موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

وابن أخي عيينة ، قال : فيأتون فيقرءون القرآن ويتدارسونه ، فإذا كانت القائلة أنصرف قال : فمّروا بهذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (١) ، قال ابن زيد : وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله ، فقال ابن عباس : لبعض من كان إلى جنبه أقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال ، فقال : وأي شيء قلت؟ قال : لا شيء يا أمير المؤمنين ، قال : ماذا قلت؟ اقتتل الرجلان؟ قال : فلمّا رأى ذلك ابن عباس ، قال : أرى ههنا من إذا أُمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم ، قال هذا : وأنا أشتري نفسي فقاتله ، فاقتتل الرجلان. فقال عمر : لله تلادك (٢) يا ابن عباس » (٣).

٥ ـ أخرج الطبري في تفسيره قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (٤) ، بسنده : « عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) ، ونحو ذلك قال : أخبر الله المؤمنين إنّ الدنيا دار بلاء وأنّه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر وبشّرهم ،

____________

(١) البقرة / ٢٠٧.

(٢) التلاد : المال القديم الذي ولد عندك وهو نقيض الطارف ( النهاية ، الصحاح / تلد ).

(٣) تفسير الطبري ٢ / ٣١٩ ط البابي الحلبي.

(٤) البقرة / ١٥٥.

١٤١

فقال : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ، ثم أخبرهم أنّه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم ، فقال : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) (١) » (٢).

٦ ـ أخرج الطبري في تفسيره في قوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٣) :

« عن الضحاك يقول في قوله : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) : كان ابن عباس يقول : الورد في القرآن أربعة أوراد : في هود قوله : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) ، وفي مريم : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) (٤) ، وورد في الأنبياء : (حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) (٥) ، وورد في مريم أيضاً : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٦).

كان ابن عباس يقول : كلّ هذا الدخول ، والله يردنّ جهنم كلّ بَرّ وفاجر ، (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) (٧).

٧ ـ أخرج ابن جرير في تفسيره ، في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٨) :

« عن ابن عباس ، قال : لمّا أوحى الله تعالى ذكره إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم

____________

(١) البقرة / ٢١٤.

(٢) تفسير الطبري ٢ / ٥٦.

(٣) هود / ٩٨.

(٤) مريم / ٧١.

(٥) الأنبياء / ٩٨.

(٦) مريم / ٦٨.

(٧) تفسير الطبري ١٢ / ١٤٣.

(٨) سبأ / ٢٣.

١٤٢

دعا الرسول من الملائكة فبعث بالوحي ، سمعت الملائكة صوت الجبّار يتكلم بالوحي ، فلمّا كشف عن قلوبهم سألوا الله عما قال الله ، فقالوا الحق ، وعلموا أنّ الله لا يقول إلاّ حقاً وأنه منجز ما وعد.

قال ابن عباس : وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا ، فلمّا سمعوه خرّوا سجداً ، فلمّا رفعوا رؤوسهم : (قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، ثم أمر الله نبيه أن يسأل الناس : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١) » (٢).

٨ ـ أخرج ابن جرير في تفسيره ، في قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (٣) :

« عن ابن عباس يقول : من أراد الله أن يضلّه يضيّق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيّقاً ، والإسلام واسع ، وذلك حين يقول : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٤) ، يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق » (٥).

٩ ـ أخرج ابن جرير في تفسيره : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (٦) :

____________

(١) سبأ / ٢٤.

(٢) تفسير ابن جرير ٢٢ / ١١١.

(٣) الأنعام / ١٢٥.

(٤) الحج / ٧٨.

(٥) تفسير ابن جرير ٨ / ٢٨ ، ط البابي الحلبي.

(٦) الأعراف / ٣٢.

١٤٣

« قال ابن عباس : إنّ الجاهلية كانوا يحرمّون أشياء أحلّها الله من الثياب وغيرها ، وهو قول الله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً) (١) ، وهو هذا ، فأنزل الله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (٢).

١٠ ـ أخرج ابن جرير في تفسيره قوله تعالى : (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣) :

« عن ابن عباس ، قال : وذلك انّ الله وعد أهل الجنّة النعيم والكرامة ، وكلّ خير علمه الناس ، أو لم يعلموه ، ووعد أهل النار كلّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه ، فذلك قوله : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) (٤) ، قال : (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ) ، يقول : من الخزي والهوان والعذاب ، قال أهل الجنّة : فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً من النعيم والكرامة ، (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٥) » (٦).

