالة الثانية ـ في أرض الصلح.

ويعبر عنها بـ (أرض الجزية) وأرض الذمة. وهي كل أرض لهم فتحت صلحا : أما على أن الأرض لهم والجزية فيها عليهم. وإما على أنها للمسلمين ، والجزية في أعناقهم.

فهي ـ بهذا الاعتبار ـ تنقسم على قسمين :

قسم منها ـ وقوع الصلح معهم على أن أرضهم لهم والجزية فيها بحسب ما يصالحهم الإمام أو نائبه : من النصف أو الثلث أو غير ذلك وله الزيادة والنقيصة ، ولكن بعد انقضاء مدة الصلح ، لأنه من الصلح الجديد يتبع نظره فيه.

وهذه الأرض التي وقع الصلح مع أهلها كذلك ، ملك لأربابها يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم ، ليس عليهم منها شي‌ء سوى الضريبة المضروبة فيها بالصلح حتى الزكاة ، لأن مقتضاه إقرارهم على أديانهم ومعتقداتهم الذي منه عدم وجوب الزكاة عليهم.

والظاهر أن مواتها للإمام عليه السلام كموات (العنوة) إلا إذا اندرجت

__________________

(١) راجع : الحدائق الناضرة للبحراني ، كتاب الخمس ج ١٢ ص ٤٣٥ طبع النجف الأشرف ، ولقد مر ذكرها في هذا الكتاب ص ٢٢٦.

(٢) المقصود : يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس. والرواية مفصلة ، ذكرها البحراني في (الحدائق الناضرة كتاب الخمس ، ج ١٢ ص ٤٢٤) طبع النجف الأشرف.

٢٧٥

في الصلح ، فتكون لهم يملكونها بالاحياء. وحيث كانت الأرض مملوكة لهم ، جاز لملاكها بيعها وسائر النواقل فيها ، لعموم السلطنة. وحينئذ ، فلو باعها من غيره كان الخراج على البائع منتقلا من الأرض إلى ذمته على المشهور شهرة عظيمة. بل عن ظاهر (الغنية) : الإجماع عليه (١) بل كاد أن يكون مما لا خلاف فيه ، إلا ما يحكى عن الحلبي حيث أوجبه على المشتري لأنه حق على الأرض فيجب على من انتقلت اليه. وفيه منع تعلقه بها مطلقا ، ومن حيث هي ، بل متعلق بها من حيث كونها للكافر المطلوب منه الجزية المضروبة في نوع مخصوص من ماله ، فاذا انتقل منه انتفى التعلق ، وموضوعه الخاص.

نعم ، ربما يشهد له من الأخبار : صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : عن شراء أهل الذمة ، فقال : «لا بأس ، فيكون ذلك إذا كان ذلك بمنزلتهم» ونحوها : أخرى مضمرة «يؤدي كما يؤدون» (٢). وخبر ابن شريح المتقدم ـ وفيه : «سألت أبا عبد الله عليه السلام

__________________

(١) قال ابن زهرة في آخر كتاب الخمس من (الغنية) المطبوع ضمن مجموعة (جوامع الفقه) : «وأما أرض الصلح فهي أرض الجزية .. وتسمى الخراجية ، وقد بينا أن ذلك يختص بأهل الكتاب وهذه الأرض يصح التصرف فيها لأربابها .. وإذا بيعت الأرض لمسلم يسقط خراجها ، وانتقلت الجزية إلى رأس بائعها به ـ الى قوله ـ : ودليل ذلك كله الإجماع المتكرر وفيه الحجة».

(٢) الحديث الموجود في (تهذيب الشيخ الطوسي ، كتاب الخمس ، باب الأنفال ـ في الزيادات حديث (٤٠٨) هكذا : «وعنه عن علي عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم وعمر بن حنظلة عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : سألته عن ذلك فقال : لا بأس بشرائها ، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم يؤدى عنها كما يؤدي عنها» وتقدم ذكر الخبر في هذا الكتاب ص ٢٤١.

٢٧٦

عن شراء أهل الخراج ، فكرهه ، وقال : إنما أرض الخراج للمسلمين فقال : إنه يشتريها الرجل وعليه خراجها؟ قال : لا بأس إلا أن يستحي من عيب ذلك» (١) بناء على أن الوجه في الاستحياء المستثنى هو التشبه بهم في إعطاء الجزية ، فتكون قرينة على إرادة أرض الذمة من أرض الخراج المسؤول عنه في صدر الخبر.

