ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣

خارجه ، إذا تحقق الخروج عن الجهة ولو استدبر ، لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام : « إذا استبان انك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وان فاتك فلا تعد » (١) وكذا رواية سليمان بن خالد عنه عليه‌السلام (٢) وظاهر رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٣).

فروع :

لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو الجانبين وقد خرج الوقت ، أمكن القول بالاستقامة ولا إعادة ، لدلالة فحوى الأخبار عليه. ويمكن الإعادة ، لأنه لم يأت بالصلاة في الوقت.

وهل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام؟ قطع به الشيخان (٤) ، لعموم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » (٥). وضعّفه الفاضلان ، لانّه مستند الى تقصيره (٦) بخلاف الظان. والأقرب المساواة ، لشمول خبر عبد الرحمن للناسي (٧).

اما جاهل الحكم ، فالأقرب انّه يعيد مطلقا ، الا ما كان بين المغرب والمشرق ، لانه ضم جهلا الى تقصير. ووجه المساواة : « الناس في سعة مما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٤ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ح ١٥٤ ، ١٤٢ ح ٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ح ١٠٩٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٥ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ح ١٥٢ ، ١٤٢ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ح ١٠٩١.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٨ ح ١٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ح ١٠٩٤.

(٤) المقنعة : ١٤ ، المبسوط ١ : ٨٠.

(٥) الخصال : ٤١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ ح ٢٠٤٥ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ح ١٠٣٠٧ عن الطبراني.

(٦) المعتبر ٢ : ٧٤ ، مختلف الشيعة : ٧٩.

(٧) تقدم في الهامش ١.

١٨١

لم يعلموا ».

الثالثة عشرة : ذهب ابن أبي عقيل وابن بابويه ـ في ظاهر كلامه ـ إلى انّه عند خفاء القبلة يصلى حيث شاء ، ولا اعادة عليه بعد خروج الوقت لو تبين الخطأ (١).

والأكثر أوجبوا الصلاة إلى أربع (٢) لرواية خداش السالفة ، وهي بطريقين في التهذيب (٣).

ويمكن ان يحتج بما تقدم من أحاديث التحري (٤) وان المراد به التخيير ، وبان التكليف ساقط مع عدم العلم ، وبعموم ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٥) وهو أولى من اعتقاد نسخ الآية ، ومال في المختلف الى هذا القول (٦).

ويمكن أن يطعن في رواية خداش بالإرسال وجهالته أيضا ، فإنا لم نقف على توثيقه بعد ، الا انها معتضدة بالعمل من عظماء الأصحاب وبالبعد من قول العامة ، الا انه يلزم من العمل بها سقوط الاجتهاد بالكلية في القبلة لأنّها مصرحة به ، والأصحاب مفتون بالاجتهاد.

ويمكن ان يكون الاجتهاد الذي صار إليه الأصحاب هو ما أفاد القطع بالجهة ـ من نحو مطلع الشمس ومغربها ، ودلالة الكواكب ـ دون الاجتهاد المفيد للظن كالرياح ، أو ظن بعض الكواكب ، الكوكب الذي هو العلامة مع عدم القطع به.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٩ ، وحكاه عن ابن أبي عقيل العلامة في مختلف الشيعة : ٧٧.

(٢) راجع : المقنعة : ١٤ ، المبسوط ١ : ٨٠ ، النهاية : ٦٣ ، المراسم : ٦١ ، الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٤ و ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ح ١٠٨٥ و ١٠٨٦ وانظر ص : ١٧٢ الهامش ١.

(٤) تقدمت في ص ١٧١.

(٥) سورة البقرة : ١١٥.

(٦) مختلف الشيعة : ٧٨.

١٨٢

الرابعة عشرة : لو تغير اجتهاده مصليا ، انحرف وبنى ان كان لا يبلغ موضع الإعادة ، والاّ أعاد. ولو شك مصليا في اجتهاده لم يلتفت ، لأنّ الدخول شرعي بظن قوي فلا يزول بالشك.

ولو صلّى باجتهاده فكفّ في أثناء الصلاة استمر ، لأنّ اجتهاده أقوى من اجتهاد غيره بالنسبة إليه ، فإن انحرف استقام إن علم والا قلّد في الأثناء ، فإن تعذر أبطلها مع سعة الوقت والا أتمّ بحاله.

ولو وجد المكفوف محرابا فهو أولى من التقليد. وكذا الركون الى المخبر عن علم أولى من الركون الى المجتهد.

