محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
وجبت عليه وانعقدت به ، لزوال الضرورة حينئذ .
السابع : ارتفاع العرج البالغ حد الاقعاد ، للآية (١) ، وانتفاء الحرج . ولو لم يبلغ حد الاقعاد وانتفت المشقة ، وجب الحضور . ولو حصلت ، فالظاهر السقوط إذا لم يتحمل مثلها عادة ، وعلىٰ هذا وعلىٰ المقعد يحمل اطلاق الشيخ (٢) .
ولم يذكر المفيد ـ رحمهالله ـ (٣) العرج ولا المرتضىٰ في الجمل (٤) وقال في المصباح : وقد روي ان العرج عذر (٥) ، وهو يشعر بتوقّفه .
الثامن : ارتفاع الشيخوخة البالغة حد العجز أو المشقة الكثيرة ، لا مطلق الشيخوخة . وعليه تحمل رواية زرارة عن الباقر علیهالسلام : « فرض الله الجمعة » الخبر (٦) .
التاسع : ارتفاع المطر ، لقول الصادق علیهالسلام : « لا بأس ان تدع الجمعة في المطر » (٧) . وفي معناه الوحل ، والحر الشديد ، والبرد الشديد ، إذا خاف الضرر معهما . وفي معناه من عنده : مريض يخاف فوته بخروجه الىٰ الجمعة ، أو تضرره به ، ومن له خبز يخاف احتراقه ، وشبه ذلك .
قال المرتضىٰ : وروي انّ من يخاف علىٰ نفسه ظلماً أو ماله فهو معذور ، وكذا من كان متشاغلاً بجهاز ميت ، أو تعليل والدٍ ، أو من يجري
__________________
(١) الفتح : ١٧ .
(٢) المبسوط ١ : ١٤٣ ، النهاية : ١٠٣ .
(٣) ذكره المفيد في المقنعة : ٢٧ ، وراجع مفتاح الكرامة ٣ : ١٠٦ ، ١٤٠ .
(٤) لاحظ : جمل العلم والعمل ٣ : ٤١ .
(٥) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٩٠ .
(٦) تقدم في ص ١٠٠ الهامش ٣ .
(٧) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢٢١ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٥ .
مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة (١) .
ولا ريب في سقوطها عن المحبوس والممنوع عنها . نعم ، لو حبس بحق وهو قادر عليه ، وجب عليه الخروج منه والسعي إليها ، فيأثم بتركه .
العاشر : ارتفاع البعد عن محل الجمعة ، واختلف في تقديره علىٰ أربعة أقوال :
الأول : ان يكون أزيد من فرسخين ، وهو المشهور ، لقول الصادق علیهالسلام : « تجب علىٰ من كان منها علىٰ فرسخين ، فان زاد فليس عليه شيء » رواه محمد بن مسلم وحريز (٢) .
الثاني : ان قدر البعد فرسخان ، فلا تجب علىٰ من بعد بهما ، وهو قول الصدوق (٣) وابن حمزة (٤) لما مرّ من خبر زرارة السابق (٥) .
ويعارضه خبره هذا (٦) .
ويجمع بينهما بان المراد بمن كان علىٰ رأس فرسخين ان يكون أزيد منهما ، فانه قد يفهم منه ذلك ، وإلّا لتناقض مع ان الراوي واحد .
الثالث : قول ابن أبي عقيل : انها تجب علىٰ كل من إذا غدا من اهله بعد ما صلّىٰ الغداة أدرك الجمعة ، لا علىٰ من لم يكن كذلك (٧) .
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٢٩١ .
(٢) المعتبر ٢ : ٢٩١ .
وفي : الكافي ٣ : ٤١٩ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ح ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦١٩ ، عن حريز عن ابن مسلم ، وفيهما : « علىٰ رأس فرسخين » .
(٣) الهداية : ٣٤ .
(٤) الوسيلة : ١٠٣ .
(٥) تقدم في ص ١٠٠ الهامش ٣ .
(٦) التهذيب ٣ : ٢٤٠ ح ٦٤٣ .
(٧) مختلف الشيعة : ١١٦ .
الرابع : انها تجب علىٰ من إذا راح منها وصل إلىٰ منزله قبل خروج يومه (١) .
ويشهد لهما صحيح زرارة عن الباقر علیهالسلام : « الجمعة واجبة علىٰ من إذا صلّىٰ الغداة في اهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله انما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام ، كي اذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله رجعوا إلىٰ رحالهم قبل الليل ، وذلك سنّة الى يوم القيامة » (٢) .
والجواب حمل ذلك على الفرسخين .
