بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

__________________

فهو من قبيل القياس الذي لا نقول به.

والحاصل : أن الظاهر من الروايات الواردة في بيان ضمان من عليه الخيار ما يتلف في يد من له الخيار : اختصاص ذلك بصورة كون الخيار مما له أمد محدود ومبدء ومنتهى كخيار الحيوان والشرط ، فمثل خيار الغبن والعيب ، وتخلف الوصف مما لم يكن له أمد استفادة حكمها من روايات الباب مشكل غاية الإشكال ، لا سيما مع القول بكون الخيار فيها على الفور.

ثم إن الروايات الواردة في الباب ، وان كان موردها صورة كون المبيع حيوانا ، وقد قبضه المشتري ، وان تلفه في الثلاثة أيام على البائع وبعد الثلاثة من المشتري ، إلا إذا شرط البائع لنفسه الخيار مدة تزيد على الثلاثة ، فغاية ضمان البائع تلف المبيع انتهاء مدة الشرط ، ولكن الظاهر عدم الخصوصية للحيوان ، فيمكن أن يتعدى منه الى غيره فيما لو كان الخيار المجعول للمشتري بالشرط.

وأما التعدي إلى صورة ما إذا كان الخيار المجعول بالشرط للبائع وتلف الثمن في مدة خياره ، فدعوى القطع باتحاد المناط وعدم الخصوصية للمشتري وكون التالف العين المبيعة غير بعيدة. ولو نوقش في دعوى القطع باتحاد المناط بين تلف المثمن وبين تلف الثمن في ضمن الخيار فيكفي في ذلك استصحاب الضمان الثابت قبل القبض بالنسبة إلى الثمن ، إذ لا ينبغي الإشكال في أن قاعدة كون تلف المال من مالكه مخصصة بقاعدة التلف قبل القبض بالنسبة إلى الثمن ، وكون تلفه من المشتري لحكومة قاعدة التلف قبل القبض على قاعدة كون تلف المال من مالكه ، وبعد قبض البائع للثمن ، وكون الخيار للبائع خاصة ، وحصل الشك في كون تلف الثمن من ماله لقاعدة كون التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له ، وكونها

٢٠١

وعدم استقراره عليه وضمانه على من لا خيار له لأنه قد استقر العقد عليه كما صرح به في (السرائر) حيث قال : «وكل من كان له الخيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار ، لأنه قد استقر العقد عليه ولزم والذي له الخيار ما استقر عليه العقد ولا لزمه ، فان كان الخيار للبائع دون المشتري وكان المتاع قد قبضه المشتري وهلك في يده ، كان هلاكه من مال المشتري دون مال البائع ، لأن العقد استقر عليه ولزم من جهته ..» (١) انتهى.

وهو مناط مستفاد مما هو بحكم التعليل في قوله «حتى ينقضي الشرط

__________________

شاملة للثمن أيضا ، فلو نوقش في دعوى تنقيح المناط ، وكونه ظنيا لا قطعيا ، فاستصحاب ضمان المشتري للثمن الثابت بالنسبة إليه قبل القبض ببدله المسمى في العقد الى ما بعد قبض البائع له في مدة خياره المجعول له بالشرط ، يكون من قبيل استصحاب حكم الخاص الحاكم على عموم العام ـ كما يظهر بالتأمل.

وأما التعدي عن مورد الروايات الى خيار المجلس الثابت لأحد المتعاقدين فالكلام فيه هو الكلام في سابقه من التعدي بالنسبة إلى الثمن ، فإنه ، وان لم يكن الخيار فيه محدودا بزمان كخيار الحيوان ، والشرط ، ولكن حيث حدد بالافتراق فهو بمنزلة التحديد بالزمان.

والحاصل ، أن التعدي إلى الخيارات الثلاثة : خيار الغبن ، وخيار العيب ، وخيار تخلف الوصف المشروط في العقد ، مشكل غاية الإشكال لا سيما بناء على المشهور من كون ظهور العيب والغبن والتخلف سببا للخيار لا كاشفا عن ثبوت الخيار من حين العقد ، بل لا وجه له على هذا المعنى كما لا يخفى.

(١) السرائر لابن إدريس ـ كتاب البيوع ، باب الشرط في العقود.

٢٠٢

ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري» بعد حمل صيرورته للمشتري على الملك المستقر كما فهمه المشهور ، دون أصل الملك ، كما عليه الشيخ ، ومانعية التزلزل عن ضمان المقبوض لم تنفك عن مطلق الخيار.

وبهذا التعميم وغيره ـ كما ستعرف ـ صرح بعض الأصحاب :

قال في (الدروس) : «.. ولو تلف بعد قبض المشتري فهو من ماله إلا أن يختص بالخيار ، فيكون من البائع.» انتهى (١) من غير تقييد للخيار في كلامه بما يخصصه ببعضه.

