ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد ، فلما فرغ من التشهد سلّم فقال : « يا حماد هكذا صل » (١).

قلت : الظاهر ان صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء والاّ لأمره بقضائها ، ولكنه عدل به الى الصلاة التامة كما قال : « فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة ».

وقوله : ( وغمّض عينيه ) لا ينافيه ما اشتهر بين الأصحاب من استحباب نظره الى ما بين قدميه (٢) كما دلّ حديث زرارة (٣) لأنّ الناظر الى ما بين قدميه تقرب صورته من صورة المغمّض ، والشيخ قال في النهاية : وغمّض عينيك فان لم تفعل فليكن نظرك الى ما بين رجليك (٤) ، فأراد بالتغميض معناه الحقيقي ، مع انّ مسمعا روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة » (٥).

قال في المعتبر : خبر حماد خاص فيقدّم (٦).

ومنها : القنوت ، وهو مستحب في قيام كل ثانية قبل الركوع ، فريضة أو نافلة ، وفيه مباحث.

أ : في استحبابه في الجملة ، وعليه الأكثر.

وظاهر ابن أبي عقيل وجوبه في الجهرية (٧) وابن بابويه وجوبه مطلقا ، وان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١.

(٢) راجع : المقنعة : ١٦ ، والمبسوط ١ : ١٠١ ، والسرائر : ٤٦.

(٣) تقدم في ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩ الهامش ١.

(٤) النهاية : ٧١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٤ ح ١٢٨٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٤٦.

(٧) حكاه عنه المحقق في المعتبر ٢ : ٢٤٣ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ٩٦.

٢٨١

الإخلال به عمدا يبطل الصلاة (١).

لنا : الأصل ، وصحيح البزنطي عن الرضا عليه‌السلام : « ان شئت فاقنت ، وان شئت لا تقنت » (٢).

وخبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام : « لا تقنت إلاّ في الفجر » (٣) وخبر سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام : « ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب » (٤) ، نفي القنوت في غيرها ، وهذان الشيخان لا ينفيانه.

وخبر عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام ، وسأله هل القنوت قبل الركوع أو بعده ، فقال : « لا قبله ، ولا بعده » (٥) نفى الوجوب ، لثبوت الاستحباب بأخبار تكاد تبلغ التواتر ، وبإجماع الإمامية.

روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : « القنوت في كل ركعتين في التطوع أو الفريضة » (٦).

وعن زرارة عنه عليه‌السلام : « القنوت في كل الصلوات » (٧).

لهما : خبر وهب عن الصادق عليه‌السلام : « من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (٨). وخبر عمار عنه عليه‌السلام : « ليس له ان يدعه متعمّدا » (٩).

وفي صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام وسأله عن الفرض في الصلاة ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٩١ ح ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ح ١٢٨١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩١ ح ٣٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ح ١٢٨٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٩١ ح ٣٣٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ح ١٢٧٩.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧ ح ٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٧ ح ١٦٠٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٧ ح ٩٣٤ ، التهذيب ٢ : ٩٠ ح ٢٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ح ١٢٧٧.

(٧) الفقيه ١ : ٢٠٨ ح ٩٣٥ ، ٣١٢ ح ١٤١٧.

(٨) الكافي ٣ : ٣٣٩ ح ٦.

(٩) التهذيب ٢ : ٣١٥ ح ١٢٨٥.

٢٨٢

فقال : « الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء » وما سوى ذلك؟ « سنّة في فريضة » (١) ولا ريب انّ القنوت دعاء ، ولا قائل بوجوب دعاء في الصلاة غيره.

والجواب : انّ المنفي كمال الصلاة ، والرغبة عنه أخصّ من الدعوى ، إذ تركه متعمدا قد يكون رغبة وقد لا يكون. وقوله : « ليس له ان يدعه » مبالغة في تأكده. والدعاء جاز حمله على القراءة وباقي الأذكار الواجبة ، فإن معنى الدعاء فيها.

واحتجا بقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٢).

وجوابه : ان معنى ( قانِتِينَ ) مطيعين ، سلمنا انه بمعنى القنوت ، ولكن لا دلالة فيه على الوجوب ، لأنّه أمر مطلق ، ولو دلّ لم يدلّ على التكرار ، ولأنّ الصلاة مشتملة على القراءة والأذكار وفيها معنى الدعاء ، فيتحقق الامتثال بدون القنوت.

