ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

السجدتين » (١).

وقال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ : لا بأس بالإقعاء بين السجدتين ، ولا بأس به بين الاولى والثانية ، وبين الثالثة والرابعة ، ولا يجوز الإقعاء في التشهدين (٢).

وتبعه ابن إدريس إلا في التشهد ، قال : وتركه أفضل ، وفي التشهد آكد (٣).

وفي المبسوط : الأفضل التورك بين السجدتين وبعد الثانية ، وان أقعى جاز (٤) ، لرواية عبيد الله الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالإقعاء بين السجدتين » (٥).

قلنا : لا ينافي الكراهة ، ونقل في الخلاف الإجماع على كراهته (٦) ، وفي مرسلة حريز عن الباقر عليه‌السلام : « لا تكفّر ، ولا تلثّم ، ولا تحتفر ، ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك » (٧).

وصورة الإقعاء : أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه ، قاله في المعتبر ، ونقل عن بعض أهل اللغة انه الجلوس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب ، قال : والمعتمد الأول (٨).

ومنها : الدعاء في جلسة الاستراحة‌ بقوله : ( بحول الله وقوته أقوم واقعد واركع واسجد ) ، قاله في المعتبر (٩).

والذي ذكره علي بن بابويه وولده ، والجعفي وابن الجنيد ، والمفيد ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠١ ح ١٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ح ١٢٢٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٦.

(٣) السرائر : ٧٤.

(٤) المبسوط ١ : ١١٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠١ ح ١٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ح ١٢٢٦.

(٦) الخلاف ١ : ٧١ المسألة ٦٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ح ٣٠٩.

(٨) المعتبر ٢ : ٢١٨.

(٩) المعتبر ٢ : ٢١٦ ، وليس فيه : ( اركع واسجد ).

٤٠١

وسلار ، وأبو الصلاح ، وابن حمزة ، وهو ظاهر الشيخ رحمه‌الله ، انّ هذا القول يقوله عند الأخذ في القيام (١) وهو الأصح ، لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « إذا قمت من السجود قلت : اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد ، وان شئت قلت : واركع واسجد » (٢).

وفي رواية محمد بن مسلم عنه : « إذا قام الرجل من السجود قال : بحول الله وقوته أقوم واقعد » (٣).

وعنه عنه : « إذا تشهدت ثم قمت فقل : بحول الله أقوم وأقعد » (٤).

وعن رفاعة عنه عليه‌السلام : « كان علي إذا نهض من الأوليين قال : بحولك وقوتك أقوم واقعد » (٥).

ومنها : ضم أصابع يديه مبسوطتين ، لما في خبر زرارة الطويل (٦).

وقال ابن الجنيد : يفرق الإبهام عنها ، ويستقبل بأصابعها القبلة ، وقال : لو لم يجنح الرجل كان أحب اليّ.

والشيخان وافقا على استقباله بالأصابع القبلة ، ولم يصرّحا بالتجنيح بل قالا : يجافي مرفقيه عن جنبيه ، ويقل بطنه ولا يلصقه بفخذيه ، ولا يحط صدره ، ولا يرفع ظهره محدودبا ، ويفرج بين فخذيه (٧) وهذا الآخر قاله في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٧ ، المقنعة : ١٦ ، المراسم : ٧١ ، الكافي في الفقه : ٤٢ ، المبسوط ١ ١١١ ، النهاية : ٧٢ ، وما عن ابن حمزة ليس في كتابه « الوسيلة » ولعله في « الواسطة ».

(٢) التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣٢٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٧ ح ٣٢١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ح ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٧ ح ١٢٦٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٨ ح ٣٢٧ الاستبصار ١ : ٣٣٨ ح ١٢٦٨.

(٦) تقدم في ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩ الهامش ١.

(٧) المقنعة : ١٦ ، المبسوط ١ : ١١٢ ، النهاية : ٧١.

٤٠٢

المبسوط (١) والتجنيح مذكور في رواية حماد (٢).

ومنها : البدأة برفع الركبتين‌ إذ قام من السجود قبل يديه ، لما رووه عن مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : لما رفع رأسه استوى قاعدا ثم اعتمد بيديه على الأرض (٣). وروينا عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : انه رآه يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد ، وإذا أراد القيام رفع ركبتيه قبل يديه (٤). ولأنه أيسر من السبق برفع اليدين ، فيكون مرادا لله تعالى ، لقوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ) (٥). ولأنه أشبه بالتواضع.