إلا أنها مع كون الثانية مضمرة موهونة بإعراض الأصحاب عنها ـ غير مكافئة لدليل المشهور : من الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة ، بل بدعوى غير واحد عدم الخلاف فيه إلا منه.

فلتحمل على ما لا ينافي ذلك من المحامل التي منها ـ إرادة الأراضي الخراجية والترخيص في شراء آثارهم فيها ، ومنها ـ الحمل على ما لو شرط عليه ذلك ، بناء على شمول أدلة الشروط له ـ ومنها ـ إرادة الإشارة بقوله : «إذا كان ذلك في الأولى» الى ظهور الحجة ـ عجل الله فرجه ـ دون البيع والشراء ـ كما حكاه عن الوافي في مفتاح الكرامة.

وفيه ـ أيضا ـ احتمال إرادة الاستحياء من الجائر بمطالبة الخراج دون التشبه بهم في الجزية. وإن كان فيهما بعد.

وعلى كل حال ، فالحق ما عليه المشهور : من انتقال الخراج إلى ذمة البائع ـ مطلقا ـ وإن كان المشتري من أهل الذمة ، إذ لا يجب عليه دفع الجزية عن الغير وتحمل جزيتين ، وإن كان هو من أهل الجزية. وإن كان في بعض العبارات تقييد ذلك بالمسلم ، والاستدلال عليه بأنه جزية ، وهي منتفية عنه ، إلا أن نظرهم في مقابل الحلبي المطلق ، لكونه على المشتري ، لأنه حق على الأرض ، فيجب على من انتقلت اليه. هذا ، ومثله في الانتقال إلى ذمة البائع في البيع : الانتقال إلى ذمة

__________________

(١) راجع ص ٢١٢ من هذا الكتاب.

٢٧٧

المؤجر لو آجرها للغير ، فإن الأجرة له والخراج عليه من غير خلاف محقق إلا عن الحلبي فيه ـ أيضا ـ وهو على أصله : من أنه حق على الأرض ولو في منفعتها ، فيجب على من انتقلت اليه.

نعم في (الجواهر) حكى الخلاف فيه عن (التذكرة) و (التحرير) (١) وان كنا لم نتحققه ولعله لبعض نسخ الأول حيث فيها «ويجوز للمسلمين استيجارها منهم لأنها ملك له.

وتكون الأجرة والخراج عليه» (٢) انتهى مستشعرا من عطف الخراج على الأجرة المعلوم كونها على المستأجر.

وفيه : إن الظاهر سقوط لفظ (له) بعد (الأجرة) فيكون الخراج على من له الأجرة ، وهو الكافر المؤجر ـ كما في بعض النسخ المصححة.

ويؤيده : ما في (المنتهى) : «فاذا آجرها كانت الأجرة له والخراج عليه» ومثله في (التحرير) (٣) فلم يتبين منه القول بالتفصيل بين البيع

__________________

(١) قال ـ رحمه الله ـ في كتاب الجهاد ـ في شرح قول المحقق : وكل أرض فتحت صلحا فهي لأربابها .. «.. هذا كله أي بيع الأرض وغيره من تصرف الملاك لو صولحوا على أن الأرض لهم ، وفي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم ، إذ هو كالصريح في عدم تعلق حق للمسلمين فيها ، لا في العين ولا في المنفعة ، وحينئذ يتجه اشتغال ذمة البائع بعوض الصلح ، وأولى بذلك ما لو آجرها من في يده فإن الأجرة له وعوض الصلح عليه ، لكن في (التذكرة) و (التحرير) : أنه على المستأجر ، كما عن الحلي ..».

(٢) هذه الجملة بنصها في (التذكرة) المطبوعة في إيران ، راجع : كتاب الجهاد ، البحث الثالث في أحكام الأرضين ، مسألة ـ إذا نزل الامام على بلد فحاصره ..

(٣) وتمام الجملة في (منتهى العلامة) كتاب الجهاد ، البحث الثالث في أحكام الأرضين ، القسم الرابع أرض الأنفال ، مسألة إذا نزل الامام على بلد

٢٧٨

والإجارة. بل قد يقال بأولويتها منه على القول بكون الخراج على البائع.