ب : يتأكد في الجهرية ، لما مر ، ولرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : « أمّا ما جهرت فيه فلا تشك » (٣). وكذا يتأكد في الوتر ، لرواية ابن سنان عنه عليه‌السلام : « القنوت في : المغرب ، والعشاء ، والغداة ، والوتر » (٤).

ج : محلّه قبل الركوع إجماعا منا ، لرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع » (٥). ورواية معمر بن يحيى عنه عليه‌السلام : « ان شئت بعد الركوع » (٦) حملت على القضاء أو التقية (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٢ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٩ ح ٥٤٣ ، ٢٤١ ح ٩٥٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٣٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٩ ح ٣٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ح ١٢٧٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٩ ح ٣٣٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ح ١٢٧٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٠ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٨٩ ح ٣٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ح ١٢٧١.

(٦) التهذيب ٢ : ٩٢ ح ٣٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ح ١٢٨٣.

(٧) حملها الشيخ في التهذيب والاستبصار ، راجع الهامش السابق.

٢٨٣

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة ، فإن الركعة الأولى فيها قبل الركوع ، وفي الأخيرة بعد الركوع » (١).

وعليه في الجمعة معظم الأصحاب (٢).

وابن أبي عقيل ظاهره ان القنوت متعدّد ، وانه قبل الركوع في الركعتين (٣).

وظاهر ابن بابويه ان القنوت فيها واحد ، وانه بعد الركوع (٤).

وظاهر المفيد أيضا الوحدة ، الا انّه قبل الركوع في الركعة الاولى (٥) وعليه دل صحيح معاوية بن عمار عنه عليه‌السلام مع الامام يقنت في الركعة الاولى ، وفي الظهر في الركعة الثانية قبل الركوع (٦).

وابن إدريس أنكر تعدّد القنوت في الجمعة (٧) وظاهره انه في الثانية قبل الركوع.

قال في المعتبر : ويظهر لي انّ الامام يقنت قنوتين إذا صلّى جمعة ، ومن عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا ، واحتج بروايتي معاوية بن عمار وأبي بصير (٨).

ومال في المعتبر الى جواز القنوت مطلقا بعد الركوع ، للخبر السالف‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٠ ح ٣٣٤ ، ٣ : ١٧ ح ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ح ١٢٧٥ ، ٤١٨ ح ١٦٠٦.

(٢) راجع : المبسوط ١ : ١١٣ ، المهذب ١ : ١٠٣ ، المعتبر ٢ : ٢٤٤.

(٣) مختلف الشيعة : ١٠٦.

(٤) راجع : الفقيه ١ : ٢٦٧ ، وفيه : ( قبل الركوع ) ، وكذا حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة : ١٠٦.

(٥) الاشراف : ٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٦ ح ٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤١٧ ح ١٦٠٣.

(٧) السرائر : ٤٨.

(٨) المعتبر ٢ : ٢٤٤ ، ورواية معاوية تقدمت في الهامش ٦ ، ورواية أبي بصير تقدمت في ص ٣٧٧ الهامش ١.

٢٨٤

المحمول على التقية أو القضاء ، وقال : ليس في الاخبار ما يدل على ان الإتيان به بعد الركوع قضاء (١).

د : يقنت في مفردة الوتر ، لما مر.

ولا فرق بينه وبين غيره في كونه قبل الركوع ، لرواية عمار عن الصادق عليه‌السلام في ناسي القنوت في الوتر أو غير الوتر ، قال : « ليس عليه شي‌ء ». قال : « ان ذكره وقد أهوى إلى الركوع ، قبل ان يضع يده على الركبتين ، فليرجع قائما فليقنت ثم ليركع. وان وضع يده على ركبتيه ، فليمض في صلاته » (٢).

نعم ، الظاهر استحباب الدعاء في الوتر بعد الركوع أيضا ، لما روي عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام : انه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر ، قال : « هذا مقام من حسناته نعمة منك » الى آخر الدعاء (٣) وسماه في المعتبر : قنوتا (٤).

ولا فرق في قنوت الوتر بين أيام السنة كلها ، وقول بعض العامة باختصاص النصف الأخير من شهر رمضان (٥) تحكّم.

هـ : لو نسي القنوت ، قال الشيخ ومن تبعه : يقضيه بعد الركوع. فلو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ (٦) رواه أبو بصير قال : سمعته يذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام في الساهي عن القنوت : يقنت بعد ما ينصرف وهو جالس. (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣١ ح ٥٠٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٥ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ١٣٢ ح ٥٠٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٤١.

