ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما (١). والمعتمد المشهور.

نعم ، يجوز النقص في السفر. روى بريد بن معاوية عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة » (٢) ولكن الإقامة التامة وحدها أفضل منهما مفردين ، لمرسلة عن الصادق عليه‌السلام مشهورة (٣).

وقال ابن الجنيد : إذا أفرد الإقامة عن الأذان ثنّى ( لا إله إلاّ الله ) في آخرها ، وان أتى بها معه فواحدة (٤).

قال : ولا بأس للمسافر أن يفرد كلمات الإقامة مرة مرة ، إلا التكبير في أولها فإنّه مرتان.

تنبيه :

معنى ( حي ) : هلمّ وأقبل ، تعدّى بعلى وإلى. والفلاح : الفوز والبقاء ، أي : انّ الصلاة سبب في الفوز بالثواب ، أو سبب البقاء والدوام في الجنة.

الثالثة : أجمعنا على ترك التثويب في الأذان ، سواء فسّر بـ : الصلاة خير من النوم ، أو بما يقال بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح أو غيرها ، الا ما قاله ابن الجنيد من انه لا بأس بالتثويب في أذان الفجر خاصة وتكرير ذلك ، وما يأتي من قول الجعفي. ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام بالنداء والتثويب في الإقامة (٥) محمولة على التقية ، وكذا غيرها (٦).

واما الترجيع ـ وهو : تكرير الفصل زيادة على الموظف ـ فقد روى زرارة‌

__________________

(١) النهاية : ٦٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٢.

(٤) مختلف الشيعة : ٩٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ح ٢٢١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٦.

٢٠١

عن الباقر عليه‌السلام : « وان شئت زدت على التثويب : حي على الفلاح ، مكان : الصلاة خير من النوم » (١).

وروى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام : « لو ان مؤذّنا أعاد في الشهادة ، وفي حي على الصلاة ، وفي حي على الفلاح ، المرتين والثلاث وأكثر ، إذا كان إماما يريد جماعة القوم لم يكن به بأس » (٢).

وفي المبسوط : الترجيع غير مسنون ، وهو : تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان ، فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرار الشهادتين (٣).

قال في المعتبر : ويشهد لقوله رواية أبي بصير (٤) وعنى به ما تلوناه عنه.

ومن العامة من سنّ الترجيع ، وهو ان يذكر كلمتي الشهادتين مرتين على خفض في الصوت ، ثم يعود الى الترتيب ويرفع الصوت (٥). ومنهم من قال : لا يزيد في كلمات الأذان بل يخفض بها مرة ، ويجهر بها مرة (٦). ومستندهم ضعيف.

الرابعة : قال الشيخ : واما ما روي في شواذ الاخبار من قول : انّ عليا ولي الله وآل محمد خير البرية ، مما لا يعمل عليه في الأذان ، ومن عمل به كان مخطئا (٧).

وقال في المبسوط : لو فعل لم يأثم به (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٤٩.

(٣) المبسوط ١ : ٩٥.

(٤) المعتبر ٢ : ١٤٤.

وتقدمت رواية أبي بصير في الهامش ٢.

(٥) قاله الشافعي ومالك ، راجع : المجموع ٣ : ٩١ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٥.

(٦) قاله الصيدلاني ، راجع : فتح العزيز ٣ : ١٦٧.

(٧) النهاية : ٦٩.

(٨) المبسوط ١ : ٩٩ ، وليس فيه : ( لم ) ، والظاهر انه سقط من النسخة المطبوعة إذ بدونها لا تنسق عبارة الشيخ.

٢٠٢

وقال ابن بابويه : والمفوضة رووا اخبارا وضعوها في الأذان : محمد وآل محمد خير البرية ، واشهد ان عليا ولي الله وانّه أمير المؤمنين حقا حقا ، ولا شك انّ عليا ولي الله وان آل محمد خير البرية ، وليس ذلك من أصل الأذان (١).

قال : وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيارة المتهمون المدلسون أنفسهم في جملتنا (٢).

الخامسة : يستحب الحكاية للسامع إجماعا لما روى أبو سعيد الخدري انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن » (٣).

وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول في كل شي‌ء » (٤).

وقال الباقر عليه‌السلام لمحمد بن مسلم : « لا تدعن ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله تعالى ، وقل كما يقول » (٥).

وروى ابن بابويه ان حكايته تزيد في الرزق (٦).

وليقل الحاكي : اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ، أكفي بها عن كلّ من أبي وجحد ، وأعين بها من أقرّ وشهد ، ليكون له من الأجر عدد‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٧.

