الظاهرية ، فيقال : إن في قيام الظن مقام العلم المأخوذ موضوعا يحتاج إلى تنزيلين : تنزيل المظنون منزلة المقطوع ، وتنزيل الظن منزلة القطع ، وأنت بعد ما عرفت حقيقة المجعول في باب الأمارات والأصول ظهر لك : انه ليس في البين تنزيل أصلا ، بل الشارع إنما أعطى صفة المحرزية للظن ، فيرتفع الإشكال من أصله.
فان قلت : هب ان المجعول في باب الأمارات والأصول ذلك ، إلا أن الذي اخذ جزء الموضوع في ظاهر الدليل هو العلم والإحراز الوجداني ، وبأي دليل تقولون : إن الإحراز التعبدي يقوم مقام الإحراز الوجداني؟.
قلت : يمكن التفصي عن هذه بوجوه :
الأول : دعوى أن المراد من العلم الذي اخذ في ظاهر الدليل موضوعا هو العنوان الكلي ـ أي عنوان المحرز ـ بلا أخذ الإحراز الوجداني قيدا له (١) غايته أنه لولا جعل الشارع الطرق والأصول محرزة كان مصداق عنوان المحرز منحصرا بالمحرز الوجداني ، وبعد ذلك الجعل الشرعي يتحقق مصداق آخر
________________________
(١) أقول : بعد ما كان المراد من الإحراز الوجداني بل كل أمر وجداني ما كان العقل بوجدانه يطبق عنوانه على الموجود ، سواء كان الشيء الموجود ذاتيا له أو عرضيا ـ كالبياض المجعول للجسم بسبب في قبال ما فيه البياض باقتضاء ذاته كالثلج مثلا فإنه لا يكون مجعولا للثلج بل بعين جعل الثلج يتحقق البياض ـ فما لا يكون بهذه المثابة قد تقدم أنه لا يطبق العقل عنوانه عليه إلا بنحو من الإدعاء والعناية ، وحينئذ ففي قبال الإحراز الوجداني لا يتصور إلا الإحراز بالعناية والادعاء ، ولا يتصور في البين ثالث ، لما عرفت من دوران الأمر فيه بين النفي والإثبات. وحينئذ نقول : إن مرجع الإحراز بالعناية إلى تنزيل عدم الإحراز منزلة الإحراز ، كجميع العناوين الادعائية ، وقوام هذا الإدعاء إنما هو بكون الشيء خارجا عن حقيقة المنزل عليه بتمامه ، ومعه كيف بتصور اشتراكهما في الجامع الحقيقي بواسطة الإدعاء والتنزيل كي يصير البحث في المقام لفظيا؟.
نعم : لو أريد من الإحراز التشريعي الإحراز الحقيقي بنحو يطبق العقل العنوان عليه بعد الجعل بنحو الحقيقة ـ بحيث كان هذا الإحراز مثل البياض المجعول للجسم أمرا وجدانيا ـ ففي هذه الصورة صح دعوى الجامع بين الإحراز الذاتي والعرضي بعد اشتراكهما في صدق الإحراز الوجداني ، ولكن أنى لك بذلك! ثم أنى لك! إذ لا أظن توهمه من ذي مسكة.