بلغة الفقيّة - ج ١

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٥

فهي من الأنفال ، فتكون معارضة لأخبار كونها للمسلمين ، حتى في القدر المسلم كونها لهم.

هذا ، مع أنه أعم منها ـ مطلقا ـ لشمولها لجميع الأراضي ، فيكون التعارض بينهما من تعارض العام والخاص المطلق أيضا ، المنتج ـ بعد الحمل ـ كون الأراضي كلها للإمام ـ عليه السلام ـ إلا المفتوحة ـ عنوة ـ فإنها للمسلمين.

وأما الكلام في الحيثية الثانية ـ فقد عرفت كلمات الأصحاب فيها ، وأن ثبوت الخمس في هذه الأراضي منسوب ـ في كلام جماعة ـ إلى ظاهر الأصحاب ، بل صرح غير واحد ـ ومنهم خالي المجاهد في (المناهل) (١) بظهور دعوى الاتفاق عليه وعدم الخلاف فيه.

مضافا الى ما عرفت : من أنه مقتضى المذهب في (المبسوط) وانه من الضروريات والمسلمات في (الجواهر) ، ولعل منشأ ذلك ظاهر إطلاق كلام الأصحاب في كتاب الخمس بوجوبه في الغنائم الشامل للمنقول منها وغير المنقول ، وإلا فالمصرح به بالخصوص ليس الا البعض منهم ، وان نسب الى المعظم ، نعم في (المدارك) ـ في شرح قول مصنفه في تعداد ما يجب فيه الخمس : الأول ـ غنائم دار الحرب مما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد ـ قليلا كان أو كثيرا ـ قال : «هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين» (٢) ، ومثله وقع من (الذخيرة) ـ في شرح قول مصنفه ـ أيضا ـ مع إطلاق معاقد الإجماعات المحكية فوق الاستفاضة على ثبوت الخمس في الغنائم الشامل لها ـ أيضا ـ

__________________

(١) صاحب (المناهل في الفقه) هو السيد محمد المجاهد ابن السيد مير علي الطباطبائي صاحب (الرياض). ووجه تسميته بالخال : حيث أن والدة سيدنا المصنف بنت صاحب الرياض ، فصاحب المناهل خاله بالذات.

(٢) راجع : أول كتاب الخمس من (مدارك الأحكام) للسيد محمد العاملي

٢٢١

هذا ، ويختلج بالبال ويخطر في الخيال ، دعوى المناقشة في ذلك كله :

أما ظهور إطلاق كلامهم في الغنائم في كتاب الخمس ، فمعارض بظهور إطلاق كلامهم في حكم المفتوحة عنوة : أنها للمسلمين من غير تقييد بإخراج الخمس منها.

وأما إجماع (المدارك) و (الذخيرة) ، ففيه : إنه ان كان المشار اليه ثبوت الخمس في كلي الغنائم ، فمسلم كونه مجمعا عليه بين المسلمين لكن لا يجدي في خصوص الأراضي إلا بنحو العموم والإطلاق ، وهو مخصص كإطلاق معاقد الإجماعات المنقولة على ثبوت الخمس في الغنائم بما دل على عدمه في الأراضي المذكورة. وان كان ثبوته في كل ما اندرج في عبارة المصنف ، فممنوع مسلميته بين المسلمين ، كيف ، وقد تقدم من (المستند) ترجيح أخبار الخمس بموافقة الكتاب ومخالفة العامة. فلعل نسبتهما له الى عموم المسلمين ظاهرة في إرادة المعنى الأول.

وأما إطلاق معاقد الإجماعات المحكية على ثبوت الخمس في الغنائم فهي ـ كما عرفت ـ مخصصة كعمومات الكتاب والسنة بما يعارضها من الأخبار الخاصة الواردة في المفتوحة عنوة بأنها للمسلمين.

فلم يبق في المقام لثبوت الخمس إلا الشهرة التي لا تنهض لإثبات الحكم بها على تقدير تحققها.

لكن ـ مع ذلك ـ الأقوى ثبوت الخمس فيها ـ أيضا ـ كغيرها من منقول الغنائم ، لظهور الاتفاق من إطلاق كلامهم في كتاب الخمس المتكفل لبيان ما يجب فيه الخمس بثبوته في غنائم دار الحرب ، من غير تقييد لها بالمنقول منها ، مع كونه مقام بيان التخصيص ، لو كان الثبوت مختصا ببعضها.

وهذا بخلاف إطلاقات كلامهم في حكم الأراضي المفتوحة عنوة في

٢٢٢

كتاب الجهاد ـ فإنها مسوقة لبيان عدم اختصاصها كالمنقول منها بالمقاتلين وكونها لكافة المسلمين ، واكتفاء منهم في بيان تعلق الخمس بها بما بينوه في محله ـ من كتاب الخمس ـ لأنه المقرر لتعيين ما يجب فيه الخمس ، دون كتاب الجهاد ، وإحياء الموات.

