فلو شك في إطلاق التكليف واشتراطه في عالم الجعل والتشريع ، فالأصل يقتضي البراءة عند عدم وجود ما شك في شرطيته ، للشك في التكليف ، وإن شك في الإطلاق والاشتراط في مرحلة البقاء والاستمرار فالأصل يقتضي الاشتغال ، لأن حقيقة الشك يرجع إلى أن الصيام في المثال المتقدم هل يكون مسقطا للتكليف بالصلاة أو لا يكون مسقطا؟ (١) وكلما رجع الشك إلى الشك في المسقط ، فالأصل يقتضي عدم السقوط. فلا يقاس الشك في الإطلاق والاشتراط في مرحلة الحدوث بالشك في الإطلاق والاشتراط في مرحلة البقاء ، فان الأول يرجع إلى الشك في التكليف عند عدم تحقق الشرط ، والثاني يرجع إلى الشك في سقوط التكليف عند عدم الشرط ، وذلك أيضا واضح لا ينبغي إطالة الكلام فيه.
الأمر الثالث :
يعتبر في جريان البراءة أن يكون الشك في أمر مجعول شرعي تناله يد الوضع والرفع ولو بتبع منشأ الانتزاع (٢) كالشك في الجزئية والشرطية ، وإن لم تنلها يد الوضع والرفع في حد نفسها وبحيال ذاتها لأنها من الأمور الانتزاعية كما أوضحناه في محله ـ إلا أنه يمكن وضعها ورفعها بوضع التكليف الذي يكون منشأ انتزاع الجزئية والشرطية ورفعه ، وهذا المقدار يكفي في جريان البراءة عند الشك فيها.
والحاصل : أن الذي يعتبر في جريان البراءة أمران :
__________________
١ ـ أقول : الأولى أن يقال : عند الشك في اشتراط بقاء التكليف المرجع استصحاب بقائه لا الاشتغال ، كيف! وفي طرف البقاء يشك في أصل التكليف وأصل الاشتغال.
وما قرع سمعك من مرجعية الشك في المسقط إلى الاشتغال إنما هو في صورة تعلق الشك بوجود بدل مفوت له ، لا مثل المقام ، كما لا يخفى ، فتدبر.
٢ ـ أقول : وسيتضح لك ( إن شاء الله تعالى ) أن هذه المقدمة غير منتجة لمرامه ، فتكون مستدركا.