بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

عدم تحقق القبض إلا بعد التخلية الموقوفة على إذنه ، لكون القبض غير مستحق عليه بالفرض ، فهو تالف قبل قبضه ، وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ، بحكم القاعدة المستفادة من النبوي المتقدم.

إلا أنه توهم فاسد ، لأن المراد من القبض المعلق على عدمه التلف مطلق القبض بكلا قسميه : الصحيح والفاسد ، ونفي القبض كذلك معناه كون التلف عند غير المشتري ، فلا يكون المقام مشمولا للنبوي حتى يتوهم تعارض القاعدتين فيه ، كيف ولو تلف بيد المشتري بعد أن كانت العين مضمونة بالمسمى بالعقد الصحيح ، فان رجع البائع على المشتري ببدله الواقعي ، فمع أنه غير الضمان بالمسمى مع كون الضمان به بالفرض ، لم يكن الفوات من مال البائع بعد أخذه البدل الواقعي. وإن لم يرجع عليه بشي‌ء من البدلين الواقعي والمسمى ، جمع المشتري بين العوض والمعوض ، فلم يبق إلا كون المبيع فائتا من المشتري ، بمعنى كون خسرانه عليه ونقصانه في ملكه ، وهو المطلوب من انتقال الضمان للمشتري.

نعم لو لا النبوي لكان مقتضى القاعدة الأولية غرامة البائع بعد أن كانت العين مضمونة بعقد المعاوضة وتلف عنده المثل أو القيمة للمشتري بدلا عن ملكه وأخذه المسمى منه ، إلا أن النبوي حاكم على تلك القاعدة الأولية ومتضمن لبطلان البيع وانفساخه ، ورجوع المبيع الى ملك البائع آنا ما عند التلف حتى يصدق كون التالف من مال البائع ـ كما عليه المشهور وان كان الأقوى ـ عندنا ـ موافقة النبوي للقاعدة في إيجابه الانفساخ بالتلف قبل القبض ، كما ستقف عليه عند تحريرنا له في مسألة مستقلة (١).

وبالجملة : فمفاد النبوي عندهم مجرد بيان حكم ما لو تلف المبيع عند البائع وكون التلف منه في قبال ما تقتضيه القاعدة الأولية ، وأين ذلك من المقام المفروض كون التلف بيد المشتري؟.

__________________

(١) يذكر ذلك ـ مفصلا ـ في أوائل رسالته التالية لهذه الرسالة ، فراجع.

١٤١

السابع : قال في (المسالك) : «لو كان المبيع بيد المشتري قبل الابتياع : فان كان بغير اذن البائع فلا بد من تجديد الاذن في تحققه بالنسبة إلى رفع التحريم أو الكراهة. وأما بالنسبة إلى نقل الضمان ، فيحتمل ـ قويا ـ تحققه بدونه ، كما لو قبضه بعده بغير اذن البائع. ويحتمل توقف الأمرين على تجديده ، لفساد الأول شرعا ، فلا يترتب عليه أثر. ولو كان بإذنه كالوديعة والعارية لم يفتقر الى تجديد إذن ولا تخلية.» (١) انتهى.

قلت : ومما ذكرنا ظهر لك وجه قوة ما قواه في (المسالك) من انتقال الضمان إلى المشتري لو كان مقبوضا بغير إذنه ، إلا أن إطلاق قوله (فلا بد من تجديد الاذن) الشامل لما لو كان القبض مستحقا له على البائع ، كما لو اشتراه بمال في ذمته ، غير جيد ـ ضرورة عدم الحاجة إلى الإذن بعد ما كان القبض مستحقا عليه.

هذا بالنسبة إلى البيع. وأما بالنسبة الى ما كان القبض شرطا في صحته أو لزومه كالرهن والهبة ، فنقول : لو رهن المقبوض بيد المرتهن قبل عقد الرهن عليه ، فلا يخلو : إما أن يكون القبض المتحقق أولا بإذن الراهن ، أو بغير إذنه كالمغصوب. وعلى التقديرين ، ففي اعتبار الاذن مطلقا أو عدمه كذلك ، أو التفصيل بين المأذون وغيره.

أقوال : نسب ثانيها إلى الأكثر ، ولعل نظرهم إلى كفاية تحقق القبض فيما هو معتبر فيه من الصحة أو اللزوم ، لإطلاق قوله (ص) «لا رهن إلا مقبوضا» (٢)

__________________

(١) راجع : المبحث الثاني من مباحث القبض في شرح قول المحقق : «القبض هو التخلية ..».

(٢) راجع : الوسائل للحر العاملي ، كتاب الرهن ، ٣ ـ باب اشتراك القبض في الرهن ، حديث ـ ١ محمد بن الحسن ، بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن صفوان عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام.

١٤٢

و «رهان مقبوضة» (١).