وقال جدنا في (الرياض) بعد بيان قاعدة ما إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ـ : «.. وكذا لو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهية بعد قبضه وقبل انقضاء خيار المشتري أو البائع ، فإن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له بلا خلاف أجده ، لما مر في كل من خياري الشرط والحيوان : من المعتبرة المستفيضة ، وأخصيتها من المدعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة ..» (٢).

وقال في (مفتاح الكرامة) : «لقد حكم المصنف ـ هنا ـ وفي التذكرة والمحقق الثاني والفاضل الميسي : أنه يكون من المشتري ان كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي ، وأنه إن كان للمشتري ـ خاصة ـ فمن البائع وهو ـ فيما عدى الأجنبي وما عدى ما إذا كان الخيار لهما ـ على ما ستعرف الحال فيه ـ موافق لما في (السرائر) و (جامع الشرائع) لابن سعيد ، و (الإرشاد) وشرحه لولده ، (ومجمع البرهان) : من أن التلف إن كان في مدة الخيار ، فهو ممن لا خيار له ، وهو معنى ما في (الشرائع) و

__________________

(١) راجع من دروس الشهيد : كتاب البيع ، درس في القبض.

(٢) كتاب التجارة ، الفصل الثالث في الخيار في شرح قول المحقق : الخامسة إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ..

٢٠٣

(التحرير) و (التذكرة) و (المسالك) و (المفاتيح) : من أنه إن كان الخيار للبائع فالتلف من المشتري ، وان كان للمشتري فالتلف من البائع ، ولا أجد في شي‌ء من ذلك خلافا ، بل إطلاق إجماع (الغنية) حيث قال : «إذا هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل على الرضا ، فيكون هلاكه من ماله» منطبق على الصورة الثانية ، لكنه يشكل بالنسبة الى ما إذا كان الخيار لهما كما ستسمع (١) انتهى.

وبالجملة ، لم أجد من صرح من الأساطين باختصاص الخيار ببعض أقسامه مع وقوعه بنحو الإطلاق في كلامهم ، وان وقع التعبير بالمدة والزمان في كلام أكثرهم المنزل على غلبة تصوير التلف في حال الخيار ووجوده بعد أن كان المناط التلف في حال التزلزل من غير مدخلية للزمان في موضوعية المناط ، وان أخذ ـ غالبا ـ طريقا الى تحققه.

نعم ، الظاهر عدم مانعية التزلزل المسبوق باللزوم عن ضمان المقبوض كخيار تأخير الثمن لحدوث الخيار بعد الثلاثة لا في أثنائها ، فضمان المبيع على المشتري لو تلف عنده بعد الثلاثة إنما هو للقاعدة الأولية لكونه تلف في ملكه بعد قبضه ، كما لو تلف في الثلاثة ، لا لخيار البائع وأنه من مال من لا خيار له ، لظهور «حتى ينقضي الشرط» في الصحيحة في اعتبار اتصال التزلزل بالعقد ، وكذا مثله ، بناء على تعميم القاعدة للثمن أيضا ـ كما ستعرف ـ إذا تلف الثمن بعد قبض البائع له لو شرط الخيار عند رد الثمن أو مثله في زمان معين ، فان الخيار إنما يحدث بعد رد مثل الثمن فيه ، لا قبله ، فيكون تلف الثمن في ملكه ، ولا خيار له حتى يكون في ضمان المشتري ، ومن مال من لا خيار له ، فهو من التزلزل المسبوق

__________________

(١) راجع : كتاب المتاجر منه ص ٥٩٨ طبع الشام.

٢٠٤

باللزوم الذي قد عرفت أنه غير مانع عن الضمان.

نعم لو فرض استمرار الخيار في المدة ، وأن رد مثل الثمن شرط في إعمال الخيار ومباشرة الفسخ على وجه يكون ذلك بجعل بالفرض في أصل العقد ، أشكل الحكم بذلك لاختصاص الخيار بالبائع واقتضاء القاعدة كونه من ضمان من لا خيار له ، وهو المشتري.

الثالث يظهر مما ذكرنا من عدم كون المقبوض لذي الخيار مضمونا عليه لو تلف في خياره : عدم الفرق بين المبيع والثمن ، لوحدة المناط المتقدم فيهما ، ضرورة أن نسبة الثمن المقبوض للبائع ، والخيار مختص به كنسبة المبيع المقبوض للمشتري إذا كان الخيار مختصا به.