ومنها : جعل يديه بحذاء أذنيه ، لما في خبر حماد (٦).

ويكره نفخ موضع السجود ، جمعا بين رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام وسأله عنه فقال : « لا » (٧) وبين رواية إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجل عنه عليه‌السلام : « لا بأس » (٨). ويمكن حمل النهي على نفخ يؤذي غيره ، لرواية أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالنفخ في الصلاة من موضع السجود ما لم يؤذ أحدا » (٩).

ويجوز أن يمسح جبهته إذا لصق بها التراب ، لرواية عبيد الله الحلبي : ان الصادق عليه‌السلام قال : « كان أبو جعفر عليه‌السلام يمسح جبهته في‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٣.

(٢) تقدمت في ص ٢٨١ الهامش ١.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢٠٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢٢ ح ٨٤٢ ، الجامع الصحيح ٢ : ٨٠ ح ٢٨٨ ، سنن النسائي ٢ : ٢٣٤ ، السنن الكبرى ٢ : ١٢٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٨ ح ٢٩١.

(٥) سورة البقرة : ١٨٥.

(٦) تقدم في الهامش ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٩ ح ١٢٣٥.

(٨) الفقيه ١ : ١٧٧ ح ٨٣٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ح ١٢٢٠ ، الاستبصار ١ : ٣٢٩ ح ١٢٣٤.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ح ١٣٥١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٠ ح ١٢٣٦.

٤٠٣

الصلاة إذا لصق بها التراب » (١). وفي الفقيه : يكره ذلك في الصلاة ، ويكره ان تركه بعد ما صلّى (٢).

ومنها : استحباب زيادة التمكين في السجود ، لتحصيل أثره الذي مدح الله تعالى عليه بقوله ( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (٣).

وروى السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال علي عليه‌السلام : اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود » (٤).

وروى إسحاق بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجب ان يمكّن جبهته من الأرض » (٥).

ومنها : انه يستحب للمرأة ان ترفع شعرها عن جبهتها‌ ـ وان كان تصيب الأرض بعضها ـ لزيادة التمكين ، لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام قال : سألته عن المرأة تطول قصّتها ، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر ، هل يجوز ذلك؟ قال : « لا ، حتى تضع جبهتها على الأرض » (٦).

والظاهر انه على الكراهة ، لما روى زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « ما بين قصاص الشعر الى موضع الحاجب ، ما وضعت منه أجزأك » (٧).

وابن الجنيد قال : لا يستحب للمرأة ان تطول قصّتها ، حتى يستر شعرها بعض جبهتها عن الأرض ، أو ما تسجد عليه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠١ ح ١٢١٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٧.

(٣) سورة الفتح : ٢٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١١ ح ١٢١٣.

(٦) قرب الاسناد : ١٠٠ ، التهذيب ٢ : ٣١٣ ح ١٢٧٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٨٥ ح ٣١٣.

٤٠٤

ومنها : كشف باقي الأعضاء ، قاله في المبسوط ، واما الجبهة فكشفها واجب. وقال ـ بعد الحكم بإجزاء بعض من كل عضو ـ : والكمال ان يضع العضو بكماله (١).

ومنها : استحباب زيادة الجلوس بين السجدتين على القدر الواجب ، وسمّاه في المبسوط : جلسة الاستراحة ، وكذا سمّى الجلوس بعد الثانية (٢).

ومنها : نظره في حال سجوده الى طرف أنفه ، قاله جماعة من الأصحاب (٣).

ومنها : ما تضمنته رواية زرارة‌ ـ وذكره علي بن بابويه ـ : انه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه اليه قبضا ، فإذا تمكّن من الجلوس رفعهما بالتكبير (٤).

ومنها : انه إذا قام واعتمد على يديه ، بسطهما ولا يعجن بهما ، ذكره الجعفي ، ورواه الشيخ في التهذيب ، والكليني في الكافي ، عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض ، فلا يعجن بيديه في الأرض ، لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض » (٥).