وفيه : إن المطلقات مسوقة لبيان أصل اعتبار القبض ، وأما من جهة الكيفية ، فهي مهملة غير ناظرة إليها ، فيبقى الحكم على ما كان عليه قبله من الجواز وعدم ترتب الصحة بحكم الاستصحاب.

وأما وجه القول بالتفصيل ، فلتحقق ما هو معتبر في القبض من الاذن في الأول دون الثاني.

وفيه أن المعتبر هو القبض المأذون بعنوان كونه رهنا ، لا مطلق الاذن بالقبض ، وبالجملة ، بعد اعتبار الاذن والرضا في صورة حدوث القبض المعتبر في الرهن بعد عقده ـ كما عليه المشهور ـ لا معنى لعدم اعتباره في القبض المستدام ، كما نسب إلى الأكثر أيضا هنا.

ومنه يظهر الإشكال في وجه التفرقة بين المقامين حتى ذهب المشهور الى اعتبار الاذن في الأول وعدم اعتبارهم له في الثاني.

ودعوى تحقق الاذن فيه ـ بدلالة الإرهان عليه ـ فمع أنها ممنوعة من أصلها لعدم الملازمة بين الرضا بكونه رهنا وكونه عند المرتهن بعينه آت في القبض الحادث ، كما لو قبضه المرتهن بدون إذن الراهن بالقبض بمجرد العقد عليه ، فالأقوى في المقامين اعتبار كون القبض مأذونا فيه وفاقا للمشهور في الأول ، وخلافا لهم في الثاني ـ كما عرفت من الاستصحاب بعد كون المطلقات مهملة من حيث الكيفية ، مضافا الى أن القبض بعد كونه جزء السبب ومتمما للعقد صحة أو لزوما يعتبر فيه ما يعتبر في باقي أجزاء السبب من الرضا والاختيار ، أو الى دعوى كون المستفاد من أدلة اعتبار القبض فيما هو معتبر في صحة العقد أو لزومه اعتبار تأكد الإيجاب

__________________

(١) يشير الى قوله تعالى في سورة البقرة ٢٨٣ ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).

١٤٣

والقبول اللفظي بالإيجاب والقبول الفعلي ـ كما عن شيخنا المرتضى رحمه الله ـ في بعض تحقيقاته الدرسية فالسبب عنده في الرهن ونحوه مما كان القبض معتبرا في صحته أو لزومه مركب من الإيجاب والقبول اللفظي والفعلي ، تأكيدا للعقد اللفظي بالمعاطاة الفعلية.

وبالجملة ، فلا بد من كون قبض المرتهن عن إقباض الراهن أو إذنه من غير فرق بين القبض الحادث والمستدام ، غير أنه في المستدام بعد الاذن به لا يحتاج الى مضي زمان يمكن فيه تجديد القبض ـ كما في المسالك عن (التذكرة) مستندا الى أن القبض إنما يعتبر بعد الرهن ، وهو لا يتم إلا بإذن ثم الاذن في القبض يستدعي تحصيله ، ومن ضروراته مضي زمان فهو دال على القبض الفعلي بالمطابقة ، وعلى الزمان بالالتزام.

ولما لزم من القبض الفعلي تحصيل الحاصل أو اجتماع الأمثال المحالان حمل اللفظ على المعنى الالتزامي لتعذر المطابقة .. انتهى.

وفيه : إن مضي الزمان من لوازم حصول القبض وتحققه ، فيعتبر فيه من باب المقدمة ، فلا يعتبر في القبض الحاصل المتحقق.

نعم ، لا يكفي الاذن ، ولو مع مضي زمان يمكن فيه القبض ، فضلا عن الاذن ـ وحده ـ لو كان المرهون ـ منقولا كان أو غيره غائبا ـ غيبة لا يصدق معها القبض لو خلي بينه وبينه فيما يكفي فيه ذلك ، فضلا عما لو كان منقولا واعتبرنا النقل فيه حتى يحضر المرتهن أو وكيله عند الرهن ويقبضه بما يصدق معه من تخلية أو نقل.

وبعبارة أخرى : لو رهن ما هو غائب عن مجلس العقد غيبة لا يصدق معها القبض لم يصر رهنا صحيحا بناء على اعتباره في الصحة ، أو لازما بناء على اعتباره في اللزوم ، بلا خلاف أجده ـ كما في الجواهر ـ (١)

__________________

(١) راجع : كتاب الرهن من مجلد المتاجر في شرح قول المحقق (لو رهن ما هو غائب ..) ففيه نفس العبارة هذه ، بتغيير بسيط.

١٤٤

بل عن (جامع المقاصد) نسبته الى نص الأصحاب (١).

وهذا مما لا كلام فيه ولا شبهة تعتريه. إنما الكلام في تسويغ حيلة توجب صحة رهن ما كان غائبا كذلك أو لزومه.

فقد يقال ـ بل قيل ـ بصحة رهنه كذلك لو وكل المرتهن الراهن على قبضه ، فيكون قبضه له بعد عقد الرهن عليه قبضا عن المرتهن والمفروض كفاية القبض المستدام مع الاذن في صحة الرهن أو لزومه ، ولا يعتبر حدوثه بعده.

