ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو من الصلاة » (١).

ويلحق بذلك أحكام.

يرجع طويل اليدين وقصيرهما في قدر الانحناء الى مستوي الخلقة ، وكذا فاقدهما.

ويجب أن يأتي بالذكر الواجب حال طمأنينته. فلو شرع فيه قبل الطمأنينة ، أو أتمّه بعدها عامدا ، بطلت صلاته الاّ ان يعيده حيث يمكن العود.

ولا ينبغي مدّ التكبير قصدا لبقائه ذاكرا الى تمام الهوي ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « التكبير جزم » (٢).

ورفع اليدين ثابت في حق القاعد والمضطجع والمستلقي.

وقال الكراجكي في الروضة : محل التكبير عند إرسال اليدين بعد الرفع.

ولو قال في الرفع : من حمد الله سمع ، لم يأت بالمستحب ، وفي بطلان الصلاة نظر ، من الشك في كونه ثناء على الله تعالى.

ولو نوى بالتحميد الوظيفة وشكر نعمة يتذكرها ، أو نوى العاطس به الوظيفتين ، فلا بأس ، لعدم تغير الغرض بهذه النية ، وأصالة الحصة.

ولو سقط رفع الرأس لعارض ، سقط الذكر فيه.

ولو زال العذر بعد السجود ، أو الشروع بوضع الجبهة ، لم يلتفت.

ولو كان قبل وضع الجبهة ، استدركه عند الفاضل (٣) وهو قوي ، لوجوب الانتصاب والطمأنينة مع الإمكان وقد أمكن ، وبه علل في المعتبر ولم يرجّح شيئا (٤). وفي المبسوط : يمضي في صلاته (٥) للحكم بسقوطه وقد خرج عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٣.

(٢) تلخيص الحبير ٣ : ٢٨٣.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٠٥.

(٥) المبسوط ١ : ١١٢.

٣٨١

محله ، والأصل عدم وجوب العود إلا بأمر جديد ولم يثبت.

وكذا لو ركع واطمأن فسقط إلى الأرض ، لم يحتج الى القيام عند الشيخ (١) لان محله قد فات.

ولو سقط قبل ركوعا ، وجب العود له قطعا.

ولو سقط بعد الركوع قبل الطمأنينة ، فالأقرب عند المحقق انه لا يعيد ، لان الركوع المشروع قد حصل ، فلو أعاد لزاد ركوعا (٢) وهو جيد على مذهبه إذ الطمأنينة ليست عنده ركنا (٣) ويجي‌ء على قول الشيخ في الخلاف وجوب العود (٤).

ولو ترك الطمأنينة في الركوع عمدا في صلاة النافلة ، فإن قلنا بركنيّته بطلت قطعا كما لو ترك الركوع ، وان قلنا بعدمها فالأقرب البطلان.

وقطع الفاضل بأنّه لو ترك الاعتدال من الركوع والسجود في النافلة صحت وكان تاركا للأفضل (٥) وفيه بعد ، لأن حقيقة الصلاة انما تتمّ باجزائها ، فهو كترك سجدة أو ترك الفاتحة فيها.

وفي المبسوط : لو شك في الرفع من الركوع بعد هويّه الى السجود لم يلتفت (٦). وكذا لو شك في أصل الركوع ، قاله في الخلاف ، محتجا بإجماعنا على انّ الشك بعد الانتقال لا حكم له (٧). والمحقق اقتصر على حكاية الأخير‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٩٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٠٥.

(٤) الخلاف ١ : ٣٤٨ المسألة : ٩٨.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٠.

(٦) المبسوط ١ : ١١٢.

(٧) انظر الخلاف ١ : ٣٥٢ المسألة : ١٠٤ ، وفيه : إذا خرّ ساجدا ثم شك هل رفع رأسه من الركوع أم لا مضى في صلاته وبعد أورد دليله بالإجماع.

ولم يذكر فيه أصل الركوع. ولكن نقل الشك في أصل الركوع عن الخلاف في المعتبر ٢ : ٢٠٥ والشهيد أخذه من المعتبر. وليس في النسخ التي بأيدينا الشك في أصل الركوع فلاحظ

٣٨٢

فكأنّه متوقف فيه (١) والوجه القطع بما افتى به الشيخ في الموضعين.

وقال في المبسوط : لو رفع رأسه من الركوع وبقي يدعو ويقرأ ساهيا ، مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه (٢). ومفهومه انه لا يتعمّده ، وانه لو تعمّده تغير الحكم.

