ضياء العالمين - ج ٢

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-332-4
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

هذا ، وقد روى أيضاً المقدسي (١) عن موسى بن عقبة (٢) أنّه نقل خطبة طويلة عن عمر ، فيها : إنّ شرّ الاُمور مبدعاتها ، وإنّ الاقتصاد في سنّة (٣) خير من الاجتهاد في بدعة (٤) .

وروى اللاّلكائي (٥) في كتاب السُّنّة : عن عبد اللّه‏ بن عُكيم (٦) ، قال : كان عمر يقول : إنّ أصدق القيل قيل اللّه‏ ، ألا وإنّ أحسن الهدي هدي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشرّ الاُمور محدثاتها ، وكلّ محدثة ضلالة ، ألا وإنّ الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ولم يقم الصغير على الكبير (٧) .

أقول : وهذا الخبر ممّا رواه ابن ماجة في صحيحه ، وكذا غيره : عن

__________________

(١) لم ترد في «ش» .

(٢) هو موسى بن عُقبة بن أبي عياش المِطْرَقي الأسدي القرشي ، يكنّى أبا محمّد ، مولى آل الزبير ، عامّي المذهب ، عالماً بالمغازي ، له كتاب المغازي ، مات سنة ١٤١ هـ .

انظر : سير أعلام النبلاء ٦ : ١١٤ / ٣١ ، شذرات الذهب ١ : ٢٠٩ ، الأعلام ٧ : ٣٢٥ .

(٣) في «ش» : السُّنّة .

(٤) حكاه عن موسى بن عقبة المتّقي الهندي في كنز العمّال ١٦ : ١٦٣ ضمن حديث ٤٤٢١٣ .

(٥) هو هبة اللّه‏ بن الحسن بن منصور الرازي الفقيه الشافعي ، يعرف باللالكائي ، سمع عيسى بن علي بن عيسى الوزير ، وأبا طاهر المخلّص ، وأبا الحسن بن الجندي ، وروى عنه الخطيب البغدادي وغيره ، صنّف كتاباً في السنن ، وكتاباً في أسماء مَنْ في الصحيحين ، وكتاباً في شرح السنّة ، مات سنة ٤١٨ هـ .

انظر : تاريخ بغداد ١٤ : ٧٠ / ٧٤١٨ ، سير أعلام النبلاء ١٧ : ٤١٩ / ٢٧٤ ، العبر ٢ : ٢٣٦ ، شذرات الذهب ٣ : ٢١١ .

(٦) هو عبداللّه‏ بن عُكيم الجهني ، يكنّى أبا معبد ، اختلف في سماعه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سمع حذيفة بن اليمان ، وابن مسعود ، وعمر ، وروى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهلال الوزّان ، وأبو فروة الجندي ، مات في زمن الحجّاج .

انظر : الطبقات لابن سعد ٦ : ١١٣ ، طبقات خليفة : ٢٠١ / ٧٥٤ ، الجرح والتعديل ٥ : ١٢١ / ٥٥٦ ، الاستيعاب ٣ : ٩٤٩ / ١٦١٠ ، تاريخ بغداد ١٠ : ٣ / ٥١١٥ .

(٧) حكاه عنه المتّقي الهندي في كنز العمّال ١ : ٣٧٤ / ١٦٣٣ .

٦١

ابن مسعود وغيره ، عن النبيّ هكذا : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض مواعظه : «إنّما هما اثنتان : الكلام والهَدي ، فأحسن الكلام كلام اللّه‏ ، وأحسن الهَدي هدي محمّد ، ألا وإيّاكم ومحدثات الاُمور ، فإنّ شرّ الاُمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار» (١) ، الخبر ، وكان عمر أيضاً سمع ذلك من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي كتاب الطبراني : عن أبي اُمية (٢) ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّ من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر» (٣) قال الراوي : يعني أهل البدع .

وفي كتاب حلية الأولياء : عن أنس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أهل البدع شرّ الخلق والخليقة» (٤) .

وفيه : عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من أدّى إلى اُمّتي حديثاً لتقام به سنّة ، أو تثلم (٥) به بدعة فهو في الجنّة» (٦) .

وفي كتاب الطبراني : عن عبداللّه‏ بن بشر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» (٧) .

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١: ١٨ / ٤٦، المعجم الكبير ٩: ٩٧ / ٨٥٢١، شعب الإيمان ٤: ٢٠١ / ٤٧٨٨.

(٢) لقد اختلف في لقبه ، فقيل : أبو اُميّة الجمحي ، وقيل : اللخمي ، وقيل : الجهني ، ولم تذكر له ترجمة أكثر من هذا .

انظر : الاستيعاب ٤ : ١٦٠٣ / ٢٨٥٦ ، اُسد الغابة ٥ : ٢٠ / ٥٦٩٤ .

(٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٣٦١ / ٩٠٨ ، وأورده ابن عبدالبرّ في الاستيعاب ٤ : ١٦٠٣ ، وابن الأثير في اُسد الغابة ٥ : ٢٠ .

(٤) حلية الأولياء ٨ : ٢٩١ ، وفي كنز العمّال ١ : ٢٢٣ / ١١٢٦ عن الحلية وابن عساكر .

(٥) في «س» و«ش» و«ن» : «تسلم» . وما أثبتناه من المصدر والظاهر هو الأنسب .

(٦) حلية الأولياء ١٠ : ٤٤ ، بتفاوت يسير .

(٧) المعجم الأوسط ٧ : ٦٧ / ٦٧٧٢ عن عائشة ، وحكاه عنه المتّقي الهندي في كنز العمّال ١ : ٢١٩ / ١١٠٢ ، وفيه : عن عبداللّه‏ بن بشير .