وإن تأمل في التعميم من هذه الحيثية أيضا ـ بعض المحققين من المعاصرين ، نظرا الى الاقتصار فيما خالف الضوابط الشرعية على المتيقن خروجه منها ، وهو المبيع ، فلا يتعدى منه إلى الثمن.

وأنت خبير بما فيه ، لعدم وقوع لفظ المبيع في شي‌ء من الأخبار كما وقع في النبوي المتقدم في القاعدة المتقدمة حتى يتوهم الاقتصار عليه.

ودونك في التعميم من هذه الحيثية ـ أيضا ـ ما تقدم من كلام جدنا في (الرياض) وغيره.

الرابع ـ الخيار : إما أن يكون للبائع ، أو للمشتري ، أو لهما ، أو للأجنبي ـ منفردا ـ أو له منضما إليهما ، أو إلى أحدهما ، بائعا كان أو المشتري وعلى التقادير كلها : فاما أن يكون التلف قبل القبض أو بعده.

فان كان قبل القبض كان من ضمان البائع ـ مطلقا ـ في جميع صورها السبع ، لأنه من تلف المبيع قبل قبضه الذي قد تقدم كونه مضمونا على البائع ـ مطلقا ـ حتى لو كان له خيار مختص به فإنه لا يكون من ضمان المشتري الذي لا خيار له ، لما عرفت من اختصاص قاعدة تلف المبيع

٢٠٥

في مدة الخيار بما إذا كان بعد القبض ، لا قبله ، وان توهم كونه من تعارض القاعدتين فيه.

وأما إذا كان التلف بعد القبض فمن ضمان المشتري في جميع صورها أيضا ـ إلا إذا كان الخيار خاصا بالمشتري ، فإنه المتيقن خروجه ـ بما دل على كون التالف في مدة الخيار ممن لا خيار له ـ عن القاعدة الأولية التي مقتضاها كون التالف منه ، لأنه تلف في ملكه وهو مقبوض له.

ويلحق بهذه الصورة في الخروج عن القاعدة الأولية : ما لو كان الخيار للأجنبي ، وكان بجعل من المشتري توكيلا منه ـ منفردا كان أو منضما الى نفسه ـ لا تحكيما ، فافهم.

الخامس ـ المراد بالضمان في هذه القاعدة هو المراد منه في قاعدة تلف المبيع قبل قبضه ، بمعنى انفساخ العقد وحله ، فلا يفتقر بعد التلف الى فسخ ذي الخيار ، لتحقق الانفساخ بمجرد تحقق التلف ، فلم يبق عقد ـ حينئذ ـ حتى تكون له سلطنة على الفسخ بالخيار ، وهو واضح

هذا آخر ما أردنا بيانه في هذه المسألة والله العالم

بحقائق أحكامه

٢٠٦

رسالة

في الأراضي الخراجية

٢٠٧
٢٠٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمد (ص) وأهل بيته المعصومين ، وعلى صحبه الأبرار المنتجبين ، ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين.

وبعد : فيقول الراجي عفو ربه الغني محمد بن محمد تقي آل بحر العلوم الحسني الحسيني الطباطبائي (١) :

هذه (رسالة في الأراضي الخراجية) وغيرها ، وما يأخذه السلطان من الخراج والمقاسمة ، وما يؤخذ منه من الجوائز. رتبتها على مقدمة ومقالات وتذنيب ، وخاتمة.

أما المقدمة ، ففي تقسيم الأرضين

وهي في الأصل ـ كما في قاطعة اللجاج (٢) ـ على قسمين :

(أحدهما) ـ أرض بلاد الإسلام ، وهي على قسمين ـ أيضا ـ عامر ، وموات. فالعامر ، ملك لأهله لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن ملاكه

__________________

(١) هو العلامة المحقق سيدنا الخال السيد محمد ابن العلامة السيد محمد تقي ابن العلامة السيد رضا ابن سيدنا المعظم بحر العلوم الطباطبائي قدس الله تعالى أسرارهم.

(٢) رسالة قاطعة اللجاج في حل الخراج للشيخ الجليل المحقق الثاني نور الدين علي بن عبد العالي الكركي صاحب المصنفات الكثيرة المشهورة منها : جامع المقاصد في شرح القواعد للعلامة الحلي ـ قدس الله تعالى سرهما.

طبعت هذه الرسالة القيمة مع جملة من رسائل مختلفة في الرضاع والخراج في إيران سنة ١٣١٥ ه‍.

٢٠٩

والموات ـ إن لم يجر عليه ملك مسلم ، فهو لإمام المسلمين ، يفعل به ما يشاء وليس هذا القسم من محل البحث المقصود.

(الثاني) ما ليس كذلك ، وهو أربعة أقسام : الأول ـ الأرض المفتوحة عنوة ، الثاني ـ أرض الجزية ، وهي التي صولح عليها ، الثالث الأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا ، الرابع ـ أرض الأنفال (١).

