موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

أقرأ آية من كتاب الله عزوجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة ، فإذا أنا برجل يناديني من بعدي : اتبع ابن عباس ، فإذا هو أمير المؤمنين عمر ، فقلت اتبعك على أبيّ بن كعب ، فقال : أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ؟ قلت : نعم ، قال : فأرسل معي رسولاً ، قال : أذهب معه إلى أبيّ بن كعب فأنظر أيقرأ أبيّ كذلك؟ قال : فانطلقت أنا ورسوله إلى أبيّ بن كعب ، قال : فقلت : يا أبيّ قرأت آية من كتاب الله فناداني من بعدي عمر بن الخطاب اتبع ابن عباس ، فقلت : اتبعك على أبيّ بن كعب ، فأرسل معي رسوله أفأنت أقرأتنيها كما قرأت؟ قال أبيّ : نعم ، قال فرجع الرسول إليه ، فانطلقت أنا إلى حاجتي ، قال : فراح عمر إلى أبيّ فوجده قد فرغ من غسل رأسه ووليدته تدري لحيته (١) بمدراها ، فقال أبيّ : مرحباً يا أمير المؤمنين أزائراً جئت أم طالب حاجة؟ فقال عمر ، بل طالب حاجة ، قال : فجلس ومعه موليان له حتى فرغ من لحيته ، وادرت جانبه الأيمن من لمّته ، ثم ولاّها جانبه الأيسر ، حتى إذا فرغ أقبل إلى عمر بوجهه ، فقال : ما حاجة أمير المؤمنين؟ فقال عمر : يا أبيّ على ما تقنط الناس؟ فقال أبي : يا أمير المؤمنين أنّى تلقيت القرآن من تلقاء جبريل وهو رطب ، فقال عمر ، تالله ما أنت بمنته وما أنا بصابر ـ ثلاث مرات ـ ثم قام فانطلق ». قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه على تصحيحه (٢).

أقول : وكلاهما أخطأ في إخراجه فضلاً عن تصحيحه ، لأنّ ما

____________

(١) تدري لحيته أي تسرّحها يقال : أدرت المرأة إذا سرحت شعرها.

(٢) المستدرك ٢ / ٢٢٥.

٦١

أخرجاه يعني على خلاف ما في المصحف ، وتصحيحهما يعني الطعن في كتاب الله تعالى فلا يمكن قبوله بحال.

وهذا لا يعني أنّ ابن عباس لم يقرأ على أبيّ ولم يأخذ ، فقد روى الحاكم في « المستدرك » خبر قراءة ابن عباس على أبيّ بن كعب ، وقال ابن عباس : « قرأ أبيّ على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم » (١) ، ولكن ليس كلّ ما روي عنه نأخذ به ، لأنّ في بعضه قراءات شاذّة ، أمّا ما أخرجه الحاكم عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه ، قال : أقرأني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ) (٢) يعني بجزم السين ونصب التاء (٣) ، فهو صحيح.

وكذلك ما أخرجه أيضاً عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ : (إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا) (٤) مهموزتين (٥) ، فهو صحيح أيضاً.

أمّا ما خالف كتابة المصحف نحو ما أخرجه الحاكم في « المستدرك » وصححه وكذلك الذهبي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : قرأت على أبيّ بن كعب : (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْتّاً ـ بالتاء ـ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) ، قال أبيّ : أقرأني

____________

(١) المستدرك ٢ / ٢٣٠.

(٢) الانعام / ١٠٥.

(٣) المستدرك ٢ / ٢٣٩ ، وصححه.

(٤) الكهف / ٧٦.

(٥) المستدرك ٢ / ٢٤٣ ، وصححه.

٦٢

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْتّاً ـ بالتاء ـ وَلاَ تُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ـ بالتاء ـ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ـ بالياء » (١). فهذا غير صحيح ، لأنّ الآية المباركة في سورة البقرة هكذا : (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) (٢).

وقد ذكر ابن أبي داود في كتابه « المصاحف » (٣) زهاء ثلاثين رواية فيها قراءات منسوبة إلى ابن عباس ، وهي من شواذ القراءات سوف أذكرها ، لإطلاع القارئ عليها وإن كنت معتقداً بكذبها ، بل وبكذب ابن أبي داود وقد أكذبه أبوه ، وقد مرّ أن ذكرت شيئاً عنه عند ذكري لأبي الجلد المعدود زوراً ممن أخذ عنه ابن عباس ، وكذبت ذلك في شبهات كاذبة ، وذكرت ابن أبي داود وما قيل في تجريحه ، لذلك أعرضت عن مروياته في القراءات التي ذكرها منسوبة إلى ابن عباس ، وهو بريء منها.