ثم ليعلم : إن مصرف هذا الخراج مصرف منقول الغنيمة ـ على ما طفحت به عبارات الأصحاب ، لكونه مأخوذا منه بنوع من (العنوة) فيخرج منه الخمس ـ أولا ـ ثم يعطى الباقي للمجاهدين ولو كان مأخوذا بالأقساط والدفعات ، وفي زمن الغيبة للمتشبهين بهم من الجند والعسكر وحماة الثغور ، لأنهم ـ اليوم ـ في الحقيقة بمنزلة المجاهدين في مصافهم في قبال الكفار أو أقرب ما يكون إليهم ، ولا أرى وجها للدفع الى الفقراء مع وجودهم ـ كما يظهر من السرائر ـ حيث قال : «وكان المستحق للجزية على عهد الرسول (ص) المهاجرين دون غيرهم ـ على ما روي ـ وهي ـ اليوم ـ لمن قام مقامهم مع الإمام في نصرة الإسلام والذب عنه ولمن يراه الامام من الفقراء والمساكين من سائر المسلمين» (١).

ولعله للأصل : وفيه أنه ـ لو سلم ـ فمقطوع بما رواه الشيخ في الصحيح : (٢) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : سألت عن سيرة الإمام ـ عليه السلام ـ الى أن قال ـ : إن أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية إنما الجزية عطاء المهاجرين والصدقات لأهلها الذين سمى الله تعالى

__________________

فحاصره .. الى قوله : ويجوز للمسلم استيجارها منهم لأنها ملك له فجاز له ان يلزمها كما يجوز له أن يؤجر فرسه ، فاذا آجرها ..».

ومن (التحرير للعلامة) راجع : كتاب الجهاد أيضا ، الفصل الرابع في الغنيمة ، القسم الثالث في الأرضين (الرابع ـ أرض الأنفال إذا نزل الامام على بلد فحاصره .. يقول : «.. ويجوز للمسلم استيجارها منهم وتكون الأجرة له والخراج عليه ..».

(١) راجع : سرائر ابن إدريس الحلي ، آخر كتاب الزكاة ، باب الجزية وأحكامها.

(٢) تهذيب الشيخ ، كتاب الزكاة ـ ٣٣ ـ باب مستحق عطاء الجزية.

٢٧٩

في كتابه ليس لهم في الجزية شي‌ء» الحديث. ومثله : صحيحة ابن أبي يعفور (١) فان الذين سماهم في آية الزكاة منهم الفقراء ، وقد نص فيه على أنه ليس لهم في الجزية شي‌ء.

ولعله لذا قيده في (القواعد) بقوله : وما يؤخذ صلحا أو جزية فهو للمجاهدين ، ومع عدمهم لفقراء المسلمين» انتهى (٢) وهو حسن.

هذا بالنسبة إلى الجزية المأخوذة عوض الصلح عن دفع القتال عن أنفسهم.

وأما جزية المعاوضة ، وهي المأخوذة على وجه المعاوضة لدخول بلاد الإسلام حقنا لدمائهم وصيانة لأموالهم ، فالقاعدة فيها مساواة المجاهدين مع غيرهم ، ولا وجه لاختصاصهم بها. وإن روي العطاء لهم على عهد الرسول (ص) فهو حكاية فعل لم يعلم منه الخصوصية لو فرض العلم بكونه كان من القسم الثاني منها ، ومورد الصحيحة المتقدمة هو القسم الأول. ولعل اللام في الجزية ، للعهد الذكري دون الجنس ، فالجزية المأخوذة من القسم الثاني راجعة إلى بيت مال المسلمين مصروفة في مطلق مصالحهم غير مختصة بالعامة منها ، إن لم يقم ـ كما هو الظاهر ـ دليل خاص على اختصاصها بالمجاهدين.

__________________

(١) ففي تهذيب الشيخ آخر كتاب الخمس ٣٩ باب الزيادات حديث رقم (٣٨٠ ـ ٢) : «عنه (أي محمد بن يعقوب) عن عدة من أصحابنا عن سهل ابن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : إن أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية ، وإنما الجزية عطاء المهاجرين والصدقة لأهلها الذين سماهم الله في كتابه ، وليس لهم من الجزية شي‌ء ..».

(٢) راجع من قواعد العلامة : آخر كتاب الجهاد (خاتمة) ما يؤخذ من أموال المشركين ..

٢٨٠