وهذه القسمة لا تنافي تقسيم أكثر الفقهاء لها إلى الأقسام الأربعة ، لأن نظرهم في التقسيم إليها من حيث تعلق يد الكفار بها واستيلائهم عليها.

(تنبيه) : جمع الأرض على الأراضي على غير قياس ، لأن (فعل) لا يجمع على (فعالي) ، بل هو جمع (فعلاء) كصحراء وصحاري ، قال في (المسالك) : «.. وربما جمعها ـ أي الأرض ـ بعضهم على الأراضي وغلط في ذلك» (٢) وعن الحواشي المنسوبة إلى الشهيد ـ رحمه الله ـ : «أن جمع الأرض على الأراضي غلط».

قلت : هو جمع سماعي على غير قياس ، قال في (الصحاح): «.. وقد تجمع ـ أي الأرض ـ على أروض ، وزعم أبو الخطاب : أنهم يقولون : أروض ، وأراض ، كما قالوا : أهل ، وآهال ، والأراضي ـ أيضا ـ على غير قياس» (٣) وقال في (القاموس) : «.. أرضات وأروض وأرضون وأراض ، والأراضي غير قياسي» (٤) وعن المصباح «.. قال أبو زيد : وسمعت العرب تقول في جمع الأرض : الأراضي والأروض ، مثل : فلس وفلوس ، وجمع فعل وفعالي في أرض وأراضي

__________________

(١) راجع هذا التقسيم ـ باقتضاب ـ في المقدمة الأولى من الرسالة المذكورة.

(٢) راجع : مسالك الأفهام للشهيد ج ٢ أوائل كتاب إحياء الموات.

(٣) راجع : الصحاح للجوهري ، باب الضاد ، فصل الألف بمادة (أرض)

(٤) راجع : تمام المادة ـ في (القاموس) أو باب الضاد فصل الهمزة.

٢١٠

وأهل وأهالي ، وليل وليالي ـ غير قياسي» (١).

وكيف كان ، فها هنا مقالات :

المقالة الاولى : في الأرض المفتوحة عنوة بفتح العين المهملة وسكون النون ـ وهي المأخوذة بالقهر والغلبة المستلزمة للذل والخضوع.

ومنه قوله تعالى (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) (٢).

فما كان منها عامرا ـ يوم الفتح ـ فهو للمسلمين قاطبة ، ولمن يدخل في الإسلام ولمن يوجد ـ بعد ذلك ـ بالسوية ، من غير تفاضل بينهم ، فضلا عن التخصيص بالمقاتلة منهم.

ويدل عليه ـ بعد الإجماع بقسميه البالغ منقولة فوق حد الاستفاضة المعتضد بدعوى غير واحد الوفاق ، وعدم الخلاف في ذلك ، فلا يعبأ بما وقع من التعبير عنه بالمشهور في (الكفاية) ـ (٣).

الأخبار المستفيضة التي منها : صحيحة الحلبي «عن السواد : ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق ـ بعد ـ فقلنا : الشراء من الدهاقين؟ قال : لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين ، فان شاء ولي الأمر أن يأخذها

__________________

(١) راجع : المصباح المنير للفيومي باب الألف بمادة (الأرض).

(٢) سورة طه ـ ١١١.

(٣) حيث قال في كتاب الجهاد : «القول في أحكام الأرضين وهي على أقسام أربعة : الأول ـ المفتوحة عنوة ـ الى أن يقول : والمراد بالمفتوحة عنوة المأخوذة بالغلبة والقهر والاستيلاء وحكمها على المشهور انها للمسلمين قاطبة لا يختص بها الغانمون وعند بعضهم انها كذلك بعد إخراج الخمس لأهله إلى آخر كلامه «قده»

والظاهر عدم الإشكال في تعبيره (قدس سره) بالمشهور إذ هو في قبال قول البعض من انها لجميع المسلمين بعد إخراج الخمس لأهله ، فراجع.

٢١١

أخذها. قلنا : فإن أخذها منه؟ قال : يرد إليه رأس ماله ، وله ما أكل منها» (١).

ومنها ـ صحيحة ابن ربيع الشامي : لا تشتروا من أرض السواد ـ إلى أن قال ـ : فإنها في‌ء للمسلمين» (٢).

ومنها ـ خبر محمد بن شريح : «سألت أبا عبد الله ـ ع ـ عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه ، وقال : إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له : فإنه يشتريها الرجل ، وعليه خراجها؟ فقال : لا بأس ، إلا أن يستحيي من عيب ذلك» (٣).