(٣) الموطأ ١ : ٦٧ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٧٨ ح ١٨٤٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٥٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٨ ح ٣٨٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٨ ح ٧٢٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٤ ح ٥٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٢٩.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٨٩ ح ٩٠٤.

٢٠٣

الفريقين ، روي ذلك عن الصادق عليه‌السلام (١).

فروع :

الحكاية بجميع ألفاظ الأذان حتى الحيعلات ، للخبر (٢).

وقال في المبسوط : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : « يقول إذا قال : حي على الصلاة : لا حول ولا قوة إلا بالله » (٣).

ولو كان في الصلاة لم يحيعل فتبطل به ، ولو قال بدلها في الصلاة : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فلا بأس. ولو كان يقرأ القرآن ، قطعه وحكى الأذان ، وغيره من الكلام بطريق الاولى.

وظاهر الشيخ انه لا يستحب حكايته في الصلاة وان كانت الحكاية فيها جائزة ، وصرّح بذلك في الخلاف (٤).

ولو فرغ من الصلاة ولم يحكه ، فالظاهر سقوط الحكاية ، قال الشيخ : يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا (٥).

وقال الفاضل في مقصد الجمعة من تذكرته : الأقرب انه لا يستحب حكاية الأذان الثاني يوم الجمعة ، وأذان عصر عرفة ، وعشاء المزدلفة ، وكل أذان مكروه ، وأذان المرأة. اما الأذان المقدم قبل الفجر ، فالوجه استحباب حكايته ، وكذا أذان من أخذ عليه أجرا وان حرم دون أذان المجنون والكافر (٦).

ويستحب ان يأتي بما نقصه المؤذن ، وفي الرواية عن الصادق عليه‌

__________________

(١) المحاسن : ٤٩ ، الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٣٠ ، الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩١ ، ثواب الأعمال : ٥٢.

(٢) إشارة إلى الخبر المتقدم في الهامش رقم ٤.

(٣) المبسوط ١ : ٩٧.

(٤) الخلاف ١ : ٢٨٥ ، المسألة ٢٩.

(٥) المبسوط ١ : ٩٧.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ : ١٥٦.

٢٠٤

السلام : « إذا نقص المؤذن ، وأنت تريد ان تصلي بأذانه ، فأتمّ ما نقص » (١).

وليقل عند سماع الشهادتين : وانا اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالأئمة الطاهرين أئمة. اللهم صلى على محمد وآل محمد. اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة.

وعن الصادق عليه‌السلام : « من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك ، وادبار ليلك ، وحضور صلواتك وأصوات دعاتك ، ان تتوب عليّ انك أنت التواب الرحيم ، وقال مثله حين يسمع أذان المغرب ( الا انه يقول موضع نهارك ليلك وبالعكس ) (٢) ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا » (٣).

السادسة : يستحب الطهارة فيه إجماعا ، لما روي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلاّ وهو طاهر » (٤).

ويجوز على غير طهر ، لقول علي عليه‌السلام : « لا بأس ان يؤذن وهو جنب ، ولا يقيم حتى يغتسل » (٥) وهو يدل على انّ شرعية الطهارة في الإقامة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٢.

(٢) العبارة موجودة في هامش ومذيّلة بكلمة ( صح ) ، وهي ليست في س والمصادر ، وكذلك ليست في المصادر التي شرحت ( الفقيه ) أو نقلت منه ، مثل : روضة المتقين ٢ : ٢٣٧ ، بحار الأنوار ٨٤ : ١٧٣ ، وسائل الشيعة ٤ : ٦٦٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٠ ، أمالي الصدوق : ٢١٩ فلاح السائل : ٢٢٧. وفي : ثواب الاعمال : ١٨٣ ، عيون اخبار الرضا ١ : ٢٥٣ ، كشف الغمة ٢ : ٢٩١ عن الامام الرضا ٧.

(٤) السنن الكبرى ١ : ٣٩٧ ، تلخيص الحبير ٣ : ١٩٠ عن البيهقي والدار قطني في الافراد وأبو الشيخ في الأذان.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٦ ، التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٨١.

٢٠٥

آكد ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « ولا تقم الاّ وأنت على وضوء » (١) ومن ثم جعل المرتضى الطهارة شرطا في الإقامة (٢).

ولو أحدث خلال الإقامة استحب له الاستئناف بعد الطهارة ، وفي أثناء الأذان يتطهر ويبني.

