ضياء العالمين - ج ٢

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-332-4
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

ومنهم : الحازميّة أصحاب حازم بن عليّ (١) ، وهم أيضاً من العجاردة ، لكنهم تفرّدوا عنهم بأشياء :

منها : أنّهم يتوقّفون في أمر عليّ عليه‌السلام ، ولا يصرّحون بالبراءة عنه ، ولا يصرّحون بالبراءة في حقّ غيره (٢) .

ومنهم : الأخنسيّة أصحاب أخنس بن قيس (٣) ، وهم من جملة الثعالبة (٤) أيضاً إلاّ أنّهم تفرّدوا عنهم في أشياء :

منها : التوقّف عن جميع من كان في دار التقيّة إلاّ من عرف أنّه على طريقتهم أو على خلاف طريقتهم .

ومنها : تزويج المسلمات من مشركي قومهم أصحاب الكبائر (٥) .

ومنهم : السنانيّة أصحاب سنان الخارجي (٦) ، وهم خالفوا قومهم في مسائل ، منها : أنّهم قالوا بالجبر ونفي قدرة العبد صريحاً على وفق ما مرّ من مذهب الجهميّة .

وقال بعضهم : إنّ اللّه‏ تعالى لم يعلم حتّى خلق لنفسه علماً ، وإنّ الأشياء إنّما تصير معلومة عند حدوثها ووجودها (٧) .

__________________

(١) لم نعثر على ترجمته ، سوى الاختلاف في اسمه ، فقيل : خازم (بالخاء المعجمة) ، وقيل : حازم (بالحاء المهملة) .

انظر : الفرق بين الفِرَق : ٩٤ / ٧٢ .

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣١ .

(٣) لم نعثر على أكثر ممّا أورده المؤلّف عنه .

(٤) في النسخ : «العجاردة» ، وما أثبتناه من المصدر .

(٥) انظر : الفرق بين الفِرَق : ١٠١ / ٨١ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣٢ .

(٦) لم نعثر على ترجمته .

(٧) لم نعثر على فرقة مستقلّة بهذا الاسم ، نعم وردت هذه الضلالات عن فرقة

٣٠١

ثمّ إنّ منهم : الأباضيّة أصحاب عبد اللّه‏ بن إباض (١) ، وهم اليوم في عُمان .

قالوا : إنّ مخالفيهم من أهل القبلة كفّار غير مشركين ، ومناكحتهم جائزة ، ومواريثهم حلال ، وغنائم أموالهم عند الحرب من الخيل والكراع والسلاح حلال ، وما سواه حرام ، وإنّ قتلهم وسبيهم سرّاً وغيلةً حرام إلاّ بعد نصب القتال وإقامة الحجّة .

وقالوا : إنّ دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلاّ معسكر السلطان فإنّه دار بغي ، وأجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم .

وقالوا في أصحاب الكبائر : إنّهم موحّدون لا مؤمنون ، وإنّ من ارتكب كبيرة كَفَرَ كُفرَ النعمة لا كُفرَ الملّة ، وإنّ أفعال العباد مخلوقة للّه‏ تعالى إحداثاً وإبداعاً ومكتسبة للعبد حقيقةً لا مجازاً ، ولا يسمّون إمامهم أمير المؤمنين ولا أنفسهم مهاجرين (٢) ، ولهم أقوال غير ما ذُكر أيضاً ، وفي أكثر سائر العقائد كالعجاردة .

ومنهم : الحارثيّة أصحاب الحارث الأباضي (٣) ، إلاّ أنّهم خالفوهم في

__________________

الشيبانية .

انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣٢ ـ ١٣٣ .

(١) هو عبداللّه‏ بن إباض التميمي ، ظهر أواخر سلطنة بني اُميّة ، ونُسبت له فرقة الإباضيّة بعد ما كانوا يقدّمون جابر بن زيد الأزدي ، وذكروا أنّ عبداللّه‏ بن إباض شخص مجهول ولا تعرفه الإباضيّة .

انظر : الفرق بين الفِرَق : ١٠٣ / ٨٥ ، الملل والنحل للبغدادي : ٧٧ ، الحور العين : ١٧٣ ، تاريخ المذاهب الإسلامية : ٧٨ / ١٠٥ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ١٣ .

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣٤ .

(٣) هو الحارث أو الحرث بن يزيد الإباضي ، وتنسب إليه فرقة الحارثية .

٣٠٢

مسائل ، منها : أنّهم اختاروا مذهب المعتزلة في القدر (١) .

ومنهم : اليزيديّة أصحاب يزيد بن أنيسة (٢) ، وهم الذين يتولّون بعض الخوارج ويتبرّأون عن بعضهم ، ومن مذهبهم أنّهم زعموا أنّ اللّه‏ سيبعث رسولاً من العجم ويترك شريعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكون على ملّة الصابئة المذكورة في القرآن ، وقالوا : إنّ كلّ ذنب من صغيرة أو كبيرة فهو شرك (٣) .

ومنهم : الأصفريّة أصحاب زياد بن الأصفر (٤) ، وهم خالفوا الأزارقة والنجدات والأباضيّة في كثير من عقائدهم لا حاجة إلى ذكرها .

وقد نُقل عنهم أنّهم قالوا : نحن مؤمنون عند أنفسنا ولا ندري لعلّنا خرجنا عن الإيمان عند اللّه‏ عزوجل (٥) .

ولعمري لقد صدقوا في هذا فقط .

ثمّ إنّ هؤلاء كلّهم من الخوارج ، وقد ظهر أنّ عامّتهم وعيديّة ، فلنذكر

__________________

انظر : مقالات الإسلاميّين : ١٠٤ ، الفرق بين الفِرَق : ١٠٥ / ٨٧ .

(١) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣٦ .

(٢) هو يزيد بن أنيسة ، من البصرة ، ثمّ انتقل إلى أرض فارس ، وكان من المحكّمة الاُولى ، ثمّ انتقل إلى الإباضيّة.

انظر : مقالات الإسلاميّين : ١٠٣ ، الحور العين : ١٧٥ ، الملل والنحل للبغدادي : ٧٨ .

(٣) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣٦ .

(٤) زياد بن الأصفر : رئيس فرقة الأصفريّة أو الصفريّة أو الزياديّة . . . ويُنسب عكرمة مولى ابن عبّاس إلى هذه الفرقة ، ويُنسب إليها أيضاً الشاعر الناصبي عمران بن حطّان الذي يمدح أشقى الأشقياء اللعين ابن ملجم في أبيات يأنف القلم عن ذكرها .