ومنها : ان يكون نظره في جلوسه بين السجدتين الى حجره ، قاله المفيد (٦) وسلار (٧). وأطلق ابن البراج ان الجالس ينظر الى حجرة (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٢.

(٢) المبسوط ١ : ١١٣.

(٣) راجع : المقنعة : ١٦ ، الفقيه ١ : ٢٠٥ ، الهداية : ٣٩ ، المبسوط ١ : ١٠١ ، السرائر : ٤٧.

(٤) تقدمت في ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩ الهامش ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ح ١٢٢٣.

(٦) المقنعة : ١٦.

(٧) المراسم : ٧١.

(٨) المهذب ١ : ٩٣.

٤٠٥

الواجب السابع : التشهد.

وفيه مسائل.

الأولى : هو واجب في الثنائية مرة ، وفيما عداها مرتين ، بإجماع علمائنا ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وعن ابن مسعود : علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التشهد وسط الصلاة (١). وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمهم التشهد آخر الصلاة (٢). وروى يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « التشهد في كتاب علي شفع » (٣).

ويجب الجلوس بقدره ، تأسيا بفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعبارته مروية في أحاديث كثيرة ، منها : رواية محمد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : « التشهد في الصلاة مرتان : إذا استويت جالسا فقل : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، ثم تنصرف ». قلت : قول العبد : التحيات لله والصلوات الطيبات. قال : « ذلك اللطف يلطف العبد به ربّه » (٤).

وتجب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بإجماعنا ، وجعلها الشيخ في الخلاف ركنا (٥).

ورووا عن عائشة : أنها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « لا‌

__________________

(١) مسند احمد ١ : ٤٥٩.

(٢) مجمع الزوائد ٢ : ١٤٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٨٩.

(٥) الخلاف ١ : ٣٦٩ المسألة : ١٢٨.

٤٠٦

تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ » (١).

وروى كعب بن عجزة ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في الصلاة : « اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد » (٢).

وعن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى صلاة ، ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي ، لم تقبل » (٣).

وروى الشيخ عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « التشهد في الركعتين الأوليين : الحمد لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد انّ محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته (٤) وارفع درجته » (٥).

وروى البزنطي عن الرضا عليه‌السلام : انه يجزئ التشهد الذي في الثانية في الرابعة (٦).

ومن مضمرات سماعة في المصلي خلف غير العدل : « يجلس قدر ما يقول : اشهد ان لا إله الله ، وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ٣٥٥.

(٢) السنن الكبرى ٢ : ١٤٧.

راجع : سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٥ ح ٤٠٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٣ ح ٩٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ ح ٩٧٦ ، الجامع الصحيح ٢ : ٣٥٢ ح ٤٨٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٢.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٣٥٥.

(٤) في المصدر زيادة : « في أمته ».

(٥) التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٤.

(٦) التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٨٧.

٤٠٧

ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١). وهذه الرواية عبارة المقنعة (٢).

الثانية : يستحب التورك فيه ، ورواه العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) وقد تقدم في خبري حماد وزرارة (٤).

وصفته كما تقدم. وقال ابن أبي عقيل : ينصب طرف إبهامه اليمنى على الأرض.

ويكره الإقعاء. وقال ابن بابويه والشيخ ـ في النهاية ـ : لا يجوز (٥). وعلّله ابن بابويه بأن المقعي ليس بجالس ، انما يكون بعضه قد جلس على بعض ، فلا يصبر للدعاء والتشهد (٦).

ويكون نظره حال التشهد الى حجره ، قاله الأصحاب (٧).

ويضع يديه على فخذيه ، مبسوطة الأصابع مضمومة عند علمائنا (٨) ، لما رووه ورويناه من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٩). وتفرّد ابن الجنيد بأنه يشير‌

__________________

(١) سقطت التحية من الحجرية ومن التهذيب المطبوع ٣ : ٥١ ح ١٧٧ والحجري ١ : ٢٩٢ وملاذ الاخبار ٤ : ٧٥٠ والوسائل ط الإسلامية ٥ : ٤٥٨ ب ٥٦ صلاة الجماعة ح ٢.