وفيه ـ أولا ـ ان القبض بعد اعتباره وكونه جزء من السبب يعتبر فيه ان يكون مقدورا للقابض ، وفعلا من أفعاله الاختيارية وقبض الراهن في الفرض قبض غير مقدور له لكونه مقهورا عليه ، فهو من بقاء المال تحت يده ، لا إبقاء له كذلك.

وثانيا ـ إن الوكالة إنما تتحقق بأمرين : حدوث فعل ، مع نية كونه عن الموكل ، إذ لا بدّ لهما من المتعلق. والقابض الناوي عن العين المقبوضة له ، لم يحدث منه فعل حتى ينوي به عن الموكل ، ولا نيابة إلا في فعل ومجرد قصد الوكالة غير كاف في تحققها.

ومما ذكرنا يتجه الفرق ـ بل يتضح ـ بين حضور الرهن عند القابض وغيبته غيبة تمنع عن الصدق ، ضرورة أن دوام القبض في الأول معناه

__________________

(١) راجع : كتاب الدين ، المقصد الثاني في الرهن ، المقصد الخامس في القبض ـ قال في شرح قول العلامة ـ في قواعده : ولو رهن الغائب لم يصر رهنا حتى يقبضه هو أو وكيله ـ : «هذا الحكم مبني على اشتراط القبض في الرهن وحينئذ فلا بد في حصول الرهن من عود الغائب إلى موضع الرهن ليتصور قبضه إياه عادة ، أو توكيله في القبض لمن كان قريبا بحيث يتمكن منه ، سواء في ذلك ما ينقل وغيره ، نص على ذلك الأصحاب وغيرهم».

١٤٥

الإبقاء ، وفي الثاني هو البقاء ، والإبقاء فعل اختياري بخلاف الثاني حتى لو كان القابض الناوي هو المرتهن بأن كان مقبوضا له قبل رهنه وان احتمل فيه الصحة لكونه مقبوضا له باذنه بناء على ما تقدم من اعتبار كون القبض فعلا اختياريا ، فيفرق في القبض المستدام بين ما كان منبعثا عن الإبقاء أو منبعثا عن البقاء ، فافهم واغتنم.

١٤٦

رسالة

في قاعدة تلف المبيع قبل القبض

١٤٧
١٤٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته المعصومين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن الى يوم الدين.

مسألة : يظهر من الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ اتفاقهم على أن المبيع الشخصي قبل القبض مضمون على بائعه بالمسمى ، وبعده ينتقل الضمان منه الى المشتري ، بل في (التذكرة) : نفي الخلاف فيه ـ عندنا ـ وأنه من ضمان البائع لو تلف قبل القبض (١) وحكاية الإجماع عليه مستفيضة.

والأصل فيه ـ قبل الإجماع عليه ـ النبوي المشهور المتلقى عندهم بالقبول : «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (٢) وخبر عقبة بن خالد عن الصادق ـ عليه السلام ـ في رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، وقال : آتيك غدا إن شاء الله

__________________

(١) قال العلامة في (التذكرة ج ١ ، كتاب البيع ، في أحكام القبض) : «النظر الثالث في حكمه ، وله حكمان انتقال الضمان إلى المشتري ، وتسويغ التصرفات فهنا مطلبان : الأول ـ الضمان. ولا خلاف ـ عندنا ـ في الضمان على البائع قبل القبض مطلقا ، فلو تلف ـ حينئذ ـ انفسخ العقد وسقط الثمن .. ويكون من ضمان المشتري ..».

(٢) هذا الحديث النبوي تقدم الكلام عنه في هذا الكتاب : ص ٧٦.

١٤٩

فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال ـ عليه السلام ـ من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يردّ ماله اليه» (١).

والمراد بصاحب المتاع هو البائع بقرينة ذيل الخبر (٢).

وهذه الكلية ـ في الجملة ـ مما لا كلام فيها. وإنما الكلام يقع في أمور :

الأمر الأول ـ في كونها : هل هي على القاعدة ، أو جرت على خلافها تعبدا للدليل الدال عليها ، فيجب الجمود فيها ـ حينئذ ـ على مورده من المبيع دون الثمن ، فضلا عن غير البيع من سائر المعاوضات؟

فنقول : أكثر من تعرض لهذه المسألة ـ مفصلا ـ صرّح بأنها جارية على خلاف القاعدة ، لأن القاعدة الأولية ـ بناء على انتقال كل من العوضين الى ملك الآخر بالعقد ـ تقتضي ضمان كل منهما لصاحبه لو تلف قبل القبض ببدله الواقعي من المثل أو القيمة ، ان لم نقل بكون يده يد أمانة لا بالمسمى وكونه تالفا من المشتري (٣) ، وضمانه باليد لعموم دليله ، لا من ضمان المعاوضة ، لكن لما دل الدليل على كون التلف قبله من مال البائع الظاهر

__________________

(١) تقدم الكلام عن هذا الخبر ـ آنفا ـ في أوائل هذه الرسالة. وراجعه ـ أيضا ـ في وسائل الشيعة للحر العاملي ، أبواب الخيار ، باب ان المبيع إذا تلف قبل القبض

(٢) وهو قوله ـ عليه السلام ـ «فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يردّ ماله إليه».