٦٢

وفي صحيح البخاري : عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «أبى اللّه‏ أن يقبل عمل صاحب بدعة حتّى يدع بدعته» (١) .

وفي صحيح مسلم ، ومسند ابن حنبل ، وصحاح أبي داوُد ، والنسائي وابن ماجة : عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من دعا إلى هُدىً كان له من الأجر مثل اُجور من تبعه ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه» (٢) ، الخبر .

والأخبار من هذا القبيل كثيرة لا نطيل الكلام بذكرها ، بل الأخبار التي يستفاد منها ذمّ الرأي ولو ضمناً ، بل ذمّ ما سوى الكتاب والسنّة ممّا لا تحصى كثرة ، حتّى أنّ منها ما هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «العلم ثلاثة : كتاب ناطق ، وسنّة (٣) ماضية ، ولا أدري» (٤) ، رواه في الفردوس وغيره ، عن ابن عمر وغيره ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذا قوله : «ألا أدّلكم على الخلفاء منّي ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي ؟ هم حملة القرآن والأحاديث عنّي وعنهم في اللّه‏ وللّه‏» ، رواه جمع منهم : الخوارزمي عن عليّ عليه‌السلام ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

__________________

(١) وجدناه في سنن ابن ماجة ١ : ١٩ / ٥٠ ، وكتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٢٢ / ٣٩ ، والجامع الصغير ١ : ١٠ / ٤٠ .

(٢) صحيح مسلم ٤ : ٢٠٦٠ / ٢٦٧٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٩ / ٨٩١٥ ، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٠١ / ٤٦٠٩ ، وحكاه عن النسائي السيوطي في الجامع الصغير ٢ : ٥٩٩ / ٨٦٦٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٧٥ / ٢٠٦ .

(٣) من ص ٥٥ إلى هنا ساقط في «م» .

(٤) المعجم الأوسط ١ : ٣٩٨ / ١٠٠٥ ، جامع بيان العلم ١ : ٧٥٣ / ١٣٨٧ ، فردوس الأخبار ٣ : ٩٦ / ٤٠١٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١٧٢ ، جامع الأحاديث ٦ : ٢٢٦ / ١٤٥١٦ .

(٥) شرف أصحاب الحديث للبغدادي : ٣١ ـ ٣٢ ، فردوس الأخبار ١ : ١٧٠ / ٤٦٩ ، الجامع الصغير ١ : ٤٤٢ / ٢٨٧٥ ، ولم نعثر على نقل الخوارزمي له .

٦٣

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ترجعون إلى اللّه‏ بشيء أفضل ممّا خرج من القرآن» ، رواه الترمذي وغيره مرسلاً (١) .

ومنها ما هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أبغض الناس إلى اللّه‏ ثلاثة ، أحدهم مبتغ في الإسلام سنن الجاهلية . . .» ، رواه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ؛ إذ كون عمل الجاهلية على آرائهم بدون قول اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا لا شكّ فيه .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس منّا من عمل بسنّة غيرنا» ، رواه في الفردوس عن ابن عبّاس أيضاً ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» ، رواه ابن حنبل في مسنده ، ومسلم في صحيحه ، عن عائشة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ، وقد قال البخاري في صحيحه : إذا اجتهد العالم أو الحاكم فأخطأ خلافَ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير علم ، فحكمه مردود ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» (٥) . انتهى كلامه .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: «سيأتي عليكم زمان لا يكون فيه شيء أعزّ من سنّة يعمل بها» ، رواه الطبراني وغيره عن حذيفة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المتمسّك بسنّتي عند اختلاف اُمّتي كالقابض على

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ١٧٧ / ٢٩١٢ ، المستدرك للحاكم ١ : ٥٥٥ ، الجامع الصغير ١ : ٣٨٩ / ٢٥٤٣ ، وفيها بتفاوت يسير .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٧ بتفاوت يسير .

(٣) الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٤١٥ / ٥٢٦٨ طبعة دار الكتب العلميّة .

(٤) مسند أحمد ٧ : ٢٠٩ / ٢٤٦٠٤ ، و٢٥٨ / ٢٤٩٤٤ ، و٣٦٥ / ٢٥٦٥٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٣ / ١٧١٨ .

(٥) صحيح البخاري ٩ : ١٣٢ .

(٦) المعجم الأوسط ١ : ٧١ / ٨٨ ، وحكاه عنه السيوطي في الجامع الصغير ٢ : ٥٦ / ٤٧٣٤ .

٦٤

الجمر» ، وقد مرّ مع سنده سابقاً (١) .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أخذ بسنّتي فهو منّي ، ومن رغب عن سنّتي فليس منيّ» ، رواه ابن عساكر ، عن ابن عمر ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

ومنها ما هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سيكون في اُمّتي أقوام يتعاطى فقهاؤهم عضل المسائل اُولئك شرار اُمّتي» ، رواه الطبراني عن ثوبان ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما ضلّ قوم بعد هُدى كانوا عليه إلاّ اُوتوا الجدل» . رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما عن أبي أمامة (٤) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) .

ومنها ما هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماوات والأرض» ، رواه ابن عساكر عن عليّ عليه‌السلام ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

وكذا «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه» ، رواه أبو داوُد وغيره عن أبي هريرة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) .

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «العلم دين ، والصلاة دين ، فانظروا عمّن تأخذون هذا العلم» ، وفي رواية : «دينكم» ، رواه في الفردوس والمستدرك وغيرهما ، عن ابن عمر وأنس وغيرهما ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٨) .

__________________

(١) في ص ١٧ هامش ٦ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٣٨ : ١٢٧ / ٤٤٩٦ ترجمة عبيداللّه‏ بن معمّر التيمي .

(٣) المعجم الكبير ٢ : ٩٨ / ١٤٣١ .