والآن نعود إلى إعادة السؤال حول صحة كلمة معمّر : « عامّة علم ابن عباس من ثلاثة عمر وعليّ وأبيّ بن كعب »؟

فنقول : إنّ ابن عباس روى عن عمر قوله : « أقرؤنا أبيّ ، وأقضانا عليّ ، وإنّا لندع من قول أبيّ ، وذاك أنّ أبيّاً يقول : لا أدع شيئاً سمعته من رسول

____________

(١) نفس المصدر ٢ / ٢٣٣.

(٢) البقرة / ٤٨.

(٣) المصاحف / (٧٣) ـ ٨١.

٦٣

الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قال الله تعالى : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) (١) » (٢).

فهل هذا القول من عمر؛ ويعني به محتجاً على أبيّ؟ إلى أنّه ربّما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ ، وعنه رواه ابن عباس كما مرّ.

فهل يعني هذا شيئاً من عامّة العلم في التفسير مثلاً ، لأنّ عمر ذكر النسخ في الآية؟ فيصح عندها السؤال حينئذ ما لم يكن على خلاف ما هو المقروء في المصحف لأنّ هذا متواتر ، وما رواه البخاري وغيره عن أبيّ وعن غيره من إختلاف القراءات إنّما هو أخبار آحاد لا تثبت علماً ولا عملاً.

أمّا ما صح نحو ما أخرجه الحاكم في « المستدرك » وصححه ، وكذلك الذهبي في « التلخيص » : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبيّ : « إنّي أقرؤك سورة ، فقال له أبيّ : أمرت بذاك بأبي أنت؟ قال : نعم فقرأ : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً) (٣) » (٤) ، فلا مانع من قبوله.

____________

(١) البقرة / ١٠٦.

(٢) شرح صحيح البخاري بفتح الباري ٩ / (٢٣٣) ـ ٢٣٤.

(٣) البينة / (١) ـ ٢.

(٤) المستدرك ٢ / ٢٥٦.

٦٤

هل أخذ ابن عباس في التفسير شيئاً من عمر؟

لقد مرّ بنا في الحلقة الأولى من تاريخ حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، حديثه عن رزية يوم الخميس ، وبحثنا هناك ما يتعلق بذلك ، وكان منه عرض مواقف علماء التبرير ، وكان منهم النووي الذي حاول دفع معرّة قول الهجر عن عمر ، وذهب إلى القول بترجيح رأي عمر في منعه من الإتيان بالدواة والكتف على رأي ابن عباس حبر الأمة الذي كان يدين المعارضة بشدة بما فيهم عمر ، فكان صامداً عند رأيه ، ثابتاً على قوله ، باكياً عند ذكره ـ للحديث ـ بكاءً مُرّاً حتى يبلّ دمعه الحصى.

ومع ذلك كلّه فقد انتهى النووي في دفاعه المستميت إلى القول : « فكان عمر أفقه من ابن عباس »!

وكان لنا ـ هناك ـ تعقيب على زعمه بما يفنّده ، فليرجع القارئ إليه ، وليقرأ « أيّهما أفقه عمر أم ابن عباس؟ » (١).

كما مرّ بنا أيضاً في الحلقة الأولى عند الكلام في تاريخ حبر الأمة في عهد عمر ، ذكر الشواهد على مدى إحتياج عمر إلى ابن عباس ، فكان يسأله ويأخذ بقوله ويترك أقوال من حضره من شيوخ المهاجرين

____________

(١) موسوعة عبد الله بن عبس / الحلقة الأولى / ج١ / الفصل ٢.

٦٥

والأنصار الذين كانوا يحوطونه ، فراجع تجد ذلك مفصلاً. فلا حاجة بنا إلى إعادته إلاّ ما اقتضى المقام التذكير به ، لتنبيه القارئ إلى بطلان زعم الزاعم أنّ عامّة علم ابن عباس ـ حبر الأمة ـ كان من ثلاثة عمر وعليّ وأبيّ ابن كعب؟

وهذا إن صح في أخذه عن عليّ عليه السلام وإن صح بعضه في أخذه عن أبيّ ، فلا يصحّ في أخذه عن عمر كما أشرنا إلى ذلك!

