ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

بِها ) (١) فان ظاهره التخيير ، وبه استدل العامة.

قلت : الحقيقة هنا غير مرادة ، لامتناع الانفكاك عن الجهر والإخفات ، بل المراد نفي الجهر الزائد عن المعتاد ، ونفي المخافتة التي تقصر عن الاسماع ، لرواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام في تفسيرها : « الجهر ان ترفع صوتك شديدا ، والمخافتة ما دون سمعك » (٢).

فان قلت : ففي رواية علي بن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « السنّة في صلاة النهار بالإخفاء ، والسنّة في صلاة الليل بالإجهار » (٣) والسنّة ترادف الندب.

قلت : حملها الشيخ على النافلة (٤). ولو سلّم إرادة الفريضة فالسنة تطلق على الفرض كثيرا ، بمعنى : انه ثابت بالسنة.

تنبيه :

أقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان يسمع ، وحدّ الإخفات إسماع نفسه ان كان يسمع والاّ تقديرا ، قال في المعتبر : وهو إجماع العلماء ، ولان ما لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة (٥) ، ولرواية سماعة السابقة (٦).

وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « لا يكتب من القراءة والدعاء الاّ ما اسمع نفسه » (٧).

__________________

(١) سورة الإسراء : ١١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ٢١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٥.

(٤) الاستبصار ١ : ٣١٤.

(٥) المعتبر ٢ : ١٧٧.

(٦) تقدمت في الهامش ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩٤.

٣٢١

وروى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يقرأ في الصلاة وثوبه على فيه ، فقال : « لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة » (١).

فإن قلت : فقد روى علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليهما‌السلام : « لا بأس ان لا يحرّك لسانه يتوهّم توهّما » (٢).

قلت : حمله الشيخ على من كان في موضع تقية ، لمرسلة محمد بن أبي حمزة عنه عليه‌السلام : « يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس » (٣).

ولا جهر على المرأة إجماعا من الكل ، فيكفيها إسماع نفسها تحقيقا أو تقديرا. ولو جهرت وسمعها الأجنبي ، فالأقرب الفساد مع علمها ، لتحقق النهي في العبادة. ولو سمعها المحرم ، أو النساء ، أو لم يسمعها أحد ، فالظاهر الجواز ، للأصل ، وان عدم وجوب الجهر عليها معلّل بكون صوتها عورة.

فرع :

الخنثى تتخيّر في الجهر والإخفات ، وان جهرت في مواضع الجهر فهو أولى ، إذا لم يستلزم سماع من يحرم سماعة.

امّا باقي أذكار الصلاة فقد سبق ما يدل على استحباب الجهر للإمام ، والاسرار للمأموم ، واما المنفرد فالظاهر تخييره ، لرواية علي عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن التشهد ، والقول في الركوع والسجود والقنوت ، للرجل ان يجهر به؟ قال : « ان شاء جهر ، وان شاء لم يجهر » (٤) وقد سبق.

الثالثة عشرة : لا يجوز ان يقرأ في الفريضة عزيمة على الأشهر ، للزوم أحد الأمرين : اما الإخلال بالواجب ان نهيناه عن السجود ، واما زيادة سجدة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٧ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ح ١١٩٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ ، والحديث فيهما برقم ٣٦٦ ، ١١٩٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧٢.

٣٢٢

في الصلاة متعمّدا إن أمرناه به ، وكلاهما ممنوع منه. ولرواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : « لا يقرأ في المكتوبة شي‌ء من العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة » (١).

وفي رواية سماعة : « لا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوع » (٢) يعني : سورة العلق.

وقد روى عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ، فقال : « إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ، وإن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها » الحديث (٣).

والأشهر بين الأصحاب العمل على الخبرين الأولين ـ وان كان في سندهما كلام ـ إلاّ ابن الجنيد ، حيث يقول : إن كان في فريضة أومأ ، فإذا فرغ قرأها وسجد (٤) ولكنه لا يرى وجوب سورة بعد الحمد ، ورواية عمار دالة عليه أيضا.