(٤) لم ترد في «م» .

(٥) سنن الترمذي ٥ : ٣٧٨ / ٣٢٥٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٤٤٨ ، شعب الإيمان ٦ : ٣٤١ / ٨٤٣٨ .

(٦) تاريخ مدينة دمشق ٥٢ : ٢٠ / ٦٠٧٧ .

(٧) سنن أبي داوُد ٣ : ٣٢١ / ٣٦٥٨ ، مشكل الآثار ١ : ١٧١ ، جامع بيان العلم ٢ : ٨٦٠ / ١٦٢٥ ، مصابيح السنّة ١ : ١٧٧ / ١٨٤ .

(٨) فردوس الأخبار ٣: ٩٥ / ٤٠٠٩ ، سنن الدارمي ١: ١١٣، الجامع الصغير ٢ : ١٩٣ / ٥٧١٦ .

٦٥

وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في صحيح أبي داوُد : عن بريدة (١) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ من البيان لسحراً ، وإنّ من العلم لجهلاً» (٢) ، الخبر .

وبالجملة : أمثال هذه الأخبار الدالّة على المقصود ضمناً ممّا لا تحصى ، وقد مرّ بعض ويأتي بعض في المواضع المناسبة ، لكن لا حاجة لنا إلى زيادة إطالة الكلام للاستدلال بها ؛ لكفاية الأدلّة الصريحة ، وقد ذكرنا منها أيضاً ما به الكفاية ، لكن نذكر أيضاً الآن ما يتّضح به غاية الاتّضاح :

ففي خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام التي تنادي عباراتها على كونها كلامه ، فضلاً عن الإسناد :

قوله عليه‌السلام : «إنّما بَدْءُ وقوع الفتن أهواء تُتّبع ، وأحكامُ تُبتدع يُخالف فيها كتاب اللّه‏» (٣) ، الخبر ، وقد مرّ في الفصول السابقة .

وفيها قوله عليه‌السلام : «اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نذهب عن قولك ، أو نُفتتن عن دينك ، أو تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك» (٤) .

وفيها قوله عليه‌السلام : «لا تركنوا إلى جهالتكم (٥) ، ولا تنقادوا لأهوائكم فإنّ النازل بهذا المنزل نازل بشفا جرف هارٍ ، ينقل الردى على ظهره من

__________________

(١) بريدة بن الحُصيب ـ أو الخضيب ـ بن عبداللّه‏ بن الحارث الأسلمي ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، وقد أسلم هو ومن معه قبل بدر ، وكان من جملة المنكرين على أبي بكر تقمّصه الخلافة ، مات سنة ٦٢ هـ وقبره بمرو .

انظر : رجال البرقي : ٦٥ ، رجال الكشّي : ١٠٧ / ٧٨ و١١٧ / ٩٤ ، منتهى المقال ٢ : ١٣٦ / ٤٣٧ ، تنقيح المقال ١ : ١٦٦ / ١٢٦١ ، الطبقات لابن سعد ٤ : ٢٤١ ، أُسد الغابة ١ : ٢٠٩ / ٣٩٨ ، العبر ١ : ٤٨ .

(٢) سنن أبي داوُد ٤ : ٣٠٣ / ٥٠١٢ .

(٣) نهج البلاغة : ٨٨ ، الخطبة ٥٠ .

(٤) نهج البلاغة : ٣٣٢ ، الخطبة ٢١٥ .

(٥) في «ش» : جهّالكم .

٦٦

موضع إلى موضع لرأي يحدثه بعد رأي يريد أن يلصق ما لا يلتصق ، ويقرّب ما لا يتقارب» (١) ، الخبر .

وفيها قوله عليه‌السلام : «فيا عجباً ! وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفِرَق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصّون أثر نبيّ ، ولا يقتدون بعمل وصيّ ، ولا يؤمنون بغيب ، ولا يعفّون عن عيب ، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا ، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات (٢) على آرائهم كأنّ كلّ امرئٍ منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بِعُرىً وثيقات (٣) ، وأسباب محكمات» (٤) .

أقول : من تتبّع فتاوى أبي حنيفة وأمثاله لم يبق له شكّ في كونهم مصداق هذه الصفات وأمثالها ممّا سيأتي ، كما سيتّضح ، فلا تغفل .

وفيها قوله عليه‌السلام : «ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف ذلك ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند إمامهم الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً ، وإلههم واحد ! ونبيّهم واحد ! وكتابهم واحد ! أفأمرهم اللّه‏ بالاختلاف فأطاعوه ؟ أم نهاهم عنه فعصوه ؟ أم أنزل اللّه‏ ديناً ناقصاً فتمّموه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل اللّه‏ ديناً تامّاً فقصّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه ، واللّه‏ سبحانه يقول : ( مَا

__________________

(١) نهج البلاغة : ١٥٢ ، الخطبة ١٠٥ .

(٢) في نهج البلاغة : المهمّات .

(٣) في نهج البلاغة : ثِقات .

(٤) نهج البلاغة : ١٢١ ، الخطبة ٨٨ .

٦٧

فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) وفيه تبيان كلّ شيء ، وذكر أنّ كتابه يصدّق بعضه بعضاً ، وأنّه لا اختلاف فيه ، فقال : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (٢) وإنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تنكشف الظلمات إلاّ به» (٣) .

أقول : أمّا اختلاف فتاوى أهل الخلاف وأحكامهم ، وعدم عيب بعضهم على بعض في ذلك ـ وإن كفّر بعضهم بعضاً في العقائد الاُصوليّة ـ فمعلوم عندهم ، حتّى نُقل عن يحيى بن سعيد (٤) أنّه قال : أهل العلم أهل توسعة ، وما برح المُفتون يختلفون فيحلُّ هذا ويحرّم هذا ، فلا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا (٥) ، حتّى أنّه سيأتي أنّ فيهم من صوّب جميع آراء هؤلاء وأنكر الخطأ فيها رأساً ، مع أنّه من أقبح الشنائع ، كما لا يخفى على البصير .