ولو قلّد مجتهدا ، فأخبره مجتهد آخر في الأثناء بخطئه وانّ الصواب كذا ، فان كان أعلم أو أعدل عوّل على الثاني ، والاّ استمر. أما لو كان أخبار الثاني عن علم ، فإنه يرجع إليه كيف كان إذا كان عدلا ، لاستناده الى اليقين الذي هو أقوى من الاجتهاد.

ولو قيل للمكفوف أنت مستقبل الشمس أو مستدبرها ، وهو يعلم انّ جهته ليست في صوبها وجب عليه العدول أيضا ، لأنه كانتقال المجتهد الى اليقين.

ولو قال الثاني أنت على الخطأ قطعا ، فالظاهر ترجيحه على الأول ، تنزيلا لقطعه منزلة الاخبار عن الحس ، ولا اعتبار بتجويز كونه مجتهدا ، لأنّ الاجتهاد لا يحصل عنه القطع.

ولو اقتصر على إخباره بخطئه ، ولما يتبيّن الصواب منه ولا من غيره ، فإن أمكن تحصيل الصواب قبل الخروج عن اسم المصلي استمر الى وجود المخبر ، ويكون حكمه ما سلف من تبيّن الخطأ. وان عجز عن درك الصواب الاّ بالخروج عن اسم الصلاة بطلت ، إذ لا سبيل الى الاستمرار على الخطأ والصواب غير معلوم.

ولو كان أخبار الثاني بعد الفراغ من الصلاة لم يلتفت اليه ، الاّ ان يخبر عن قطع فيراعى ما سلف.

١٨٣

الخامسة عشرة : اشتهر بين الأصحاب استحباب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا (١) ، ويظهر من كلام الشيخ وجوبه (٢) لما رواه المفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه ، فقال : « انّ الحجر الأسود لما أنزله الله سبحانه من الجنة ووضع في موضعه ، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال. فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة » (٣).

وروى الكليني عن علي بن محمد رفعه ، قال : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟ فقال : « لأنّ للكعبة ستة حدود : أربعة منها على يسارك ، واثنان منها على يمينك ، فمن أجل ذلك وقع التحريف الى اليسار » (٤).

والروايتان ضعيفتان ، لعدم اسناد الاولى إلى المفضل ، مع انّ النجاشي ضعّفه (٥) وقطع سند الثانية. والعمدة الشهرة بين الأصحاب ، حتى انّ الشيخ ادعى عليه الإجماع (٦).

وفيه إشارة الى انّ النائي يتوجّه الى الحرم.

ووجوبه بعيد ، لان ظاهره ارادة الاستظهار والاحتياط ـ كما صرح به المصنفون ـ فلا يكون واجبا.

__________________

(١) راجع : المقنعة : ١٤ ، السرائر : ٤٢ ، المراسم : ٦١ ، المعتبر ٢ : ٦٩.

(٢) المبسوط ١ : ٧٨ ، النهاية : ٦٣ ، الخلاف ١ : ٢٩٧ المسألة ٤٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٨ ح ٨٤٢ ، علل الشرائع : ٣١٨ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٧ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤١.

(٥) رجال النجاشي : ١٤٦ رقم ١١١٢.

(٦) الخلاف ١ : ٢٩٧ المسألة ٤٢.

١٨٤

ويرد عليه : انّ الانحراف اما الى القبلة فيجب ، واما عنها فيحرم ، فلا معنى للاستحباب.

ويجاب : بانّ الانحراف في القبلة ، وجاز ان تكون الجهة على ما مر ، واتساعها ظاهر فالميل الى اليسار تمكّن فيها ، أو اصابة ما يقرب إلى الكعبة من الجهات.

فرع :

إذا قلنا بهذا التياسر فليس بمقدّر ، بل مرجعه الى اجتهاد المصلّي ، ومن ثم جعلنا المسألة من مسائل الاجتهاد ، ولا ريب في اختلاف ذلك بحسب اختلاف بلدان المشرق ، ولعل البالغ في المشرق الى تخومه يسقط عنه هذا التياسر بل لا يجوز له ، للقطع بأنه يخرج عن العلامات المنصوبة لهم ، والخبران لا يدلان على غير أهل العراق ، لان المفضل كوفي وغالب الرواة عنهم عليهم‌السلام عراقيون.

