ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه عن منكبيه ، تدعى تلك الصماء (١).

وقال ابن فارس : ان يلتحف بالثوب ، ثم يلقى الجانب الأيسر على الأيمن (٢).

وقال الجوهري : أن تجلّل جسدك بثوبك ، نحو شملة الأعراب بأكسيتهم ، وهو ان يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ، ثم يردّه ثانية من خلفه على يده اليمين وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا (٣).

قال : وذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون : هو ان يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه (٤).

وقال الهروي : هو ان يتجلّل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا (٥).

قال القتيبي : وانما قيل صماء لأنّه إذا اشتمل به سد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء.

وقال الأصمعي : ان يشتمل بالثوب حتى يجلّل به جسده ، ولا يرفع منه جانبا ، فيكون فيه فرجة يخرج منها يده.

قال في الغريبين : من فسره بما قاله أبو عبيد فلكراهية التكشف وإبداء العورة ، ومن فسره تفسير أهل اللغة فإنه كره ان يتزمل به شاملا جسده ، مخافة ان يدفع منها الى حالة سادة لمتنفسه فيهلك.

__________________

(١) المغني ١ : ٦٥٨.

(٢) مجمل اللغة ١ : ٥٣١.

(٣) الصحاح ٥ : ١٩٦٨ حكاه عن أبي عبيد.

(٤) الصحاح ٥ : ١٩٦٨ ، وفيه « فرجة » ، وهو الأنسب للحكم بالكراهة. ولكن الموجود في غريب الحديث كما في المتن.

(٥) حكاه عنه الهروي في غريب الحديث ٢ : ١١٧.

٦١

فرع :

على ما فسرناه به لا فرق بين ان يكون تحته ثوب آخر أولا ، كما قال في المعتبر (١) وعلى تفسير الفقهاء انما يكره إذا لم يكن ثوب ساتر للفرج.

السادسة : تكره الصلاة في ثوب المتهم بالتساهل في النجاسة‌ احتياطا للصلاة ، وكذا من لا يتوقّى المحرمات في الملابس.

ولا يحرم ، للأصل ، ولرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : أنّ سنانا أتاه سأله في الذمي يعيره الثوب ، وهو يعلم انّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليه ، أيغسله؟ قال عليه‌السلام : « صل فيه ولا تغسله ، فإنك أعرته وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه ، فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (٢).

وعن المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود » (٣).

وعن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم يشربون الخمر ، ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها؟

قال : « نعم ». قال معاوية : فقطعت له قميصا ، وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابري ، ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار ، فكأنّه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة (٤).

وانما قلنا بالكراهية ، لما روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٩٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦١ ح ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ح ١٤٩٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦١ ح ١٤٩٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٤٩٧.

٦٢

في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجري ويشرب الخمر فيردّه ، أفيصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال : « لا يصل فيه حتى يغسله » (١). والتوفيق بالاستحباب ، قال الشيخ : لأنّ الأصل في الأشياء كلها الطهارة ، فلا يجب الغسل الا بعد العلم بالنجاسة (٢). وروى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في ثوب المجوسي : « يرش بالماء » (٣).

قلت : في هذه الاخبار إشارة الى انّ غلبة ظن النجاسة لا تقوم مقام العلم وان استند الى سبب ، وكذا فتوى الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية والتهذيب (٤) ، وقال في المبسوط : لا تصل في ثوب عمله كافر ، ولا في ثوب أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات (٥).

السابعة : يكره اللثام إذا لم يمنع القرآن ، وان منع شيئا من الأذكار الواجبة حرم. والمفيد أطلق المنع من اللثام (٦).

وفي مضمر سماعة في الرجل يصلي ويتلو القرآن وهو متلثم : « لا بأس به ، وان كشف عن فيه فهو أفضل » (٧).

وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يقرأ في صلاته وثوبه على فيه ، فقال : « لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة » (٨).

وكذا يكره النقاب للمرأة ما لم يمنع من الأذكار ، وهو في خبر سماعة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١ ح ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ح ١٤٩٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٤٩٨.

