ضياء العالمين - ج ٢

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-332-4
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

١

٢

٣

٤

الباب الرابع

في بيان الامتحان باختلاف الطبائع وتباين الآراء وتفاوت

الأطوار والأفكار

اعلم أنّ اللّه‏ عزوجل بناءً على مقتضى حكمته البالغة ومصلحته الكاملة ، جعل ممّا امتحن العباد به أيضاً أن خَلَقهم متفاوتة بحسب الآراء والأفهام ، متباينة بحسب الأذهان والأحلام ، حتّى أنّه قلّما يقع اتّفاق جميع آراء رجلين ، بحيث إنّهم لو تُركوا وآراءهم وما يدركونه بأفكارهم وأهوائهم لما اجتمعوا على حال ، ولا خرجوا عن حدّ التفرّق والاختلال ، ولما خلصوا من العمى والضلال ، فضلاً عن الاهتداء إلى أحكام اللّه‏ الحكيم المتعالي ، وأنّه لأجل هذا ـ حيث أراد اللّه‏ أن يجمعهم على الهدى ـ أنعم عليهم ـ كما سيأتي في المقالات ـ بالأنبياء والرسل والهداة ؛ ليبيّنوا لهم ما هو طريق النجاة ، ويزول به الشتات ، من المعارف اليقينيّات والأحكام المتقنات المتّفقات النازلات عليهم من اللّه‏ عزوجل .

وأمر سائر الخلق بالتسليم لهؤلاء ، وأخذِ المعارف والأحكام منهم ،

٥

ومتابعتهم في جميع الأشياء ، وترك التفرّق والاختلاف ، سيّما الحاصل من متابعة الظنون والآراء ، مع التصريح بذمّ التفرّق والاختلاف ، وكونه ضلالة من كلّ فريق وفي كلّ زمان ، الدالّ على أنّ حكم اللّه‏ واحد في أيّ شيء كان ، وأنّ ما سواه من خطوات الشيطان .

وفيه نذكر أنّ كلّ اُمّة من الاُمم افترقت بعد نبيّها حتّى هذه الاُمّة ، وأنّ الحقّ في واحدة (١) ، وفيه ذكر جملة من مذاهبهم ، ويتّضح ما فيه أيضاً في ضمن خمسة فصول :

* * *

__________________

(١) انظر : المستدرك ١ : ١٢٨ ، ١٢٩ حديث «افترقت اليهود . . . وتفترق اُمّتي . . .» . والمقاصد الحسنة : ١٩٠ / ٣٤٠ .

٦

الفصل الأوّل

في بيان عموم تغاير الآراء في الأنام واختلاف الأذهان والأفهام ، بحيث صار سبب شتات المذاهب والأحكام من بدء الخلقة إلى آخر الأيّام ، وذكر ما ورد في ذمّ الاختلاف والتفرّق لا سيّما في الدين ، وأنّه علامة الهلاكة والضلالة وطريقة المبطلين ، وأنّه لم يكن جائزاً أبداً في شريعة أحد من المرسلين ؛ ضرورةَ عدم تطرّق الاختلاف إلى حكم اللّه‏ المبين .

ولنذكر أوّلاً الآيات ، ثمّ الروايات ، ثمّ سائر الشواهد والمنقولات ؛ ليتّضح صحّة هذه المذكورات مع وضوحها في نفسها ، لا سيّما بعد ملاحظة ما في الفصول السابقة واللاّحقة وغيرها :

قال اللّه‏ عزوجل : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ) (١) .

وقال سبحانه :( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ) إلى قوله تعالى : ( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (٢) .

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) إلى

__________________

(١) سورة هود ١١ : ١١٨ ـ ١١٩ .

(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٦٧ ـ ٦٩ .

٧

قوله : ( وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ *‏ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ) (١) .

وقال عزوجل : ( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *‏ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (٢) .

وصراحتُه في كون الاختلافات في الدين فعل المشركين وعلامتهم وإن زعموا كونهم مهتدين ظاهرة .

ويشهد له قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) (٣) .