(٥) المغني ١ : ٨٢٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٥٥.

(٦) المبسوط ١ : ١١٣ ، النهاية : ٨٩ ، المهذب ١ : ٩٨ ، الكافي في الفقه : ١٤٩ ، المعتبر ٢ : ٢٤٥ ، مختلف الشيعة : ١٣٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٠٩.

(٧) التهذيب ٢ : ١٦٠ ح ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ح ١٢٩٨.

٢٨٥

وروى ان قنوت الناسي بعد الركوع محمد بن مسلم وزرارة ، عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (١).

ولا ينافيه رواية معاوية بن عمار ، قال : سألته عن ناسي القنوت حتى يركع ، أيقنت؟ قال : « لا » (٢) ، لاحتمال ان ينفي الوجوب ، أي : لا يجب. وكذا ما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام ، انّه قال له : في قنوت الوتر إذا نسي أيقنت بعد الركوع؟ قال : « لا » (٣).

قال الصدوق : وانما منع الصادق عليه‌السلام ذلك في الوتر والغداة خلافا للعامة ، لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع ، وانما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأنّ جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (٤).

وروى قضاءه في الطريق زرارة عن الباقر عليه‌السلام في ناسي القنوت وهو في الطريق ، قال : « يستقبل القبلة ثم ليقله ، أبي لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يدعها » (٥).

و : يستحب الجهر فيه في الجهرية والإخفاتية ، لرواية الصحيحة عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : « القنوت كله جهار » (٦).

ولا ينافيه رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام : « ان شاء جهر ، وان شاء لم يجهر » وكان السؤال عن التشهد وذكر الركوع‌

__________________

(١) رواية محمد بن مسلم وزرارة عن الباقر عليه‌السلام في : التهذيب ٢ : ١٦٠ ح ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ح ١٢٩٥.

ورواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في : التهذيب ٢ : ١٦٠ ح ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ح ١٢٩٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦١ ح ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ح ١٣٠٠.

(٣) الفقيه ١ : ٣١٢ ح ١٤٢١.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٠ ح ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣١٥ ح ١٢٨٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٩ ح ٩٤٤ ، السرائر : ٤٨٠.

٢٨٦

والسجود والقنوت (١) ، لجواز ان يكون ذلك التخيير لرفع توهّم تعيين أحدهما.

وقال المرتضى والجعفي ـ رحمه‌الله ـ : انه تابع للصلاة في الجهر والاخفاف (٢) ، لعموم : « صلاة النهار عجماء ، وصلاة الليل جهرا » (٣).

قلنا : الخاص مقدّم.

وقال ابن الجنيد : يستحب ان يجهر به الإمام ليؤمّن من خلفه على دعائه. فإن أراد لفظ ( آمين ) فسيأتي ان شاء الله تعالى انه مبطل ، وان أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس.

وهل يسرّ به المأموم؟ الأقرب : نعم ، لعموم قول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول » (٤) ومثله رواية حفص بن البختري عن علي عليه‌السلام (٥).

ز : يستحب التكبير له قائما رافعا يديه ـ كما سلف ـ لحسن معاوية بن عمار عنه عليه‌السلام : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس خمس وتسعون تكبيرة ، منها : تكبيرة القنوت خمس » (٦) ومثله رواية الصباح المزني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨٥.

(٢) حكاه عن المرتضى : المحقق في المعتبر ٢ : ٢٤٣ ، والعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٥٠٨.

(٣) ورد ما بمعناه في : التهذيب ٢ : ٢٨٩ ح ١١٦١ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ح ١١٦٥ ، ووردت الفقرة الأولى عن الحسن في : غريب الحديث لأبي عبيد ١ : ١٧٠ ، تهذيب اللغة ١ : ٣٩١ ، الفائق ٢ : ٣٩٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٩ ح ١٧٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٧ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ ح ١١٨٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ ح ٣٨٤ ، وفي الجميع : عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ح ٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ ح ١٢٦٤.

(٧) الخصال ١ : ٥٩٣ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ح ٣٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ ح ١٢٦٦.

٢٨٧

والمفيد ـ رحمه‌الله ـ : لا تكبير للقنوت ، ويكبّر عنده للقيام من التشهد ، فالتكبير عنده أربع وتسعون (١).

