موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

والعصب والعروق فمن الرجل ، وأمّا اللحم والدم والظفر والشعر فمن المرأة » ، قالوا : صدقت يا محمد ، فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ، أو يشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شيء؟ فقال : « أيهما علا ماؤه كان أشبه له » ، قالوا : صدقت يا محمد.

قالوا : فأخبرنا عن ربك ماهو؟ فأنزل الله سبحانه : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) (١) ، فقال له ابن صوريا : خصلة واحدة إن قلتها آمنتُ بك واتبعتك ، أي ملك يأتيك بما ينزل الله عليك؟

قال ـ ابن عباس ـ : قال : « جبريل » ، قالوا : ذاك عدونا ينزل بالقتال والشدة والحرب ، وميكائيل ينزل باليسر والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمّنا بك » (٢).

١٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) (٣).

قال ابن عباس : « إن ابن صوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية بينّة فنتبعك لها ، فأنزل الله هذه الآية » (٤).

١٥ ـ في تفسير قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ

____________

(١) الإخلاص / (١) ـ ٤.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣١٥.

(٣) البقرة / ٩٩.

(٤) مجمع البيان ١ / ٣١٧.

٣٦١

مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالأِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (١).

عن ابن عباس ، قال : « إنّ رافع بن حرملة ووهب بن زيد قالا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إئتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهاراً نتبعك ونصدقك ، فأنزل الله هذه الآية » (٢).

١٦ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٣).

قال ابن عباس : « إنه لمّا قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتتهم أحبار اليهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رافع بن حرملة : ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة عيسى ، وكفر بالإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران : ليست اليهود على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة ، فأنزل الله هذه الآية » (٤).

١٧ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٥).

____________

(١) البقرة / ١٠٨.

(٢) مجمع البيان ١ / ٣٤٤.

(٣) البقرة / ١١٣.

(٤) مجمع البيان ١ / ٤٠٣.

(٥) البقرة / ١٣٥.

٣٦٢

عن ابن عباس : « إنّ عبد الله بن صوريا وكعب بن الأشرف ومالك ابن الضيف وجماعة من اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل الإسلام ، كلّ فرقة تزعم أنّها أحق بدين الله من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب ، وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا أفضل الكتب ، وكلّ فريق منهما قالوا للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية » (١).

١٨ ـ في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * ‏ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً) (٢).

روى الواحدي بالإسناد عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع حفصة ، فتشاجرا بينهما ، فقال لهما : هل لكِ أنْ أجعل بيني وبينكِ رجلاً؟ قالت : نعم فأرسل إلى عمر. فلمّا أنْ دخل عليهما قال لها : تكلّمي. فقالت : يا رسول الله! تكلم ولا تقل إلاّ حقّاً. فرفع عمر يده فوجأ وجهها ، ثم رفع يده فوجأً وجهها. فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : كفّ.

____________

(١) مجمع البيان ١ / ٤٠٣.

(٢) الأحزاب / (٢٨) ـ ٣١.

٣٦٣

فقال عمر. يا عدوة الله! النبيّ لا يقول إلاّ حقاً ، والذي بعثه بالحق ، لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي! فقام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهراً ، لا يقرب شيئاً من نسائه ، يتغدّى ويتعشّى فيها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية! » (١).

١٩ ـ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (٢).

قال ابن عباس : « نزل قوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) في عقبة بن أبي معيط وأبيّ بن خلف ، وكانا متخالّينَ ، وذلك أنّ عقبة كان لا يقدم من سفر إلاّ صنع طعاماً ، فدعا إليه أشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة الرسول فقدم من سفره ذات يوم ، فصنع طعاماً ، ودعا الناس ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طعامه. فلمّا قربوا الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أنا بآكل من طعامكم حتى تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وإنّي رسول الله ، فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله. وبلغ ذلك أُبي بن خلف ، فقال : صبأْت يا عقبة؟ قال : لا والله ما صبأت ، ولكن دخل عليَّ رجل ، فأبى أن يطعم من طعامي إلاّ أن أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي ، ولم يطعم ، فشهدت له فطعم. فقال أُبي : ما كنت براض عنك أبداً حتى تأتيه فتبزق في وجهه! ففعل ذلك عقبة ، وأرتدَّ ، وأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : لا ألقاك خارجاً من مكة إلاّ علوت رأسك بالسيف. فضرب عنقه يوم بدر صبراً.

____________

(١) مجمع البيان ٨ / ١٥١.

(٢) الفرقان / ٢٧.

٣٦٤

وأمّا أُبي بن خلف فقتله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد بيده في المبارزة ».