ومن ثم قال في المعتبر : إن قلنا بوجوب السورة وحرمنا الزيادة لزم المنع من قراءة العزيمة ، وان أجزنا أحدهما لم نمنع إذا ترك موضع السجود (٥).

قلت : وكذا لو لم نوجب السجود في الحال لمانع يمنع منه ـ وهو التلبس بالصلاة التي ينافيها زيادة السجود ـ لم نحكم بالبطلان كما قاله ابن الجنيد ، وفي بعض الروايات إيماء إليه ، مثل رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « ان صليت مع قوم فقرأ الامام ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) أو شيئا من العزائم ، وفرغ من قراءته ولم يسجد ، فأومى إيماء » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٦ ح ٣٦١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ح ١١٧٧.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر ٢ : ١٧٥.

(٥) المعتبر ٢ : ١٧٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ ح ١١٩٢.

٣٢٣

وهناك أخبار مطلقة في إباحة قراءة العزائم في الصلاة ، وهي محمولة على النافلة ـ كرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) ورواية عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام (٢) ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٣) ـ للجمع بين الروايات ، وزيادة السجود في النافلة مغتفر.

وقد دلت رواية الحلبي على ان السجود إذا كان في آخرها ، سجد وقام فقرأ الحمد ثم ركع (٤).

وروى وهب بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « إذا كان السجود آخرها أجزأ الركوع بها » (٥). وحمله الشيخ على من يصلي مع قوم لا يمكنه ان يسجد ويقوم ويقرأ الحمد ، مستشهدا بمقطوعة سماعة : « إذا قام منفردا فليقرأ الفاتحة ثم يركع ، وان كان مع إمام لا يسجد أومأ بها وركع » (٦).

وفي المبسوط : يقرأ إذا قام من السجود الحمد وسورة أخرى أو آية (٧).

فرع :

لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة ، ففي وجوب الرجوع عنها ما لم يتجاوز النصف وجهان ، يلتفتان على انّ الدوام كالابتداء أو لا؟ والأقرب : الأول.

وان تجاوز ، ففي جواز الرجوع وجهان أيضا ، ومن تعارض عمومين أحدهما : المنع من الرجوع هنا مطلقا. والثاني : المنع من زيادة سجدة ، وهو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٨٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ح ١١٧٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٦ عن محمد عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٤) راجع الهامش ٦ من الصفحة السابقة.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ح ١١٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ح ١١٩٠.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٩ ، والمقطوعة فيهما برقم ١١٧٤ ، ١١٩١.

(٧) المبسوط ١ : ١١٤.

٣٢٤

أقرب. وان منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها.

ويحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة ، وهو قريب أيضا ، مع قوة العدول مطلقا ما دام قائما.

وابن إدريس قال : ان قرأها ناسيا مضى في صلاته ، ثم قضى السجود بعدها (١) وأطلق.

الرابعة عشرة : لا يجوز ان يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته ، لاستلزامه تأخير الصلاة عن وقتها عمدا وهو حرام. وقد روى في التهذيب عن عامر بن عبد الله عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « من قرأ شيئا من ال ( حم ) في صلاة الفجر فاته الوقت » (٢).

ولو ظن التضيّق بعد شروعه فيها ، وجب العدول إلى أقصر منها ـ وان تجاوز نصف الأولى ـ إذا ضاق الوقت عن تمامها.

الخامسة عشرة : اختلفت الروايات في القران بين سورتين في الفريضة مع الفاتحة. فروى منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا أكثر » (٣).

وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال : « لا لكل سورة ركعة » (٤).

وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام ، قلت له : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال : « نعم ». قلت : أليس يقال : أعط كل سورة حقها من الركوع‌

__________________

(١) السرائر : ٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ح ١١٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٧ ، وفي الجميع : « بأكثر ».

وقد تقدم في ص ٣٠٠ الهامش ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٨.

٣٢٥

والسجود؟ فقال : « ذاك في الفريضة ، فأما في النافلة فلا بأس » (١).