والروايات تخالفه ، مع انه قد روي مشهورا بعدة طرق منها : رواية محمد ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في القائم من التشهد يقول : « بحول الله وقوته أقوم واقعد » (٢) وفي بعضها : « بحولك وقوتك أقوم واقعد » (٣) وفي بعضها : « واركع واسجد » (٤) ولم يذكر في شي‌ء منها التكبير ، فالأقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت ، وبه كان يفتي المفيد وفي آخر عمره رجع عنه الى المذكور أولا.

قال الشيخ : ولست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا (٥).

ح : يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين ، يستقبل ببطونهما السماء وظهورهما الأرض ، قاله الأصحاب (٦).

وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « وترفع يديك حيال وجهك ، وان شئت تحت ثوبك (٧) ، وتتلقى بباطنهما السماء ».

وقال المفيد : يرفع يديه حيال صدره (٨).

__________________

(١) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٤٨ ، وراجع رسالة الاشراف : ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٨ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ح ٣٢٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٨ ح ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ح ١٢٦٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٦ ح ٣٢٠.

(٥) الإستبصار ١ : ٣٣٧.

(٦) السرائر : ٤٧ ، المعتبر ٢ : ٢٤٧.

(٧) قال البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ٣٨٦ بعد إيراده الرواية عن كتابنا هذا : ولم أقف على رواية عن عبد الله بن سنان بهذه الصورة ، والذي وقفت عليه انما هي الرواية الواردة في الوتر. ونحو هذا قال الشيخ محمد حسن في جواهر الكلام ١٠ : ٣٦٩.

والرواية الواردة في الوتر هي ما رواه الصدوق في الفقيه ١ : ٣٠٩ ح ١٤١٠ والطوسي في التهذيب ٢ : ١٣١ ح ٥٠٤ ، بإسنادهما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تدعو في الوتر على العدو ... وترفع يديك في الوتر حيال وجهك ، وان شئت فتحت ثوبك ».

(٨) المقنعة : ٢٦.

٢٨٨

وحكى في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض (١).

ويفرق الإبهام عن الأصابع ، قاله ابن إدريس (٢).

ويستحب نظره الى بطونهما ، ذكره الجماعة (٣).

ويجوز ترك الرفع للتقية ، لرواية علي بن محمد انّه كتب الى الفقيه يسأله عن القنوت ، فكتب : « إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين ، وقل ثلاث مرات : بسم الله الرحمن الرحيم » (٤).

ويمسح وجهه بيديه ، ويمرهما على لحيته وصدره ، قاله الجعفي ، وهو مذهب بعض العامة (٥).

ط : أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج ، قال ابن إدريس : وروي انها أفضله (٦) ، وقد ذكرها الأصحاب (٧) ، وفي المبسوط والمصباح : هي أفضل (٨).

وروى سعد بن أبي خلف عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « يجزئك في القنوت : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة ، انك على كل شي‌ء قدير » (٩).

وفي النهاية : أدناه : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، انك أنت الأعز الأكرم (١٠).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٤٧.

(٢) السرائر : ٤٧.

(٣) راجع : السرائر : ٤٧ ، المعتبر ٢ : ٢٤٦ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٥ ح ١٢٨٦.

(٥) المجموع ٣ : ٥٠١ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٦) السرائر : ٤٨.

(٧) راجع : المقنعة : ١٦ ، الكافي في الفقه : ١٢٣ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٢٨.

(٨) المبسوط ١ : ١١٣ ، مصباح المتهجد : ٣٥.

(٩) الكافي ٣ : ٣٤٠ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ح ٣٢٢.

(١٠) النهاية : ٧٢.

٢٨٩

وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى القنوت ، فقال : « خمس تسبيحات » (١).

وقال ابن أبي عقيل ، والجعفي ، والشيخ : أقله ثلاث تسبيحات (٢).

واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في القنوت : « اللهم إليك شخصت الابصار ، ونقلت الاقدام ، ورفعت الأيدي ، ومدت الأعناق ، وأنت دعيت بالألسن ، وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين. اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا ، وقلة عددنا ، وكثرة عدونا ، وتظاهر الاعداء علينا ، ووقوع الفتن بنا ، ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره ، وامام حق نعرفه ، إله الحق آمين رب العالمين ».

قال : وبلغني ان الصادق عليه‌السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج.

قال ابن الجنيد : وأدناه : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم.

وقال : والذي استحب فيه ما يكون فيه حمد الله وثناء عليه ، والصلاة على رسول الله والأئمة صلى الله عليهم ، وان يتخيّر لنفسه من الدعاء وللمسلمين ما هو مباح له.