ولو بحثنا عن منشأ مقولة الزعم هذا ، لوجدناها رواية يرويها ابن كثير بقوله : « وقال أحمد : عن عبد الرزاق ، عن معمّر ، قال : عامّة علم ابن عباس من ثلاثة : عمر وعليّ وأبيّ بن كعب » (١).

وهذه المقولة رواها ابن كثير نقلاً عن أحمد ولم يذكر مصدره في حكايته لها عن أحمد!

وقد بنى على هذه المقولة بعض الدارسيَن من المحدَثين في دراسته « تفسير ابن عباس » ، وكان حذراً إذ لم يجد شاهداً فاكتفى بذكرها ولم يعقب عليها (٢).

ولكن الدارس الآخر (٣) حاول أن يبني هرماً من الوهم ـ على أحسن الظنّ به في التقدير ـ فجعل من الشواهد على ذلك سؤال ابن

____________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٢٩٨.

(٢) الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الحميدي ، تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة. جامعة ام القرى بمكة المكرمة.

(٣) عبد المجيد محمد أحمد الدوري ، تفسير ابن عباس دراسة وتحليل ـ اطروحة مقدمة إلى كلية الشريعة في جامعة بغداد لنيل الماجستير.

٦٦

عباس من عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا أقوى شواهده ، وأمتن ما عنده!

وفاته أن يتفطن إلى أنّ السؤال من عمر لم يكن سؤال إستفهام حقيقي عن أمر يجهله ابن عباس ، بل كان على حدّ ما هو معروف « وكم سائل عن أمره وهو عالم »! فهو بمثابة إنتزاع اعتراف من عمر بأنّهما ـ عائشة وحفصة ـ لإدانتهما بذلك التوبيخ المنزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المرسَل ، كما يدل عليه قول عمر له « واعجباً لك » ، ومبادرته بالجواب قبل إكمال السؤال ، كما سيأتي.

ولو أمعن ذلك الدارس النظر في الحديث الذي ذكره في روايات البخاري في صحيحه ـ وهو أصح كتاب عنده بعد كتاب الله ـ لما إستدل على زعمه بذلك.

كما أنّه ومن سبقه لو قرءا ترجمة معمّر في مصادرها المعتمدة عندهما لما إعتمدا مقولته تلك ـ فمن الخير ولتنوير القارئ « أيضاً » ـ تعريفه بمعمّر من هو؟

ونكتفي نحن بما عند الذهبي فهو غير متهم عليه.

قال في « ميزان الإعتدال » : « أحد الأعلام الثقات له أوهام معروفة احتملت له في سعة ما أتقن » ، وحكى فيه قول أبي حاتم : صالح الحديث ، وما حدث به بالبصرة ففيه أغاليط (١).

____________

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ١٥٤ ، وقارن تقريب التهذيب لابن حجر ٢ / ٢٦٦ ، وتهذيب الكمال للمزي ١٨ / ٢٦٨ رقم ٦٦٩٦.

٦٧

وذكره أيضاً في « سير أعلام النبلاء » ، فقال : « ومع كون معمّر ثقة ثبتاً فله أوهام لا سيّما لمّا قدم البصرة ... » (١). كما ذكره في كتابه « المغني في الضعفاء » (٢).

أقول : فمن كان هذا حاله في روايته فكيف برأيه؟!

ولنقرأ ما جاء عنه باعترافه وقد احتجم ، قال : « فقمت وما أقدر من القرآن على حرف حتى كنت لأصلي فأمر من يلقنني » (٣) ، فهذا حاله في رأيه وروايته!!

أضف إلى ذلك كلّه لسائل أن يسأل : من أين عَلِمَ معمّر أنّ عامّة علم ابن عباس من ثلاثة عمر وعليّ وأبيّ بن كعب؟!

وهذا السؤال إنّما يفرض نفسه لإنتفاء المعاصرة بين معمر وابن عباس ، فإن بين موتهما ما يقرب من قرن ، حيث مات ابن عباس سنة ٦٨ هـ ، ومات معمر سنة ١٥٤ هـ ، ولم يكن معمّر معمَّراً في عمره ، فمن أين علم معمّر بأنّ عامّة علم ابن عباس من عمر وعليّ وأبيّ بن كعب؟!