وظاهر هذه كلها التحريم ، وعليه الشيخ في النهاية ، وجعله مفسدا للصلاة (٢) وكذا لم يجوّزه في التهذيب (٣) وفي الخلاف جعله الأظهر من المذهب ولم يذكر الفساد (٤). وقال في المبسوط : قراءة سورة بعد الحمد واجبة ، غير انه ان قرأ بعض السورة أو قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصلاة (٥).

والمرتضى ـ رحمه‌الله ـ جعله أيضا مفسدا للصلاة (٦).

وروى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام في القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة ، قال : « لا بأس » (٧). وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة ، فاما النافلة فلا بأس » (٨). وعليه الشيخ في الاستبصار (٩) وابن إدريس (١٠) والشيخ نجم الدين (١١) وهو أقرب ، حملا للروايات الأول على الكراهة توفيقا ، ولقضية الأصل.

وربما احتجّ بان فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن القران ، والا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٦ ح ١١٧٩.

(٢) النهاية : ٧٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٦.

(٤) الخلاف ١ : ٣٦٦ المسألة : ٨٧.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٧.

(٦) الانتصار : ٤٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ح ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ح ١١٨١.

(٨) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٧٠ ح ٢٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ح ١١٨٠ ، السرائر : ٤٨٦.

(٩) الاستبصار ١ : ٣١٧.

(١٠) السرائر : ٤٥.

(١١) المعتبر ٢ : ١٧٤.

٣٢٦

لوجب أو استحبّ ولم يقل به أحد ، فتعيّن الافراد ، فيجب التأسي به.

فنقول : وجوب التأسي به معناه ان يفعل مثل فعله لانّه فعله ، فإذا فعله على وجه الندب فالتأسّي به فعله على وجه الندب ، ونحن نقول المستحب الافراد ويكره القران ، ومنصب النبوة مرفوع عن المكروه. أما النافلة فلا كراهة في القران فيها ، لما سلف ، ورواية عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت » (١).

وروى محمد بن القاسم انه سأل عبدا صالحا : هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال : « ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث ، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ سورة سورة » (٢) وفي هذه الرواية دلالة على ترك القران في نافلة النهار.

والمراد بـ ( الفريضة ) ما عدا الكسوف ، لما يأتي ان شاء الله من تعدّد السورة في الركعة الواحدة ومن جعل كل ركوع ركعة ، فالفريضة على إطلاقها.

السادسة عشرة : قال الأكثر : ان الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف (٣) ومستندهم النقل ، وارتباط كل منهما بصاحبتها معنى. وحينئذ لو قرأ إحداهما في ركعة ، وجب قراءة الأخرى على ترتيب المصحف على القول بوجوب السورة.

وقد روى زيد الشحام ، قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الفجر ، فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة الواحدة (٤).

وروى أيضا : صلى أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ في الاولى والضحى ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٣ ح ٢٧٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٣ ح ٢٦٩.

(٣) راجع : الهداية : ٣١ ، الانتصار : ٤٤٠ ، المبسوط ١ : ١٠٧ ، النهاية : ٧٧ ، شرائع الإسلام ١ : ٨٣ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١١٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٢ ح ٢٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٧ ح ١١٨٢.

٣٢٧

وفي الثانية ألم نشرح (١) وحمل الشيخ هذه على النافلة (٢).

وروى المفضل عنه عليه‌السلام ، سمعته يقول : « لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، إلا الضحى وأ لم نشرح ، وسورة الفيل و ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) » (٣).

وهنا مباحث ثلاثة :

أحدها : أنهما سورة واحدة أم سورتان؟ فتوى الأكثر على الوحدة ، ورواية المفضل تدلّ على انهما سورتان ، ويؤيده الإجماع على وضعهما في المصحف سورتين ، وهو متواتر.

وثانيها : هل تجب قراءة الثانية إذا قرأ الاولى؟ أفتى به الأصحاب ، بناء على وجوب السورة الكاملة وعلى انهما سورة ، والروايتان تدلان على الوقوع من الامام ، وهو أعمّ من الوجوب.