انظر : الفرق بين الفِرَق : ٩٠ / ٧١ ، الملل والنحل للبغدادي : ٦٧ ، الحور العين : ١٧٧ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ١٥٩ .

(٥) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٣٧ .

٣٠٣

الآن بقيّة الفِرَق التي أكثرها من المرجئة ، وقد مرّ معناها فتذكّر .

فمن هؤلاء : اليونسيّة أصحاب يونس النميري (١) ، وخلاصة مذهبهم : أنّ الإيمان هو معرفة اللّه‏ والخضوع له ، وترك الاستكبار عليه دون غير ذلك ، وأنّه إذا كان الإيمان خالصاً واليقين صادقاً لا يضرّ ترك العبادات ولا يعذّب عليها ، وزعموا أنّ إبليس كان عارفاً لكنّه كفر باستكباره على اللّه‏ (٢) .

ومنهم : العبيديّة أصحاب عبيد المُكْتِب (٣) ، ومن مذهبهم : أنّ ما دون الشرك مغفور لا محالة ، وأن العبد إذا مات على توحيده لا يضرّه ما اقترف من الآثام ، ومن مذهبهم أيضاً أنّ علم اللّه‏ تعالى لم يزل وهو شيء غيره ، وكذا كلامه ودينه وهكذا ، وقالوا : إنّ ربّهم على صورة إنسان (٤) .

ومنهم : الغسّانيّة أصحاب غسّان الكوفي (٥) ، ومن مذهبهم : أنّ

__________________

(١) هو يونس بن عون أو عمرو النميري ، تُنسب إليه الفرقة اليونسية .

(٢) انظر : الملل والنحل للبغدادي : ١٣٩ ، الفرق بين الفِرَق : ٢٠٢ / ١٠٨ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٠ ، اعتقادات فِرَق المسلمين والمشركين للرازي : ١٠٧ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ٢٧٥ .

(٣) هو عبيد المُكْتِب أو المكتئب ، كما جاء في بعض كتب التراجم ، وهو كبير فرقة العبيديّة من المرجئة الخالصة ، ذكر البخاري والذهبي أنّه ابن مهران المُكْتِب الكوفي ، سمع سعيد بن جبير ومجاهداً وإبراهيم النخعي وأبا رزين ، وروى عن الثوري ، وشريك ، وجرير بن عبد الحميد ، وأشار المؤلّف إلى أغلب أفكاره وأقواله .

انظر : التاريخ الكبير ٦ : ٤ / ١٤٩٣ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٢٣ / ٥٤٤٣ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ١٦٩ .

(٤) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٠ ـ ١٤١ .

(٥) وهو غسّان بن أبان الكوفيّ ، وقيل : غيره ، فإنّ ابن أبان لم يكن كوفيّاً ، بل يماميّ ،

٣٠٤

الإيمان هو المعرفة باللّه‏ وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مجملاً بلا تفسير ولا تفصيل ، وأنّ من كان كذلك لا يبالي ممّا سوى ذلك ؛ إذ لا مدخل للغير في الإيمان فلا ضرر ، حتّى أنّ عنده إن قال رجل : أعلم أنّ اللّه‏ فرض الحجّ إلى الكعبة ولكن لا أدري أين الكعبة ولعلّها كانت في الهند ؟ لكان مؤمناً (١) .

ومنهم : الثوبانيّة أصحاب أبي ثوبان المرجئ (٢) ، وهم الذين زعموا أنّ الإيمان هو المعرفة والإقرار باللّه‏ وبرسله (٣) [ عليهم‌السلام ] وبكلّ ما لا يجوز في العقل أن يفعله ، وأنّ ما جاز في العقل تركه فليس من الإيمان ، وأخّروا العمل كلّه عن الإيمان .

ومن هؤلاء : الغيلانيّة أصحاب أبي مروان بن غيلان الدمشقي (٤) ،

__________________

وإنّ غسّاناً هذا هو المرجئ الذي تسمّت باسمه الفرقة الغسّانيّة ، وله أقوال أشار إلى بعضها المؤلّف .

(١) انظر : الملل والنحل للبغدادي : ١٤٠ ، الفِرَق بين الفِرَق : ٢٠٣ / ١٠٩ ، اعتقادات فِرَق المسلمين والمشركين للرازي : ١٠٧ ، معجم الفَرِق الإسلاميّة : ١٧٩ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤١ .

(٢) هم من المرجئة الخالصة ، وفارقوا اليونسيّة والغسانيّة . . . وكان يقال لأبي ثوبان : جامع النقائض هاجر الخصائص .

انظر : مقالات الإسلاميّين : ١٣٥ ، الملل والنحل للبغدادي : ١٤٠ ، الفرق بين الفِرَق : ٢٠٤ / ١١١ ، اعتقادات فِرَق المسلمين والمشركين للرازي : ١٠٨ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ٧٥ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٢ .

(٣) في «م» : «ورسوله» .

(٤) وهو أبو مروان غيلان بن مروان ، أو ابن مسلم الدمشقي ، وليس ابن غيلان كما في نسخنا ، وغيلان مولى عثمان ، وأوّل من أحدث القول بالقدر والإرجاء ، ويقال : إنّه أخذ القول بالقدر عن معبد الجهني ، مات سنة ١٠٥ هـ بدمشق .

٣٠٥

وهم كانوا يقولون بالقدر خيره وشرّه من العبد ، وأنّ الإمامة تصلح في غير قريش ممّن كان قائماً بالكتاب والسنّة ، وأنّها لا تثبت إلاّ بالإجماع .

وقد اعتُرض عليهم بأنّ الاُمّة أجمعت على أنّ الإمامة لا تصلح لغير قريش ، وهؤلاء كلّهم زعموا أنّ اللّه‏ تعالى إن عفا عن عاصٍ في القيامة عفا عن كلّ مؤمنٍ عاصٍ هو في مثل حاله ، وكذا إن أخرج من النار أحداً (١) .

ومنهم : التومنيّة أصحاب أبي معاذ التومني (٢) ، وهم الذين زعموا أنّ الإيمان هو ما عصم من الكفر ، وهو اسم الخصال التي إذا تركها التارك كفر ولو خصلة واحدة منها ، ثمّ قالوا : وتلك الخصال هي المعرفة ، والتصديق ، والمحبّة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى مذهبهم إن أتى رجل بالمعاصي التي لا تنافي الإخلاص لا تضرّه (٣) .