(٤) النهاية : ٩٩ ، التهذيب ٢ : ٣٦١.

(٥) المبسوط ١ : ٨٤.

(٦) المقنعة : ٢٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٣٠ ح ٩٠٤.

(٨) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ١٧٣ ح ٨١٨ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٤ ، ٢٢٩ ح ٩٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ ح ١٥١٩.

٦٣

المذكور : والمرأة المتنقبة « إذا كشفت عن موضع السجود لا بأس به ، وان سفرت فهو أفضل » (١).

وتكره لها الصلاة في خلخال ذي صوت ، قالوا : لاشتغالها به.

الثامنة : يكره استصحاب الحديد بارزا ، ولا بأس بالمستور.

وقد روى موسى بن أكيل عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة ، ولا بأس بالسيف وكل آلة سلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا يجوز في شي‌ء من الحديد ، فإنه مسخ نجس » (٢).

وروى عمار : « إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به » (٣). فالجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد.

وعن الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يصلّي الرجل وفي يده خاتم حديد » (٤).

قال المحقق : قد بيّنا ان الحديد ليس بنجس باتفاق الطوائف ، فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه ، فإن النجاسة قد تطلق على ما يستحب تجنّبه ، وتسقط الكراهية مع ستره ، وقوفا بالكراهية على موضع الاتفاق ممن كرهه (٥).

التاسعة : ذكر كثير من الأصحاب كراهة الصلاة في قباء مشدود ، إلاّ في الحرب (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٠ ح ٩٠٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٠ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ ح ٨٩٤.

(٣) قال الشيخ في التهذيب ٢ : ٢٢٧ ذيل الحديث ٨٩٤ : ( وقد قدمنا رواية عمار الساباطي أن الحديد متى كان في غلاف .. ) ، ولم نلاحظ غيره.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٤ ح ٣٥ ، الفقيه ١ : ١٦٣ ح ٧٧١ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ ح ٨٩٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٩٨.

(٦) راجع : النهاية : ٩٨ ، المراسم : ٦٤ ، المهذب ١ : ٧٤ ، شرائع الإسلام ١ : ٧٠.

٦٤

قال الشيخ : ذكره علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم أجد به خبرا مسندا (١).

قلت : قد روى العامة انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يصلّي أحدكم الا وهو محزّم » (٢) وهو كناية عن شدّ الوسط ، وكرهه في المبسوط (٣).

العاشرة : قال في التذكرة يكره التصليب في الثوب ، لأنّ عائشة قالت : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يترك شيئا فيه تصليب إلا قضية يعني : قطعه ، ولما فيه من التشبّه بالنصارى (٤).

الحادية عشرة : حكى في التذكرة كراهة السدل ، وهو : أن يلقى طرف الرداء من الجانبين ، ولا يردّ أحد طرفيه على الكتف الأخرى ، ولا يضمّ طرفيه بيده ، لما روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنه (٥).

وبه قطع ابن إدريس ، ونسبه الى اليهود ، ذكر انه هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة ، وانه قول المرتضى رحمه‌الله (٦). وجزم ابن الجنيد أيضا بكراهة السدل ، ونسبه الى اليهود.

وللعامة فيه خلاف ، قال ابن المنذر : ولا أعلم فيه حديثا [ يثبت ] (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٢.

(٢) مسند احمد ٢ : ٤٥٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٥٣ ح ٣٣٦٩.

(٣) المبسوط ١ : ٨٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٩.

ورواية عائشة في : مسند احمد ٦ : ٢٣٧ ، سنن أبي داود ٤ : ٧٢ ح ٤١٥١.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٩.

ونهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في : مسند احمد ٢ : ٢٩٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٧٤ ح ٦٤٣ ، الجامع الصحيح ٢ : ٢١٧ ح ٣٧٨ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٥٣.

(٦) السرائر : ٥٦.

(٧) المجموع ٣ : ١٧٨ ، المغني ١ : ٦٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٥٠٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٦٥

الثانية عشرة : يكره الإزار فوق القميص ، لقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير : « لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص (١) إذا صلّيت ، فإنّه من زي الجاهلية » (٢) ، و« لا ينبغي » ظاهره الكراهية ، ولأنّ موسى بن بزيع سأل الرضا عليه‌السلام أشدّ الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة ، فقال : « لا بأس به » (٣).