تنبيه :
لو زاد البعد علىٰ فرسخين ، وحصلت عنده الشرائط ، تخيّر بين فعلها في بلده وبين السعي الىٰ الجمعة الاُخرىٰ ، ولا يجوز الاخلال بهما . ولو لم تحصل عنده الشرائط سقط الوجوب . ولو بعد بفرسخين الىٰ فرسخ ، فان اجتمعت الشرائط عنده تخيّر وإلّا وجب الحضور . ولو نقص عن فرسخ فالحضور ليس إلّا . وكل هؤلاء في الحضور كالاعمىٰ .
الشرط الرابع : الجماعة ، فلا يكفي العدد من دون ارتباط القدوة بينهم اجماعاً ، ولقول الباقر علیهالسلام : « في جماعة » (٣) فتجب نيّة القدوة .
وفي وجوب نيّة الإمام للامامة هنا نظر ، من وجوب نية كل واجب ، ومن حصول الامامة إذا اقتدىٰ به ، والاقرب الاول .
__________________
(١) قاله ابن الجنيد كما في مختلف الشيعة : ١١٦ .
(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ح ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦٢١ .
(٣) الكافي ٣ : ٤١٩ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ح ١٢١٧ ، امالي الصدوق : ٣١٩ ، التهذيب ٣ : ٢١ ح ٧٧ .
فروع :
الأول : لو كان الإمام عبداً ولم نقل بالانعقاد به ، اشترط كمال العدد بغيره ، وكذا المسافر ، لان جمعتهما صحيحة فيصح الاقتداء فيها .
اما الصبي فيجيء علىٰ قول الشيخ بجواز الاقتداء به الصحة (١) . والاجود المنع ، لارتفاع القلم عنه ، ونقصه ونقص صلاته اذ لا يسقط بها فرض عن نفسه ، بخلاف العبد والمسافر .
اما لو كان الامام متنفلا ـ كمسافر صلّىٰ الظهر ـ ففي جوازه نظر ، من نقص صلاته فهو كالصبي ، ومن صحة اقتداء المفترض بالمتنفل . ولو كان مفترضا إلّا ان الفرض غير الجمعة ـ كالصبح ، والظهر لمسافر شرع فيها قبل كمال الشرائط ـ فوجهان مرتبان ، واولىٰ بالجواز ، لان صلاته فرض لا نقص فيها .
الثاني : لو غاير الامام الخطيب ففي الجواز نظر ، من مخالفته لما عليه السلف ، ومن انفصال كل عن الاُخرىٰ ، ولان غاية الخطبتين ان تكونا كركعتين ويجوز الاقتداء بامامين في صلاة واحدة .
وذهب الراوندي ـ رحمهالله ـ في احكام القرآن الىٰ الاول (٢) ، ولعلّه الاقرب إلّا لضرورة .
الثالث : لو عرض للإمام حدث أو غيره ممّا يخرج من الصلاة ، صحّ استخلافه عندنا . ولا يشترط ان يكون الخليفة ممن سمع الخطبة ، وان كان ذلك افضل . وفي اشتراط استنئاف نيّة القدوة وجه ، لتغاير الامامين .
__________________
(١) الخلاف ١ : ١٢٣ المسألة ١٧ ، المبسوط ١ : ١٥٤ .
(٢) فقه القرآن ١ : ١٣٥ .
ويحتمل المنع ، لان خليفته قائم مقامه .
ولو لم يستخلف الامام قدّموا من يتمّ بهم ، سواء كان في الركعة الاُولىٰ أو الثانية ، وليس لهم الانفراد لو كان في الثانية مهما أمكن الائتمام .
الرابع : لو بان انّ الامام محدث ، فان كان العدد لا يتم بدونه فالاقرب انّه لا جمعة لهم ، لانتقاء الشرط ، وان كان العدد حاصلاً من غيره صحت صلاتهم عندنا ، لما يأتي ان شاء الله في باب الجماعة .
وربما افترق الحكم هنا وهناك ، لانّ الجماعة شرط في الجمعة ولم يحصل في نفس الامر ، بخلاف باقي الصلوات ، فان القدوة إذا فاتت فيها يكون قد صلّىٰ منفرداً ، وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة .
اما لو ظهر فسق الامام فهو اسهل ، لان صلاته صحيحة في نفسها بخلاف المحدث .
ووجه المساواة ارتباط صلاة كل منهم بالامام ، فإذا لم يكن أهلاً فلا ارتباط فلا جمعة ؛ ولا نسلم انّ صلاته هنا صحيحة ، لفقد شرط الصحة .
مسائل :
الاولىٰ : يدرك المأموم الجمعة بادراك الركوع اجماعاً ، وبادراكه في الركوع علىٰ الأصح ، سواء أدىٰ واجب الذكر أم لا ، لرواية الحلبي عن أبي عبد الله علیهالسلام (١) وغيرها (٢) .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٢٧ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ ح ١٢٣٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ح ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦٢١ .
(٢) راجع : الفقيه ١ : ٢٧٠ ح ١٢٣٢ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ح ٦٥٧ .