ي : يجوز الدعاء فيه بما سنح للدين والدنيا. روى إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت وما يقال فيه ، فقال : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا موقتا » (٣).

يا : يجوز الدعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم ، والدعاء على الكفرة والمنافقين ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٠ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣١٥ ح ١٢٨٢.

(٢) النهاية : ٧٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٠ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٤ ح ١٢٨١.

٢٩٠

آخرين بأعيانهم ، كما روي انه قال : « اللهم انج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان » (١).

وقنت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية ، وأبي الأعور وأشياعهم (٢). قاله ابن أبي عقيل.

وروى عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تدعو في الوتر على العدو ، وان شئت سميتهم » (٣).

وروى العامة عن أبي الدرداء انه قال : إنّي لأدعو لسبعين أخا من إخواني بأسمائهم وأنسابهم ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة (٤).

يب : يستحب اطالة القنوت ، فقد ورد عنهم عليهم‌السلام : « أفضل الصلاة ما طال قنوتها ».

وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام : « صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة والإخلاص ، واقنت في الثانية بقدر ما قمت (٥) في الركعة الأولى ».

تنبيهات :

الأول : يجوز الدعاء في سائر أحوال الصلاة ، للأصل ، وعموم ( ادْعُوا رَبَّكُمْ ) (٦) وما سلف من خبر : انّ الدعاء فرض (٧). وروى عبد الرحمن بن سيابة‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ ح ٦٧٥ ، شرح معاني الآثار ١ : ٢٤١ ، السنن الكبرى ٢ : ١٩٧.

(٢) رواه محمد بن المثنى في كتابه ـ ضمن الأصول الستة عشر : ٨٨ ، وابن أبي شيبة في مصنفه ٢ : ٣١٧ ، والطوسي في أماليه ٢ : ٣٣٥.

(٣) الفقيه ١ : ٣٠٩ ح ١٤١٠ ، التهذيب ٢ : ١٣١ ح ٥٠٤.

(٤) لاحظ : السنن الكبرى ٢ : ٢٤٥.

(٥) في م ، ط : قنتّ. وكما في المتن في بحار الأنوار ٨٥ : ٢٠٦ ، ووسائل الشيعة ٤ : ٩١٩.

(٦) سورة الأعراف : ٥٥.

(٧) راجع ص ٢٨٣ الهامش ١.

٢٩١

قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدعو وانا ساجد؟ قال : « نعم ، ادع للدنيا والآخرة ، فإنّه رب الدنيا ورب الآخرة » (١).

الثاني : منع سعد بن عبد الله من جواز الدعاء في القنوت بالفارسية ، حسب ما رواه الشيخ محمد بن بابويه عن شيخه محمد بن الحسن ، عنه ونقل عن محمد بن الحسن الصفار جوازه ، واختاره ابن بابويه ، لقول أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : « لا بأس ان يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي ربه عز وجل » (٢).

قال : ولو لم يرد هذا الخبر ، لكنت أجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » ، والنهي عن الدعاء بالفارسية غير موجود. وقال الصادق عليه‌السلام : « كل شي‌ء ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام » (٣).

واختاره الشيخ في النهاية : بأي لغة كانت (٤) والفاضلان : لصدق اسم الدعاء عليه (٥).

اما الأذكار الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.

الثالث : قد تقدّمت كلمات الفرج في أحكام الأموات ، ويجوز ان يقول فيها هنا : ( وسلام على المرسلين ) ، ذكر ذلك هنا جماعة من الأصحاب ، منهم : المفيد (٦) وابن البراج (٧) وابن زهرة (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٣ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ ح ١٢٠٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٨ ، والحديث فيه برقم ٩٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ ، والخبرين فيه برقم ٩٣٧ ، ٩٣٨.

(٤) النهاية : ٧٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٤١ ، مختلف الشيعة : ٩٨.

(٦) المقنعة : ١٦.

(٧) المهذب ١ : ٩٤.

(٨) الغنية : ٤٩٧.

٢٩٢

وسئل عنه الشيخ نجم الدين في الفتاوي فجوّزه ، لانّه بلفظ القرآن ، مع ورود النقل.

الرابع : روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يدرك الركعة الأخيرة مع الامام فيقنت الامام ، أيقنت معه؟ قال : « نعم ، ويجزئه من القنوت لنفسه » (١).