وقال الضحاك : « لمّا بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد بزاقه في وجهه ، فأحرق خدَّيْه. وكان أثر ذلك فيه حتى مات » (١).

٢٠ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ * عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ * ‏ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (٢).

عن ابن عباس قال : « لمّا نزلت الآية : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) ، قال عاصم بن عدي : يا رسول الله! إن رأى رجل منا مع امرأته رجلاً ، فأخبر بما رأى ، جلد ثمانين. وإن التمس أربعة شهداء ، كان الرجل قد

____________

(١) مجمع البيان ٧ / (٢٨٩) ـ ٢٩٠.

(٢) النور / (٤) ـ ١٠.

٣٦٥

قضى حاجته ثم مضى؟ قال : كذلك أنزلت الآية يا عاصم. قال : فخرج سامعاً مطيعاً. فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع ، فقال : ما وراءك؟ قال : شر ، وجدت شريك بن سحما على بطن امرأتي خولة! فرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره هلال بالذي كان. فبعث إليها فقال : ما يقول زوجك؟ فقالت : يا رسول الله! إنّ ابن سحما كان يأتينا فينزل بنا ، فيتعلم الشئ من القرآن ، فربما تركه عندي وخرج زوجي فلا أدري أدركته الغيرة ، أم بخل علي بالطعام. فأنزل الله آية اللعان : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ...) الآيات ».

وفي رواية عكرمة ، عن ابن عباس : « قال سعد بن عبادة : لو أتيت لكاع وقد يفخذها رجل ، لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء ، فو الله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ، ويذهب. وإن قلت ما رأيت فإن في ظهري لثمانين جلدة. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : يا معشر الأنصار! ما تسمعون إلى ما قال سيدكم؟ فقالوا : لا تلمه ، فإنّه رجل غيور ، ما تزوج امرأة قط إلاّ بكراً ، ولا طلق امرأة له فاجترى رجل منا أن يتزوجها. فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ، والله إنّي لأعرف إنّها من الله ، وإنّها حق ، ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك. فقال : فإنّ الله يأبى إلاّ ذاك. فقال : صدق الله ورسوله. فلم يلبثوا إلاّ يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له ، قد رأى رجلاً مع امرأته. فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إنّي جئت أهلي عشاء ،

٣٦٦

فوجدت معها رجلاً رأيته بعيني ، وسمعته بأذني. فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى رأى الكراهة في وجهه ، فقال هلال : إنّي لأرى الكراهة في وجهك ، والله يعلم أنّي لصادق ، وأنّي لأرجو أن يجعل الله فرجاً. فهم رسول الله بضربه ، وقال : واجتمعت الأنصار ، وقالوا : ابتلينا بما قال سعد ، أيجلد هلال ، وتبطل شهادته؟ فنزل الوحي ، وأمسكوا عن الكلام حين عرفوا أنّ الوحي قد نزل. فأنزل الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)الآيات. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أبشر يا هلال ، فإنّ الله تعالى قد جعل فرجاً. فقال : قد كنت أرجو ذاك من الله تعالى. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أرسلوا إليها ، فجاءت فلاعن بينهما. فلمّا انقضى اللعان فرق بينهما ، وقضى أنّ الولد لها ، ولا يدعى لأب ، ولا يرمى ولدها. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إن جاءت به كذا وكذا ، فهو لزوجها ، وإن جاءت به كذا وكذا ، فهو للذي قيل فيه » (١).

٢١ ـ في تفسير قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً * هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ

____________

(١) مجمع البيان ٧ / (٢٢٤) ـ ٢٢٥.

٣٦٧

وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * ‏ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١).

قال ابن عباس : « إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يريد مكة ، فلمّا بلغ الحديبية ، وقفت ناقته ، وزجرها فلم تنزجر ، وبركت الناقة. فقال أصحابه : خلأت الناقة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل. ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة ، ليأذنوا له بأن يدخل مكة ، ويحلّ من عمرته ، وينحر هديه ، فقال : يا رسول الله! ما لي بها حميم ، وإنّي أخاف قريشاً لشدّة عداوتي إياها. ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني ، عثمان بن عفان. فقال : صدقت. فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ، فأرسله إلى أبي سفيان ، وأشراف قريش ، يخبرهم أنّه لم يأت لحرب ، وإنّما جاء زائراً لهذا البيت ، معظماً لحرمته ، فاحتبسته قريش عندها.

فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين ، أنّ عثمان قد قتل. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لا نبرح حتى نناجز القوم. ودعا الناس إلى البيعة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشجرة فاستند إليها ، وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ، ولا يفروا. قال عبد

____________

(١) الفتح / (١) ـ ١٠.