وشرط الشيخ في النهاية ادراك تكبيرة الركوع (١) لرواية محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام : « لا يعتد بالركعة التي لم يشهد تكبيرتها مع الامام » (٢) .
وجوابه : الرواية هناك اشهر ، والقول به أظهر ، وتحمل هذه الرواية على الافضلية .
فرع :
لو شك هل كان الامام راكعاً أو رافعاً لم يعتدّ بها ، عملاً بالاحتياط ، واشتغال الذمة باليقين فلا تزول بدونه . فان كان قد بقىٰ ركعة اُخرىٰ وإلّا صلّىٰ ظهراً .
الثانية : لو ركع مع الامام في الاُولىٰ وزوحم عن السجود ، فليس له السجود علىٰ ظهر غيره ، فان امكن السجود بعد قيام الصفوف واللحاق في الركوع الثاني وجب وأجزأ .
وان لم يمكن حتىٰ ركع ثانياً فليس له الركوع معه ، فاذا سجد سجد معه ونوىٰ بهما للركعة الاُولىٰ ، ثم اتمّ صلاته بعد التسليم واجزأته اجماعاً .
وان نوىٰ بهما الثانية أو لم ينوِ شيئاً ففي رواية حفص بن غياث عن ابي عبد الله علیهالسلام : « ان لم ينو تلك السجدة للركعة الاُولىٰ لم تجز عنه الاُولىٰ ولا الثانية ، وعليه ان يسجد سجدتين وينوي انهما للركعة الاولىٰ ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها » (٣) .
__________________
(١) النهاية : ١٠٥ .
(٢) التهذيب ٣ : ٤٣ ح ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ ح ١٦٧٧ .
(٣) الكافي ٣ : ٤٢٩ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ ح ١٢٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ ح ٧٨ .
وعليها الشيخ في المبسوط والخلاف ، قال : وقد رُوي بطلان الصلاة (١) .
والمرتضىٰ في المصباح قائل بالصحة (٢) .
وفي النهاية : تبطل الصلاة ، لعدم نية انهما للاُولىٰ (٣) نظراً الىٰ زيادة السجود المبطلة علىٰ ما مر .
وابن ادريس : انما تبطل اذا نوىٰ انهما للثانية ، لا بترك نيّة انهما للاُولىٰ (٤) . وردّه الفاضل بان أفعال المأموم تابعة لامامه ، فالاطلاق ينصرف إلىٰ ما نواه الامام وقد نوىٰ للاُولىٰ ، فينصرف فعل المأموم إليه (٥) .
وفي المعتبر لم يعرض لاشتراط نية انهما للاُولىٰ ، بل اطلق البطلان متىٰ زاد السجدتين ، أخذاً بالأخبار الدالة علىٰ ذلك ، واستضعافاً للرواية المشار اليها (٦) فان حفصاً عامي تولّىٰ القضاء من قبل الرشيد بشرقي بغداد ثم بالكوفة (٧) .
قلت : ليس ببعيد العمل بهذه الرواية ، لاشتهارها بين الاصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل امامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة علىٰ الابطال عن الدلالة . واما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار ، علىٰ انّ الشيخ قال في الفهرست : ان
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٤٥ ، الخلاف ١ : ١٣٧ المسألة ٩ .
(٢) المعتبر ٢ : ٢٩٩ ، مختلف الشيعة : ١٠٩ .
(٣) النهاية : ١٠٧ .
(٤) السرائر : ٦٥ .
(٥) مختلف الشيعة : ١٠٩ .
(٦) المعتبر ٢ : ٢٩٩ .
(٧) رجال النجاشي : ١٣٤ ، الرقم ٣٤٦ ، تهذيب التهذيب ( لابن حجر ) ٢ : ٣٥٨ .
كتاب حفص يعتمد عليه (١) .
فروع :
الاول : لو لم يمكنه السجود في الثانية فاتت الجمعة علىٰ قول (٢) وهل يتمّها ظهراً أو يستأنف ؟ وجهان مبنيان علىٰ انّ الجمعة ظهر مقصورة أو صلاة مستقلة . فعلى الأول يتمّها ظهراً بغير نيّة العدول . وعلىٰ الثاني هل هي مخالفة للظهر في الحقيقة أو لا ؟ فعلىٰ الأول يستأنف ، وعلىٰ الثاني يعدل بها اليها ، وهو أقوىٰ .
الثاني : لو زوحم عن سجود الاُولىٰ فقضاه قبل الركوع الثاني ، ثم ركع مع الامام فزوحم عن السجود فقضاه بعد جلوس الامام للتشهد ، تبع الامام فيه وتمت الجمعة .
الثالث : لو زوحم عن الركوع في الاولىٰ حتىٰ سجد الامام ، فان تمكن من الركوع والسجود بعد ذلك قبل ركوع الامام للثانية أجزأ ، ثم ركع مع الامام في الثانية . وعليه دلت رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله علیهالسلام (٣) .