فإن قلت : لو كانا سورتين لم يقرن بينهما الإمام ، لأنه لا يفعل المحرّم ولا المكروه ، فدلّ على انهما سورة ، وكل سورة لا يجوز تبعيضها في الفريضة.

قلت : لم لا يستثنيان من الحرام أو المكروه ، لتناسبهما في الاتصال ، وقد أومأ في المعتبر الى هذا (٤).

وثالثها : هل تعاد البسملة بينهما؟ نفاه الشيخ في التبيان (٥) قضاء لحق الوحدة ، ولان الشاهد على الوحدة اتصال المعنى والبسملة تنفيه. واستعظمه ابن إدريس ، لتواتر البسملة بينهما ، وكتبها في المصحف مع تجريدهم إياه عن النقط والاعراب ، ولا ينافي ذلك الوحدة كما في سورة النمل (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٢ ح ٢٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٨ ح ١١٨٤.

(٢) المصدر السابق ، ذيل الأحاديث.

(٣) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٤ ، المعتبر ٢ : ١٨٨.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٨.

(٥) التبيان ١٠ : ٣٧١.

(٦) السرائر : ٤٦.

٣٢٨

وقال في المعتبر : ان كانتا سورتين وجبت البسملة ، وان كانت واحدة فلا بسملة ، للاتفاق على انها ليست آيتين من سورة واحدة (١) سوى النمل.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٨.

٣٢٩

النظر الثاني : في سنن القراءة‌

فمنها : الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى خاصة من كل صلاة ، لعموم ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) (١) أي : أردت القراءة ، ولما روى أبو سعيد الخدري : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول قبل القراءة : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » (٢). وعن الصادق عليه‌السلام : « ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب » (٣) رواه الحلبي.

ويستحب الاسرار بها ولو في الجهرية ، قاله الأكثر ، ونقل الشيخ فيه الإجماع منا (٤). وروى حنان بن سدير ، قال : صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام ، فتعوّذ بإجهار ، ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم (٥) ويحمل على الجواز.

وصورته ما روى الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦). وروي : « أعوذ بالسميع (٧) العليم من الشيطان الرجيم » رواه البزنطي عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام ، واختاره المفيد في المقنعة (٨).

وروى سماعة ، قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة‌

__________________

(١) سورة النحل : ٩٨.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٨٦ ح ٢٥٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٤.

(٤) الخلاف ١ : ٣٢٧ المسألة : ٧٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٥٨.

(٦) راجع الهامش ٢.

(٧) في س : « بالله السميع » ، وهو موافق لما نقلوه عن الذكرى في : وسائل الشيعة ٤ : ٨٠١ ، والحدائق الناضرة ٨ : ١٦٣ ، ومفتاح الكرامة ٢ : ٤٠٠. واما في بحار الأنوار ٨٥ : ٦ فهو موافق لما في المتن.

(٨) المقنعة : ١٦ ، وفيه كما في نسخة س.

٣٣٠

الكتاب ، قال : « فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنّ الله هو السميع العليم ، ثم ليقرأ ما دام لم يركع » (١).

وقال ابن البراج : يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم.

وللشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوذ للأمر به ، وهو غريب ، لأن الأمر هنا للندب بالاتفاق ، وقد نقل فيه والده في الخلاف الإجماع منا (٢).

وقد روى الكليني بإسناده إلى فرات بن أحنف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « مفتاح (٣) كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ ، فإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم سترتك فيما بين السماء والأرض » (٤).

فرع :

لا تتكرر الاستعاذة عندنا وعند الأكثر ، ولو نسيها في الأولى لم يأت بها في الثانية.

ومنها : الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات جمع ، لرواية حنان (٥) ورواية صفوان ، قال : صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أياما ، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخفى ما سوى ذلك (٦) وزاد الكليني في روايته : وكان يجهر في السورتين جميعا (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ ح ١٣٤٠.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢٥ المسألة : ٧٦.