وقوله : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا ) إلى قوله : ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ) (٤) .

وقوله : ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيك الكِتَـبَ إلاَّ لِتُبيّـِن لَهُمُ الَّذِى اختَلَفُوا فِيهِ ) (٥) .

وقال عزوجل : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أوحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبرَهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَن أَقِيمُوا الدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) إلى قوله : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (٦) ، الآية ، وصراحتها في منع التفرّق مطلقاً ظاهرة .

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥١ ـ ٥٤ .

(٢) سورة الروم ٣٠ : ٣١ ـ ٣٢ .

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٥٩ .

(٤) سورة الأنعام ٦ : ٦٥ .

(٥) سورة النحل ١٦ : ٦٤ .

(٦) سورة الشورى ٤٢ : ١٣ ـ ١٤ .

٨

ويشهد له قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (١) .

وقوله : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) (٢) .

وقوله : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) (٣) .

وقوله : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (٤) الآية .

وقوله : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) (٥) ، وغيرها .

وقال سبحانه : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ) إلى قوله : ( لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) (٦) .

وقال جلّ شأنه في غير موضعٍ : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) (٧) .

وقال : ( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٠٣ .

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٠٥ .

(٣) سورة الشورى ٤٢ : ١٠ .

(٤) سورة النساء ٤ : ٥٩ .

(٥) سورة الأنعام ٦ : ١٥٣ .

(٦) سورة البقرة ٢ : ٢١٣ .

(٧) سورة هود ١١ : ١١٠ .

٩

وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (١) .

وقال في بني إسرائيل : ( وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (٢) .

وقال سبحانه : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (٣) .

وقال : ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) (٤) .

وقال : ( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) (٥) .

وقال : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (٦) .

وصراحة الجميع في كون الاختلاف غير محمود ، بل مذموماً ، باطلاً ، متضمّناً لخلاف حكم اللّه‏ ظاهرة .

وبالجملة : دلالة الآيات واضحة ، وستأتي في الفصول الآتية شواهدها أيضاً ، بل أصل وقوع الاختلاف ممّا لا كلام فيه ، وإنّما المراد بيان ذمّه وضلالته وبطلان منشئه ، وكونه منبع الفتنة والفساد ؛ ولهذا جعلنا الفصول الآتية كالشرح لهذا ، وذكرنا في كلّ واحد ما ينفع للآخر أيضاً ، بحيث كأنّ الجميع فصل واحد ، وبسطنا الكلام في الفصل الثاني لما هو ظاهر على المتأمّل ، فلنذكر هاهنا نبذاً ممّا لا بدّ من نقله والبقيّة في البواقي .

__________________

(١) سورة الزخرف ٤٣ : ٦٣ .

(٢) سورة الجاثية ٤٥ : ١٧ .

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٩ .

(٤) سورة البيّنة ٩٨ : ٤ .

(٥) سورة البقرة ٢ : ١٧٦ .

(٦) سورة النساء ٤ : ٨٢ .

١٠

روى الخوارزمي عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ اللّه‏ عزوجل منع بني إسرائيل قطر السماء بسوء رأيهم في أنبيائهم واختلافهم في دينهم ، وإنّه أخذ هذه الاُمّة بالسنين ، ومانِعهم قطر السماء ببغضهم عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام » (١) .

أقول : دلالة هذا الخبر على ما سيظهر أيضاً من كون أصل سبب اختلاف هذه الأُمّة سوء رأيهم في عليّ عليه‌السلام ، وتركهم متابعته ، وأنّ تركه نظير ترك الأُمم أنبياءهم ، وأنّ ذلك لبغضه ، ظاهرة ، وممّا يؤيّده :

ما رواه أصْبَغ بن نباتة (٢) من أنّ رجلاً قال لعليّ عليه‌السلام يوم الجمل : إنّ القوم كبّروا وكبّرنا ، وهلّلوا وهلّلنا ، وصلّى القوم وصلّينا ، فعلامَ نقاتلهم ؟ فقال عليّ عليه‌السلام : «على ما أنزل اللّه‏ في سورة البقرة ، فقرأ عليه‌السلام قوله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ) إلى قوله : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) (٣) ، الآية ، قال : «فنحن الذين آمنّا ، وهم الذين كفروا» (٤) ، الخبر ، فافهم .