هذا وأما في النسخ الخطية والكافي ٣ : ٣٨٠ ح ٧ ، والوافي ـ أورده عن الكافي فقط ـ ٨ : ١٢٤٩ ح ٨١٧٣ ، وفي الحجري منه ٢ : ١٨٦ ، والوسائل ط مؤسّستنا ٨ : ٤٠٥ ح ١١٠٢٧ ، وترتيب التهذيب ١ : ٣٩٩ فهي مثبتة.

وانظر : الذكرى : ٤١١ من هذا الجزء ، والحدائق الناضرة ٨ : ٤٥٥.

(٢) المقنعة : ١٦ ، ١٧ ، وليس في الموضعين : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) المغني ١ : ٦٠٧ ، وراجع نيل الأوطار ٢ : ٣٠٥.

(٤) تقدما في ص ٢٧٨ ـ ٢٨١ الهامش ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٦ ، النهاية : ٧٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٦.

(٧) راجع : المقنعة : ١٧ ، المبسوط ١ : ١٠١ ، الوسيلة : ٩٤.

(٨) راجع : الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، من فعل أبي عبد الله ( ع ) ، وراجع : صحيح مسلم ١ : ٤٠٨ ح ٥٧٩ ، ٥٠٨ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ ح ٩٨٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٨.

(٩) راجع : المبسوط ١ : ١١٥ ، المعتبر ٢ : ٢٢٩.

٤٠٨

بالسبابة في تعظيمه لله عز وجل ، كما تقوله العامة (١).

ويسمع الامام من خلفه ، ويسرّ المأموم ـ لما سلف ـ ويتخيّر المنفرد ، وقد مر.

الثالثة : أفضله ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ( وان ) (٢) محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد انك نعم الرب ، وان محمدا نعم الرسول ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد وتقبّل شفاعته في أمته وارفع درجته. ثم تحمد الله مرتين أو ثلاثا ثم تقوم.

فإذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد انك نعم الرب وان محمدا نعم الرسول ، التحيات لله ، الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ، ما طاب وزكى وظهر وخلص ـ بفتح اللام ـ وصفا فلله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد ان ربي نعم الرب ، وان محمدا نعم الرسول واشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله الحمد لله رب العالمين.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد (٣) وترحّم على محمد وآل محمد ، كما‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٥٢ ، ٤٦٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٧ ، المغني ١ : ٦٠٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٨.

(٢) في المصدر : « واشهد ان ».

(٣) في المصدر زيادة : « وبارك على محمد وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد ».

٤٠٩

صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا انك رءوف رحيم. اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن عليّ بالجنة ، وعافني من النار.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ، ولا تزد الظالمين الا تبارا.

ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين ، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (١).

وأكثر الأصحاب افتتحوه بقولهم : بسم الله وبالله ، والأسماء الحسنى كلها لله (٢).

الرابعة : روى حبيب الخثعمي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، انه قال : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه » (٣).

وروى بكر بن حبيب عنه عليه‌السلام : « إذا حمدت الله أجزأك ، لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا ، انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون » (٤).

وروى زرارة عنه عليه‌السلام : يجزئ في الركعتين الأوليين ان تقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ويجزئ في الأخيرتين الشهادتان (٥).

والخبران الأولان ينفيان وجوب التشهد أصلا ورأسا ، والخبر الأخير ينفي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٣.

(٢) راجع : المقنعة : ١٧ ، المقنع : ٢٩ ، النهاية : ٨٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٨ ، الاستبصار ١. ٣٤٢ ح ١٢٨٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٠ ح ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٤.

٤١٠

وجوب الشهادة بالرسالة في التشهد الأول ، ووجوب الصلاة عن النبي وآله في التشهد الأخير.

وروى سورة بن كليب عنه عليه‌السلام : أدنى ما يجزئ من التشهد الشهادتان (١) ، وهذا أيضا ليس فيه ذكر الصلاة على النبي وآله.

وروى زرارة عنه عليه‌السلام في المحدث قبل التشهد. يتوضأ ، ويأتي به حيث كان (٢). وروى زرارة عن الصادق عليه‌السلام كذلك ، وقال « انما التشهد سنّة » (٣).

وأجاب الشيخ بأن الاخبار انما تنفي وجوب ما زاد على الشهادتين ، ونقول به ، وكذا قوله : « انما التشهد سنة » أي ما زاد على الواجب ، والحديث محمول على انه لم يكمل التشهد لا أنّه لم يأت به (٤).