وقد قيل : ان في الائتزار فوق القميص تشبها بأهل الكتاب ، وقد نهينا عن التشبّه بهم (٤).

وروى موسى بن القاسم البجلي ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يصلّي في قميص قد ائتزر فوقه بمنديل (٥).

قال في المعتبر : الوجه ان التوشح فوق القميص مكروه ، واما شدّ المئزر فوقه فليس بمكروه (٦) مع انّ علي بن يقطين روى عن العبد الصالح ، هل يصلي الرجل وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب : « نعم » (٧).

وقال في التهذيب عقيب الأخبار المذكورة : لا تناقض ، لأنّ المراد بالاخبار المتقدمة هو أن لا يلتحف الإنسان بالإزار ويشتمل به كما يلتحف اليهود ، واما التوشح بالإزار فهو ليغطي ما قد كشف منه ، ويستر ما تعرّى من بدنه ، لما رواه سماعة قال : سألته عن رجل يشتمل في صلاته بثوب واحد ،

__________________

(١) في الكافي زيادة : « وأنت تصلي ، ولا تتزر بإزار فوق القميص » ، وراجع في ذلك : الحدائق الناصرة ٧ : ١٢٠ ، جواهر الكلام ٨ : ٢٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٥ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ح ٨٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ح ١٤٧٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٦ ح ٧٨٠ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ح ٨٤٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ح ١٤٧٥.

(٤) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٩٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٥ ح ٨٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ح ١٤٧٦.

(٦) المعتبر ٢ : ٩٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢١٥ ح ٨٤٤.

٦٦

قال : « لا يشتمل بثوب واحد ، فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس » (١).

قلت : روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهم عليهم‌السلام ، قال : « الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه ، والتوشح فوق القميص مكروه » (٢).

فقد تحصّلنا من هذه على ما قاله في المعتبر ، ولا بأس به ، لإمساس الحاجة إليه في الثوب الشاف ، وان كان جعله تحت القميص أولى ، حتى ادّعى الفاضل الإجماع على عدم كراهيته (٣) مع انه قد روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه‌السلام في الذي يتوشح ويلبس قميصه فوق الإزار ، قال : « هذا عمل قوم لوط ». قلت : فإنه يتوشح فوق القميص. قال : « هذا من التجبر » (٤).

وقال ابن الجنيد : لا بأس ان يتّزر فوق القميص إذا كان يصف ما تحته ، ليستر عورته.

الثالثة عشرة : تستحب الصلاة في النعل العربية‌ عند علمائنا ، لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا صلّيت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإنه يقال ذلك من السنة » (٥).

وعن معاوية بن عمار : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي في نعليه غير مرّة ، ولم أره ينزعهما (٦).

وعن علي بن مهزيار : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام صلّى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٥ ، ورواية سماعة فيه برقم ٨٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٤ ح ٨٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ح ١٤٧٢.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٩.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٨ ح ٧٩٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ ح ١٥٤٢.

(٥) الفقيه ١ : ٣٥٨ ح ١٥٧٣ ، التهذيب ٢ : ٢٣٣ ح ٩١٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ح ٩١٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ح ٩١٨.

٦٧

ويستحب زرّ الثوب الذي له أزرار ، لأنه أصون للعورة ، ولما رواه غياث ابن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « لا يصل الرجل محلول الأزرار » (١) جمعا بينه وبين رواية زياد بن سوقه السالفة (٢).

وروى إبراهيم الأحمري عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلي وأزراره محلولة ، قال : « لا ينبغي ذلك » (٣) وهو ظاهر في الكراهية.

وروى عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلى فيدخل يده في ثوبه ، قال : « ان كان عليه ثوب آخر ـ إزار أو سراويل ـ فلا بأس ، وان لم يكن فلا يجوز له ذلك ، وان أدخل يدا واحدة ولم يدخل الأخرى فلا بأس » (٤).