وفي صحيح مسلم ، ومسند ابن حنبل : عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) بل ابن المغازلي في مناقبه : ١٤١ / ١٨٦ ، وأورده الكراجكي في كنز الفوائد ١ : ١٤٨ ، وحكاه عنه العلاّمة الحلّي في كشف اليقين : ٤٢٨ .

(٢) أصبَغ بن نباتة التميميّ الحنظلي المجاشعيّ ، يكنّى أبا القاسم ، من خاصّة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأجلاّء أصحابه ، وكان على شرطة علي عليه‌السلام ، وهو الذي روى عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى مالك الأشتر .

انظر : رجال البرقي : ٥ ، رجال النجاشي : ٨ / ٥ ، الفهرست للطوسي : ٨٥ / ١١٩ ، الخلاصة: ٧٧ / ١٤١ ، تنقيح المقال ١ : ١٥٠ /١٠٠٨ ، تهذيب التهذيب ١ : ٣١٦ / ٦٥٨ .

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٥٣ .

(٤) الاحتجاج ١ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩ /٨٤ ، بحار الأنوار ٣٢ : ٢٠٢ / ١٥٥ .

١١

قال : «إنّ اللّه‏ يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً ، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا بـه شيئاً ، وأن تعتصموا بحبـل اللّه‏ جميعاً ولا تفرّقوا» (١) ، الخبـر .

وسيأتي ، بل ظاهر أيضاً أنّ حبل اللّه‏ هو القرآن ، فالخبر صريح في أنّ التمسّك به يدفع التفرّق ، وأنّ التفرّق إنّما يحصل بتركه .

وسيأتي أيضاً بيان أنّ علم القرآن عند العترة التي قرنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله به ، فيظهر أنّ تركهم سبب التفرّق أيضاً ، وهذا هو معنى ما سيأتي من قوله تعالى : ( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) (٢) .

ومن الشواهد أنّ الخبر المذكور رواه جمع آخَر بحيث وصل إلى حدّ الاستفاضة ، وفيه : «وتسمعوا وتطيعوا لمن ولّى اللّه‏ أمركم» بعد قوله : ( وَلَا تَفَرَّقُوا ) (٣) وفي بعض النسخ أيضاً : «وأن تناصحوا وُلاة الأمر من الذين يأمرونكم بأمر اللّه‏» (٤) ، وظاهر أن لا معنى لهما ـ بعد ملاحظة حديث الثقلين ـ إلاّ إطاعة العترة ، كما بيّنّا ، وسيظهر أيضاً ، فافهم .

وفي صحيح مسلم وغيره : عن ابن عمر ، وفي صحيح البخاري : عن ابن مسعود ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب» (٥) .

وفي صحيح البخاري أيضاً : عن ابن مسعود أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٠ / ١٧١٥ ، مسند أحمد ٣ : ٥٦ / ٨٥٨١ .

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٨ .

(٣) جامع الأحاديث ٢ : ٤٨٠ / ٦٧٥٠ .

(٤) المعجم الكبير ٩ : ٢٨ / ٨٣٠٧ ، كنز العمّال ١ : ٢٠٥ / ١٠٢٣ .

(٥) صحيح مسلم ٤ : ٢٠٥٣ / ٢٦٦٦ ، صحيح البخاري ٩ : ١١٧ بتفاوت ، جامع الاُصول ٢ : ٧٥٣ / ١٢٦١ ، وفي صحيح مسلم وجامع الاُصول : عن ابن عمرو .

١٢

حديثٍ له : «ولا تَختلفوا ؛ فإنّ من كان قبلكم اختلفوا ، فهلكوا» (١) .