ومنها ـ صحيحة صفوان : «قال : حدثني أبو بردة ، قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك ـ وهي أرض المسلمين؟ قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده ، قال : ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ـ ثم قال ـ : لا بأس أن يشتري حقه منها ، ويحول حق المسلمين عليه ، ولعله يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه» (٤).

ومنها ـ مرسلة حماد ـ الطويلة ـ «.. عن أبي الحسن الأول (ع) :

__________________

(١) ذكرها الشيخ ـ قدس سره ـ في التهذيب في الجزء السابع كتاب التجارات الباب الحادي عشر باب أحكام الأرضين (٦٥٢) ـ (١) وفي آخرها «وله ما أكل من غلتها بما عمل» فراجع.

(٢) ذكرها الشيخ ـ قدس سره ـ في التهذيب في (١١) باب أحكام الأرضين (٦٥٣) ـ (٢) : عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هو في‌ء للمسلمين.

(٣) ذكره الشيخ ـ قدس سره في نفس الباب من التهذيب (٦٥٤) ـ (٣).

(٤) ذكره الشيخ ـ قدس سره ـ فيه في نفس الباب منه (٦٨٦) ـ (٣٥).

٢١٢

«الأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة بيد من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على قدر طاقتهم من الخراج : النصف أو الثلث أو الثلثان ، على قدر ما يكون لهم صلاحا ، ولا يضر بهم ، فاذا خرج منها نماؤها فأخرج منه العشر من الجميع فيما شقت السماء أو سقي سيحا ونصف العشر فيما سقي بالدوالي والنواضح ، فأخذه الوالي ، فوجهه في الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم : (لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ) .. (وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، ثمانية أسهم يقسمها بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون في سنتهم ، بلا ضيق ولا تقتير ، فان فضل شي‌ء من ذلك رد إلى الوالي ، وان نقص شي‌ء من ذلك ، ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا ، ويأخذ بعد ما يبقى من العشر ، فيقسمه بين الوالي وشركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها ، فيدفع إليهم انصبارهم على ما صالحهم عليه ، ويأخذ الباقي فيكون أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام وتقوية الدين ، وفي وجوه الجهاد ، وغير ذلك مما فيه مصلحة عامة ، وليس لنفسه من ذلك القليل والكثير» (١).

وهي ـ وان كانت مرسلة ـ إلا أن الأصحاب تلقوها بالقبول ، فهي منجبرة ، وان تضمنت تقديم الزكاة على الخراج ، وهو ـ على ما قيل ـ خلاف المشهور. الى غير ذلك من الأخبار.

والظاهر : أنها لهم على جهة الملكية ـ كما عن صريح بعض ـ لمكان اللام والإضافة الظاهرين فيها ، لا على وجه الاختصاص ، ولو من جهة

__________________

(١) راجع هذا الحديث ـ باختلاف بسيط في بعض عباراته ـ في أصول الكافي للكليني كتاب الحجة باب الفي‌ء والأنفال حديث رقم (٤) وفي كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي كتاب الجهاد باب كيفية قسمة الغنائم حديث رقم (٢)

٢١٣

اختصاص ارتفاعها بهم لكونه يصرف في مصالحهم ـ كما في المستند ـ تبعا للمحكي عن بعض فيه ـ ولعله ظاهر (الكفاية) ـ أيضا ـ بدعوى منع ظهور اللام والإضافة في الملكية ، لصدق الإضافة بأدنى الملابسة ، وكون الاختصاص أحد معاني اللام ، مضافا الى أن الملكية لا يمكن أن تكون لغير المعين ، لأنها من الصفات اللازم قيامها بالذات المفقودة في الكلي قبل تشخصه في الخارج ، ولذا يحمل (١) عليها في باب الدعاوي والأقارير والمجاز خير من الاشتراك ، أو المنصرف إليها عند الإطلاق ، بناء على انها حقيقة في مطلق الاختصاص الذي هو القدر المشترك بين جهاته : من الملكية أو الاستحقاق أو الاختصاص الخاص ، لأنها المنسبق الى الذهن من سائر