وبعض المتأخرين اختار قول بعض العامة ، من انّه لو طوّل عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته ، لانه واجب قصير فلا يشرع فيه التطويل (٣).

ويرده ما تقدم من حديث الحلبي (٤). وقد روى معاوية بن عمار ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة ، فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه ، ودعا الآخر أكثر من تلاوته ، ثم انصرفا في ساعة واحدة ، أيهما أفضل؟ قال : « كل فيه فضل ، كل حسن ». قلت : اني قد علمت انّ كلا حسن وان كلا فيه فضل. فقال : « الدعاء أفضل ، أما سمعت قول الله عز وجل : ( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي ) الآية ، هي والله العبادة ، هي والله أفضل ، هي والله أفضل ، أليست هي العبادة!؟ هي والله العبادة هي والله العبادة ، أليست هي أشدّهن!؟ هي والله أشدّهن ، هي والله أشدّهن ، هي والله أشدّهن » (٥). وهذا يشمل الدعاء في جميع أحوال الصلاة وتطويله. نعم ، لو خرج بذلك عن كونه مصليا بطلت صلاته.

ومن فروع ابن الجنيد : لو كان أقطع الزند ، أوصل مكان القطع إلى الركبة ووضعه عليها. فإن أراد به الاستحباب فلا بأس ، وان أراد الوجوب في‌

__________________

المعتبر ودليله فيه ما خرجناه عن الخلاف عين المسألة التي ذكره المعتبر.

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٥.

(٢) المبسوط ١ : ١١٢.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٦.

(٤) تقدم في ص ٣٨١ الهامش ١.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٤ ح ٣٩٤ ، السرائر : ٤٧٢.

والآية في سورة غافر : ٦٠.

٣٨٣

الإيصال ، فممنوع إذا الواجب انحناء يصل معه الكفان لا رءوس الزندين.

قال : ولو كانت مشدودة فعل بها كذلك ، وكذا لو كانت له يد بغير ذراع.

قال : ولا بأس بالدعاء فيهما ـ يعني الركوع والسجود ـ لأمر الدين والدنيا ، من غير أن يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه ، ولا عن الأرض في سجوده.

ولو عدّ التسبيح في ركوعه وسجوده ، وحفظ على نفسه صلاته ، لم أر بذلك بأسا.

ولو نسي التسبيح ، الاّ انّه قد لبث راكعا وساجدا بمقدار تسبيحة واحدة ، أجزأه. ومفهومه انه لو لم يلبث لم يجزه ، فيكون إشارة الى انّ الطمأنينة ركن كقول الشيخ ، والله تعالى أعلم.

٣٨٤

الواجب السادس : السجود.

وفيه مسائل.

الأولى : أجمع العلماء على وجوب السجود في الصلاة ، لنصّ القرآن ، ونصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا ـ كما في تعليم المسي‌ء في صلاته (١) ـ وفعلا ـ في سائر صلواته ـ ولخبري حماد وزرارة (٢).

وتجب في كل ركعة سجدتان ، فهما معا ركن تبطل الصلاة بالإخلال بهما معا ، عمدا وسهوا وجهلا. ولو أخلّ بواحدة منهما سهوا لم تبطل ، سواء كان في الأوليين أو في الأخيرتين ، وهنا خلاف في موضعين :

أحدهما : ان الإخلال بالسجدتين معا مبطل في الأخيرتين كالأوليين ، والخلاف فيه مع الشيخ كما تقدم في الركوع (٣).

لنا : رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة الا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٤). وروى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود » (٥).

واحتج الشيخ في التهذيب برواية البزنطي عن الرضا عليه‌السلام فيمن ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الأولى ، قال : « كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول : إذا تركت السجدة في الركعة الأولى ، فلم تدر أو واحدة أو اثنتين ، استقبلت حتى يصح لك ثنتان. فإذا كان في الثالثة والرابعة ، فتركت سجدة بعد‌

__________________

(١) تقدم في ص ٣٦٣ الهامش ٣.

(٢) تقدما في ص ٣٧٨ ـ ٣٨١.

(٣) راجع ص ٣٦٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٥ ح ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧٣ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٤.

٣٨٥

ان تكون قد حفظت الركوع ، أعدت السجود » (١).

