موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

يوماً ، لأنّه ظلم الخيل بقتلها ، فقال عليّ عليه السلام : كذب كعب ، لكن أشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم ، لأنّه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس : ردّوها عليَّ. فردَّت فصلى العصر في وقتها ، وإنَّ أنبياء الله لا يظلمون ، ولا يأمرون بالظلم ، لأنّهم معصومون مطهرون » (١).

١٢ ـ في تفسير قوله تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (٢).

قال ابن عباس : « كانت أمرأة نوح كافرة تقول للناس : أنّه مجنون ، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به.

وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما ، وما بغت أمرأة نبيّ قط ، وإنّما كانت خيانتهما في الدين » (٣).

١٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) (٤).

عن ابن عباس قال : « قال موسى عليه السلام يا ربّ إنّك أمهلت فرعون أربعمائة سنة ، وهو يقول : أنا ربكم الأعلى ، ويجحد رسلك ، ويكذّب بآياتك ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّه كان حسن الخُلق ، سهل الحجاب ،

____________

(١) مجمع البيان ٨ / ٣٥٩.

(٢) التحريم / ١٠.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ٦٤.

(٤) النازعات / ٢٤.

٣٤١

فأحببت أن أكافيه » (١).

١٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢).

قال ابن عباس : « وما من نبيّ أنزل الله عليه الكتاب ، إلاّ أنزل عليه معاني هذا السورة بلغاتهم » (٣).

١٥ ـ في تفسير قوله تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) (٤).

قال ابن عباس : « إنّه كان في بني إسرائيل عابد أسمه برصيصا ، عبد الله زماناً من الدهر ، حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ، ويعوّذهم فيبرؤون على يده ، أنّه أتي بامرأة في شرف قد جُنّت ، وكان لها إخوة فأتوه بها وكانت عنده ، فلم يزل به الشيطان يزيّن له ، حتى وقع عليها ، فحملت ، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها ، فلمّا فعل ذلك ، ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بما فعل الراهب ، وأنّه دفنها في مكان كذا ، ثم أتى بقية إخوتها رجلاً ، فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليَّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس ،

____________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٢٥٧.

(٢) الشورى / (١) ـ ٣.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٣٧.

(٤) الحشر / (١٦) ـ ١٧.

٣٤٢

فاستنزلوه ، فأقرّ لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب ، فلمّا رفع على خشبّة ، تمثل له الشيطان فقال أنا الذي القيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك أخلصك ممّا أنت فيه؟ قال : نعم ، قال اسجد لي سجدة واحدة ، فقال : كيف أسجد لك ، وأنا على هذه الحالة؟ فقال أكتفي منك بالإيماء ، فأومأ له بالسجود فكفر بالله وقتل الرجل ، فهو قوله : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ) » (١).

١٦ ـ في تفسير قوله تعالى : (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (٢).

قال ابن عباس : « يعني في زمن عيسى عليه السلام وذلك أنّه لمّا رُفع ، تفرّق قومه ثلاث فرق : فرقة قالت : كان الله فارتفع ، وفرقة قالت : كان ابن الله فرفعه إليه ، وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون ، واتبع كلّ فرقة منهم طائفة من الناس ، فاقتتلوا ، وظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين ، حتى بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين ، وذلك قوله : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) ، أي عالين غالبين » (٣).

١٧ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (٤).

قال ابن عباس : « كان يحمل عليها زاده ، ويركزها فيخرج منها الماء ، ويضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل ، وكان يطرد بها السباع ، وإذا ظهر عدو

____________

(١) مجمع البيان ٩ / ٤٣٨.

(٢) الصف / ١٤.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٤٦٧.

(٤) طه / ١٨.

٣٤٣

حاربت ، وإذا أراد الإستسقاء من بئر طالت وصارت شعبتاها كالدلو ، وكان يظهر عليها كالشمعة تضيء له الليل ، وكانت تحدثه وتؤنسه ، وإذا طالت شجرة حناها بمحجنها » (١).

١٨ ـ (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ) (٢).

قال ابن عباس : « هو أن سلط الله على نمرود وخيله البعوض ، حتى أخذت لحومهم ، وشربت دماءهم ، ووقعت واحدة في دماغه فأهلكته » (٣).

١٩ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (٤).

قال ابن عباس : « إذا أراد أن تعصف الريح عصفت ، وإذا أراد أن ترخي أرخيت ، وذلك قوله : (رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) (٥) » (٦).

٢٠ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ

____________

(١) مجمع البيان ٧ / ١٧.

(٢) الأنبياء / ٧٠.