٣٦٨

الله بن معقل : كنت قائماً على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك اليوم ، وبيدي غصن من السمرة ، أذب عنه ، وهو يبايع الناس ، فلم يبايعهم على الموت ، وإنّما بايعهم على أن لا يفرّوا.

قال ابن عباس : صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية مشركي مكة ، على أنّ من أتاه من أهل مكة ، ردّه عليهم ، ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو لهم ، ولم يردّوه عليه ، وكتبوا بذلك كتاباً ، وختموا عليه. فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية ، مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية. فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم ـ وقال مقاتل : هو صيفي (١) بن الراهب ـ في طلبها ، وكان كافراً. فقال : يا محمد! أردد علي امرأتي ، فإنك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد. فنزلت الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ) (٢) من دار الكفر إلى دار الإسلام : (فَامْتَحِنُوهُنَّ).

قال ابن عباس : إمتحانهن أن يستحلفن ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة عن أرض إلى أرض ، ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلاّ حبّاً لله ولرسوله. فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما خرجت بغضاً لزوجها ، ولا عشقاً لرجل منا ، وما خرجت إلاّ رغبة في الإسلام ، فحلفت بالله الذي لا إله إلاّ

____________

(١) في نسختين : صيف بدل صيفي.

(٢) الممتحنة / ١٠.

٣٦٩

هو على ذلك. فأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجها مهرها ، وما أنفق عليها ، ولم يردّها عليه ، فتزوجها عمر بن الخطاب.

فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يردّ من جاءه من الرجال ، ويحبس من جاءه من النساء إذا أمتحنّ ، ويعطي أزواجهن مهورهن » (١).

٢٢ ـ في تفسير قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) (٢).

عن ابن عباس قال : « ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجن وما رآهم ، إنطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت الشياطين إلى قومهم فقالوا : مالكم؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، وقالوا : ماذا إلاّ من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو بنخل ، عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له ، وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ، فرجعوا إلى قومهم وقالوا : (قُلْ

____________

(١) مجمع البيان ٩ / ٤٥٢.

(٢) الجن / (١) ـ ٢.

٣٧٠

أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) ، فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) ، رواه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير ورواه الطبرسي أيضاً في مجمع البيان » (١).

٢٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاَسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).

عن ابن عباس : « أنّ صفية بنت حي بن أخطب ، جاءت إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تبكي فقال لها : ما وراءك؟ فقالت : إنّ عائشة تعيّرني وتقول : يهودية بنت يهوديين ، فقال لها : « هلاّ قلت أبي هارون ، وعمي موسى ، وزوجي محمد صلى الله عليه وآله وسلم » ، فنزلت الآية » (٣).

٢٤ ـ في تفسير قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٤).

قال ابن عباس : « نزلت في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ...) الآية ، في اليهود والمنافقين ، إنّهم كانوا يتناجون فيما بينهم ، دون

____________

(١) صحيح البخاري ٦ / ١٦٠ ط بولاق ، مجمع البيان ١٠ / ١٤٤.

(٢) الحجرات / ١١.

(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٢٧.

(٤) المجادلة / ٨.

٣٧١

المؤمنين ، وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا : ما نراهم إلاّ وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل ، أو مصيبة ، أو هزيمة ، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم ، فلمّا طال ذلك شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم ، فنزلت الآية » (١).

٢٥ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً) (٢).

قال ابن عباس : « يريد المستهزئين والمقتسمين وأتباعهم وجدالهم بالباطل ، أنّهم ألزموه أن يأتي بالآية على أهوائهم على ما كانوا يقترحون ، ليبطلوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم » (٣).

٢٦ ـ في تفسير قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٤).

عن ابن عباس قال : « إنّ أحبار اليهود وجدوا صفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مكتوبة في التوراة : أكحل ، أعين ، ربعة ، حسن الوجه ، فمحوه من التوراة حسداً

____________

(١) مجمع البيان ٩ / ٤١٤.

(٢) الكهف / ٥٦.

(٣) مجمع البيان ٦ / ٣٥٨.

(٤) البقرة / ٧٩.

٣٧٢

وبغياً ، فأتاهم نفر من قريش فقالوا : أتجدون في التوراة نبيّاً منّا؟ قالوا : نعم ، نجده طويل أزرق ، سبط الشعر » (١).

٢٧ ـ في تفسير قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٢).

قال ابن عباس : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لهم : « إن كنتم صادقين في مقالكم ، فقولوا : اللهم أمتنا ، فو الذي نفسي بيده لا يقولها رجل إلاّ غص بريقه فمات مكانه » ، وهذه القصة شبيهة بقصة المباهلة » (٣).