ومنهم : الصالحيّة أصحاب صالح بن عمرو (٤) ، وهم الذين جمعوا

__________________

انظر : الجرح والتعديل ٧ : ٥٤ / ٣١٠ ، لسان الميزان ٥ : ٤٢٥ / ٦٥٦٣ ، والأعلام ٥ : ١٢٤ .

(١) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ١٨٣ .

(٢) وهي فرقة من المرجئة الخالصة في الإرجاء من غير قدر ، والتومني نسبة إلى قرية بمصر ، وله مقالات كثيرة ، منها : أنّ من قتل نبيّاً أو لطمه كفر ، لا من أجل القتل أو اللطم ، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له .

انظر : مقالات الإسلاميّين : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، الملل والنحل للبغدادي : ١٤١ ، الفرق بين الفِرَق : ٢٠٣ / ١١٠ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ٧١ ، وانظر الأنساب للسمعاني ١ : ٤٩٣ .

(٣) انظر : مصادر هامش ٢ ، والملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٤ .

(٤) هو رأس فرقة الصالحيّة من المرجئة ، ويكنّى أبا الحسين الصالحي ، وله أقوال أشار إلى أغلبها المؤلّف .

انظر : الوافي بالوفيات ١٦ : ٢٦٧ / ٢٩٨ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ١٥٦ .

٣٠٦

بين القدر والإرجاء ، ومن مذهبهم أنّ الإيمان هو المعرفة باللّه‏ على الإطلاق ، وهو أنّ للعالم صانعاً فقط ، والكفر هو الجهل به على الإطلاق ، قالوا : وقول القائل : ثالث ثلاثة ، ليس بكفر ، لكنّه لا يظهر إلاّ من كافر ، وزعموا أنّ معرفة اللّه‏ هو المحبّة والخضوع ، ويصحّ ذلك مع جحد الرسول .

وقالوا : يصحّ في العقل أن يؤمن باللّه‏ ولا يؤمن برسوله ، غير أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من لا يؤمن بي فليس بمؤمن باللّه‏ تعالى» (١) .

وزعموا أنّ الصلاة ليست بعبادة اللّه‏ ، وأنّه لا عبادة إلاّ الإيمان به ، وهو معرفته ، وهو خصلة واحدة لا يزيد ولا ينقص ، وكذلك الكفر (٢) .

وممّا ينادي بأنّ الفرقة الناجية ليست منهم ـ سوى ما ذكرناه في إخوتهم ـ ما ورد من روايات ذمّ المرجئة وبطلان طريقتهم ؛ إذ لا شكّ أنّ هؤلاء مصداقها بأيّ معنى كانت مع اشتهارهم حتّى فيما بينهم بهذا الاسم .

وإذ تبيّن هذا ، فلنذكر سائر الفِرَق الذين هم أيضاً من القسم الأوّل ، وإن عدّهم جمع من فِرَق الشيعة .

المبحث الرابع : في بيان بقيّة الفِرَق الذين [هم] من القسم الأوّل .

اعلم أنّه قد نقل جمع أنّ جماعة قالوا بخلافة العبّاس عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعده بلا واسطة ، وانقرضوا (٣) ، فإن ثبت ذلك فهم أيضاً فرقة ، وإلاّ فالظاهر

__________________

(١) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٥ ، ولم نعثر عليه في كتب الحديث .

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٤٥ / ٦ .

(٣) انظر : مقالات الإسلامييّن : ٢١ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥١ ، اعتقادات فِرَق المسلمين والمشركين للرازي : ٩٥ .

٣٠٧

أنّه لا أصل له .

واتّفق أهل السير وغيرهم أنّ من المذاهب أيضاً : الكيسانيّة ، وهم أصحاب المختار بن أبي عبيدة الثقفي (١) ، سمّوا بذلك لأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مسح يده على رأس المختار في صغره وقال : «يا كيّس يا كيّس» (٢) ، وقيل : كان كيسان من موالي عليّ عليه‌السلام (٣) .

وهم أيضاً كانوا فِرَقاً عديدة كما سنذكرهم ، ولكن صرّح جمع : بأنّهم انقطعوا وانقرضوا ولم يبق اليوم أحد على مذهبهم ، وهو كافٍ في بطلانهم .

ثمّ إنّ جمعاً عدّوهم من القسم الثاني دون الأوّل .

والظاهر أنّ هذه النسبة إلى جميعهم توهّم ، ضرورة كون عامّة الناس في زمانهم من القائلين بخلافة الشيخين ، بل يظهر من بعض أخبار أهل البيت عليهم‌السلام أنّ المختار كان في قلبه حبّ الشيخين (٤) ، حتّى نقل بعض

__________________

(١) هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عَمرو الثقفي ، أبو إسحاق ، كان من أهل الطائف ومن الزعماء الثائرين على بني اُميّة وأحد الشجعان الأفذاذ ، وكان قد تتبّع قتلة أبي عبداللّه‏ الحسين عليه‌السلام ، فقتلهم واحداً بعد واحد ، فشفي النفوس وأدرك الثأر وانتقم اللّه‏ به من الطغاة الفجرة .

وقد نُقل عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «لا تسبّوا المختار ؛ فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة» .

ولد عام الهجرة ، وتوفّي سنة ٦٨ هـ .

انظر : رجال الكشي : ٢٠٨ / ١٩٧ ، منتهى المقال ٦ : ٢٤٠ / ٢٩٥٢ ، مستدركات أعيان الشيعة ٤ : ١٧٥ ، المعارف : ٤٠٠ ، الاستيعاب ٤ : ١٤٦٥ / ٢٥٢٨ ، الملل والنحل للبغدادي : ٤٧ ، الحور العين : ١٨٢ ، اُسد الغابة ٤ : ٣٤٦ / ٤٧٨٤ ، الأعلام للزركلي ٧ : ١٩٢ ، معجم الفِرَق الإسلامية : ٢١٧ .

(٢) رجال الكشي : ٢٠٩ / ٢٠١ ، ذوب النضار : ٦١ ، بحار الأنوار ٤٥ : ٣٤٤ / ١١ .

(٣) رجال الكشي : ١٢٨ في ذيل حديث ٢٠٤ ، الفرق بين الفِرَق : ٣٨ / ٥٢ .