(٣) مجمع البيان ٧ / ٩٩.

(٤) الأنبياء / ٨١.

(٥) ص / ٣٦.

(٦) مجمع البيان ٧ / ١٠٥.

٣٤٤

ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) (١).

قال ابن عباس : « يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل ، توفي وترك ابنين ، وترك مالاً جزيلاً ، فأخذ أحدهما حقه منه ، وهو المؤمن منهما ، فتقرّب إلى الله تعالى ، وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعاً ، منها هاتان الجنتان » (٢).

٢١ ـ في تفسير قوله تعالى : (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٣).

عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « رحم الله أخي يوسف لو لم يقل : (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ) ، لولاّه من ساعته ، ولكنه أَخر ذلك سنة ».

قال ابن عباس : « فأقام في بيت الملك سنة ، فلمّا انصرفت السنة من يوم سأل الإمارة ، دعاه الأمير ، فتوّجه وردّاه بسيفه ، وأمر بأن يوضع له سرير من ذهب ، مكلّل بالدر والياقوت ، ويضرب عليه كلّة من استبرق ، ثم أمره

____________

(١) الكهف / (٣٢) ـ ٣٩.

(٢) مجمع البيان ٦ / ٣٤٢.

(٣) يوسف / ٥٥.

٣٤٥

أن يخرج متوجّاً لونه كالثلج ، ووجهه كالقمر ، يرى الناظر وجهه في صفاء لون وجهه ، فانطلق حتى جلس على السرير ، ودانت له الملوك ، فعدل بين الناس ، فأحبّه الرجال والنساء ، وذلك قوله عزوجل : (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) (١) ، ومثل ذلك في الإنعام الذي أنعمنا عليه أقدرنا يوسف على ما يريد في الأرض ـ يعني أرض مصر ـ » (٢).

٢٢ ـ في قوله تعالى : (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً) (٣).

عن ابن عباس ، قال : « أخبرني أُبيّ بن كعب قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إنّ موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسُئل أيّ الناس أعلم؟ قال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم لله ، فأوحى الله إليه : إنّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى يا ربّ فكيف لي به؟ قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل ثم أنطلق ، وأنطلق معه فتاه يوشع بن نون ، حتى إذا أتيا الصخرة ، وضعا رؤوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه ، فسقط في البحر ، وأتخذ سبيله في البحر سرباً ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق ، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبر بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً) (٤) ، قال : ولم يجد موسى

____________

(١) يوسف / ٢١.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٤١٩.

(٣) الكهف / ٦٤.

(٤) الكهف / ٦٢.

٣٤٦

لنَصب حتى جاور المكان الذي أمر الله تعالى به ، فقال فتاه : (إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) (١) ، قال : وكان للحوت سرباً ، ولموسى ولفتاه عجباً ، فقال موسى : (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) (٢) ، قال : رجعا يقصّان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فوجدا رجلاً مسجّى بثوب ، فسلّم عليه موسى ، فقال الخضر ، وأنّى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم أتيتك لتعلمنّي ممّا عُلّمت رُشداً ، قال : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (٣). يا موسى ، إنّي على علم من علم الله لا تعلمه ، علمّنيه ، وأنت على علم من علم الله علّمك لا أعلمه أنا ، فقال له موسى : (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) (٤). فقال له الخضر : (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (٥).

فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرّت سفينة ، وكلّموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم ، بغير نول ، فلمّا ركبا في السفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نول ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ، لقد

____________

(١) الكهف / ٦٣.

(٢) الكهف / ٦٤.

(٣) الكهف / ٦٧.

(٤) الكهف / ٦٩.

(٥) الكهف / ٧٠.

٣٤٧

جئت شيئاً إمراً ، قال : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ً) (١) ، قال : (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ً) (٢).

قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كانت الأولى من موسى عليه السلام نسياناً ، وقال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، فقال الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل ، إذا أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله ، فقال له موسى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً) (٣)؟ قال : (أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، قال : وهذه أشد من الأولى ، قال : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) ـ كان مائلاً فنال الخضر بيده فأقامه ، فقال موسى عليه السلام قوم قد أتيناهم فلم يطعمونا ، ولم يضيفّونا ـ (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي) (٤). فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وددنا موسى كان صبر حتى يقصّ علينا من خبرهما » (٥).

____________

(١) الكهف / ٧٢.

(٢) الكهف / ٧٣.

(٣) الكهف / ٧٤.

(٤) الكهف / (٦٧) ـ ٧٨.

(٥) مجمع البيان ٦ / (٣٦٤) ـ ٣٦٥.

