تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

مسرتي فقد أبدلك الله تعالى خيرا مني قالت : من لا أبا لك قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرت ساجدة وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عسرة فأصدقها قربة وعباءة ورحى يد ووسادة أدم حشوها ليف وأؤلم عليها تمر وسويق ودخل عليها بغير إذن وكانت تفخر على نسائه وتقول زوجكن أولياؤكن وآباؤكن وأما أنا فزوجني رب العرش.

(لِكَيْ لا يَكُونَ) قال المشركون للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : زعمت أن زوجة الابن لا تحل وقد تزوجت حليلة أبنك زيد. فقال الله تعالى (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ.) الآية أي لا تحرم زوجة ابن الدعي.

(أَمْرُ اللهِ) تزويج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب رضي الله تعالى عنها.

(مَفْعُولاً) حكما لازما وقضاء واجبا.

(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب : ٣٨].

(فَرَضَ اللهُ لَهُ) أحله له من تزويج زينب أو من التي وهبته نفسها أن زوجه الله إياه بغير صداق ولكن أعطاها الصداق فضولا أو أن ينكح ما شاء من عدد النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربعة لأن اليهود عابوه بذلك. قال الطبري نكح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس عشرة ودخل بثلاث عشرة ومات عن تسع وكان القسم لثمان.

(سُنَّةَ اللهِ) السنة الطريقة المعتادة.

(فِي الَّذِينَ خَلَوْا) أي لا حرج على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه فيما أحل لهم كما أحل لداود عليه الصلاة والسّلام مثل هذا في نكاح ما شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزويجها ونكح مائة امرأة ، وأحل لسليمان عليه الصلاة السّلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرّية.

(قَدَراً مَقْدُوراً) فعلا مفعولا ، أو قضاء مقضيا عند الجمهور.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الأحزاب : ٤٠].

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) لما قال المشركون قد تزوج محمد امرأة ابنه أكذبهم الله تعالى بهذه الآية.

(وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) آخرهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) [الأحزاب : ٤١].

(اذْكُرُوا اللهَ) تعالى بقلوبكم ذكرا دائما مؤديا إلى طاعته ، أو بألسنتكم ذكرا كثيرا

١٠١

بالدعاء والرغبة ، أو بالإقرار لهم بالربوبية والاعتراف بالعبودية.

(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب : ٤٢].

(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) صلاة الصبح والعصر والأصيل ما بين العصر والليل ، أو الأصيل الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

(وَسَبِّحُوهُ) بالتنزيه ، أو الصلاة ، أو الدعاء.

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : ٤٣].

(يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) صلاته ثناؤه ، أو إكرامه ، أو رحمته ، أو مغفرته وصلاة الملائكة دعاؤهم واستغفارهم.

(مِنَ الظُّلُماتِ) من الكفر إلى الإيمان أو من الضلالة إلى الهدى ، أو من النار إلى الجنة.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الأحزاب : ٤٥].

(شاهِداً) على أمتك بالبلاغ. (وَمُبَشِّراً) بالجنة. (وَنَذِيراً) من النار.

(وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٦].

(وَداعِياً إِلَى اللهِ) إلى طاعته ، أو الإسلام ، أو شهادة أن لا إله إلا الله.

(بِإِذْنِهِ) بأمره أو علمه ، أو القرآن. (وَسِراجاً) القرآن ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (مُنِيراً) يهتدى به كالسراج.

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [الأحزاب : ٤٧].

(فَضْلاً كَبِيراً) ثوابا عظيما ، أو الجنة لما رجع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية فنزل عليه (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ.) الآيات [الفتح : ١] الفتح قال المسلمون هنيئا لك يا رسول الله قد غفر لك ما تقدم وما تأخر فما ذا لنا فنزلت (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.)

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [الأحزاب : ٤٨].

(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور والمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق قالوا : يا محمد اذكر أن لآلهتنا شفاعة.

(وَدَعْ أَذاهُمْ) دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة ، أو كف عن أذاهم وقتالهم قبل الأمر بالقتال ، أو اصبر على أذاهم ، أو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب : ٤٩].

١٠٢

(فَمَتِّعُوهُنَّ) متعة الطلاق إذا لم تسموا لهن صداقا فتقوم المتعة مقام نصف المسمى وقدرها نصف مهر المثل ، أو أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ماله ثمن.

(سَراحاً جَمِيلاً) تدفع المتعة بحسب اليسار والإعسار ، أو طلاقها طاهرا من غير جماع قاله قتادة ، قلت : هذه غفلة منه لأن الآية فيمن لم يدخل بهن.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٥٠].

(أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) اللاتي تزوجتهن قبل هذه الآية ولا يحل غيرهن لقوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ.) الآية [الأحزاب : ٥٢]. أو أحل له بهذه الآية سائر النساء قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وينسخ بها قوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب : ٥٢] إذ أحل له فيها من سماه من النساء دون من لم يسمّ.

(ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) فكان من الإماء مارية.

(مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) من الغنيمة صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما وبنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته. قاله أبي بن كعب.