____________

(١) يونس / ٥٩.

(٢) تفسير ابن جرير ٨ / ١٨٧.

(٣) الأعراف / ٤٤.

(٤) ص / ٥٨.

(٥) الأعراف / ٤٤.

(٦) تفسير الطبري ٨ / ١٨٧.

١٤٤

١١ ـ روى الآلوسي في تفسيره « روح البيان » ، عن الفريابي وابن أبي حاتم عن عكرمة ، قال : « جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل منهم : أرأيت قوله تعالى : (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) (١)؟

فقال ابن عباس : لم تصل المسألة ، أقرأ ما قبلها : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الأِنْسَانُ كَفُوراً * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً * وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (٢) ، ثم قال : من كان أعمى عن هذه النعم التي قد رأى وعاين ، فهو في أمر الآخرة التي لم ير ولم يعاين أعمى وأضل سبيلاً » (٣).

١٢ ـ ذكر ابن شهر آشوب في كتابه « متشابهات القرآن ومختلفه » ، في قوله تعالى : (لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) (٤) :

« قال ابن عباس : ولم يقل : من فوقهم ، لأنّ رحمة الله تنزل عليهم من

____________

(١) الإسراء / ٧٢.

(٢) الإسراء / (٦٦) ـ ٧٠.

(٣) روح البيان ١٥ / ١١٥ ط الخيرية.

(٤) الأعراف / ١٧.

١٤٥

فوقهم ، ولم يقل : من تحت أرجلهم ، لأنّ الإتيان منه يوحش » (١).

١٣ ـ أخرج أحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه البيهقي في « الدلائل » عن ابن عباس رضي الله عنه أنّه قال : « ما نصر الله تعالى نبيّه في موطن كما نصره يوم أحد ، فأنكروا ذلك.

فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تعالى ، أنّ الله تعالى يقول يوم أحد : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم ـ أي تقتلونهم ـ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) ... » وساق بقية الحديث (٣).

١٤ ـ وأخيراً ما أخرجه السيوطي في « الدر المنثور » ، قال :

« وأخرج الطبراني ، والحاكم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في سننه ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لمّا اعتزلت الحرورية فكانوا في واد على حدتهم ، قلت لعليّ : يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ، فأتيتهم ولبست أحسن ما يكون الحلل ، فقالوا : مرحباً بك يا ابن عباس ، فما هذه الحلة؟

قال : ما تعيبون عليّ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الحلل ، ونزل : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (٤).

____________

(١) متشابهات القرآن ومختلفه ١ / ١٩.

(٢) آل عمران / ١٥٢.

(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور٢ / ٨٤. وسيأتي في تفسيره في الحلقة الثالثة.

(٤) الأعراف / ٣٢.

١٤٦

قالوا : فما جاء بك؟

قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وختنه ، وأوّل من آمن به ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه؟

قالوا : ننقم عليه ثلاثاً.

قلت : ما هنّ؟

قالوا : أولهنّ أنّه حكّم الرجال في دين الله ، وقد قال الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ) (١).

قلت : وماذا؟

قالوا : وقاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، لئن كانوا كفاراً لقد حلّت له أموالهم ، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم.

قلت : وماذا؟

قالوا : ومحا اسمه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدّثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما لا تشكّون ، أترجعون؟

قالوا : نعم.

قلت : أمّا قولكم أنّه حكّم الرجال في دين الله ، فإنّ الله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً

____________

(١) الأنعام / ٥٧.

١٤٧

فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) ، وقال في المرأة وزوجها : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا) (٢) ، أنشدكم بالله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب فيها ربع درهم؟

قالوا : اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم.

قال : أخرجتُ من هذه؟

قالوا : اللهم نعم.

وأمّا قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم. أتسبون أمكم؟ إن تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنّها ليست بأمكم فقد خرجتم من الإسلام ، إنّ الله تعالى يقول : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (٣) ، وأنتم ترددون بين ضلالتين ، فأختاروا أيتهما شئتم. أخرجت من هذه؟

قالوا : اللهم نعم.

وأمّا قولكم : محا اسمه من أمير المؤمنين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ، فقال : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنكَ رسول ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن أكتب محمد بن عبد الله ، فقال والله إني رسول الله وإن

____________

(١) المائدة / ٩٥.

(٢) النساء / ٣٥.

(٣) الأحزاب / ٦.

١٤٨

كذبتموني ، أكتب يا عليّ : محمد بن عبد الله ، ورسول الله كان أفضل من عليّ.

