بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

كلية قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده». كما لا يتم الاستدلال عليها بقاعدة الإقدام ـ كما عن بعض ـ منهم الشهيد الثاني في (المسالك) في باب الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل ، حيث علل الضمان بعد الأجل بأنه دخل القابض على الضمان ، ودفع المالك عليه وان أضاف إليه حديث «على اليد» (١) وكأنه تبع في التعليل بذلك الشيخ فيما حكي عن (مبسوطة) في مواضع ، حيث علل الضمان في موارد كثيرة من البيع والإجارة الفاسدين ، بدخوله على ان يكون المال مضمونا عليه بالمسمى فاذا لم يسلم له المسمى رجع الى المثل أو القيمة ، لأن الاقدام ـ مع أنه لا دليل على كونه موجبا للضمان ومن أسبابه ، وأن إقدام المتعاقدين عليه انما هو على تقدير الصحة لا مطلقا ـ فيه أن ما أقدما عليه بالعقد الفاسد من الضمان بالمسمى لم يثبت لهما وما هو ثابت من العوض بالمثل أو القيمة لم يقدما عليه. وبعبارة اخرى ـ إنما أقدما على الضمان الخاص ، لا مطلق الضمان ، ومع انتفاء الخصوصية لا يبقى المطلق حتى يتقوم بخصوصية أخرى ، وليست من قبيل الدالين والمدلولين بمعنى الإقدام على الضمان وكونه بالمسمى ، حتى لا ينافي انتفاء أحدهما بقاء الآخر.

هذا مضافا الى ما قيل من أن الاقدام أعم من الضمان من وجه ، فقد يكون الاقدام موجودا ولا ضمان كالتالف بعد البيع قبل القبض ، فإنه لا ضمان على المشتري ، مع تحقق الاقدام منه عليه ، وقد يتحقق الضمان بالعقد الفاسد مع عدم الاقدام عليه ، كالبيع بلا عوض ، والإجارة بلا

__________________

(١) قال ـ في كتاب الرهن ، شرح قول المحقق : ولو شرط : إن لم يؤد أن يكون الرهن مبيعا لم يصح. : «والسر في ذلك أنهما تراضيا على لوازم العقد فحيث كان مضمونا فقد دخل القابض على الضمان ودفع المالك عليه ، مضافا الى قوله (ص) : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

٨١

أجرة ، ومع ذلك كيف يكون الاقدام دليلا على الضمان.

اللهم إلا أن يجاب عن الأول بأن الإقدام إنما هو على كون المقبوض مضمونا عليه أو العقد المضمون بشرط القبض ـ كما تقدم ـ

وعن الثاني بأن البيع بلا عوض والإجارة بلا اجرة إن أريد التمليك البيعي أو الاجارتي منهما ، فلا نسلم الاقدام على عدم الضمان الا على تقدير حصول التمليك البيعي أو الاجارتي ، لا مطلقا ، وان أريد التمليك المجاني ـ وان عبر عنه بالبيع أو الإجارة من عقود المعاوضات ـ فلا نسلم الضمان حينئذ ، لسقوطه بالاقدام على عدمه ، فيدخل في عقود التمليكات المجانية التي لا ضمان في صحيحها وفاسدها ـ كما عرفت ـ ولعله يأتي لذلك مزيد توضيح ان شاء الله تعالى.

فظهر مما ذكرنا أن قاعدة الاقدام لا تصلح أن تكون دليلا ، ولا يبعد حمل كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ ومن تبعه مما ظاهره الاستدلال على الضمان عليه ، على إرادة عدم وجود المانع عن الضمان من الاقدام على المجانية ، لأنه دخل على أن يكون مضمونا عليه ، لا إثبات المقتضي للضمان بالاقدام فينحل كلامهم الى ثبوت الضمان لوجود المقتضي : من اليد ، والاحترام ، وعدم المانع من الاقدام على المجانية ، لأنه دخل على أن يكون مضمونا عليه ، وان كان يكفي في عدم المانع عدم الاقدام على المجانية ، لا الاقدام على عدمها ، إلا أنه لما كان في الواقع كذلك ، وكان أكد في بيان عدم المانع وقع التعبير به في كلامهم.

فالعمدة في الاستدلال على الكليتين ـ : الإيجابية والسلبية ـ : هو ما ذكرنا من الإجماع المستفيض وقاعدة الاحترام ، وبهما تتم كلية القاعدة طردا وعكسا.

ثم ها هنا نقوض وإشكالان :

٨٢

أما النقوض فمنها ـ النقض على الكلية السلبية باستعارة المحرم الصيد من المحل ، فإنهم حكموا بوجوب الإرسال مع غرامة القيمة للمالك ، فهي عارية فاسدة مضمونة ، مع أن صحيحها غير مضمون.

وفيه ـ مع أنه مبني على وجوب الإرسال ، والغرامة للمالك كما هو أحد القولين في المسألة ، والآخر ـ وجوب رده الى المالك والفداء لله تعالى ، تقديما لحق المالك وجمعا بين الحقين ، وعليه فلا يتم النقض.

مبني أيضا على الضمان مطلقا ، ولو بالتلف قبل الإرسال ، وهو في حيز المنع وحكمهم بالضمان هنا للإتلاف المنبعث عن وجوب الإرسال ، وهو من أسباب الضمان مطلقا في صحيح العارية وفاسدها ، فالكلام منهم مسوق لبيان حكم الإتلاف بالإرسال دون التلف ، دفعا لما لعله يتوهم من عدم الضمان مطلقا ، ولو بالإتلاف ، لأن المالك أقدم بهذه العارية الواجب على المستعير إتلافها على كونه تالفة عليه.