(هاجَرْنَ) أسلمن ، أو هاجرن إلى المدينة قالت أم هانىء نزلت هذه الآية فأراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوجني فنهي عني لأني لم أهاجر وهذه الهجرة شرط في نكاحه لبنات عمه وعماته المذكورات في الآية خاصة بهن ، أو شرط في نكاح القريبات والأجنبيات فلا يجوز له أن ينكح غير مهاجرة.

(وَهَبَتْ نَفْسَها) لم يكن عنده امرأة وهبته نفسها وهو تأويل من كسر (إِنْ) ، أو كانت عنده على قول الجمهور ، وهو تأويل من فتحها ، أو من فتح أراد امرأة يعينها من وهبت نفسها حل له نكاحها ومن كسر أراد كل امرأة تهب نفسها فإنه يحل نكاحها.

والواهبة التي كانت عنده. أم شريك بنت جابر بن ضباب ، أو خولة بن حكم أو ميمونة بنت الحارث ، أو زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة الأنصار.

(خالِصَةً لَكَ) تزوج الواهبة بغير ولي ولا مهر ولا يلزمك لها صداق ، أو يصح نكاحك لها بلفظ الهبة.

(ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ) من ولي وشاهدين وصداق ، أو أن لا يجاوزوا الأربع ، أو النفقة

١٠٣

والقسمة.

(وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي حللناهن من غير عدد محصور ولا قسم مستحق.

(لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) متعلق بقوله (أَحْلَلْنا لَكَ) ، أو بقوله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ)

(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) [الأحزاب : ٥١].

(تُرْجِي) تطلق.

(وَتُؤْوِي) تمسك ، أو تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء ، أو تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت منهن فلا تعزلها وهذا يدل على سقوط القسم عنه ، أو تعزل من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء من أزواجك ولما بلغ بعضهن أنه يريد أن يخلي سبيلهن أتينه فقلن : لا تخل سبيلنا وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجى سودة وميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمه من ماله ونفسه فيهن سواء.

(وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) فأويته إليك. (مِمَّنْ عَزَلْتَ) أن تؤويه إليك.

(فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) فيمن ابتغيت وفيمن عزلت ، أو فيمن عزلت أن تؤويه إليك.

(ذلِكَ أَدْنى) إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزنّ أو إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قرّت أعينهن ولم يحزنّ ، أو إذا علمن هذا حكم الله قرّت أعينهن ، أو إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا أعتزلهن قرت أعينهن.

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب : ٥٢].

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فقصر على التسع ومنع من غيرهن أو لا يحل لك النساء بعد اللاتي حللن لك بقوله (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) [الأحزاب : ٥٠] فقصر الاباحة على بنات الاعمام والعمات والأخوال والخالات والمهاجرات معه. قاله أبي بن كعب ، أو لا يحل لك النساء من بعد المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ويحل ما سواهن من المسلمات.

(وَلا أَنْ تَبَدَّلَ) بالمسلمات مشركات ، أو ولا أن تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من

١٠٤

أعجبك حسنهن قيل التي أعجبه حسنها أسماء بن عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب ، أو ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك ، كانوا في الجاهلية يتبادلون بالأزواج فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ زوجته بدلا منها. قاله ابن زيد.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) [الأحزاب : ٥٣].

(لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) مر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببعض نسائه وعندهن رجال يتحدثون وكان حديث عهد بزينب بنت جحش فهنينه وهنأه الناس فأتى عائشة رضي الله عنها فإذا عندها رجال يتحدثون فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه فلما كان العشي صعد المنبر وتلا هذه الاية.

(ناظِرِينَ إِناهُ) منتظرين نضجه ، أو متوقعين بحينه ووقته.

(وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) لما أهديت زينب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم صنع طعاما ودعا قوما فدخلوا وزينب مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلوا يتحدثون وجعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود :

فنزلت (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا.)

(فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يخبركم به. (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أن يأمركم بهم.

(مَتاعاً) حاجة ، أو صحف القرآن أو عارية أمرن وسائر النساء وبالحجاب كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعائشة رضي الله تعالى عنها يأكلان حيسا في قعب فمرّ عمر رضي الله تعالى عنه فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبع عائشة فقال حسبي لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، أو كن يخرجن للتبرز إلى المناصع وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أحجب نساءك فلم يكن يفعل فنزل الحجاب ، أو أمرهن عمر بالحجاب فقالت زينب : يا عمر إنك لتغار علينا وإن الوحي ينزل في بيوتنا فنزل الحجاب.

(وَلا أَنْ تَنْكِحُوا) لما نزل الحجاب قال قرشي من بني تميم حجبنا الرسول عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت ولتحريمهن بعده وجبت نفقاتهن من بيت المال وفي وجوب العدة عليهن مذهبان لأن العدة تربص للإباحة ولا إباحة في حقهن.

(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ

١٠٥

أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) [الأحزاب : ٥٥].

(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ) في ترك الحجاب ، أو في وضع الجلباب. لما نزلت.

(فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) قال الاباء والأبناء فقالوا : يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضا ألا من وراء حجاب فنزلت قال الشعبي : لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له.

(نِسائِهِنَ) عام ، أو المسلمات دون المشركات.

(ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) الاماء خاصة ، أو الاماء والعبيد فيحل للعبيد ما يحل للمحرم ، أو ما لا يواريه الدرع من ظاهر يديها.

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦].

(يُصَلُّونَ) صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء ، أو صلاة الملائكة أن يباركوا عليه وقولنا اللهم صل على محمد أي زده بركة ورحمة قيل : لما نزلت قال المسلمون : فما لنا يا رسول الله فنزلت (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) [الأحزاب : ٤٣].

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) [الأحزاب : ٥٧].

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أصحاب التصاوير ، أو الذين طعنوا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما اتخذ صفية بنت حيي أو قوم من المنافقين كانوا يكذبون على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبهتونه.

(يُؤْذُونَ اللهَ) أي أولياءه ، أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جعله أذاه أذى له تشريفا لمنزلته ، أو ما روى من قوله سبحانه وتعالى «شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله إن لي صاحبة وولدا وأما تكذيبه إياي بقوله لن يعيدني كما بدأني» (١) لعنوا في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار.

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب : ٥٨].

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ) نزلت في الزناة كانوا يرون المرأة فيغمزونها ، أو في قوم كانوا يؤذون عليا رضي الله تعالى عنه ويكذبون عليه ، أو في أهل الإفك.

__________________

(١) أخرجه البخارى (٣ / ١١٦٦ ، رقم ٣٠٢١) ، والنسائي (٤ / ١١٢ ، رقم ٢٠٧٨) ، وأحمد (٢ / ٣٩٣ ، رقم ٩١٠٣).

١٠٦

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٥٩].

(جَلَابِيبِهِنَّ) الجلباب : الرداء ، أو القناع أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها ، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى.

(يُعْرَفْنَ) من الاماء بالحرية أو من المتبرجات بالصيانة. قال قتادة : كانت الأمة إذا مرّت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله تعالى الحرائر أن يتشبهن بهن.

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ٦٠].

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن أذية نساء المسلمين ، أو عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق.

(وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الزناة ، أو أصحاب الفواحش والقبائح.

(وَالْمُرْجِفُونَ) الذي يكايدون النساء ويتعرضون لهن ، أو ذاكروا الأخبار المضعّفة لقلوب المؤمنين المقوية لقلوب المشركين ، أو الأرجاف التماس الفتنة وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات فيها وإفاضة الناس فيها.

(لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنسلطنك عليهم ، أو لنعلمنك بهم ، أو لنحملنك على مؤاخذتهم.

(إِلَّا قَلِيلاً) بالنفي عن المدينة والقليل ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم.

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٢].

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا) بأن من أظهر الشرك قتل ، أو من زنا حدّ أو من أظهر النفاق أبعد.

(تَبْدِيلاً) تحويلا وتغييرا ، أو من قتل بحق فلا دية على قاتله.

(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب : ٦٧].

(سادَتَنا) الرؤساء ، أو الأمراء ، أو الأشراف.

(وَكُبَراءَنا) العلماء أو ذوو الاسنان مأثور.

(السَّبِيلَا) طريق الإيمان والرّسولا و (السَّبِيلَا) مخاطبة يجوز ذلك فيها عند العرب ، أو لفواصل الاي. قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم اثنا عشر رجلا من قريش.

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) [الأحزاب : ٦٨].

(ضِعْفَيْنِ) من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عذاب الكفر وعذاب الإضلال.

١٠٧

(لَعْناً كَبِيراً) عظيما وبالثاء لعنا على إثر لعن.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [الأحزاب : ٦٩].

(لا تَكُونُوا) في أذية محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقولكم زيد بن محمد ، أو بقول الأنصاري إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله تعالى.

(آذَوْا مُوسى) رموه بالسحر والجنون ، أو بالأدرة والبرص في حديث اغتساله خلوا ، أو صعد مع هارون الجبل فمات هارون فقالوا لموسى أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حبا فأمر الله الملائكة فحملته ومرت به على مجالسهم وتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته قال علي رضي الله عنه : ومات هارون في التيه ومات موسى بعد انقضاء مدة التيه بشهرين.

(وَجِيهاً) مقبولا ، أو مستجاب الدعوة ن أو ما سأل الله تعالى شيئا ألا أعطاه إلا النظر. والوجيه : مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب : ٧٠].

(سَدِيداً) عدلا ، أو صدقا ، أو صوابا أو قول لا إله إلا الله ، أو يوافق باطنه ظاهره ، أو ما أريد به وجه الله تعالى دون غيره.

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب : ٧١].

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) بالقبول ، أو بالتوفيق لها.

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب : ٧٢].