٣٤٨

٢٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١).

قال ابن عباس : « كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل ، فلمّا كان من أمر موسى ما كان ، أمر بإعادة القتل عليهم ، فشكا ذلك بنو إسرائيل إلى موسى ، فعند ذلك ، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ) ، في رفع بلاء فرعون عنكم (وَاصْبِرُوا) على دينكم ، وعلى أذى فرعون : (إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ). أي ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث فيورثكم بعد إهلاك فرعون ، كما أورثها فرعون ، وهذا وعد لهم بحسن العاقبة ، ليكون داعياً لهم إلى الصبر (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٢) ، معناه : تمسكوا بالتقوى في الدنيا ، فإن حسن العاقبة في الدارين للمتقين » (٣).

٢٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) (٤).

____________

(١) الأعراف / (١٢٨) ـ ١٢٩.

(٢) الأعراف / ١٢٨.

(٣) مجمع البيان ٤ / ٣٣٥.

(٤) النساء / ١٣٦.

٣٤٩

قال ابن عباس : « إنّ الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وابن أخت عبد الله بن سلام ، ويامين بن ياسين ، وهؤلاء من كبّار أهل الكتاب ، قالوا ، نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب ، وبمن سواهم من الرسل ، فقيل لهم : بل آمنوا بالله ورسوله » (١).

٢٥ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (٢).

قال ابن عباس : « لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره ، وغير امرأة فرعون ، وغير المؤمن الذي أنذر موسى ، فقال : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) (٣) » (٤).

النمط الثاني : ما يتعلق بسيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وأيام الصحابة

١ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا

____________

(١) مجمع البيان ٣ / ٢١٤.

(٢) غافر / ٢٨.

(٣) غافر / ٢٨.

(٤) مجمع البيان ٨ / ٤٣٧.

٣٥٠

تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١).

قال ابن عباس : « لمّا أصاب المسلمين ما أصابهم يوم أحد وصعد النبيّ الجبل ، قال أبو سفيان : يا محمد لنا يوم ولكم يوم ، فقال : أجيبوه ، فقال المسلمون : لا سواء قتلانا في الجنّة وقتلاكم بالنار ، فقال أبو سفيان : لنا عُزّى ولا عُزى لكم ، فقال النبيّ : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ، فقال أبو سفيان : أعلُ هُبَل ، فقال النبيّ : قولوا الله أعلى وأجلّ ، فقال أبو سفيان : موعدنا وموعدكم يوم بدر الصغرى ، ونام المسلمون وبهم الكلوم ، وفيهم نزلت : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٢) ، وفيهم نزلت : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) (٣) ، لأنّ الله أمرهم على ما بهم من الجراح أن يتبعوهم وأراد بذلك إرهاب المشركين ، وخرجوا إلى حمراء الأسد ، وبلغ المشركين ذلك ، فأسرعوا حتى دخلوا مكة » (٤).

٢ ـ في تفسير قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي

____________

(١) النساء / ١٠٤.

(٢) آل عمران / ١٤٠.

(٣) النساء / ١٠٤.

(٤) مجمع البيان ٣ / ١٨٠.

٣٥١

مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (١).

قال ابن عباس : « لمّا كان يوم بدر وأصطف القوم للقتال ، قال أبو جهل : اللهم أولانا بالنصر فأنصره ، واستغاث المسلمون ، فنزلت الملائكة ونزل قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) » (٢).

وقال ابن عباس : « إنّ الملائكة قاتلت يوم بدر وقَتلت ».

وقال ابن عباس : « حدثني رجل من بني غفار ، قال : أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، ونحن مشركان ننظر إلى الواقعة على من تكون الدبرة ، فبينما نحن هناك إذ دنت منا سحابة ، فسمعنا فيه حمحمة الخيل فسمعت قائلاً يقول : أقدم حيزوم ، ثم قال : فأمّا ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه ، وأمّا أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت ».

وعن ابن عباس : « إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر : هذا جبرائيل آخذ برأس فرسه ، عليه أداة الحرب ».

وعن ابن عباس ، قال : « كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة ، وكان أبو اليسر رجلاً مجموعاً ، وكان العباس رجلاً

____________

(١) الأنفال / ٩.

(٢) مجمع البيان ٤ / ٤٣٦.

٣٥٢

جسيماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي اليسر : كيف أسرت العباس يا أبا اليسر؟ فقال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، هيأته كذا وكذا ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لقد أعانك عليه ملك كريم » (١).

٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) (٢).