ويستحب الاستقبال فيهما إجماعا ، تأسيا بمؤذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، وفي الإقامة آكد ، وأوجبه فيها المرتضى والمفيد (٤).

ويكره الالتفات يمينا وشمالا ، سواء كان على المنارة أو لا ، ولا يلوي عنقه عند الحيعلتين ، ولا يستدير بجميع بدنه إن كان في المنارة.

ويستحب ان يضع إصبعيه في أذنيه ، لأنّ الصادق عليه‌السلام جعله من السنّة (٥).

واستحب سلار ذكر الله تعالى بين الفصول بصفات مدحه وتسبيحه (٦).

ويستحب ان يكون قائما مع القدرة ، لأنه أبلغ لصوته ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا بلال قم فناد بالصلاة » (٧) وقال الباقر عليه‌السلام : « لا يؤذن جالسا الا راكب أو مريض » (٨) وقيامه على مرتفع ، لقول الصادق عليه‌السلام : « كان حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قامة ، فيقول لبلال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٩.

(٢) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٠.

(٣) المغني ١ : ٤٧٢ ، تلخيص الحبير ٣ : ١٧٩.

(٤) المقنعة : ١٥ ، جمل العلم والعمل ٣ : ٣٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٥.

(٦) المراسم : ٦٩.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٢٨٥ ح ٣٧٧ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٦٣ ح ١٩٠ ، سنن النسائي ٢ : ٣. السنن الكبرى ١ : ٣٩٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٥٧ ح ١٩٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١٢٠.

٢٠٦

اعل فوق الجدار ، وارفع صوتك بالأذان » (١).

ويجوز الأذان قاعدا ، لرواية محمد بن مسلم (٢) والقيام في الإقامة آكد ، للنص عن العبد الصالح (٣).

ويجوز الأذان راكبا وماشيا ، وتركه أفضل ، وفي الإقامة آكد ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ، ولا تقيم وأنت راكب أو جالس ، الا من علة أو تكون في أرض ملصّة » (٤).

وينبغي للمؤذن راكبا أو ماشيا استقبال القبلة بالتشهد ، للنص عن أحدهما عليهما‌السلام (٥).

ولو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس ، للنص عن الصادق عليه‌السلام لما قال له يونس الشيباني : أأقيم وانا ماش؟ قال : « نعم ». وقال : « إذا أقمت فأقم مترسلا ، فإنك في الصلاة ». فقال له : أفيجوز المشي في الصلاة؟ فقال : « نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ، ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك » (٦).

وقال ابن بابويه : لا بأس بالأذان قائما وقاعدا ، ومستقبلا ومستدبرا ، وذاهبا وجائيا ، وعلى غير وضوء. والإقامة على وضوء مستقبلا. وان كان اماما فلا يؤذن إلاّ قائما (٧).

__________________

(١) المحاسن : ٤٨ ، الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٣١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١١٩.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٣ ح ٨٦٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٧ ح ١٩٨ ، ٢٨٢ ح ١١٢٥.

(٧) المقنع : ٢٨.

٢٠٧

السابعة : يستحب الوقوف على فصولهما ، لقول الصادق عليه‌السلام : في رواية خالد بن نجيح : « الأذان والإقامة مجزومان » (١) وفي خبر آخر : « موقوفان » (٢).

ويستحب التأني في الأذان ، والحدر في الإقامة ، لقول الباقر عليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٣).

قلت : الظاهر انّه ألف ( الله ) الأخيرة غير المكتوبة وهاؤه في آخر الشهادتين ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يؤذن لكم من يدغم الهاء » (٤).

وكذا الألف والهاء في الصلاة من ( حي على الصلاة ).

وقال ابن إدريس : المراد بالهاء هاء ( إله ) لا هاء ( اشهد ) ولا هاء ( الله ) ، لأنهما مبنيتان (٥).

ولا ينافي حدر الإقامة قوله : « فأقم مترسّلا » لإمكان حمله على ترسل لا يبلغ ترسل الأذان ، أو على ترسل لا حركة فيه ولا ميلا عن القبلة ، كما في حديث سليمان بن صالح عن الصادق عليه‌السلام : « وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة » (٦).

تنبيه :

الحدر في الإقامة مستحب مع مراعاة الوقوف على الفصول ، فيكره الاعراب فيها ـ كما يكره في الأذان ـ للحديث (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٣.

(٤) المغني ١ : ٤٧٩ عن الدار قطني في الافراد.

(٥) السرائر : ٤٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٦ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٧٣ ح ١٩٥ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٠٤.