وبالجملة ، فالصواب أن يقال بعدم الضمان على المحرم مع التلف في يده لكونها عارية فاسدة ، وصحيحها غير مضمون ، ففاسدها كذلك والضمان مع الإتلاف بالإرسال لان صحيحها مضمون بالإتلاف ففاسدها مضمون به أيضا.

وربما يقال ـ بل قيل ـ في توجيه الضمان ـ مطلقا ـ بدعوى انتقال القيمة إلى ذمة المحرم بمجرد أخذه له من المحل ، وان كان عارية لوجوب الإتلاف عليه ، إما بخروجه عن ملك المالك بذلك ، فتكون القيمة حينئذ بدلا عن العين ، وان لم يملكها المحرم ، أو بدلا عن الحيلولة مع بقائها على المملوكية مطلقا ، أو الى الإرسال ، لأن الممتنع شرعا كالممتنع عادة وان جاز للمحل صيده بعد الإرسال ـ على التقديرين ـ وعليك باستخراج الثمرة بينهما ، أو بدعوى كونها مضمونة عليه مطلقا ، ولو بالتلف من دون

٨٣

انتقال القيمة بمعنى كونه في عهدته لكونه من الاقدام على الإتلاف ، والعرضة له ، فيكون القبض قبض ضمان مطلقا بالتلف أو بالإتلاف إلا أن ذلك كله على عهدة المدعي (١)

__________________

(١) ينبغي ذكر حكم الصيد الذي استعاره المحرم من المحل. ثم نعقبه ببيان صحة النقض وعدمه ، فنقول : ينسب الى المشهور : أن الصيد المذكور يخرج عن ملك مالكه باستعارته ويجب على المستعير إرساله ، فلو أرسله على الفور لا يلزمه الا قيمته للمالك ، ولو أبقاه عنده مقدارا فتلف وجب عليه القيمة لحق المالك والفداء لحق الخالق ، وأما رده الى المالك فسيأتي بيان حكمه.

أما خروجه عن الملك باستعارته ، فيمكن استفادته مما تسالم عليه الأصحاب ـ أو اشتهر بينهم ـ أن من أحرم ومعه صيد كان قد اصطاده أو ملكه قبل إحرامه فإنه يخرج عن ملكه ويلزمه إرساله فورا فان لم يفعل ومات يجب عليه الفداء.

واستدل لهم على ذلك بخبر عبد الأعلى ـ أو صحيحه ـ المسؤل فيه «عن رجل أصاب صيدا في الحل فمشى برباطه حتى دخل الحرم فاجتره بحبله حتى أخرجه من الحرم والرجل في الحل قال عليه السلام : ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة» فإن تحريم الثمن وجعله كالميتة ظاهران في عدم مملوكيته.

ثم ان خروج ما هو معه من الصيد عن ملكه بالإحرام ـ وان لم يلازم خروج ملك غيره من الصيد المستعار منه مع إحرام المستعير فيمكن بقاء ملكية الغير له وان وجب على المستعير إرساله فورا فان المسئلتين مختلفتان موضوعا ، فجاز اختلافهما حكما وان اتفقتا في وجوب الإرسال ـ الا انه يمكن ان يستكشف من الحكم بخروج الصيد عن ملكية الإنسان بإحرامه ـ وهو تحت يده ـ أن وجوب الإرسال ليس لمحض التكليف بل لخروج الصيد عن ملك المعير وصيرورته من المباحات باستعارة المحرم له فإبقاؤه

٨٤

__________________

تحت يده ـ وهو محرم ـ بمنزلة اصطياد جديد له حال الإحرام كما هو كذلك فيمن أحرم ـ ومعه صيد ملكه قبل الإحرام ـ وليس ذلك ببعيد بل هو قريب.

نعم قد يقال : ان المستفاد من رواية عبد الأعلى : ان خروج الصيد عن الملك وصيرورته من المباحات إنما هو بدخوله الحرم فيجوز كون ذلك انما هو من خصوصيات الحرم لا مجرد إحرام من هو بيده ، بل قد يستظهر ذلك وعليه فمجرد إحرام المستعير ما لم يدخل به الحرم لا يخرجه عن الملك إلى الإباحة. وعلى كل فالمسئلتان متحدتان حكما وان اختلفتا موضوعا.

ثم انه ـ بناء على ما قربناه من خروج الصيد عن ملك المعير وصيرورته من المباحات باستعارة المحرم له أو مع الدخول به في الحرم ـ لا إشكال في ضمان المستعير لقيمته للمعير فيما إذا كان جاهلا بإحرامه أو بكون يده على الصيد موجبة لخروجه عن الملك.

واما مع العلم بالموضوع والحكم فربما يقال ـ بل قيل ـ بانتفاء الضمان من حيث أن المالك هو المقدم على إتلاف ماله بدفعه لمن يجب عليه إرساله.

وفيه انه لو فرض عدم توسط فعل فاعل مختار بين السبب ـ وهو هنا دفع المعير ـ وبين الأثر المترتب عليه ـ وهو خروجه عن الملك وصيرورته من المباحات ـ لكان الأمر كما ذكر ، إذ الأثر حينئذ ينسب الى السبب ولكن فيما نحن فيه يسند الى المباشر وهو المستعير ، فإنه لو لم يترتب أخذه للصيد الذي هو باختياره على دفع المعير له لا يكون موجبا للتلف بنفسه.