(٣) يعني وتقتضي القاعدة كون المبيع تالفا من المشتري وكون ضمانه على البائع باليد لعموم النبوي المشهور : «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» بمعنى أن على ذي اليد ما استولى عليه من مال الغير يضمنه له ويتحمل تبعاته من حفظه عن التلف وتدارك نقصه وضمان منافعه التالفة تحت يده الى أن يؤديه إلى مالكه ، فان تعذر عليه أداؤه لتلفه أو ما هو بمنزلته في عدم إمكان أدائه ضمنه بمثله أو قيمته.

١٥٠

في كونه مالا له عند التلف بمعونة ظهور (من) فيه للتبعيض ، وإلا فبعد التلف لا يتعقل اتصافه بكونه مالا له ، وجب الحكم بانفساخ العقد قبل التلف بجزء لا يتجزء من الزمان تصحيحا لصدق كونه تالفا من البائع ، ومثل ذلك في سبق الدخول في الملك آنا ما غير عزيز في الشرع ، كما التزموا به (١) فيمن اشترى أحد عموديه ، وفي نحو (أعتق عبدك عني) (٢) وكدخول

__________________

(١) الملتزم بذلك : هو المشهور جمعا بين الأخبار الدال بعضها على ترتب الانعتاق على الملك الظاهر في الترتب الزماني لا مجرد الترتب الطبعي : منها ما رواه الشيخ ـ قدس سره ـ في (التهذيب) عن محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ قال : «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته أعتقوا» إلخ. وما رواه عن كليب الأسدي قال : «سألت أبا عبد الله عن الرجل يملك أبويه وإخوته؟ فقال ـ عليه السلام ـ : ان ملك الأبوين فقد عتقا» الى غير ذلك من الروايات بهذا المضمون الظاهرة في ترتب العتق على الملك زمانا. نعم بعضها الآخر ينفي أصل الملكية في العمودين وبعض ذوي الأرحام كرواية عبيد بن زرارة المروية في (التهذيب) أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عما يملك الرجل؟ فقال ـ عليه السلام ـ : لا يملك والدية ولا ولده ولا أخته ولا عمته ولا خالته» إلخ. وفي (التهذيب) أيضا عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : «لا يملك الرجل والديه ولا ولده» الى غير ذلك مما هو بهذا المضمون من نفى أصل الملك والمشهور حملوا هذه الرواية على نفي الملكية المستقرة وتلك على ثبوت الملكية المستعقبة للانعتاق وهو معنى الملكية الآنية ، جمعا بينها ، مضافا الى النبوي المشهور : «لا عتق إلا في ملك (أو بعد ملك) وسيأتي في باب المعاطاة في الدليل الأول من أدلة إفادتها الملك استضعاف سيدنا المصنف ـ قدس سره ـ ذلك ، واختيار تقريب آخر للجمع بينها ، ويأتي منها : استظهار ما اختاره المشهور في الجمع بعد ذكر مجموع ما عثرنا عليه من الروايات لقرائن فيها تؤيد ذلك.

(٢) هذا من موارد استيفاء مال الغير بأمر معاملي عند استجابة المأمور لأمر الآمر توضيح ذلك : ان من طلب من غيره صرف ماله أو عمله في سبيله ومصلحته