ومثله الكلام في إطلاق الأخبار المتقدمة الواردة في حكم الأراضي المزبورة وكونها للمسلمين وفيئا لهم ، دفعا لما يتوهم من كونها مختصة بالمقاتلين منهم. فلا معارضة بينها وبين عمومات الكتاب والنصوص بعد أن كان موردها بحسب السياق مختصا بغير الخمس منها ، فتبقى العمومات والإطلاقات من الكتاب والسنة والإجماعات سليمة عن المعارض كافية وافية في إفادة المطلوب من ثبوت الخمس فيها ، مؤيدة بالشهرة العظيمة وتصريح الأساطين بذلك ، بل لم نعثر على من صرح بالعدم عدى (الحدائق) ، وان نسب الى بعض ـ وبأخبار حل الشيعة ما هو لهم مما في أيديهم مما يأخذونه من السلطان ، بقرينة كون المأخوذ ـ غالبا ـ من الخراج والمقاسمة ، من غير فرق في الحلية بين حصته وحصة قبيلته ، ولا استبعاد في إباحتهم لحصة قبيلتهم من الأسهم الثلاثة الآخر بعد أن كان زيادتهم له ونقصهم عليه.

الأمر الثاني : على ما هو الأقوى من ملك الرقبة وتعلق الخمس بها فهل يتعين إخراجه من العين ـ كما عن ظاهر المبسوط والسرائر ـ أو من حاصلاتها ـ كما عن ظاهر التحرير ـ أو التخيير بينهما ـ كما عن صريح الشرائع والقواعد ـ احتمالات ، بل لعلها أقوال ، أقواها الأخير. ولعل الأولين يرجعان اليه.

وعلى تقدير الافراز من العين ـ كلا أو بعضا أو قطعة قطعة ـ فلا بد من التعديل ـ أولا ـ ثم القسمة بعده على حد القسمة في المشتركات.

٢٢٣

الأمر الثالث ما يأخذه السلطان من طرف أجرة الأرض باسم الخراج أو المقاسمة ، إنما يأخذه بدلا عن مجموع الأرض ، لا عن غير الخمس منها ، فالخمس في الخراج وداخل في القبالة ، لا في حصة المتقبل التي هي عوض عمله ، ولا موزع عليهما.

فلا يتوهم اختصاص صحة التقبيل من السلطان وبراءة ذمة المتقبل بدفع القبالة إليه بغير الخمس من الأربعة أخماس ، اقتصارا على القدر المتيقن مما أمضاه الشارع بالنسبة الى ما كان راجعا الى المسلمين ـ كافة ـ فيبقى الخمس مندرجا تحت الأصل وما تقتضيه القواعد العامة ، لإطلاق ما دل على الخراج والمقاسمة المفروض كونهما بدلا وقبالة عن مجموع الأرض ، لا خصوص غير الخمس منها.

الأمر الرابع الأقوى ثبوت الخمس في الخراج ـ مطلقا في زماني الحضور والغيبة ـ وان قلنا بتعميم أخبار التحليل والإباحة منهم لشيعتهم لها ، لا مختصا بما كان مختصا بهم من أراضي الأنفال ، ونحوها ، لأن مفادها ـ ظاهرا ـ على تقدير القول به ـ هو حلية الأخذ وإباحة التناول مما فيه الخمس من الخراج ، لا سقوطه من أصله ، كإباحتهم للخمس في المتاجر بالنسبة الى ما يؤخذ منها مما فيه الخمس ، لا سقوط الخمس من أرباح التجارات.

خلافا لظاهر المحكي في (الكفاية) عن بعض (حواشي القواعد): من التفصيل بين زماني الحضور والغيبة ، حيث قال المحشي ـ في شرح قوله (يخرج منه الخمس) ـ : «هذا في حال ظهور الامام وأما في حال الغيبة ففي الأخبار ما يدل على أنه لا خمس فيه» انتهى.

ولعل نظره في ذلك الى أخبار التحليل والإباحة.

وفيه ـ مع ما عرفت : من مفاد تلك الأخبار على تقدير شمولها

٢٢٤

للأراضي الخراجية ـ : أنه لا ملازمة بين الإباحة والسقوط من أصله ، بل هي على عدمه أدل.

وتظهر الثمرة بينهما في جواز السرقة منه بمقداره ، وعدمه ، بناء على القول بوجوب دفع الخراج الى السلطان ـ مطلقا ـ أو مع مطالبته ، وجواز التملك لرقبتها احتسابا من الخمس بمقداره ، فيختص بتملكه المحتسب له وإباحة التصرف فيها يخص الامام من سهمه منه للشيعة ـ مطلقا ـ بناء على تحليل الشيعة لما يخصهم من الأراضي كذلك.

مضافا إلى أن الإباحة والاذن العام منهم وقع ممتدا من زمان حضورهم الى زمان الظهور ـ عجل الله فرجه ـ فلا معنى ـ حينئذ ـ للتفصيل بين الحضور والغيبة.

الأمر الخامس ما دل على كون الأراضي كلها للإمام عليه السلام بالإطلاق أو العموم ، كخبر عمر بن يزيد : قال رأيت مسمعا بالمدينة ـ وقد كان حمل إلى أبي عبد الله (ع) مالا ، فرده عليه ، فقلت : لم رده عليك؟ فقال : «إني قلت ـ حين حملت اليه المال ـ : إني وليت البحرين الغوص ، فأصبت أربعمائة ألف درهم ، وقد جئتك بخمسها ثمانين الف درهم وكرهت ، أن أحبسها عنك ، وأعرض لها ـ وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا ـ فقال : أوما لنا من الأرض ، وما أخرج الله عنها إلا الخمس؟ إن الأرض كلها لنا ، فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا ، فقلت : وأنا أحمل إليك المال كله ، فقال : يا أبا سيار ، قد طيبناه لك وأحللناك منه ، فضم إليك مالك ، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون يحل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا ، فيجيبهم طسق (١) ما كان

__________________

(١) الطسق ـ بالفتح ـ : مكيال ، أو ما يوضع من الخراج على الجربان ، أو شبه ضريبة معلومة وكأنه مولد أو معرب (القاموس للفيروزآبادي).

