يستبطن هذا التشبيه نكات مختلفة ، وبتعبير آخر : شُبِّه المنافقون بالخشب المسندة لوجوه مختلفة :
الف : كما أنَّ الخشب المسنَّدة لا أصل ولا جذور لها ، كذلك المنافقون فلا أصل ولا أساس لهم ، وهم بحاجة إلى الآخرين دائماً ولا يمكنهم الاعتماد على أنفسهم ، فلا استقلالية لهم بل هم بحاجة إلى الأجانب والكفار ، فيرتبطون بهم ، وتاريخ صدر الاسلام يؤيّد هذا. وقد تقدَّمت قصة مسجد ضرار في المثل الثامن عشر ، وشاهدتم كيف تعاون أبو عامر النصراني مع الروميين واعتمد عليهم وبنى مسجد ضرار في خطة للتآمر على المسلمين.
وبهذا تتّضح إحدى صفات المنافقين ألا وهي الارتباط بالأجانب والاعتماد عليهم لإيجاد البلبلة والاضطراب في البلاد الاسلامية.
باء : الخصيصة الاخرى للخشب المسنَّدة أنَّه لا فائدة فيها غير استخدامها كوقود وإحراقها لهذا الغرض ، فلا تثمر شيئاً ولا تنمو فيها الأوراق ولا توجد ظلاً ، كما هو حال المنافقين ، فلا فائدة فيهم.
جيم : الخشبة اليابسة لا تقبل الانعطاف ، كما هو حال المنافق ، فلا يمكن تغييره ؛ لتعصّبه ولجاجته ، حتى لو أقمت له أفضل البراهين والأدلَّة وأوضحها ، فلا يلينوا أمامها أبداً ، عكس ما عليه المؤمنون من اللين والانعطاف ، وهذا هو الذي يسبب اقتحامهم الأعاصير.
التفتوا إلى هذه الرواية الجميلة التي وردت عن الرسول صلىاللهعليهوآله :
«مَثَلُ المؤمن كَمَثَلِ الزرْع ، لا تزال الرياح تفيؤه ولا يزال المؤمن يُصيبه بلاءٌ ، ومثلُ المنافق مثل الشجرة الأرزة لا تهتز حتى تُستحصد» (١).
والحديث يشير إلى قابلية الانعطاف التي يتمتع بها المؤمن ولا يتمتع بها المنافق ، فالمؤمن كالزرع الذي تحنيه الرياح ثم يرجع إلى ما كان عليه ، أمَّا المنافق فمثل شجرة الصنوبر ذات القامة المستقيمة التي لا تقبل الانحناء ممَّا يجعلها تنكسر بالرياح الشديدة.
__________________
تستند إليه ، وما أشارت إليه الآية هو النوع الثاني.
(١) ميزان الحكمة ، الباب ٣٦٠٨ ، الحديث ١٨٤٦٨.