٢٠٨

ويستحب رفع الصوت بالأذان ، لرواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام : « ارفع به صوتك ، وإذا أقمت فدون ذلك » (١). ولأنّ الغرض الإبلاغ ولا يتمّ الاّ برفع الصوت ، وليس عليه ان يجهد نفسه ، والمؤذن لنفسه والحاضرين يكفيه الجهر ، وان رفع كان أفضل. ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أذّنت فلا تخفين صوتك ، فانّ الله يأجرك على مدّ صوتك فيه » (٢). وعن الباقر عليه‌السلام : « لا يجزئك من الأذان والإقامة إلا ما أسمعت نفسك وافهمته » (٣) » (٤).

ويجوز للمريض الاسرار ، لقوله عليه‌السلام : « لا بد للمريض أن يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة ، ولو في نفسه ان لم يقدر على ان يتكلم به » (٥). وكلّ من أسرّ بهما فلا بد من إسماع نفسه.

وينبغي رفع الصوت بالأذان في المنزل ، ليولد له ، ويزول سقمه ، رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا عليه‌السلام ، قال : ففعلت ذلك فاذهب الله عني سقمي وكثر ولدي. قال محمد بن راشد : وكنت دائم العلة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي ، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به ، فاذهب الله عني وعن عيالي العلل (٦).

الثامنة : يكره الكلام في خلالهما ، وفي الإقامة آكد ، لقول الصادق عليه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٥ ، وليس فيه « على ».

(٣) في المصدر : « أو فهمته ». وضبطها الشيخ البهائي كما في المتن ، قال في فصل الأذان والإقامة من كتابه الحبل المتين : ٢٠١ : الثاني ـ عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة غير المفهمة ان كان المؤذن غيره ، كما يظهر من قوله عليه‌السلام : « وافهمته » وهو مضبوط في الكتب المعتبرة بالبناء للمفعول ، وجعله عطفا تفسيريا لإسماع النفس محتمل أيضا. واما الحمل على فهم معاني الأذان فبعيد جدا.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٥.

(٥) علل الشرائع : ٣٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٨٢ ح ١١٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ح ١١٠٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٣ ، ٦ : ٩ ح ٩ ، الفقيه ١ : ١٨٩ ح ٩٠٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ح ٢٠٧.

٢٠٩

السلام لأبي هارون المكفوف : « إذا أقمت فلا تتكلم ، ولا يومئ بيدك » (١). والروايات الدالة على جواز الكلام فيهما (٢) لا تنافي الكراهية.

وتزيد الكراهية بعد قوله : ( قد قامت الصلاة ) ، وبعد فراغ الإقامة ، لقوله عليه‌السلام : « إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد ، الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى ، وليس لهم امام ، فلا بأس ان يقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان » (٣).

ويستحب إعادة الإقامة لو تكلّم ، لقوله عليه‌السلام : « لا تكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (٤).

وعمل الشيخان والمرتضى بظاهر خبر تحريم الكلام وأفتوا بالتحريم ، الا بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف (٥).

والمفيد والمرتضى حرما الكلام في الإقامة أيضا (٦).

فرع :

لو طال الكلام في خلال الأذان أو السكوت أو النوم أو الجنون أو الإغماء ، بحيث لا يذكر انّ الثاني مبني على الأول ، استأنفه ليحصل ما يسمى أذانا.

وكذا لو ارتدّ ثم عاد ، وقال الشيخ في المبسوط : يستأنف (٧) وأطلق ، مع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ح ١٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١١.

(٢) راجع : التهذيب ٢ : ٥٤ ح ١٨٦ ، ٥٥ ح ١٨٨ ، ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٠ ، ١١١١ ، ١١١٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٥ ح ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ح ١١١٢.

(٥) المقنعة : ١٥ ، النهاية : ٦٦ ، مختلف الشيعة : ٩٠.

(٦) المقنعة : ١٥ ، مختلف الشيعة : ٨٨.

(٧) المبسوط ١ : ٩٦.

٢١٠

قوله : انه لو أتمّ الأذان ثم ارتدّ اعتدّ به ، وانه وقع صحيحا أولا فلا يبطل الا بدليل (١) قال في المعتبر : ما ذكره من الحجة يلزم في الموضعين (٢).

وأطلق أيضا البناء مع الإغماء إذا أفاق ، وجعل استئنافه أفضل (٣).

التاسعة : يكره ان يكون المؤذن لحانا ، حذرا من احالة المعني ـ كما لو نصب رسول الله ـ ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يؤمّكم أقرؤكم ، ويؤذن لكم أفصحكم » (٤).