٢٢٥

في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم ، فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا ، فيأخذ الأرض من أيديهم ..» الحديث (١).

يجب تقييدها ، أو تخصيصها بتلك الأخبار المتقدمة الدالة على كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ، لكون المعارضة بينهما من تعارض العام والخاص المطلق.

نعم ، يمكن أن يقال ـ بل قيل ـ : بكونها للإمام عليه السلام أيضا ـ : بوجه آخر ، وهو أنه يشترط في كون المنقول من الغنيمة بعد إخراج الخمس للمقاتلين ، وغير المنقول منها كذلك للمسلمين : أن يكون الاغتنام بإذن الإمام (ع) وإلا فالكل له مختص به وهو من الأنفال.

وعليه ، فما وقع من الفتوحات الإسلامية بعد زمن النبي (ص) مما لم يكن الامام فيه مبسوط اليد يقتضي أن يكون كله للإمام عليه السلام سيما وكون الاذن ـ حيث شك فيه ـ كان مقتضى الأصل عدمه.

قال الشيخ ـ رحمه الله ـ في (المبسوط) ـ بعد ذكر حكم هذه الأراضي من كونها بعد إخراج الخمس منها للمسلمين وغير ذلك ـ ما لفظه : «وعلى الرواية التي رواها أصحابنا : إن كل فرقة غزت بغير الامام فغنمت تكون الغنيمة للإمام (ع) خاصة ، وتكون من جملة الأنفال التي لا يشاركه فيها غيره (٢)» انتهى.

__________________

(١) راجع : وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب الخمس ، باب إباحة حصة الإمام من الخمس للشيعة ، حديث رقم (١٢) ، باختلاف بسيط في أوائل الحديث وذكره النراقي باقتضاب في (مستنده ج ٢) آخر كتاب الخمس.

(٢) راجع منه : كتاب الجهاد ، فصل في ذكر مكة هل فتحت عنوة أو صلحا ..

٢٢٦

وإن سار الامام عليه السلام فيها بالخراج أيام خلافته الظاهرة بسيرة من تقدم عليه من الخلفاء الثلاثة ، لعدم تمكنه من التغيير والتبديل ، سيما في مثل هذا الحكم ، بدعواه اختصاص ارتفاع هذه الأراضي بنفسه دون غيره من المسلمين.

ويناسبه أخبار تحليل الخراج لشيعتهم (١) ، المشعر بكونه مختصا بهم من غير حاجة إلى تكلف التوجيه لإباحة حصة قبيلتهم ، فتكون هذه الأراضي بحكم المفتوحة عنوة ، كما حكاه النراقي في (مستنده) ـ بعد أن اختاره عن بعض ، بل عن صريح الأكثر ـ (٢).

لكن ـ مع ذلك ـ الأقوى كونها من المفتوحة عنوة ، موضوعا لا حكما ـ لأن الظاهر تحقق الأذن منهم ، ويكشف عنه إخبارهم لها بكونها للمسلمين في تلك الأخبار المتقدمة ـ بعد تقييدها بما دل على اعتبار

__________________

(١) كخبر عمر بن يزيد المتقدم ـ آنفا ـ وبهذا المضمون أخبار كثرة ـ في تحليل ما كان لهم عليهم السلام ـ فهو لشيعتهم. راجع عنها : كتاب الخمس من (مستند الشيعة للنراقي ج ٢) المقصد الثالث في قسمة الخمس ، المسألة الثالثة.

(٢) مراده : ان أخبار تحليل الأئمة عليهم السلام الخراج لشيعتهم المشعر بكون الخراج من مختصاتهم ولا يشاركهم فيه غيرهم ، تناسب ما ذكرناه من اشتراط كون الاغتنام بإذن الإمام في كون الغنيمة في المنقول بعد إخراج الخمس للمقاتلين وفي غير المنقول منها بعد إخراجه للمسلمين ، واما في صورة عدم الاذن منه عليه السلام فالكل له وهو من الأنفال. وعليه فلا حاجة الى تكلف توجيه تحليل الأئمة عليهم السلام حصة قبيلتهم من الأسهم الثلاثة التي هي للهاشميين وهو نصف الخمس بان زيادتهم للإمام عليه السلام ونقصهم عليه وان لم يكن فيه استبعاد ، ولكن ما ذكرناه من كون ذلك من الأنفال المختص بهم عليهم السلام أقرب.

٢٢٧

الاذن في ذلك نصا وفتوى ـ كما يأتي.

واختصاص بعضها ـ سؤالا وجوابا ـ بأرض السواد لا يضر مع تعميم الباقي لمطلق أرض الخراج ، سيما مع ورود نحو صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : «سألته عن سيرة الإمام (ع) في الأرض التي فتحت بعد رسول الله (ص) ، فقال : إن أمير المؤمنين (ع) قد سار في أهل العراق بسيرة ، فهي إمام لسائر الأرضين ..» الخير (١) الدالة على تبعيتها لها في الحكم.