وأمّا اشتمال القرآن على تبيان جميع الأشياء ـ وإن لم يعلم بذلك إلاّ أهل بيتٍ اُنزل فيهم (٦) ـ فممّا سيتّضح في محلّه غاية الاتّضاح ، وقد مرّت متفرّقة بل تأتي أيضاً في مواضع شواهد له كثيرة ، حتّى أنّ من الشواهد التي

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .

(٢) سورة النساء ٤ : ٨٢ .

(٣) نهج البلاغة : ٦١ ، الخطبة ١٨ بتفاوت يسير .

(٤) هو يحيى بن سعيد بن قيس ، يكنّى أبا سعيد الأنصاري المدني ، تابعي ، تلميذ الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكان قاضياً لبني اُميّة ، ثمّ استقضاه العباسيّون على المدينة ، وولاّه المنصور القضاء على الهاشمية ، مات سنة ١٤٣ هـ .

انظر : رجال الطوسي : ٣٢١ / ٤٧٨٧ ، نقد الرجال ٥ : ٧٢ / ٧٨١ ، تنقيح المقال ٣ : ٣١٧ / ١٣٠٣٤ ، طبقات خليفة : ٤٧٠ / ٢٤١٧ ، الجرح والتعديل ٩ : ١٤٧ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ١٤ : ١٠١ / ٧٤٤٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٥٣ / ٢٤٢ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٦٨ / ٢١٣ .

(٥) انظر : سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤ .

(٦) في «ش» : في بيوتهم .

٦٨

هي دليل ما نحن فيه أيضاً :

ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، والخوارزمي أيضاً عن عليّ عليه‌السلام قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل فقال : إنّ الاُمّة مفتونة بعدك ، قلت له : فما المخرج ؟ فقال : كتاب اللّه‏ فيه نبأ ما (١) قبلكم ، وخبر ما (٢) بعدكم ، وحكم ما بينكم» إلى أن قال : «وإنّ هذا القرآن لا يليه من جبّار فيعمل بغيره إلاّ قصمه اللّه‏ ، ولا يبتغي علماً سواه إلاّ أضلّه اللّه‏» (٣) ، الخبر .

ومن الخطب الشاهدة والدليل أيضاً قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ أبغض الناس إلى اللّه‏ تعالى رجلان : رجل وكله اللّه‏ إلى نفسه ، فهو جائر عن قصد السبيل ، سائر بغير علم ولا دليل ، مشغوف (٤) بكلام بدعة ودعاء ضلالة» إلى قوله عليه‌السلام : «ورجل قمشَ جهلاً في جهّال الاُمّة» إلى قوله عليه‌السلام :

«قد سمّاه أشباه الناس عالماً ولمّا يَغْنَ في العلم يوماً سالماً» إلى قوله عليه‌السلام :

«فجمع ما قلّ منه خير ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من آجن وأكثر من غير طائل ، جلس بين الناس مفتياً قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره» إلى قوله عليه‌السلام :

«وإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً من رأيه ثمّ قطع به ، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت ، لا يدري أصاب أم أخطأ ؟»

__________________

(١ و٢) في «ش» : من .

(٣) انظر : مسند أحمد ١ : ١٤٧ / ٧٠٦ ، وتاريخ بغداد ٨ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٤٤١٦ ، وحكاه عن مسند أحمد المتّقي الهندي في كنز العمّال ١ : ١٧٦ / ٨٨٩ ، ولم نعثر على نقل الخوارزمي له .

(٤) في «م» و«ن» : مشعوف .

٦٩

إلى قوله عليه‌السلام :

«لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره ، ولا يرى أنّ وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره ، ( (١) وإن قاس شيئاً بشيء لم يكذّب رأيه ؛ كيلا يقال : لا يعلم» إلى قوله عليه‌السلام :

«يحلّل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرّم بقضائه الفرج الحلال» إلى قوله عليه‌السلام :

«أيّها الناس ، عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته ، وإنّ العلم الذي هبط به آدم عليه‌السلام ، وجميع ما فضّلت به النبيّون إلى خاتمهم في عترة نبيّكم ، فأَنّى يُتاه بكم ؟ بل أين تذهبون ؟» إلى قوله عليه‌السلام :

«أما بلغكم ما قال فيكم نبيّكم ، حيث قال : إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، كتاب اللّه‏ وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؟»

ثمّ قال عليه‌السلام : «ألا إنّ هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح اُجاج فاجتنبوا)» (٢) .

أقول : صراحتها في جميع ما نحن فيه ظاهرة ، وقد تقدّمت سابقاً أيضاً في أحاديث فاتحة الكتاب (٣) .

__________________

(١) من هنا إلى قوله عليه‌السلام «فاجتنبوا» لم يرد في نهج البلاغة ، وكذا قوله عليه‌السلام : «قد سمّاه . . اشباه الناس . . .» في ص ٦٩ .

(٢) نهج البلاغة : ٥٩ ، الخطبة ١٧ ، الكافي ١ : ٤٤ / ٦ (باب البدع والرأي والمقائيس) ، الإرشاد للمفيد ١ : ٢٣١ ، الاحتجاج ١ : ٦٢٣ ـ ٦٢٤ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، نثر الدرّ للآبي ١ : ٣٠٨ ، ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٣ .

وفي الاحتجاج ورد : «لا تعتذرون بجهالته ، فإنّ العلم» .