ثم إن المستعير لو عصى ولم يرسله بل دفعه الى المعير ، فالظاهر عدم خروجه عن الضمان ، فيلزمه قيمته للمالك لإتلافه وإخراجه عن ماليته باستعارته وأخذه ، كما يجب عليه الفداء بلا اشكال ، لما ذكرناه من خروجه

٨٥

__________________

عن ملك مالكه ورجوعه إلى الإباحة الأصلية بمجرد الاستعارة أو مع الدخول به الى الحرم ، فرده الى المعير بمنزلة اصطياد جديد له ، فإنه بعد عوده إلى الإباحة الأصلية يتملكه من شاء بحيازته.

وبالجملة فحدوث الملك الجديد للمعير بالرد اليه لا يوجب رفع الضمان الثابت على المستعير بأخذه له وصيرورته من المباحات.

ولا وجه للقول بارتفاع الضمان بالرد الى المعير وتنظيره بصيرورة الخل المغصوب خمرا عند الغاصب ، فإنه وان ضمنه للمالك بقيمة الخل لكنه لو رجع الى الخلية بوصوله الى المغصوب منه عند رده إليه فإن الغاصب يخرج عن الضمان بذلك.

لأنا نقول : مسألة الصيد لا تشبه هذه المسألة ، فإن الخل بصيرورته خمرا لا يخرج عن الملكية العرفية ، وان انتفت شرعا. ومن هنا مع ضمان الغاصب للمالك قيمة الخل يبقى له حق الاختصاص فملكيته لم تبطل وان ضعفت شرعا فعبر عنها بالحق الذي هو مرتبة ضعيفة من الملك. وعليه فلو عاد الخمر إلى الخلية بوصوله الى المغصوب منه أو قبل ذلك يرتفع ضمان الغاصب للقيمة حيث كان لجهة الخمرية وقد ارتفعت بعوده إلى الخلية ووصل الى المغصوب منه تمام ما غصب منه ، فلا وجه لبقاء الضمان وعدم ارتفاعه. وهذا بخلاف ما نحن فيه من مسألة الصيد الذي استعاره المحرم ، فإنه بناء على ما قربناه من خروجه عن ملك مالكه باستعارة المحرم له أو مع الدخول به الى الحرم وعوده إلى الإباحة الأصلية ـ كما كان قبل اصطياده يملكه كل من حازه ووضع يده عليه ما لم يكن محرما ، وشأن مالكه السابق ـ وهو المعير ـ شأن غيره بالنسبة اليه ، ولم يبق له حق اختصاص به ـ أصلا ـ وكان ضمان المستعير لقيمته من جهة إتلاف ماليته وملكيته السابقة ، والذي

٨٦

__________________

حصل للمعير برده اليه وأخذه ملكية ومالية جديدة بعد انعدام الاولى وهي المضمونة ولم تعد. ومن هنا : لو فرض أن المستعير أرسله ثم اصطاده المعير ، فهل يمكن القول بارتفاع الضمان من المستعير بدعوى عود المضمون الى مالكه السابق؟ لا أظن ان القائل يلتزم بذلك. والسر فيه أن الاصطياد ملكية جديدة وليست عودا للملكية السابقة ، وأي فرق بين الاصطياد بعد الإرسال والرد الى المعير وأخذه بناء على عدم توقف الخروج عن المالية على الإرسال ، بل حصوله بأخذ المستعير للصيد أو بإدخاله إلى الحرم؟

إذا تمهد ذلك ، فنقول : لا نقض على السالبة الكلية أعني : (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) بضمان الصيد المستعار للمحرم من المحل ، وقد وجه شيخنا الأنصاري ـ قدس سره ـ عدم النقض بقوله : «الا أن يقال ان وجه عدم ضمانه بعد البناء على انه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته ان المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين ، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التلف» انتهى.

وحاصل هذا التوجيه : أن الضمان الموجود في مورد النقض ـ وهو استعارة المحرم للصيد ـ غير المنفي في القضية السالبة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) فإن المنفي ضمان العين بقيمتها بتلفها وهذا ضمانها بإتلافها فان المتعهد به والمستقر عليه بعد الاستعارة هو قيمة الصيد الثابتة في العهدة قبل تلفه لحكم الشارع بوجوب إتلافه بإرساله فهو ضمان إتلاف للصيد ، والإتلاف وان لم يتحقق بأخذ الصيد ، وانما هو حاصل بالإرسال ، ولكن لما وجب على المحرم الإرسال ـ فورا ـ فهو ـ أي الإتلاف ـ بمنزلة الحاصل فعلا.

٨٧

__________________

وبالجملة ، فالمنفي في القضية السالبة ضمان تلف العين فيما لا يضمن بصحيحه من العقود المجانية ـ ومنها مورد النقض ـ والموجود ضمان إتلافها وهو حاصل في جميع العقود ـ معاوضية كانت أم مجانية.

