تصوير الحيثية الثالثة : هل إنّ الإرادة مأخوذة قيدا في المدلول ، أو ليست مأخوذة قيدا في المدلول؟.
وهذا المطلب يغاير المطلبين السابقين لأن في هذا المطلب لا يراد معرفة جوهر الدلالة ، أو ما هو ظرفها ، بل يراد معرفة حدود هذه الدلالة ، وهل أن المدلول هو ذات المعنى ، أو المعنى مع الإرادة.
تحقيق الكلام في الحيثية الأولى :
هل إنّ الدلالة الوضعية دلالة تصورية أو دلالة تصديقية؟.
والصحيح إنّها دلالة تصورية ، وليست مستبطنة للدلالة التصديقية ، وتحقيق ذلك ببيان مقدمتين :
ـ المقدمة الأولى : إنّ الوضع ليس هو التعهّد ، بل هو الاعتبار بالمعنى المختار ، حيث أن الواضع يقرن صورة شيء مع صورة شيء آخر كما في السكوني والنوفلي ، فيوجب انتقال الذهن من صورة اللفظ إلى صورة المعنى ، وقد تقدم توضيح ذلك في بحث الوضع.
ـ المقدمة الثانية : إنّ تصوير كون الدلالة الوضعية تصديقية ، هو معقول بناء على مسلك التعهّد ، وغير معقول بناء على مسلك الاعتبار.
أمّا كونه معقولا بناء على مسلك التعهّد : ففي غاية الوضوح ، لأنّ المتعهد يوجد ملازمة بين اللفظ والإرادة ، وينشأ بذلك الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر.
وأمّا عدم معقوليته بناء على مسلك الاعتبار : فواضح أيضا ، لأنّ الاعتبار هو قرن صورة اللفظ مع صورة المعنى في ذهن السامع ، وهذا القرن بين الصورتين يوجب تلازما بين تصور اللفظ ، وتصور المعنى ، فينتقل من أحد التصورين إلى التصور الآخر. وهذا الانتقال انتقال تصوري لا محالة ، وهو