ولو لحقه بعد رفعه من الثانية فالاقرب الاجتزاء ، لانه أدرك ركعة مع الامام حكماً وان لم يكن فعلاً ، والرواية تشمله . ووجه المنع انّه لم يلحق ركوعاً مع الامام .
الرابع : لو ادرك ركوع الثانية ، فزوحم عن سجودها حتىٰ تشهد
__________________
(١) الفهرست : ٦١ الرقم ٢٤٢ ، باب حفص .
(٢) قواعد الأحكام ١ : ٣٨ .
(٣) الفقيه ١ : ٢٧٠ ح ١٢٣٤ عن أبي الحسن ( علیهالسلام ) ، التهذيب ٣ : ٢٤٨ ح ٦٨٠ .
الامام ، سجد وتبعه في التشهد ، وقوّى الفاضل ادراك الجمعة (١) . اما لو استمر الزحام حتى سلم الامام فهي كالفرع الاول .
المسألة الثالثة : لا يشترط في الصحة إدراك المأموم الخطبة ، لأن حقيقة الصلاة هي الركعتان ، وعليه اكثر العامة (٢) . وقد رُوي عن الصادق علیهالسلام : « من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة يصلّي ركعتين » (٣) .
الشرط الخامس : وحدة الجمعة ، فلا يجوز اقامة جمعتين بينهما أقل من فرسخ باجماع الاصحاب ، وقول الباقر علیهالسلام : « لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال » (٤) . ولا فرق بين ان تكونا في مصر أو مصرين ، ولا بين ان يكون بينهما نهر عظيم كدجلة أوْ لا .
فان صلّي جمعتان فهنا صور :
الاُولىٰ : ان تسبق احداهما وتُعلم ، فتصح وتعيد اللاحقة الظهر إذا كان الامامان مأذوناً لهما في الصلاة .
ولو اختص احدهما بالاذن ، فالظاهر اختصاصه بالانعقاد وان تأخّر ، لانّ تعينه يقتضي ايجاب الحضور معه علىٰ الجميع ، فاشتغالهم بالصلاة قبله منهي عنه فيكون فاسداً . نعم ، لو لم تشعر بنصبه أو بوجوده الفرقة الاولىٰ ، وجوزناها مع تعذّر الامام للآحاد ، فالحكم بصحة الاُولىٰ .
ولا فرق بين قصبة البلد واقصاه عندنا .
الصورة الثانية : ان يعلم اقترانهما ، فتبطلان اذا كانا مأذونين ، لامتناع
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٩ .
(٢) المجموع ٤ : ٥٥٨ ، المُغني ( لإبن قدامة ) ٢ : ١٥٨ ، الشّرح الكبير ٢ : ١٧٧ .
(٣) الكافي ٣ : ٤٢٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٦٠ ح ٣٤٣ ، ٢٤٣ ح ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦٢٢ .
(٤) التهذيب ٣ : ٢٣ ح ٨٠ .
صحتهما معاً ، ولا أولوية في أحدهما . ثم ان كان الوقت باقياً صلّوا الجمعة وإلّا فالظهر .
الثالثة : علم السابق عيناً ثم نسي .
الرابعة : علم السبق في الجملة ولم تتعيّن السابقة . وفيه قولان :
احدهما : قول الشيخ : انهم يصلون جمعة مع السعة (١) لانّه مع الحكم بوجوب الاعادة كأن المصر لم تصل فيه جمعة ، ولان الصحة مشروطة بعلم السبق وهو مفقود فانتفت الصحة .
والثاني : قول الفاضل : انهم يصلون الظهر ، لانا قاطعون بجمعة صحيحة ، فكيف تعاد (٢) ؟
ولبعض العامّة وجه بالصحة فيهما ، لان كل واحدة منهما عقدت علىٰ الصحة ، فلا يفسدها الشك الطارئ (٣) . ويضعف بفقد شرط الصحة إذ هو علم السبق ، وهو معدوم بالنظر إلىٰ عين كل واحد منهما .
الصورة الخامسة : ان يشتبه السبق والاقتران . وفيه أيضاً قولان :
أحدهما : قول الشيخ رحمهالله وهو وجوب اعادة الجمعة عليهما مع السعة (٤) لان الجمعة متيقنة في الذمة ولم يعلم الخروج عن عهدتها ، إذ من الصور الممكنة اقترانهما .
والقول الثاني للفاضل : انهم يجمعون بين اعادة الجمعة والظهر ، أخذاً بمجامع الاحتياط ، لانه ان كان الواقع الاقتران فالجمعة واجبة ، وان
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٤٩ .
(٢) مختلف الشيعة : ١٠٨ .
(٣) المجموع ٤ : ٥٨٩ ، المغني ٢ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٩٢ .