وفي كتاب المستدرك ، وكتاب ابن حبّان : عن ابن مسعود أيضاً ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما أهلك من قبلكم الاختلاف» (٢) .

وفي كتاب البيهقي : عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب اللّه‏ بعضه ببعض ، وإنّما نزل كتاب اللّه‏ يصدّق بعضه بعضاً ، ولا يكذّب بعضه بعضاً ، ما علمتم فيه فقولوا ، وما جهلتم فكِلوه إلى عالمه» (٣) .

أقول : هذا الخبر شاهد صدقٍ على ما قلناه ـ كما يأتي أيضاً ـ من عدم اختلافٍ في القرآن . نعم ، ليس كلّ أحد يعلمه ، وله علماء ـ هم الذين قرنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله به في أخباره المتواترة الآتية ـ فالمرجع إليهم .

وفي صحيح ابن ماجة ، ومسند ابن حنبل ، ومستدرك الحاكم : عن رجلٍ سمّوه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغُ عنها بَعدي إلاّ هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين ، عَضّوا عليها بالنواجذ ، وعليكم بالطاعة وإن كان عبداً حبشيّاً ؛ فإنّما المؤمن كالجمل الأليف حيثما قيد انقاد» (٤) ، وقد ذكر ابن ماجة أنّ هذا ممّا وعظ به أصحابه في آخر عمره ، كأنّه مودّع وداع الفراق .

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٥٨ .

(٢) المستدرك للحاكم ٢ : ٢٢٤ ، الإحسان بترتيب صحيـح ابن حبّان ٢ : ٦٣ / ٧٤٤ .

(٣) شعب الإيمان ٢ : ٤١٧ / ٢٢٥٨ بسندٍ آخَر ، جامع الأحاديث ٣ : ٢٠٦ / ٨١٨٦ ، عن ابن عمرو .

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ١٦ / ٤٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٠٩ / ١٦٦٩٢ ، المستدرك للحاكم ١ : ٩٦ ، وفيها بتفاوت يسير .

١٣

أقول : لا يخفى دلالة هذا الخبر على أشياء لم يفهمها جمهور المخالفين ، فأيّدوا به مذهبهم ، وهو دالّ على خلافه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ قوله : «قد تركتكم» إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هالك» صريح في توضيح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع معالم الشريعة ، وإنّما الضياع حصل من بعده ، ـ كما مرّ غير مرّة ، وسيأتي أيضاً ـ ويؤيّده قوله : «ومن يعش منكم» ، لدلالته على عدم وجود خلاف مضرّ في زمانه ، وأنّه ممّا يحدث بعده بسبب ترك سنّته ؛ ولهذا أمرهم بالتمسّك بسنّته وسنّة خلفائه المستنّين بسنّته ، وعدم التوجّه إلى الخلافات ؛ لضلالها .

وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله : «وسنّة الخلفاء» بعد قوله : «بسنّتي» كالصريح في أنّ مراده بيان كون مأخذ السنّتين شيئاً واحداً ، وأنّه لذلك صارت الأخيرة بحكم الاُولى في لزوم التمسّك .

ومن البيّن ـ كما مرّ ويأتي ـ أنّ سنّته صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن برأيٍ ونحوه ، بل بالورود من اللّه‏ ، فعلى هذا لا بدّ أن تكون سنّة الخلفاء أيضاً كذلك . ولا يخفى أنّ المراد بالخلفاء حينئذٍ لا بدّ أن يكون من كان كلّ حكمه مأخوذاً من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك منحصر في عليّ وذرّيّته الأئمّة عليهم‌السلام ، كما سيتّضح أيضاً غاية الوضوح في محلّه ، فدلّ الخبر على أنّ المراد هؤلاء دون من زعمه المخالفون ، ويؤيّده التقييد بالرشد والمهدويّة ؛ ضرورة أنّ الحاكم بالرأي ليس كذلك على الإطلاق ؛ لوقوع الخطأ في حكمه .