ومنع الجواز هنا يراد به الكراهية ، لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه ، فقال : « إن اخرج يديه فحسن ، وان لم يخرج فلا بأس » (٥).

وروى أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المصلي رجلا أو امرأة وعليه خضابه : لا يصلّي وهو عليه ، لكن ينزعه وان كانت خرقته نظيفة (٦). وحملها الشيخ على الندب لروايات ، منها : رواية رفاعة انّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة ، أيصلي في حنائه؟ قال : « نعم إذا كانت خرقته طاهرة وكان متوضئا » (٧).

ويستحب لمن صلّى في سراويل وحده ان يجعل على عاتقه شيئا ولو‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٦ ح ١٣٣٤ ، ٣٥٧ ح ١٤٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ح ١٤٩٥.

(٢) تقدمت في ص ٥٣ الهامش ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٩ ح ١٥٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ح ١٤٩٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٥ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ح ١٤٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ ح ١٤٩٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٤ ح ٨٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ح ١٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩١ ح ١٤٩١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٥٥ ح ١٤٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ ح ١٤٨٦.

(٧) الفقيه ١ : ١٧٣ ح ٨١٩ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ح ١٤٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩١ ح ١٤٨٧.

٦٨

نكته ، ولو كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ، روى ذينك عبد الله ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام (١).

وروى محمد بن الحسين بن كثير ، عن أبيه ، قال : رأيت على أبي عبد الله عليه‌السلام جبة صوف بين ثوبين غليظين ، فقلت له في ذلك ، فقال : « رأيت أبي يلبسها ، انا إذا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا » (٢).

قلت : أما للمبالغة في الستر وعدم الشف والوصف ، واما للتواضع لله تعالى ، مع انّه قد روي استحباب التجمّل في الصلاة (٣) وذكره ابن الجنيد وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس (٤).

وروى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام : « لا تصلي المرأة عطلا » (٥) ـ وهي : بضم العين والطاء والتنوين ـ وهي : التي خلا جيدها من القلائد.

وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه‌السلام في الرجل يصلّي ومعه دبّة من جلد حمار ، وعليه نعل من جلد حمار : « لا يصلح ان يصلي وهي معه ، الا ان يتخوف عليها ذهابا فلا بأس » (٦).

قلت : الدبة ـ بفتح الدال والتشديد ـ وعاء الذهن.

وتستحب الصدقة بثمن الثوب الذي يصلي فيه لو باعه ، تأسيا بزين العابدين عليه‌السلام فيما رواه الشيخ عن الحلبي : انّ علي بن الحسين عليه‌السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء ، فإذا جاء الصيف باعه ، وتصدّق بثمنه ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٦ ح ٧٨٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ ح ١٥١٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ح ١٥٢٥.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤٤ ح ١٤ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٣٦.

(٤) المهذب ١ : ٨٤ ، الكافي في الفقه : ١٣٩ ، السرائر : ٥٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧١ ح ١٥٤٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ح ١٥٥٣.

٦٩

ويقول : « اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب عبدت الله فيه » (١).

الرابعة عشرة : تجوز الصلاة وعليه برطلة ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا « يضره » (٢).

ولو استعار ثوبا وصلّى فيه ، فأخبره المعير انّه كان نجسا ، لم يعد وان كان في الوقت ، لعدم افادة قوله العلم. ولو أفاد بني على الخلاف في إعادة مثله في الوقت ، اما مع الخروج فلا إشكال في عدم الإعادة ، وسأل العيص أبا عبد الله عليه‌السلام في ذلك ، فقال : « لا يعيد شيئا من صلاته » (٣).

وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام فيمن يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي ، قال : « لا يؤذنه حتى ينصرف » (٤) وفيه دلالة على عدم الإعادة في الوقت. والرواية صحيحة ، وأوردها الفاضل في التذكرة ولم يعرض لها (٥).

وتجوز الصلاة مستصحبا للمسك ، لطهارته ، ورواه علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٦). وفي مكاتبة إلى العسكري عليه‌السلام : « لا بأس به إذا كان ذكيا » (٧).