ويعارض بما يأتي ، مع قصوره عن الدلالة على محل النزاع ، إذ ظاهره انه شك في السجود ، ويكون ( الترك ) بمعنى توهّم الترك ، وقرينته « فلم تدر أواحدة أو اثنتين » ، ويكون فيه دلالة على انّ الشك في أفعال الأوليين يبطل دون الأخيرتين. ومعنى قوله : « بعد ان تكون قد حفظت الركوع » ان يتعلق الشك بالسجود لا غير ، لانه لو تعلّق بالركوع والسجود كان شكّا في ركعة ، فيصير شكّا في العدد وله حكم آخر.

وهذا التأويل لا غبار عليه ، الا انّ في إعادة الصلاة بالشك في أفعال الأوليين بعدا ومخالفة للمشهور ، وليس ببعيد حمل ( الاستقبال ) على الاستحباب.

ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط انّ الأوليين أيضا يلفق فيهما السجود والركوع (٢) لما مرّ ، وهو متروك.

الثاني : ان الإخلال بالسجدة الواحدة غير مبطل إذا كان سهوا ، وعليه معظم الأصحاب بل هو إجماع.

وفي كلام ابن أبي عقيل إيماء الى أنّ الإخلال بالواحدة مبطل وان كان سهوا (٣) لصدق الإخلال بالركن إذ الماهية المركّبة تفوت بفوات جزء منها ، وتمسّكا برواية المعلى بن خنيس عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام في رجل نسي السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وان ذكرها بعد ركوعه أعاد‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤ ح ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ح ١٣٦٤.

وصدره في الكافي ٣ : ٣٤٩ ح ٣ ونصه : « كان أبو الحسن عليه‌السلام .. استقبلت الصلاة حتى يصح لك انهما اثنتان ».

(٢) المبسوط ١ : ١١٩.

(٣) مختلف الشيعة : ١٣١.

٣٨٦

الصلاة ، ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء » (١).

والجواب : انّ انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا ، والاّ لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا ولم يقل به أحد ، بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية. ولعل الركن مسمّى السجود ، ولا يتحقق الإخلال به الاّ بترك السجدتين معا. واما الحديث ففي سنده إرسال ، وفي المعلى كلام.

ويعارض بما رواه إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه‌السلام : « إذا ذكر بعد ركوعه انّه لم يسجد ، فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها ، فإنها قضاء » (٢) ، ويقرب منه رواية حكم بن حكيم عنه عليه‌السلام (٣).

وروى أبو بصير ، قال : سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : « يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها » (٤).

وفي رواية عمار عن الصادق عليه‌السلام في ناسي سجدة فذكرها بعد ركوعه : « يمضي ، فإذا سلم سجد » قلت : فإنّه لم يذكر الاّ بعد ذلك. قال : « يقضي ما فاته إذا ذكره » (٥).

الثانية : يجب السجود على الأعضاء السبعة ، وهي : الجبهة ، والكفان ، والركبتان ، وإبهاما الرجلين ، إجماعا منا ـ وان كان المرتضى يجتزئ عن الكفين بمفصلهما عند الزندين (٦) ـ لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق ابن عباس : « أمرت بالسجود على سبعة أعظم : اليدين ، والركبتين ، وأطراف‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤ ح ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ح ١٣٦٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ ح ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ح ١٣٦١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٠ ح ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ ح ١٣٥٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ح ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ ح ١٣٦٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٣ ح ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ ح ١٣٦٢.

(٦) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٢.

٣٨٧

القدمين ، والجبهة » (١) ، وما مر في خبر حماد ، وفيه : « أنامل إبهامي الرجلين » (٢). فهو مشعر بتعيّنها ، والرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشعرة بإطلاق الأصابع.

وفي المبسوط : إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ (٣).

وابن زهرة : يسجد على أطراف القدمين (٤).

وأبو الصلاح : أطراف أصابع الرجلين (٥).

وفي النهاية ذكر الإبهامين هنا ، وفي باب التحنيط الأصابع (٦) وجمع بينهما ، قال في النكت : لما كانت المساجد لا تنفك أن يجامعها في السجود غيرها مسح عليه وان لم يجب السجود عليه ، وتسمى مساجد لاتفاق السجود عليها لا لوجوبه (٧).

والوجه تعيّن الإبهامين. نعم ، لو تعذر السجود عليهما ، لعدمهما أو قصرهما ، أجزأ على بقية الأصابع.

ويجب الانحناء إلى ما يساوي موقفه ، أو يزيد عليه بقدر لبنة موضوعة على أكبر سطوحها ، كما سلف.