ثمّ من هذا يظهر أيضاً أنّه ينبغي حمل ما ورد في غيره من أمثال هذه العبارة مهما يناسب على هؤلاء ، ولا أقلّ من إمكان الحمل بحيث لا يمكن الاستدلال على كون المراد غيرهم .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ قوله : «وعليكم» إلى آخره ، كالصريح في لزوم

١٤

المداراة والتقيّة ، وترك منازعة الحُكّام وإن كان جائراً دنيئاً (غير قابل) (١) ، كما ظهر سابقاً ويظهر فيما بعد أيضاً ، لا ما زعموه من أنّ ذلك لحقّيّتهم ؛ إذ ليس في العبارة ما يشعر به ، فضلاً عن التبادر . وعلى أيّ تقدير ، دلالته على ذمّ الاختلاف ممّا لا كلام فيه ، فافهم .

وفي كتب عديدة ، منها : صحيح الترمذي وقال : إنّه حسن صحيح غريب (٢) ، ومنها : كتاب الحميدي وغيرهما : عن عمر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في حديثٍ له : «عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة» (٣) .

وفي كتاب الزوائد لعبد اللّه‏ بن أحمد بن حنبل : عن النعمان بن بشير (٤) ، قال : قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» (٥) .

أقول : لا يخفى أنّ بعد ملاحظة هذين الخبرين وأمثالهما ـ ممّا سيأتي في محلّه ـ مع سائر الأخبار الصريحة في ذمّ الاختلاف لا يبقى شكّ في أنّ المراد بالفرقة هاهنا أيضاً هو إظهار الاختلاف ، لا ما سيظهر بطلانه من كون كلّ اتّفاق جماعةٍ حقّاً .

كيف لا ! وفي الكتاب الكبير والأوسط للطبراني : عن ابن عمر ، عن

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٤٦٥ / ٢١٦٥ .

(٣) كتاب السنّة لابن أبي عاصم ١ : ٤٢ / ٨٨ ، جامع الاُصول ٦ : ٦٦٩ / ٤٩٧٢ ، نصب الراية ٤ : ٢٥٠ ، الجامع الصغير ١ : ٤٢٩ / ٢٧٩٥ .

(٤) هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، استعمله معاوية على الكوفة وحمّص وكذا يزيد ، وهو من الذين أرسلتهم نائلة زوجة عثمان بقميصه إلى معاوية لتأليب الناس وإثارة الفتنة ضدّ عليّ عليه‌السلام ، مات سنة ٦٥ هـ .

انظر : المعارف لابن قتيبة : ٢٩٤ ، الجرح والتعديل ٨ : ٤٤٤ / ٢٠٣٣ ، الاستيعاب ٤ : ١٤٩٦ /٢٦١٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٢٩ / ١٩٤ ، معجم المؤلّفين لعمر كحالة ١٣ : ١٠٣ .

(٥) المصدر غير متوفّر لدينا ، وحكاه عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ٥ : ٢١٧ .

١٥

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ما اختلفت اُمّة بعد نبيّها إلاّ ظهر أهل باطلها على أهل حقّها» (١) .

وفي خطبةٍ لعليّ عليه‌السلام : «ما اختلفت دعوتان إلاّ كانت إحداهما ضلالة» (٢) .

ومن هذا القبيل أيضاً ما رواه مسلم وأبو داوُد والنسائي في صحاحهم ، وابن حنبل في مسنده ، عن عرفجة (٣) ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ستكون هَنات وهَنات ، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الاُمّة وهي جميع ، فاضربوه بالسيف كائناً ما كان» (٤) ؛ إذ ظاهر أنّه إذا كان الواجب على الناس ـ كما سيأتي ـ إطاعة من كان حكمه من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعليمهما من غير تحقّق اختلافٍ ، فمن أراد خلاف ذلك ممّا يؤول إلى تفرّقهم بأيّ جهة كان وجب دفعه ، كما فعل أهل الجمل ، ومعاوية في حقّ عليّ عليه‌السلام جهاراً ، بل أهل السقيفة أيضاً ولو بغير إجهار ، فافهم .