__________________

(١) هذا من كلام المصنف ـ قدس سره ـ لبيان أن اللام في قوله ـ عليه السلام ـ في صحيحة الحلبي هو لجميع المسلمين ، وان الإضافة في قوله ـ عليه السلام ـ في صحيحة صفوان وهي أرض المسلمين ، وما كان من قبيلهما من الروايات ظاهرهما كون ذلك لهم على جهة الملكية لا على وجه الاختصاص من حيث اختصاص ارتفاعها بهم ـ كما في المستند وظاهر الكفاية ـ فإنه لو لا الظهور في الملك لما حملنا عليه في الدعاوي والأقارير على ما هو المتسالم عليه. ودعوى صدق الإضافة بأدنى الملابسة وكون الاختصاص أحد معاني اللام لا ينافي ظهورهما في الملكية لإمكان كون ذلك على وجه المجاز فإنه خير من الاشتراك ، ولو قلنا بان اللام حقيقة في مطلق الاختصاص الذي هو القدر المشترك بين الملكية والاستحقاق والاختصاص الخاص ، فلا ينبغي الريب في ان المنسبق الى الذهن والمنصرف اليه من الجهات هو المكية ومقتضاه الحمل عليها عند الإطلاق ، وكفاية أدنى الملابسة في صدق الإضافة غاية مقتضاها إمكان إرادة الأدنى منها لا إيجاب الحمل عليها ، وعلى كل فاللام والإضافة ظاهران في الملكية سواء كان المنشأ هو الوضع أو الإطلاق والانصراف هذا حاصل مراد سيدنا ـ قدس سره ـ وان كان في العبارة نحو من الغموض.

٢١٤

الجهات وكفاية أدنى الملابسة في الصدق ، غايته أنها مسوغة لإرادة الأدنى منها ، لا أنه موجب للحمل عليها.

وأما الحكم بعدم إمكان كون الملك لغير المعين ، ففيه : أنه إن أريد منه عدم إمكان كون الملك للمالك الكلي ، وأن المالك لا بد أن يكون شخصا خارجيا ، ففيه عدم الفرق في الملكية التي هي عبارة عن العلقة الخاصة الحاصلة بين المالك والمملوك بين طرفيها ، فكما يصح أن يكون المملوك كليا كالكليات الثابتة في الذمة ، صح أن يكون المالك كليا ـ أيضا ـ كالخمس والزكاة بعد التعيين وقبل القبض للفقراء والهاشميين والأعيان الموقوفة على العناوين العامة ، كالعلماء والمشتغلين ، بناء على أن الوقف ـ مطلقا ـ ملك للموقوف عليه.

والفرق بدعوى صحة كون المملوك كليا باعتبار أوله ، وإمكان تشخصه في الخارج الموجود ذلك الكلي فيه ومنطبق عليه ، فهو متمول بهذا الاعتبار يصح تعلق الملكية به.

فبعينه يقال في صحة كون المالك كليا ، حرفا بحرف.

وبالجملة ، فالملكية : إما أن تكون بين جزئيين شخصيين ، أو كليين أو يكون أحدهما جزئيا والآخر كليا ، فالصور أربع.

أما الأولى ـ فكملكية زيد ـ مثلا ـ للعين الشخصية الخارجية.

وأما الثانية ـ فكملكية مقدار من الخمس أو الزكاة الثابتين في ذمة المتلف لهما لكلي الفقراء والهاشميين ، ومنه يتضح المثال في الصورتين الأخيرتين ـ فتأمل (١)

وإن أريد منه لزوم التعيين المقداري ، ففيه ـ مع إمكان منع كونه معتبرا في أصل الملكية وتحققها ، وإن اعتبرناه في صحة المعاملة ، لتعذر

__________________

(١) وجه التأمل هو إمكان دعوى كون العناوين العامة كالهاشميين أو الفقراء وغيرهما مصرفا لذلك لا مالكا له (منه رحمه الله).

٢١٥

القبض والتسليم مع جهالة المقدار ، فغايته اعتبار تعيينه في الواقع ونفس الأمر ، وإن لم يكن معلوما في الظاهر ، وهو متعين في علم الله بالنسبة إلى المسلمين المالكين لتلك الأراضي. فإذا : الأقوى إنها لهم على جهة الملكية للرقبة دون الاختصاص ، لكن هل هي لهم بمعنى أنه لكافة أحادهم على سبيل الاستغراق الأفرادي كما يعطيه ظاهر النسبة الى جميع المسلمين ، أو لكافتهم أو قاطبتهم في الصحيحة الأولى ومعقد بعض الإجماعات المحكية ، أو هي لهم على الجنسية والنوعية الكليين كالأمثلة المتقدمة من الخمس والزكاة ـ وجهان ـ