قال ابن عباس : « القائل لذلك جماعة منهم جاؤوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم منهم سلام ابن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ومالك بن الضيف ، فقالوا ذلك » (٣).

٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٤).

قال ابن عباس : « كانت غنائم هوازن يوم حنين إذ جاءه ابن أبي ذي الخويصرة التميمي ، وهو حرقوص بن زهير ، أصل الخوارج ، فقال : أعدل يا رسول الله : فقال : ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : دعه ، فإنّ له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته مع صلواتهم ، وصيامه مع صيامهم ، آيتهم رجل أسود في إحدى ثدييه ـ أو قال في أحدى يديه ـ مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تُدر درُ ،

____________

(١) مجمع البيان ٤ / (٤٣٨) ـ ٤٤٣.

(٢) التوبة / ٣٠.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٤٢.

(٤) التوبة / ٥٨.

٣٥٣

يخرج على فترة من الناس » (١).

٥ ـ في تفسير قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٢).

فقال ابن عباس : « إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً في ظل شجرة ، فقال : « إنّه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني الشيطان » ، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : « علام تشتمني أنت وأصحابك؟ » ، فأنطلق الرجل فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا ، فأنزل الله هذه الآية » (٣).

٦ ـ في قوله تعالى : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا

____________

(١) مجمع البيان ٥ / ٧٢.

(٢) التوبة / ٧٤.

(٣) مجمع البيان ٥ / ٩٠.

٣٥٤

يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (١).

روي عن ابن عباس : « إنّ الآية نزلت في جد بن قيس ، ومعتب بن قشير وأصحابهما من المنافقين ، وكانوا ثمانين رجلاً ، ولمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المدينة راجعاً من تبوك قال : « لا تجالسوهم ولا تكلموهم » (٢).

٧ ـ في تفسير قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (٣).

روي عن ابن عباس : « إنّ رؤساء مكة من قريش أتوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : يا محمد إن كنت رسولاً فحوّل لنا جبال مكة ذهباً ، أو ائتنا بملائكة يشهدون لك بالنبوة ، فأنزل الله : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ) » (٤).

٨ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ

____________

(١) التوبة / (٩٤) ـ ٩٦.

(٢) مجمع البيان ٥ / ١٠٦.

(٣) هود / ١٢.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٢٤٩.

٣٥٥

الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) (١).

قال ابن عباس : « إنَّ رجلاً من « حضرموت » يقال له : عبدان الأشرع ، قال : يا رسول الله! إنّ أمرأ القيس الكندي جاورني في أرضي ، فاقتطع من أرضي ، فذهب بها مني ، والقوم يعلمون أنّي لصادق ، ولكنه أكرم عليهم مني. فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرأ القيس عنه ، فقال : لا أدري ما يقول. فأمره أن يحلف ، فقال عبدان : إنّه فاجر لا يبالي أن يحلف ، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه.

فلمّا قام ليحلف ، أنظره فانصرفا ، فنزل قوله : (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ) الآيتان. فلمّا قرأهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أمرؤ القيس : أمّا ما عندي فينفد ، وهو صادق فيما يقول. لقد اقتطعت أرضه ، ولم أدري كم هي ، فليأخذ من أرضي ما شاء ، ومثلها معها ، بما أكلت من ثمرها. فنزل فيه : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً) الآية » (٢).

٩ ـ في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٣).

عن ابن عباس : « إنّها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج ، لما حرمّوا على أنفسهم من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة ، فنهاهم الله عن ذلك » (٤).

____________

(١) النحل / (٩٥) ـ ١٠٠.

(٢) مجمع البيان ٥ / ٢٤٩.

(٣) البقرة / ١٦٨.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣٦٧.

٣٥٦

١٠ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (١).

قال ابن عباس : « دعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اليهود إلى الإسلام ، فقالوا : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم منا فنزلت هذه الآية » (٢).

١١ ـ في تفسير قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً) (٣).

محمد بن إسحق بإسناده عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، عن ابن عباس : « أنّ النضر بن الحرث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، أنفذهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلاهم عن محمد ، وصِفا لهم صفته ، وخبّراهم بقوله ، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل ، وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عندنا. فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار اليهود عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقالا لهم ما قالت قريش ، فقال لهما أحبار اليهود : إسألوه عن ثلاث ، فإن أخبركم بهن فهو نبيّ مرسل ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول ، فروا فيه رأيكم : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ، ما كان أمرهم ، فإنّه قد كان لهم حديث عجيب؟ وسلوه عن رجل طوّاف ، قد بلغ مشارق

____________

(١) البقرة / ١٧٠.