(الْأَمانَةَ) ما أمروا به ونهوا عنه ، أو الفرائض والأحكام الواجبة على العباد أو ائتمان النساء والرجال على الفروج ، أو الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها ، أو ما أودعه في هذه المخلوقات من الدلائل على الربوبية أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ، وعرضها إظهار ما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها ، أو عورضت بالسماوات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها ، أو عرض الله تعالى حلمها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها فعرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال ، أو على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة.

(وَأَشْفَقْنَ مِنْها) حذرا.

(وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) تقصيرا ، أو أبين حملها عجزا وأشفقن منها خوفا (وَحَمَلَهَا

١٠٨

الْإِنْسانُ) الجنس ، أو آدم عليه الصلاة والسّلام ثم انتقلت إلى ولده لما عرضت عليهن قلن وما فيها قيل إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت قالت لا ، فلما خلق آدم عليه الصلاة والسّلام عرضها عليه فقال وما هي قال إن أحسنت أجرتك وأن أسأت عذبتك قال فقد حملتها يا رب ، فما كان بين أن حملها إلى أن خرج من الجنة إلا كما بين الظهر والعصر.

(ظَلُوماً) لنفسه. (جَهُولاً) بربه ، أو ظلوما في خطيئته جهولا بما حمّل ولده من بعده ، أو ظلوما بحقها جهولا بعاقبة أمره.

(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٧٣].

(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) بالشرك والنفاق ، أو لخيانتهما الأمانة.

(وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يتجاوز عنهم بأداء الأمانة. (غَفُوراً) لمن تاب من الشرك. (رَحِيماً) بالهداية.

سورة سبأ (١)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سبأ : ١].

(ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقان ، أو ملكا.

(الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) حمد أهل الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر : ٣٤](الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) [الزمر : ٧٤] ، أو له الحمد في السماء والأرض لأنه خلق السموات قبل الأرض فصارت هي الأولى والأرض الآخرة ، أو له الحمد في الأولى على الهداية وفي الآخرة على الثواب والعقاب.

(الْحَكِيمُ) في أمره.

(الْخَبِيرُ) بخلقه.

__________________

(١) سميت سورة سبأ لأن الله تعالى ذكر فيها قصة سبأ وهم ملوك اليمن وقد كان أهلها في نعمة ورخاء وسرور وهناء وكانت مساكنهم حدائق وجنات فلما كفروا النعمة دمرهم الله بالسيل العرم وجعلهم عبرة لمن يعتبر ، وهي سورة مكية ما عدا الآية (٦) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة لقمان ، بدأت السورة بأسلوب ثناء الحمد لله ، وسورة سبأ من السور المكية التي تهتم بموضوع العقيدة الإسلامية وتتناول أصول الدين من إثبات الوحدانية والنبوة والبعث والنشور ، وذكر فيها قوم سبأ الذين كانوا يسكنون جنوب الجزيرة العربية.

١٠٩

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ : ٢].

(يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) المطر و (يَخْرُجُ مِنْها) النبات ، أو الوالج الأموات والخارج الذهب الفضة والمعادن ، أو الوالج البذور الخارج الزرع.

(وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الملائكة.

(وَما يَعْرُجُ فِيها) منهم ، أو النازل القضاء والعارج العمل ، أو النازل المطر والعارج الدعاء.

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) [سبأ : ٥].

(سَعَوْا فِي آياتِنا) بالجحد ، أو التكذيب.

(مُعاجِزِينَ) مسابقين أو مجاهدين ، أو مراغمين مشاقين ، أو لا يعجزونني هربا ولا يفوتونني طلبا.

«معجزين» مثبطين الناس عن اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو مضعفين الله أن يقدر عليهم ، أو معجزين من آمن بإضافة العجز إليه.

(مِنْ رِجْزٍ) من عذاب أليم.

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ : ٦].

(الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو مؤمنو أهل الكتاب.

(الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) القرآن.

(صِراطِ الْعَزِيزِ) دين الإسلام مأثور ، أو طاعة الله تعالى وسبيل مرضاته.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) [سبأ : ٧ ـ ٨].

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالبعث. قيل : قاله أبو سفيان لأهل مكة فأجاب بعضهم بعضا.

(أَفْتَرى عَلَى اللهِ) يعنون قائل هذا إما مجنون ، أو كذاب. فرد الله تعالى عليهم بقوله.

(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بالبعث. (فِي الْعَذابِ) في الآخرة. (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) في الدنيا.

(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [سبأ : ٩].

١١٠

(ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من السماء والأرض كيف أحاطت بهم لأنهم كيف ما نظروا عن يمين وشمال ووراء وأمام رأوهما محيطتين بهم ، أو ما بين أيديهم : من هلك من الأمم الماضية في أرضه.

(وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة في سمائه.

(كِسَفاً) عذابا ، أو قطعا إن شاء عذب بسمائه ، أو بأرضه. فكل خلقه له جند.

(مُنِيبٍ) مجيب ، أو مقبل بتوبته ، أو مستقيم إلى ربه ، أو مخلص بالتوحيد.

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سبأ : ١٠].

(فَضْلاً) نبوة ، أو زبورا ، أو قضاء بالعذاب ، أو فطنة وذكاء ، أو رحمة الضعفاء ، أو حسن الصوت ، أو تسخير الجبال والطير.