(٤) المبسوط ١ : ١٤٩ .
كان السبق فالظهر واجبة ، وحينئذ يجتمعون على جمعة أو يتباعدون بفرسخ (١) .
والاقرب قول الشيخ ، لان اجتماع الفرضين خلاف الاصل ، والأمر بالجمعة قائم حتىٰ يعلم الفعل .
والمعتبر بتقدم التكبير لا التسليم ، لانها إذا سبقت انعقدت ، فتبطل الطارئة عليها .
ولو أخبر بعد عقده من عدلين بسبق اُخرىٰ سعىٰ إليها ، وان علم عدم الادراك صلّىٰ الظهر .
الشرط السادس : الوقت ، وفيه مسائل :
الاولىٰ : أوله زوال الشمس يوم الجمعة .
وقال المرتضىٰ : يجوز أن يصلّي عند قيام الشمس (٢) .
وجوز ابن حنبل فعلها قبل زوال الشمس ، فقدّره بعض الحنابلة بوقت صلاة العيد ، وبعضهم بالساعة السادسة ، لان أبا بكر كان يخطب ويصلي قبل نصف النهار (٣) .
لنا : ما رواه انس كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي الجمعة إذا زالت الشمس (٤) . وقال أبو عبد الله علیهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي الجمعة
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٥٠ .
(٢) حكاه عنه الطوسي في الخلاف ١ : ١٤٢ المسألة ٣٦ ، وابن ادريس في السرائر : ٦٤ .
(٣) المغني ٢ : ٢٠٩ ـ ٢١١ .
وفعل ابي بكر في : المصنّف لعبد الرزاق ٣ : ١٧٥ ح ٥٢١٠ ، المصنف لابن ابي شيبة ٢ : ١٠٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٧ .
(٤)
مسند الطيالسي : ٢٨٥ ح ٢١٣٩ ، مسند احمد ٣ : ١٥٠ ، صحيح البخاري ٢ :
=
حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظل الاول » (١) . وفعل الصحابي لا يعارض فعل النبي صلىاللهعليهوآله .
الثانية : آخره إذا صار الظل مثله ، عند الشيخ (٢) والفاضلين (٣) . ولم نقف لهم علىٰ حجة إلّا أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلّي دائماً في هذا الوقت ، ولا دلالة فيه ، لأنّ الوقت الذي كان يصلىٰ فيه ينقص عن هذا القدر غالباً ، ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص . نعم ، لو قيل باختصاص الظهر بذلك القدر ـ كما هو مذهب العامّة (٤) ـ توجه توقيت الجمعة به ، لأنها بدل منها .
وقال أبو الصلاح : يخرج وقتها بأن يمضي من الزوال ما يسمع الأذان والخطبتين والصلاة ، فيصلي الظهر حينئذ (٥) . .
وقال الجعفي : وقتها ساعة من النهار ، لما رُوي عن أبي جعفر علیهالسلام أنّه قال : « وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة » (٦) ولإجماع المسلمين علىٰ المبادرة بها كما تزول الشمس ، وهو دليل التضيق . وروىٰ زرارة عن الباقر علیهالسلام : « إن صلاة الجمعة من الأمر المضيق ، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر
__________________
= ٨ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٤ ح ١٠٨٤ ، الجامع الصحيح ٢ : ٣٧٧ ح ٥٠٣ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٩٠ .
(١) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ .
(٢) المبسوط ١ : ١٤٧ .
(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٧ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٣ .
(٤) المجموع ٣ : ٢١ ، المغني ١ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦١ .
(٥) الكافي في الفقه : ١٥٣ .
(٦) مصباح المتهجد : ٣٢٤ .
الأيام » (١) .
وقال ابن ادريس : يمتد وقتها بامتداد الظهر (٢) ، لتحقق البدلية ، ولاصالة البقاء وتحمل الروايات علىٰ الافضليّة .
الثالثة : لو خرج الوقت وهو متلبس بها ، اتمّها جمعة إذا أدرك ركعة في الوقت ، سواء كان إماماً أو مأموماً .
واعتبر بعض الاصحاب ادراك تكبيرة الاحرام (٣) .
والاول أنسب بأصولنا ، لأنّا لا نكتفي بالتكبير في غير هذه الصلاة بخلاف العامة ، مع إنّ بعضهم يقول : ببطلان الجمعة بخروج الوقت ويصلي ظهراً (٤) وبعضهم : ببطلانها من رأس ، بناءً علىٰ إنّ بقاء الوقت شرط في صحة الجمعة (٥) ويدفعه عموم : ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (٦) و « من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت » (٧) .
الرابعة : إذا تحقق فوات الجمعة صلّيت الظهر ، ولا تكون قضاءً للجمعة ، لعدم السماوات في العدد .