وللمحقق ـ رحمه‌الله ـ في هذا مسألة حسنة ، صدر إنشاؤها عن إيراد الإمام العلامة نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ـ رحمه‌الله ـ لما اجتمعا في بعض المجالس.

السادسة عشرة : لو اجتهد إلى جهة فصلّى ، ثم تبين الخطأ في الأثناء ، فإن حصل الصواب بعده بما لا يخرجه عن اسم المصلي بنى على ما سلف من اعتبار التيامن والتياسر وغيرهما ، وان كان لا يمكن تحصيله في ذلك الزمان فالأجود البطلان ، لامتناع الاستمرار على الخطأ ، وعدم علم الجهة وظنها.

ولو تحيّر الشامي أو اليمني فاجتهد وصلّى إلى جهة ، فانكشف الغيم فإذا كوكب في الأفق ، يقطع بأنه اما في المشرق أو في المغرب وهو بإزائه ، فإنه يتبيّن الخطأ قطعا ويحكم هنا ببطلان الصلاة في الحال ، فان رأى الكوكب ينحط علم به المغرب ، وان رآه يرتفع علم به المشرق ، وان أطبق الغيم في الحال فالتحيّر باق الا انّه في جهتين ، فان انكشف فيما بعد والا صلّى إليهما‌

١٨٥

لا غير.

ولو كان المصلّي مشرقيا أو مغربيا ، لم يحكم ببطلان صلاته في الحال بظهور الكوكب الافقي ، بل يتربص لينظر علوه وعدمه فيبني على ما علمه. ولو عاد الغيم في الحال لم يحكم هنا ببطلان الصلاة ، لأصالة صحتها ، واستناده الى اجتهاده الذي لم يعلم خطأه. وهل تجب عليه الصلاة الى الجهة الأخرى؟

يمكن ذلك ان لم يكن الاجتهاد الأول باقيا ولا تجدّد غيره ، وان كان باقيا فلا ، وان تجدّد غيره استأنف.

ولو كان المصلي من إحدى الزوايا التي بين الجهات الأربع ، فظهور الكوكب الافقي لا يبطل استمراره أيضا في الحال ، بل بعد اعتبار العلو والانخفاض يراعي ما سلف ، فيستمر مع إصابة القبلة أو ما في حكمها ، ويستأنف مع عدمهما ان بقي الوقت ، أو مطلقا لو كان مستدبرا على القول به.

ولو دعا الغيم ، فان قطع على مخالفة قبلته أو ما في حكمها أعاد إلى الجهات التي يعلم معها إصابة القبلة ، وان لم يقطع على المخالفة فالبناء متعيّن. وفي الصلاة الى جهة أخرى الاحتمال ، فيراعى جهتين ليس فيهما محض المشرق والمغرب.

السابعة عشرة : لو صلّى أربع صلوات بأربع اجتهادات إلى أربع جهات ، فعلى ما قلناه : ان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ، لا إعادة عليه.

ويحتمل إعادة الكل ، لتيقن الخطأ في ثلاث منها على احتمال اعتبار العين ان كانت مختلفة العدد ، أو اعادة ثلاث مردّدة إن اتفق العدد.

ويحتمل اعادة ما صلاّه أولا وصحة الأخيرة ، ويجعل هذا الاجتهاد ناسخا لما سبق.

ويضعف الأول : بأنه لو وجبت الإعادة لم يؤمر بالصلاة مع تغيّر الاجتهاد ، والثاني : بأنه تحكم إذ الاجتهادات متعاقبة متنافية.

ويحتمل قويا انه مع تغيّر الاجتهاد يؤمر بالصلاة إلى أربع ، لأن الاجتهاد‌

١٨٦

عارضه الاجتهاد فتساقطا فتحيّر. ولا يجب إعادة ما صلاّه أولا ، لإمكان صحته ودخوله مشروعا.

١٨٧

الفصل الثالث : فيما يستقبل له.

وفيه مسائل.

الأولى : يجب الاستقبال في فرائض الصلوات ، وبالميت في أحواله السابقة ، وعند الذبح على ما يأتي ان شاء الله ، كل ذلك مع الاختيار.

ويحرم الاستقبال فيما مر.

ويستحب للجلوس للقضاء ، والدعاء مؤكدا ، والجلوس مطلقا إلى القبلة أفضل ، لقولهم عليهم‌السلام : « أفضل المجالس ما استقبل به القبلة » (١).