وهل يجب كون الأسافل (٨) أعلى من الأعالي؟ الظاهر لا ، لقضية‌

__________________

(١) ترتيب مسند الشافعي ١ : ٩١ ح ٢٥٥ ، المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٨٠ ح ٢٩٧٢ ، صحيح البخاري ١ : ٢٠٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٤ ح ٤٩٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٦ ح ٨٨٣ ، سنن النسائي ٢ : ٢٠٩ ، السنن الكبرى ٢ : ١٠٣.

(٢) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٣) المبسوط ١ : ١١٢.

(٤) الغنية : ٤٩٦.

(٥) الكافي في الفقيه : ١١٩.

(٦) النهاية : ٣٦ ، و ٧١.

(٧) نكت النهاية : ٦٠٤.

(٨) في هامش م : أي دبره. وراجع في ذلك مفتاح الكرامة ٢ : ٤٣٥.

٣٨٨

الأصل ، ولان الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس. نعم ، هو مستحب لما فيه من زيادة الخضوع ، والتجافي المستحب.

ولو تعذّر الانحناء ، رفع ما يسجد عليه كما مر.

فروع :

مسمّى السجود يتحقق بالاعتماد على هذه السبعة ، ويرتفع بعدم وضع الجبهة في الظاهر لا بعدم باقي الأعضاء ، فلو نسي بعضها فهو ساجد ، ولو نسي الجبهة فليس بساجد ، ولا ريب في البطلان بتعمّد ترك ايها كان.

والواجب في كل منها مسمّاه كما سلف في باب المكان ، والأقرب ان لا ينقص في الجبهة عن درهم ، لتصريح الخبر (١) وكثير من الأصحاب به (٢) فيحمل المطلق من الاخبار (٣) وكلام الأصحاب على المقيد.

ويستحب الاستيعاب لها ، لما فيه من المبالغة في الخضوع ، ولا يقوم غير الأعضاء مقامها ، إلاّ الجبهة يقوم مقامها أحد الجبينين ، لأنه أقرب إليها من الذقن ، فان تعذرا فعلى الذقن. ولو أمكن إيصال الجبهة بحفرة وجب.

وقال في المبسوط : ان كان هناك دمل أو جراح ، ولم يتمكن من السجود عليه ، سجد على أحد جانبيه ، فان لم يتمكن سجد على ذقنه. وان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها فيها كان جائزا (٤) ، وهو تصريح بعدم الوجوب ، وقال في النهاية نحو ذلك (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ١.

(٢) راجع : الفقيه ١ : ٢٠٥ ، المقنع : ٢٦ ، الهداية : ٣٩ ، السرائر : ٤٧.

(٣) راجع : التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٣ ، ٢٩٨ ح ١١٩٩ ـ ١٢٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ح ١٢٢١ ، ١٢٢٢.

(٤) المبسوط ١ : ١١٤.

(٥) النهاية : ٨٢.

٣٨٩

وقال ابن حمزة : يسجد على أحد جانبيها ، فان لم يتمكن فالحفيرة ، فان لم يتمكن فعلى ذقنه (١). وقال علي بن بابويه : يحفر حفيرة ذو الدمل ، وان كان بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته ، فان عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته ، فان عجز فعلى ظهر كفّه ، فان عجز فعلى ذقنه (٢) ، وتبعه ولده ـ رحمه‌الله ـ (٣).

والذي في رواية مصادف : انّه خرج به دمل ، فرآه الصادق عليه‌السلام يسجد على جانب ، فأمره بحفيرة ليقع سالم الجبهة على الأرض (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام ـ في رواية مرسلة ـ فيمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها ، فقال : « يضع ذقنه على الأرض ، لقوله تعالى ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٥).

ولو تعذر ذلك كله أومأ ، كما سلف.

الثالثة : يجب التسبيح فيه عينا على الأقوى ، وصورته : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، لما مرّ ، والخلاف فيه كما في الركوع.

وتجب الطمأنينة بقدره الاّ مع الضرورة المانعة ، وليست ركنا خلافا للشيخ في الخلاف (٦).

ويجب رفع الرأس من السجود الأول ، والاعتدال جالسا ، والطمأنينة في الاعتدال ، والعود الى السجود كالأول. ودليل ذلك ما سبق في الركوع.

__________________

(١) لم نلاحظه في ( الوسيلة ) ولعله في كتابه الآخر ( الواسطة ).

(٢) الفقيه ١ : ١٧٤ ، المقنع : ٢٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٤ ، المقنع : ٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣١٨.

والآية في سورة الإسراء : ١٠٧.