(٤) انظر : تهذيب الأحكام ١ : ٤٦٦ / ١٥٢٨ ، وبحار الأنوار ٤٥ : ٣٤٥ / ١٥ .

٣٠٨

العامّة هذا المعنى بدون إدراك المراد به ، حيث روى عن بعض أهل البيت عليهم‌السلام أنّه قال : كان في قلب المختار حبّ الجبت والطاغوت (١) .

نعم يظهر من بعض الأخبار أيضاً : أنّه كان عارفاً بالحقّ ، لكن أظهر ما أظهر من إمامة ابن الحنفيّة مصلحةً .

وأيضاً يحتمل (أنّ المختار كان هو وخواصّ أصحابه) (٢) ، بل سائر الكيسانية أيضاً من القسم الثاني القائلين بإمامة عليّ عليه‌السلام بعد النبيّّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، وبإمامة محمّد بن الحنفية بعده أو بعد الحسنين عليهما‌السلام ، وأنّ سائر أصحابه وأتباعه وجنوده الكوفيّين وغيرهم كانوا من القسم الأوّل ، ويؤيّده ما نُقل أنّ مذهب الكيسانية : أنّ الإمامة بالوصاية والتعيين ولو كنايةً .

وبالجملة : لا يبعد كون بعضهم من فِرَق الشيعة إلاّ أنّ الأصل فيهم عدّهم من القسم الأوّل ، وإنّما كان اشتهارهم بالشيعة من حيث تبرُّئهم من بني اُميّة لا لغير ذلك ، ولهذا لم نذكرهم في المطلب الآتي ، ويجمعهم القول بإمامة محمّد بن الحنفيّة بعد عليّ عليه‌السلام قبل الحسنين ، أو بعدهما عليهما‌السلام ، فمن فِرَقهم :

المختاريّة : أصحاب المختار المذكور ، وهو الذي طلب بثأر الحسين عليه‌السلام ، وقتل قَتلته من أهل الكوفة ، ورأس عسكره إبراهيم بن مالك الأشتر (٣) ، وهو قاتل ابن زياد لعنه اللّه‏ .

__________________

(١) لم نعثر عليه ، وانظر : تهذيب الأحكام ١ : ٤٦٦ / ١٥٢٨ ، بحار الأنوار ٤٥ : ٣٤٥ / ١٥ .

(٢) بدل ما بين القوسين في «م» هكذا : «أنّ المختار أنّه كان هو وأصحابه وخواصّه» .

(٣) هو إبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر النخعي ، فارس شجاع ، شهم مقدام ، ورئيس عالي النفس ، وكان شاعراً فصيحاً موالياً لأهل البيت عليهم‌السلام ، واستعان به المختار حين ظهر بالكوفة طالباً بثأر الحسين عليه‌السلام ، توفّي سنة ٧١ هـ .

٣٠٩

والحقّ أنّه كان يقول واقعاً أو ظاهراً بإمامة محمّد بن الحنفيّة بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام (١) ، ومن ادّعى أنّه كان قائلاً بإمامة محمّد بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام مقدّماً على الحسنين عليهما‌السلام فقد توهّم .

نعم ، من الكيسانيّة فرقة يقال لهم : الحنّانيّة أصحاب حنّان بن زيد السراج (٢) ، وهم الذين قدّموا محمّداً في الإمامة على الحسنين عليهما‌السلام ، وقالوا : إنّهما كانا داعيين إليه وأميرين من قِبَله ، وإنّ الحسن إنّما دعا إليه في باطن الدعوة بأمره ، وإنّ الحسين عليه‌السلام ظهر بالسيف بإذنه .

وعمدة استنادهم في إمامة محمّد مطلقاً ما نقلوه من أنّ عليّاً عليه‌السلام قال له يوم الجمل : «أنت ابني حقّاً» (٣) ، وكذا أعطاه الراية ذلك اليوم .

قالوا : وكلاهما آية الإمامة ؛ لكون أمير المؤمنين عليه‌السلام صاحب راية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأنّ قوله له : «أنت ابني حقّاً» بمعنى : أنت الإمام بعدي ، أي أنت شبيه لي في هذا (٤) .

ولا يخفى سخافة الوجهين جميعاً ؛ لوجوه كثيرة :

منها : إنّ عليّاً عليه‌السلام إنّما قال ذلك له مدحاً لما تبيّن منه (٥) من الشجاعة ، تداركاً لتوبيخه إيّاه أوّلاً حين قصّر في الجهد ، ويدلّ على هذا

__________________

انظر : أعيان الشيعة ٢ : ٢٠٠ ، الحور العين : ١٨٢ ، الكامل لابن الأثير ٤ : ٢٥٧ ، الوافي بالوفيات ٦ : ٩٩ / ٢٥٢٨ ، الأعلام ١ : ٥٨ .

(١) انظر : الفِرَق بين الفرق : ٣٨ ـ ٣٩ / ٥٢ ، الملل والنحل للشرستاني ١ : ١٤٨ .

(٢) لم نعثر على ترجمته .

(٣) الفصول المختارة : ٣٠١ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج٢) ، الغيبة للطوسي : ١٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٦٧ .

(٤) انظر : الفصول المختارة : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج٢) .

(٥) في «ش» : «له» بدل «منه» .

٣١٠

أنّه عليه‌السلام لمّا قال له ذلك رأى في الحسنين عليهما‌السلام نوع انكسار بذلك الكلام ، قال : «وأنتما ابنا رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١) ، فلو كان ما قال لمحمّد نصّاً في الإمامة لزم أن يكون ما قال فيهما نصّاً في النبوّة (٢) .

وأمّا إعطاء الراية وقياسهم إيّاه بإعطاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الراية عليّاً عليه‌السلام فمن البيّن أنّ حمل راية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن نصّ الإمامة ؛ ضرورة أنّه قد حمل رايته أيضاً جماعة لم يقل أحد بإمامتهم .

وبالجملة : وجوه بطلان شُبههم واضحة ، فتأمّل .

ثمّ إنّ الكيسانيّة صاروا بعد انتقال محمّد إلى دار البقاء فرقتين :

إحداهما : الكربيّة ، أصحاب أبي كرب الضرير (٣) ، فإنّهم زعموا أنّ ابن الحنفيّة حيّ لم يمت ولا يموت ، وأنّه هو المهديّ المنتظر ، وأنّه في جبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه ، وعنده عينان نضّاختان تجريان بماء وعسل ، وأنّه يعود بالغيبة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً (٤) .