وفي حديث آخر : « ويؤذن لكم خياركم » (٥).

ولو كان فيه لثغة فلا بأس ، لما روي ان بلالا كان يبدل الشين سينا (٦).

العاشرة : يستحب الفصل بينهما بركعتين في الظهر والعصر محسوبتين من سنّتيهما ، لما روي عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام : « يؤذن للظهر عند ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات » (٧).

ويجوز بجلسة ، وفي المغرب بنفس ، لقول الصادق عليه‌السلام : « بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فان بينهما نفسا » (٨).

وروي استحباب الجلسة في المغرب عن الصادق عليه‌السلام : « وانه‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٦.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٤.

(٣) المبسوط ١ : ٩٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ ح ٧٢٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦١ ح ٥٩٠ ، مسند أبي يعلى ٤ : ٢٣١ ح ٢٣٤٣ ، السنن الكبرى ١ : ٤٢٦.

(٦) المغني ١ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٥٠.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٦ ح ١١٤٤ وفيه : أو أبي الحسن عليه‌السلام ، وفي الموضعين « على » بدل « عند ».

(٨) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٥٠.

٢١١

كالمتشحط بدمه في سبيل الله » (١).

وعنه عليه‌السلام : « أفضل بين الأذان والإقامة بقعود ، أو كلام ، أو تسبيح » ، وقال : « يجزئه الحمد الله » (٢).

وعنه عليه‌السلام : « لا بد من قعود بين الأذان والإقامة » (٣).

وفي مضمر الجعفري : « أفرق بينهما بجلوس أو ركعتين » (٤).

وذكر الأصحاب الفصل بسجدة ، أو خطوة ، أو سكتة (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : انه أذّن وأقام ولم يفصل بينهما بجلوس (٦) ولعلّه فصل بينهما بسكوت ، أو خطوة ، أو تسبيحة.

وقد روى العامة عن جابر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انه قال لبلال : « اجعل بين أذانك وإقامتك بقدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجة » (٧) يراد به المتخلّي.

وعن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة سنّة » (٨).

ويستحب ان يقول في جلوسه ما روي عنهم عليهم‌السلام : « اللهم اجعل قلبي بارا ، وعيشي قارا ، ورزقي دارا ، واجعل لي عند قبر رسول الله‌

__________________

(١) المحاسن : ٥٠ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ح ١١٥١.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٧٧ ، وصدره في التهذيب ٢ : ٤٩ ح ١٦٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٢٧.

(٥) راجع : المقنعة : ١٥ ، المبسوط ١ : ٩٦ ، المعتبر ٢ : ١٤٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٣٨.

(٧) الجامع الصحيح ١ : ٣٧٣ ح ١٩٥ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٠٤ ، السنن الكبرى ١ : ٤٢٨.

(٨) المغني ١ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤ عن أبي تمام في فوائده.

٢١٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرارا ومستقرا » (١) ويستحب قوله ساجدا (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الدعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ » (٣).

الحادية عشرة : يستحب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذكره للمؤذن والسامع ، في الأذان وغيره ، لعموم قوله تعالى ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) (٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « وأفصح بالألف والهاء ، وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما ذكرته ، أو ذكره ذاكر عندك ، في أذان أو غيره » (٥).

وقال ابن بابويه : قال الصادق عليه‌السلام : « كان اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرر في الأذان ، وأول من حذفه ابن أروى » (٦).

الثانية عشرة : ذكر الفضل بن شاذان في العلل عن الرضا عليه‌السلام انه قال : « إنما أمر الناس بالأذان تذكيرا للناسي ، وتنبيها للغافل ، وتعريفا لجاهل الوقت ، وليكون المؤذن داعيا الى عبادة الخالق (٧) بالتوحيد ، مجاهرا بالايمان ، معلنا بالإسلام. وانما بدئ فيه بالتكبير وختم بالتهليل لأنّ الله تعالى أراد ان يكون الابتداء بذكره والانتهاء بذكره ، وانما ثني ليتكرر في آذان المستمعين ، فان سها عن الأول لم يسه عن الثاني ، ولأنّ الصلاة ركعتان.

وجعل التكبير في أول الأذان أربعا لأنّ أول الأذان يبدو في غفلة ، وجعل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ح ٢٣٠.

(٢) مصباح المتهجد : ٢٨.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٩٥ ح ١٩٠٩ ، مسند احمد ٣ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٤ ح ٥٢١ ، الجامع الصحيح ١ : ٤١٥ ح ٢١٢.