مضافا إلى ما عن (الخصال) ـ في الأبواب السبعة ـ مسندا الى جابر الجعفي عن أبي جعفر (ع) : أنه «أتى يهودي أمير المؤمنين (ع) في منصرفة عن وقعة (النهروان) فسأله عن تلك المواطن ـ وفيه قوله ـ : وأما الرابعة ـ يعني من المواطن الممتحن فيها بعد النبي (ص) ـ فإن القائم بعد صاحبه ـ يعني : عمر ـ كان يشاورني في موارد الأمور ، فيصدرها عن أمري ويناظرني في غوامضها ، فيمضيها عن رأيي ، لا يعلمه أحد ولا يعلمه أصحابي ، ولا يناظرني غيره ..» الخير (٢).

ومن المعلوم : أن جهاد الكفار وقتالهم من أعظم الأمور وأغمض الغوامض.

بل استفاض النقل في مشاورتهم لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في

__________________

(١) راجع : مكاسب الشيخ الأنصاري ، في آن الأراضي المفتوحة بعد النبي بإذن الإمام لعامة المسلمين. ومنتهى العلامة : كتاب الجهاد آخر أحكام المساجد والابنية والمساكن.

(٢) راجع : خصال الصدوق ـ في الأبواب السبعة ـ : ج ٢ ص ٢١ طبع مطبعة الشفيعي إيران سنة ١٣٧٤ ه‍.

٢٢٨

عظائم الأمور ، ولا يعدون رأيه ، سيما في الحروب (١).

مؤيدا بما اشتهر من وجود أبي محمد الحسن بن علي (ع) في العسكر وإن كنت لم أتحققه (٢).

ودخول أصحاب أمير المؤمنين (ع) في أعمالهم كعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي وغيرهما (٣).

هذا ، وذكر شيخنا (المرتضى) في (مكاسبه) وجوها ثلاثة لإثبات الإذن منهم ـ عليهم السلام ـ زيادة على ما ذكرنا :

الأول ـ ما أشار إليه بقوله : «مضافا إلى ذلك أنه يمكن الاكتفاء عن اذن الامام المنصوص في مرسلة الوراق ـ بالعلم بشاهد الحال برضاء أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وسائر الأئمة بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأييد هذا الدين ، وقد ورد : أن الله ـ تعالى ـ يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه» انتهى (٤).

ولعل نظره إلى الاكتفاء بالرضا القلبي المستكشف ـ مرة ـ بالاذن ، وأخرى ـ بشاهد الحال. ولا خصوصية للإذن في مقام الكشف ، وان

__________________

(١) راجع ـ في تفصيل هذا الموضوع ـ كتاب علي مع الخلفاء للشيخ المحقق الثبت نجم الدين العسكري فقد أحصى فيه مواضع رجوع الخلفاء والصحابة الى أمير المؤمنين عليه السلام.

(٢) لم نجد ـ رغم تتبعنا حسب الإمكان ـ مصدرا تأريخيا صحيحا يذكر ذلك.

(٣) فعمار بن ياسر استعمله عمر بن الخطاب على الكوفة بعد فتح العراق ، وسلمان الفارسي استعمله على المدائن وابن مسعود قاضيا وأمينا للمال بعد فتح العراق وغنمها من الفرس.

(٤) مكاسب الشيخ الأنصاري : في حكم الأراضي المفتوحة بعد النبي بإذن الإمام.

٢٢٩

وقع التعبير به للغلبة ، فالعبرة بالمنكشف دون الكاشف.

وفيه : إن الاستكشاف بشاهد الحال : إن كان عند الاقدام على الجهاد ، فممنوع إحرازه به ، لعدم معلومية تعقب الفتح والغلبة الموجب للقوة ، وإن كان بعد تحقق الفتح المستلزم للرضا القلبي ، فمع أن الرضا المتأخر لا يجدي بالنسبة إلى ما كان هو شرطا فيه عند الاقدام عليه ، لا يبقى مورد لاعتباره في قسمة الغنائم ، إذ الفتح ـ حينئذ ـ لا ينفك عن الاذن ، ومع عدمه لا غنيمة حتى تكون من الأنفال ، ولو فرض مورد لذلك فهو من النادر الذي يأبى حمل اخبار اعتبار هذا الشرط وكلمات الأصحاب عليه.

لا يقال : إن تقوية الدين مرضية عند الامام ـ عليه السلام ـ وهي موقوفة على الجهاد والاقدام على القتال ، وما يتوقف عليه الفعل المرضي مرضي ، فالجهاد مرضي.

لأن المتوقف عليه كلي الجهاد ، دون الوقائع الشخصية المعتبر فيها الاذن : ولو سلم ، ففيه ما عرفت من عدم بقاء مورد لاعتبار هذا الشرط لأنها ـ حينئذ ـ تكون من القضية الدائمة لا ينفك الرضا عنه.

الثاني ما ذكره مما يرجع ملخصه الى التمسك بأصالة الصحة في الغزو الصادر من الغزاة ، أي حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح ، حيث قال : «مع أنه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد على الوجه الصحيح ، وهو كونه بأمر الإمام ـ عليه السلام ـ» (١).