وثانيتهما : الهاشميّة ، أصحاب أبي هاشم بن محمّد بن الحنفيّة (٥) ، قالوا بموت ابن الحنفيّة ، وانتقال الإمامة بعده إلى ابنه أبي هاشم بدعوى

__________________

(١) الفصول المختارة : ٣٠٢ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج٢) .

(٢) انظر : الفصول المختارة : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ج٢) .

(٣) لم نعثر على ترجمته .

(٤) انظر : مقالات الإسلاميّين : ١٩ ، الفرق بين الفِرَق : ٣٩ ، التبصير في الدين : ٣١ .

(٥) هو عبداللّه‏ بن محمّد بن الحنفيّة ، يكنّى أبا هاشم ، كان صاحب علم ورواية ، أحد زعماء العلويّين في العصر المرواني ، كان يبثّ الدعاة سرّاً في الناس ، ينفرهم من بني اُميّة ويستميلهم إلى بني هاشم ، مات سنة ٩٩ هـ .

انظر : قاموس الرجال ٦ : ٥٨١ / ٤٤٩٨ ، الطبقات لابن سعد ٥ : ٣٢٧ ، طبقات خليفة : ٤١٧ / ٢٠٤٦ ، المعارف : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، الأعلام ٤ : ١١٦ .

٣١١

وصيّة أبيه إليه وتعليمه العلوم والأسرار (١) .

ثمّ اختلفوا بعد موت أبي هاشم إلى فِرَق :

فمنهم من قال بإمامة محمّد بن عليّ بن عبد اللّه‏ بن العبّاس (٢) ، وإنّها جرت في أولاد محمّد إلى أبي العبّاس السفّاح (٣) أوّل خلفاء بني العباس (٤) .

ومنهم من قال إنّ الإمامة انتقلت بعد أبي هاشم إلى عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام (٥) .

ومنهم من قال بانتقال الإمامة إلى زين العابدين من ابن الحنفيّة (٦) .

ومنهم من قال بانتقالها من أبي هاشم إلى ابن أخيه الحسن بن عليّ

__________________

(١) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٠ .

(٢) هو والد السفّاح والمنصور ، أوصى أبو هاشم إليه ، وقال له : أنت صاحب هذا الأمر وهو في ولدك ، ودفع إليه كتبه ، ولي إمامة الهاشميّين سرّاً في أواخر أيّام الدولة الاُموية ، وكان مقامه بأرض الشراة ، بين الشام والمدينة ، وبدأ دعوته سنة ١٠٠ هـ ، وعمله نشر الدعوة وتسيير الرجال إلى الجهات للتنفير من بني اُميّة والدعوة إلى بني العبّاس ، مات سنة ١٢٥ هـ .

انظر : المعارف : ١٢٤ و٢١٧ ، الحور العين : ١٦٠ ، تقريب التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٥٥٠ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٣١٦ / ٥٨٩ ، الأعلام ٦ : ٢٧١ .

(٣) هو عبداللّه‏ بن محمّد بن عليّ بن عبداللّه‏ بن العبّاس السفّاح ، يكنّى أبا العبّاس ، أوّل حُكّام الدولة العبّاسية ، وأحد جبابرة من ملوك العرب ، ولد سنة ١٠٤ هـ ، ومات سنة ١٣٦ هـ .

انظر : قاموس الرجال ٦ : ٥٨٥ / ٤٥٠٥ ، المعارف : ٣٧٢ ، تاريخ بغداد ١٠ : ٤٦ / ٥١٧٨ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٧٧ / ١٨ ، الأعلام ٤ : ١١٦ .

(٤) انظر : مقالات الإسلاميّين : ٢١ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥١ .

(٥) انظر : مقالات الإسلاميّين : ٢٣ .

(٦) المقالات والفِرَق : ٣٥ / ٧٥ ، مقالات الإسلاميّين : ٢٣ .

٣١٢

ابن محمّد بن الحنفيّة (١) (٢) .

ومنهم من قال بانتقالها من أبي هاشم إلى أخيه عليّ (٣) ، ومن عليّ إلى ابنه الحسن (٤).

ومنهم من قال بانتقالها من أبي هاشم إلى عليّ بن عبداللّه‏ بن العبّاس (٥) ، ثمّ إلى ابنه محمّد ، وهؤلاء يقال لهم : الرزّاميّة ؛ إذ كان اسم كبيرهم رزّاماً (٦) .

ومنهم من قال بانتقالها من أبي هاشم إلى عبد اللّه‏ بن عمرو بن الحرب الكندي (٧) بوصيّة أبي هاشم ، ومن هؤلاء من رجع عن هذا القول ،

__________________

(١) هو الحسن بن عليّ بن محمّد بن الحنفيّة الهاشمي ، سمع منه عبد الرحمن بن أبي الموال حديثه في أهل المدينة ، وله رسالة يذكر فيها الإرجاء .

انظر : قاموس الرجال ٣ : ٣٢٩ / ١٩٨٣ ، التاريخ الكبير ٢ : ٢٩٧ / ٢٥٣٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٨ : ١٢٠ .

(٢) مقالات الإسلاميّين : ٢٠ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥١ .

(٣) هو عليّ بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي ، يحدّث عن أبيه محمّد بن الحنفيّة ، وروى عنه ابنه حسن بن علي بن محمّد ، وكثير بن سام .

انظر : التاريخ الكبير ٦ : ٢٩٥ / ٢٤٤٩ ، الثقات ٧ : ٢٠٥ .

(٤) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥١ .

(٥) هو عليّ بن عبداللّه‏ بن العبّاس ، يكنّى أبا الحسن ، جدّ السفّاح والمنصور ، وقد أبدل كنيته معاوية أوّلاً ومن بعده عبد الملك بن مروان بأبي محمّد ، وهو جدّ السفّاح والمنصور العبّاسيّين بأرض البلقاء ، ولد ليلة قتل الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ومات سنة ١١٨ هـ .

انظر : المعارف : ١٢٣ ، وفيات الأعيان ٣ : ٢٧٤ / ٤٢٥ ، العبر ١ : ١١٣ / ١١٨ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٥٢ / ١١٦ ، تقريب التهذيب ٢ : ٤٠ / ٣٦٩ .