٢٨ ـ في تفسير قوله تعالى : (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) (٤).

روى أنّ الريح هاجت على عهد ابن عباس ، فجعل بعضهم يسب الريح ، فقال : « لا تسبّوا الريح ، ولكن قولوا : اللهم أجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً » (٥).

وهذا يعني أنّ تصريف الرياح عنده جعل بعضها يأتي بالرحمة وبعضها يأتي بالعذاب.

____________

(١) مجمع البيان ١ / ٢٧٩.

(٢) البقرة / (٩٤) ـ ٩٥.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣١٠.

(٤) البقرة / ١٦٤.

(٥) مجمع البيان ١ / ٤٥٧.

٣٧٣

النمط الثالث : ما يتعلق بالآداب الإسلامية العامة

وهذا لون آخر من معارفه القرآنية المتضمن صوراً من التعاليم والآداب الإسلامية ، تجمعها مظلّة الغيرية وحبّه الخير للغير التي عنوانها : « أحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك » ، وهذا منطلق رحب الآفاق في مكارم الأخلاق ، وقد مرتّ بنا كلمة الحبر ابن عباس رضي الله عنه ، وهي حكمة بالغة حبّذا لو تمثلنّاها سلوكاً عملياً مع الناس ، فقد قال لمن شتمه : « أتشتمني وفيّ ثلاث خصال : إنّي لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبّه ولعلّي لا أقاضي إليه أبداً ، وإنّي لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلدان المسلمين وأفرح به ومالي بها من سائمة ولا راعية ، وإنّي لآتي على آية من كتاب الله فوددت أنّ المسلمين كلّهم يعلمون منها مثل ما أعلم » (١). فمن هذا المنطلق المثالي كان يقول ما يراه في الترغيب والترهيب ممّا يتعلق بالقرآن الكريم.

فإلى بعض ما جاء عنه في ذلك :

١ ـ قال : « من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة ، ووقاه من هول يوم القيامة ، وذلك أنّه قال : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) (٢) في الآخرة » (٣).

____________

(١) موسوعة ابن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٤٣٢.

(٢) طه / ١٢٣.

(٣) تفسير الطبري ١٦ / ٢٢٥.

٣٧٤

٢ ـ قال : « إنّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب » (١).

٣ ـ قال في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٢) ، قال : « فاتحة الكتاب. قيل لابن عباس فأين السابعة؟ قال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية من كتاب الله » (٣).

وفي لفظ آخر قال ابن عباس : « فأخرجها الله ربكم وما أخرجها لأحد قبلكم » (٤).

٤ ـ قال : « إنّ لكلّ شيء لباباً ، ولباب القرآن الحواميم » (٥).

٥ ـ قال في « تبارك الملك » : « هي المانعة ، هي المنجية ، تنجي من عذاب القبر » (٦).

٦ ـ قال : « ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الإشراك بالله ، تقرؤون : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (٧) ، عند منامكم » (٨).

٧ ـ قال : « من تعلم كتاب الله ثم اتّبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب » (٩).

____________

(١) مستدرك الحاكم ١ / ٥٥٤.

(٢) الحجر / ٧٨.

(٣) مستدرك الحاكم ١ / ٥٥١.

(٤) نفس المصدر.

(٥) الإتقان ٢ / ١٥٤ ، عن أبي عبيد.

(٦) نفس المصدر.

(٧) الكافرون / ١.

(٨) الإتقان ٢ / ١٥٥.

(٩) نفس المصدر ٢ / ١٥٣.

٣٧٥

٨ ـ قال في تفسير قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (١) : « هي أكثر من سبع وتسع ».

وفي لفظ قال : « إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنّه لا كبيرة مع إستغفار ، ولا صغيرة مع إصرار » (٢).

٩ ـ قال : « ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت :

أولاهن : (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٣).

والثانية : (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (٤).

والثالثة : (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً) (٥).

والرابعة : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (٦).

والخامسة : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) (٧).

____________

(١) النساء / ٣١.

(٢) تفسير الطبري ٥ / ٤١.

(٣) النساء / ٢٦.

(٤) النساء / ٢٧.

(٥) النساء / ٢٨.

(٦) النساء / ٣١.

(٧) النساء / ٤٠.

٣٧٦

والسادسة : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (١).

والسابعة : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢).

والثامنة : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٣).

ثم أقبل يفسّرها في آخر الآية : (وَكَانَ اللَّهُ) ، للذين عملوا الذنوب (غَفُوراً رَحِيماً) (٤).