وفيه : أنه لا وجه للحمل على الصحة في نحو هذه الأفعال المبتنية على أساس يأبى الحمل عليها ، كيف ، وهم لا يرون لهذا الفعل من حيثية اعتبار الإذن وعدمه ، اتصافا بالصحة والفساد ، حتى يتجنبوا الفرد

__________________

(١) المصدر نفسه بعد تلك الجملة.

٢٣٠

الفاسد منها ، فافهم.

الثالث ـ ما ذكره بقوله : «مع أنه يمكن أن يقال : إن عموم ما دل من الأخبار الكثيرة على تقييد الأرض المعدودة من الأنفال بكونها مما لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وعلى أن ما أخذت بالسيف من الأرضين بصرف حاصلها في مصالح المسلمين ، معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق ، فيرجع الى عموم قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) .. الآية ، فيكون الباقي للمسلمين إذ ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين نصا وإجماعا» انتهى (١).

وملخص كلامه وخلاصة مرامه : كون المعارضة بين المرسلة وبين الأخبار من تعارض العامين من وجه ، لكون المرسلة موردها مطلق الغنيمة الشاملة للأراضي وغيرها ، وتلك الأخبار ، وإن اختصت بالأراضي إلا أنها مطلقة من حيث اعتبار الاذن ، وعدمه.

وبعد التعارض فليرجع إلى عموم الآية ، الدالة على كون الخمس منها للإمام ، وحينئذ ، فالباقي من الأراضي إما أن يكون لخصوص المقاتلة ـ ولا قائل به ـ فتعين كونه للمسلمين.

وفيه : إن المدعى هو وقوع الفتح عن إذنهم ، كما هو صريح كلامه قبل تعداد الوجوه التي أقامها عليه ، وهو لا يثبت بما ذكره من الوجه الأخير لأن الثابت به ـ على تقدير تماميته ـ هو كونها للمسلمين ، وهو أعم من تحقق الاذن المعتبر ، أو عدم اعتباره من أصله ، والعام لا يدل على خصوص الخاص وإن فرض إعراضه عن الدعوى المزبورة ورجوعه إلى أصل المسألة من اعتبار الاذن وعدمه ، فنمنع الرجوع إلى عموم الآية بمجرد معارضة الأخبار بالعموم من وجه ، للمرسلة المنجبرة المرجحة بالمرجحات الكثيرة الموجبة لتقييد غيرها من عمومات الأخبار ، بل وعموم

__________________

(١) المصدر نفسه بعد تلك الجملة.

٢٣١

الآية بها ـ كما ستقف عليه ـ ان شاء الله ـ عند تعرضنا له في الأنفال.

الأمر السادس ما يفتح من الأراضي عنوة في زمان الغيبة بالجهاد دفاعا إذا استلزم ذلك كان ـ أيضا ـ للمسلمين ، لأنه من الاغتنام مع إذن الامام (ع) بالاذن العام ، لوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام ، وأما الجهاد ـ لا عن دفاع ـ ففي كونها للمسلمين كافة أو للإمام (ع) خاصة وجهان مبنيان على اعتبار الاذن وعدمه ، إذ لم يعلم الاذن منهم في الغيبية على الجهاد الابتدائي إلا بدعوى العلم بشاهد الحال وقد عرفت ما فيه.

الأمر السابع ـ : لا تخرج الأراضي عن كونها خراجية بتغلب الكفار عليها ، فلو عادت الى المسلمين ـ ثانيا ـ ضرب عليها الخراج ، وان كان العود عليهم لا بالغلبة منهم ، بل بالانجلاء عنها ونحوه ، لدخولها في ملكهم ـ أولا ـ بالفتح عنوة وعدم وجود ما يوجب خروجها عنه ، وان هي إلا كالأعيان المغصوبة عندهم ، فهي باقية على حكمها الأولي من كونها للمسلمين وإن كانت تحت يد الكفار.

الأمر الثامن ـ : المراد بالمعمورة عند الفتح وكونها للمسلمين : كونها لهم بعماراتها الكائنة فيها ، فما فيها من الدور والقصور وسائر الآثار من النخيل والأشجار بأراضيها للمسلمين ، إذ لا فرق في صدق المعمورة بين كونها عامرة بنفسها كالمزارع ، أو من حيث وجود العمارة فيها كالدور والعقار. نعم العمارات المستحدثة بعد الفتح لأربابها المحدثين لها لا يشاركهم فيها غيرهم.

فاذا عرفت أن الأرض ـ بما فيها من العمارات والآثار الكائنة عند الفتح ـ للمسلمين ، أشكل الحكم في ملكية ما يصنع من تلك الأراضي من الآلات والأواني كالجص والآجر والكيزان المعمولة من طينها ، وأشكل

٢٣٢

منه ، تملك ما يستخرجونه من تلك الأبنية القديمة بحفر أو قلع مما كانت عمارة قبل الفتح وعند الفتح ، ولو بمعونة أصالة تأخر الخراب عن الفتح المعلوم تأريخه كالمدائن ، ولعل منها (الخورنق) ، وأراضي (بابل) ، ونحو ذلك من الآثار القديمة. فالأبنية المستحدثة بعد الفتح من تلك الآثار القديمة والمعمولة من هذه الأراضي ، ينبغي أن تكون ـ أيضا ـ للمسلمين ، فكيف تكون ملكا خاصا؟ فضلا عن تملك الأرض تبعا لها مع إجراء أحكام الملك الخاص على كل من القسمين من النقل والانتقال ونحو ذلك. ولذا اعتبر العلامة ـ رحمه الله ـ وجماعة ـ على ما حكي عنهم ـ في صحة رهن الآثار المستحدثة في المفتوحة عنوة ـ أن لا تكون معمولة من تلك الأراضي.