(أَوِّبِي) سبحي معه أو سيري ، والتأويب سير النهار كله ، أو سير الليل كله ، أو سير النهار كله دون الليل. أو رجّعي معه إذا رجع.

(وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فكان يعمل به كالعمل بالطين لا يدخله النار ولا يعمل بمطرقة.

(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ : ١١].

(سابِغاتٍ) دروعا تامة. إسباغ النعمة تمامها.

(وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) عدل المسامير في الحلق فلا تصغرها فتسلس ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنقصم الحقلة ، أو لا تجعل الحلق واسعة فلا تقي صاحبها. والسرد المسامير التي في الحلق من سرد الكلام سردا إذا تابع بينه ومنه قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثة سرد وواحد فرد ، أو النقب الذي في الحلق فكان يرفع كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم ألفان لأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز حواري.

(وَاعْمَلُوا صالِحاً) قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، أو جميع الطاعات.

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) [سبأ : ١٢].

(غُدُوُّها) إلى نصف النهار شهر.

(وَرَواحُها) إلى آخره شهر في كل يوم شهران. قال الحسن : كانت تغدوا من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع وتروح فيبيت بكابل وبينهما شهر للمسرع.

(عَيْنَ الْقِطْرِ) سال له القطر من صنعاء اليمن ثلاثة أيام. كما يسيل الماء ، أو هي عين

١١١

الشام والقطر النحاس ، أو الصفر.

(بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمر ربه.

(يَزِغْ) يمل. (عَنْ أَمْرِنا) طاعة الله تعالى ، أو ما يأمر به سليمان عليه الصلاة والسّلام لأن أمره كأمر الله.

(نُذِقْهُ) في الآخرة ، أو الدنيا ولم يسخّر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا تركهم وكان مع المسخرين ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه بذلك السوط.

(السَّعِيرِ) النار المسعورة.

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣].

(مَحارِيبَ) القصور ، أو المساجد ، أو المساكن ومحراب الدار أشرف موضع فيها.

(وَتَماثِيلَ) الصور ولم تكن محرمة وكانت من نحاس ، أو من رخام وشبه ، صور الأنبياء الذين كانوا قبله ، أو طواويس وعقبانا ونسورا على كرسيه ودرجات سريره ليهاب من شاهدها أن يتقدم.

(كَالْجَوابِ) كالحياض ، أو الجوبة من الأرض ، أو كالحائط.

(راسِياتٍ) عظام ، أو أثافيها منها ، أو ثابتات لا يزلن عن مكانهن وذكر أنها باقية باليمن آية وعبرة.

(شُكْراً) توحيدا ، أو تقوى وطاعة ، أو صوم النهار وقيام الليل. فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها منهم قائم ، أو اعملوا عملا تستوجبون عليه الشكر أو اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية ، أو قال لما أمر بالشكر : إلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك عليّ فقال : الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني.

(الشَّكُورُ) المؤمن الموحد ، أو المطيع ، أو ذاكر النعمة. والشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره ، أو الشاكر على النعم والشكور على البلوى ، أو الشاكر من غلب خوفه والشكور من غلب رجاؤه.

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) [سبأ : ١٤].

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) وقف في المحراب يصلي متوكئا على عصاه فمات وبقي قائما على العصا سنة وكان سأل ربه أن لا يعلم الجن موته إلا بعد سنة لأنه كان قد بقي من إتمام عمارة بيت المقدس سنة ، أو لأن الجن ذكرت للإنس أنها تعلم الغيب فطلب ذلك

١١٢

ليلعلم للإنس أن الجن لا يعلمون الغيب مأثور ، أو لم يمت إلا على فراشه وكان الباب مغلقا عليه كعادته في عبادته فأكلت الأرضة العتبة بعد سنة فخر الباب ساقطا وكان سليمان يعتمد على العتبة إذا جلس.

(دَابَّةُ الْأَرْضِ) الأرضة أو دابة تأكل العيدان يقال لها القادح.

(مِنْسَأَتَهُ) العصا بلغة الحبشة ، أو مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها.

(تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) المسخرين أنهم لو علموا الغيب.

(ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ) أو تبينت الإنس أن الجن لو علموا الغيب (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ) سنة ، أو أوهمهم الجن أنهم يعلمون الغيب فدخل عليهم شبهة فلما خرّ عرفوا كذبهم وزالت الشّبهة.

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ : ١٥].

(لِسَبَإٍ) أرض باليمن يقال لها مأرب ، أو قبيلة سموا باسم أبيهم ، أو أمهم وبعث إليهم ثلاثة عشر نبيا.

(جَنَّتانِ) أحدهما عن يمين الوادي والأخرى عن شماله.

(آيَةٌ) كانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها فيمتلىء وما مسته بيدها ، أو لم يكن في قريتهم ذباب ولا بعوض ولا برغوث ولا بق ولا حية ولا عقرب ويأتيهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب.

(كُلُوا مِنْ رِزْقِ) الجنتين.