وقد مرّ في الباب السابق قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ اللّه‏ بعثني رحمةً للناس كافّة ، فأدّوا عنّي رحمكم اللّه‏ ، ولا تختلفوا كما اختلف الحواريّون على

__________________

(١) المعجم الأوسط ٨ : ٢٤ / ٧٧٥٤ ، ولم نعثر عليه في المعجم الكبير ، كنز العمّال ١ : ١٨٣ / ٩٢٩ .

(٢) نهج البلاغة : ٥٠٢ ، الكلمات ١٨٣ .

(٣) عرفجة بن شُريح أو شَريك أو ضُريح أو شراحيل الأشجعي الكندي ، أو الأسلمي ، من أصحاب رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، روى عنه : زياد بن عِلاقة ، وسلمان أبو حازم الأشجعي ، ووفدان أبو يعفور وغيرهم .

انظر : تنقيح المقال ٢ : ٢٥ / ٧٨٦٢ ، الطبقات لابن سعد ٦ : ٣٠ ، الجرح والتعديل ٧ : ١٧ /٨٤ ، الثقات لابن حبّان ٣ : ٣٢٠ ، الاستيعاب ٣ : ١٠٦٣ /١٧٩٧ .

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٩ / ١٨٥٢ ، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٤٢ / ٤٧٦٢ ، سنن النسائي ٧ : ٩٢ ـ ٩٣ ، مسند أحمد ٥ : ٦٥٧ / ١٩٧٦٦ فيه بتفاوت يسير .

١٦

عيسى ، فإنّه دعاهم إلى مثل ما أدعوكم إليه فأبى من قرب مكانه فكرهه ، فشكى عيسى عليه‌السلام إلى اللّه‏» (١) ، الخبر .

وفي صحيح مسلم ، وصحيحي النسائي وابن ماجة ، ومسند أحمد : عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ذروني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم» (٢) ، الخبر .

وفي كتاب البيهقي : عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتّى بعثوا حكمين فضلاّ وأضلاّ ، وإنّ هذه الاُمّة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتّى يبعثوا حَكمين فيضلاّ ويضلّ (٣) من اتّبعهما» (٤) .

وفي كتاب الزوائد لعبد اللّه‏ بن أحمد بن حنبل : عن عليّ عليه‌السلام أيضاً ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «سيكون اختلاف أو أمر ، فإن استطعت أن تكون السلم فافعل» (٥) .

وفي كتاب الحكيم : عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «المتمسّك بسنّتي عند اختلاف اُمّتي كالقابض على الجمر» (٦) .

وفي الاستيعاب : عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) جامع الأحاديث ٢ : ٤٧٢ / ٦٧٠٠ بتفاوت يسير .

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ / ١٣٣٧ ، سنن النسائي ٥ : ١١٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣ / ٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٨٨ / ٧٣٢٠ .

(٣) في «م» : فيَضلاّ ويُضلاّ .

(٤) دلائل النبوّة ٦ : ٤٢٣ بتفاوت يسير .

(٥) المصدر غير متوفّر لدينا ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٤ ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال ١١ : ١٤٨ / ٣٠٩٧٩ .

(٦) نوادر الاُصول للحكيم الترمذي ٢ : ٣٢٧ ، وحكاه عنه السيوطي في جامع الأحاديث ٧ : ٤٣٦ / ٢٣٤٨٢ .

١٧

اختلفتم وأنا بين أظهركم ، وأنتم بعدي أشدّ اختلافاً» (١) .

وقال يهوديّ لعليّ عليه‌السلام : ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم؟ فقال له : «إنّما اختلفنا عنه لا فيه ، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من (ماء) (٢) البحر حتّى قُلتم لنبيّكم : ( اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) (٣) » (٤) الخبر .

