جهة الصدور لإثبات حجية مطلق الظن به (١) وبيانه : هو أنه لا إشكال في أنا نعلم إجمالا بصدور كثير من الأخبار المودعة فيما بأيدينا من الكتب ، ولا سبيل إلى منع العلم الإجمالي بذلك ، فان من تتبع حال الرواة وكيفية اهتمامهم في ضبط الأخبار وأخذها من الكتب المعتبرة يعلم علما وجدانيا بصدور كثير منها عن الأئمة ( صلوات الله عليهم ) ولا إشكال أيضا بأنا مكلفون بما تضمنته هذه الأخبار من الأحكام الشرعية ، فلا يجوز إهمالها. ولا يجب الاحتياط فيها لعدم إمكانه أو تعسره ، ولا يجوز أيضا الرجوع إلى الأصول العملية لمنافاتها للعلم الإجمالي ـ على ما سيأتي بيانه في مقدمات الانسداد ـ لابد حينئذ من الأخذ بمظنون الصدور فقط ، أو مع مشكوك الصدور ، أو مع الموهوم أيضا ، حسب اختلاف مراتب العلم الإجمالي ـ على ما سيأتي تفصيله ـ هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا الوجه.
ولكن يرد عليه :
أوّلاً : انّ العلم الإجمالي بالأحكام لا ينحصر أطرافه في ما بأيدينا من الأخبار ، بل الأمارات الظنية ـ كالشهرة والإجماع المنقول والأولوية الظنية ـ أيضا من أطراف العلم الإجمالي ، بل دائرة العلم الإجمالي أوسع من ذلك أيضا ، فان العلم الإجمالي بثبوت الأحكام في الشريعة يقتضي أن تكون جميع الوقايع المشتبهة ( من المظنونة والمشكوكة والموهومة ) من أطرافه ، فيكون للعلم الإجمالي مراتب ثلاث : الأولى : العلم الإجمالي بثبوت الأحكام فيما بأيدينا من الأخبار. الثانية : العلم الإجمالي بثبوت الأحكام فيما بين الأخبار والأمارات الظنية. الثالثة : العلم الإجمالي بثبوت الأحكام في مجموع الوقايع المشتبهة ، وهذه المرتبة
________________________
١ ـ أقول : كلامه السابق يقتضي أن يكون الانسداد الجاري في المقام هو الانسداد الكبير ، ومن فحاوي كلماته الآتية بل صريح بعضها يقتضي كونه من الانسداد الصغير ، فتدبر فيها صدرا وذيلا ، لعلك تعرف المرام وتدفع بها التهافت في المقام.