(٦) مقالات الإسلاميّين : ٢١ ، الفرق بين الفِرَق : ٢٥٦ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٣ ، ولم نعثر على ترجمة لرزّام .

(٧) عبداللّه‏ بن عمرو بن حرب الكندي ، رئيس الفرقة الحربيّة ، أصحابه يزعمون أنّ

٣١٣

وقال بإمامة عبد اللّه‏ بن معاوية بن عبد اللّه‏ بن جعفر بن أبي طالب (١) (٢) .

ومنهم من قال : بانتقال الإمامة من أبي هاشم إلى بيان بن سمعان (٣) الذي كان يقول باُلوهيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) .

وبالجملة : أعاظمهم يرتقي إلى خمس فِرَق ، لكن لم يبق من أهل هذه المذاهب كلّها أحد ، مع أنّ عامّتهم كانوا يقولون بما سيأتي في الفرقة الباطنيّة ، من أنّ الدين طاعة رجل وهو الإمام ، وأنّ المراد بالصلاة والصيام وسائر الأركان الشرعيّة معرفة الرجل ، فإذا عرفه إنسان سقطت عنه تلك الأحكام ، وأكثرهم كانوا تناسخيّة وحلوليّة ، وأمثال ذلك ممّا هو صريح الكفر والطغيان ، ولا حاجة إلى تفصيلها لوضوح بطلانها .

__________________

أبا هاشم عبداللّه‏ بن محمّد بن الحنفيّة نصبه إماماً ، وتحوّلت روح أبي هاشم فيه ، ثمّ وقفوا على كذبه فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماماً آخَر ، وكان يدّعي عبداللّه‏ بن عمرو بن حرب لنفسه الالهيّة على معنى الحلول .

انظر : مقالات الإسلاميّين : ٢٢ ، الفرق بين الفِرَق : ٢٤٣ ، التبصير في الدين : ١٢٥ ، الحور العين : ١٦٠ .

(١) عبداللّه‏ بن معاوية بن عبداللّه‏ بن جعفر بن أبي طالب ، من شجعان الطالبيّين ، شاعر ، متّهم بالإلحاد والزندقة ، كان رئيس الفرقة الجناحيّة ، وطلب الخلافة في أواخر دولة بني اُميّة ، مات سنة ١٢٩ هـ على يد عامل هراة بأمر أبي مسلم الخراساني .

انظر : مقاتل الطالبيّين : ١٦١ ، تاريخ الإسلام (حوادث ١٢١ ـ ١٤٠) : ١٥٥ ، لسان الميزان ٤ : ١٦٩ / ٤٨٦٠ ، الأعلام ٤ : ١٣٩ ، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ٥٨٧ .

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥١ .

(٣) في النسخ : «بنان بن سمعان» ، والصحيح ما أثبتناه من المصادر .

وبيان بن سمعان التميمي النهدي اليمني كان يقول : إنّ اللّه‏ على صورة إنسان ويهلك كلّه إلاّ وجهه ، وروح اللّه‏ حلّت في عليّ ، ثمّ في ابنه محمّد بن الحنفيّة ، ثمّ في ابنه أبي هاشم ، ثمّ في بيان .

انظر : الكامل لابن الأثير ٥ : ٢٠٧ ، شرح المواقف ٨ : ٣٨٥ ، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ٣٤٦ .

(٤) الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٢ .

٣١٤

وقد نُقل أنّ السيّد الحميري (١) كان من الكيسانيّة ، وقال في ذلك أشعاراً (٢) ، ثمّ اهتدى بإرشاد الصادق عليه‌السلام ، فقال :

تَجعفرتُ باسمِ اللّه‏ وَاللّه‏ أكبرُ

وأيقنتُ أَنَ اللّه‏ يَعفُو ويَغفرُ

وَدنتُ بِدين غير ما كنتُ دايناً

ولما نَهاني (٣) سَيّد الناسِ جَعفرُ

إلى آخر الأبيات (٤) .

__________________

(١) هو إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري، يكنّى أبا هاشم، ولقبه السيّد، وهو من كبار الشيعة، له مدائح بديعة في أهل البيت عليهم‌السلام . قال صاحب الأغاني: يقال : إنّ أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام ثلاثة : بشّار ، وأبو العتاهية ، والسيّد ، فإنّه لا يُعلم أنّ أحداً قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع ، وله ديوان ، ولد سنة ١٠٥ هـ ، ومات سنة ١٧٣ هـ .

انظر : الأغاني ٧ : ٢٢٩ ، وفيات الأعيان ٦ : ٣٤٣ / ٣٣٩ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٤٤ / ٨ ، الأعلام ١ : ٣٢٢ .

(٢) منها :

إمام الهدى قل لي متى أنت آيبٌ

فمُنَّ علينا يا إمامُ برجعة

مَلَلنا وطالَ الانتظار فجُد لنا

بحّقك يا قطب الوجود بزَوْرة

فأنت لهذا الأمر قِدما مُعيَّن

كذلك قال اللّه‏ : أنت خَليفتي

انظر : ديوان الحميري : ٤٨ / ٣٣.

وله أيضاً :

ألا قُل للوصيّ : فدتك نفسي

أطلتَ بذلك الجبل المقاما

أضرّ بمعشرٍ والوكَ منّا

وسمّوك الخليفة والإماما

وعادوا فيك أهل الأرض طُرّاً

مقامك عندهم ستّين عاما

انظر : الفصول المختارة : ٢٨٩ ، وفيه بتفاوت ، شرح الأخبار للقاضي النعمان ٣ : ٢٩٦ ، الأغاني ٩ : ١٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٤ : ٣٢٢ / ٦٧٩٧ (ترجمة محمّد بن الحنفيّة) ، سير أعلام النبلاء ٤ : ١١٣ / ٣٦ (ترجمة محمّد بن الحنفيّة) ، ولم نعثر على الأبيات المزبورة في ديوانه .

(٣) في «ش» : زيادة «عنه» .