(٣) في المصدر : « أول ».

(٤) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٥٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٨ ح ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ٢٠.

٣٣١

وقد صرّح باستحبابه في جميع الصلوات ابن بابويه (١) والمرتضى في الجمل (٢) والشيخ في النهاية (٣) والخلاف (٤) والمبسوط (٥).

وتفرّد ابن إدريس باختصاص الاستحباب بأوليي الظهرين لا الأواخر ، لعدم تعيّن القراءة فيها ، وللاحتياط ، ولقول الشيخ في الجمل : والجهر بها في الموضعين ، أي : الأوليين (٦).

وهو قول مرغوب عنه :

أمّا أولا : فلأنه لم يسبق اليه ، وهو بإزاء إطلاق الروايات والأصحاب بل بإزاء تصريحهم بالعموم.

وأمّا ثانيا : فلأنّ المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة ، وذلك لكونها بسملة في مواضع الإخفات ، فلا يتفاوت الحال في ذلك اقامة للشعار.

والجواب عن تمسكه بتعيّن القراءة انّ ذلك عين المتنازع فيه ، ونحن لا نقول بالبسملة حال عدم القراءة فضلا عن الجهر بها ، اما حال وجود القراءة فهي مساوية لسائر القرآن. واما الاحتياط فمعارض بأصل البراءة من وجوب الإخفات بها. واما الموضعان فلم لا يكونان أول الحمد حيث كانت وأول السورة.

قال المحقق ـ رحمه‌الله ـ : هذا تخصيص لما نص عليه الأصحاب ودلت عليه الروايات ، فان تمسّك بوجوب الإخفات نقضنا عليه بما تتعيّن فيه القراءة من الإخفاتية ، وان تمسّك بنص الأصحاب والمنقول لزمه العمل بالإخفات في كل موضع يقرأ فيه تعيّن أو لم يتعيّن (٧).

__________________

(١) لاحظ : الفقيه ١ : ٢٠٢.

(٢) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٢.

(٣) النهاية : ٧٦.

(٤) الخلاف ١ : ٣٣١ المسألة : ٨٣.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٦) السرائر : ٤٥ ، وراجع : الجمل والعقود : ١٨٣.

(٧) المعتبر ٢ : ١٨١.

٣٣٢

وقال ابن أبي عقيل : تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام ان لا تقية في الجهر بالبسملة.

وهاهنا أقوال أخر :

أحدها : قول ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ وهو : ان الجهر بها انما هو للإمام ، أما المنفرد فلا ، وصرّح بان الامام يجهر بالبسملة في الأخيرتين (١).

وثانيها : قول ابن البراج : انه يجب الجهر بها في الإخفاتية على الإطلاق (٢).

وثالثها : قول أبي الصلاح : انه يجب الجهر بها في أوليي الظهر والعصر في الحمد والسورة (٣).

وربّما احتج ابن الجنيد بالروايتين الأوليين ، فإن المذكور فيهما الامام.

وجوابه ان التأسي اقتضى الاستحباب لغير الإمام ، إماما كان أو منفردا. نعم ، في حق الإمام يتأكد استحباب الجهر بالبسملة. ولعلّ ابن البراج يحتج بمداومة الامام على ذلك ، فيجب التأسي به. وكل ذلك تدفعه الشهرة بين الأصحاب.

وقد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : « لا يضره » (٤) والمراد به الإخفات بها عند الشيخ في أحد تأويليه (٥) والتأويل الآخر انه ترك البسملة ناسيا (٦).

وروى محمد بن علي الحلبي عنه عليه‌السلام فيمن يقرأ بسم الله‌

__________________

(١) راجع : السرائر : ٤٥ ، مختلف الشيعة : ٩٣.

(٢) المهذب ١ : ٩٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ ح ١١٥٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٨ ، ٢٨٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٨ ، ٢٨٨.