قلت : ولو حملت على التقية كان أنسب ، لأنه مذهب كثير من العامة ـ كالشافعي ، وأهل العراق ، والأوزاعي ومالك ـ إذ يقولون بعدم وجوب التشهد الأول (٥) ، وقال بعدم وجوب الثاني أيضا مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي (٦) ورووه عن علي عليه‌السلام (٧) وسعيد بن المسيب والنخعي والزهري وقد أشار الشيخ أيضا إلى ذلك (٨).

والصدوق في المقنع اقتصر في التشهدين على الشهادتين ولم يذكر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ ح ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ح ١٢٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٩٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠١ ، ٣١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢.

(٥) راجع : المجموع ٣ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٢.

(٦) راجع : المجموع ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، المغني ١ : ٦١٣.

(٧) المجموع ٣ : ٤٦٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٢٠.

٤١١

الصلاة على النبي وآله ، ثم قال : وادنى ما يجزئ في التشهد ان يقول الشهادتين ، أو يقول : بسم الله وبالله ، ثم يسلم (١).

ووالده في الرسالة لم يذكر الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول.

والقولان شاذان لا يعدان ، ويعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب.

واما الصلاة على النبي وآله فعلمت من دليل آخر ، فلا ذكرها هنا ، فعن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما الصلاة على النبي وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له » (٢).

على انّ ابن الجنيد قال : تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد وآله في أحد التشهدين ، مع انه روي عن كعب بن عجرة انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول ذلك (٣) ، وعن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا تشهد أحدكم في صلاته ، فليقل : اللهم صلّ على محمد وآل محمد » (٤).

فروع :

ظاهر الأصحاب وخلاصة الاخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا. فعلى هذا لا يضر ترك ( وحده لا شريك له ) ، ولا لفظ ( عبده ) وفي رواية أبي بصير « وان محمدا » (٥) بغير لفظ اشهد. نعم ، لو بدّل الألفاظ المخصوصة ، بمرادفها من‌

__________________

(١) المقنع : ٢٩.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٩ ح ٥١٥ ، التهذيب ٢ : ١٥٩ ح ٦٢٥ ، ٤ : ١٠٨ ح ٣١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ح ١٢٩٢.

(٣) تقدمت رواية كعب في ص ٤٠٧ الهامش ٢.

(٤) المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٦٩ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٧٩.

(٥) تقدمت في ص ٤١٠ الهامش ١ ، وقد تقدم أيضا ان في المصدر : « واشهد ان ».

٤١٢

العربية أو غيرها من اللغات ، لم يجز. نعم ، تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم. والأقرب وجوب التحميد عند تعذّر الترجمة ، للروايتين السابقتين (١).

اما لو أضاف ( الآل ) أو ( الرسول ) من غير لفظ ( عبده ) الى المضمر ، أو أسقط ( واو ) العطف في الثاني ، فظاهر الأخبار المنع ، ويمكن استناد الجواز إلى رواية حبيب (٢) فإنها تدل بفحواها على ذلك ، والأولى المنع.

وعبارة الصلاة في الأشهر : ( اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ). وسبق في رواية سماعة « صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣) فيمكن اختصاصه بحال الضرورة كما تضمنت الرواية ، ويمكن اجزاؤه ، لحصول مسمّى الصلاة.

ولا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب ، غير انّ أبا الصلاح قال فيه : ( بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلها لله ، لله ما طاب وزكا ونما وخلص ، وما خبث فلغير الله ) (٤) وتبعه ابن زهرة (٥).

ولو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم ، واحتمل البطلان. ولو لم يعتقد استحبابها خلا عن إثم الاعتقاد ، وفي البطلان وجهان عندي. ولم أقف للأصحاب على هذا الفرع.

الخامسة : يجوز الدعاء في التشهد للدين والدنيا ، لعموم الأمر بالدعاء لقوله تعالى ( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٦) ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال لابن مسعود : « ثم ليتخيّر من الدعاء ما أعجبه » (٧) ،

__________________

(١) تقدمتا في ص ٤١٠ الهامش ٣ و ٤.