(٤) ديوان الحميري : ٨٥ / ٨٤ ، الأبيات هكذا :

٣١٥

ثمّ إنّ من بقيّة المذاهب التي من القسم الأوّل صريحاً البتريّة ، والسليمانيّة ، ومنهم الصالحيّة ، وهما فرقتان من الزيديّة الآتية ، إلاّ أنّ البتريّة قد تقال ويراد بها مقابل الجاروديّة الآتية ، أي : الزيديّة الذين لم ينكروا خلافة الشيخين ، سواء أنكروا عثمان أم لا ؟ وقد يقال ويراد بهم الذين يقولون بخلافة الثلاثة وحسن حالهم جميعاً ، ثمّ بخلافة عليّ والحسنين عليهم‌السلام ، ثمّ زيد بن عليّ بن الحسين ، ثمّ كلّ فاطميٍّ عالم شجاع عدل خرج بالسيف ، وهؤلاء هم أصحاب كثير النوّاء (١) (٢) .

قيل: إنّ زيد بن عليّ لمّا سمعهم قالوا : نتولّى عليّاً والحسنين عليهم‌السلام ، ونتبرّأ من أعدائهم ، وكذا نتولّى أبا بكر وعمر ونتبرّأ من أعدائهما ، قال لهم : أتتبرّؤون من فاطمة عليهاالسلام بترتم بتّركم اللّه‏، فيومئذٍ سمّوا البتريّة، أي : الأبترون (٣) .

وأمّا السليمانيّة : وهُم (٤) أصحاب سليمان بن جرير (٥) ،

__________________

ولمّا رأيت الناس فيالدين قد غَوَوا

تجعفرت باسم اللّه‏ فيمن تجعفروا

وناديتُ باسم اللّه‏ ، واللّه‏ أكبر

وأيقنتُ أن اللّه‏ يعفو ويغفِرُ

ويثبت مهما شاء ربّي بأمرِهِ

ويمحو ويقضي في الأُمور ويَقدر

ودِنت بدينٍ غير ما كنت داينا

به ونهاني سيّد الناس جعفر

(١) كثير النوّاء ، النوّا : ـ بفتح النون وتشديد الواو ـ هذه النسبة إلى بيع النواة ، والمشهور بهذه النسبة كثير النوّاء رئيس فرقة البتريّة ، يكنّى أبا إسماعيل ، الملّقب بالأبتر .

انظر : مقالات الإسلاميّين : ٦٨ ، الفرق بين الفرق : ٣٣ / ٥١ ، الأنساب ٥ : ٥٢٩ .

(٢) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٤ .

(٣) رجال الكشّي : ٣١١ / ٤٢٩ ، بحار الأنوار ٣٧ : ٣١ ، بتفاوت يسير فيهما .

(٤) في «ش» : «فهُم» بدل «وهُم» .

(٥) هو سليمان بن جرير الزيدي ، كان من متكلّمي الزيديّة ، رأس الفرقة السليمانيّة ،

٣١٦

كفّروا (١) عثمان للأحداث التي صدرت منه ، وكذا كفّروا عائشة وطلحة والزبير بسبب إقدامهم على قتال عليّ عليه‌السلام (٢) .

والصالحيّة : وهُم أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ الثوري (٣) ، من المتوقّفين في عثمان .

وكلّهم مشتركون في صحّة كون الخلافة بالمشورة ، وتجويز العمل بالرأي (٤) ، حتّى أنّ سليماناً قال : يجوز أن تنعقد الخلافة بشور (٥) اثنين من خيار المسلمين ، وإنّها تصحّ في المفضول مع وجود الفاضل (٦) .

وقال بعضهم : يجوز ذلك بشرط رضا الفاضل ، وقالوا : هكذا كان حال (٧) خلافة من تقدّم على عليّ عليه‌السلام ، فإنّه كان أفضل وأكمل ، بل صرّح

__________________

أو الجريريّة ، قال : إنّ الإمامة شورى ، وأنّها تنعقد برجلين من خيار الأُمّة ، وأجاز إمامة المفضول .

انظر : مقالات الإسلاميّين : ٦٨ ، الفرق بين الفِرَق : ٣٢ / ٥٠ ، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ٩١٨ .

(١) في «م» و«س» و«ن» : «أكفروا» . وما أثبتناه من «ش» .

(٢) انظر : الفرق بين الفِرَق : ٣٢ / ٥٠ ، التبصير في الدين : ٢٨ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٩ .

(٣) الحسن بن صالح بن حيّ الهمداني الثوري الكوفي ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، من زعماء الفرقة البتريّة من الزيديّة ، كان فقيهاً متكلّماً ، أصله من ثغور همدان ، وله كتب ، منها : كتاب التوحيد ، والجامع في الفقه ، وإمامة ولد عليّ من فاطمة عليهم‌السلام ، ولد سنة مائة هجريّة ، ومات سنة ١٦٨ هـ .

انظر : الفهرست لابن النديم : ٢٢٧ ، وفيه : «بن برحيّ» بدل «بن حيّ» ، ميزان الاعتدال ١ : ٤٩٦ / ١٨٦٩ ، الأعلام ٢ : ١٩٣ .

(٤) في «س» و«ش» و«ن» : «بالآراء» .

(٥) في «ش» و«ن» : «بشورى» .

(٦) مقالات الإسلاميّين : ٦٨ ، الفرق بين الفِرَق : ٣٢ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٩ ـ ١٦١ .

(٧) كلمة «حال» لم ترد في «م» .

٣١٧

أكثرهم بأنّ الاُمّة أخطأت في بيعة من قدّموه على عليّ عليه‌السلام خطأً لم ينته إلى درجة الفسق ، لكنّ الأوّلين ممّن صحّت إمامتهما ؛ حيث انعقد به الشور ورضي به عليّ عليه‌السلام .

وقد جوّز بعضهم أن يكون الإمام غير مجتهد أيضاً ، بل جوّز بعضهم أن يكون الإمام جاهلاً ، لكن بشرط أن يكون عنده عالم يرجع إليه .

ويجوز عند أكثرهم وجود إمامين في قُطرين ، ومن العجائب أنّهم يصوّبون جميع فتاوى كلّ واحد من الإمامين ولو كان في قتل الإمام الآخَر .

وأكثـر هـؤلاء اُصولهم اُصـول المعتزلة ، وفروعهم فـروع أبي حنيفة إلاّ قليلاً من المسائل التي تبعوا فيها الشافعي (١) ؛ إذ كما صرّح صاحب الكشّاف وصاحب الاستيعاب وغيرهما : كان أبو حنيفة بتريّاً (٢) ، وكذا جماعة من علماء المخالفين الذين كانوا في أواخر بني اُميّـة وأوائل بني العبّاس كمغيرة بن سعيد (٣) ، وسالم بن أبي حفصة (٤) ، والحكم بن

__________________

(١) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٩ ـ ١٦٢ .