١٥١

__________________

فيما إذا كان المطلوب صالحا لوقوعه عن الغير بأن كان قابلاً للتبرع به عنه فإنه بأمر الآمر وطلبه من المأمور إيجاده واستجابة المأمور لما طلبه منه غير قاصد للتبرع به عنه وبذله له مجانا ، يدخل المال في ملك الآمر ثم ينصرف الى وجهه الذي أراده الآمر من مالكه ويضمنه الآمر بما عيّنه له من العوض ومع عدم التعيين يضمنه بمثله أو قيمته. بيان ذلك : ان الضمان تارة يكون له أطراف أربعة : ضامن ومضمون ومضمون عنه ومضمون له ، وهو الضمان العقدي الموجب لانتقال ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، وأخرى ـ يكون له أطراف ثلاثة ـ ضامن ومضمون ومضمون له. وهذا على قسمين : فتارة يكون بحكم الشارع المقدس وتغريم منه للضامن بإلزامه بتدارك المضمون عند تلفه أو إتلافه بمثله أو قيمته ، ويسمى ضمان غرامة كالحاصل باليد العادية على مال الغير أو بإتلافه ، وأخرى ـ يكون بإقدام وتعهد من الضمان والتزام منه بتدارك المضمون للمضمون له عند استيفائه منه ببدله سواء سمّاه له وعيّنه عند الالتزام والتعهد أم لم يعين بدله بل التزم له بضمان ما استوفاه بمثله أو قيمته بل ولو لم يصرح له بتداركه له بل كان منه مجرد أمر واستدعاء لما طلبه منه كما لو قال له : أعتق عبدك عني أو تصدق بمالك عنى ، ولم يقل : وعلي ضمانه بكذا ، فلو استجاب مالك العبد أو المال وأعتق أو تصدق عنه غير قاصد به التبرع يضمنه الآمر بالمثل أو القيمة وعلى كل فالضمان بالاستدعاء والأمر المعاملي ليس كالقسم السابق مما كان بتغريم وطرح من الشارع المقدس أعني الضمان باليد والإتلاف لا يقتضي دخول المضمون في ملك الضامن قبل التلف بآن ما وان قيل به أيضا لكنه خلاف المشهور حيث لا موجب له بخلاف الضمان بالاستيفاء فإنه ضمان معاوضي ومقتضاه دخول المضمون في ملك الضامن عند استيفائه له ولو بآن ما ، عوضا عما يخرج من ملكه الى المضمون له من بدله سواء كان بدله معينا أم كان هو المثل أو القيمة. نعم يبقى شي‌ء وهو بيان المدرك لصحة الضمان بالاستيفاء ومشروعيته.

١٥٢

الدية في ملك الميت قبل موته بآن ما (١) وحيث كان مفاد الدليل عندهم ذلك ، وكان اختص من القاعدة ، التزموا بتخصيصها به.

__________________

فنقول : مضافا إلى تسالم الأصحاب وعدم خلافهم في أصل صحته يمكن القول بكونه مشمولا لآية (التجارة عن تراض) فإنه كسب وتكسب من الضامن والمضمون له فان الضامن بالأمر المعاملي يكسب المال أو العمل من المضمون له بما تعهده له من العوض والمضمون له يكسب ما تعهده الضامن له من بدله ولم يكن الضمان بإلزام وتغريم من الشارع بل بإقدام واختيار من المتضامنين وبالجملة ، فهو من التجارة عن تراض.

نعم قد يشكل بأن المعاملة المذكورة غالبا لم يعين الضامن عوضها وقيمة المضمون في الغالب لم تكن معلومة للمتضامنين حين المعاملة فالمعاملة غررية ، وقد نهى النبي (ص) عن الغرر.

ويمكن ان يجاب عنه بان دليل الغرر ليس من العمومات غير القابلة للتخصيص فان تم الاتفاق على صحة المعاملة المذكورة مطلقا كما هو الظاهر يخصص دليل الغرر بالإجماع في المقام.

(١) قوله : «وكدخول الدية في ملك الميت قبل موته ، انما التزم الأصحاب بدخول الدية في ملك الميت قبل موته بآن ما لأحد أمرين على سبيل منع الخلو : اما للوجه الاعتباري وهو أن الدية عوض لنفس الميت التي أزهقها القاتل ، وحيث كان الميت ـ حال الحياة ـ مالكا لنفسه فيملك عوضها بآن ما قبل موته ، واما للروايات المستفاد منها أنها ميراث ومتروك منه للوارث ولازم ذلك كونها مملوكة له عند الموت وان الوارث يتلقى الملك من مورثه وذلك كخبر إسحاق عن الصادق ـ عليه السلام ـ : «إن رسول الله (ص) قال : إذا قبلت دية العمد وصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال» وكخبر يحيى الأزرق عن الكاظم ـ عليه السلام ـ : (في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية من قاتله ، عليهم أن

١٥٣

قلت : ان ما ذكروه مبني على أن مفاد العقد ليس إلا التمليك بإزاء التمليك وأن وجوب القبض إنما هو لكونه ملك الغير فيجب تسليمه الى مالكه ، لا لاقتضاء عقد المعاوضة ذلك.

وفيه ـ مضافا الى ما يلزمهم من محذور لزوم تقدم المعلول على علته بعد أن كان الانفساخ مسببا عن التلف بعده ـ وقياسه بإجازة الفضولي بناء على الكشف ، قياس مع الفارق ، لإمكان دعوى كون الشرط في الإجازة هو تعقب العقد بها ، وهو مقارن للعقد ، وليس في المقام ما يصلح أن يكون معقبا بالتلف حتى يصح أن يكون علة للانفساخ ، ولا يتوهم ـ هنا ـ كون السبب هو العقد المعقب ـ أيضا ـ لأن مدخلية التلف في التأثير تضاد أثر العقد ومفاده ، فكيف يمكن تركب السبب منهما ، بخلاف الإجازة التي ليس معناها إلا إمضاء مفاد العقد ، وإرجاع شرطية التلف إلى شرطية بقاء العين الى القبض في اللزوم ، فيه من التكلف ما لا يخفى وصدق الرجوع والانفساخ ، وان توقف على سبق الملك بالعقد إلا أن استناده لا يمكن الى العقد ، أو ما يتركب منه ومن غيره ومع ذلك لا ينفك عن لزوم المحال من تأخر المعلول عن علته التامة بالزمان ، بناء على ما هو المسلم عندهم من الانفساخ من حينه لا من حين العقد ، ولذلك كان القول بشرطية التعقب بالإجازة مبنيا على القول بأنها كاشفة لا ناقلة.