والأخبار في ذمّ الاختلاف والتفرّق ، وضلالته ، وأنّه كان سابقاً ويكون في هذه الاُمّة ، كثيرة ـ وسيأتي بعضها في الفصل الآتي وغيره ، سوى ما سبق في الفصول السابقة أيضاً ـ وصراحة أكثرها في كون المراد الاختلاف في المسائل الدينيّة والأحكام الشرعيّة وغيرها واضحة ؛ بحيث لا يمكن تخصيصها بالاختلاف في الآراء والحروب ، كما زعمه بعض الجاهلين فحمل عليه بعض الآيات ، وتوهّم أنّه يجري في غيره أيضاً ، وسخافته كما ترى .

لكن من أعجب الغرائب ، وأفضح الفضائح ما تشبّث به عامّة علماء المخالفين ممّا هو أوهن من بيت العنكبوت في مقابل هذه الآيات والروايات كلّها ، بل وغيرها أيضاً ، بمحض أنّهم رأوا أنفسهم واقعين في مخمصة الاختلاف ؛ بحيث (٥) لا منجى لهم منه إلاّ بالقول بما لا يقولون به ، فإنّهم لمّا تركوا بعد رحلة رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله التزام متابعة عليّ وذرّيّته عليهم‌السلام الأوصياء العلماء من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما سيظهر ـ فلم يجدوا من الكتاب والسنّة المتداولة بينهم إلاّ أحكاماً قلائل ، فألزمهم ذلك إلى أن وضعوا من عند أنفسهم ، وبحسب تحسين عقولهم ، واقتضاء آرائهم قواعد لاستنباط

__________________

(١) الاستيعاب ١ : ٣٩٨ .

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من «م» .

(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٣٨ .

(٤) نهج البلاغة : ٥٣١ / ٣٧١ (غريب كلامه عليه‌السلام ) .

(٥) في «ش» زيادة : أن .

١٨

الأحكام الإلهيّة (والمسائل الدينيّة) (١) ، ووقعوا بذلك (٢) في تيه الاختلاف .

فمن قبيل : الغريق يتشبّث بكلّ حشيش ، تشبّثوا لتجويز الاختلاف بخبر ضعيف السند عندهم ، ومع هذا لا يشفي عليلاً ولا يروي غليلاً ، وهو ما رواه البيهقي في كتاب المدخل ، وكذا الديلمي في مسنده بإسنادٍ فيه جويبر (٣) ، عن الضحّاك (٤) ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «مهما اُوتيتُم من كتاب اللّه‏ فالعمل به لا عذرَ لأحد في تركه ، فإن لم يكن في كتاب اللّه‏ فسنّةٌ منّي ماضية ، فإن لم يكن سنّةٌ منّي فما قال أصحابي لكم ، إنّ أصحابي بمنزلة النجوم في السماء ، فأيّما أخذتم به اهتديتم ، واختلاف أصحابي لكم رحمة» (٥) .

وقد صرّحوا بأنّ جويبراً ضعيف جدّاً ، وأنّ الضحّاك عن ابن عبّاس

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «م» .

(٢) في «ش» (في ذلك) بدل (بذلك) .

(٣) هو جويبر بن سعيد الأزدي البلخي ، يكنّى أبا القاسم ، ويقال : اسمه جابر ، وجويبر لقبه ، روى عن أنس بن مالك ، والضحّاك بن مزاحم ، وأبي صالح السمّان ، وغيرهم ، مات سنة ١٤٠ ـ ١٥٠ هـ .

انظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٢ : ٥٤٤ ، ميزان الاعتدال ١ : ٤٢٧ /١٥٩٣ ، تهذيب التهذيب ٢ : ١٠٦ /٢٠٠ ، تقريب التهذيب ١ : ١٣٦ / ١٣١ .

(٤) الضحّاك بن مزاحم الهلالي الخراساني ، يكنّى أبا القاسم ، هو من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة رهط زينب زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يقيم ببلخ ومرو ، وكان أيضاً ببخارى وسمرقند ، كان يعلّم الصبيان احتساباً ، وحملته اُمّه سنتين ، له كتب منها : التفسير الكبير والصغير ، مات سنة ١٠٢ هـ ببلخ .