(٢) تقدمت في ص ٤١٠ الهامش ٣.

(٣) تقدمت في ص ٤٠٨ الهامش ١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٢٣.

(٥) الغنية : ٤٩٧.

(٦) سورة غافر : ٦٠.

(٧) صحيح البخاري ١ : ٢١٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٤ ح ٩٦٨ ، سنن النسائي ٣ : ٥١ ، السنن الكبرى ٢ : ١٥٣.

٤١٣

وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فليتخيّر من الدعاء ما شاء » (١) وقد تقدم في رواية أبي بصير (٢) طرف منه.

ويستحب ان يقوم بالتكبير من التشهد الأول عند المفيد ـ رحمه‌الله ـ (٣) ، ولا نعلم له مأخذا ، والمشهور انه يقوم بقوله : ( بحول الله وقوته أقوم واقعد ) لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (٤) ولا يحتاج الى تكبير ، وقد تقدم في تكبير القنوت بيان ذلك.

__________________

(١) مسند احمد ١ : ٤٢٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٢ ح ٤٠٢ ، السنن الكبرى ٢ : ١٥٣.

(٢) تقدمت في ص ٤١٠ الهامش ١.

(٣) المقنعة : ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ح ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٧ ح ١٢٦٧.

٤١٤

الواجب الثامن : التسليم.

تجب صيغة ( السلام عليكم ) عند أكثر من أوجبه ، وهم : ابن أبي عقيل (١) والمرتضى (٢) وأبو الصلاح (٣) وابن زهرة (٤).

قال ابن أبي عقيل : فإذا فرغ من التشهد ، وأراد أن يسلم على مذهب آل الرسول عليهم‌السلام ، فان كان إماما أو منفردا سلم تسليمة واحدة مستقبل القبلة يقول : ( السلام عليكم ) ، وان كان خلف إمام يقتدى بصلاته فتسليمتين : تسليمة يردّ على من على يمينه ، والأخرى على من على يساره ان كان يساره أحد. ومن ترك التسليم ساهيا فلا شي‌ء عليه ، ومن تركه متعمدا فصلاته باطلة وعليه الإعادة.

وقال ـ في سياق التشهد ـ : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واغفر لي ولوالدي ، وارحمهما كما ربياني صغيرا ، وامنن عليّ بالجنّة طولا منك ، وفكّ رقبتي من النار ، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين لا نبي بعده ، السلام على محمّد بن عبد الله ورسول رب العالمين ، وصلّ على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، اللهم صلّ على ملائكتك المقرّبين ، السلام على أنبياء الله المرسلين وعلى أئمة المؤمنين أولهم وآخرهم ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ومن لم يقل شيئا من هذا فان الشهادتين تجزئه ، ومن أتى به كان أفضل من تركه ، ومن تركه لم تفسد عليه صلاته ، إلا في الشهادتين ان تركهما ساهيا فلا شي‌ء عليه ، وان تركهما متعمدا‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٣.

(٢) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٤) الغنية : ٤٩٦.

٤١٥

بطلت صلاته وعليه الإعادة.

فهذا تصريح منه بوجوب ( السلام عليكم ) ، وبندب ( السلام علينا ) ، وبتقدّمها على ( السلام عليكم ).

والمرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الناصرية ، لما قال الناصر : تكبيرة الافتتاح من الصلاة والتسليم ليس منها ، قال : لم أجد الى هذه الغاية لأصحابنا نصا في هاتين المسألتين ، ويقوى في نفسي انّ تكبير الافتتاح من الصلاة ، وان التسليم أيضا من جملة الصلاة وهو ركن من أركانها ، وهو مذهب الشافعي. ووجدت بعض أصحابنا يقول في كتاب له : ان السلام سنة غير مفروض ومن تركه متعمدا لا شي‌ء عليه. وقال أبو حنيفة : تكبير الافتتاح ليس من الصلاة ، والتسليم ليس بواجب ولا هو من الصلاة ، وإذا قعد عنده قدر التشهد خرج من الصلاة بالسلام والكلام وغيرهما (١).

ثم استدل على الأول بما خلاصته : انّ النية تقارن التكبير أو تتقدم عليه فلا فصل ، وذلك دليل انها من جملة الصلاة ، ولان استقبال القبلة والطهارة شرط فيه فتكون من الصلاة.