__________________
(١) التهذيب ٣ : ١٣ ح ٤٦ .
(٢) انظر : السرائر : ٦٦ ، والحدائق ١٠ : ١٣٤ ، ومفتاح الكرامة ٣ : ٥٠ ، وكشف اللثام ٤ : ١٩٨ .
(٣) كالعلّامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٣ ، ونهاية الأحكام ٢ : ١١ .
(٤) المغني ٢ : ١٦٣ ، حليّة العلماء ٢ : ٢٣٢ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٨ .
(٥) قاله أبو حنيفة ، انظر : حلية العلماء ٢ : ٢٣٢ ، المغني ٢ : ١٦٤ ، اللباب ١ : ١١٠ .
(٦) سورة محمّد : ٣٣ .
(٧) التهذيب ٢ : ٣٨ ح ١١٩ ، ١٢٠ و ٢٦٢ ح ١٠٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ ح ٩٩٩ ، ولكن كلها في صلاة الغداة . صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٤ ح ٦٠٨ ، ٦٠٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٣ ح ١٨٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٥٧ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٨ ، وهي في صلاة الصبح والعصر .
ومن عبّر من الاصحاب بانها تقضىٰ ظهراً (١) أراد به معناه اللغوي ، وهو : الاتيان ، كما في قوله تعالىٰ : ( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ) (٢) واراد بالمأتي به وظيفة الوقت ، فان الوظيفة بالاصالة الجمعة ، وعند تعذّرها تصير الوظيفة الظهر .
الخامسة : لا يشترط في صحة صلاة المؤتم ادراك الخطبتين اذا كان قد خطب الامام للعدد ، وان لم يحضر سواهم ، لرواية الحلبي عن الصادق علیهالسلام فيمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة : « يصلي ركعتين » (٣) .
نعم ، يكون المأموم مخطئاً لو فرط في ادراك الخطبة ، لوجوب الحضور عندها ، وخصوصاً علىٰ جعلها بدلاً من الركعتين .
الشرط السابع : الخطبتان ، وفيه مسائل :
الاولىٰ : أجمع الأصحاب علىٰ انّ الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة ، وعليه العامة إلّا الحسن البصري فانّه نفىٰ اشتراطهما (٤) وإلّا فريقاً من العامة فانهم اكتفوا بالواحدة (٥) لما رُوي انّ النبي صلىاللهعليهوآله كتب إلىٰ مصعب بن عمير : « ان اجمع من قبلك ، وذكرهم بالله ، وازدلف اليه بركعتين » (٦) ، وان عثمان
__________________
(١) راجع : المبسوط ١ : ١٤٥ .
(٢) سورة البقرة : ٢٠٠ .
(٣) الكافي ٣ : ٤٢٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٦٠ ح ٣٤٣ ، ٢٤٣ ح ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ ح ١٦٢٢ .
(٤) المجموع ٤ : ٥١٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤ ، المغني ٢ : ١٥٠ . الشرح الكبير ٢ : ١٨١ .
(٥) المجموع ٤ : ٥١٤ ، المغني ٢ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ .
(٦) الدر المنثور ٦ : ٢١٨ عن الدارقطني وأورده المحقق في المعتبر ٢ : ٢٨٣ والعلّامة في التذكرة ١ : ١٥٠ .
في أول ولايته لما ارتج عليه اكتفىٰ بالواحدة القصيرة (١) .
وجوابه : معارضة بفعل النبي صلىاللهعليهوآله (٢) وهو ادلّ من القول . والتذكير بالله لا تصريح فيه بأنّه مرة أو اكثر . وفعل عثمان ليس حجة ، وبعض العامة يقول : هذا رخصة لتعذّر الخطبة .
الثانية : يجب فيهما القيام إلّا مع العذر ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله (٣) والخلفاء بعده (٤) . وروىٰ معاوية بن وهب عن الصادق علیهالسلام : إنّ ابتداع الجلوس في الخطبتين من معاوية ، لوجع كان بركبتيه (٥) .
ويجب الجلوس بينهما جلسة لا كلام فيها ، ليفصل بينهما ، للتأسي ، ورواية معاوية أيضاً عن الصادق علیهالسلام (٦) .
الثالثة : تجب فيهما الطهارة من الحدث علىٰ الاصح ، للتأسي ، ويقين البراءة ، وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام : « وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، فهي صلاة حتىٰ ينزل الامام » (٧) والاتحاد محال ، فالمراد المماثلة في الشرائط والاحكام إلّا ما وقع الاجماع عليه .
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ـ ٣١ ، بدائع الصنايع ١ : ٢٦٢ وأورده أيضاً المحقق في المعتبر ٢ : ٢٨٣ .
(٢) راجع البخاري ٢ : ١٤ ، سنن الكبرىٰ ٣ : ١٩٨ .