(٢) الملل والنحل للشهرستاني ١: ١٩٠، ولم نعثر عليه من صاحبَي الكشّاف، والاستيعاب.

(٣) هو المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، دجّال مبتدع ، من أهل الكوفة ، يقال له : الوصّاف . قالوا : إنّه جمع بين الإلحاد والتنجيم . وكان مجسّماً ، يزعم أنّ اللّه‏ تعالى على صورة رجل على رأسه تاج ، وأعضاؤه على عدد حروف الهجاء ، مات سنة ١١٩ هـ .

انظر : قاموس الرجال ١٠ : ١٨٨ / ٧٦٨٧ ، تاريخ الطبري ٧ : ١٢٨ ، الفرق بين الفِرَق : ٢٣٨ / ١٢٤ ، التبصير في الدين : ١٢٥ ، الكامل لابن الأثير ٥ : ٢٠٧ ، ميزان الاعتدال ٤ : ١٦٠ / ٨٧١٠ ، الأعلام ٧ : ٢٧٦ .

(٤) هو سالم بن أبي حفصة ، يكنّى أبا يونس ، وأبا الحسن ، واسم أبيه عبيد ، وقيل : زياد ، عدّه الكشّي من البتريّة الخالطين ولاية عليّ عليه‌السلام بولاية أبي بكر وعمر ، يثبتون لهما الإمامة ، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ، ويرون الخروج مع

٣١٨

عتيبة (١) ، وسلمة بن كُهيل (٢) ، وأبي المقدام ثابت الحدّاد (٣) وغيرهم (٤) .

فهؤلاء تمام الستّين فرقة ، الذين عدّوا من القسم الأوّل ، اللّهمّ إلاّ إذا قيل بكون الكيسانيّة من القسم الثاني كما بيّنّاه ، فإنّه حينئذٍ تكون الفِرَق الذين من القسم الأوّل دون الستّين ، والذين من القسم الثاني فوق الثلاث عشرة .

ولقد نقلنا ما نقلناه من عقائد أكثرهم لا سيّما في المباحث الثلاثة

__________________

بطون ولد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ووردت في ذمّه روايات كثيرة ، مات سنة ١٣٧ هـ .

انظر : قاموس الرجال ٤ : ٥٩٧ / ٣٠٧٩ ، تنقيح المقال ٢ : ٣ / ٤٥٣٥ .

(١) في النسخ : الحكم بن عيينة ، والصحيح ما أثبتناه ، وهو الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي ، يكنّى أبا محمّد ، وأبا عبداللّه‏ ، كان من فقهاء العامّة ، وكان بتريّاً ، والأخبار على ذمّه كثيرة ، مات سنة ١١٤ هـ ، وقيل : سنة ١١٥ هـ .

انظر : قاموس الرجال ٣ : ٦١٢ / ٢٣٦٣ ، وتنقيح المقال ١ : ٣٥٨ / ٣٢٣٣ ، وميزان الإعتدال ١ : ٥٧٧ / ٢١٨٩ .

(٢) هو سلمة بن كُهيل الحضرمي الكوفي ، يكنّى أبا يحيى ، من زيديّة العامّة ومن البتريّة ، وسلمة بن كهيل عند صاحب جامع الرواة وغيره شخصان ، أحدهما من أصحاب أمير المؤمنين والسجّاد والباقرين عليهم‌السلام ، والآخَر من البتريّة ؛ ضرورة أنّ أساس مذهب البتريّة قائم على القول بإمامة أبي بكر ، وعمر ، وعليّ عليه‌السلام ، ولا يعقل أن يكون من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام . ولد سنة ٤٧ هـ ، واختلف في وفاته على عدّة أقوال منها : أنّه مات سنة ١٢٢ هـ .

انظر : قاموس الرجال ٥ : ٢١٨ / ٣٣٤٣ ، تنقيح المقال ٢ : ٥٠ / ٥٠٩٨ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٩٨ / ١٤٢ .

(٣) هو ثابت بن هرمز الفارسي ، يكنّى أبا المقدام العجلي ، مولى بني عجل الكوفي ، زيديٌّ بتريٌّ .

انظر : قاموس الرجال ٢ : ٤٧٠ / ١٢٨٨ ، تنقيح المقال ١ : ١٩٤ / ١٤٩٨ ، ميزان الاعتدال ١ : ٣٦٨ / ١٣٧٧ .

(٤) انظر : فِرَق الشيعة : ٥٧ .

٣١٩

السابقة على وفق نقل الشهرستاني ؛ لشهرة كونه من عرفاء الملل ، لا سيّما الفِرَق التي (١) من صنف أهل مذهبه ، وإلاّ فعلائم التوهّم لائحة من بعض منقولاته ، لا سيّما الذي ينسب إلى الشيعة ، ولهذا لا نعتني ولم نعبأ (٢) ببعض كلامه ، والعهدة في البواقي عليه .

المطلب الثاني :

في بيان الفِرَق التي هي من النوع الأوّل من القسم الثاني (٣) ، أَي ما سوى الفرقة الاثني عشريّة من سائر الفِرَق التي عُدَّت من الشيعة القائلين بخلافة عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، وقد يقال لهم : الإماميّة أيضاً ، إلاّ أنَّ الحقّ أنّ الإماميّة منهم هم الذين كانوا يقولون بوجوب الإمامة والعصمة ، ووجوب ورود النصّ من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والظاهر أنّه لم يبق اليوم أحد منهم ما سوى الاثني عشريّة الآتية في المطلب الآتي ؛ ولهذا ترى كثيراً ما نقول : الإماميّة ، ومرادنا خصوص الاثني عشريّة .

ثمّ إنّ معظم هذه الفِرَق اثنتا عشرة فرقة ، وإن لم يكن بعضها خالٍ عن شعب ، ولنذكر أصل تلك الفِرَق مع نبذ من شواهد بطلانها سوى ما نحن فيه من اشتراك الجميع في استعمال الرأي .

فالاُولى منهم : الجاروديّة من الزيديّة ، أصحاب أبي الجارود زياد بن

__________________

(١) في «م» زيادة : «هي» .

(٢) «ولم نعبأ» لم ترد في «ن» .

(٣) في «م» : «الثالث» .

٣٢٠