(٦) الخلاف ١ : ٣٥٩ المسألة : ١١٦.

٣٩٠

وذهب الشيخ إلى ركنية الطمأنينة بين السجدتين (١) ، ولعلّه في هذه المواضع يريد بالركن مطلق الواجب ، لانه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في الخمسة المشهورة (٢).

الرابعة : يجب الهوي للسجود. فلو هوى لأخذ شي‌ء ، أو قتل حية أو عقرب ، لم يجز الاّ ان يعود الى القيام والهوى. ولو صار بصورة الساجد والحالة هذه ، احتمل البطلان ، لزيادة صورة السجود.

ولو قصد السجود ، فسقط بغير اختياره ، فالأقرب الإجزاء عملا بالقصد السابق ، ولا يجب تجديد النية لكل فعل.

ولو سقط على جنبه ، استدرك السجود ، والأقرب أنه يقعد ثم يسجد.

ولو أمكن صيرورته ساجدا بانقلابه من غير قعود ، فالأقرب اجزاؤه ، لصدق مسمى السجود مع إرادته السابقة.

ولو سجد ، فعرض له ألم ألقاه على جنبه ، فالأقرب الاجزاء إن حصلت الطمأنينة ، والا وجب التدارك إن قصر الزمان ، وان طال بحيث يخرج عن اسم المصلي بطلت صلاته.

الخامسة : يجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بإلقاء ثقلها عليها ، فلو تحامل عنها لم يجز ، لعدم حصول تمام المراد من الخشوع ، ولأن الطمأنينة لا تحصل بهذا القدر ، ولرواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام : « تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض » (٣) يعني تسبيحة.

وروى علي بن جعفر عن أخيه في الرجل يسجد على الحصى ولا يمكّن جبهته من الأرض ، قال : « يحرّك جبهته حتى يتمكّن ، فينحّي الحصى عن‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٦٠ المسألة : ١١٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٦ ح ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ ح ١٢٠٦.

٣٩١

جبهته ولا يرفع رأسه (١).

ولو سجد على مثل القطن والصوف ، وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء ويحصل مسمّى الطمأنينة إن أمكن ، والا لم يصلّ عليه مع إمكان غيره.

ولا تجب المبالغة في الاعتماد ، بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء. ولو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا ، لم يجز ـ لعدم مسمّى السجود ـ إلاّ لضرورة.

ويجب ان يلقى ببطن كفّيه ما يسجد عليه ، فلو لقي بظهريهما لم يجز ، الاّ مع الضرورة. ولو لقي بمفصل الكفين من عند الزندين ، أجزأ عند المرتضى (٢) وابن الجنيد ، لصدق السجود على الدين. وأكثر الأصحاب على وجوب ملاقاة الكفين بباطنهما (٣) تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته.

ولا يجب الجمع بين الأصابع والكف وان كان مستحبا ، بل يكفي أحدهما إذا صدق مسمّى اليد.

وقال ابن الجنيد : يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة ، ويجزئ منها قدر الدرهم إذا كان بها علّة. فظاهره الزيادة على ذلك مع الاختيار ، والروايات تدفعه.

وأمّا سنن السجود :

فمنها : التكبير له قائما رافعا يديه‌ ـ كما مر ـ والهوي بعد إكماله ، لما‌

__________________

(١) قرب الاسناد : ٩٣ ، التهذيب ٢ : ٣١٢ ح ١٢٧٠.

(٢) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٢.

(٣) راجع : المقنع : ٢٦ ، الغنية : ٤٩٦ ، المعتبر : ٢٦.

٣٩٢

روي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وأمر به الباقر عليه‌السلام (٢) ووصفه حماد عن الصادق عليه‌السلام (٣).

ولو كبّر في هويه جاز وترك الأفضل. قيل : ولا يستحب مدّه ليطابق الهوي ، لما ورد : « ان التكبير جزم » (٤).

وقال ابن أبي عقيل : يبدأ بالتكبير قائما ، ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا. وخيّر الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما (٥).

وفي الكافي للكليني بإسناده إلى معلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا أهوى ساجدا انكبّ وهو يكبّر » (٦).

ومنها : الهوي إليه بخشوع وخضوع ، ثم يبتدئ بوضع يديه أولا قبل ركبتيه ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمر به (٧) وأمر الباقر عليه‌السلام به (٨).

ويجوز تقديم الركبتين ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس للرجل أن‌

__________________

(١) راجع في التكبير : صحيح البخاري ١ : ١٩٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٣ ح ٣٩٢ ، الموطأ ١ : ٧٦ ح ١٧ ، ١٩.