(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٩ ح ٨٦١ ، ابن ماجة ١ : ٣٥١ ح ١١٠٦ ، الدارمي ١ : ٣٦٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٩٧ ، ١٩٨ أبو داود ١ : ٢٨٦ ح ١٠٩٣ .
(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٩ ح ٨٦١ ، وراجع : المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٥ .
(٥) التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧٤ .
(٦) التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧٤ .
(٧) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ .
وقال الحليون (١) الثلاثة : لا تشترط الطهارة (٢) للاصل ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآله للطهارة لا يدل علىٰ الوجوب ، فانّه كان يحافظ علىٰ المندوبات كمحافظته علىٰ الواجبات ، ولانّه قد تقرر في الاُصول انّه لا يجب التأسي فيما لم يعلم وجهه .
والجواب الأصل يصار إلىٰ خلافه للدليل ، والرواية الصحيحة ناهضة به ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآله مبيّن بقول الصادق علیهالسلام (٣) .
الرابعة : الأولىٰ ايقاعهما بعد الزوال ، لقوله علیهالسلام : « فهي صلاة » (٤) .
ولان معه يقين البراءة . وروىٰ محمد بن مسلم في حديث مضمر المسئول ظاهره انه الامام : « يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب » (٥) وهو قول معظم الاصحاب (٦) .
وقال الشيخ : يجوز قبل الزوال (٧) ونقل فيه الإجماع (٨) واختاره في
__________________
(١) في س : الحلبيون ، وكذا فيما نقله العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ١١٩ عن الشهيد ، وعقبه بقوله ولعله فهمهه من عدم تعرضهم لذلك . انظر الكافي لابي الصلاح الحلبي : ١٥١ ، اشارة السبق لابن ابي المجد الحلبي : ١٢٣ ، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي : ٤٩٨ .
والذي يؤيد ما اثبتناه في المتن ( الحليون ) باقي النسخ ، اضافة إلىٰ مصادرهم المذكورة في الهامش الآتي وهي كما ترىٰ للحلّيون الثلاثة المصرح فيها باشتراط الخطبة بالطهارة .
(٢) ابن ادريس في السرائر : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٢٨٥ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ١٠٣ .
(٣ ، ٤) راجع الهامش ٨ ، المتقدم .
(٥) الكافي ٣ : ٤٢٤ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٨ .
(٦) راجع : السرائر : ٦٤ ، الكافي في الفقيه : ١٥١ ، مختلف الشيعة : ١٠٤ .
(٧) المبسوط ١ : ١٥١ ، النهاية : ١٠٥ .
(٨) الخلاف ١ : ١٤٢ المسألة ٣٦ .
المعتبر (١) .
وروىٰ العامة عن أنس : ان النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلي إذا مالت الشمس (٢) ، وظاهره ان الخطبة وقعت قبل ميلها .
وروىٰ الاصحاب بسند صحيح إلىٰ عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام ، قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظل الاول ، ويقول جبرئيل : يا محمد قد زالت فانزل فصل » (٣) .
وهذه الرواية قوية اسناداً ومتناً . وتأويلها بان المراد بـ « الظل الاول » هو : الفيء الزائد علىٰ ظل المقياس ، فإذا انتهىٰ في الزيادة الىٰ محاذاة الظل الاول ـ وهو : أن يصير ظل كل شيء مثله ـ صلّىٰ الظهر ـ كما أوّله الفاضل (٤) ـ بعيد ، لانه خلاف الظاهر من وجهين : أحدهما : انّ الظل لغة ما قبل الزوال ، والاصل عدم النقل ، وتقييده بـ « بالاول » رفع للتجوز به عن الفيء .
والثاني : ان زوال الشمس حقيقة شرعية في مثلها عند منتصف النهار ، والتقييد بـ « قدر الشراك » قرينة له ايضاً .
علىٰ ان التأويل يلزم منه ظاهراً ايقاع الجمعة بعد خروج وقتها عند صاحب التأويل .
الخامسة : يجب في الخطبة حمد الله تعالىٰ بصيغة ( الحمد لله ) ،
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٢٨٧ .
(٢) تقدم في ص ١٣١ الهامش ٤ .
(٣) التهذيب ٣ : ١٢ ح ٤٢ .
(٤) مختلف الشيعة : ١٠٤ .
والصلاة علىٰ النبي وآله صلىٰ الله عليهم ، والوعظ ، وقراءة ما تيسر من القرآن .
واوجب الشيخ في أحد قوليه سورة (١) لما رواه سماعة عن أبي عبد الله علیهالسلام (٢) وهو بصيغة « ينبغي » وليس فيه تصريح بالوجوب .
وقال ابن الجنيد والمرتضىٰ : ليكن في الاخيرة قوله تعالىٰ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ) الآية (٣) وأورده البزنطي في جامعة (٤) ورواه ابن يعقوب عن محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام (٥) .