ودعوى كونها بالانفصال والهدم صارت مواتا ، وبالأعمال فيها عادت محياة ، فيملكها المحيي لها ، لعموم أخبار الإحياء ، مع منع دعوى انصرافها الى غير ذلك لكونه من الانصرافات البدوية التي لا يعول عليها.

فاسدة ، لأنه على تقدير تسليم منع الانصراف وشمول الأخبار لمثل ذلك ـ أرضا وحياة ومماتا ـ أن التملك بالأحياء مشروط بعدم سبق الملك لمالك معلوم بغير الأحياء ، وها هنا المالك معلوم ، وهم المسلمون ، والملكية لهم بالاغتنام ، فلا تكون مشمولة لأخبار التملك بالاحياء. وحينئذ ، فالقاعدة تقتضي توقف تملكها على الشراء من السلطان أو الحاكم وصرف الثمن في مصالح المسلمين ، أو لا أقل من الاستيذان من أحدهما ، مع إمكان أن يقال : لا مدخلية للسلطان فيه ، لأن القدر المأذون في تناوله منفعة الأرض ، لا أجزاؤها. إلا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع لا التملك فيجوز ، مع أن عمل الناس وسيرتهم على التملك من دون توقفه على شي‌ء من ذلك.

هذا ولعل الوجه في صحة التملك : هو أن يقال : إن المنفصلة من

٢٣٣

أجزاء الأرض لعمل اللبن والأواني وسائر الآلات المحتاج لها والمضطر إليها عموم الناس ـ تعد من منافعها ، وان كانت عند الاتصال بها وقبل الانفصال عنها تعد من عين الرقبة ، فعموم الانتفاع بالأجزاء المنفصلة موجب لصدق المنفعة عليها وإن كانت هي من الأعيان الخارجية ، وهذه المنفعة مبذولة للمسلمين ـ كافة ـ من غير تخصيص من هذه الحيثية ببعض دون بعض ، وان كان المأخوذ يختص به الأخذ ، والعبرة بعموم البذل في صدق كونها مصروفة في المصالح العامة ، فهو بحكم المباح ، وان كان ملكا للجميع ، لعموم البذل ، فيختص به من سبق اليه ، لعموم قوله (ص) «من سبق الى ما لم يسبق إليه أحد ..» (١).

وإن أبيت إلا لزوم تحقق الاذن مع ذلك ـ أيضا ـ فهو متحقق بالسيرة القطعية الكاشفة عن ذلك.

هذا بالنسبة إلى ما يعمل من الأرض كاللبن والأواني. وأما المستخرجة منها من تلك العمارات القديمة مما هو مدفون في الأرض بعد هدمها ، فقد يقال : إنها تعد من أجزاء الأرض كالمختلفة في ممر المياه من الطين والرمل من غير فرق بين أساس العمارة في الأرض ومهدومها ، فيكون ـ حينئذ ـ حكمه حكم ما مر من الأجزاء المنفصلة. نعم ، الآثار القائمة على الأرض مما لا يعد جزء منها كطاق كسرى ونحوه ، يشكل تملكها بالقلع إلا بإذن السلطان أو الحاكم ، ولا حرج في الالتزام بذلك ـ بخصوصه ـ ولم تقم سيرة عليه كذلك.

الأمر التاسع ـ : يتفرع على ما ذكرنا ـ مما هو المجمع عليه : من كون المفتوحة عنوة للمسلمين ـ قاطبة ـ : أنه لا يجوز التصرف فيها

__________________

(١) راجع الجامع الصغير للسيوطي في مادة (من) وفيه : الى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له.

٢٣٤

بالبيع والشراء وسائر النوافل المملكة لها ولا رهنها ولا وقفها ، بل ، ولا يصح تعميرها بدون إذن ببناء دور ومنازل وسائر الآثار من غرس نخيل وأشجار قال في (المبسوط) : «ولا يصح بيع شي‌ء من هذه الأراضي ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إرثه ، ولا يصح أن يبنى دورا ولا منازل ولا مساجد ولا سقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا ، وهو باق على الأصل» انتهى (١).

وتنقيح هذه المسألة يتم ببسط الكلام في طي مقامين :

الأول هل يجوز إيجاد العمارة وإحداث الآثار في المفتوحة عنوة من دون توقف على الاذن من الامام ـ عليه السلام ـ أو من يقوم مقامه أو لا يجوز إلا بإذن منه؟.

فنقول : مقتضى الأصل الأولي فيما كان مملوكا للمسلمين ـ كافة ـ هو العدم الحاكم على أصالة الإباحة في الأشياء. ولكن قد يقال بالخروج عنه ، والحكم بالجواز : إما مطلقا ، لأخبار التحليل ، أو التفصيل بين ما عرض له الموت بعد الحياة عند الفتح ، لعموم أخبار الأحياء ، وبين ما كان باقيا عليها.

