التعيين والتخيير أو بعض أقسام الواجب التخييري ، ففي بعض وجوه الشك تجرى البراءة ، وفي بعضها لا تجري ، أو إذا كان طرف الشك بعض أقسام الواجب التخييري تجرى البراءة ، وإذا كان طرف الشك بعض آخر لا تجرى.
والأقوى : أن الأصل في جميع الأقسام على جميع وجوه الشك ـ ما عدا الوجه الأوّل ـ هو الإشتغال (١)
________________________
١ ـ أقول : قد تقدم ـ في الحاشية السابقة ـ أن مرجع الفرق بين التخيير والتعيين إلى كون الطلب متعلقا بالوجود على الإطلاق الذي هو طارد لجميع الأعدام ويقتضي المنع عن جميع أنحاء تروكه التي منها تركه في حال وجود غيره ، أو كونه متعلقا بالوجود بنحو يقتضي المنع عن بعض تروكه دون بعض ، ومن المعلوم : أن من لوازم الأخير جعل البديل له ، بخلاف الأول ، وحينئذ فليس قوام حقيقة التعيينية بعدم جعل البدل ، بل هو من تبعات تعلق الوجوب بالوجود لجميع حدوده الطارد لجميع أعدامه ، ومثل هذه الجهة أمر وجودي زائد عن كيفية تعلق الوجوب بهذا الوجود ببعض حدوده بنحو لا يكون طاردا لجميع أعدامه ، وحينئذ فلا محيص من الالتزام بأن جهة التعينية منتزعة عن سعة الطلب واحتوائه لجميع حدود الوجود ، قبال التخييرية المنتزعة عن قصور الطلب عن شموله لجميع حدوده بحيث لا يقتضي المنع إلا عن بعض تروكه ، وحينئذ عند الشك في التعيينية والتخييرية يرجع إلى الشك في تعلقه بحد زائد عما تعلق به على التخييرية ، فقهرا من هذه الجهة يرجع الأمر في مثله إلى الأقل والأكثر ، فلا مجال لإثبات التعينية من هذه الجهة.
نعم : لو علم بوجوب شيء معين ، وشك في وجوب شيء آخر بديله وعدله أو عدم وجوبه ـ كما هو صورة الفرض الأول ـ لا محيص في هذا الفرض من الاشتغال ، لانتهائه إلى العلم الإجمالي بحرمة ترك ما هو الواجب في ظرف ترك وجود الآخر ، أو حرمة ترك الآخر في ظرف ترك هذا الواجب ، فهذا العلم يقتضي تنجز المعلوم مع الجزم بالفراغ باتيان معلوم الوجوب.
وأما لو علم بوجوب شيئين ، وشك في أن كل منهما تعييني أو تخييري ، ففي هذه الصورة لا يبقى مجال لتشكيل العلم الإجمالي بين حرمة ترك الواجب في حال وجود غيره أو حرمة ترك الغير في حال ترك الآخر ، للعلم تفصيلا بحرمة تركه ، فلا يبقى في البين إلا الشك في حرمة ترك كل واحد في حال وجود غيره وهو تحت البراءة من الطرفين ، للعلم التفصيلي بحرمة ترك كل واحد من سائر الجهات ، وإنما الشك في حرمة ترك خاص من كل منهما وهو تحت البراءة ، حيث إنه من مصاديق الأقل والأكثر ، وفي مثله لا مجال لإجراء « قاعدة الشك في المسقط » إذ الشك فيه مسبب عن تعلق الحرمة بتركه المخصوص ، وهو مجرى البراءة ، فيصير البراءة حاكمة على الاشتغال ، لرجوع الأمر بالأخرة إلى الشك في أصل الاشتغال ، كما أنه لا مجال لاستصحاب وجوب الشيء بعد الإتيان بغيره ، لأن الوجوب المردد بين الأقل والأكثر لا ينتج شيئا ، ووجوب آخر من الأول غير معلوم ، كما لا يخفى.