هذا ، ولكن : بناء على ان إتلاف مالية الصيد وإرجاعه إلى الإباحة الأصلية لا يتوقف على إرسال المستعير له ، بل هو حاصل باستعارة المحرم وأخذه ، كما نسب الى المشهور ـ أو بإدخاله له الى الحرم ـ كما هو المستفاد من رواية عبد الأعلى ـ يتم ما ذكره : من أنّ المستقر عليه بعد العارية هو القيمة ، فوجوب دفعها ثابت قبل التلف ، وأما لو كان الصيد المستعار باقيا ـ بعد ـ على ملك المعير وانما يكون خروجه عن المالية بإتلافه بالإرسال غاية الأمر أنه يجب ذلك على المستعير المحرم بعد الأخذ وأداء قيمته الى المعير ، فبأي وجه يمكن ان يقال : ان المستقر عليه ـ فعلا ـ قيمته الذي هو معنى الضمان الوضعي وان وجوب دفع القيمة الذي هو لازم الضمان ثابت قبل التلف بمعنى الإرسال والحال ان الضمان ولازمه مسببان عن الإتلاف وكيف يمكن تحقق المسبب قبل حصول. سببه وما وجهنا به ذلك من ان إيجاب الشارع على المحرم إرساله ـ فورا ـ بمنزلة الإتلاف ، لا يرجع الى وجه محصل. ولعل تعبير الشيخ الأنصاري ـ قدس سره ـ بقوله «الا أن يقال» مشعر بضعفه وعدم ارتضائه له.

هذا وما ذكره سيدنا الخال المصنف فيما تقدم من كلامه في دفع النقض بأنه مبني على الحكم بضمان المحرم للصيد المستعار مطلقا ولو تلف قبل إرساله وهو ممنوع ـ الى آخر ما ذكره ـ فإنه وان حصل به دفع النقض عن القاعدة ، لكنه مبني على كون الضمان ولزوم دفع القيمة للمالك بعد الإتلاف بالإرسال ، فلو تلف قبل الإرسال لم يضمنه المستعير. والذي قربناه ما نسب

٨٨

ومنها ـ النقض بنماء المبيع بالبيع الفاسد غير المستوفى (١) فإنه مضمون ، مع كونه غير مضمون بصحيحه ، فإنه مضمون بسبب الإتلاف

__________________

الى المشهور من الحكم بضمان قيمة الصيد عند أخذ المستعير له بسبب سقوط ماليته وعوده إلى الإباحة الأصلية بأخذه ، وان شئت فقل : وإدخاله إلى الحرم ـ على ما يستفاد من رواية عبد الأعلى ـ وعليه ، فلا فرق بين إرسال المحرم له أو رده الى المعير أو إبقائه تحت يده حتى تلف.

وعلى كل فالضمان الموجود في عارية المحرم للصيد هو بسبب الإتلاف الحاصل بأخذ المستعير للعين المستعارة من المعير ـ على ما نسب الى المشهور ـ أو إدخالها بعد أخذه إلى الحرم كما استفيد من الرواية أو بإرسالها بعد أخذها ـ كما اختاره سيدنا قدس سره ـ وصحيح العارية مضمون بالإتلاف كفاسدها والمستفاد من القضية السالبة عدم الضمان فيها بسبب التلف ، فلا نقض عليها.

__________________

(١) ربما يرد النقض على القاعدة بنماء المبيع بالبيع الفاسد ومنافعه فإنها مضمونة على المشتري للبائع مع كونها غير مضمونة في الصحيح.

هذا ، ولكنا ذكرنا ـ سابقا ـ أن القاعدة ليست في مقام بيان كل ما هو مضمون أو غير مضمون في العقود الفاسدة وانما هي لبيان الضابط لتمييز ما يضمن فيه مورد العقد ومصبه مما لم يضمن فيه ذلك ، وفي ما سواه يرجع في ضمانه وعدم ضمانه الى القواعد الأخر. وحيث كان مصب العقد في البيع نفس المبيع ، وهو مضمون في صحيحه ، فكذا يضمن في فاسده ، وأما النماء والمنفعة فالمرجع فيهما قاعدة تبعيتهما للأصل ، وحيث كان المبيع في البيع الفاسد ملك البائع فمقتضى تلك القاعدة ضمان المشتري ما أتلفه أو تلف تحت يده من نمائه وكذا ما استوفاه أو فات تحت يده من منفعته.

هذا في المقبوض في البيع الفاسد. وأما المقبوض بالصحيح ، فنماؤه ومنفعته ملك القابض كالأصل.

نعم لو حصل فسخ في البيع بخيار أو انفساخ فيه بإقالة فما يحدث من النماء

٨٩

وفيه ان عدم ضمان النماء في البيع الصحيح لكونه من نماء ملكه غير ملحوظ فيه انتقاله بالعقد من المالك حتى يصح اتصافه بكونه مضمونا أو غير مضمون في العقد الصحيح.

ومنها ـ النقض بحمل المبيع بالبيع الفاسد ، فان المحقق ـ رحمه الله ـ في (الشرائع) ـ مع بنائه على عدم دخول الحمل في بيع الحامل إلا بالشرط ـ كما هو المشهور ـ (١) بل حكى الإجماع عليه ـ جزم بضمانه على المشتري فيه ـ مع انه غير مضمون في البيع الصحيح لكونه بيد المشتري أمانة مالكية وحكى ذلك عن (المبسوط) أيضا.

والحق ، أن الحمل غير مضمون على المشتري لكونه أمانة مالكية بيده مطلقا في صحيح البيع وفاسده وان كان الحامل مضمونا عليه بالمسمى في الأول وبالقيمة في الثاني.