وفيه : أما اخبار التحليل ، فهي مختصة بما كان لهم من الأنفال ، دون ما كان للمسلمين ، ولهم ولاية النظر فيها. وأما أخبار الإحياء ، فهي مقيدة بعدم سبق الملكية لمالك معلوم ـ وفي الفرض مملوك والمالك معلوم وهو المسلمون.

فاذا ، لا مناص عن القول بالتوقف على إذن الإمام ، أو من يقوم مقامه ، وهو لا ينافي الحكم بملكية الآثار لمن كانت يده عليها ، حملا للتصرفات

__________________

(١) راجع : كتاب الجهاد منه ، فصل في ذكر مكة هل فتحت عنوة أو صلحا

٢٣٥

على الوجه الصحيح : من تحقق الاذن عند إيجادها وإحداثها.

ودعوى سقوط اعتبار الإذن في زمان الغيبة ، أو تحققها فيه ، على عهدة مدعيها.

وقياسه بالأجزاء المنفصلة منها لعمل الآلات والأواني ، لعموم الانتفاع ومسيس الحاجة ـ أيضا ـ قياس مع الفارق. والسيرة عليها بدون الإذن ممنوعة.

الثاني اختلفت كلماتهم : في عدم جواز بيع المفتوحة عنوة ، وغيره من النواقل ـ لعدم التملك مطلقا ـ أو جوازه كذلك ، أو التفصيل بين جواز بيعها تبعا للآثار ـ بناء على انها تملك تبعا لها ، فيدخل في المبيع بالتبعية أو الجزئية ، أو التفصيل بين زماني الحضور والغيبة ـ كما نسب الى الدروس ـ وان كان في النسبة نظر ـ كما ستعرفه عند التعرض لكلامه ـ : أقوال :

ذهب الى الأول منها ـ جمّ غفير ، وهو المحكي عن الشيخ في كتابيه : النهاية (١) والمبسوط ـ في مواضع منهما (٢) وابن إدريس ـ في موضع من السرائر ـ حتى أنه أورد على نفسه ـ بعد المنع عنه مطلقا ـ بما نصه : «فان قيل : نراكم تبيعون وتقفون أرض العراق ـ وقد أخذت عنوة ، قلنا : انا نبيع ونقف تحجيرنا وبناءنا ، فأما نفس الأرض لا يجوز

__________________

(١) راجع كتاب النهاية ـ آخر كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين حيث يقول في تقسيمها : «وهذا الضرب من الأرضين ـ أي المفتوحة عنوة ـ لا يصح التصرف فيه بالبيع والشراء والتملك والوقف والصدقات»!.

(٢) كما سبق آنفا ـ عن المبسوط كتاب الجهاد ، فصل في ذكر مكة هل فتحت عنوة أم صلحا؟

٢٣٦

ذلك فيها» (١).

بل قيل : هو المشهور ، ولا سيما بين القدماء ، بل نسب القول بالجواز الى الشذوذ ـ كما عن موضع آخر من السرائر ـ نقلا عن الشيخ : انه إذا حجر أرضا ثم باعها لم يصح بيعها ، وفي الناس من قال : انه يصح وهو شاذ ، وأما عندنا فلا يصح بيعه ..» إلخ (٢).

بل ظاهر (الغنية) والكركي في (قاطعة اللجاج) دعوى الإجماع :

قال ـ في الأول ـ : «وهذه الأرض المفتوحة عنوة بالسيف لا يجوز التصرف فيها ببيع ولا وقف ولا غيرهما ـ ثم ذكر أحكامها ، وما يختص بالإمام ـ عليه السلام ـ من الأنفال ـ الى أن قال : ودليل ذلك كله الإجماع المتكرر» (٣).

وقال ـ في الثاني ـ : «.. قال الشيخ في المبسوط والنهاية ، وكافة الأصحاب : لا يجوز بيع هذه الأرض ولا هبتها ولا وقفها» انتهى (٤).

__________________

(١) راجع من (السرائر) آخر كتاب الزكاة ، باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه ، وما لا يصح ، وقبل هذه العبارة وتمامها هكذا : «وهذا الضرب من الأرضين ـ أي المفتوحة عنوة ـ لا يصح التصرف فيه بالبيع والشراء والوقف والهبة وغير ذلك ..».

(٢) راجع هذه الجملة في آخر باب أحكام الأرضين من السرائر أثناء عرض الآراء في المسألة.

(٣) راجع ذلك في آخر كتاب الجهاد من (الغنية لابن زهرة) المطبوع في إيران ضمن جوامع الفقه.

(٤) راجع : المسألة الثالثة من المقدمة الثانية ـ في حكم المفتوحة عنوة ـ من الرسالة وهي مطبوعة ـ كما مر عليك ـ ضمن مجموعة رسائل رضاعية وخراجية في إيران.

٢٣٧

والى الثاني ـ السبزواري في (الكفاية) (١) والسيد العاملي في (مفتاح الكرامة) (٢) ـ في ظاهر كلاميهما.