قلت : المراد به ان يكون طاهرا ، ويحتمل أمرين :

أحدهما : التحرز من نجاسة عارضة له.

والثاني : التحرّز ممّا يؤخذ من الظبي في حال الحياة بجلده ، لأنّ السؤال‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٩ ح ١٥٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٢ ح ٨١٣ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٥٠١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ ح ١٤٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ ح ٦٣١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٦ ح ٨.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٠.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٤ ح ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٤٩٩.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٥٠٠.

٧٠

عن فأرة المسك.

ويجوز لبس ما يتمندل به في الصلاة ، كما روي في مرفوعة محمد بن يحيى عن الصادق عليه‌السلام : « صل في منديلك الذي تتمندل به ، ولا تصل في منديل يتمندل به غيرك » (١).

ويلحق بذلك آداب في اللباس منقولة من أخبار الكافي وغيره.

يستحب إظهار النعمة ، ونظافة الثوب ، فبئس العبد القاذورة (٢).

قلت : الظاهر انه هنا الذي لا يتنزّه عن الأقذار. وفي اللغة : يقال على المبالغ في التنزه (٣) وعلى الذي لا يخالّ الناس لسوء خلقه (٤).

ويستحب التزين للصاحب كالغريب ، وإكثار الثياب واجادتها ، فلا سرف في ثلاثين قميصا ولا في نفاسة الثوب ، فقد لبس زين العابدين عليه‌السلام ثوبين للصيف بخمسمائة درهم (٥) وأصيب الحسين عليه‌السلام وعليه الخز (٦) ، ولبس الصادق عليه‌السلام الخز (٧). وما نقل عن الصحابة من ضد ذلك ، للاقتار ، وتبعا للزمان. نعم ، يستحب استشعار الغليظ ، وتجنب الثوب الذي فيه شهرة.

والأفضل القطن ، فإنّه لباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) والأبيض. ولا بأس بالمعصفر والأحمر والمصبوغ ـ وان كرهت الصلاة فيه ـ والوشي : وهو ـ بفتح الواو وسكون الشين ـ ضرب من الثياب معروف ، ويقال : هو الذي نسج‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٢ ح ٢٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣٩ ح ٦.

(٣) النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٨.

(٤) الصحاح ٢ : ٧٨٨ مادة ـ قذر.

(٥) الكافي ٦ : ٤٤١ ح ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٤٤٢ ح ٧.

(٧) قرب الاسناد : ٨ ، الكافي ٦ : ٤٥٢ ح ١٠.

(٨) الكافي ٦ : ٤٥٠ ح ٢.

٧١

على لونين.

والنهي عن لبس الصوف والشعر للتنزيه ، أو بحسب الزمان ، لان الصادق عليه‌السلام فعله ، وروى عن أبيه وجده فعله (١).

ويستحب قصر الثوب ، فالقميص الى فوق الكعب ، والإزار الى نصف الساق ، والرداء الى الأليين. وليرفع الثوب الطويل ولا يجر. ولا يتجاوز بالكم أطراف الأصابع ، نصّ عليه في القميص (٢). ولا يبتذل ثوب الصون (٣).

ويستحب رقع الثوب ، والدوام على التحنك. وروي سدل طرف العمامة من قدم وأخر والتحنك للإمام ، والخارج الى سفر آكد (٤). ويجوز لبس القلنسوة ذات الأذنين والمضرّبة (٥).

ويستحب استجادة الحذاء. وفي صحاح العامة عن جابر ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في غزوة غزوناها : « استكثروا من النعال ، فان الرجل لا يزال راكبا ما انتعل » (٦).

ويستحب ابتداء اللبس باليمين ، والخلع باليسار ، لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) ورويناه (٨).

ويكره المشي في نعل واحدة ، وبه أخبار كثيرة في الصحاح (٩) ومن طرق‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥٧ ح ٧.

(٣) الكافي ٦ : ٤٦٠ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٦١ ح ١ ، ٦.

(٥) الكافي ٦ : ٤٦١ ح ١ ، ٦.

(٦) مسند احمد ٣ : ٣٣٧ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٠ ح ٢٠٩٦ ، سنن أبي داود ٤ : ٦٩ ح ٤١٣٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٧ : ٤٠٢ ح ٥٤٣٤.