وعلى الدخول بالشرط ينزل كلام المحقق ـ رحمه الله ـ في (الشرائع)

__________________

بعدهما كالأصل مضمون بمثله أو قيمته على القابض لو أتلفه أو تلف تحت يده ما لم يستأمنه المالك عليه فلا يضمنه بالتلف وكذا المنفعة الحادثة المستوفاة أو الفائتة فإنها مضمونة بأجرة المثل ما لم يستأمنه المالك على العين ، فلا يضمن الفائت منها وأما السابق عليهما فلا يضمنها ـ مطلقا ـ

اللهم الا أن يقال ببطلان المعاوضة من أصلها بالفسخ أو الانفساخ ، لكنه ضعيف ، بل الأقوى البطلان من حينهما ـ فتأمل جيدا.

__________________

(١) حيث يقول ـ في كتاب التجارة ، الفصل التاسع في بيع الحيوان ، الثاني ـ في أحكام الابتياع : ـ «وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر ، إلا أن يشترطه المشتري».

٩٠

كما في (المسالك) (١) وبناء الشيخ في (المبسوط) على أصله فيه من دخوله في المبيع تبعا كالجزء (٢) وان أنكر شيخنا في (الجواهر) كونه أمانة لكون الاذن من المالك في البيع الفاسد من جهة اعتقاد كونه مستحقا عليه فالإذن مقيد بجهة الاستحقاق ومن حيث البيعية ، والمقيد ينتفي بانتفاء جهة تقييده ، وجعله هو الوجه في إطلاق كلام مصنفه.

وفيه : أن توهم الاستحقاق أو اعتقاده من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية وبعبارة أخرى : من الدواعي ، لا من مشخصات الموضوع وتخلف الداعي عن الواقع لا يخرج الأمين عن كونه أمينا.

نعم ، مع علم المالك بتخلف الداعي وخطأ الاعتقاد لم يجعله أمينا ، وأين ذلك من الضمان بعد جعله أمينا لو تلف بغير تعد وتفريط كما هو المفروض في المسألة.

وبالجملة فالضمان وعدمه في الفرض ـ يدور مدار الامانة وعدمها ، لا صحة العقد وفساده ، لعدم مدخلية الحمل في المبيع ، وليس من متعلقات عقد البيع أصلا حتى يكون مورد النقض على القاعدة ـ لو سلم ضمانه في الفاسد ـ لأن النقض انما يتم في متعلقات العقد دون ما يقارنه ، وان كان مستلزما له بناء على ارادة العقد من كلمة (ما) في القاعدة دون القبض.

ومنها ـ النقض بالشركة الفاسدة أورده شيخنا المرتضى ـ رحمه الله ـ

__________________

(١) راجع : الجزء الأول كتاب التجارة ـ في بيع الحيوان ـ في شرح قول المحقق الآنف «فاذا باع الحامل» حيث يقول : «هذا هو المشهور وعليه الفتوى ، وخالف فيه الشيخ ، وتبعه جماعة محتجا بأنه جزء من الحامل ، فيدخل ، ولا يصح استثناؤه حتى حكم بفساد البيع لو استثناه البائع كما لو استثنى جزء معينا ، وحيث يشترطه المشتري يدخل وان كان مجهولا لأنه تابع للمعلوم.»

(٢) كما عرفت ـ آنفا ـ من نقل الشهيد عنه في (المسالك).

٩١

في (مكاسبه) بما لفظه : «ويمكن النقض ـ أيضا ـ بالشركة الفاسدة بناء على أنه لا يجوز التصرف بها فأخذ المال المشترك ـ حينئذ ـ عدوانا موجب للضمان» (١).

والظاهر إرادة شركة العنان ، لأنها المتصور فيها الصحيح ، والفاسد دون غيرها من أقسام الشركة (٢).

وفيه : أنه إن أراد بالضمان مع عدم الاذن في التصرف من الشريك فهو من التصرف عدوانا ، وبغير حق ـ على التقديرين. وإن كان باذنه فلا ضمان في الشركة الفاسدة ـ أيضا ـ لأنه مأذون من الشريك.

ودعوى كون الاذن من جهة الشركة المفروض عدمها في الفاسدة.

فيها ما عرفت : من كون الجهة تعليلية ، لا تقييدية ، ومن مشخصات الموضوع ، بل هي من الدواعي ـ كما تقدم.

وان أراد كفاية عقد الشركة للاذن بجواز التصرف بناء على ظهوره فيه ما لم يمنع عنه من غير حاجة الى إذن مستقل بعد العقد ، وهو إنما يتأتى في العقد الصحيح دون الفاسد الذي يكون وجوده كعدمه من جهة إلغاء الشارع له.

ففيه ـ مع أنه من أصله غير مسلم ـ (٣).

__________________

(١) راجع : كتاب البيع ، مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ، في قاعدة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده).

(٢) الشركة : قد تكون بأعيان الأموال ـ وتسمى شركة العنان ـ وقد تكون بالمنافع ـ وتسمى شركة الأعمال ـ وقد تكون بالمفاوضة في الغنم والغرم ، وقد تكون بالوجوه. والأولى هي الصحيحة ، والثلاثة الآخر باطلة ـ كما عليه عامة الفقهاء ـ (ولتفصيل الموضوع راجع : كتب الفقه ، كتاب الشركة).

(٣) أقول : الشركة : قد تكون واقعية ، عرفوها بأنها اجتماع حقوق

٩٢

__________________

الملاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، وهي من الأحكام لا من العقود. نعم سببها ربما يكون عقدا ، كما لو اشترى شخصان شيئا واحدا لهما ، وقد يكون سببها إرثا ، كما لو ورث اثنان شيئا واحدا ، أو مزجا ـ قهريا أو اختياريا ـ في مالين لمالكين بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر.