ويكره الاستقبال في الجماع.

ولا تكاد الإباحة بالمعنى الأخص تتحقق هنا.

الثانية : يسقط الاستقبال في الصلاة عند الضرورة وعدم التمكن منه ، كالمصلوب ، والمريض الذي لا يجد من يوجّهه إلى القبلة مع عجزه عنها ، وكالمضطر إلى الصلاة ماشيا مع عدم إمكان الاستقبال ، وكما في حال شدة الخوف وان قدر على الاستقبال لو لا القتال.

ويسقط في الميت أيضا عند التعذّر ، وفي الذبح في الصائلة والمتردية إذا لم يمكن فيها الاستقبال.

الثالثة : لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا إجماعا لاختلال الاستقبال وان كانت منذورة ، سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض ، لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب. وكذا صلاة الجنازة ، لأنّ أظهر أركانها القيام ، وأقوى شروطها الاستقبال.

وقد روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : أيصلي الرجل شيئا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ١٠٩ ح ٣ ، مستدرك الوسائل ٨ : ٤٠٦ ح ١ الغايات : ٨٧.

١٨٨

من الفرائض راكبا من غير ضرورة؟ فقال : « لا » (١).

وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه‌السلام : « لا يصلّي الفريضة على الدابة إلا مريض » (٢).

و( شي‌ء ) نكرة في سياق نفي فيعم ، « والفريضة » محلى بلام الجنس إذ لا معهود فيعم.

ويدلان على جواز ذلك عند الضرورة ، وعليه دلّ قوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٣) وهو يدل بفحواه على مطلق الضرورة ، وقد تقدم ذكر صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الراحلة في المطر (٤).

والعامة منعوا من الفريضة على الراحلة عند الضرورة ، الاّ ان يخاف الانقطاع عن الرفقة بالنزول ، أو يخاف على نفسه أو ماله بالنزول ، فيصلي ثم يعيد إذا نزل عنها (٥). ويبطله : ان الامتثال يقتضي الإجزاء.

الرابعة : لو تمكن الراكب من الاستقبال واستيفاء الافعال ، كالراكب في الكنيسة (٦) ، أو على بعير معقول ، ففي صحة صلاته وجهان ، أصحهما المنع.

اما الأول فلعدم الاستقرار ، ولهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال ، لأنّ المشي أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة فتبطلها ، وانما خرجت النافلة بدليل آخر مع المسامحة فيها.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ح ٩٥٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ح ٩٥٢.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٩.

(٤) تقدم في ص ١٥٢ ، الهامش ٤.

(٥) المجموع ٣ : ٢٤٢.

(٦) الكنيسة : هي شي‌ء يغرز في المحمل أو الرحل ، ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به. مجمع البحرين ، مادة كنس.

١٨٩

واما البعير المعقول فلأنّ إطلاق الأمر بالصلاة ينصرف الى القرار المعهود ، وهو ما كان على الأرض وما في معناها ، كالزورق المشدود على الساحل ، لأنّه بمثابة السرير والماء بمثابة الأرض ، وتحركه سفلا وصعدا كتحرك السرير على وجه الأرض ، وليست الدابة للقرار عليها.

ومن هذا يظهر عدم صحة الصلاة في الأرجوحة المعلقة بالحبال ، فإنها لا تعدّ عرفا مكان القرار. ويمكن الفرق بينهما بانّ البعير المعقول معرّض لعدم الاستقرار بخلاف الأرجوحة ، وقد روى علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام جواز الصلاة على الرفّ المعلق بين نخلتين (١) وهو يعطي جواز الصلاة في الأرجوحة.

ولو احتمل قوم سريرا عليه مصل فكالبعير المعقول ، بل أولى بالصحة ، لأنه قد يؤمن منهم أسباب الاختلال.

ولو كانت الدابة واقفة وأمكن استيفاء الأفعال ، فهي مرتبة على المعقولة ، وأولى بالبطلان هنا ، لأنّ الحركة إليها أقرب.

الخامسة : جوّز الفاضل الصلاة في السفينة فرضا ونفلا ، مختارا ـ في ظاهر كلامه ـ وان كانت سائرة (٢) وهو قول ابن بابويه وابن حمزة (٣). وكثير من الأصحاب جوزه ، ولم يذكروا الاختيار (٤).