(٣) انظر الجزء الأوّل ، ص ٤٥ .

٧٠

ومنها قوله عليه‌السلام في ذكر العلماء من اللّه‏ وغيرهم ، حيث قال عليه‌السلام : «وآخَر قد يُسمّى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، وأضاليل من ضُلاّل ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحقّ على أهوائه ، يقول : أقف عند الشبهات ، وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع ، وبينها اضطجع ؛ فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصدّ عنه» إلى قوله عليه‌السلام :

«فأين يُتاه بكم ؟ بل كيف تعمهون (١) ؟ وبينكم عترة نبيّكم ، وهم أزمّة الحقّ ، وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وَرِدُوهم ورود الهِيم العِطاش .

أيّها الناس ، خذوها عن خاتم النبيّين : إنّه يموت من يموت منّا وليس بميّت ، ويبلى من بَلِيَ منّا وليس ببال ، فلا تقولوا ما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون» إلى قوله عليه‌السلام :

«فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ، ولا يتقلقل إليه الفكر» (٢) .

ومنها قوله عليه‌السلام في جواب من سأله عن صفات اللّه‏ ، فذكر خطبة مشتملة على صفات اللّه‏ ، ثمّ قال عليه‌السلام : «فانظر أيّها السائل ، فما دلّك القرآن عليه في صفته فائتمَّ به واستضِئ بنور هدايته ، وما كلّفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآلهوأئمّة الهدى أثره، فَكِلْ علمه إلى اللّه‏ سبحانه فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه‏ عليك» ، الخبر ، إلى قوله عليه‌السلام :

«فلا تقدّر عظمة اللّه‏ سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين» (٣) .

__________________

(١) في «ش» نسخة بدل : «تحكمون» .

(٢) نهج البلاغة : ١١٩ ـ ١٢٠ ، الخطبة ٨٧ ، نقلها المؤلّف بتصرّف .

(٣) نهج البلاغة : ١٢٥ ، الخطبة ٩١ .

٧١

ومنها قوله عليه‌السلام : «واردُدْ إلى اللّه‏ ورسوله ما يضلعك (١) من الخطوب ، ويشتبه عليك من الاُمور ، فقد قال سبحانه لقومٍ أحبّ إرشادهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) (٢) ، فالرادّ إلى اللّه‏ : الآخذ بمحكم كتابه ، والرادّ إلى الرسول : الآخذ بسنّته الجامعة غير المتفرّقة» (٣) .

أقول : صراحة هذا في انحصار الحجّيّة مطلقاً في محكمات القرآن وثابتات السنّة لا غير ذلك ـ أيّ شيء كان ـ وكذا في نفي حكم لم يكن فيهما واضحة ؛ ضرورة أنّ الأمر بالرجوع إلى الشيء يقتضي وجوده . نعم ، هو عند أهله ، كما مرّ غير مرّة ويتّضح حقّ الاتّضاح ؛ ولهذا كلّ من ضلّ عن أهله فاته ذلك فلم يجد إليه سبيلاً .

وقد قال عليه‌السلام في بعض خطبه أيضاً : «تاللّه‏ ، لقد علّمت تبليغ الرسالات وإتمام العِدات وتمام الكلمات ، وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر ، ألا وإنّ الشرائع واحدة وسُبله وحيدة ، من أخذ بها لحق وغنم ، ومن وقف عنها ضلّ وندم» (٤) .

وقال عليه‌السلام لمعاوية : «سبحان اللّه‏ ! ما أشدّ لزومك الأهواء المبتدعة ، والحيرة المتّبعة ، مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق» (٥) ، الخبر .

ومنه يظهر صريح كون معاوية من أهل البدع .

__________________

(١) يضلعك : يثقلك . انظر : النهاية لابن الأثير ٣ : ٩٦ ـ ظلع ـ .

(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩ .

(٣) نهج البلاغة : ٤٣٤ ، الكتاب ٥٣ ، وفيه «الردّ» بدل «الرادّ» ، و«الأخذ» بدل «الآخذ» و«المُفرقة» بدل «المُتفرّقة» .

(٤) نهج البلاغة : ١٧٦ ، الخطبة ١٢٠ ، وفيه «قاصدة» بدل «وحيدة» .

(٥) نهج البلاغة : ٤١٠ ، الكتاب ٣٧ .

٧٢

وقد سأله رجل أيضاً بعد دخوله البصرة بأيّام وهو على المنبر يخطب ، فقال : أخبرني يا أمير المؤمنين ، مَن أهل الجماعة ؟ ومَن أهل الفِرقة ؟ (١) ومن أهل السنّة ؟ ومَن أهل البِدعة ؟

فقال له : «ويحك ! إذا سألتني فافهم : أمّا أهل الجماعة ، أنا ومن اتّبعني وإن قلّوا ، وذلك الحقّ عن أمر اللّه‏ تعالى وعن أمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا أهل الفرقة ، فهم المخالفون لي ولمن اتّبعني وإن كثروا .

وأمّا أهل السنّة ، فالمتمسّكون بما سنّه اللّه‏ لهم وإن قلّوا .

وأمّا أهل البِدعة ، فالمخالفون لأمر اللّه‏ تعالى ولكتابه ولرسوله ، العاملون بآرائهم وأهوائهم وإن كثروا» (٢) .

أقول : يظهر من هذا الخبر أشياء ، ولا أقلّ من كون العامل بالآراء مصداق أهل البدعة ، وقد مرّ ما يدلّ عليه أيضاً ، وسيأتي في نقل فِرَق هذه الاُمّة اختصاص الفرقة الإماميّة من بين سائر الفِرَق بعدم تجويز استعمال الرأي مطلقاً ، وأنّه لا يجوز عندهم الاعتماد إلاّ على ما ورد من اللّه‏ ، ومع هذا سمّاهم أعداؤهم : أهل البدعة ، وسمّوا القوم الذين مدار أحكامهم على الرأي : أهل السنّة ، وهل هذا إلاّ غاية التعصّب ومحض العناد ؟!