(٤) سورة الأحزاب : ٥٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٣ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٩٥ ح ٩١٣.

(٧) في المصادر الثلاث زيادة : « ومرغبا فيها ، ومقرا له ».

٢١٣

بعد التكبير التشهد لأنّ أول الإيمان هو الإقرار بالوحدانية ، والثاني الإقرار بالرسالة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، وجعل شهادتين كما جعل في سائر ( الكتب ) (١) شهادتين.

وجعل بعدهما الدعاء إلى الصلاة لأن الأذان انما هو نداء للصلاة ، فجعل وسط الأذان الدعاء إليها والى الفلاح والى خير العمل ، وختم الكلام باسمه كما فتح باسمه » (٢).

الثالثة عشرة : ثبت من طريق الأصحاب ( حيّ على خير العمل ) في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان بلالا لما قال : لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لما تركت : ( حي على خير العمل ) (٣) وان الثاني أمر بتركها لئلا يتخاذل الناس عن الجهاد (٤) وكان ابن النباح مؤذن علي عليه‌السلام يقولها ، فإذا رآه علي عليه‌السلام : « مرحبا بالقائلين عدلا ، وبالصلاة مرحبا وأهلا » (٥).

وقال ابن الجنيد : روي عن سهل بن حنيف ، وعبد الله بن عمر ، والباقر والصادق عليهما‌السلام : انهم كانوا يؤذنون بـ ( حي على خير العمل ) وفي حديث ابن عمرا انه سمع أبا محذورة ينادي : بـ ( حي على خير العمل ) ، في أذانه عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليه شاهدنا آل الرسول. وعليه العمل بطبرستان ، واليمن ، والكوفة ونواحيها ، وبعض بغداد (٦).

__________________

(١) في المصادر الثلاث : « الحقوق ».

(٢) الفقيه ١ : ١٩٥ ح ٩١٥ ، علل الشرائع : ٢٥٨ ، عيون اخبار الرضا ٢ : ١٠٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٢.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، علل الشرائع : ٣٦٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٠.

(٦) ما روي عن سهل في :

وعن ابن عمر في : المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٦٤ ح ١٧٩٧ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢١٥ ، السنن الكبرى ١ : ٤٢٤.

وعن الباقر والصادق ٨ في : التهذيب ٢ : ٦٠ ح ٢١٠ ، ٢١١ ، الاستبصار ١ :

٢١٤

وقال ابن أبي عبيد : إنّما أسقط ( حي على خير العمل ) من نهى عن المتعتين وعن بيع أمهات الأولاد ، خشية ان يتكل الناس بزعمه على الصلاة ويدعوا الجهاد. قال : وقد روي انه نهى عن ذلك كله في مقام واحد (١).

وثبت أيضا انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذّن وكان يقول : « اشهد اني رسول الله » ، وتارة يقول : « اشهد ان محمدا رسول الله » ، وأنكر العامة أذانه عليه‌السلام.

نعم ، كان اشتغاله بالإمامة الدائمة تمنعه من ذلك ، فإنها أفضل من الأذان ، لقوله عليه‌السلام : « الأئمة ضمناء ، والمؤذنون أمناء » (٢) فبدأ بالأئمة ، والضامن أكثر عملا من الأمين فيكون أكثر ثوابا ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن ليترك الأفضل إلى غيره. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذنين » لا يدل على أفضلية الأذان ، لأن دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم مستجاب ، ومن أرشد فهو مستحق للمغفرة ، فقد جمع له بين الأمرين.

واما الإقامة ، فقال الشيخ : هي أفضل من الأذان (٤) لقربها من الصلاة ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » (٥) ولشدة تأكيدها باعتبار الطهارة والقيام وشدة كراهة الكلام.

__________________

٣٠٥ ح ١١٣٤ ، ١١٣٦.

(١) انظر : البحر الزّخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ٢ : ١٩٢ وشرح الأزهار ١ : ٢٢٣ ، وانظر شرح العضدي على المختصر الأصولي لابن الحاجب بحاشية السعد التفتازاني ٢ : ٤١ ـ ٤٢.

(٢) ترتيب مسند الشافعي ١ : ٥٨ ح ١٧٤ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٧٧ ح ١٨٣٩ ، السنن الكبرى ١ : ٤٣٠.

(٤) حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ح ١٩٧.