__________________

يقضوا دينه؟ قال ـ عليه السلام ـ نعم قال وهو لم يترك ، قال : إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه» وفي خبر السكوني عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ «من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته» وفي خبر محمد بن قيس : «أنه ـ عليه السلام ـ قضى في وصية رجل قتل انها تنفذ من ماله وديته» وفي صحيح ابن سنان «قضى أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ان الدية يرثها الورثة إلا الاخوة والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا» إلى غير ذلك من النصوص.

١٥٤

أنه لا ملازمة بين التعبير بكونه من مال البائع ، والقول بالانفساخ فضلا عن سبقه على التلف حتى يلتزم به ، إذ كما يمكن ذلك تصحيحا للصدق كذلك يمكن أن يكون كناية عن إرادة كونه تالفا عليه بلا عوض له فأشبه بماله الذي لو تلف عنده كان التلف عليه وخسرانه منه. وهذا المعنى يكفي ـ أيضا ـ في تحقق الصدق المذكور عليه ، وإن كان الأول هو الأظهر من العبارة ، إلا أن الثاني يمكن ترجيحه عليه بوجوه من المرجحات (١).

وعليه ، فيمكن القول بانفساخ العقد وحله بالتلف ، لكن من حينه لا قبله ، فتكون مخالفتها للقاعدة ـ التي مقتضاها : لزوم العقد ـ من حيث الانفساخ ورجوع كل من العوضين الى مالكه الأول ، أو القول بلزوم العقد وعدم انفساخه الموجب لكون المبيع مضمونا ببدله الواقعي من المثل أو القيمة ، غير أنه بعد قيام الدليل على كونه مضمونا بالمسمى خرجنا به عن القاعدة التي مقتضاها ضمان كل شي‌ء ببدله الواقعي ، وحينئذ فلا حلّ للعقد ولا انفساخ ، بل رجوع الثمن ـ حينئذ ـ إلى المشتري إنما هو من باب

__________________

(١) لعل الوجه في ترجيحه على الأول هو سلامته من محذور تقدم المعلول على علته واستلزام التخلص منه لما لا يخلو عن تكلف ولزوم محال كما أشار إليه سيدنا ـ قدس سره ـ مضافا الى أن الالتزام بالمعنى الثاني للنبوي يمكن مع القول بلزوم العقد الموافق لأصالة اللزوم منه وعدم انفساخه المقتضي لكون المبيع قبل القبض مضمونا على البائع بعوضه الواقعي من المثل أو القيمة غير انه في المقام لقيام الدليل على كونه مضمونا بالمسمى خرجنا به عن القاعدة المقتضية لضمان كل شي‌ء ببدله الواقعي وعليه فرجوع الثمن المملوك للبائع بالعقد إلى المشتري انما هو بدل وغرامة لما تلف من ملكه في يد البائع التي هي يد ضمان على الفرض لا من حيث انفساخ العقد ورجوع كل ملك الى مالكه قبل العقد كما هو مقتضى المعنى الأول للنبوي فتأمل جيدا.

١٥٥

الغرامة والبدلية عما تلف من ملكه ، ولم يقع الانفساخ في متن رواية أو معقد إجماع حتى يلتزم به ، وإن وقع التعبير به عن الأكثر ، إلا أنه استنباط منهم من ظهور التعبير الواقع في الحديث وغيره في ذلك الممكن إرادة ما ذكرناه منه ، بل هذا هو الأنسب بإطلاق الضمان عليه ومرجعه في مخالفته للقاعدة الى عدم إمضاء الشارع في المقام لما هو المجعول بدلا عن التالف عند العرف والعقلاء بجعله الثمن المملوك للبائع بخصوصه بدلا عن المبيع التالف قبل القبض ، والالتزام بذلك اولى من رفع اليد عن الأدلة الدالة على لزوم العقد ووجوب الوفاء به إذ ليس هو إلا عدم تقرير وإمضاء من الشارع لما عليه العرف والعقلاء في خصوص المقام من جعل البدل.

وتظهر الثمرة بينه وبين القول بالانفساخ قبل التلف ـ أو من حينه ـ فيما لو عاد التالف بالفرض ، أو ما بحكمه من السرقة ونحوها ، بناء على إلحاقه بالتلف في الحكم ، فإنه يرجع كل من العوضين على الأخير إلى مالكه بالعقد كالمأخوذ بدلا عن الحيلولة ، ولا يرجع على الأول ، لانفساخ العقد وحله ، وعوده موقوف على معاوضية جديدة.