وما أشبه حالهم هذا بما ورد في خبر رواه صاحب كتاب دولة الأشرار عن أبي موسى المديني (٣) ، ومالك بن أنس ، جميعاً عن عمر بن

__________________

(١) في «ش» ونهج السعادة : الفُرقة .

(٢) الاحتجاج ١ : ٣٩٤ / ٨٣ ، نهج السعادة ١ : ٣٥٨ ، ولم يرد فيه قوله عليه‌السلام : «وأمّا أهل السنّة . . .» ، كنز العمّال ١٦ : ١٨٣ / ٤٤٢١٦ .

(٣) هو محمّد بن عمر بن أحمد الإصبهاني المديني الشافعي ، يكنّى أبا موسى المديني ، روى عن أبي سعد المطرّز ، وابن مندويه ، وابن مندة ، وغيرهم ، وحدّث

٧٣

الخطاب ، مرسلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في حديث له : «يأتي زمان على الناس أكثرهم وجوههم وجوه الآدميّين وقلوبهم قلوب الذئاب» ، ثمّ نقل صلى‌الله‌عليه‌وآله قبائح أفعالهم وعدّ منها أنّه قال : «السنّة عندهم بدعة ، والبدعة فيهم سنّة» (١) ، الخبر ، وسيأتي أيضاً هذا المبحث مفصّلاً في المقالة الموضوعة له من مقالات المقصد الثاني .

ثمّ ممّا يدلّ صريحاً على أصل المقصود ما في صحيح أبي داوُد ، وكتابي ابن أبي شيبة وعبد الرزّاق : عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما ، ولكنّي رأيت رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح ظاهرهما» (٢) .

وقد نقل نحوه الشافعي في مسنده بإسناد معتبر عن عبد خير (٣) ،

__________________

عنه : السمعاني ، وأبو بكر الحازمي ، وأبو محمّد الرهاوي ، وغيرهم ، له كتب منها : الطوالات ، وذيل معرفة الصحابة ، وتتمّة الغريبين ، ولد سنة ٥٠١ هـ ، ومات سنة ٥٨١ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٤ : ٢٨٦ / ٦١٨ ، سير أعلام النبلاء ٢١ : ١٥٢ /٧٨ ، العبر ٣ : ٨٤ ، تذكرة الحفّاظ ٤ : ٨٦ / ١٠٩٥ ، شذرات الذهب ٤ : ٢٧٣ .

(١) حكاه عنه المتّقي الهندي في كنز العمّال ١١ : ٢٨٥ / ٣١٥٣٩ ، بتفاوت يسير .

(٢) سنن أبي داوُد ١ : ٤٢ / ١٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٩ و١٨١ ، المصنّف لعبد الرزّاق ١ : ١٩ / ٥٧ وفيه بتفاوت .

(٣) هو عبد خير بن يزيد الخيراني نسبة إلى خيران بطن من همدان ، وفي بعض المصادر : الخيواني ، يكنّى أبا عمارة ، وهو من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومن خواصّـه ، روى عنه كثيرون ، منهـم : ابن المسيّب ، وأبو إسحاق ، وعطاء بن السائب .

انظر : رجال الطوسي : ٧٨ / ٧٦٠ ، منتهى المقال ٤ : ٩١ / ١٥٧٦ ، تنقيح المقال ٢ : ١٣٧ / ٦٣٢١ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ، تاريخ بغداد ١١ : ١٢٤ / ٥٨٢٠ ، اُسد الغابة ٣ : ٣١٧ / ٣٢٥٧ .

٧٤

عنه عليه‌السلام (١) ، وقد رواه الإماميّة أيضاً عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام (٢) .

وأخبارهم في بطلان الرأي والقياس وأمثالهما ـ ممّا لم يكن في الكتاب والسنّة ـ بحدّ لا يحصى ، ولنذكر هاهنا منها شيئاً ، ذكره عنهم غير الإمامية أيضاً ، كما روى جمع عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إيّاك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم ، ففيهما هلك من هلك» (٣) .

وعنه عليه‌السلام ، أنّه سأله زنديق عن مسائل وفيها أنّه قال له : إنّ قوماً قالوا : إنّ الأشياء أزليّة . قال : «هذه مقالة قوم جحدوا مدبّر الأشياء ، وكذّبوا الرسل ، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم» (٤) .

وروى بشير بن يحيى العامري (٥) عن ابن أبي ليلى (٦) قاضي الكوفة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فرحّب بنا وقال : «يابن أبي ليلى ، من هذا الرجل ؟» قلت : جعلت فداك من أهل الكوفة ، له رأي وبصيرة ونفاذ .

__________________

(١) مسند الشافعي : ٥٩١ / ١٧٤٩ ، وفيه عن ابن عبد خير .

(٢) تفسير الإمام العسكري : ٥٣ ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢ : ٧٣٤ ، الخلاف للشيخ الطوسي ١ : ٢١٧ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٥٦ ، بحار الأنوار ٩٣ : ٩٤ .

(٣) المحاسن ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ / ٦٥٣ ، ٦٥٤ ، الكافي ١ : ٣٣ / ٢ (باب النهي عن القول بغير علم) ، الخصال : ٥٢ / ٦٦ ، وفيهما بتقديم وتأخير ، .

(٤) الاحتجاج ٢ : ٢١٦ / ٢٢٣ .

(٥) لم نعثر على ترجمته .