أخرجت من هذه؟

قالوا : اللهم نعم.

فرجع منهم عشرون ألفاً وبقيت أربعة آلاف فقتلوا » (١).

أقول : لقد مرّ في الجزء الرابع من الحلقة الأولى « ص١٦٨ » ، توثيق هذه المحاورة ثم نصّها وما تبعه (٢) ، فليراجع فإنّه نافع.

ويبقى ابن عباس رضي الله عنه مفسراً عميداً ، ومتكلّماً فريداً يستلهم الكتاب والسنة في معارفه القرآنية.

والآن إلى نموذج سابع من مظاهر ألمعيته ولوذعيته في تفسيره القرآن بالسنة :

تفسيره القرآن بالسنة ونماذج من ذلك

لقد مرّت بنا كلمة ابن عباس رضي الله عنه في القرآن وما أشتمل عليه من المعارف ، وذكرنا شواهد لمنهجه في تفسيره القرآن بالقرآن ، والآن إلى نماذج تفسيرية عنه في تفسيره القرآن بالسنة :

١ ـ أخرج ابن جرير في تفسيره ، عن ابن عباس ، قال في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) (٣) :

____________

(١) الدر المنثور ٢ / ١٥٧ ، ط إسلامية ( أفست ) ، حلية الأولياء ١ / (٣١٨) ـ ٣٢٠.

(٢) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٤ / ١٦٨.

(٣) البقرة / ٢٨٤.

١٤٩

« فذلك سر عملكم وعلانيته يحاسبكم به الله ، فليس من عبد مؤمن يُسّر في نفسه خيراً ليعمل به ، فإن عمل به كُتبَ له به عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمله به كتبت له به حسنة ، من أجل أنّه مؤمن ، والله يرضى سرّ المؤمنين وعلانيتهم ، وإن كان سوءاً حدّث به نفسه أطلّع الله عليه ، وأخبره به يوم تبلى السرائر ، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن عمل به تجاوز الله عنه كما قال : (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) (١) » (٢).

فتفسيره في هذا المقام هو من نموذج تفسير القرآن بالقرآن ، وقد عرفنا أنّ ابن عباس أخذ هذا التفسير من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى في الآية المذكورة : (وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) ، فقد روى جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : « يؤتى بحسنات العبد فيقتص بعضها ببعض ، فإن بقيت حسنة وسّع الله له في الجنّة » (٣).

٢ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس قال : « لمّا نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) (٤) ، قال : دخل

____________

(١) الاحقاف / ١٦.

(٢) تفسير ابن جرير ٣ / ١٤٧ ط البابي الحلبي.

(٣) نفس المصدر ٢٦ / ١٨.

(٤) البقرة / ٢٨٤.

١٥٠

قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم مثلها من شيء.

قال فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : قولوا : « سمعنا وأطعنا وسلّمنا » ، فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل الله عزوجل : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (١) » (٢).

٣ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموعظته فقال : « إنّكم محشورون إلى الله تعالى حُفاة عراة غرلا : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (٣) ، فأوّل الخلائق يكسى إبراهيم خليل الرحمن عزوجل ، قال : ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال.

ـ قال أبو جعفر « أحد شيوخ أحمد » : ـ وأنّه سيُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، قال : فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ،

____________

(١) البقرة / (٢٨٥) ـ ٢٨٦.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٤١ / ٢٠٧٠.

(٣) الأنبياء / ١٠٤.

١٥١

فأقول كما قال العبد الصالح : (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) » (٢).

٤ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « لمّا نزلت : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (٣) ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « نُعيت إلي نفسي ، بأنّه مقبوض في تلك السنة » (٤).

٥ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوار بمكة : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (٥) ، قال : وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فلمّا سمع ذلك المشركون سبوّا القرآن وسبوّا مَن أنزله ومَن جاء به ، قال : فقال الله عزوجل لنبيّه : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) ، أي بقرآءتك فيسمع المشركون فيسبّوا القرآن (وَلا تُخَافِتْ بِهَا) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) » (٦).

٦ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : « إنّ رجلاً أتى عمر ،

____________

(١) المائدة / (١١٧) ـ ١١٨.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٥٠ / ٢٠٩٦.

(٣) النصر / ١.

(٤) مسند أحمد ٣ / ٢٦٥ / ١٨٧٣.

(٥) الإسراء / ١١٠.

(٦) مسند أحمد ٣ / ٢٥٧ / ١٨٥٣.