٣٣٣

الرحمن الرحيم ، قال : « ان شاء سرا ، وان شاء جهرا » (١) وهذا صريح في عدم الوجوب ، مع إمكان حمل كلام الموجب على الوجوب التخييري ، إذ القراءة الواجبة لا تنفك عن صفتي الجهر والإخفات فيجب كل منهما على البدل ، وهذا يتم ان قلنا بتباين الصفتين ، وان قلنا بأن الإخفات جزء من الجهر فلا.

ومنها : تعمّد الإعراب ، أي : إظهار حركاته ، بحيث يتميز بعضها عن بعض بالقدر الذي لا يخرج الى الحروف التي منها حركات الاعراب. ويجوز ان يراد بتعمّد الاعراب ان لا يكثر الوقف ، وخصوصا على ما لا ينبغي الوقف عليه.

ومنها : الوقوف على مواضعه ، وأجودها التام ، ثم الحسن ، ثم الجائز ، وذلك معروف عند القراء وقد الف فيه كتب جمة.

ويجوز الوقف على ما شاء والوصل. روي علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام في الرجل يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد ، قال : « ان شاء قرأ في نفس ، أو شاء غيره » (٢). نعم ، يكره قراءة التوحيد بنفس واحد ، لما رواه محمد بن يحيى بسنده الى الصادق عليه‌السلام (٣).

ومنها : الترتيل ، وهو حفظ الوقوف وأداء الحروف ، لقوله تعالى ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (٤).

وقال في المعتبر : الترتيل تبيين الحروف من غير مبالغة ، وربما وجب إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض ، ويمكن حمل الآية عليه ، لأن الأمر عند الإطلاق للوجوب. وروى عبد الله البرقي مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : « ينبغي للعبد إذا صلّى ان يرتل قراءته ، وإذا مرّ بآية‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٩. الاستبصار ١ : ٣١٢ ح ١١٦١.

(٢) قرب الاسناد : ٩٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩٦ ح ١١٩٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١١.

(٤) سورة المزمل : ٧٣.

٣٣٤

فيها ذكر الجنة والنار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار ، وإذا مرّ بيا أيها الناس ، أو يا ايها الذين آمنوا ، قال : لبيك ربنا » (١).

قلت : هذه الرواية تدل على جواز التلبية في الصلاة ، ومثلها رواية أبي جرير عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : « ان الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح ، فإذا دعته الوالدة فليقل لبيك » (٢).

ومنها : انه « إذا ختم ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) فليقل : صدق الله وصدق رسوله. وإذا قرأ ( آللهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ ) قال : الله خير الله أكبر. وإذا قرأ : ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) قال : كذب العادلون بالله. وإذا قرأ : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) الآية قال : الله أكبر ثلاثا » روى ذلك عمار ، عن الصادق عليه‌السلام (٣).

ومنها : السكوت‌ إذا فرغ من الحمد والسورة ، فهما سكتتان ، لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه : « ان رجلين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلفا في صلاة رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكتب الى أبي بن كعب : كم كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سكتة؟ قال : كانت له سكتتان : إذا فرغ من أم القرآن ، وإذا فرغ من السورة » (٤).

وفي رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس (٥).

وقال ابن الجنيد : روى سمرة وأبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨١.

والرواية في التهذيب ٢ : ١٢٤ ح ٤٧١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٠ ح ١٤٥٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٧ ح ١١٩٥.

والآيات على الترتيب : سورة الشمس : ١ ، سورة النحل : ٥٩ ، سورة الانعام : ٦ ، سورة الإسراء : ١١١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٧ ح ١١٩٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١.

٣٣٥

وآله : ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح ، والثانية بعد الحمد (١).

فرع :

الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع ، وكذا عقيب التسبيح.

ومنها : استحباب قراءة ما رواه محمد بن مسلم : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة في الصلاة منها شي‌ء موقت ، فقال : « لا ، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين ». قلت له : فأي السور أقرأ في الصلوات؟ قال : « اما الظهر والعشاء فتقرأ فيهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، واما الغداة فأطول. ففي الظهور والعشاء بـ ( سبح باسم ربك الأعلى ) و ( الشمس وضحاها ) ونحوها ، والعصر والمغرب : ( إذا جاء نصر الله ) وألهاكم التكاثر ونحوها ، والغداة بـ عم يتساءلون والغاشية والقيامة وهل أتى » (٢).