انظر : تنقيح المقال ٢ : ١٠٥ / ٥٨٣٢ ، قاموس الرجال ٥ : ٥٣٧ / ٣٧١٦ ، المعارف لابن قتيبة : ٤٥٧ ، الكامل في الضعفاء ٤ : ١٤١٤ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٥ / ٣٩٤٢ تهذيب التهذيب ٤ : ٣٩٧ / ٧٩٤ .

(٥) فردوس الأخبار ٤ : ٤٤٧ / ٦٧٩٩ ، وحكاه عنهما وعن غيرهما السخاوي في المقاصد الحسنة : ٤٦ والسيوطي في جامع الأحاديث ٧ : ٤٢٥ / ٢٣٤٠٩ .

١٩

منقطع (١) .

وقال العراقي (٢) : إنّ هذا الخبر نقله صاحب كتاب العلم والحلم هكذا : «اختلاف أصحابي رحمة لاُمّتي» ، ثمّ قال : وإنّه ضعيف مرسل (٣) .

ثمّ إنّه أورد هذا الأخير جمع منهم البيهقي في الرسالة الأشعريّة بغير سند ، وكذا الحليمي (٤) ، وإمام الحرمين (٥) ، وابن الحاجب (٦) في بحث

__________________

(١) المقاصد الحسنة : ٤٦ ، سلسلة الأحاديث الضعيفة ١ : ٧٩ ـ ٨٠ .

(٢) هو الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن ، يكنّى أبا الفضل العراقي الأصل ، المهراني المولد الكردي الشافعي له كتب منها : المغني عن حمل الأسفار ، ونكت منهاج البيضاوي ، ونظم الدرر السنيّة وغيرها ، ولد سنة ٧٢٥ هـ ، ومات سنة ٨٠٦ هـ في مصر .

انظر : طبقات الحفّاظ : ٥٤٣ / ١١٧٥ ، الضوء اللامع ٢ : ١٧١ / ٤٥٢ ، شذرات الذهب ٧ : ٥٥ ، الأعلام ٣ : ٣٤٤ .

(٣) انظر : المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار ، في ذيل إحياء العلوم ١ : ٢٧ ، وحكاه السخاوي في المقاصد الحسنة : ٤٧ .

(٤) هو الحسين بن الحسن بن محمّد بن حليم ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، الفقيه الشافعي ، وأوجههم بما وراء النهر ، المعروف بالحليمي الجرجاني ، كتب الحديث عن أبي بكر القفّال ، وغيره ، له كتب منها : شعب الإيمان ، وآيات الساعة ، وأحوال القيامة .

ولد سنة ٣٣٨ هـ ، ومات سنة ٤٠٣ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٢ : ١٣٧ /١٨٦ ، طبقات الشافعية للسبكي ٤ : ٣٣٣ / ٣٨٨ ، طبقات الشافعية لابن شهبة ١ : ١٧٨ /١٤٠ ، شذرات الذهب ٣ : ١٦٧ .

(٥) هو عبد الملك بن عبد اللّه‏ بن يوسف الجويني أبو المعالي، رئيس الشافعية بنيسابور ، وأعلم متأخّريهم على الإطلاق ، جاور بمكة والمدينة يدرّس ويفتي ، فلهذا قيل له : إمام الحرمين ، وكان قد تفقّه على والده ، له كتب منها : نهاية المطلب ، والبرهان ، والإرشاد ، وغيرها ، ولد سنة ٤١٩ هـ ، ومات سنة ٤٧٨ هـ بنيسابور ودفن فيها .

انظر : الأنساب ٢ : ١٢٩ ، وفيات الأعيان ٣ : ١٦٧ /٣٧٨ ، طبقات الشافعية للسبكي ٣ : ٢٤٩ ، طبقات الشافعية لابن شهبة ١ : ٢٥٥ / ٢١٨ ، شذرات الذهب ٣ : ٣٥٨ .

(٦) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ، المعروف بابن الحاجب الفقيه المالكي

٢٠