(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) قيل هي صناء.

(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) [سبأ : ١٦].

(فَأَعْرَضُوا) عن اتباع الرسل.

(الْعَرِمِ) المطر الشديد أو المسناة بالحبشية ، أو العربية ، أو اسم واد تجتمع فيه المياه من أودية سبأ فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له أبوابا يأخذون منه ما شاءوا فلما تركوا أمر الله تعالى بعث عليه جرذا يقال له الخلد فخرقه فأغرق بساتينهم وأفسد أرضهم ، أو ماء أحمر أرسل في السد فخرقه وهدمه ، أو الجرذ الذي نقب السد.

(جَنَّتَيْنِ) ليزدوج الكلام كقوله فاعتدوا عليه لأنهما لم يتبدلا بجنتين.

(أُكُلٍ) البرير ثمر الخمط ، أو اسم لثمر كل شجرة.

١١٣

(خَمْطٍ) الآراك ، أو كل شجر ذي شوك ، أو كل نبت مرّ لا يمكن أكله.

(وَأَثْلٍ) الطرفاء ، أو شيء يشبه الطرفاء ، أو شجر النضار ، أو شجرة حطب لا يأكلها شيء ، أو السّمر.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) [سبأ : ١٨].

(الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بيت المقدس ، أو الشام بورك فيها بالمياه والثمار والأشجار. قيل : إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية.

(قُرىً ظاهِرَةً) متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، أو عامرة ، أو كثيرة الماء ، أو قريبة وهي السّروات ، أو قرى بصنعاء ، أو قرى ما بين مأرب والشام.

(وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي المبيت والمقيل ، أو كانوا يصبحون في قرية ويمسون في أخرى ، أو جعل ما بين القرية والقرية مقدارا واحدا.

(آمِنِينَ) من الجوع والضمأ أو من الخوف كانوا يسيرون أربعة أشهر آمنين لا يحرك بعضهم بعضا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ : ١٩].

(باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) قالوا ذلك ملالا للنعم كما مل بنوا إسرائيل المن والسلوى ، أو قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى وأحلى ، أو طلبوا الزيادة في عمارتهم حتى تبعد أسفارهم فيها. فيكون ذلك طلبا للكثرة والزيادة.

(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بقولهم : (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا ،) أو بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين أو بتكذيب ثلاثة عشر نبيا وقالوا لرسلهم لما ابتلوا قد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض.

(أَحادِيثَ) يتحدث بما كانوا فيه من نعم وما صاروا إليه من هلاك حتى ضرب بهم المثل فقيل : تفرقوا أيادي سبأ.

(وَمَزَّقْناهُمْ) بالهلاك فصاروا ترابا تذروه الريح ، أو مزقوا بالتفرق فلحقت غسان بالشام وخزاعة بمكة والأوس والخزرج بالمدينة والأزد بعمان.

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٢٠].

(صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) لما أهبط آدم وحواء قال إبليس : أما إذ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ظنا منه فصدق ظنه ، أو قال : خلقت من نار

١١٤

وآدم من طين والنار تحرق كل شيء (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) [الإسراء : ٦٢] فصدق ظنه ، أو قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليّ إنك لا تجد أكثرهم شاكرين ظنا منه فصدق ظنه ، أو ظن أنه أن أغواهم وأضلهم أجابوه وأطاعوه فصدق ظنه.

(فَاتَّبَعُوهُ) الضمير للظن ، أو لإبليس.

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ : ٢٣].

(لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) في الشفاعة ، أو فيمن يشفع له.

(فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) جلي عنها الفزع ، أو كشف عنها الغطاء يوم القيامة ، أو دعوا فأجابوا من قبورهم من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعا والمجيب فزعا ، أو فزع من قلوب الشياطين ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم ، أو الملائكة فزعوا لسماع الوحي من الله لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد فخروا سجدا خوف القيامة.

(قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ) أي الوحي وفرّغ بالمعجمة من شك وشرك يوم القيامة فقالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا : الحق.

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤].

(يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ) المطر ومن الأرض النبات ، أو رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح.

(وَإِنَّا) نحن على هدى ، وإياكم في ضلال ، فتكون أو بمعنى الواو ، أو معناه أحدنا على هدى والآخر على ضلال كقول القائل بل أحدنا كاذب دفعا للكذب عن نفسه وإن أحدنا لصادق إضافة للصدق إلى نفسه ودفعا له عن صاحبه ، أو معناه الله يرزقنا وإياكم كنا على هدى ، أو في ضلال مبين.

(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) [سبأ : ٢٦].

(يَفْتَحُ) يقضي لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم.

(بِالْحَقِّ) بالعدل.

(الْعَلِيمُ) بالحكم ، أو بما يخفون ، أو بخلقه.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ : ٢٨].

(كَافَّةً لِلنَّاسِ) كافا لهم عن الشرك والهاء للمبالغة أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم ومنه

١١٥

كف الثوب لضم طرفيه ، أو ما أرسلناك إلا كافتهم أي جميعهم.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١].