تتمّة :

قد بيّنا استحباب وضع اليدين على الفخذين بإزاء الركبتين حال القيام ، فلو وضعهما على غير ذلك جاز ، غير انّه لا يجوز للمصلّي وضع اليمين على الشمال ولا بالعكس ، فوق السرة ولا تحتها ، فتبطل لو تعمّد فعله.

ونقل الشيخ والمرتضى فيه الإجماع (٢). وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى ، فقال : « ذلك التكفير لا تفعله » (٣). وفي مرسلة حريز عن الصادق عليه‌السلام : « لا تكفّر ، انما يصنع ذلك المجوس » (٤). ولأنّ أفعال الصلاة متلقاة من الشرع ، ولا شرع هنا. وللاحتياط. ولانّه فعل كثير خارج عن الصلاة.

وخالف في ذلك ابن الجنيد حيث جعل تركه مستحبا (٥) وأبو الصلاح حيث جعل فعله مكروها (٦) ومن الأصحاب من لم يتعرض له كابن أبي عقيل وسلار.

وقال الشيخ نجم الدين في المعتبر : الوجه عندي الكراهية ، لمخالفته ما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٥ ح ١٢٨٧ ، وفي سؤال الراوي : الركعة الأخيرة من الغداة.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢١ المسألة : ٧٤ ، الانتصار : ٤١.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٤ ح ٣١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ح ٣٠٩ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٥) مختلف الشيعة : ١٠٠.

(٦) الكافي في الفقه : ١٢٥.

٢٩٣

دلت عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين. والإجماع غير معلوم لنا ، وخصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء. والتمسك بأنّه فعل كثير في غاية الضعف ، لأنّ وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب ، ولم يتناول النهي وضعهما في موضع معين ، فكان للمكلف وضعهما كيف شاء.

وتلقي أفعال الصلاة من الشرع حق ، لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليمين على الشمال لم يثبت تحريمه ، فصار للمكلف وضعهما كيف شاء ، وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه. والاحتياط معارض بأنّ الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع ، أو نقول : متى يحتاط إذا علم ضعف مستند المانع ، أم إذا لم يعلم؟ ومستند المانع هنا معلوم الضعف.

واما الرواية فظاهرها الكراهية ، لما تضمنته من التشبيه بالمجوس. وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمخالفتهم ليس على الوجوب ، لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وانه فاعل الخير ، فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره (١).

قال : فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية أولى ، ويؤيد ما ذكرناه انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر به الأعرابي ، وكذا رواية أبي حميد حكاية صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

قال : واحتجاج العامة على شرعيته برواية وائل بن حجر ، قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى ، وبرواية‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٥٧.

وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في : صحيح مسلم ١ : ٢٢٢ ح ٢٦٠ ، السنن الكبرى ١ : ١٥٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٥٧.

وحديث الأعرابي سيأتي في ص ٣٦٣ الهامش ٣.

ورواية أبي حميد في : سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٠ ح ٨٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٤ ح ٧٣٠ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٤.

٢٩٤

سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ، قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينهى ذلك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن ابن مسعود : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ به وهو واضع شماله على يمينه فوضعها على شماله ، مردود ، بمخالفتهم لمضمون رواية وائل ، لأنّ منهم من يضعها فوق السرة ، ومنهم من يضعها تحتها ، ورواية سهل لم يبيّن فيها الأمر ، وقول أبي حازم مشعر بشكه في ذلك ، وخبر ابن مسعود حكاية في واقعة مخصوصة (١).

قلت : في بعض كلامه ـ رحمه‌الله ـ مناقشة ، وذلك لأنّه قائل في كتبه بتحريمه وإبطاله الصلاة (٢). والإجماع وان لم يعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين (٣). واما الروايتان ، فالنهي فيهما صريح وهو التحريم على ما اختاره معظم الأصوليين ، وخلاف المعيّن لا يقدح في الإجماع. والتشبّه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعه حرام ، واين الدليل الدالّ على شرعية هذا الفعل؟ والأمر بالصلاة مقيّد بعدم التكفير الثابت في الخبرين المعتبري ، الاسناد اللذين عمل بهما معظم الأصحاب. فحينئذ الحق ما صار إليه الأكثر وان لم يكن إجماعا.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٥٦ ، ٢٥٨.

ورواية وائل في : السنن الكبرى ٢ : ٣٠.

ورواية سهل في : مسند احمد ٥ : ٣٣٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٨٨ ، السنن الكبرى ٢ : ٢٨.