وقد تكون الشركة إنشائية عقدية ينشأ بها التعاقد والتعاهد على الاسترباح بالمال المشترك بالتكسب به واستنمائه بالعمل به بحدود وقيود ذكرت ـ في بابها من كتب الفقه ـ

ونسبة الواقعية إلى العقدية كنسبة الموضوع الى الحكم ، فان التعاهد على الاسترباح مورده المال المشترك.

ثم إن في كفاية عقد الشركة بين المتعاقدين للاذن بجواز تصرف كل منهما في المال الذي تعاقدا على استرباحه وعدم الاحتياج فيه الى إذن مستقل من كل منهما للآخر ، وعدم الاكتفاء بذلك ، بل لا بد من الاذن المستقل به ـ وجهين ـ بل قولين ـ وظاهر سيدنا المصنف ـ قدس سره ـ عدم تسليم كفاية عقدها للاذن حيث يقول : «وإن أراد كفاية عقد الشركة للاذن بجواز التصرف ـ الى أن يقول ـ : ففيه مع أنه من أصله غير مسلم».

ولكن يمكن أن يقال : ان اشتراك المالكين في المال الواحد إذا كان مسببا عن سببه المقتضى له من إرث أو اشتراء أو مزج ـ كما تقدم ـ وكان استحقاق كل من الشريكين من ربح المال المشترك ونمائه بنسبة حصته من المال مما يقتضيه الاشتراك في المال الواحد ، وكذا لو ورد التلف والخسارة عليهما بتلك النسبة.

فلو لم يكن إنشاء عقد الشركة من المالكين كافية في إذن كل منهما

٩٣

__________________

لصاحبه في التصرف بالمال المشترك بالتكسب به واستنمائه بالعمل فيه ، بل كان جواز التصرف محتاجا إلى إذن مستقل ، فأي أثر يمكن أن يكون مستفادا من إنشاء التعاهد والتعاقد بين الشريكين؟

ومن هنا قال المحقق الثاني ـ قدس سره ـ في (جامع المقاصد) في مقام الاستدلال على كفاية عقد الشركة في الاذن وعدم الاحتياج إلى إذن مستقل بأنه : «لولاه لزم لغوية الشركة» يعني العقدية.

وما ذكره بعض المعاصرين ـ في تعليقته على مكاسب الشيخ : من لزوم كون ألفاظ العقود صريحة ـ عرفا ـ في إنشاء مضمونها ، ومن الواضح عدم ظهور لفظ عقد الشركة في إذن الشركاء في حصصهم لكي يكون إنشاء للاذن فالالتزام بعدم ترتب الفائدة على العقد أهون من ترتب ما لا يكون أثرا له عرفا ـ كما لا يخفى ـ انتهى.

فيه : ان اعتبار صراحة ألفاظ العقود في إنشاء مضامينها أو كفاية الظهور العرفي في ذلك ، ولو كان حاصلا بواسطة القرينة التي اشتمل العقد عليها أو الأعم من ذلك ومن القرينة الخارجية ، إنما هو في العقود اللازمة كالبيع والإجارة والنكاح ـ مثلا ـ دون ما كان منها قوامه الاذن من كل من المتعاقدين للآخر في التصرف فيما هو له فان المناط فيها حصول الاذن والرضا بذلك من أي لفظ استفيد ، ولا ريب في استفادة الإذن بجواز التصرف بالمال المشترك بين المتعاقدين من إنشاء التعاهد والتعاقد بينهما باسترباح المال بالتكسب به واستنمائه بالعمل فيه.

وبالجملة ، فالأظهر كفاية عقد الشركة للاذن بجواز التصرف وعدم الاحتياج إلى إذن مستقل وفاقا للمحقق الثاني وكثير من الأصحاب على ما يظهر

٩٤

لا مدخلية لإلغاء الشارع سببية العقد للشركة فيما ليس مجعولا له من ظهور الألفاظ في مداليلها وكشفها عما في ضمير المتكلم فان كان العقد بلفظه أو بمعونة شاهد الحال كاشفا عن تحقق الاذن ، كان كاشفا ـ مطلقا ـ ألغاه أم أمضاه ـ وإلا ، فلا كذلك.

وربما يتوهم النقض أيضا بعامل القراض إذا أخذ المال قراضا ، وكان عاجزا عنه ، مع جهل المالك به ـ بناء على فساد المضاربة ـ حينئذ ـ كما هو الأظهر ، وعليه شيخنا في (الجواهر) ، فإنهم حكموا بضمان المال عليه ـ مطلقا ـ أو على التفصيل المحرر في محله مع أنها مضاربة ، وصحيحها غير مضمون ، ففاسدها ينبغي أن يكون كذلك.

ويدفعه : أن الضمان ـ هنا ـ بسبب التعدي بوضع يده على المال على الوجه غير المأذون فيه ، ولذا قال به من قال بصحة المضاربة ـ أيضا ـ كما في (المسالك) وغيرها ـ لعدم المنافاة بين الضمان وصحة المضاربة ، كما لو عين المالك جهة خاصة ، وخالفها العامل ، فإن المضاربة صحيحة ، والربح بينهما على الشرط.

__________________

منهم ، وان ظهر من سيدنا الخال ـ قدس سره ـ عدم التسليم لذلك ، وفاقا لغيره.

هذا إذا لم يعين نحو التكسب والعمل بالمال المشترك عند التعاقد عليه بل أطلق وأوكل الى ما يراه العامل مما فيه الربح ، والا فمن الواضح عدم جواز التعدي عنه الا برضا الشريكين ، وكذا لو منع أحدهما الآخر من تصرف خاص بعد التعاقد عليه.