وروى حماد بن عيسى عن الصادق عليه‌السلام : « ان استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا ، فان لم تقدروا فصلوا قياما ، فان لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحرّوا القبلة » (٥). وعن علي بن إبراهيم قال : سألته عن الصلاة‌

__________________

(١) قرب الاسناد : ٨٦ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ح ١٥٥٣.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٤٠٦ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٤ ، منتهى المطلب ١ : ٢٢٣.

(٣) الهداية : ٣٥ ، الوسيلة : ٨٤.

(٤) المقنعة : ٣٥ ، المراسم : ٧٦ ، المهذب ١ : ١١٨.

(٥) قرب الاسناد : ١١ ، الكافي ٣ : ٤٤١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٧٠ ح ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤.

١٩٠

في السفينة ، قال : « لا يصلى فيها وهو قادر على الشط » (١).

وبإزاء هذه روايات ظاهرها الجواز مع الاختيار ، مثل رواية عبيد الله الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٢). وقال له جميل بن دراج : تكون السفينة قريبة من الجدد ، فأخرج فأصلي؟ فقال : « صلّ فيها اما ترضى بصلاة نوح عليه‌السلام » (٣).

والأقرب المنع إلا لضرورة ، لأن القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك ، ولأنّ الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة.

وأجاب الفاضل : بأنّها بالنسبة إلى المصلّي حركة عرضية وهو ساكن (٤).

وبما قلناه قال أبو الصلاح (٥) وابن إدريس ـ في باب صلاة المسافر ـ حيث قال : ومن اضطر إلى الصلاة في سفينة فأمكنه ان يصلى قائما لم يجزه غير ذلك ، وان خاف الغرق وانقلاب السفينة جاز ان يصلي جالسا (٦).

والعامة يجوّزون لراكب البحر الصلاة في السفينة وان كانت جارية تتحرك بما فيها من دواب وغيرها ، لمساس الحاجة الى ركوب البحر ، فجعل الماء على الأرض كالأرض ، وجعلت السفينة كالصفا على وجه الأرض (٧). وتردّدوا في جوازها في نحو دجلة للمقيم ببغداد اختيارا (٨) لقدرته على الشط ، واقامة الأركان‌

__________________

ح ١٧٦١.

(١) التهذيب ٣ : ١٧٠ ح ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤٥٥ ح ١٧٦٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٩١ ح ١٣٢٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩١ ح ١٣٢٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٥ ح ٨٩٤.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٢٢٣.

(٥) الكافي في الفقه : ١٤٧.

(٦) السرائر : ٧٥.

(٧) لاحظ : المجموع ٣ : ٢٤٢.

(٨) راجع : المجموع ٣ : ٢٤٢.

١٩١

والشرائط.

السادسة : إذا اضطر الى الفريضة على الراحلة أو ماشيا أو الى السفينة ، وجب مراعاة الشرائط والأركان مهما أمكن ، امتثالا لأمر الشارع ، فان تعذّر أتى بما يمكن. فلو أمكن الاستقبال في حال دون حال وجب بحسب مكنته ، لعموم : « وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره » (١) ولو لم يتمكن إلا بالتحريمة وجب ، فان تعذّر سقط.

فرع :

في وجوب تحري الأقرب الى القبلة من الجهات فالأقرب نظر ، من الخروج عن الجهة فتتساوى الجهات ، ومن انّ للقرب أثرا ، ولهذا افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد. ولو قيل : يجب تحري ما بين المشرق والمغرب دون باقي الجهات الثلاث ، لتساويها في الاستدراك لو ظهر الخطأ في الاجتهاد ، كان قويا. وحينئذ يترجّح المشرق والمغرب على الاستدبار ، على القول بالقضاء فيه مع خروج الوقت.

اما النوافل فتجوز على الراحلة اختيارا باتفاقنا إذا كان مسافرا ، طال سفره أو قصر ، لما رووه من انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي سبحته حيث توجهت به ناقته (٢) وأوتر على راحلته (٣) وفعله علي عليه‌السلام (٤) وابن عباس ولقول الصادق عليه‌السلام في صلاة المريض في المحمل : « أما النافلة فنعم » (٥).

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٨٦ ح ٧٠٠ ، السنن الكبرى ٢ : ٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٨٧ ح ٧٠٠ ، السنن الكبرى ٢ : ٦.

(٤) قرب الاسناد : ٥٤ ، السنن الكبرى ٢ : ٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ح ٩٥٣.