فهل روى ذلك عن غيره؟ فمن هو ذلك الغير لينظر حاله وصدق مقاله؟

أم استقرأ هو بنفسه جميع أحاديث ابن عباس فرأى أنّ عامّة علمه من الثلاثة المذكورين؟

وهذا ربّما لا يناقش لو كان كلّ علم ابن عباس مجموعاً في كتاب واطّلع عليه معمّر ، ولكن ذلك لم يكن ، على أنّ الأحاديث عنه ، منها المدوّن في السطور عند تلامذته ، ومنها غير المدوّن وبقي مخزوناً في الصدور ، فمن أين علم أنّ عامّة علم ابن عباس من عمر وعليّ وأبيّ بن كعب؟

____________

(١) سير أعلام النبلاء ٧ / ١٣.

(٢) المغني في الضعفاء ٢ / ٦٧١.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ١١ / (٣٠) ـ وهو أحد الرواة عن معمر! ـ.

٦٨

وأحسن القول فيه إن كان هذا هو رأيه فعليه وزره.

أمّا أن يجعل الباحث منه أساساً في بحث علمي ، ويخلص منه إلى نتيجة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة ، بل على العكس منها ، كما صنع صاحب « تفسير ابن عباس دراسة وتحليل » فذلك غير مقبول.

ولنمرّ بما قاله هذا في مقدمة أطروحته لنيل الماجستير « تفسير ابن عباس دراسة وتحليل » :

قال : « شيوخه من الصحابة ... ونستطيع أن نحدّد أهم الشيوخ الذين أخذ عنهم في التفسير على الترتيب الآتي وبحسب الأهمية والتأثير فيه. وقال أحمد عن عبد الرزاق عن معمر قال : عامّة علم ابن عباس من ثلاثة من عمر وعليّ وأبيّ بن كعب (١) ».

ثم قال : « عمر بن الخطاب :

وقد أخذ ابن عباس التفسير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان كثيراً (؟) ما يسأله عن تفسير القرآن إذ هو يعدّ أوّل شيخ من الصحابة تتلمذ عليه ابن عباس ، حيث كانت بينهما صلة علمية قويّة تعبّر عن مدى تبادل الآراء وصدق التلقي ، فقد كان ابن عباس يهاب عمر بن الخطاب ، وكانت بينهما تساؤلات عديدة لمعرفة معاني آيات كتاب الله العزيز ، فهذا ابن عباس يمكث سنتين وهو يريد أن يسأل ابن الخطاب

____________

(١) ذكر الكاتب في هامش ص٤٥ من الرسالة المطبوعة بالآلة الكاتبة : نفس المصدر السابق ٨ / ٢٩٨ ، ويعني بالمصدر : البداية والنهاية لابن كثير.

٦٩

عن تفسير آية من كتاب الله ، فهذا يدلّ دلالة واضحة على مدى هيبة ابن الخطاب في نفس تلميذه ، وكانت العقلية الفذة تجمعهما فهي تصدر من مشكاة واحدة. وممّا يدلّ على أنّ ابن عباس أخذ الشيء الكثير (؟) عن ابن الخطاب أنّ أصح أسانيد تفسير عمر بن الخطاب سنده ابن عباس ، وقد توصّل أخيراً بعض الباحثين إلى جمع تفسير ابن الخطاب حيث رأيت أنّ أغلب روايات التفسير عن عمر بن الخطاب مروية عن طريق ابن عباس ، وهذا التفسير المروي عن عمر بن الخطاب كثير (؟) الحجم حيث يصل إلى ثمانمائة وخمسين صفحة من القطع الكبير ، وقد جعل جامع التفسير ان من أصح طرق تفسير عمر بن الخطاب هو طريق ابن عباس وجعله الطريق الأول (١) وكان ابن عباس كثيراً (؟) ما يختلف على عمر بن الخطاب الذي كان كثير (؟) الإعجاب به لما يرى من نبوغه في تفسير بعض آيات القرآن ، وكانا كثيراً (؟) ما يتفقان في وجوه التفسير » (٢).

هذا ما قاله بنصّه وفصّه (٣) ، وأظن أنّ القارئ أوّل ما لفت نظره

____________

(١) قال الكاتب في الهامش : انظر إبراهيم حسن ـ التفسير المأثور لعمر بن الخطاب ـ رسالة دكتوراه الدار العربية للكتاب سنة ١٩٨٣.