(٢) مجمع البيان ١ / ٤٧٠.

(٣) الكهف / (٩) ـ ١٢.

٣٥٧

الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟

وفي رواية أخرى : فإن أخبركم عن الثنتين ، ولم يخبركم بالروح ، فهو نبيّ.

فانصرفا إلى مكة ، فقالا : يا معاشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم ، وبين محمد. وقصّا عليهم القصة. فجاؤوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فسألوه ، فقال : أُخبركم بما سألتم عنه غداً ، ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، فمكث صلى الله عليه وآله وسلم ، خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه في ذلك وحياً ، ولا يأتيه جبرائيل ، حتى أرجف أهل مكة ، وتكلموا في ذلك ، فشّق على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يتكلم به أهل مكة عليه ، ثم جاءه جبرائيل عليه السلام عن الله سبحانه وتعالى بسورة الكهف ، وفيها ما سألوه عن أمر الفتية ، والرجل الطوّاف ، وأنزل عليه : (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (١) » (٢).

١٢ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً) (٣).

____________

(١) الإسراء / ٨٥.

(٢) مجمع البيان ٦ / (٣١٣) ـ ٣١٤.

(٣) الإسراء / (٩١) ـ ٦٥.

٣٥٨

قال ابن عباس : « إن جماعة من قريش ، وهم عتبة وشيبة إبنا ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ، والأسود بن المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أُمية ، وأُمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ونبيه ومنبه ، إبنا الحجاج ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، اجتمعوا عند الكعبة ، وقال بعضهم لبعض : أبعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصموه ، فبعثوا إليه أنّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك ، فبادر صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ، ظنّاً منه أنّهم بدا لهم في أمره ، وكان حريصاً على رشدهم ، فجلس إليهم ، فقالوا : يا محمد! إنّا دعوناك لنعذر إليك ، فلا نعلم أحداً أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، شتمت الآلهة ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وفرَّقت الجماعة ، فإن كنت جئت بهذا لتطلب مالاً أعطيناك ، وإن كنت تطلب الشرف سوَّدناك علينا ، وإن كانت علّة غلبت عليك طلبنا لك الأطباء!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ليس شيء من ذلك ، بل بعثني الله إليكم رسولاً ، وأنزل كتاباً ، فإنْ قبلتم ما جئت به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردّوه أصبر حتى يحكم الله بيننا. قالوا : فإٍذن ليس أحد أضيق بلداً منا ، فاسأل ربك أن يسير هذه الجبال ، ويجري لنا أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وأن يبعث لنا من مضى ، وليكن فيهم قصي ، فإِنّه شيخ صدوق لنسألهم عما تقول أحق أم باطل! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما بهذا بُعثت. قالوا : فإن لم تفعل ذلك فاسأل ربك أن يبعث ملكاً يصدّقك ، ويجعل لنا جنات ، وكنوزاً ، وقصوراً من ذهب. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما بهذا

٣٥٩

بُعثت ، وقد جئتكم بما بعثني الله به ، فإن قبلتم وإلا فهو يحكم بيني وبينكم. قالوا : فأسقط علينا السماء كما زعمت أنّ ربك أن شاء فعل ذلك. قال : ذاك إلى الله ، إن شاء فعل. وقال قائل منهم : لا نؤمن حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فقام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وقام معه عبد الله بن أبي أُمية المخزومي ، ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد! عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله. ثم سألوك لأنفسهم أموراً فلم تفعل. ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به فلم تفعل. فو الله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ سُلَّماً إلى السماء ، ثم ترقي فيه ، وأنا أنظر ، ويأتي معك نفر من الملائكة ، يشهدون لك ، وكتاب يشهد لك. وقال أبو جهل : إنّه أبى إلاّ سبّ الآلهة ، وشتم الآباء ، وأنا أُعاهد الله لأحملنّ حجراً فإذا سجد ، ضربت به رأسه. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حزيناً لما رأى من قومه ، فأنزل الله سبحانه الآيات » (١).

١٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (٢).

قال ابن عباس : « إنّ ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك ، لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، سألوه فقالوا : يا محمد كيف نومك ، فقد أخبرنا عن نوم النبيّ الذي يأتي في آخر الزمان؟ فقال : « تنام عيناي وقلبي يقظان » ، فقالوا : صدقت يا محمد.

فأخبرنا عن الولد يكن من الرجل أو المرأة؟ فقال : « أمّا العظام

____________

(١) مجمع البيان٦ / (٢٩١) ـ ٢٩٣.

(٢) البقرة / ٩٨.

٣٦٠