وفي رفع اليدين : صحيح البخاري ١ : ١٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٢ ح ٣٩٠ ، الموطأ ١ : ٧٥ ح ١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩٧ ح ١١٩٧.

(٣) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٤) تلخيص الحبير ٣ : ٢٨٣.

(٥) الخلاف ١ : ٣٥٣ المسألة : ١٠٧.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٥.

(٧) مسند احمد ٢ : ٣٨١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢٢ ح ٨٤٠ ، سنن النسائي ٢ : ٢٠٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٤٤ ، السنن الكبرى ٢ : ٩٩.

(٨) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨.

٣٩٣

يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه » (١) ولا يدل على نفي استحباب البدأة باليدين. ويستحب ان يكونا معا ، وروي : « السبق باليمنى » (٢) وهو اختيار الجعفي.

ومنها : مساواة مساجده في العلو والهبوط ، لقول الصادق عليه‌السلام : « اني أحب ان أضع وجهي موضع قدمي » وكره رفع الجبهة عن الموقف (٣). ولو كان موضع الجبهة أخفض من القدم جاز ، والأفضل التساوي.

قال ابن الجنيد : ولا يختار ان يكون موضع السجود الا مساويا لمقام المصلي من غير رفع ولا هبوط ، فان كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك مع الضرورة لا الاختيار. ولو كان علو مكان السجود كانحدار التل ومسيل الماء ، جاز ما لم يكن في ذلك تحرّف وتدريج ، وان تجاوز أربع أصابع لضرورة. وظاهره ان الأرض المنحدرة كغيرها في اعتبار الضرورة.

وروى الكليني عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام في موضع جبهة الساجد يكون أرفع من قيامه ، قال : « لا ، ولكن يكون مستويا » (٤).

ومنها : ان يقول ما أمر به الصادق عليه‌السلام أمام التسبيح : « اللهم لك سجدت ، وبك آمنت (٥) ، وعليك توكلت وأنت ربي ، سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمين ، تبارك الله أحسن الخالقين » (٦) وان قال : ( خلقه وصوّره ) كان حسنا.

ومنها : الدعاء فيه للدين والدنيا ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « واما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٨ ح ٢٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٦ ح ١٢١٨.

(٢) قال في بحار الأنوار إجمالا ٨١ : ١٩٣ : هي رواية عمار ، وكذا قال البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٢٩٢ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٤٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٥.

(٥) في المصدرين زيادة : « ولك أسلمت ».

(٦) الكافي ٣ : ٣٢١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ح ٢٩٥.

٣٩٤

السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فقمن ان يستجاب لكم » (١). وقال الصادق عليه‌السلام فيه : « ادع الله للدنيا والآخرة » (٢).

ومنها : تكرار التسبيح‌ ـ كما مرّ في الركوع ـ والإيتار.

ومنها : التخوية في الهوي إليه ، بأن يسبق بيديه ثم يهوي بركبتيه ، لرواية حفص عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « كان علي عليه‌السلام إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر » يعني : بروكه (٣).

وقال ابن أبي عقيل : يكون أول ما يقع منه على الأرض يداه ، ثم ركبتاه ، ثم جبهته ، ثم انفه والإرغام به سنّة.

والتجافي في السجود ، ويسمى تخوية أيضا ، لأنّه إلقاء الخواء بين الأعضاء ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرج يديه على جنبيه (٤) وفرج بين رجليه (٥) وجنح بعضديه (٦) ونهى عن افتراش الذراعين كما يفترش الكلب (٧) ولما سبق في حديث حماد (٨) ، وقول الباقر عليه‌السلام : « لا تفترش ذراعيك افتراش السبع » (٩).

ونقل الفاضل عن العامة كراهة ان يجمع ثيابه وشعره في سجوده ، لنهي‌

__________________

(١) تقدم في ص ٣٧٥ الهامش ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٣ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ ح ١٢٠٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢١ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ح ٢٩٦.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٢٠٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٦ ح ٤٩٥ ، السنن الكبرى ٢ : ١١٤.

(٥) السنن الكبرى ٢ : ١١٥.

(٦) سنن أبي داود ١ : ٢٣٧ ح ٩٠٠ ، السنن الكبرى ٢ : ١١٤.

(٧) صحيح البخاري ١ : ٢٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٥ ح ٤٩٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٨ ح ٨٩٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٣٦ ح ٨٩٧ ، الجامع الصحيح ٢ : ٦٥ ح ٢٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ٢١١.