(٢) تفسير ابن عباس دراسة وتحليل. اطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الشريعة في جامعة بغداد. وهي جزء من متطلبات درجة الماجستير في الدين من قبل عبد المجيد محمد أحمد الدوري بإشراف الدكتور محسن عبد الحميد. مطبوعة بالآلة الكاتبة في محرم ١٤٠٩ هـ أيلول ١٩٨٨ م.

(٣) تفصّّى الشيء : استقصاه ( قطر المحيط ٢ / ١٦٠٢ ط بيروت سنة ١٨٦٩ م ).

٧٠

إستهلاك الكاتب لمادة « الكثرة » بكثرة! ولم يثبت مدّعاه في مواردها بشواهدها ولو لمرّة ، لذلك وضعت عليها علامات الإستفهام.

١ ـ فقد قال : « فابن عباس كان كثيراً ما يسأل عمر عن تفسير القرآن ».

أقول : وحبّذا لو ذكر شاهداً واحداً من ذلك الكثير.

٢ ـ وقال : « وممّا يدلّ على أنّ ابن عباس أخذ الشيء الكثير من ابن الخطاب إنّ أصح أسانيد تفسير عمر بن الخطاب سنده عن ابن عباس وقد توصّل أخيراً بعض الباحثين ... إلى قوله : وجعله الطريق الأول ».

أقول : وهذا زعم آخر يحتاج إلى إثبات ، والزعم على الزعم لا يثبت الوهم ، كما أنّ ذكره ضخامة صفحات المصدر ، لا تعني شيئاً فربّما تمخض الجبل عن فأرة ، وكان على الكاتب دعم ما رآه عند غيره فارتآه ، فيذكر شواهده ليثبت مدعاه. فإنّ صحة الكلام ليست بتضخيم الألقاب والأحجام ، وتبقى ثابتة عليها علامات الإستفهام! بل القاعدة المتينة الرصينة تقول : « إن كنت مخبراً فالصحة ، وإن كنت مدعياً فالدليل ».

٣ ـ وقال : « وكان ابن عباس كثيراً ما يختلف على عمر بن الخطاب الذي كان كثير الإعجاب به لما يرى من نبوغه في تفسير بعض آيات القرآن ».

أقول : وهذا الاختلاف الكثير صحيح في نفسه ، إلاّ أنّه ربما دلّ على عكس المطلوب للباحث ، إذ كان نبوغ ابن عباس في التفسير

٧١

مدعاة الإعجاب به عند عمر ، فهو يجد عنده من التفسير ما لا يعلمه هو ، ولو قال الباحث ذلك لوجد من الشواهد ما يثبته ، كما سيأتي ما يدلّ على ذلك.

٤ ـ وأخيراً قال : « وكانا كثيراً ما يتفقان في وجوه التفسير ».

وهذا أيضاً كسوابقه في عدم ذكر ما يثبته ولو بشاهد واحد فضلاً عن زعمه الكثير.

هذه هي موارد إستعمال الكاتب للكثرة ، وقد استهوته فساقها بكثرة دون حساب ما تعنيه مادة « الكثرة » التي هي نقيض « القلّة » من دون شاهد ، فكيف إذا لم يكن لديه شاهد واحد حتى على القلّة؟

وإذا لم يكن من حق القارئ مناقشته فيما استهواه فليدعه وهواه. ولكن أليس من حق القارئ أن يسأله عن الدليل على صحة دعواه؟ فإنّ المبالغة والإفراط بما ظنّه يُعلي من قدر عمر ويرفع من شأنه العلمي في التفسير ، لا يثبته بمجرد الكلام الخطابي ، وكان الأجدر به أن يكون موضوعياً في بحثه ، فيكتب لنا ما يمكنه أن يثبت به صحته ، وأنّى له بذلك ، وإثبات العكس أيسر من ذلك.

وقد يفاجأ القارئ إذا ذكرت له قول الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه « التفسير والمفسرون » : « فأبو بكر وعمر وعثمان لم يرد عنهم في التفسير إلاّ النزر اليسير ...

أمّا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فهو أكثر الصحابة الراشدين رواية عنه في

٧٢

التفسير ...

وكذلك كثرت الرواية في التفسير عن عبد الله بن عباس ، وعبد الله ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ...

إلى أن قال : ولو أنّا رتّبنا هؤلاء الأربعة حسب كثرة ما روي عنهم لكان أوّلهم عبد الله بن عباس ، ثم عبد الله بن مسعود ، ثم عليّ بن أبي طالب ، ثم أبيّ بن كعب » (١).