٢١٥

الرابعة عشرة : الترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة ، بينهما وبين كلماتهما ، تأسيا بمؤذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبما علمه جبرئيل عليه‌السلام (١) ولقول الصادق عليه‌السلام : « من سها في الأذان فقدّم أو أخّر ، أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي الى آخره » (٢).

فعلى هذا لو أخلّ بالترتيب لم تحصيل له فضيلة الأذان ، ولم يعتدّ به في الجماعة ، ولم يكتف به أهل البلد. وان تعمّد ذلك معتقدا أنّه أذان أثم باعتقاده ، وان أسمع غيره أمكن إثمه بفعله أيضا ، لجواز اعتقاد بعض الجهال تصويبه.

وقد أطلق عليه بعض الأصحاب الوجوب بهذا المعنى (٣) وهذا هو الوجوب غير المستقر.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٠ ح ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ح ١١٣٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٥.

(٣) راجع : الوسيلة : ٩٠ ، الغنية : ٤٩٤.

٢١٦

الفصل الثاني : في المؤذن.

وفيه مسائل.

الأولى : أجمع العلماء على اشتراط عقله ، لرفع القلم عن المجنون فلا حكم لعبارته ، ولأنّ المؤذن أمين ولا يتصور فيه الامانة.

وفي حكمه الصبي غير المميز ، اما المميز فيعتد بأذانه إجماعا منا.

وروى العامة : انّ بعض ولد أنس كان يؤذن لعمومته ويصلون جماعة ، وانس شاهد لا ينكره (١). وروينا عن علي عليه‌السلام : « لا بأس ان يؤذّن الغلام قبل ان يحتلم » (٢).

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يؤذّن لكم خياركم » (٣) حث على صفة الكمال ، إذ الإجماع واقع على جواز أذان غير الخيار. نعم ، بلوغ المؤذن أفضل ، لهذا الخبر ، ولانّه يقلده أولو العذر ، ولأنّ مؤذني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا بالغين.

وفي حكم المجنون السكران الذي لا تحصيل له ، لعدم انتظام كلامه غالبا ، وعدم قصده.

الثانية : يشترط فيه الإسلام‌ إجماعا ، لهذا الحديث ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤذنون أمناء » (٤) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم اغفر للمؤذنين » (٥) وقول الصادق عليه‌السلام : « لا يجوز ان يؤذن إلا رجل مسلم‌

__________________

(١) المغني ١ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٨ ، عن ابن المنذر.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٦ ، التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٨١.

(٣) تقدم في ص ٢١١ الهامش ٥.

(٤) تقدم في ص ٢١٥ الهامش ٤.

(٥) تقدم في ص ٢١٥ الهامش ٥.

٢١٧

عارف » (١) ولانّه داع إلى الصلاة وليس من أهلها ، ولانّه لا يعتقد مضمون الكلمات ولا الصلاة التي دعا إليها فهو كالمستهزئ.

فان قلت : التلفظ بالشهادتين إسلام فلا يتصور أذان الكافر.

قلت : قد يتلفظ بهما غير عارف بمعناهما ـ كالأعجمي ، أو مستهزئا ، أو حاكيا ، أو غافلا ، أو متأولا عدم عموم النبوة كالعيسوية من اليهود ـ فلا يوجب تلفظه بهما الحكم بالإسلام. ولئن خلا عن العارض وحكم بإسلامه ، لم يعتد بأذانه ، لوقوع أوله في الكفر.

الثالثة : لا تشترط الحرية ، فيجوز أذان العبد إجماعا ، لعموم الألفاظ الدالة على شرعية الأذان بالنسبة إلى المكلفين ، ولانّه تصح إمامته ـ على ما يأتي ان شاء الله ـ فالأذان أولى.

الرابعة : الأذان مشروع للنساء ، فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا. وروى العامة عن عائشة انها كانت تؤذن وتقيم (٢) وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذن لأم ورقة أن تؤذّن وتقيم وتؤم نساءها (٣) ولقول الصادق عليه‌السلام في المرأة تؤذّن : « حسن ان فعلت » (٤). نعم ، لا يتأكد في حقهن ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليس على النساء أذان ، ولا اقامة » (٥) ومثله عن الصادق عليه‌السلام ، رواه جميل بن دراج (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١١٠١.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٣ : ١٢٦ ح ٥٠١٥ ، ٥٠١٦ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٢٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٠٣ ، السنن الكبرى ١ : ٤٠٨ ، ٣ : ١٣١.

(٣) راجع : السنن الكبرى ١ : ٤٠٦ ، كنز العمال ٨ : ٣٠٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٢.