هذا ، وما ذكرناه كله جريا منا على مذاق من بنى على كون الحكم بذلك على خلاف القاعدة ، وإلا فالأظهر ـ عندي ـ كما عليه غير واحد من الأصحاب ـ موافقته لها ، بعد أن كان مقتضى العقد هو تسليط كل من المتعاقدين صاحبه على ما كان مسلطا عليه من تبديل سلطنة بسلطنة في المتعلق الموجب لحصول الربط بين العوضين ربط البدلية ، بحيث يقوم كل منهما مقام الآخر في تعلق السلطنة الفعلية به وحيث كان مفاد العقد ذلك وجب على كل من المتعاقدين إيجاد ما هو عليه بعد العقد من التمكين الذي هو بمنزلة الجزء الأخير من العلة التامة لحصول التسليط الفعلي ، وحينئذ فوجوب القبض والتسليم إنما هو من شئون العقد ومقتضياته ، ولذا جاز

١٥٦

لكل منهما الامتناع عن التسليم حتى يحصل التقابض ، ولو بالرجوع الى الحاكم عند التشاحّ.

وعليه ، فبالتلف يتحقق الانفساخ المسبب عن عدم الوفاء بتمام مقتضى العقد (١).

__________________

(١) وبتقريب آخر : أن كلا من المتعاقدين كما يلتزم للآخر بالمبادلة بين المالين في عالم الاعتبار الذي هو المدلول المطابقي لإنشائه كذلك يلتزم له بالمبادلة الخارجية ، وهي : إعطاء ما خرج من ملكه اليه بدلا عما يأخذه منه ، ومرجع ذلك الى التزامه بتسليم ما سمّاه لصاحبه في عقد المعاوضة بدلا عما يتسلمه منه ، فاذا خرج المسمى في العقد عن صلاحية كونه بدلا وعوضا عما يتسلمه منه لتلفه أو ما هو بمنزلة التلف ـ كصيرورة العبد حرا بسبب الزمانة والإقعاد ، وكسرقة المتاع مع عدم معرفة السارق ، أو غصب الظالم له بنحو لا يرجى عوده ، ونحو ذلك ـ يخرج عوضه عن البدلية ، ويرجع الى ملك مالكه ، فيرجع المعوض والمبدل أيضا الى مالكه وهو معنى الانفساخ.

لأن المعاوضة والمبادلة المقتضية لخروج المعوض عن ملك من دخل العوض في ملكه ، ودخوله في ملك من خرج العوض عن ملكه الى مالك المعوض بطلانها مقتض للعكس ، أعني : دخول ما خرج ، وخروج ما دخل ، فاذا دخل الثمن في ملك المشتري ـ مثلا ـ فلا بد من خروج المثمن عن ملكه ، إذ لا يمكن الجمع بين العوض والمعوض ، فتنفسخ المعاوضة ويرجع كل من العوضين الى مالكه الأصلي.

فإن قلت : سلمنا أن الانفساخ ورجوع كل من العوضين الى مالكه الأصلي على طبق القاعدة ، ولكن رجوع المبيع الى ملك البائع قبل التلف آنا ما تعبد صرف بمقتضى ظاهر قوله (ص) : «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» فإن ظاهره كون التلف يقع في ملك البائع وان المبيع عند تلفه يكون من أمواله ، وانفساخ المعاملة ورجوع المبيع إلى ملك البائع إذا كان مسببا عن التلف ومعلولا له كيف

١٥٧

__________________

يتقدم عليه؟ فلا بد أن يكون ذلك على خلاف القاعدة بل هو تعبد محض.

قلت : يمكن أن يكون ذلك أيضا على طبق القاعدة وأن المعاوضة تقتضي ذلك ، بأن يكون التلف كاشفا عن انفساخها لا علة له ، فان عقد المعاوضة إذا كان مقتضاه ضمان المسمى فيه بعوضه المجعول في العقد لا ببدله الواقعي من المثل أو القيمة ، وكان لازم انفساخها رجوع كل من العوضين إلى ملك مالكه الأصلي ، ومقتضاه رجوع المثمن إلى البائع وبعد تلفه غير صالح للرجوع ، إذ لا قابلية له للعوضية ، وبطلان المعاوضة ـ كما ذكرنا ـ مقتضاه دخول ما خرج ، فمع عدم صلاحية الدخول بعد التلف لكونه معدوما لا بد من الالتزام بما هو صالح للرجوع إلى البائع ودخوله في ملكه ، والصالح للرجوع والدخول في ملك البائع إنما هو المبيع قبل تلفه ولو آنا ما ، وهو معنى كون التلف كاشفا عن الرجوع ، لا علة له.

ثم إنه ـ بناء على ما تبين : من أن مقتضى المعاوضة والمبادلة بين المالين مع إمضاء الشارع لها ، هو انفساخها بتلف كل من العوضين قبل التسليم ، فلا فرق بين تلف المثمن وبين تلف الثمن ، وبين البيع وبين غيره من سائر المعاوضات. نعم ، لو قلنا : بأن الانفساخ ورجوع المبيع الى ملك مالكه الأصلي على خلاف القاعدة ، بل لمحض التعبد للنبوي المشهور المتلقى بالقبول ، وخبر عقبة بن خالد.