والى الثالث ـ جمع كثير ـ كما عن التحرير ، والمختلف ، والمنتهى (٣) وحواشي الشهيد ، واللمعة ، والروضة ، والمسالك ، وموضع من التذكرة والسرائر. وفي (المسالك) نسبه الى جمع من المتأخرين (٤). بل نسبه بعضهم الى مشهورهم. بل عن حواشي الشهيد : دخولها في المبيع بنحو الجزئية ، دون التبعية المحضة حيث قال ـ : «إذا بيعت تبعا للآثار جاز أن تكون مجهولة ، والأولى أنها جزء المبيع ، فلا بد من العلم بها أيضا» ، وقال في (الدروس) : «لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك ، وأطلق في (المبسوط) : أن التصرف

__________________

(١) حيث يقول في كتاب الجهاد المبحث السابع ـ بعد تعرضه لقول الشيخ في المبسوط ، والشهيد في الدروس بالمنع ـ «والأقرب القول بالجواز ..».

(٢) راجع ذلك في أوائل كتاب إحياء الموات منه.

(٣) راجع ـ من مختلف العلامة ـ كتاب الجهاد ، آخر الفصل الخامس في أحكام الأرضين. ومن المنتهى للعلامة أيضا كتاب الجهاد ، البحث الثالث في أحكام الأرضين.

(٤) قال الشهيد في المسالك في شرح قول المحقق : ولا يجوز بيعها «.. فاذا باعها بائع مع شي‌ء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف وغيره ، ويستمر كذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا ، فاذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري والموقوف عليه وغيرهما عنها هكذا ذكره جمع من المتأخرين ، وعليه العمل».

٢٣٨

فيها لا ينفذ» (١).

وقال ابن إدريس : «إنما يباع تحجيرنا وبناؤنا وتصرفنا في نفس الأرض» انتهى (٢).

ونسب اليه القول بالتفصيل بين زماني الحضور والغيبة : بعض مشايخنا منهم شيخنا في (الجواهر) والفاضل الجواد في (شرح اللمعتين).

بل استظهر منه في (مفتاح الكرامة) : جواز بيعها مجردة عن الآثار.

قلت : وظاهر عبارته ـ وان أوهم ذلك في بادئ النظر ـ إلا أنه بعد أدنى التأمل فيها ـ تجدها ظاهرة في التفصيل بين الزمانين في أصل التصرف باحداث الآثار ، وانه لا يجوز في زمان الحضور إلا بإذن الإمام عليه السلام ويسقط اعتبار الاذن فيه ، فيصح وينفذ في زمان الغيبة. فهو قائل بصحة البيع ، تبعا للآثار الصحيحة ، غير ان الآثار لا يصح احداثها في زمان الحضور إلا باذنه ، وتصح في زمان الغيبة ، لسقوط الاذن فيها ثم ـ بناء على الملكية التبعية ـ ففي زوالها بزوال الآثار ـ كما في (المسالك) وغيره (٣) ، أو بقائها ـ وان زالت ـ كما في (المستند) (٤) وجهان : مبنيان على ان الملكية ـ ولو بالتبع ـ : هل هي متعلقة بنفس الأرض من حيث هي ، فلا بد ـ حينئذ ـ في خروجها عنها من مخرج شرعي

__________________

(١) راجع كتاب الجهاد منه ، درس في اللواحق.

(٢) مضى آنفا ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ نقل هذه العبارة عن (السرائر لابن إدريس) كتاب الزكاة.

(٣) تقدم ـ آنفا ـ ص ٢٣٨ ما نقلناه عن المسالك في ذلك ،

(٤) راجع منه : كتاب المكاسب ، في بيان جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة وعدمه.

٢٣٩

أو متعلقة بها من حيث اتصافها بالوصف العنواني ، وهو التابعية الموجب لزوالها بزوال الآثار ، لانتفاء الموضوع ـ حينئذ ـ ولو بانتفاء جزئه ، وهو وصف التابعية؟.

ولعل الثاني هو الأظهر. وعليه ، فلا تبقى الملكية بعد زوال الآثار الموجبة لها بالتبعية.

حجة القول بالمنع ـ مطلقا ـ : ـ مضافا الى أنه مقتضى الأصل فيما هو ملك المسلمين ـ قاطبة ـ وظاهر الإجماع المتقدم ـ : الأخبار الناهية عن شراء أرض الخراج (١).

حجة القول بالجواز ـ مطلقا ـ : الأخبار الدالة على جواز شراء تلك الأرض التي : منها ـ دلالة الاستثناء في ذيل (صحيحة الحلبي المتقدمة) (٢).

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى؟ فقال : ليس به بأس ، وقد ظهر رسول الله (ص) على أهل خيبر ، فخارجهم على أن تترك الأرض في أيديهم ، يعملونها ويعمرونها ، .. وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه ، فهم

__________________

(١) راجع ـ في ذلك ـ (مستند النراقي) كتاب المكاسب : المسألة التاسعة لا يجوز بيع الأراضي المفتوحة عنوة ، فقد استعرض روايات كثيرة في المقام.

(٢) راجع : ص ٢١١ ـ ٢١٢ من هذا الكتاب ـ ونص الصحيحة ـ كما عن كتاب البيع من الجواهر ـ في شرح قول المحقق (واما الأرض المأخوذة عنوة) : «سئل أبو عبد الله (ع) عن السواد : ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد ، فقلت : الشراء من الدهاقين؟ فقال : لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين ، فاذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها».

٢٤٠