١٥٢

فقال : امرأة جاءت تبايعه؟ فأدخلتها الدولج (١) فأصبتُ منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك لعلّها مِغيّبٌ في سبيل الله؟ قال : أجل ، قال : فأتِ أبا بكر فأسأله ، قال : فأتاه فسأله؟ فقال لعلّها مِغَيبٌ في سبيل الله؟ قال : فقال مثل قول عمر ، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال له مثل ذلك ، قال : لعلّها مغيّب في سبيل الله؟ ونزل القرآن : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (٢) ، فقال : يا رسول الله ألي خاصة أم للناس عامّة؟ فضرب عمر صدره بيده فقال : لا ولا نعمة عين ، بل للناس عامّة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : صدق عمر » (٣).

٧ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : « إنّ رجلاً من الأنصار أرتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين ، فأنزل الله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤) ، فبعث بها قومه ، فرجع تائباً ، فقبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك منه وخلّى عنه » (٥).

____________

(١) الدولج : المخدع ، البيت الصغير داخل البيت الكبير ، نهاية ابن الأثير.

(٢) هود / ١١٤.

(٣) مسند أحمد ٤ / ٤١ / ٢٢٠٦.

(٤) آل عمران / (٨٦) ـ ٨٩.

(٥) مسند أحمد ٤ / ٤٧ / ٢٢١٨.

١٥٣

٨ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « مرّ يهودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس ، قال : كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه ، وأشار بالسبابة ، والأرض على ذه ، والماء على ذه ، والجبال على ذه ، وسائرالخلق على ذه؟ كلّ ذلك يشير بأصبعه ، قال : فأنزل الله عزوجل : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) » (٢).

٩ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، وأن ينحي الجبال عنهم ، فيزدرعوا ، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم ، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت مَن قَبلهم ، قال : لا ، بل أستأني بهم ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) (٣) » (٤).

١٠ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « لمّا حرّمت الخمر ، قالوا : يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا يشربونها ، فأنزل الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

____________

(١) الزمر / ٦٧.

(٢) مسند أحمد ٤ / ٦٩ / ٢٢٦٧.

(٣) الإسراء / ٥٩.

(٤) مسند أحمد ٤ / ١٥١ / ٢٤٥٢.

١٥٤

ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١) » (٢).

١١ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمَان يعني عرفة ، فأخرج من صلبه كلّ ذريته ذرأها فنثرهم بين يديه كالذرّ ثم كلمّهم قِبَلاً ، قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (٣) » (٤).

١٢ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « مرّ رجل من بني سُليم على نفر من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسوق غنماً له فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم عليكم إلّا ليتعوّذ منكم ، فعمدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأتوا بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله عزوجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٥) » (٦).

١٣ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ) (٧) ، قال : « غُلبتْ وغَلبت ، قال : كان

____________

(١) المائدة / ٩٣.

(٢) مسند أحمد ٤ / ١٥١ / ٢٤٥٥.

(٣) الأعراف / (١٧٢) ـ ١٧٣.

(٤) مسند أحمد ٤ / ١٥١ / ٢٤٥٥.

(٥) النساء / ٩٤.

(٦) مسند أحمد ٤ / ١٥٣ / ٢٤٦٢.

(٧) الروم / (١) ـ ٢.

١٥٥

المشركون يُحبّونَ أن تظهر فارس على الروم ، لأنّهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الروم على فارس لأنّهم أهل كتاب ، فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أما إنّهم سيغلَبون » ، قال : فذكره أبو بكر لهم ، فقالوا : إجعل بيننا وبينك أجل ، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا ، فجعل أجلاً خمس سنين فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل : ألا جعلتها إلى دون؟ قال : أراه قال العَشر ـ قال سعيد ابن جبير : البضع ما دون العشر ـ ثم ظهرت الروم بعدُ ، قال : فذلك قوله : (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (١) ، قال : يفرحون بنصر الله » (٢).

١٤ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « لمّا حرّمت الخمر ، قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها ، فأنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) (٣) ، قال : ولمّا حوّلت القبلة ، قال أناس : يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ، فأنزلت : (وَمَا كَانَ اللَّهُ

____________

(١) الروم / (١) ـ ٤.

(٢) مسند أحمد ٤ / ١٨٦ / ٢٤٥٩.

(٣) المائدة / ٩٣.

١٥٦

لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) (١) » (٢).

١٥ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن مجاهد : « أنّ الناس كانوا يطوفون بالبيت وابن عباس جالس معه محجن ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٣) ، ولو أنّ قطرةً من الزقوم قطرت لأمرّت على أهل الأرض عيشهم ، فكيف من ليس له طعام إلاّ الزقوم » (٤).