ورواية ابن مسعود في : سنن ابن ماجة ١ : ٢٦٦ ح ٨١١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٠٠ ح ٧٥٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٢٦.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٩١ ، المختصر النافع : ٣٤.

(٣) العلامة في نهاية الوصول في البحث السادس من مباحث الإجماع ومن العامة.

انظر المحصول ٤ : ١٥٢ ، والمعتمد ٢ : ٦٧.

٢٩٥

تنبيه :

لا ريب في جوازه عند التقية ، ولا فرق بين كون اليد على الأخرى بحائل أو غيره. ولو وضع اليسرى على اليمنى عند التقية احتمل البطلان ، لانه لم يأت بالتقية على وجهها فيكون المحذور سليما من المعارض ، والصحة إذا تأدّت بها التقية.

ولو ترك الوضع عند التقية ، فكترك الغسل في مسح الوضوء وقد سلف ، وأولى هنا بالصحة ، لأنه خارج عن الصلاة ، بخلاف الغسل والمسح ، فإن الجزئية محققة فيهما فيتحقق النهي عن العبادة في الجملة ، والأقرب هنا الجزم بعدم البطلان.

٢٩٦

الواجب الرابع :

القراءة والنظر في واجباتها وسننها ولواحقها.

الأول : في الواجبات.

وفيه مسائل.

الأولى : تجب قراءة الحمد عينا في الصلاة الواجبة في الصبح وأوليي الصلوات الباقية إجماعا منا ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام والصحابة والتابعين ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب » رواه عبادة بن الصامت (١).

وروينا عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، انه قال : « من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته » (٢).

وعن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام في الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب : « لا صلاة له الا ان يقرأ بها في جهر أو إخفات » (٣).

والخبر الأول صريح في عدم ركنيتها ، لعدم بطلان الصلاة بتركها نسيانا ، وبه صرح خبر منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام (٤) وخبر معاوية ابن عمار عنه أيضا (٥) في أخبار كثيرة (٦).

واحتجاج بعض العامة بقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) ، وبانّ النبي‌

__________________

(١) مسند احمد ٥ : ٣١٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٩٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٥ ح ٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٣ ح ٨٣٧ ، الجامع الصحيح ٢ : ٢٥ ح ٢٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٣٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٢١ ، السنن الكبرى ٢ : ١٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ ح ١٣٣٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٨ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ح ١٣٣٧ ، السرائر : ٤٨٤.

(٦) لاحظ : التهذيب ٢ : ١٤٦ ح ٥٧٢ ، ٥٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٤ ح ١٣٣٨ ـ ١٣٤٠.

٢٩٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما علّم الأعرابي قال له : « ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن » ، وبتساوي الفاتحة وسائر القرآن في الأحكام فكذا في الصلاة (١) ضعيف ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب » أخص من قوله تعالى ( ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) فيبني العام عليه ، وعدم تعليم الأعرابي الفاتحة ممنوع ، فإنّه نقل : « ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله تعالى » (٢) والقياس عندنا باطل ، مع منع التساوي في جميع الأحكام فإنّه محل النزاع.

الثانية : « بسم الله الرحمن الرحيم » آية من الفاتحة ، ومن كل سورة ـ خلا براءة ـ إجماعا منا. ورواه العامة من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أم سلمة (٣) ، وانه قال : « إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤا : بسم الله الرحمن الرحيم ، فإنها أم القرآن والسبع المثاني ، وان بسم الله الرحمن الرحيم آية منها » (٤).

وروي : انه قرأ الفاتحة فقرأ « بسم الله الرحمن الرحيم » وعدّها آية (٥).

وروينا عن الأئمة عليهم‌السلام ذلك بطريق كثيرة ، منها : رواية معاوية ابن عمار عن الصادق عليه‌السلام : « انها آية في الفاتحة والسورة » (٦). ورواية صفوان : انه صلّى خلفه عليه‌السلام أياما ، وكان يقرؤها ويجهر بها في الإخفاتية (٧).

__________________

(١) قاله أبو حنيفة ، راجع : المجموع ٣ : ٣٢٧.

والآية في سورة المزمل : ٢٠.

وحديث تعليم الأعرابي سيأتي بتمامه في ص ٣٦٣ الهامش ٣.

(٢) ترتيب مسند الشافعي ١ : ٧٠ ح ٢٠٧ ، مسند احمد ٤ : ٣٤.