(٦) هو محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ واسم أبي ليلى بشار أو بسار ـ الكوفي الأنصاري ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، تولّى القضاء لبني أُميّة ثمّ لبني العبّاس ، وهو من أصحاب الرأي ، وأوّل من أفتى به قبل أبي حنيفة ، ولد سنة نيف وسبعين ، ومات سنة ١٤٨ هـ .

انظر : رجال الطوسي : ٢٨٨ / ٤١٨٥ ، الطبقات لابن سعد ٦ : ٣٥٨ ، المعارف : ٤٩٤ ، الفهرست لابن النديم : ٢٥٦ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٧٩ /٥٦٤ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٣١٠ / ١٣٣ .

٧٥

قال : «فلعلّه الذي يقيس الأشياء برأيه» ، ثمّ قال : «يا نعمان ، هل تحسن أن تقيس رأسك ؟ » قال : لا .

قال : «فهل عرفت الملوحة في العينين ، والمرارة في الاُذنين ، والبرودة في المنخرين ، والعذوبة في الفم ؟ » قال : لا .

قال : «فهل عرفت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان ؟ » قال : لا .

قال أبو ليلى : فقلت : جعلت فداك لا تدعنا في عمى ممّا وصفت ؟

قال : «نعم ، حدّثني أبي عن آبائي أنّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال . . .» ووصف أسرار جميع ما ذكر ، ثمّ قال : «فأمّا كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان فقول : لا إله إلاّ اللّه‏ » .

ثمّ قال : «يا نعمان ، إيّاك والقياس ؛ فإنّ أبي حدّثني عن آبائه عليهم‌السلام أنّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قال شيئاً من الدين برأيه قرنه اللّه‏ تعالى مع إبليس ، فإنّه أوّل من قاس ، حيث قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (١) فدعوا الرأي والقياس ؛ فإنّ دين اللّه‏ لم يوضع على ذلك» (٢) .

وفي رواية اُخرى أنّه قال لأبي حنيفة : «أنت مفتي أهل العراق ؟ » .

قال : نعم .

قال : «بمَ تفتيهم ؟ » قال : بكتاب اللّه‏ .

قال : «إنّك عالم بكتاب اللّه‏ ؟ » قال : نعم ، فسأله عن آيات منه لم يقدر أن يفسّرها على وجهها .

فقال أبو حنيفة : إنّما أنا صاحب قياس .

فقال الصادق عليه‌السلام : «أيّما أعظم عند اللّه‏ القتل أو الزنا ؟ » قال : بل القتل .

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٢ .

(٢) علل الشرائع ١ : ٨٨ / ٤ ، و٩١ / ٦ (باب ٨١) ، الاحتجاج ٢ : ٢٦٦ / ٢٣٦ .

٧٦

فقال عليه‌السلام : «فكيف رضي اللّه‏ في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلاّ بأربعة ؟ ».

ثمّ قال له : «الصلاة أفضل أو الصوم ؟ » قال : بل الصلاة أفضل .

قال عليه‌السلام : «فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء الصلاة دون الصوم ، وقد أوجب اللّه‏ عليها قضاء الصوم دون الصلاة ؟ » .

ثمّ قال له : «البول أقذر أم المَنيّ ؟ » قال : البول أقذر .

فقال عليه‌السلام : «فيجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المَنيّ ، وقد أوجب اللّه‏ عكس ذلك » .

فقال أبو حنيفة : إنّما أنا صاحب رأي .

فقال عليه‌السلام : «فما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج وزوّج عبده في ليلة واحدة ، فدخلا في امرأتيهما في ليلة واحدة ، ثمّ سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد ، فولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان ، أيّهما في رأيك المالك ؟ وأيّهما المملوك ؟ وأيّهما الوارث ؟ وأيّهما المورّث ؟ » فقال أبو حنيفة : إنّما أنا صاحب حدود .

قال : «فما ترى في رجل أعمى أفقأ عين صحيح ، ورجل أقطع قطع يد رجل ، كيف يقام عليهما الحدّ ؟ » قال أبو حنيفة : إنّما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء .

قال : «فأخبرني عن قوله تعالى لموسى وهارون عليهما‌السلام حين بعثهما إلى فرعون : ( لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) (١) ، لعلّ منك شكّ ؟ » قال : نعم . قال : «وكذلك من اللّه‏ شكّ إذ قال «لعلّه» ؟ » ، قال أبو حنيفة : لا علم لي .

فقال عليه‌السلام : «تزعم أنّك تفتي بكتاب اللّه‏ ولست ممّن ورثه ، وتزعم

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٤٤ .

٧٧

أنّك صاحب قياس وأوّل من قاس إبليس ، ولم يُبنَ دين الإسلام على القياس ، وتزعم أنّك صاحب رأي وكان الرأي من رسول اللّه‏ عليه‌السلام صواباً ومن دونه خطأ ؛ لأنّ اللّه‏ قال : «فاحكم بينهم بما أَرَكَ اللّه» (١) ، ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنّك صاحب حدود ، ومن اُنزلت عليه أولى بعلمها منك ، وتزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء ، ولَخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم ؟ »

قال له أبو حنيفة : لا تكلّمت بالرأي والقياس في دين [اللّه‏ (٢) ] بعد هذا المجلس .

فقال الإمام عليه‌السلام : «كلاّ ! إنّ حبّ الرئاسة غير تاركك كما لم يترك (من كان قبلك) (٣) » (٤) .

أقول : أخبار أهل البيت عليهم‌السلام في هذا الباب كثيرة ، بحيث صارت المسألة عند الإماميّة من الضروريّات الدينيّة ، كما سيتّضح أيضاً .