(٥) الخصال : ٥١١ ، السنن الكبرى ١ : ٤٠٨ ، كنز العمال ٧ : ٦٩٧ ح ٢٠٩٨١ عن أبي الشيخ في الأذان.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٨ ، التهذيب ٢ : ٥٧ ح ٢٠٠.

٢١٨

وتجزئها الشهادتان ، لرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « إذا شهدت الشهادتين فحسبها » (١). وروى عبد الله عن الصادق عليه‌السلام : « يجزئها ان تكبّر وتشهد الشهادتين » (٢).

ولو أذّنت للمحارم ، فكالأذان للنساء في الاعتداد. اما للأجانب ، فظاهر المبسوط الاعتداد به ، لانّه لا مانع منه ، مع انّه نهى ان يرفعن أصواتهن بحيث يسمعن الرجال (٣). فإن أراد به مع الاسرار ، فبعيد الاجتزاء بما لم يسمع ، لأنّ المقصود بالأذان الإبلاغ ، وعليه دلّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألقه على بلال ، فإنه أندى منك صوتا » (٤). وان أراد مع الجهر فأبعد ، للنهي عن سماع صوت الأجنبية ، الا ان يقال : ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى ، كما استثني الاستفتاء من الرجال ، وتعلمهنّ منهم ، والمحاورات الضرورية.

وفي حكم المرأة الخنثى ، فتؤذّن للمحارم من الرجال والنساء ، ولأجانب النساء لا لأجانب الرجال.

ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه ، فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة.

الخامسة : يعتد بأذان الفاسق ـ خلافا لابن الجنيد (٥) ـ لإطلاق الألفاظ في شرعية الأذان والحث عليه ، ولانّه يصحّ منه الأذان لنفسه فيصح لغيره. نعم ، العدل أفضل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يؤذن لكم خياركم » (٦) ولان‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠١.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٨ ح ٢٠٢.

(٣) المبسوط ١ : ٩٦.

(٤) مسند أحمد ٤ : ٤٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ ح ٧٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٥ ح ٤٩٩ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٤٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٤١.

(٥) مختلف الشيعة : ٩٠.

(٦) تقدم في ص ٢١١ الهامش ٥.

٢١٩

ذوي الأعذار يقلدونه ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤذنون أمناء » (١).

فروع :

لو أراد الإمام أو الحاكم نصب مؤذن يرزق من بيت المال ، فالأقرب اعتبار عدالته ، لأنّ كمال المصلحة يتوقف عليه. وكذا لو تشاح العدل والفاسق قدّم العدل.

ولو تشاح العدول أو الفاسقون قدّم الأعلم بالأوقات ، لأمن الغلط معه ولتقليد أرباب الأعذار له ، ومنه يعلم تقديم المبصر على المكفوف ، ثم الأشدّ محافظة على الأذان في الوقت ، ثم الأندى صوتا ، ثم من ترتضيه الجماعة والجيران. ومع التساوي فالقرعة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ، ثم لم يجدوا الا ان يستهموا عليه ، لفعلوا » (٢) ولقولهم عليهم‌السلام : « كل أمر مجهول فيه القرعة » (٣).

ولا يترجح في الأذان نسل أبي محذورة ـ بحاء مهملة وذال معجمة ـ وسعد القرظ ـ بفتح القاف والراء والظاء المعجمة ـ ولا نسل الصحابة بعد نسلهما (٤) لإطلاق الأوامر بالأذان ، والبعث عليه والتقييد خلاف الأصل. قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا (٥).

السادسة : يستحب ان يكون مبصرا ، لمكان المعرفة بالأوقات. ولو أذّن الأعمى جاز واعتدّ به ، كما كان ابن أم مكتوم رضي‌الله‌عنه (٦) وكرهه بغير مسدّد‌

__________________

(١) تقدم في ص ٢١٥ الهامش ٤ ، ٥.

(٢) الموطأ ١ : ٦٨ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٥٢٤ ح ٢٠٠٧ ، مسند احمد ٢ : ٥٣٣ ، صحيح البخاري ١ : ٥٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٢٥ ح ٤٣٧ ، سنن النسائي ٢ : ٢٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٢ ح ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ ح ٥٩٣ ، ونصه : « كل مجهول ففيه القرعة ».

(٤) قاله الشافعي ، راجع : المجموع ٣ : ١٠٢.

(٥) المعتبر ٢ : ١٣٣.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٢٨٧ ح ٣٨١ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٧ ح ٥٣٥ ، السنن الكبرى ١ : ٤٢٧.

٢٢٠