لا يقال : انما شرط فيه الوضوء لأن الصلاة عقيبه بلا فصل ، فلو أوقع بغير وضوء لدخل في أول جزء من الصلاة بغير وضوء.

لأنا نقول : نفرض رجلا مستقبلا وعلى يمينه حوض عال فتوضأ مادا للتكبير ، ففرغ من الوضوء وقد بقي منه حرف مع أن ذلك لا يجوز ، فعلم ان الوضوء شرط في التكبير نفسه (٢).

قلت : (٣) وأسهل في تصويره أن يتطهر حتى يبقى له مسح شي‌ء من رجله‌

__________________

(١) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

وراجع قولي الشافعي وأبي حنيفة في : المجموع ٣ : ٤٨١ ، المغني ١ : ٦٢٣.

(٢) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

(٣) « قلت » هذه واللتان بعدها من كلام المصنّف.

٤١٦

اليسرى ، ثم يكبر فيقع التكبير قبل كمال الوضوء ويصادف الكمال أول الصلاة.

لا يقال : قوله تعالى ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) عقّب ( الذكر ) بالصلاة ، فلو كان التكبير منها لكان مصليا معه لا عقيبه.

لأنّا نقول : لا نسلم ان المراد بـ ( الذكر ) التكبير ، لم لا يكون ما يؤتى به قبل الصلاة من الأذان أو التكبيرات الست التي يستحبها الأصحاب (١).

قلت : ولئن سلّمنا ان المراد بـ ( ذكر ربه ) التكبير لا يلزم منه انتفاء جزئيته ، لجواز ان يكون المراد بقوله صلّى أكمل الصلاة ، فإنه كثيرا ما يعبّر عن الإكمال بأصل الفعل ، أو يكون التعقيب بالفاء في الاخبار لا في الوقوع. وقال المفسرون : المراد ذكر اسم ربه بقلبه ، أو به وبلسانه ، فقام إلى الصلاة ، كقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ، أو أراد تكبير يوم العيد فصلّى صلاة العيد (٢).

لا يقال : الإجماع على انه ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة ، فيكون ابتداؤه وقع خارج الصلاة فكيف يصير بعد ذلك منها؟

لأنّا نقول : إذا فرغ من التكبير تبين ان جميع التكبير من الصلاة ، وله نظائر :

منها : ان السلام ليس من الصلاة ، ولو ابتدأ بالسلام فإنه لا يخرج بذلك من الصلاة ، فإذا فرغ منه تبيّن عندهم انّ جميعه وقع خارج الصلاة.

ومنها : إذا قال بعتك هذا الثوب لم يكن ذلك بيعا ، فإذا قال المشتري قبلت صار الإيجاب والقبول بمجموعهما بيعا (٣).

قلت : ولمانع ان يمنع توقّف الدخول في الصلاة على تمام التكبير ، ولم‌

__________________

(١) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

والآية في سورة الأعلى : ١٥.

(٢) راجع : مجمع البيان ١٠ : ٤٧٦ ، أنوار التنزيل ٢ : ٥٥٤.

والآية في سورة طه : ١٤.

(٣) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

٤١٧

لا يكون داخلا في الصلاة عقيب النية! للإجماع على وجوب مقارنة النية لأول العبادة ، وهذا الإجماع يصادم الإجماع المدعى. نعم ، لو قيل ببسط النية على التكبير توجّه ما قاله المرتضى رضي‌الله‌عنه.

واما (١) الدلالة على وجوب السلام فهو ما روى عنه عليه‌السلام من قوله : « مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » ، دلّ على ان غير التسليم ليس بمحلل. وروى سهل بن سعد الساعدي : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسلّم في الصلاة عن يمينه وشماله ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي ».

وأيضا فكل من قال التكبير من الصلاة ذهب الى ان السلام واجب وانه منها.

وأيضا روى عبد الله بن مسعود ، قال : ما نسيت من الأشياء فلم انس تسليم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة عن يمينه وشماله : « السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله » وروت عائشة : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسلّم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه (٢).

__________________

(١) الكلام هنا للسيد المرتضى ـ رحمه‌الله.