وعلى كل فالنقض غير وارد كما ذكر ذلك سيدنا في المتن.

٩٥

مع كون المال مضمونا عليه بالتعدي (١).

__________________

(١) الكلام في المسألة فيما إذا كان رأس المال في المضاربة بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، وكان قادرا على التجارة ببعضه مع اشتراط المالك مباشرته في العمل بلا استعانة بالغير ، أو كان عاجزا ولو مع الاستعانة بالغير ، والمسألة من ناحية صحة المضاربة وعدم صحتها ذات قولين ، والأظهر فسادها كما اختاره جماعة من أصحابنا ، حيث انه يشترط في العامل في باب القراض أن يكون قادرا على العمل بمال القراض فمع عجزه لا تصح مضاربته ، كما لا يصح استيجاره على العمل إذا كان عاجزا عنه ، وعليه فيكون ربح ما اتجر به من بعض المال للمالك ، ولا نصيب للعامل فيه.

نعم له أجرة مثل عمله مع جهله بالبطلان بلا ريب.

اما مع علمه به (ففي) استحقاقه اجرة على عمله الذي استوفاه المالك منه بمضاربته مع عدم تبرعه به ، بل كان بذله بإزاء الحصة من الربح التي تعهد بها المالك له على تقدير الحصول ، وقد حصل ، غايته أنه لا يستحقها ـ شرعا ـ لفساد المضاربة بفقد شرطها ، وهو قدرة العامل على العمل بمجموع مال المضاربة ، وذلك لا يقتضي التبرع بالعمل ، فمقتضى قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» استحقاقه اجرة المثل على عمله (أو عدم) الاستحقاق ، لأنه مع علمه بفساد المضاربة لعدم قدرته على العمل بمال القراض. وعدم استحقاق ما جعله المالك له من الربح شرعا ـ يكون كالمتبرع بعمله ، واقدامه على بذله مجانا :

وجهان : لا يبعد أن يكون أولهما أوجه ، إذ لا يلزم من علمه بفساد المضاربة ، وعدم استحقاقه الربح شرعا كونه متبرعا بعمله ، فإنه لم يبذل للمالك بنحو (المجان) بل بإزاء الحصة من الربح المجعولة له في العقد ، فعمله مضمون على المالك المستوفي له بمضاربته ، وفسادها ـ شرعا

٩٦

__________________

لعدم قدرته على العمل بتمام مال المضاربة ، غاية ما يقتضي عدم استحقاقه ـ شرعا ـ الحصة من الربح المجعولة له في عقدها ، لا عدم استحقاق اجرة على ما قدر عليه من العمل بالبعض ، مع فرض عدم التبرع بعمله فيه ، وكونه مأذونا في ذلك من المالك لجهله بعجزه كما هو المفروض.

هذا ، بناء على ما استظهرناه من بطلان مضاربة من لم يقدر على العمل بمجموع مال المضاربة ، وان كان قادرا على العمل ببعضه ـ كما اختاره جماعة من الأصحاب.

وربما يقرب ـ بل يختار الصحة ـ فيما قدر عليه من العمل في بعض مال المضاربة واستحقاق العامل الحصة من ربحه وقواه بعض السادة من العلماء المعاصرين طاب ثراه في تعليقته على هذه المسألة من (العروة الوثقى) ولعل وجهه أن المعاملة على مجموع رأس المال بالتجارة فيه واسترباحه ، وان كانت واحدة ، لكنها لدى التحليل معاملة على كل جزء منه يمكن التجارة به واسترباحه بحصة من ربحه وفسادها بالنسبة الى ما كان غير قادر على التجارة به ، لا يقتضي الفساد بالنسبة الى ما كان قادرا فيه من العمل ، فيصح ويستحق الحصة من ربحه.

وعلى كل فسواء قلنا بأن العاجز عن العمل بمجموع مال المضاربة القادر على العمل في البعض تصح مضاربته فيما قدر عليه من العمل ، ويستحق الحصة من ربحه أو قلنا بفسادها ، وعدم استحقاقه لها. فالعامل فيما قدر عليه ، لم يكن متبرعا بعمله ، فان المتبرع من لا يبتغي بعمله عوضا ، وبمجرد علمه بفاسد المضاربة على فرضه وعدم استحقاقه الحصة من الربح فيما عمل فيه شرعا ما لم يكن بانيا على الالتزام بحكمه الشرعي ، لا يكون متبرعا بعمله فيما تمكن منه من البعض.

٩٧

__________________

ثم على ما استظهرناه : من فساد المضاربة (ففي) ضمان العامل لتلف المال الا مع علم المالك بالحال بعد مضاربته وانه عاجز عن العمل بتمام المال (أو عدم) ضمانه ـ مطلقا. وعلى الضمان ، فهل يضمنه كله ـ لعدم التمييز به مع عدم الاذن في أخذه على هذا الوجه ، أو يضمن القدر الزائد لأن العجز يكون بسببه ، فيختص به ، أو التفصيل بين ما إذا أخذ الجميع ـ دفعة ـ فيضمن الكل ، وبين ما إذا أخذ أو لا بقدر مقدوره ، ثم أخذ الزائد ، ولم يمزجه بما أخذه أولا ـ فيختص الضمان بالزائد. وجوه ، وأقوال :

أقواها : عدم الضمان ـ مطلقا ـ كما قواه شيخنا الأستاذ النائيني ـ رحمه الله ـ في (تعليقته على العروة الوثقى) ـ علم المالك بالحال أم لم يعلم ، أخذ المال كله دفعة أم أخذ مقدوره ثم أخذ الزائد عليه ، مزجه مع الأول أم لم يمزجه ـ لأن يد العامل على المال يد استيمان ، وتسليط المالك له تسليط (مجان) فان دفعه اليه كان لاسترباحه واستنمائه ، لا لدفع شي‌ء بإزائه.