١٩٢

ويستقبل بالتكبير ، لقوله عليه‌السلام : « استقبل القبلة وكبّر ، وصلّ حيث ذهب بك بعيرك » (١) ولا يحتاج الى غيره ، لقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٢) ولقوله عليه‌السلام للكرخي لما قال : اني أتحرى على ان أتوجه في المحمل إلى القبلة : « ما هذا الضيق ، اما لك برسول الله أسوة » (٣).

ولو صلى على الراحلة حاضرا جاز أيضا ، قاله الشيخ (٤) لقول الكاظم عليه‌السلام في صلاة النافلة على الدابة في الأمصار : « لا بأس » (٥) ومنعه ابن أبي عقيل (٦). وكذا الماشي ، لقول الصادق عليه‌السلام في المصلي تطوعا وهو يمشي : « نعم » (٧).

وفي الفريضة عند الضرورة ، لقوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٨) وغير الخوف مساو له في الضرورة.

ويومئ الراكب والماشي للركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض. ولو حرف الدابة عن القبلة في الفريضة عمدا بطلت ، ولو كان بفعلها أو جماحها لم تبطل ، لعدم الاستطاعة ، طال الانحراف أو لا.

وراكب التعاسيف ـ وهو : الهائم الذي لا مقصد له بل يستقبل تارة ويستدبر اخرى ـ له التنفل كغيره ، ولا يتعيّن طريق الراكب لقبلته ، بل لو أمكنه التوجّه إلى القبلة وجب ـ وان كان بالركوب منحرفا أو مقلوبا ـ في الفريضة. نعم ، في النافلة إذا لم يمكن القبلة فقبلته طريقه استحبابا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٣ ح ٦٠٦.

(٢) سورة البقرة : ١١٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٥ ح ١٢٩٥ ، التهذيب ٣ : ٢٢٩ ح ٥٨٦.

(٤) الخلاف ١ : ٢٩٩ المسألة ٤٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ح ٥٨٩.

(٦) مختلف الشيعة : ٧٩.

(٧) أخرجه المحقق في المعتبر ٢ : ٧٧.

(٨) سورة البقرة : ٢٣٩.

١٩٣

فرع :

لو أمكن الركوب والمشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار فظاهر الآية التخيير.

ويمكن ترجيح المشي ، لحصول ركن القيام.

ويعارضه : انّ حركته ذاتية وحركة الراكب عرضية فهو مستقر بالذات ، ومع ذلك فلا يجوز ان يكون لبيان شرعية الأمرين وان كان بينهما ترتيب ، كآية كفارة الصيد.

نعم ، لو أمكن الركوع والسجود للماشي دون الراكب ، أو بالعكس ، وجب الأكمل منهما.

ولو أمكن الراكب النزول للركوع والسجود وجب ، ولا يكون ذلك منافيا للصلاة ، لأنّه من أفعالها كما سيأتي إن شاء الله في صلاة الخوف.

وكذا لو أمكن أحدهما الاستقبال دون الآخر وجب تحصيل ما به الاستقبال ، وكذا باقي الشرائط.

١٩٤

الباب السابع :

في الأذان والإقامة :

وهما وحي من الله تعالى عندنا كسائر العبادات على لسان جبرئيل عليه الصلاة والسلام. فروى الفضيل بن يسار عن الباقر عليه‌السلام : « انه لما اسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغ البيت المعمور ، حضرت الصلاة فأذن جبرئيل واقام ، فتقدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى خلفه الملائكة والنبيون عليهم‌السلام (١).

وروى منصور عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لما هبط جبرئيل عليه‌السلام بالأذان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رأسه في حجر علي ، فأذّن جبرئيل واقام ، فلما انتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي أسمعت؟ قال : نعم. قال : احفظت؟ قال : نعم. قال : ادع بلالا فعلّمه » (٢).

ونسبه العامة إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (٣) وهو بعيد عن أحوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتلقيه العبادة بالوحي ، ولقوله تعالى ( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٤).

قال ابن أبي عقيل : أجمعت الشيعة عن الصادق عليه‌السلام انّه لعن قوما زعموا انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الأذان من عبد الله بن زيد ، فقال : « ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انّه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ ح ١ عن الفضل وزرارة عن الباقر عليه‌السلام.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٨٣ ح ٨٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١٠٩٩.