ثمّ إنّ قول الإمام عليه‌السلام : «كان الرأي من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صواباً» إنّما المراد به ـ كما ينادي به استشهاده عليه‌السلام بقوله تعالى : «بِمَا أَرَكَ اللّه‏» ـ أنّ كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان من الوحي والإلهام ، وذلك خطور بال ووصول خيال من اللّه‏ بلا تطرّق للخطأ إليه ولا اختلاف ، بخلاف غيره ممّن ليس بنبيّ ولا وصيّ ، وإلاّ فالحقّ أنّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن أيضاً يحكم برأي لم يكن من اللّه‏ تعالى ؛ ضرورة عدم احتياجه إلى ذلك ، كما سيأتي في محلّه ، ومن

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) في سورة النساء ٤ : ١٠٥ .

(٢) أضفناها من المصدر .

(٣) بدل ما بين القوسين في «م» : «غيرك» .

(٤) رواه الصدوق رحمه‏الله في علل الشرائع ص ٨٩ / ٥ الباب ٨١ مع اختلاف ، الاحتجاج ٢ : ٢٦٧ / ٢٣٧ ، وحكاه عن الأخير المجلسي في بحار الأنوار ٢ : ٢٨٧ / ٤ .

٧٨

قال غير ذلك فقد افترى ، حتّى أنّ أبا بكر صرّح بهذا ، كما (١) في كتاب ابن حنبل وغيره على ما سيأتي ، فقال : لأن أخذتموني بسنّة نبيّكم ما اُطيقها ، إنّه كان لمعصوماً من الشيطان ، وكان ينزل عليه الوحي ويعصم به ، وكان له مَلَك وإنّ لي شيطاناً يعتريني (٢) .

وفي مسند الشافعي : عن ابن عيينة أنّه روى بإسناد له أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يمسكنّ الناس عليّ شيئاً ، فإنّي لا اُحلّ لهم إلاّ ما أحلّ اللّه‏ لهم ، ولا اُحرّم عليهم إلاّ ما حرّم اللّه‏ عليهم» (٣) .

وقد قال البخاري ـ الذي هو حجّة عندهم ـ في صحيحه : باب ما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يُسأل عمّا لم ينزل عليه من الوحي ، فيقول : لا أدري ، أو لم يجب حتّى ينزل اللّه‏ عليه الوحي ، ولم يقل برأي ولا بقياس ؛ لقوله تعالى : ( بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ) (٤) (٥) ، ثمّ روى في هذا الباب حديثاً في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل عن الروح ، فسكت حتّى نزلت الآية (٦) (٧) .

وكذا روى حديثاً آخَر في أنّ جابراً مرض ، فقال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أقضي في مالي ؟ فما أجابه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء حتّى نزلت آية الميراث (٨) (٩) .

__________________

(١) في «م» زيادة : «قال» .

(٢) المصنّف لعبد الرزّاق ١١ : ٣٣٦ / ٢٠٧٠١ ، مسند أحمد ١ : ٢٤ / ٨١ ، ولم يرد فيه ذيل الحديث .

(٣) مسند الشافعي : ٨٧ / ١١٧ بتفاوت يسير .

(٤) سورة النساء ٤ : ١٠٥ .

(٥) صحيح البخاري ٩ : ١٢٤ .

(٦) وهي الآية ٨٥ من سورة الإسراء ١٧ : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) .

(٧) صحيح البخاري ٩ : ١٢٤ .

(٨) وهي الآية ١٧٦ من سورة النساء ٤ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ . . . ) .

(٩) صحيح البخاري ٩ : ١٢٤ .

٧٩

ثمّ قال في موضع آخَر من صحيحه أيضاً : باب تعليم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اُمّته من الرجال والنساء ممّا علّمه اللّه‏ ليس برأي ولا تمثيل ولا قياس ، ثمّ روى أيضاً ما يدلّ عليه من الأخبار (١) .

وقال القاضي عياض في كتاب الشفا ما خلاصته ـ كما سيأتي مفصّلاً في محلّه ـ : إنّ علوم الأنبياء كلّها كانت جبلّيّةً بغير اكتساب لا كسائر الناس ، كما ينادي به ظهور وجود العلم في بعض منهم من زمن الصبا ، كيحيى بن زكريا وعيسى عليهما‌السلام ، وغيرهما ، وإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كذلك وكان عنده علم ما كان وما يكون ، كما أخبر عن أكثر الأشياء الآتية والماضية ، وكما قال سبحانه : ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) (٢) (٣) ، وإنّه من هذه الجهة لم يُتصوّر في حكمهم اجتهاد ، ولم يكن في أحكامهم خطأ ولا اختلاف ، وذكر مثل هذا الكلام كثيراً ، كما سيأتي .

وهذا كلّه صريح في عدم احتياج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى التعبّد بالرأي ونحوه ، وأنّه كان منزّهاً عن ذلك .

وهذا بعينه مذهب الإماميّة فيه وفي أوصيائه الأئمّة عليهم‌السلام بنصّ أئمّتهم على ذلك ، ويشهد لهم ما هو معلوم ثابت من انتقال الإمامة إلى بعض الأئمّة في صغر سنّه ، كأبي جعفر الجواد عليه‌السلام وغيره ، وهو يومئذٍ في أكمل مراتب العلم ، وسيأتي في محلّه توضيح سبب اختلاف بعض أجوبتهم لبعض الناس، وقد مرّت سابقاً أيضاً الإشارة إلى أنّ ذلك لم يكن لأجل العمل بالرأي، فافهم.

ولنذكر أيضاً نبذاً من نصوص بعض علماء القوم في ذمّ الرأي والقياس ، وبطلان التعبّد بذلك مع ابتلائهم به :

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ : ١٢٤ .

(٢) سورة النساء ٤ : ١١٣ .

(٣) انظر : الشفا للقاضي عياض ١ : ٢٠٧ .

٨٠