(٧) مسند احمد ٢ : ٢٤٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٠ ح ٢٠٩٧ ، سنن أبي داود ٤ : ٧٠ ح ٤١٣٩ ، الجامع الصحيح ٤ : ٢٤٤ ح ١٧٧٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان ٧ : ٤٠١ ح ٥٤٣١.

(٨) الكافي ٦ : ٤٦٧ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٩) راجع : صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٠ ح ٢٠٩٧ ، سنن أبي داود ٤ : ٦٩ ح ٤١٣٦ ، الجامع الصحيح ٤ : ٢٤٢ ح ١٧٧٤.

٧٢

الأصحاب (١) وفي بعضها : « الا لا صلاح الآخر » مع الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الآخر حتى يصلحها » (٢).

وتكره النعال الملس والممسوحة بل ينبغي المخصّرة ، ولا يترك تعقيب النعل.

ويكره عقد الشراك فينبغي القبالان ، تأسيا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

ويستحب الخلع عند الجلوس ، واختيار الصفراء لا السوداء.

ويستحب لبس الخف ، ويكره الأبيض المقشور.

ويستحب التختم بالورق ، وليكن في اليمين ، ويكره في اليسار ، وفي رواية رخّص في اليسار (٤) وقد روى العامة عن أنس انّه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تختم في خنصر يساره (٥) والمشهور من روايات الأصحاب انّ معاوية سنّ ذلك (٦).

وفي صحاح العامة : كراهة التختم في الوسطى والبنصر ، عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧).

ويستحب جعل الفص مما يلي الكف ، ورووه في الصحاح (٨).

__________________

(١) راجع : الكافي ٦ : ٥٣٤ ح ٨ ، ١٠.

(٢) مسند احمد ٢ : ٥٢٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٠ ح ٢٠٩٨ ، سنن أبي داود ٤ : ٧٠ ح ٤١٣٧ ، سنن النسائي ٨ : ٢١٧.

(٣) الجامع الصحيح ٤ : ٢٤٢ ح ١٧٧٢ ، سنن النسائي ٨ : ٢١٧.

(٤) تحف العقول : ٤٨٨.

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٦٥٩ ح ٢٠٩٥.

(٦) راجع : مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٠٢. ومحاضرات الأدباء ٢ : ٣٧٤.

(٧) صحيح مسلم ٣ : ١٦٥٩ ح ٢٠٩٦.

(٨) صحيح البخاري ٧ : ٢٠٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٥٨ ح ٢٠٩٤ ، سنن النسائي ٨ : ١٧٣.

٧٣

ورويناه (١).

ويكره التختم بالحديد (٢). وروي انّ التختم بالعقيق ينفي الفقر والنفاق ، ويقضى له بالحسنى ، ويأمن في سفره (٣) وبالياقوت ينفي الفقر (٤) وبالزمرد يسر لا عسر فيه (٥).

وروي استحباب التختم بالفيروزج ، ويسمى : الظفر ، وبالجزع اليماني ، وفص البلور (٦).

ورووا انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له خاتم ورق فصه حبشي (٧).

قلت : الجزع ـ بسكون الزاي بعد الجيم المفتوحة ـ خرز ، واليماني : خرز فيها بياض وسواد.

ويستحب نقش الخاتم ، تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة بعده (٨).

ويجوز تحلية الصبيان والنساء بالذهب.

ويستحب القناع بالليل ، ويكره بالنهار (٩).

ويكره لبس البرطلة (١٠). والزيادة على فراش له ، وآخر لأهله ، وآخر لضيفه ، فإن الزائد للشيطان (١١).

__________________

(١) مكارم الأخلاق ١ : ٨٩.

(٢) الجعفريات : ١٨٥.

(٣) راجع : الكافي ٦ : ٤٧٠ ح ١ ـ ٣ ، ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٤٧١ ح ١.

(٥) الكافي ٦ : ٤٧١ ح ٣.

(٦) راجع : الكافي ٦ : ٤٧٢.

(٧) صحيح مسلم ٣ : ١٦٥٨ ح ٢٠٩٤.