(٨) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٩) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨.

٣٩٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، معللا بأنها تركع بركوعه وتسجد بسجوده ، ثم قال : ولعل النهي لما فيه من الفعل الذي ليس من الصلاة (١).

قلت : قد روى مصادف عن الصادق عليه‌السلام : النهي عن عقص الشعر في الصلاة (٢). وروى الشيخ في التهذيب بطريق طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام : « ان عليا عليه‌السلام كان يكره ان يصلي على قصاص شعره حتى يرسله إرسالا » (٣).

ومنها : استحباب التكبير للرفع من السجدة الأولى قاعدا معتدلا ، ثم التكبير للسجدة الثانية معتدلا أيضا ، ثم التكبير لها بعد رفعه واعتداله ، لما سبق في خبر حماد (٤).

وابن الجنيد : إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة ، ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه ، وهو منتصب القامة لافظ به رافع يديه الى نحو صدره. وإذا أراد أن يخرج من ذلك الفعل ، كان تكبيره بعد الخروج منه ، وحصوله فيما يليه من انتصاب ظهره في القيام وتمكّنه من الجلوس. ويقرب منه كلام المرتضى (٥). وليس في هذا مخالفة للتكبير في الاعتدال ، بل هو نصّ عليه.

وفي المعتبر أشار الى مخالفة كلام المرتضى ، لانه لم يذكر في المصباح الاعتدال ، وضعّفه برواية حماد (٦).

ومنها : الإرغام بالأنف‌ بان يسجد على الأنف مع الأعضاء السبعة ، لما‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٩٥ المسألة ٢٦٧ ، وراجع : المجموع ٤ : ٩٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠١ ، والمبسوط للسرخسي ١ : ٣٤ ، والمغني ١ : ٦٩٧ وغيرها من مصادر التذكرة.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٩ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ ح ٩١٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ح ١٢٠٣.

(٤) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٥) حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٢.

(٦) المعتبر ٢ : ٢١٤.

ورواية حماد تقدمت في ص ٢٨١ الهامش ١.

٣٩٦

مر في خبر حماد (١) ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعظم .. ويرغم بالأنف إرغاما ، والفرض السبعة ، والإرغام سنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

واما ما روي في التهذيب عن علي عليه‌السلام : « لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين » (٣) محمول على نفي الاجزاء الكامل ، وكذا ما رواه العامة من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة » (٤) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أمرت أن اسجد على سبعة أعظم » (٥).

وتجزئ إصابة الأرض بما حصل من الأنف.

واعتبر المرتضى ـ رحمه‌الله ـ اصابة الطرف الذي يلي الحاجبين (٦).

وقال ابن الجنيد : يماس الأرض بطرف الأنف وحدبته إذا أمكن ذلك للرجل والمرأة.

وقال الصدوق ـ في المقنع والفقيه ـ : الإرغام بالأنف سنة ، ومن لم يرغم بأنفه فلا صلاة له (٧).

ومنها : الدعاء بين السجدتين‌ بما مرّ في خبر حماد (٨). وروي عن النبي‌

__________________

(١) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٢) الخصال : ٣٤٩ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ ح ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ح ١٢٢٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ح ١٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ح ١٢٢٣.

(٤) المغني ١ : ٥٩٢.

وفي المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٨٢ ح ٢٩٨٢ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٦٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٤٨ ، السنن الكبرى ٢ : ١٠٤ ، « الجبين » بدل « الجبهة ».

(٥) تقدم في ص ٣٨٨ الهامش ١.

(٦) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٢.

(٧) الفقيه ١ : ٢٠٥ ، الهداية : ٣٢ ، ولم نلاحظه في المقنع.

(٨) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

٣٩٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه كان يقول بينهما : « اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وعافني ، وارزقني » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واجبرني ، وعافني ، إني لما أنزلت اليّ من خير فقير ، تبارك الله رب العالمين » (٢). وأسقط ابن الجنيد « تبارك ». الى آخرها ، وزاد : « سمعت وأطعت ، وغفرانك ربنا وإليك المصير ».

ومنها : التورك بين السجدتين ، بان يجلس على وركه الأيسر ، ويخرج رجليه جميعا من تحته ، ويجعل رجله اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، كما في خبر حماد (٣).

وروى ابن مسعود التورك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

ولا يستحب عندنا الافتراش ، وهو : ان يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها ، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة. ويظهر من خبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام كراهيته ، حيث قال : « وإياك والقعود على قدميك.