وأبو الصلاح ـ رحمهالله ـ لم يذكر القراءة في الخطبتين ، ولا يدل علىٰ فتواه بعدم الوجوب .
ويجب الترتيب بين أجزاء الخطبة ـ أعني : الحمد وما بعده ـ وايقاعها بالعربية ، كل ذلك للتأسي .
وظاهر كلام المرتضىٰ وجوب الاستغفار للمؤمنين فيها ، وانه يجب التلفظ بالشهادة بالرسالة في الاُولىٰ ، والصلاة علىٰ النبي في الثانية (٦) .
فرع :
لو لم يفهم العدد العربية ، احتمل قوياً جوازه بالعجمية التي يفهمونها ، تحصيلاً للغرض .
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٤٧ .
(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ح ٦٥٥ .
(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٨ ، مختلف الشيعة : ١٠٥ والآية في سورة النحل : ٩٠ .
(٤) المعتبر ٢ : ٢٨٨ .
(٥) الكافي ٣ : ٤٢٢ ح ٦ .
(٦) المعتبر ٢ : ٢٨٤ .
السادسة : يستحب في الخطيب اُمور :
أحدها : استقبال الناس في خطبته ، عملاً بالمأثور عن النبي صلىاللهعليهوآله (١) والسلف وروىٰ السكوني عن الصادق علیهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كل واعظ قبلة » (٢) .
وثانيها : أن يسلّم علىٰ الناس أول ما يصعد علىٰ المنبر ، وبه أفتىٰ المرتضىٰ (٣) لما روي عن عمرو بن جميع يرفعه عن علي علیهالسلام ، أنّه قال : « من السّنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس » (٤) وعليه عمل الناس .
وقال في الخلاف : لا يستحب التسليم (٥) وكأنه لم يثبت عنده سند الحديث .
وثالثها : الاعتماد علىٰ قوس أو سيف أو قضيب ، تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فإنه روي أنه كان يخطب وفي يده قضيب (٦) . وروىٰ عمر بن يزيد عن الصادق علیهالسلام : « ويتوكأ علىٰ قوس أو عصىٰ » (٧) .
ورابعها : التعمم ، شتاءً كان أو قيظاً ، والارتداء ببرد يمنيّ أو عدني ،
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٦٠ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٩٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٨٣ ح ٥٠٩ ، وفيها : الناس يستقبلون الامام بوجوههم ، وراجع المغني ٢ : ١٥٢ ، المهذب ١ : ١١٩ .
(٢) الكافي ٣ : ٤٢٤ ح ٩ .
(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٨ .
(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٤ ح ٦٦٢ .
(٥) الخلاف ١ : ١٤٣ المسألة ٤٠ .
(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٢ ح ١١٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٧ ح ١٠٩٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٢٠٦ .
(٧) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ح ٦٦٤ .
رواه سماعة عن الصادق علیهالسلام (١) ، لانه أنسب بالوقار ، وللتأسي . وفي رواية عمر بن يزيد : « ليلبس البرد والعمامة » (٢) .
وخامسها : القيام علىٰ مرتفع لذلك أيضاً ، ورفع صوته بحيث يكثر الاسماع . والاقرب وجوب اسماع العدد ، للتأسي ، وحصول الفائدة .
وسادسها : كونه بليغاً ، بمعنىٰ : جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد ، وبين البلاغة وهي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه ، مع الاحتراز عن الايجاز المخل والتطويل الممل .
وسابعها : مواظبته علىٰ الصلوات في أول أوقاتها ، واتصافه بما يأمر به ، وانزجاره عما ينهى عنه ، ليكون وعظه أبلغ في القلوب .
السابعة : الأقرب انّ حضور العدد شرط في صحة الخطبة ، كما هو شرط في صحة الصلاة . ولم اقف فيه علىٰ مخالف منّا ، وعليه عمل الناس في سائر الاعصار والامصار ، وخلاف أبي حنيفة هنا (٣) مسبوق بالاجماع وملحوق به ، أعني : الاجماع الفعلي من المسلمين .
الثامنة : المشهور ان السامع يجب عليه الانصات للخطبة ، ويحرم عليه الكلام ، أفتىٰ به الاكثر (٤) ، وحديث عبد الله بن سنان الصحيح يدل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٢١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ح ٦٥٥ .
(٢) راجع الهامش ٥ .
(٣) المغني ٢ : ١٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٣ ، المجموع ٤ : ٥١٤ .
(٤) منهم الشيخ في النهاية : ١٠٥ ، والسيد المرتضىٰ في المصباح علىٰ ما نقله المحقق في المعتبر ٢ : ٢٩٥ وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٩٥ وبه قال اكثر العامّة ، فانظر المغني ٢ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٢١٥ وفتح العزيز ٤ : ٥٨٧ وبداية المجتهد ١ : ١٦١ .