ورواية عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي الغداة بعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا اقسم بيوم القيامة وشبهها. ويصلي الظهر بسبح والشمس وضحاها (٣). ويصلي المغرب بقل هو الله أحد وإذا جاء نصر الله وإذا زلزلت. ويصلي العشاء الآخرة بنحو مما يصلي الظهر ، ويصلي العصر بنحو من المغرب » (٤).

وقال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ : أفضل ما يقرأ في الصلاة في اليوم والليلة في الركعة الأولى الحمد وانا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد‌

__________________

(١) رواية سمرة وأبي بن كعب في : سنن أبي داود ١ : ٢٠٧ ح ٧٧٩ ، السنن الكبرى ٢ : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٥ ح ٣٥٤ ، وصدر الحديث في الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٤.

(٣) في المصدر زيادة : « وهل أتاك حديث الغاشية وشبهها ».

(٤) التهذيب ٢ : ٩٥ ح ٣٥٥.

٣٣٦

إلاّ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة فالجمعة والأعلى ، وفي صبحها وظهريها بالجمعة والمنافقين (١).

وقال ان نسيهما أو إحداهما في الظهر يوم الجمعة رجع ما لم يقرأ النصف ، فإن قرأ النصف أتمها ركعتين ندبا ، ثم أعاد الظهر بالسورتين (٢).

قال : ومن قرأ في الغداة يوم الاثنين والخميس بهل أتى والغاشية وقاه الله شر اليومين (٣).

قال : وحكى من صحب الرضا عليه‌السلام الى خراسان انه كان يقرأ في صلاته السور التي ذكرناها ، فلذلك اخترناها (٤).

قلت : روى الكليني عن أبي علي بن راشد ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك انك كتبت الى محمد بن الفرج تعلمه ان أفضل ما يقرأ في الفرائض بأنا أنزلناه وقل هو الله أحد وان صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ، فقال عليه‌السلام : « لا يضيقن صدرك بقراءتهما ، فان الفضل والله فيهما » (٥).

قال ابن بابويه : وانما يستحب قراءة القدر في الاولى والتوحيد في الثانية ، لأن القدر سورة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته ، فيجعلهم المصلي وسيلة الى الله تعالى ، لانه بهم وصل الى معرفته. واما التوحيد فالدعاء على أثرها مستحبات ، وهو القنوت (٦).

ومنها : استحباب ما تضمّنته رواية معاذ بن مسلم عن الصادق‌ عليه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٥ ح ١٩ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ ح ١١٦٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٧.

٣٣٧

السلام : « لا تدع أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين في أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت فيهما ، وركعتي الطواف » (١).

قال الشيخ : وفي رواية اخرى : انه يقرأ في هذا كله بقل هو الله أحد وفي الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر ، فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله أحد (٢) ، وهذا حكاية لكلام الشيخ أبي جعفر الكليني ـ رحمه‌الله ـ ولم يذكرا سند الرواية.

قال الشيخ : ويستحب ان يقرأ التوحيد في كل ركعة من الركعتين الأوليين من صلاة الليل ثلاثين مرة (٣) مع قوله بالمواضع السبعة (٤).

وروى الكليني عن محمد بن مسلم : ليس في القراءة شي‌ء موقت ، إلاّ الجمعة يقرأ فيها الجمعة والمنافقين (٥).

تنبيهات :

الأول : قال ابن بابويه : قد رويت رخص في القراءة في ظهر الجمعة بغير سورة الجمعة والمنافقين لا استعملها ، ولا افتي بها ، إلاّ في حال السفر والمرض وخيفة فوت حاجة (٦) لما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس ان تقرأ في صلاة الجمعة بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٦ ح ٢٢ ، الفقيه ١ : ٣١٤ ح ١٤٢٧ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٦ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٨.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٣ ح ٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠١.