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) مشركو العرب ، أو أبو جهل.

(بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) التوراة والإنجيل ، أو الأنبياء والكتب ، أو أمر الآخرة.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ : ٣٣].

(بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ) بل عملكم في الليل والنهار ، أو معصية الليل والنهار ، أو غركم اختلافهما ، أو مرّهما ، أو مكركم فيهما.

(أَنْداداً) أشباها ، أو شركاء.

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [سبأ : ٣٤].

(مُتْرَفُوها) جبّاروها ، أو أغنياؤها ، أو ذوو التنعم والبطر.

(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥].

(وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً) قالوه للأنبياء والفقراء.

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ : ٣٦].

(يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه. (وَيَقْدِرُ) يقتر عليه يبسط على هذا مكرا به ويقتر على الآخر نظرا له أو لخير له أو ينظر له.

(لا يَعْلَمُونَ) أن البسط والإقتار بيده.

(وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ : ٣٧].

(زُلْفى) قربى ، والزلفة القربة.

(جَزاءُ الضِّعْفِ) الحسنة بعشر والدرهم بسبعمائة ، أو الغني التقي يؤتى أجره مرتين بهذه الآية.

(آمِنُونَ) من النار ، أو من انقطاع النعم ، أو الموت ، أو الأحزان والأسقام.

١١٦

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ : ٣٩].

(فَهُوَ يُخْلِفُهُ) إذا شاء ورآه صلاحا كإجابة الدعاء ، أو يخلفه بالأجر في الآخرة إذا أنفق في الطاعة ، أو معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله تعالى ورزقه.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠].

(يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) المشركون ومن عبدوه من الملائكة.

(أَهؤُلاءِ) استفهام تقرير.

(قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) [سبأ : ٤١].

(أَنْتَ وَلِيُّنا) الذي نواليه بالطاعة ، أو ناصرنا.

(يَعْبُدُونَ الْجِنَّ) يطيعونهم في عبادتنا.

(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) [سبأ : ٤٤].

(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ) ما نزّل على مشركي قريش كتابا قط.

(يَدْرُسُونَها) فيعلمون أن الذي جئت به حق ، أو باطل ، أو فيعلمون أن لله شركاء كما زعموا.

(مِنْ نَذِيرٍ) ما جاءهم رسول قط غيرك.

(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) [سبأ : ٤٥].

(وَما بَلَغُوا مِعْشارَ) ما عملوا معشار ما أمروا به ، أو ما أعطي من كذب محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم معشار ما أعطي من قبلهم من القوة والمال ، أو ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما آتيناهم ، أو ما أعطي من قبلهم معشار ما أعطي هؤلاء من البيان والعلم والبرهان فلا أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه. والمعشار والعشر واحد ، أو المعشار عشر العشر وهو العشير ، أو عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزءا من ألف.

(نَكِيرِ) عقابي تقديره فأهلكتهم فكيف كان نكيري.

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [سبأ : ٤٦].

(بِواحِدَةٍ) طاعة الله تعالى ، أو قول لا إله إلا الله.

(أَنْ تَقُومُوا) بالحق كقوله (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٢٧].

١١٧

(مَثْنى وَفُرادى) جماعة وفرادى أو منفردا برأيه ومشاورا لغيره مأثور ، أو مناظرا لغيره ومفكرا في نفسه.

(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سبأ : ٤٧].

(مِنْ أَجْرٍ) من مودة لأنه سأل قريشا أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ الرسالة ، أو جعل.

(شَهِيدٌ) أن ليس بي جنون ، أو أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سبأ : ٤٨].

(يَقْذِفُ) يتكلم ، أو يوحي ، أو يلقي. (بِالْحَقِّ) الوحي أو القرآن و (الْغُيُوبِ) الخفيّات.

(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) [سبأ : ٤٩].

(جاءَ الْحَقُّ) بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو القرآن ، أو الجهاد بالسيف.

(الْباطِلُ) الشيطان ، أو إبليس ، أو دين الشرك.

(وَما يُبْدِئُ) لا يخلق ولا يبعث ، أو لا يحيي ولا يميت ، أو لا يثبت إذا بدا ولا يعود إذ زال.

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) [سبأ : ٥١].

(فَزِعُوا) في القيامة أو في الدنيا عند رؤية بأس الله ، أو يخسف بجيش في البيداء فيبقى منهم حل فيخبر بما لقي أصحابه فيفزع الناس ، أو فزعهم ببدر لما ضربت أعناقهم فلم يستطيعوا فرارا من العذاب ولا رجوعا إلى التوبة ، أو فزعهم في القبور من الصيحة.

(فَلا فَوْتَ) فلا نجاة ، أو لا مهرب ، أو لا سبق.

(مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من تحت أقدامهم ، أو يوم بدر ، أو جيش السفياني ، أو عذاب الدنيا ، أو حين خرجوا من القبور أو يوم القيامة.

(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [سبأ : ٥٢].

(آمَنَّا بِهِ) بالله تعالى أو البعث ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(التَّناوُشُ) الرجعة.