ويتبع ملكية الرقبة ملكية ارتفاعها ، ففي تعيين صرفها لخصوص المصالح العامة المستوية فيها آحاد المسلمين ، أو هو لمطلق المصالح الراجعة لنوعهم ، وإن اختصت المصلحة ببعضهم دون بعض : وجهان ، مبنيان ـ كما عرفت ـ على كيفية الملكية للرقبة ، فإن قلنا بكونها لآحاد المسلمين كافة ـ كان نماؤها التابع لها في الملكية لآحادهم ـ أيضا ـ وحيث يتعذر التوزيع والقسمة بين الكل تعين الصرف في المصلحة الراجعة إلى الكل كمعونة الغزاة ومؤنة الولاة والقضاة ومطلق ما يرجع الى تقوية الدين ومصالح كافة المسلمين ، كبناء المساجد والقناطر ، فان الحقية ثابتة لكل واحد منهم وان لم يتفق له فعلية الانتفاع ، ضرورة أنه لا معنى لكون الرقبة ملكا لكل واحد منهم ، ويختص بنمائها البعض ، وان قلنا بملكيتها لكلي المسلمين ونوعهم جاز دفع نمائها للبعض الصادق عليه النوع والكلي ، بل أمكن أن يقال بجواز دفع عين الرقبة ـ كلا أو بعضا ـ له ، لصدق النوع عليه ، فتكون من دفع المملوك الى مالكه ، إلا أن يقال بظهور الأخبار وكلمات الأصحاب على الملكية المؤبدة لهم وصرف ارتفاعها عليهم كالأعيان الموقوفة لغرض تأبيد العين وتسبيل المنفعة. لم أر في كلماتهم تنقيحا لذلك.

وظاهر بعض الأخبار ومعقد الإجماعات ، وان اقتضت ملكية الرقبة

٢١٦

لآحادهم الموجبة لاختصاص صرف نمائها في المصالح العامة ـ إلا أنها معارضة بما دل على حلية أخذ جوائز السلطان الشامل بإطلاقه لما كان المأخوذ من الخراج والمقاسمة ، من غير تقييد بكونها من غيرهما ، بل في بعضه ما هو نص في ذلك ، ويأتي ـ إن شاء الله ـ زيادة توضيح لذلك.

مع عدم حلية ذلك لو كان المصرف خصوص المصالح العامة ، إذ لا يجوز صرف حق في غير مصرفه ، فيصلح لأن يكون قرينة لصرف تلك الظواهر وحملها على إرادة نوع المسلمين دون آحادهم ، والجمع والتأكيد إنما هو لتعميم النوع وإفادة عدم الاختصاص ببعض منهم دون بعض وطائفة دون أخرى.

وبالجملة ، فحلية ما يؤخذ منهما بنحو الهبات والصلات ـ كما عليه بعض الإجماعات ـ تكشف عن عدم اختصاص صرفهما في المصالح العامة ، وهي انما تتم على ملكية النوع ، دون الآحاد.

هذا ، ولكن كلمات الأصحاب ، وكذا الأخبار الواردة في بيان المصرف كلها مصرحة باختصاصه في المصالح العامة.

اللهم إلا أن يقال : بذل الجوائز والعطايا لكونها من لوازم الرئاسة التي هي من المصالح العامة ، يعد منها أيضا ـ فهي محسوبة من مؤنة القائم بها.

بقي هنا أمور :

الأول ـ إن هذه الأراضي ، هل يتعلق بها الخمس ، فيكون الباقي بعد إخراج الخمس منها ـ وهو الأربعة أخماس ـ ملكا للمسلمين ، أو الكل لهم بخمسة أخماسها؟ قولان :

المشهور هو الأول ، بل في (المبسوط) (١) : إنه يقتضيه المذهب». بل هو مندرج في معقد إجماع (المدارك) و (الذخيرة) بل في (الحدائق) :

__________________

(١) راجع : كتاب الجهاد ، فصل في ذكر مكة هل فتحت عنوة أو صلحا.

٢١٧

«إنه ظاهر كلام الأصحاب» وفي (الجواهر) ـ بعد نسبته الى ظاهرهم : «كأنه من المسلمات عندهم» وحكي عن بعض : التصريح بالثاني ، بل في (الحدائق) : (إن اختصاص الخمس بالمنقول من الغنائم هو ظاهر الأخبار) : بل فيه : «إنه لم يعرف دليلا ولا وقف على مستند يوجب الخمس في ذلك إلا ظاهر الآية».

قلت : الكلام في هذه المسألة ـ مرة ـ من حيث أخبارها ، وأخرى من حيث كلمات الأصحاب فيها.

أما الكلام في الأولى : فهنا طوائف من الأخبار : واحدة منها ـ دلت على وجود الخمس في هذه الأراضي بالعموم أو الإطلاق.

وأخرى ـ على عدمه ـ كذلك ـ وكونها للمسلمين.

وثالثة ـ ما دل على أن الأرض كلها للإمام ـ عليه السلام.

فمن الأولى ـ رواية أبي حمزة : «إن الله جعل لنا ـ أهل البيت ـ سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء ـ الى أن قال ـ : وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله ، يا أبا حمزة ، ما من أرض تفتح ، ولا خمس بخمس فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراما على من يصيبه ، فرجا كان أو مالا» (١).