فالتعدي عن البيع إلى سائر المعاوضات وادعاء أن المناط هو المعاوضة مشكل ، إذ المناط غير منقح بل هو من شم الفقاهة.

نعم ، الظاهر عدم الفرق بين تلف المبيع وبين تلف الثمن ، إذ النبوي ـ وإن اختص بتلف المبيع ـ لكن رواية عقبة بن خالد

١٥٨

__________________

ظاهرة في سراية الضمان المعاوضي الثابت على البائع إلى الثمن ـ أيضا ـ فإنه (عليه السلام) في صدر جواب سؤال السائل بقوله : «فسرق المتاع من مال من يكون؟» قال (ع) «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته» فيكون مفاده كالنبوي من حيث الضمان ، وكون التالف مضمونا على البائع ببدله المسمى وكون تلفه موجبا لانفساخ المعاوضة ورجوع كل من العوضين الى ملك مالكه ، فان ظاهر قوله (ع) : «من مال صاحب المتاع» كونه مضمونا ببدله المسمى في الاشتراء ، فسرقته المنزلة منزلة تلفه موجبة لانفساخ المعاوضة.

وبالجملة ، فظاهر جواب الامام ـ عليه السلام ـ كون ضمان صاحب المتاع البائع له : ضمانا معاوضيا ، فقوله ـ عليه السلام ـ بعد ذلك : «فإذا أخرجه من بيته» الذي هو كناية عن إقباضه للمشتري ، فالمبتاع ـ أي المشتري ـ ضامن لحقه ، أي : حق البائع ، وهو الثمن حتى يرد اليه ماله ـ (١) لا بد أن يراد من ضمان المشتري للثمن : الضمان المعاوضي ـ أيضا ـ الذي مقتضاه : كون تلفه قبل الرد موجبا لانفساخ المعاوضة وعوده الى ملك مالكه الأصلي ، وهو المشتري كضمان البائع للمتاع قبل الإقباض واحتمال ـ كون ضمان المبتاع للثمن من قبيل ضمان اليد ، لا المعاوضي ـ بعيد غايته.

__________________

(١) قوله «حتى يرد اليه ماله» يمكن أن تكون كلمة يرد مضارع رد ، يعني ان المشتري ضامن للثمن حتى يدفعه ويوصله إلى البائع. ويمكن أن تكون مضارع ورد ، ولعله الأنسب ، يعني ان المشتري ضامن للبائع حقه وهو الثمن حتى يصل الى البائع ماله من الثمن.

١٥٩

وبالجملة ، فالقبض شرط في الخروج عن ضمان المعاوضة في جميع عقود المعاوضات ، فيجري مثل تلف المبيع قبل القبض تلف المنفعة قبله في الإجارة بتلف العين بعد مدتها فتنفسخ الإجارة ـ على المختار ـ وتكون المنفعة مضمونة بقيمتها ـ على القول الآخر ـ اقتصارا فيما خالف الأصل عندهم على مورد الدليل من البيع دون غيره.

وليس من الحكم بذلك : ما لو تلفت العين المستأجرة قبل القبض مع انقضاء مدة لا يمكن فيها الانتفاع ، أو بعده ـ بلا فصل ـ كذلك فان الحكم ببطلان الإجارة في الصورتين مستند الى تعذر التسليم لكون القدرة عليه شرطا في صحة العقد ـ بالاتفاق ـ ولذا اتفقوا على بطلان الإجارة ـ هنا ـ وان اختلفوا في كون مسألة تلف المبيع قبل القبض على القاعدة أو على خلافها.

فمن الغريب توهم بعض الأساطين في استناد حكمهم بالبطلان ـ هنا ـ الى ما ورد في البيع : من الدليل على الانفساخ فيما لو تلف المبيع قبل القبض.

وها نحن نتلو عليك جملة من عباراتهم لكيلا تغفل عن مستند الحكم : قال في (الجواهر) ـ في شرح قول مصنفه : ولو استأجر شيئا فتلف قبل قبضه بطلت الإجارة ما لفظه ـ : «.. بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في محكي (التذكرة) لفحوى ما دل عليه في البيع : من النبوي ، وخبر عقبة ، وغيرهما ، بل ظاهر الأصحاب في المقام اتحاد الحكم في المقامين ، وان المنفعة هنا بمنزلة المبيع ، والأجرة بمنزلة الثمن ، ومن هنا يتجه جريان جميع ما تقدم هناك في المقام كالبحث عن تلف الثمن المعين ..» (١)

__________________

(١) راجع : كتاب المتاجر منه ، كتاب الإجارة تحت عنوان شرائط الإجارة الرابع ـ أن تكون المنفعة معلومة ..

١٦٠