(٣) مسند احمد ٤ : ٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ ح ٧٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٥ ح ٤٩٩ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٥٨ ح ١٨٩ ، السنن الكبرى ١ : ٣٩٠.

(٤) سورة النجم : ٥٣.

١٩٥

وثوابه عظيم ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة » (١).

« من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة » (٢).

« للمؤذن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر المتشحط بدمه في سبيل الله ». فقال علي عليه‌السلام : « يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انهم يجتلدون على الأذان ». قال : « كلا انّه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار » (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : « من أذّن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة ولا ذنب له » (٤).

« من أذّن عشر سنين محتسبا يغفر الله له مدّ بصره وصوته في السماء ، ويصدقه كل رطب ويابس سمعه ، وله من كل من يصلي معه في المسجد سهم ، وله من كل من يصلّي بصوته حسنة » (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : « ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذّن احتسابا ، وامام أمّ قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه » (٦).

« إذا أذّنت في أرض فلاة وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة ، وان أقمت قبل ان تؤذّن صلّى خلفك صف واحد » (٧) وفي رواية أخرى : « حدّ الصف ما بين المشرق والمغرب » ولم يذكر الفلاة فيها (٨).

__________________

(١) عيون اخبار الرضا ٢ : ٦١ ، صحيح مسلم ١ : ٢٩٠ ح ٣٨٧ ، السنن الكبرى ١ : ٤٣٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨١ ، ثواب الاعمال : ٥٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ح ١١٢٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٦٩ ، ثواب الاعمال : ٥٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ح ١١٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٦ ح ٨٨٣ ، ثواب الاعمال : ٥٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ح ١١٢٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨٢ ، الخصال : ٤٤٨ ، التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٣ ح ١١٢٧.

(٧) التهذيب ٢ : ٥٢ ح ١٧٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٨٦ ح ٨٨٧.

١٩٦

وعن أبي الحسن عليه‌السلام : « من صلّى بأذان واقامة صلّى وراءه صفان من الملائكة ، وان أقام بغير أذان صلّى واحد عن يمينه وآخر عن يساره » (١).

وعن محمد بن مسلم ، قال لي الصادق عليه‌السلام : « إذا أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفان من الملائكة ، وان أقمت بغير أذان صلى خلفك صف واحد » (٢). في اخبار كثيرة من طرق الأصحاب وغيرها.

ثم الأذان لغة : الإعلام ، ويقال : إيذان وأذين وفعله أذن يأذن ، ثم آذن بالمد للتعدية ، ويقال للمؤذن : أذين. وقول عدي بن زيد (٣).

وسماع يأذن الشيخ له

وحديث مثل ماذي مشار

يريد به استمع ، لان الاستماع سبب في العلم ، فيرجع الى إذن بمعنى علم ، ومنه قوله تعالى ( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٤) أي : اعلموا ، ومن قرأ بالمد فمعناه : أعلموا من ورائكم بالحرب.

وشرعا الأذكار المعهودة للإعلام بأوقات الصلوات.

والإقامة لغة : مصدر أقام بالمكان ، والتاء عوض من عين الفعل لأن أصله إقوام ، أو مصدر أقام الشي‌ء بمعنى ادامه ، ومنه ( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (٥).

وشرعا الأذكار المعهودة عند إقامة الصلاة ، أي : فعلها.

وفي الباب فصول :

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ ح ٨٨٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٢ ح ١٧٤.

(٣) لسان العرب ١٣ : ١٠.

(٤) سورة البقرة : ٢٧٩.

(٥) سورة لقمان : ٤.

١٩٧

الأول : في كيفية الأذان والإقامة.

وفيه مسائل.

الاولى : لا يجوزان قبل الوقت‌ إجماعا ، لأنّه إعلام بدخول الوقت. وتجويز تقديم الأذان في الصبح رخصة ، ليتأهب الناس للصلاة ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّ ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال » (١).

قال الصدوق : فغيّرته العامة ، وقالوا : انّ بلالا يؤذن بليل (٢).

قلت : ويؤيده ما رووه انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبلال : « لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا » ومدّ يده عرضا (٣) وكأنه قد جعل له وظيفة الأذان المؤخّر ، ولان المبصر يراعي الصبح فيفوّض اليه ، بخلاف الأعمى.