وما وجه به سيدنا ـ قدس سره ـ الضمان بأنه بسبب التعدي بوضع يده على المال على الوجه غير المأذون فيه. إلخ وحاصله : أن الأمين إنما لا يضمن إذا لم يتعد ، وهذا متعد ، فهو ضامن.

قابل للمناقشة ، فإن التعدي الموجب لضمان الأمين ، هو تعديه عن الحدود والقيود التي عينها له المستأمن ، ففي مسألتنا : لو عين له صاحب المال شراء متاع معين به ، فاشترى غيره ، أو منعه من السفر بمال المضاربة فسافر به ، أو نحو ذلك مما يكون فيه العامل متجاوزا ومتعديا عما عينه وحدده صاحب المال ، فإنه مع التجاوز يكون ضامنا بلا اشكال ، لعدم اذن المالك بتصرفه في المال على الوجه المذكور ، وليس هو محل كلامنا ،

٩٨

__________________

بل هو ما إذا كان العامل عاجزا عن العمل بجميع مال المضاربة وكان قادرا على العمل ببعضه ، وكان المالك جاهلا بعجزه حين دفعه اليه واستنمائه عليه ، وعدم قدرته على العمل بالجميع المقتضي ، لفساد المعاملة بناء على ما استظهرناه لا يوجب انتفاء الاذن من المالك ، وكونه متعديا بوضع يده على المال على الوجه غير المأذون فيه ـ كما يقول سيدنا ـ إذ الاذن من المالك حاصل ـ وجدانا ـ غايته كان مبنيا على ما تخيله من قدرة العامل على العمل بمجموعه والتجارة به غير الحاصل ـ حسب الفرض. ومن هنا كانت المعاملة فاسدة.

ولكن الظاهر أن هذا التخلف من قبيل تخلف الداعي ـ غير الموجب لعدم الاذن في الأخذ ـ لا من قبيل تخلف العنوان.

والحاصل إن المدعى أن جهة قدرة العامل على العمل بمال المضاربة بالنسبة إلى صحة المعاملة معه وعدم صحتها ، وان كانت تقييدية واقعية ، فمضاربة القادر على العمل بمال المضاربة صحيحة ، وان اعتقد المالك حين إنشاء المعاملة عجزه عن العمل بمجموعه ، ومضاربة العاجز عن العمل بالمجموع فاسدة ، وان اعتقد المالك قدرته على ذلك حين المعاملة معه.

ولكن هي ـ أي الجهة المذكورة ـ بالنسبة إلى حصول الاذن من المالك في أخذ المال والتصرف فيه ، تعليلية اعتقادية ، فان اعتقاد المالك قدرة العامل على العمل من قبيل الداعي لحصول الاذن منه الذي لا يضر تخلفه في واقع الأمر ، وانه لو لا اعتقاده بقدرة العامل على العمل لما حصل الاذن منه ، فإن الإذن المذكور لا يرجع الى التقييد ليكون مفاده : انك ـ أيها العامل ـ مأذون بالتصرف والاتجار بالمال ان كنت قادرا ، وإلا

٩٩

وقد يتوهم النقض ـ أيضا ـ باستعارة العين المغصوبة من الغاصب ، فإنهم حكموا بالضمان في بعض صور تلف العين.

وجملة صورها : هو أن يقال : إما أن يكون التلف في يد الغاصب المعير (١) أو في يد المستعير. وعلى التقديرين ، فتارة مع جهل المستعير بالغصب ، واخرى ـ مع العلم به. وعلى التقادير ، فاما أن تكون العارية مضمونة بالشرط ، أو كانت من الذهب والفضة ، أو لم تكن. وعلى التقادير كلها ، فاما أن يرجع المالك على الغاصب المعير ، أو على المستعير.

وأما أحكامها ، فليعلم ـ أولا ـ ان للمالك الرجوع على اي منهما شاء من غير فرق بين كون العين متلفة أو تالفة في يد المستعير أو في يد المعير (٢) لقاعدة تعاقب الأيدي (٣). فإن رجع على المستعير بالعين وما استوفاه من المنفعة (٤). رجع المستعير بهما (٥) مع جهله بالغصب على المعير ، ان

__________________

فلست بمأذون ، حتى يضر تخلفه.

وبالجملة : فإنه نظير من اذن لشخص بالتناول من طعامه أو الدخول في داره معتقدا كونه صديقا له ، وكان في الواقع عدوا له بحيث لو كان عالما بذلك لما أذن له ، فان الظاهر جواز تناوله من ذلك الطعام أو دخوله في الدار ، اعتمادا على الاذن الحاصل من المالك بالتناول منه أو الدخول فيه ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) بعد عودها الى المعير من المستعير.

(٢) يعني بعد عودها اليه ـ كما عرفت.

(٣) المقتضية لضمان كل من الأيدي المتعاقبة على مال الغير.

(٤) بمعنى أخذه عوضهما منه.

(٥) أي بما أخذه المالك منه من بدل العين ، وبدل ما استوفاه من المنفعة.

١٠٠