تمنى أن تؤوب إليّ ميّ

وليس إلى تناوشها سبيل

أو التوبة ، أو التناول نشته أنوشه نوشا إذا تناوله من قريب ، تناوش القوم تناول بعضهم بعضا والتحم بينهم القتال.

(مَكانٍ بَعِيدٍ) من الآخرة إلى الدنيا أو ما بين الآخرة والدنيا ، أو عبّر به عن طلبهم

١١٨

للأمر من حيث لا ينال.

(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [سبأ : ٥٣].

(كَفَرُوا بِهِ) بالله تعالى ، أو البعث أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(مِنْ قَبْلُ) في الدنيا ، أو قبل العذاب.

(وَيَقْذِفُونَ) يرجمون بالظن في الدنيا فيقولون لا بعث ولا جنة ولا نار ، أو يطعنون في القرآن ، أو في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه ساحر ، أو شاعر. سماه قذفا لخروجه في غير حقه.

(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) [سبأ : ٥٤].

(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ) وبين الدنيا ، أو بينهم وبين الإيمان ، أو التوبة أو طاعة الله تعالى أو بين المؤمن وبين العمل وبين الكافر وبين الإيمان. قاله ابن زيد.

(بِأَشْياعِهِمْ) أوائلهم من الأمم الخالية أو أصحاب الفيل لما أرادوا هدم الكعبة ، أو أمثالهم من الكفار لم يقبل لهم توبة عند المعاينة.

(فِي شَكٍّ) من نبيهم فلا يعرفونه أو من نزول العذاب بهم.

سورة فاطر (١)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر : ١].

(فاطِرِ) الفطر : الشق عن الشيء بإظهاره للحسّ. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال : أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ففاطر السموات والأرض خالقهما ، أو شقها بما ينزل فيها وما يعرج منها.

(رُسُلاً) إلى الأنبياء ، أو إلى العباد برحمة ، أو نقمة.

(مَثْنى) لبعض جناحان ولبعض ثلاثة ولآخرين أربعة.

__________________

(١) سميت سورة فاطر لذكر هذا الاسم الجليل والنعت الجميل في طليعتها لما في هذا الوصف من الدلالة على الإبداع والاختراع لا على مثال سابق ولما فيه من التصوير الدقيق المشير إلى عظمة ذي الجلال وباهر قدرته وعجيب صنعه فهو الذي خلق الملائكة وأبدع تكوينهم بهذا الخلق العجيب ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة الفرقان ، وسورة فاطر نزلت قبل هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهي تسير في الغرض العام الذي نزلت من أجله الآيات المكية والتي يرجع أغلبها إلى المقصد الأول من رسالة كل رسول وهو قضايا العقيدة الكبرى الدعوة إلى توحيد الله وإقامة البراهين على وجوده وهدم قواعد الشرك والحث على تطهير القلوب من الرذائل والتحلي بمكارم الأخلاق.

١١٩

(يَزِيدُ فِي) أجنحة الملائكة ما يشاء ، أو حسن الصوت ، أو الشعر الجعهد.

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر : ٢].

(مِنْ رَحْمَةٍ) من خير ، أو مطر ، أو توبة ، أو وحي ، أو دعاء ، أو رزق مأثور.

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) [فاطر : ٨].

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ) اليهود والنصارى والمجوس ، أو الخوارج ، أو الشيطان أو قريش. نزلت في أبي جهل ، أو العاص بن وائل. وفيه محذوف تقديره فهو يتحسر عليه يوم القيامة ، أو كمن آمن وعمل صالحا ، أو كمن علم الحسن من القبيح.

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر : ١٠].

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) وهي المنعة فليتعزّز بطاعة الله تعالى ، أو من يرد علم العزة لمن هي.

(فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) لما اتخذوا آلهة ليكونوا لهم عزا أخبرهم الله تعالى أن العزة له جميعا.

(الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) التوحيد ، أو الثناء على الله تعالى يصعد به الملائكة المقربون.

(وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) يرفعه الكلم الطيب ، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، أو يرفع الله تعالى العمل الصالح لصاحبه.

(السَّيِّئاتِ) الشرك.

(يَبُورُ) يفسد عند الله تعالى ، أو يهلك البوار : الهلاك ، أو يبطل.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [فاطر : ١١].

(مِنْ تُرابٍ) آدم. (مِنْ نُطْفَةٍ) نسله. (أَزْواجاً) زوّج بعضكم ببعض أو ذكورا وإناثا وكل واحد معه آخر من شكله فهو زوج.

(وَما يُعَمَّرُ) ما يمد عمر أحد حتى يهرم ولا ينقص من عمر آخر فيموت طفلا ، أو ما يعمر معمر قدر الله تعالى أجله إلّا كان ما نقص منه من الأيام الماضية في كتاب الله تعالى. قال ابن جبير : كتب الله تعالى الأجل في أول الصحيفة ثم يكتب في أسفلها ذهب يوم كذا ذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله ، وعمر المعمر ستون سنة ، أو أربعون ، أو ثماني عشرة.

١٢٠