وحسنة معاوية بن وهب ، وفيها : «السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم ، كيف يقسمون؟ قال : إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الامام

__________________

(١) وسند الحديث ـ كما عن الوسائل للحر العاملي ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال ، باب إباحة حصة الإمام من الخمس للشيعة حديث رقم (١٩) ـ هكذا : وعن علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام ـ في حديث ـ قال : ان الله جعل ..

٢١٨

عليه السلام ـ أخرج منه الخمس لله وللرسول ، وقسم بينهم أربعة أخماس وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام (ع) يجعله حيث أحب» (١).

ورواية أبي بصير : «كل شي‌ء قوتلوا عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، فان لنا خمسه» (٢).

ومن الثانية ـ : ما تقدم مما دل على كونها للمسلمين ، ومعارضتها للأولى من تعارض العام والخاص المطلق ، الموجب لحمل العام على الخاص أو المطلق على المقيد ، لأن تلك الأخبار التي هي من الطائفة الأولى كعموم الآية الدالة على وجوب الخمس ، شاملة ـ بعمومها أو إطلاقها للأراضي وغيرها من منقول الغنائم ، وهذه الأخبار التي هي من الطائفة الثانية الدالة كونها للمسلمين مختصة بخصوص الأراضي ، وما لا يحول وينقل ـ وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى جميعها أو الباقية بعد إخراج الخمس منها ـ إلا أنها ـ بإطلاقها أخص من الأولى ، والخاص المطلق ، وان كان بالنسبة الى ما هو مندرج فيه ـ مطلقا أو عاما ـ مقدم على العام المطلق الشامل له ولغيره ومع وجود المرجحات الداخلية ـ من العموم والخصوص المطلقين ـ لا يرجع الى المرجحات الخارجية من موافقة الكتاب ومخالفة الجمهور.

__________________

(١) وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث رقم (٣) وسند الرواية هكذا : وعنه عن أبيه عن ابن محبوب عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله (ع) ..

(٢) تمام الرواية وسندها ـ كما عن الوسائل للحر العاملي : كتاب الخمس أبواب الأنفال باب وجوب إيصال حصة الإمام حديث رقم (٩) ـ هكذا محمد ابن محمد في (المقنعة) عن أبي بصير عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : «كل شي‌ء قوتل عليه ..».

٢١٩

فمن الغريب : ما وقع من (النراقي) في (مستنده) حيث جعل التعارض بينهما من العامين من وجه ، فقال ـ بعد أن أورد تلك الأخبار العامة ـ ما لفظه ـ : «وهي ، وان كانت معارضة مع عمومات الأخبار المصرحة بأنها لجميع المسلمين بالعموم من وجه إلا أن الترجيح لأخبار الخمس لموافقة الكتاب ، ومخالفة العامة (١).

ومنه يظهر ـ أيضا ـ : ضعف ما ذكره في (الجواهر) من قوله : «كما أن تلك الأخبار الواردة في المفتوحة عنوة ، وأنها ملك المسلمين وكيفية إخراجها ، لا يأبى التقييد بما هنا : من كون ذلك بعد الخمس فان الخاص المطلق يأبى تقييده بالعام كذلك ، وان كان مطلقا بالنسبة إلى ما هو مندرج تحته».

هذا ، مضافا الى ما يمكن أن يقال : إن الحسنة المتقدمة ظاهرة في المنقول من الغنائم بقرينة تقسيم الباقي بعد الخمس الى خصوص المقاتلين.

نعم ، ذيل رواية أبي حمزة ، وان صرح بالأرض المفتوحة ، إلا أنها بقرينة قوله ـ بعده ـ «أو خمس يخمس» ظاهرة في إرادة الأنفال منها ، التي كلها للإمام ، لظهور المقابلة لما فيه الخمس في ذلك.

ومع فرض التسليم ، فهي ـ أيضا ـ لشمولها عامر المفتوحة ومواتها ورؤوس الجبال وبطون الأودية ـ أعم مطلقا مما دل على أن المفتوحة للمسلمين ، بعد معلومية تقييدها بالإجماع وغيره ـ بالمحياة عند الفتح منها فلا مناص عن كون التعارض بين الطائفتين من العموم والخصوص المطلق.

وأما الطائفة الثالثة التي تأتي أخبارها (٢) ، فلا دلالة فيها على وجود الخمس في هذه الأراضي ، بل هي دالة على كونها للإمام ـ عليه السلام ـ

__________________

(١) راجع : كتاب المكاسب منه : المسألة التاسعة فرع (ج).

(٢) بعد قليل بعنوان (المقالة الرابعة في أرض الأنفال).

٢٢٠