وقال الذهبي أيضاً في كتابه السابق الذكر : « وسؤال عمر له ـ لإبن عباس ـ مع الصحابة عن تفسير قوله تعالى : (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (٢) وجوابه بالجواب المشهور عنه ، يدل على أنّ ابن عباس كان يستخرج خفيّ المعاني التي يشير إليها القرآن ولايدركها إلاّ من نفحه الله بنفحة من روحه ، وكثيراً ما ظهر ابن عباس في المسائل المعقّدة في التفسير بمظهر الرجل الملهم الذي ينظر إلى الغيب من ستر رقيق كما وصفه عليّ رضي الله عنه ، الأمر الذي جعل الصحابة يقدّرون ابن عباس ويثقون بتفسيره ، ولقد وجد هذا التقدير صداه في عصر التابعين ، فكانت هناك مدرسة يتلقى تلاميذها التفسير عن ابن عباس استقرت هذه المدرسة بمكة ، ثم غذّت بعلمها الأمصار المختلفة ، وما زال تفسير ابن عباس يلقى من المسلمين إعجاباً وتقديراً إلى درجة أنّه إذا صح النقل عن ابن عباس لا يكادون يعدلون عن قوله إلى قول آخر. وقد صرّح الزركشي (٣)

____________

(١) التفسير والمفسرون ١ / (٦٣) ـ ٦٤ ط الأولى بمصر سنة ١٣٨١ هـ.

(٢) النصر / ١.

(٣) الإتقان ٢ / ١٨٣ عن هامش المصدر.

٧٣

بأنّ قول ابن عباس مقدّم على قول غيره من الصحابة عند تعارض ما جاء عنهم في التفسير » (١).

أعود فأقول : وقد كان على صاحب الدراسة « تفسير ابن عباس دراسة وتحليل » أن ينظر المصادر المعنيّة بالتفسير ، ولا أقل منها أوائلها والتي اعتمدها مَن أتى بعدُ. مثل تفسير ابن جرير الطبري فإنّه أجل التفاسير وأعظمها كما قاله السيوطي (٢) ، وقال النووي : « أجمعت الأمّة على أنّه لم يصنف مثل تفسير الطبري » (٣) ، وقال ابن تيمية : « وأمّا التفاسير التي في أيدي الناس فأصحّها تفسير محمد بن جرير الطبري » (٤).

فلو نظر الدارس في هذا التفسير وحده نظرة باحث منصف لكان له رأي غير ما ذكره ، ولكنه قد رجع إليه وهو محكوم لهواه وما شبّ عليه من الرواسب ، وإلاّ بماذا يفسّر لنا خلوّ تفسير ابن جرير من مقدمته إلى نهاية سورة الفاتحة من ذكر أثر مروي عن عمر في التفسير إلاّ مرّة واحدة؟ وهو مع ذلك ليس من التفسير في شيء!

ذكر الطبري في القول في تأويل الإستعاذة : « قوله : « من الشيطان » ... وقال عمر رحمة الله عليه ، وركب برذوناً فجعل يتبختر ، فجعل يضربه فلا يزداد إلاّ تبختراً فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلاّ على شيطان ، ما نزلت

____________

(١) التفسير والمفسرون ١ / ٧٠.

(٢) تفسير السيوطي ٢ / ١٩٠.

(٣) نفس المصدر.

(٤) فتاوى ابن تيمية ٢ / ١٩٢.

٧٤

عنه حتى أنكرت نفسي » (١). فأين هذا من التفسير؟

بينما نجد ابن جرير ذكر في تفسيره من مقدمته إلى نهاية سورة الفاتحة ما يقرب من ثلاثين أثراً عن ابن عباس ، وليس في شيء منها أثراً واحداً أخذه عن عمر ، فأين التفسير الذي أخذه عنه؟

ولندع هذا التفسير الكبير الذي يعسر علينا ـ فعلاً ـ إجراء مسح شامل لجميع أجزائه ، وفي « أجهزة الكمبيوتر » لمن عنده خير معين ، ليقف من خلاله على ما روي عن كلّ من عمر وابن عباس ، ومن هو الذي أخذ عن صاحبه.

والآن لنرجع فعلاً إلى كتاب التفسير في صحيح البخاري ـ وهو أصح كتاب بعد كتاب الله كما يقولون ـ وقد أجرينا كشفاً على مروياته ـ البخاري ـ عن كلّ من عمر وابن عباس فكان البون شاسعاً بينهما.