فتتأذى بذلك. ولا تكون قاعدا على الأرض ، انما قعد بعضك على بعض » (٥).

وقال ابن الجنيد ـ في الجلوس بين السجدتين ـ : يضع ألييه على بطن قدميه ، ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ، ولا يقعي إقعاء الكلب.

وقال ـ في تورك التشهد ـ : يلزق ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض ، فلا يجزئه غير ذلك ولو كان في طين. ويجعل بطن ساقه‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٢٤ ح ٨٥٠ ، السنن الكبرى ٢ : ١٢٢ ، بزيادة : « واهدني ».

(٢) الكافي ٣ : ٣٢١ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ح ٢٩٥.

(٣) تقدم في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٤) المغني ١ : ٦٠٧ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٠٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨.

٣٩٨

الأيمن على رجله اليسرى ، وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر ، ويلزق حرف إبهام رجله اليمنى مما يلي حرفها الأيسر بالأرض وباقي أصابعها عاليا عليها ، ( ولا يستقبل ) (١) بركبتيه جميعا القبلة. ويقرب منه قول المرتضى (٢).

ومنها : جلسة الاستراحة ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم ، فاستو جالسا ثم قم » (٣).

وروى الأصبغ : ان عليا عليه‌السلام كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم. فقيل له : كان أبو بكر وعمر إذا رفعا من السجود نهضا على صدور إقدامهما كما تنهض الإبل. فقال : « انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ، انّ هذا من توقير الصلاة » (٤).

وصفة الجلوس فيها كالجلوس بين السجدتين.

وأوجبها المرتضى رحمه‌الله ، لما روي من انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعلها (٥) ولصورة الأمر في رواية أبي بصير.

ويدفعه انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يواظب على المستحب ويعارض بما رواه أبو هريرة : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينهض على صدور قدميه (٦) وبما رواه زرارة : انّه رأى الباقر والصادق عليهما‌السلام إذا رفعا‌

__________________

(١) اختلف النقل عن ابن الجنيد في ذلك ، ففي الحدائق الناضرة ٨ : ٣٠٥ أثبتها كما في المتن ، وفي مفتاح الكرامة ٢ : ٤٥٠ ، وجواهر الكلام ١٠ : ١٨٠ نقلا العبارة عن الذكرى بلفظ ( يستقبل ) ، وكذا في المعتبر ٢ : ٢١٥ عند ما حكى قول المرتضى.

(٢) المعتبر ١ : ٢١٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٢ ح ٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ح ١٢٢٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٤ ح ١٢٧٧.

(٥) الانتصار : ٤٦.

وروى فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو داود في سننه ١ : ٢٢٣ ح ٨٤٣ ، سنن النسائي ٢ : ٢٣٤ ، السنن الكبرى ٢ : ١٢٣.

(٦) الجامع الصحيح ٢ : ٨٠ ح ٢٨٨ ، السنن الكبرى ٢ : ١٢٤.

٣٩٩

رؤوسهما من الثانية نهضا ولم يجلسا (١). وروى رحيم عن الرضا عليه‌السلام : انّه كان يجلس في الرفع من الركعة الاولى والثالثة ، فقال له : أفنصنع كما تصنع؟ فقال : « لا تنظروا الى ما أصنع أنا ، انظروا الى ما تؤمرون » (٢). وهو صريح في عدم الوجوب.

وقال ابن أبي عقيل : إذا أراد النهوض ألزم ألييه الأرض ، ثم نهض معتمدا على يديه.

وقال ابن الجنيد : إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة ، حتى تماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم ، جاز ذلك.

وقال علي بن بابويه : لا بأس ان لا يقعد في النافلة.

ويكره الإقعاء فيها ، وفي الجلوس بين السجدتين على الأشهر ، قال في المعتبر : وبه قال معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم (٣).

وروى العامة عن علي عليه‌السلام : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تقع بين السجدتين » (٤).

وعن أنس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب » (٥).

وروينا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تقع بين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ح ١٢٣١.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٢ ح ٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ح ١٢٣٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٢١٨.

قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٥١ بعد حكاية هذا عن المعتبر ومنتهى المطلب : لعل محمدا ومعاوية يذهبان الى ما رويا. راجع : التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ ح ١٢٢٧.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٩ ح ٨٩٤ ، الجامع الصحيح ٢ : ٧٢ ح ٢٨٢ ، السنن الكبرى ٢ : ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٩ ح ٨٩٦.

٤٠٠