١٠ ـ عن عبد الله بن ربيعة ، قال : « قال لي ابن عباس : هل تدري ما قوله : (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (٥)؟ قال : قلت : نعم.

قال : فما هو؟ قال : قلت : التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك.

قال : لقد قلت قولاً عجباً ، وما هو كذلك! ولكنه إنّما يقول : ذكر الله إياكم عند ما أمر به أو نهى عنه ، إذا ذكرتموه ، أكبر من ذكركم إياه » (٦).

____________

(١) النساء / ٤٨.

(٢) النساء / ١١٠.

(٣) النساء / ١٥٢.

(٤) تفسير الطبري ٥ / ٤٥.

(٥) العنكبوت / ٤٥.

(٦) تفسر الطبري ٢٠ / ١٥٦.

٣٧٧

١١ ـ عن سعيد بن جبير ، قال : « مات رجل يهودي وله ابن مسلم ، فلم يخرج معه ، فذكر ذلك لابن عباس. فقال : كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ، ويدعو له بالصلاح ما دام حيّاً ، فإذا مات وكله إلى شأنه. ثم قال : (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (١) ، ثم لم يدع » (٢).

١٢ ـ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٣). قال : « أمر الله المؤمنين بالصبر عند الجزع ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله عن الشيطان وخضع لهم عدوهم.

(كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٤) ، قال : « الذي حين أعدّ الله لهم الجنّة » (٥).

____________

(١) التوبة / ١١٤.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٤٤.

(٣) المؤمنون / ٩٦.

(٤) فصلت / (٣٤) ـ ٣٥.

(٥) الناسخ والمنسوخ لابي جعفر النحاس / ٢٤٧ ط السعادة بمصر١٣٢٣ هـ.

٣٧٨

مسائل قرآنية عن ابن عباس

١ ـ ماذا عن مصْحف ابن عباس؟

٢ ـ ماذا عن ابن عباس في القراءة على سبعة أحرف؟

٣ ـ ما هي مواضع سجود التلاوة في مصحف ابن عباس؟

٤ ـ ماذا عن البسملة في مصحف ابن عباس؟

مسائل علينا أن نلمّ بعرضها والجواب عليها ، وأن نبحث بإمعان وتحقيق عنها ، لكثرة ما جاء مروياً عن ابن عباس فيها ، ولا يخلو بعضه من نظر في صحته.

فإلى قراءة المسائل والجواب عليها :

المسألة الأولى : ماذا عن مصحف ابن عباس؟

لماذا هذا السؤال ، فهل كان لمصحفه مزّية خاصة به دون بقية المصاحف المكتوبة المتلوّة يومئذ؟

والجواب : نعم ، إنّه كان له مصحف خاص به كتبه على نحو يخالف في ترتيبه المصحف الذي أمر عثمان بالقراءة عليه ، وإختصاراً فلنقل هو المصحف الإمام.

فلماذا ذلك الخلاف وأين هو؟

والجواب : إنّ ترتيب المصاحف عند الصحابة كان مختلفاً ، فمنهم من أتخذ التاريخ هو النهج في الترتيب ، وهذا يعني تقديم المكي على

٣٧٩

المدني ، وترتيب سور كلّ منهما حسب تاريخ نزولها أوّلاً فأوّل. وهو نهج أتخذه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في جمعه القرآن على التنزيل ، وكتب معه التأويل ، وهذا يعدّ أوّل مصحف جمع بين التنزيل والتأويل ، وهو الذي رواه محمد بن سيرين وتلهفّ لرؤيته فقال : « نبئت أنّ عليّاً أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر فقال : أكرهت إمارتي؟ قال : لا ، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلاّ إلى الصلاة حتى أجمع القرآن ، قال : فزعموا أنّه كتبه على تنزيل ، قال محمد : فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم » (١).

وفي رواية « الإستيعاب » ، قال ابن سيرين : « ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير » (٢).

وإذا رجعنا إلى المصادر المعنيّة نستقرئ فيها عن مصحف ابن عباس رضي الله عنه نجده أتخذ نهج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا هو الحق.

ولكن لماذا كان ذلك هو النهج الذي ارتضاه ابن عباس؟

وللإجابة عليه : نقرأ ما رواه السيوطي عن ابن عباس ، قال : « كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ، ثم يزيد الله فيها ما يشاء ، وكان أوّل ما أنزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (٣) ... ـ ثم ذكر باقي السور المكية ، ثم المدنية ـ » (٤).

____________

(١) كنز العمال ٢ / ٣٧٣ ، ط الهند الثانية.

(٢) الإستيعات ٣ / ٩٧٤.

(٣) العلق / ١.

(٤) الإتقان ١ / ١١.

٣٨٠