فكان ما رواه عن عمر لم يزد على العشرة إلاّ قليلاً ، وليس بينها ما يصلح الإستدلال به على أنّه من التفسير إلاّ على وجه ما! بينما روى عن ابن عباس ما يقرب من المائتين ، ولم نجد في مجموع تلكم الموارد ما رواه ابن عباس عن عمر إلاّ رواية واحدة في سورة براءة في قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) (٢).

وإلى القارئ لفظها كما رواها البخاري بسنده : « عن ابن عباس ، عن

____________

(١) تفسير الطبري ١ / ١١١ تح محمود محمد شاكر.

(٢) التوبة / ٨٠.

٧٥

عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال : لمّا مات عبد الله بن أبيّ بن سلول دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليصلي عليه ، فلمّا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه ، فقلت : يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا : كذا وكذا؟ قال : أعدّد عليه قوله. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر ، فلمّا أكثرت عليه ، قال : إنّي خيّرت فاخترت ، لو أعلم أنّي إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها. قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف ، فلم يمكث إلاّ يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة : (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً ـ إلى قوله ـ وَهُمْ فَاسِقُونَ) (١) ، قال : فعجبت بعدُ من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم » (٢).

فهذه الرواية الوحيدة التي رأيتها في البخاري ـ كتاب التفسير ـ رواها ابن عباس عن عمر.

وهي وإن أوجبت جرحاً لعمر ، حيث كان يتعجّب بعدُ من جرأته على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ولعلّها لا توجب حرجاً لمن يراه مسدّداً ، وفي كلّ حال فإنّها لا تعني من التفسير شيئاً ، اللهمَّ إلاّ إذا أخذنا بها في شأن النزول.

وبعد هذا أين هي تلك الكثرة التي أخذها ابن عباس من عمر في التفسير كما زعمها الكاتب في دراسته؟

ولو قلنا له : أقلب تصب لما عدونا الصواب ، فالشواهد على ذلك كثيرة.

والى القارئ بعض ما رووه في التفسير خاصة ورجع فيها عمر إلى

____________

(١) التوبة / ٨٤.

(٢) صحيح البخاري ٦ / ٦٨.

٧٦

ابن عباس وأخذ بقوله ، نذكر بعض الشواهد ، كلّ شاهد من كتاب يعدّ الأوّل في بابه عند أصحابه.

١ ـ أخرج ابن جرير في تفسيره : « أنّ عمر سأل الناس عن هذه الآية : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) (١) ، فما وجد أحداً يشفيه حتى قال ابن عباس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين إنّي أجد في نفسي منها شيئاً ، فتلفت إليه فقال : تحوّل ههنا ، لم تحقّر نفسك؟ قال : هذا مَثَلٌ ضربه الله عزوجل ، فقال : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره وأقترب أجله ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فأفسده كلّه ، فحرقه أحوج ما كان إليه » (٢).

ولهذا الخبر صورة أوسع ممّا ذكرها ابن جرير (٣).

٢ ـ أخرج الطبري في تفسيره بسنده عن ابن عباس : « أنّ عمر بن الخطاب قال له : أرأيت قول الله لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (٤) ، هل كانت إلاّ واحدة؟ فقال ابن عباس : وهل كانت من أولى إلاّ ولها آخرة ، فقال عمر : لله درّك يابن عباس كيف قلت؟ فقال : يا أمير المؤمنين : وهل كانت

____________

(١) البقرة / ٢٦٦.

(٢) تفسير ابن جرير ٣ / ٤٧.

(٣) أنظر الإتقان ٢ / ١٨٨.

(٤) الأحزاب / ٣٣.

٧٧

من أولى إلاّ ولها آخرة؟ قال : فأتِ بتصديق ما تقول من كتاب الله. قال : نعم (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (١). كما جاهدهم أوّل مرّة ، قال عمر : فمن أمر بالجهاد؟ قال : قبيلتان من قريش مخزوم وبنو عبد شمس ، فقال عمر : صدقت » (٢).

٣ ـ أخرج البخاري في صحيحه : « بسنده عن ابن عباس ، قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه ، فقال : لِم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنّه من حيث علمتم ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم ، فما رؤيت أنّه دعاني يومئذ إلاّ ليريهم. قال : ما تقولون في قول الله تعالى : (إذا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (٣)؟ فقال بعضهم : أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفُتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً ، فقال لي : أكذاك تقول يابن عباس؟ فقلت : لا ، قال : فما تقول؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمه الله له قال : (إذا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ، وذلك علامة أجلك ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (٤) ، فقال عمر : ما أعلم منها إلاّ ما تقول » (٥).