(٨) راجع : الكافي ٦ : ٤٧٣ ، باب نقش الخواتيم.

(٩) المستفاد مما رواه في الكافي ٦ : ٤٧٨ كراهيته فيهما.

(١٠) الكافي ٦ : ٤٧٩ ح ٥.

(١١) الكافي ٦ : ٤٧٩ ح ٦.

٧٤

ويستحب التسرول جالسا ـ وقد روي انه ينفي وجع الخاصرة (١) ـ والتعمم قائما (٢).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٩ ح ٧.

(٢) راجع : النهاية : ١٠٠ ، المهذب ١ : ٧٦ ، المعتبر ٢ : ١٠٨ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٨٧.

٧٥
٧٦

الباب الخامس :

في المكان‌.

وفيه فصول :

الأول :

لا خلاف في جواز الصلاة في المكان المملوك ، أو المأذون فيه صريحا أو فحوى ، كالمساجد ، والربط ، والصحاري ، والأماكن المأذون في غشيانها والاستقرار فيها.

اما المغصوب ، فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه ، واما بطلانها فقول الأصحاب (١) ، وعليه بعض العامة (٢) لتحقق النهي المفسد في العبادة.

قالوا : النهي عن أمر خارج عن الصلاة ، كرؤية غريق يحتاج إلى إنقاذه ، وليس هناك غير هذا المصلي (٣).

قلنا : الحركات والسكنات أجزاء حقيقية من الصلاة وهي منهي عنها ، وإنقاذ الغريق أمر خارج. على انّ لملتزم ان يلتزم بطلان صلاته ، لتضيّق الإنقاذ ، فينهى عن الصلاة ولو في ضيق الوقت ، لأنّ لها بدلا.

ولا فرق بين الغاصب وغيره ممن علم الغصب وان جهل الحكم. وفي الصلاة في الصحاري المغصوبة وجه للمرتضى ـ رحمه‌الله ـ استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب.

ولو صلّى في المغصوب اضطرارا ـ كالمحبوس ، ومن يخاف على نفسه‌

__________________

(١) النهاية : ١٠٠ ، المراسم : ٦٥ ، الوسيلة : ٨٩ المعتبر ٢ : ١٠٨.

(٢) راجع : المجموع ٣ : ١٦٤ ، المغني ١ : ٧٥٨.

(٣) المغني ١ : ٧٥٨.

٧٧

التلف بخروجه منه ـ صحت صلاته ، لعموم : « وما استكرهوا عليه » (١) واشتراط ضيق الوقت يعلم مما سلف ، والأقرب عدمه. ولو صلى فيه ناسيا فكالثوب المغصوب.

ولا فرق في البطلان بين غصب العين والمنفعة ، كادّعاء الوصية بها ، أو استيجارها كذبا ، وكإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع منه. ولو غصب دابة وصلّى عليها فرضا للضرورة ، أو نفلا مطلقا ، بطل أيضا بل أبلغ ، وكذا السفينة ، ولو لوحا واحدا مما له مدخل في استقرار المصلي.

ولا فرق بين جميع الصلوات حتى الجمعة والعيد والجنازة. والفرق ركيك ، والاعتذار بلزوم فوات هذه إذا امتنع منها أرك (٢). والتشبيه بالصلاة خلف الخوارج والمبتدعة (٣) سهو في سهو.

ولو صلّى المالك في المغصوب صحت صلاته إجماعا ، الا من الزيدية (٤). ولو أذن للغاصب أو لغيره صحت الصلاة مع بقاء الغصبية.

وقال الشيخ في المبسوط : فان صلّى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه ، ولا فرق بين ان يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة فيه ، لأنّه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (٥).

واختلف في معناه ، ففي المعتبر : انّ الآذن : المالك ، لانه قال : الوجه الجواز لمن أذن له المالك (٦).

__________________

(١) الخصال : ٤١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ ح ٢٠٤٥ ، الجامع الصغير ٢ : ١٦ ح ٤٤٦١ عن الطبراني.

(٢) المغني ١ : ٧٥٩.

(٣) المغني ١ : ٧٥٩.

