الجهة الثالثة :
ما نسب إلى بعض الأخباريين أيضا : من أن القاعدة وان اقتضت الملازمة بين حكم العقل والشرع ، إلا أنه قامت الأدلة السمعية على منع العمل بهذه الملازمة وأنه لابد من توسيط تبليغ الحجة ، ولا عبرة بالحكم الواصل من غير تبليغ الحجة ، ولذلك حكى عن بعض الأخباريين من المنع عن العمل بالقطع الحاصل من المقدمات العقلية. وهذا المعنى لو تم وصحت النسبة فلابد وأن يكون ذلك بنتيجة التقييد (١) ـ على ما تقدم بيانه في حجية القطع ـ ولا يرد عليه إشكال عدم المعقولية إلا أن الشأن في دلالة الأخبار المذكورة على ذلك ، فان الأخبار على كثرتها بين طوائف ثلاث : طائفة منها ظاهرة في المنع عن الأخذ بالقياس والاستحسانات الظنية والاعتبارات الوهمية (٢) كما عليه العامة ، وهذا لا ربط له بما نحن فيه. وطائفة منها ظاهرة في اعتبار الولاية في صحة العبادات (٣) وهذا أيضا لا ربط له بما نحن فيه. وطائفة منها ظاهرة في مدخلية تبليغ الحجة (٤) وهي التي يمكن أن يستدل بها في المقام (٥) وأوقعت الأخباريين في الوهم.
والانصاف : أنه لا دلالة لها على مدعاهم ، فان الحكم الشرعي المستكشف من المستقلات العقلية يكون مما وصل إلى المكلف بتبليغ الحجة
________________________
(١) أقول : قد تقدم أن نتيجة التقييد على فرض تماميته ينتج عدم حصول القطع بحكم شرعي ، لا أنه مع القطع به العقل يحكم بعدم العمل به ، أو الأخبار يوجب ردع المكلف عن العمل بهذا العلم ـ كما هو ظاهر مقالتهم ـ وهو المعنون أيضا في كلامه هذا ، فتدبر.
(٢ و ٣) راجع الوسائل الباب ٦ من أبواب صفات القاضي
(٤) راجع الوسائل الباب ٧ من أبواب صفات القاضي
(٥) أقول : يمكن أن يوجه كلام الأخباري بمنع موجبية القطع الناشئ عن الخوض في العقليات لعذر العباد ـ كالقطع أو الغفلة الناشئة عن تقصيره في المقدمات ـ وذلك لا ينافي مع حكمه بلزوم اتباعه حين وجوده ، وبمثل ذلك أيضا أمكن توجيه كلام « الشيخ » في قطع القطاع ، فتدبر.