(٢) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

والحديث الأول في : ترتيب مسند الشافعي ١ : ٧٠ ح ٢٠٦ ، المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٧٢ ح ٢٥٣٩ ، مسند احمد ١ : ١٢٣ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ ح ٢٧٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٦ ح ٦١ ، الجامع الصحيح ١ : ٨ ح ٣.

ورواية سهل في : مسند احمد ٥ : ٣٣٨.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في : مسند احمد ٥ : ٥٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٨٥ ح ١٦٥٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ، السنن الكبرى ٣ : ١٢٠.

ورواية ابن مسعود في : لمصنف لعبد الرزاق ٢ : ٢١٨ ح ٣١٢٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٩٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٢٣ ح ١٩٩١ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٥٧ ، السنن الكبرى ٢ : ١٧٧.

ورواية عائشة في : سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٧ ح ٩١٩ ، الجامع الصحيح ٢ : ٩١ ح ٢٩٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٢٤ ح ١٩٩٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٥٨ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٣٠.

٤١٨

لا يقال : روى ابن مسعود انه عليه‌السلام علمه التشهد ، ثم قال : « إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك ». وروى أبو هريرة : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر السلام (١).

فنقول : خبر ابن مسعود متروك الظاهر بالإجماع لأنه يقتضي تمام الصلاة بالشهادة ، وبالإجماع انه قد بقي عليه شي‌ء وهو الخروج ، لأنّ الخروج عندهم يقع بكل مناف للصلاة وقد قيل إنّ القائل : « إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك » هو ابن مسعود لا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأعرابي كان يحسن السلام ، أو كان ذلك قبل فرض السلام (٢).

ويستدل على أصحابنا بأنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت الدخول فيها ، فان لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة ، وأصحابنا لا يجيزون ذلك فثبت وجوب السلام (٣).

فكلام السيد مصرح بركنيته ، وان المعتبر ( السلام عليكم ). ولعلّه يريد بالركن مرادف الواجب.

__________________

(١) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢.

ورواية ابن مسعود في : سنن أبي داود ١ : ٢٥٥ ح ٩٧٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٠٨ ح ١٩٥٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٥٣.

وحديث الأعرابي تقدم في ص ٣٦٣ الهامش ٣.

(٢) الناصريات ١ : ٢٣١ المسألة ٨٢.

والقائل هو الدار قطني في سننه ١ : ٣٥٧.

(٣) الناصريات ١ : ٢٣١ المسألة ٨٢.

٤١٩

وابو الصلاح ـ رحمه‌الله ـ عدّ ( السلام علينا ) في المستحب و( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ، وجعل بعد ( السلام علينا ) : ( السلام على محمد وآله المصطفين ) ، قال : ثم يسلم التسليم الواجب (١).

وعبارته هذه : والفرض الحادي عشر : ( السلام عليكم ورحمة الله ) يعني : محمدا وآله صلوات الله عليهم والحفظة عليهم‌السلام ، وان كان منفردا فتسليمة واحدة تجاه القبلة ويشير بها ذات اليمين ، وان كان إماما فواحدة تجاه القبلة وعن اليمين ، وان كان مأموما فواحدة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال (٢). ونحوه قال ابن زهرة في الغنية (٣).

وأما سلاّر فعدّ من واجبات الصلاة التسليم ، وذكر في موضع عبارته : ( السلام عليكم ورحمة الله ) (٤). وفي موضع : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وينحرف بعينه الى يمينه وقد قضى صلاته. وذكر انّه إذا قال : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) أومأ بوجهه إلى القبلة (٥). وتبع في هذا الإيماء المفيد ـ رحمه‌الله ـ (٦).

وصاحب الفاخر قال : أقل المجزئ من عمل الصلاة في الفريضة : تكبيرة الافتتاح ، وقراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث تسبيحات ، والركوع ، والسجود ، وتكبيرة واحدة بين السجدتين ، والشهادة في الجلسة الاولى ، وفي الأخيرة : الشهادتان ، والصلاة على النبي وآله ، والتسليم ، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٢٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٣) الغنية : ٤٩٦.

(٤) في المصدر زيادة : ( وبركاته ).

(٥) المراسم : ٦٩ ، ٧٣.

(٦) المقنعة : ١٨.

٤٢٠