(٤) راجع : تذكرة الفقهاء ١ : ٨٧.

(٥) المبسوط ١ : ٨٤.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٩.

٧٨

وقال الفاضل : الآذن : الغاصب (١).

وكلاهما مشكل.

أما الأول : فلما قاله في المعتبر. وأما الثاني : فلأنّه لا يذهب الوهم الى احتمال جواز اذن الغاصب ، فكيف ينفيه الشيخ معللا له بما لا يطابق هذا الحكم. ويمكن توجيه الأول : بأنّ المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة ، كما لو باعه فإنه باطل لا يبيح المشتري التصرف فيه.

ويجوز ان تقرأ ( إذن ) بصيغة المجهول ، ويراد به الاذن المطلق المستند الى شاهد الحال ، فانّ طريان الغصب يمنع من استصحابه كما صرّح به ابن إدريس (٢) ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى ـ رحمه‌الله ـ وتعليل الشيخ مشعر بهذا.

ثم هنا مسائل :

الأولى : لو علم الكراهية من صاحب الصحراء وشبهها امتنعت الصلاة ، لأنّه كالغاصب حينئذ. ولو جهل بني على شاهد الحال.

ولو علم انّها لمولى عليه ، فالظاهر الجواز ، لإطلاق الأصحاب ، وعدم تخيّل ضرر لاحق به فهو كالاستظلال بحائطه ، ولو فرض ضرر امتنع منه ومن غيره. ووجه المنع : ان الاستناد الى انّ المالك أذن بشاهد الحال ، والمالك هنا ليس أهلا للإذن ، الا ان يقال : انّ الولي أذن هنا ، والطفل لا بدّ له من ولي.

الثانية : لو نهى الآذن في القرار عن الصلاة‌ لم يصل ، فان نهى في الأثناء فالإتمام قوي استصحابا ، ولأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه. ويمكن القطع مع سعة الوقت ترجيحا لحق الآدمي ، والخروج مصليا جمعا بين الحقين ، وهو ضعيف ، لأنّ فيه تغيير هيئة الصلاة فقد أسقط حق الله تعالى.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٧ ، تحرير الأحكام : ٣٢.

(٢) السرائر : ٥٨.

٧٩

ولو كان إيقاع الصلاة بإذنه ثم رجع ففيه الأوجه ، ولكن يترجّح الإتمام هنا ، لأنّ العارية قد تلزم في بعض الصور ، وهذا اذن صريح وإعارة محضة.

وعلى كل تقدير لو ضاق الوقت لم يحتمل القطع ، بل الخروج مصليا حتى في المكان المغصوب.

الثالثة : حكم النافلة حكم الفريضة هنا.

وكذا الطهارة ، وفي المعتبر : لا تبطل في المكان المغصوب ، لان الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها (١).

ويشكل : بأن الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان ، فالأمر بها أمر بالكون مع انّه منهي عنه ، وهو الذي قطع به الفاضل ، قال : وكذا لو أدّى الزكاة أو قرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان. اما الصوم في المكان المغصوب فجزم بصحته ، لانه لا مدخل للكون فيه (٢).

الرابعة : يشترط طهارة المكان ، بمعنى : أنّ النجس إذا تعدّى الى ثوبه أو بدنه بطلت الصلاة. ولو كان يابسا لم تبطل عدا مسقط الجبهة.

والمرتضى اشترط طهارة جميع المصلّى مطلقا (٣).

واشترط أبو الصلاح طهارة مساقط السبعة (٤).

لنا قضية الأصل ، وعموم : « جعلت لي الأرض مسجدا » (٥) وقول الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة في الشاذ كونة تكون عليها الجنابة ، أيصلي عليها في المحمل؟ فقال : « لا بأس » (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٠٩.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٧.

(٣) عنه المحقق في المعتبر ١ : ٤٣١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٥) سيأتي بتمامه في ص ١١٣ الهامش ٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٨ ح ٧٣٩ ، التهذيب ١ : ٣٦٩ ح ١٥٣٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ ح ١٤٩٩. وفي الجميع : عن الباقر عليه‌السلام.

٨٠