(٣) مسند احمد ٦ : ٣٠٢ ، سنن أبي داود ٤ : ٣٧ ح ٤٠٠١ ، مسند أبي يعلى ١٢ : ٣٥٠ ح ٦٩٢٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٩٩ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٠٧ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٣٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٤.

(٤) سنن الدار قطني ١ : ٣١٢ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٥ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٠٩ ، عن الطبراني في الأوسط.

(٥) راجع الهامش ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٢ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ح ١١٥٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٤.

٢٩٨

وقد روي ما يعارض ذلك : كرواية محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام في الرجل يكون إماما يستفتح بالحمد ولا يقرأ « بسم الله الرحمن الرحيم » فقال : « لا يضر » (١). ورواية محمد بن علي الحلبي عنه عليه‌السلام : انه لا يقرؤها في السورة (٢) في أخبار أخرى (٣). وحملها الأصحاب على التقية ، أو النسيان ، أو النافلة (٤).

وابن الجنيد يرى أنّ البسملة في الفاتحة بعضها ، وفي غيرها افتتاح لها ، ولعله يحتجّ بهذه الرواية ، وهو متروك.

تنبيه :

أجمع المسلمون على وجوب القراءة في الصلاة ، إلا الحسن بن صالح ابن حي وابن عليّة والأصم ، ويروى عن أنس وعكرمة ، وعن عمر فيمن نسي القراءة : لا بأس (٥).

لنا : الإجماع ، وانقراض المذكورين ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة إلاّ بقراءة » (٦) وقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (٧) ، والنسيان عذر‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٧ ، ٢٨٨ ح ١١٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ ح ١١٥٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣١٢ ح ١١٦١.

(٣) راجع : التهذيب ٢ : ٢٨٨ ح ١١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ح ١١٥٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ ح ٦٩ ، المعتبر ٢ : ١٦٩.

(٥) بداية المجتهد ١ : ١٢٥ والمجموع ٣٤ : ٣٣٠ وعمدة القارئ ٦ : ٩ والحاوي الكبير ٢ : ١٠٢ ، التفسير الكبير ١ : ١٨٨ والمصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٢٢ ح ٢٧٤٨. والمصنف لابن أبي شيبة ١ : ٣٩٦. السنن الكبرى ٢ : ٣٨١ ، والاستذكار ٤ : ١٢٤.

(٦) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ١٢٠ ح ٢٧٤٣ ، مسند احمد ٢ : ٣٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٧ ح ٣٩٦ ، السنن الكبرى ٢ : ١٩٣.

(٧) سورة المزمل : ٢٠.

٢٩٩

لعموم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » (١).

وهل الفاتحة متعينة في النافلة؟ الأقرب ذلك ، لعموم الأدلة.

وقال الفاضل : لا تجب فيها ، للأصل (٢). فان أراد الوجوب بالمعنى المصطلح عليه فهو حق ، لأنّ الأصل إذا لم يكن واجبا لا تجب أجزاؤه. وان أراد به الوجوب المطلق ليدخل فيه الوجوب بمعنى الشرط ، بحيث تنعقد النافلة من دون الحمد ، فممنوع.

واما حمل الشيخ في التهذيب أخبار سقوط البسملة على النافلة ، فالمراد به سقوطها من السورة ، صرح بذلك (٣).

الثالثة : تجب سورة كاملة في الثنائية والأوليين من غيرها ، على المشهور بين الأصحاب.

وخالف فيه : ابن الجنيد ، وسلار ، والشيخ في النهاية ، والمحقق في المعتبر ، فإنّهم ذهبوا الى استحبابها (٤) فعندهم يجوز التبعيض كما يجوز تركها بالكلية.

لنا : فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، وقول الصادق عليه‌السلام : « لا تقرأ في المكتوبة أقل من سورة ولا أكثر » رواه منصور بن حازم (٥). وفي مكاتبة يحيى بن عمران الى أبي جعفر عليه‌السلام في تارك‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٣٥ ح ١ ، ٢ ، الخصال : ٤١٧ ، التوحيد : ٣٥٣ ، الجامع الصغير ٢ : ١٦. ح ٤٤٦١ عن الطبراني في الكبير.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٩.

(٤) المراسم : ٦٩ ، النهاية : ٧٥ ، المعتبر ٢ : ١٧٣ ، وحكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة : ٩١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٤ ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ح ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣١٤ ح ١١٦٧ ، وفي الجميع : « بأقل .. بأكثر ».

٣٠٠