ولا يشترط في التقديم مؤذنان ، فلو كان واحدا جاز له تقديمه. نعم ، يستحب إعادته بعده ، ليعلم بالأول قرب الوقت وبالثاني دخوله ، لئلا يتوهّم طلوع الفجر بالأول. وروى ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام قلت له : انّ لنا مؤذّنا يؤذن بليل ، فقال : « انّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، واما السنّة فإنّه ينادي من طلوع الفجر » (٤).

فروع :

لا حدّ لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر ، وتقديره بسدس الليل أو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٩٤ ، وراجع : مسند احمد ٢ : ٩ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٠ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٩٤ ح ٢٠٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٤٧ ح ٥٣٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٧.

١٩٨

نصفه تحكّم (١) وروي انّه كان بين اذاني بلال وابن أم مكتوم نزول هذا وصعود هذا (٢).

وينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم ، ليعتمد عليه الناس.

ولا فرق بين رمضان وغيره في التقديم ، وسيجي‌ء مزيد بحث في هذه المسألة ان شاء الله تعالى.

الثانية : فصولهما خمسة وثلاثون‌ في أشهر الروايات (٣) ، وعليه عمل الأصحاب. فالأذان ثمانية عشر :

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر.

اشهد ان لا إله إلا الله ، اشهد ان لا إله إلا الله.

اشهد انّ محمدا رسول الله ، اشهد انّ محمدا رسول الله.

حي على الصلاة ، حي على الصلاة.

حي على الفلاح ، حي على الفلاح.

حي على خير العمل ، حي على خير العمل.

الله أكبر ، الله أكبر.

لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله.

والإقامة سبعة عشر ، الا انّ التكبير في أولها مثنى ، والتهليل في آخرها مرة ، وتزيد : ( قد قامت الصلاة ) مثنى بعد ( حي على خير العمل ).

وفي رواية الفضيل بن يسار وزرارة عن الباقر ، وعبد الله بن سنان عن الصادق عليهما‌السلام : التكبير في أول الأذان ( الله أكبر الله أكبر ) (٤) وفي هذه‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٨٨ ، المغني ١ : ٤٥٧.

(٢) مسند الطيالسي : ٢٣١ ح ١٦٦١ ، المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٩٢ ح ١٨٩٢ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٧ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٣٨ ، السنن الكبرى ١ : ٤٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ح ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ح ١١٣٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٩ ح ٢٠٩ ، ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ح ١١٣٣ ، ١١٣٤.

١٩٩

الرواية عن الباقر عليه‌السلام : الإقامة مثله بزيادة ( قد قامت الصلاة ) ، فعلى هذا الأذان ستة عشر والإقامة ثمانية عشر.

وروى أبو بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن الصادق عليه‌السلام : تربيع التكبير في أول الأذان ـ كما هو المشهور ـ وعدّ باقي الفصول المشهورة ، وجعل الإقامة مثله (١) فعلى هذه الرواية للإقامة عشرون فصلا.

وحمل الشيخ رواية تثنية التكبير في الأذان على انّه ترك التربيع في الأذان اعتمادا على فهم السامع ذلك ، لأنّ زرارة روى عن الباقر عليه‌السلام : « تفتتح الأذان بأربع تكبيرات » (٢).

وروى معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام : « الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة » (٣) فعلى هذه الأذان ستة عشر فصلا والإقامة تسع كلمات. وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « الإقامة مرة مرة ، إلا قوله : الله أكبر ، الله أكبر ، فإنه مرتان » (٤).

وحملهما الشيخ على التقية أو العجلة ، لما روى أبو عبيدة عن الباقر عليه‌السلام : انه كبّر واحدة في الأذان وقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلا ». وروى صفوان عن الصادق عليه‌السلام : « الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى » (٥).

وقد حكى الشيخ رواية أربع تكبيرات في آخر الأذان وتربيع التكبير في أول الإقامة ، وروى تربيعه أيضا في آخرها وتثنية التهليل آخرها ، قال : وان عمل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٧ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ح ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ ح ١١٣٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٦١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ، ورواية زرارة فيهما برقم ٢١٣ ، ١١٣٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٦١ ح ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ح ١١٣٨ ، وفيهما لفظة « واحدة » مكررة.

(٤) التهذيب ٢ : ٦١ ح ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ح ١١٣٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧. والروايتين فيهما برقم ٢١٦ ، ٢١٧ ، ١١٤٠ ، ١١٤١ ، وفي رواية صفوان : « الإقامة مثنى مثنى ».

٢٠٠