٤ ـ أخرج عبد الرزاق في « المصنف » بسنده : « أنّ ابن عباس ، قال : إنّي لصاحب المرأة التي أتي بها عمر ، وضعت لستة أشهر ، فأنكر الناس ذلك ،

____________

(١) الحج / ٧٨.

(٢) تفسير الطبري ٢٢ / ٤ ط مصر الأولى.

(٣) النصر / ١.

(٤) النصر / ٣.

(٥) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ٧ / ١٧٩ ط بولاق.

٧٨

فقلت لعمر : لِمَ تظلم؟ فقال : كيف؟ قال قلت له : إقرأ : (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (١) ، وقال : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (٢) كم الحول؟ قال : سنة ، قال قلت : كم السنة؟ قال : إثني عشر شهراً ، قال قلت : فأربعة وعشرون شهراً حولان كاملان ، ويؤخر من الحمل ما شاء الله ويُقدّم ، فاستراح إلى قولي » (٣).

هذه ثلاثة موارد من ثلاثة مصادر تعدّ من أوائل المراجع في التفسير والحديث ، ذكرت فيها رجوع عمر إلى ابن عباس في التفسير ، وهي غيض من فيض كما يقولون.

وأمّا رجوعه إليه في الأحكام ، فقد مرّت شواهده كثيرة في الحلقة الأولى « في عهد عمر » ، وحسبنا منها ـ لتذكير القارئ بها ـ أقوال عمر الدالة على مدى إحتياجه إلى ابن عباس لتسديده فيما يطرأ عليه من العُضل :

١ ـ ذكر البلاذري في « أنساب الأشراف » في ترجمة ابن عباس ، أنّ عمر قال له : « لقد علمت علماً ما علمناه » (٤).

٢ ـ وذُكر أيضاً أنّه قال له : « قد طرأت علينا عُضل أقضية أنت لها

____________

(١) الأحقاف / ١٥.

(٢) البقرة / ٢٣٣.

(٣) المصنف ٧ / ٣٥٢ برقم ١٣٤٤٩. ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم ١ / ١٣٥ ، والشاطبي في الموافقات ٣ / ٣٤٩ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٤٠ ، ومن المحدثين أحمد أمين في فجر الاسلام / ١٩٨ ط٧ ومحمد حسين الذهبي في ( التفسير والمفسرون ) ١ / ٦٠ ط الأولى

(٤) أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٢ ، وأنظر سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٤٥ ، البداية والنهاية لابن كثير ٨ / ٣٢٩.

٧٩

ولأمثالها » (١).

٣ ـ وروى ابن سعد وغيره أنّ عمر بن الخطاب دخل على ابن عباس يعوده وهو يحمّ فقال عمر : « أخلّ بنا مرضك فالله المستعان » (٢).

٤ ـ وروى أيضاً عن سعد بن أبي وقاص قوله في حديث له يطري فيه ابن عباس : « ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول : عندك قد جاءتك معضلة ثم لا يجاوز قوله ، وإنّ حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار » (٣).

٥ ـ وروى أيضاً عن ابن عباس نفسه قال : « دخلت على عمر بن الخطاب يوماً فسألني عن مسألة كتب إليه بها يعلى بن أمية من اليمن وأجبته بها ، فقال عمر : أشهد أنّك تنطِق عن بيت نبوّة » (٤).

إلى غير ذلك من الشواهد الدالة على أخذ عمر من ابن عباس في التفسير والأحكام لا العكس ، لهذا لا يمكن تصديق الزاعمين من قدامى كابن كثير ، ومحدَثين من الدارسين ، كما في « تفسير ابن عباس دراسة وتحليل » ، و « تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنّة » ومن لفّ لفّهم. في إعتماد مقولة معمّر : « عامّة علم ابن عباس من ثلاثة من عمر وعليّ وأبيّ بن كعب »!

____________

(١) أنظر فضائل الصحابة لابن حنبل ٢ / ٩٧٥ ، كنز العمال ١٣ / ٤٥٧ ، إعلام الموقعين لابن القيّم ١ / ١٤ ط المنيرية.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ ق٢ / ١٢٢.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

٨٠