٣٣٨

مستعجلا » (١). فظاهره وجوب السورتين فيها وفي الجمعة ، وهو اختيار أبي الصلاح (٢).

وأوجب السورتين المرتضى في الجمعة وقال : قد روي ان المنفرد أيضا يلزمه قراءتهما (٣).

وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام : « من صلّى بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة » (٤).

وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « ان الله تعالى أكرم بالجمعة المؤمنين ، فسنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشارة لهم ، والمنافقين توبيخا للمنافقين ، ولا ينبغي تركهما ، فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له » (٥).

والجواب : المعارضة برواية علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا ، قال : « لا بأس بذلك » (٦). وجوازه في الجمعة يستلزم أولوية جوازه في الظهر ، فتحمل الرواية على تأكد الندبية ، وان يكون قوله : « لا صلاة له » أي كاملة ، بقرينة قوله « لا ينبغي تركهما » وللتوفيق بين الروايات.

واعلم انّ الشيخ نجم الدين نقل في المعتبر ان ابن بابويه أوجبهما في الظهر والعصر في كتابه الكبير ، وحكى كلامه متضمنا العصر (٧) ولم نر في النسخ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٨ ح ١٢٢٥ ، التهذيب ٣ : ٢٤٢ ح ٦٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٥ ح ١٥٩١.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢٦ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٧ ح ٢١ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٨.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٦ ح ١٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٧ ح ١٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٦.

(٧) قال في المعتبر ٢ : ١٨٣ : ( قال ابن بابويه في كتابه ، الكبير : وفي الظهر والعصر بالجمعة والمنافقين ، فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر ، وقرأت غيرهما ثم ذكرت ، فارجع الى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة ) إلى آخر ما تقدم نقله عن ابن بابويه في ص ٣٣٥ الهامش ١. وظاهر ان ما في المعتبر بخلاف ما حكي عنه في المتن ، راجع في ذلك الحدائق الناضرة ٨ : ١٨٧ ، مفتاح الكرامة ٢ : ٤٠٤ ، جواهر الكلام ٩ : ٤٠٩.

٣٣٩

التي وصلت إلينا سوى الظهر ، وهو الذي نقله الفاضل في المختلف (١).

الثاني : وافق المرتضى الصدوق في قراءة المنافقين في صبح الجمعة (٢) ورواه الشيخ في المبسوط (٣) وهو في خبر ربعي وحريز رفعاه الى أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا كانت ليلة الجمعة يستحب ان يقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وفي صلاة الصبح مثل ذلك » (٤).

وخيّر ابن أبي عقيل بين المنافقين وبين الإخلاص (٥).

وقال الشيخان : بل يقرأ في الثانية قل هو الله أحد (٦) وهو موجود في رواية أبي الصباح الكناني (٧) وأبي بصير (٨) عن الصادق عليه‌السلام ، والطريق رجال الواقفة ولكنه مشهور.

الثالث : يستحب قراءة الجمعة في اولى المغرب ليلة الجمعة ، والأعلى في الثانية ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (٩).

وقال في المصباح والاقتصاد : يقرأ في الثانية التوحيد (١٠) لرواية أبي الصباح عنه عليه‌السلام (١١).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٩٤.

(٢) الانتصار : ٥٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٧ ح ١٨ ، الاستبصار ١ : ٤١٤ ح ١٥٨٥.

(٥) مختلف الشيعة : ٩٤.

(٦) المقنع : ٢٦ ، المبسوط ١ : ١٠٨.

(٧) التهذيب ٣ : ٥ ح ١٣.

(٨) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٦ ح ١٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٣ ح ١٥٨٢.

(٩) الكافي ٣ : ٤٢٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٦ ح ١٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٣ ح ١٥٨٢.

(١٠) مصباح المتهجد : ٢٣٠ ، الاقتصاد : ٢٦٢.

(١١) تقدمت في الهامش ٧.

٣٤٠