١٦ ـ أخرج أحمد في مسنده : « إنّ مروان قال : اذهب يا رافع ـ لبوّابه ـ إلى ابن عباس فقل : لئن كان كلّ امرئ منا فرح بما أوتي وأحبّ أن يحمَد بما لم يفعل لنعذّّبن أجمعين.

فقال ابن عباس : وما لكم وهذه؟ إنّما نزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) (٥) ، هذه الآية ، وتلا ابن عباس : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) (٦).

وقال ابن عباس : سألهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا

____________

(١) البقرة / ١٤٣.

(٢) مسند أحمد ٤ / ٢٤١ / ٢٦٩١.

(٣) آل عمران / ١٠٢.

(٤) مسند أحمد ٤ / ٢٥٩ / ٢٧٠٥.

(٥) آل عمران / ١٨٧.

(٦) آل عمران / ١٨٨.

١٥٧

بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه » (١).

١٧ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أصناف النساء إلاّ ما كان من المؤمنات المهاجرات ، قال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) (٢) ، وأحلّ الله عزوجل فتياتكم المؤمنات : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ) (٣) ، وحرّم كلّ ذات دين غير دين الإسلام ، قال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٤) ، وقال : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (٥) ، وحرّم سوى ذلك من أصناف النساء » (٦).

١٨ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « جاء أبو جهل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي فنهاه ، فتهددّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أتتهددني؟ أما والله إنّي

____________

(١) مسند أحمد ٤ / ٢٥١ / ٢٧١٢.

(٢) الأحزاب / ٥٢.

(٣) الأحزاب / ٥٠.

(٤) المائدة / ٥.

(٥) الأحزاب / ٥٠.

(٦) مسند أحمد ٤ / ٣٣٢ / ٢٩٢٥.

١٥٨

لأّكثركم أهل الوادي نادياً ، فأنزل الله : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (١).

قال ابن عباس : والذي نفسي بيده لو دعا ناديه لأخذته الزبانية » (٢).

١٩ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : « انّه بات عند نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل فخرج فنظر إلى السماء ، ثم تلا هذه الآية التي في آل عمران : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (٣) حتى بلغ : (سبحانك فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (٤) ، ثم رجع إلى البيت فتسوّك وتوضأ ، ثم قام فصلى ، ثم اضطجع ، ثم قام فخرج فنظر في السماء ، ثم تلا هذه الآية ، ثم رجع فتسوّك وتوضأ ، ثم قام فصلى » (٥).

٢٠ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً في ظل حجرته ـ قد كاد يقلص عنه ـ فقال لأصحابه : يجيئكم رجل ينظر إليكم بعين شيطان ، فإذا رأيتموه فلا تكلموه ، فجاء رجل أزرق ، فلمّا رآه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دعاه ، فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ قال : كما أنت حتى آتيك بهم ، قال : فذهب فجاء بهم ، فجعلوا يحلفون بالله ما

____________

(١) العلق / (٩) ـ ١٣.

(٢) مسند أحمد ٥ / ١٨ / ٣٠٤٥.

(٣) آل عمران / ١٩٠.

(٤) آل عمران / ١٩١.

(٥) مسند أحمد ٥ / ٩٥ / ٣٢٧٦.

١٥٩

قالوا وما فعلوا ، وأنزل الله عزوجل : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (١) » (٢).

٢١ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، في قوله عزوجل : (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٣) ، قال : « كان بنو النضير إذا قتلوا قتيلاً من بني قريظة أدوّا إليهم نصف الدية ، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير قتيلاً أدوا إليهم الدية كاملة ، فسوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهم الدية كاملة » (٤).

٢٢ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ وفي الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه ـ عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله عزوجل : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (٥) ، قال : « كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يعالج من التنزيل شدّة ، وكان ممّا يحرّك شفتيه ـ قال : فقال لي ابن عباس : أنا أحركهّما كما كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم يحركهّما ، وقال سعيد : أنا أحرّكهما كما كان ابن عباس يحرّكهما ، فحرّك شفتيه ـ

____________

(١) المجادلة / ١٨.

(٢) مسند أحمد ٥ / ٩٥ / ٣٢٧٧.

(٣) المائدة / ٤٢.

(٤) مسند أحمد ٥ / ١٤٤ / ٣٤٣٤.

(٥) القيامة / ١٦.

١٦٠